شرح مقدمة سنن ابن ماجه (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد سأل بعض الإخوة في الدرس الماضي عن حديث العرباض، وقال: هل هو في صحيح مسلم؟
قلت: نعم وهذا سبق لسان، وقصدي الحكم على الحديث الذي بعده كما هو واضح من تخريج الحديث، أما الذي بعده نعم هو في صحيح مسلم، الذي هو حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فيه خطبة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا في الصحيح، وأما حديث العرباض فقد أحضره بعض الإخوة.
يقول: بسم الله الرحمن الرحيم
عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف)).
في تخريجه قال الأخ الذي كتب الأوراق: أما لفظة: ((وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً)) فقد أخرجها بمعناها الإمام البخاري من حديث أنس مرفوعاً: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) ومسلم من حديث أبي ذر مرفوعاً: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف)) والإمام مسلم من حديث أم الحصين مرفوعاً أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)).
يعني هذه آخر لفظة في الحديث، فلو جعلت هذه في آخر التخريج، يعني يذكر تخريج الحديث الذي بين أيدينا، ثم يذكر ما لجمله من الشواهد جملة جملة، بدءاً من الأولى إلى الآخرة، فهذه هي الجملة الأخيرة فلو أخرت إلى آخر شيء ((وإن عبداً حبشياً)).
وأما الحديث بطوله فهو صحيح بشواهده، فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان والحاكم والإمام أحمد من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي به، قال الحافظ عنه في التقريب: مقبول، وعرفنا ما في المقبول من كلام، وقد تابع عبد الرحمن السلمي حجر بن حجر الكلاعي، قال الذهبي عنه في ميزان الاعتدال: ما حدث عنه سوى خالد بن معدان بحديث العرباض مقروناً بآخر، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والإمام أحمد.
ويحيى بن أبي المطاع قال عنه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وهذا في الظاهر إسناد جيد متصل، ورواته ثقات مشهورون، وقد صُرح فيه بالسماع، وقد ذكر البخاري في تاريخه: أن يحيى بن أبي المطاع سمع من العرباض اعتماداً على هذه الرواية إلا أن حفاظ أهل الشام أنكروا ذلك، وقالوا: يحيى بن أبي المطاع لم يسمع من العرباض، ولم يلقه، وهذه الرواية غلط، وممن ذكر ذلك -لعله أبو زرعة الدمشقي- كاتب زرعة، ما هو أبو زرعة الدمشقي، وحكاه عن دحيم، وهؤلاء أعرف بشيوخهم من غيرهم، والبخاري -رحمه الله- يقع له في تاريخه أوهام في أخبار أهل الشام.
وقال الحافظ في التقريب: صدوق، وأشار دحيم إلى أن روايتهم عن العرباض مرسلة، وحديثه أخرجه ابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة، والحاكم والطبراني في الكبير.
وعبد الله بن أبي بلال قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه خرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير.
إيش اسمه هذا إيش؟ الرابع؟
طالب:.......
المهاصر كذا؟ أو المهاجر؟
طالب:.......
المهاصر بن حبيب، جاء في الجرح والتعديل سئل أبي عنه فقال: لا بأس به، حديثه خرجه ابن أبي عاصم في السنة مختصراً جداً، والطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين، والحديث قال عنه أبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم: وهذا حديث جيد من صحيح أحاديث الشاميين، وهو وإن تركه الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج فليس ذلك من جهة انكسار منهما له، فإنهما -رحمهما الله- قد تركا كثيراً مما هو بشرطهما أولى، وإلى طريقتهما أقرب، وقد روى هذا الحديث عن العرباض الثلاثة من تابعي الشام، معروفين، ثلاثة معروفون، أنت اللي كاتب هذه؟ معروفين وإلا معروفون؟
طالب:.......
في المطبوع كذا؟
طالب:.......
إيه ثلاثة معروفون، مشهورون.
وأما لفظة: ((فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)) فقد قال الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد)) وقال اللالكائي في أصول الاعتقاد: قال أبو جعفر يعني أحمد بن صالح: ليس في حديث ضمرة هذه الكلمة: ((وإنما المؤمن))... إلى آخره.
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقد أنكر طائفة من الحفاظ هذه الزيادة في آخر الحديث، وقالوا: هي مدرجة فيه وليست منه، قاله أحمد بن صالح المصري وغيره، وخرجه الحاكم، وقال في حديثه: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)).
وهذه اللفظة قد جاء ما يدل عليها من حديث ضعيف عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه: المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد، وإن أنخته استناخ.
فرق بين هين ولين، وبينهما بالتخفيف، فأيهما أولى أن يقال في مثل هينون لينون، هين لين، شيء، وهينٌ لينٌ شيء آخر، فإحداهما يدل على الذم من الهوان والضعة، والأخرى تدل على المدح من الهون والرفق، ولعل هذا هو المراد.
أخرجه العقيلي في الضعفاء، والبيهقي في شعب الإيمان، والقضاعي في مسنده، و الحديث فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، وقد أعله العقيلي به، وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث، وذكر هذا الحديث من مناكيره، وقد جاء هذا الحديث مرسلاً أخرجه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الشعب، والقضاعي في المسند كلاهما من طريق ابن المبارك عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول مرسلاً، وقال البيهقي: وهو أصح، اختلف فيه على سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، مقطوع يعني من قوله.
أخرجه الإمام أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية عن حجاج بن محمد الأعور به، والحديث له شاهد بمعناه من حديث ابن عباس، أخرجه في الشعب، وفيه انقطاع يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك ابن عباس، ومن حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب والديلمي في الفردوس، قال البيهقي: تفرد به يزيد بن عياض وليس بالقوي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال علي: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، قال الدارقطني: ضعيف، وفيه أيضاً سهل بن عمار كذبه الحاكم، كما في لسان الميزان.
وعلى كل حال الشواهد لجمل الحديث ما سمعتم، اللهم إلا الجملة الأخيرة فهي التي فيها الكلام؛ لأن الذي يشهد لها من رواية عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواق أحاديثه مناكير غير محفوظة، فإدراجها ظاهر، كونها مدرجة ظاهر.
طالب: أحسن الله إليك، إذا قال في لسان الميزان: قال النسائي كذا، ليس ثقة، يقصد ضعفاء النسائي؟
إيه، فيه الضعفاء موجود، النسائي قد يجرح ويعدل في سننه، وقد وجد له أقوال في السنن، وفيما نقد عنه.
يقول: ما معنى القاعدة التي تقول: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً؟
يعني من الأحكام ما لو فعل على سبيل الاستقلال لحكم ببطلانه، من الأعمال والعبادات بل والمعاملات ما لو فعل على جهة الاستقلال ابتداءً لحكم ببطلانه، لكن كونه عمل تبعاً لغيره يصحح، لو سئل عن شخص صلى المغرب بأربعة تشهدات، تشهد في صلاة المغرب أربع مرات وجلس وقرأ التشهد متعمداً، وهو منفرد أو إمام ماذا نقول؟ صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة، لكن يتصور أن يصلي خلف الإمام بأربعة تشهدات، بمعنى أنه يدرك الإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية، فاته ركعتان، تشهد مع الإمام التشهد الأول والثاني، صح وإلا لا؟ يتابع الإمام على التشهد الأول والثاني، ثم إذا سلم الإمام بقي عليه ركعتان، يصلي ركعة ثم يتشهد، ثم يصلي ركعة ثم يتشهد، هذه أربعة تشهدات في ثلاث ركعات، هذه تثبت وتصح هذه الصلاة تبعاً، ولا تصح استقلالاً.
هنا سؤال ثاني له، يقول: هناك من يصور عقد البيعة بين الحاكم والمحكوم كعقد الوكالة هل في ذلك تشابه؟
نعم في تشابه من وجه؛ لأن الإمام ينوب عمن بايعه في كثير من المسائل، فهو الذي يمثلهم، وهو الذي يعقد عنهم العهود والمواثيق، على ضوء ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقودهم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهناك ما لا تدخله هذه الوكالة، يعني هي وكالة من جنس الوكالة في بعض الأمور دون بعض.
ثم قال: ذكرتم أن الخروج عن الحاكم لا يكون إلا بترك الصلاة أو الكفر البواح مع أن من السلف من دون ذكر أزمانهم وأسمائهم من خرج على أقل من ذلك بكثير، ما تعليل ذلك؟
أولاً: الحكم والمرد إلى كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو المنصوص عليه في السنة الصحيحة، أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) وفي الحديث الآخر: ((ما لم تروا كفراً بواحاً، لكم عليه من الله فيه برهان)) يعني برهان واضح لا يحتمل، ودلالة واضحة، وليس مجرد احتمال؛ لأن الخروج على الأئمة مفاسدها لا يقدرها الأشخاص ولا الأفراد، لا يقدرها لا الأشخاص، بل ولا الجماعة من الناس، إنما الذي يعرف قدرها الله -جل وعلا-، وكم من بلد تمنوا زوال من يحكمهم -وهذا شيء أدركناه- يعني من يقتل دعاة الإصلاح، ويعذبهم عذاباً شديداً، يقتلهم قتل، يعني في أمور أقل مما يحدث أحياناً، ثم بعد ذلك الآن البلد هذا البلد الذي فيه ذلك الطاغية منذ بضعة عشر عاماً والسلاح يعمل فيهم، فلا شك أن مثل هذه الأمور مساوئها ومفاسدها عظيمة جداً، لا يستطيع الإنسان في حال تصوره، في حال الرخاء أن يحدث ما يكون في حال الشدة، ولذا قال: ((لا، ما صلوا))؛ لأن الذي يصلي مسلم، والمسلم لا يجوز الخروج عليه، ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فالحد الفاصل هو الكفر البواح الذي لا يقبل التأويل، كونه خرج من السلف من خرج ما يدريك أن هذا الذي زعمت أنه خرج إنما اختفى من ظلم هذا الظالم، يعني كما حصل لبعض الصحابة وبعض سادات التابعين في زمن الحجاج، هل يقال: إنهم خرجوا عليه أو خافوا منه واختفوا وهربوا، فطُلبوا، فظن أنهم خرجوا، على كل حال لو قدر أنهم خرجوا فالاحتكام إلى ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
هذا يقول: متى يبدأ درس صحيح مسلم؟
هو الآن الجدول ما في له وقت معين، إلا أننا ننوي تغيير الجدول القائم -إن شاء الله تعالى-، ومسلم بدأنا به سابقاً، وأخذنا منه مرحلة كبيرة، قطعنا منه شوطاً طيباً، لكن انقطع الدرس درس الصحيحين انقطع؛ لأننا رأينا في المسألة تشتيت حينما يوجد أكثر من كتاب، فركزنا على الموطأ، وإذا انتهى الموطأ رجعنا إلى الصحيحين -إن شاء الله تعالى-، ونحن بصدد التفكير الجاد في طريقة تجمع بين كتب السنة، ولا يحصل فيها شيء من التشتيت أو التأخير، ولعل الله ييسر.
يقول: ما رأيكم باختصار تفسير ابن كثير لمجموعة من المشايخ واسمه التيسير؟
هذا الاختصار لمجموعة من المشايخ من أهل مكة، هم من سكان مكة، وأعرف واحد أثيوبي وواحد مصري، وواحد نسيت والله، المقصود أنهم ثلاثة من المشايخ اختصروه بإشراف الشيخ صالح بن حميد، أنا اطلعت على هذا الكتاب وكتبت عنه تقرير، وكتاب رائع، يعني بألفاظ ابن كثير، ما تصرفوا بشيء، حذفوا الأسانيد والمكرر، وما ضعف إسناده، وأبقوا الكتاب على حاله، فهو من أنفع المختصرات.
يقول: هل هناك عدد معين من المرات يمكن للخاطب فيه أن يرى وجه الفتاة التي ذهب لخطبتها؟
الأصل مرة واحدة، لكن لو قدر أنه في هذه المرة استحيا من ولي أمرها، وما تمكن من النظر إليها، أو هي ما تمكنت من النظر إليه حياءً، وطلب إعادة ما يتم به ما يحصل المودة من النظر الذي تترتب عليه آثاره، ولا تترتب عليه مفاسد، فلا مانع حينئذٍ إذا ادعى أنه لم يستطع رؤيتها حياءً أو العكس هي لم تستطع، فالنظر من أجل الطرفين.
يقول: ما رأيكم في هذه الأبيات .... في كتاب تحفة المقتصدين سبيل النجاة، المحفوظات السامية؟
هذا منتقي أبيات لعلها من النونية، نعم؟
طالب:.......
النونية ما لنا فيها رأي، النونية ليس لنا فيها رأي، النونية كتاب عظيم لابن القيم -رحمه الله تعالى-، ينصح كل طالب علم بقراءتها، وحفظ ما يمكنه حفظه منها، وهي مشتملة على خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيتاً، على معتقد أهل السنة والجماعة في التوحيد والصفات، وما يتبع ذلك من أبواب العقائد، لكن هذا كأنه انتقاء، انتقاء منها، وإذا كان انتقاء فحكمه حكم الأصل، ويبقى أنه مختصر كالمختصرات التي أشرنا إليها كثيراً، وقلنا: إن المختصِر قد يحذف مما يختصره شيئاً القارئ بأمس الحاجة إليه، وقلت مراراً: الذي يستطيع أن ينتقي لنفسه لا يعتمد على غيره، إنما يتولى الاختصار لنفسه؛ ليكون علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، لكن بعض الناس لا يستطيع الاختصار، ولا يعرف ينتقي، مثل هذا ينتقى له.
وقفنا على الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون المدني" أبو عبيد "قال: حدثنا أبي" أظن ذكرنا أن أباه مجهول، جهله أبو حاتم، وتكلمنا في هذا الباب في الجهالة، وهل هي جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟
ولا شك أن في كلام أبي حاتم عدم علم بحال الراوي؛ لأنه في عدد كبير من الرواة يقول ابنه: سألت أبي عن فلان فقال: مجهول، وأحياناً يقول: لا أعرفه، وأحياناً يقول: مجهول لا أعرفه، فجهالة أبي حاتم للراوي تعني عدم علمه به، ولا يمنع أن يكون معروفاً لدى غيره، وعلى هذا لا نحكم على الإسناد بالضعف؛ لأن أبا حاتم لم يعرف هذا الراوي، بل نتوقف فيه حتى ترتفع هذه الجهالة ويرفع عند غيره، أو يعرف بالضعف فيرد الخبر من أجل ضعفه، وأما الجهالة في اصطلاح المتأخرين فتختلف عن الجهالة عند أبي حاتم، فالجهالة عند المتأخرين يقسمونها إلى ثلاثة أقسام: إلى جهالة العين، وهي ما إذا كان الراوي من المقلين في الرواية بحيث لم يروِ عنه سوى واحد، أو يكون مكثر من الرواية، لكنه لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وهذه الجهالة الثانية أي جهالة الحال، وتقسم إلى قسمين: جهالة الحال باطناً وظاهراً، أو جهالة الحال باطناً فقط، والمستور -إما هو النوع الأخير- يطلق بإزاء النوع الأخير، وهو من جهلت حاله الباطنة، واحتيج به إلى المزكين أو هو مجهول الحال مطلقاً، وأشد من هذين النوعين جهالة أو من هذه الأنواع جهالة الذات، الآن جهالة العين مر بنا راوٍ في رسالة أبي داود سباعي أو سداسي اسمه مذكور إلى جده السابع، وكنيته وبلده ومع ذلكم لم يعرف مجهول، هذه جهالة عين وإلا ذات؟
طالب:.......
لا، جهالة الذات إذا لم تعرف عينه، الآن هذا مجهول العين عند أهل العلم مجرد اصطلاح وإلا فهو معروف فلان ابن فلان ابن فلان ابن فلان أبو فلان الفلاني الذي يسكن في البلد الفلاني... إلى آخره، هذا مجهول عين، مجهول الذات لم يتوصل إلى اسمه، وهو المبهم، حدثني رجل، أيهما أشد رجل يقال: حدثني رجل أو يقال: حدثني أبو عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري؟ أيهما أشد؟ رجل، هذا لا يمكن تطلع عليه، هذا مجهول ذات، ما سموه مجهول ذات لكن ينبغي أن يسمى مجهول ذات، وهو أشد وأغرق في الجهالة من مجهول العين.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أنا أطلقت عليه.
قال: "حدثنا أبي عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الحديث مضعف بعبيد بن ميمون والد محمد؛ لأن أبا حاتم قال عنه: مجهول، وعرفتم ما في كلام أبي حاتم في قوله مجهول، وأنه قد يطلق الجهالة لعدم علمه بالراوي وهذا كثير، وقد يطلق الجهالة على شخص لقلة روايته مع كونه ثقة، فيقول: مجهول لأنه قليل الرواية، وقد قال في شخص من السابقين الأولين مجهول، يعني من الصحابة الكرام، من السابقين الأولين مجهول، لكن ليس له إلا حديث أو حديثين سماه مجهول، فاصطلاح أبي حاتم في الجهالة لا ننزله على اصطلاح المتأخرين، لا بد أن نعرف هذا، والحديث مروي من طرق عن أبي إسحاق من رواية شعبة ومعمر عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، وهو مخرج في مسلم وغيره.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما هما اثنتان: الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله))" أعظم الكلام وأحسنه وأفصحه كلام الله -جل وعلا-، وأبلغه وأنفعه كلام الله -جل وعلا- الذي هو القرآن، ((وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) أحسنه وأكمله هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وطريقته، فعلى الإنسان أن يعنى بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهما سبيل النجاة لمن تمسك بهما، واعتصم بهما.
((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) تحذير (ألا) تنبيه على ما يجب أن يحذر منه ((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) يعني المبتدعات، فيحرص الإنسان أشد الحرص ألا يتعبد إلا بما شرعه الله -جل وعلا-، والأمور يرقق بعضها بعضاً، ناس قد ينفرون من المحدثات في أول الأمر، ثم إذا طال بهم الوقت تساهلوا فيها، ثم جاء بعدها أعظم منها، فانجفلوا منها، واستوحشوا منها، ثم بعد ذلك إذا طال بهم الوقت وجاء أعظم منها رقت في قلوبهم وعانوها، والساعة أول ما ظهرت توقف الناس فيها؛ لأنها محدثة، وخشوا أن تكون سحراً، توقف الناس فيها، ثم تبينت لهم حقيقتها واستعملوها، مكبرات الصوت نعرف من شيوخنا من توفي وهو لا يستعملها؛ لماذا؟ لأنه أمر محدث يستعمل في عبادة، يستعمل في الصلاة، فجعله من المحدثات، ولا شك أن الذي يحتاط لنفسه ولا يقدم على العمل إلا بعد تبين وتثبت هذا هو الذي يحتاط لدينه، أما كل ما فتح من باب جديد أول من يلج منه شخص بعينه مثل هذا ليس من أهل التحري ولا التثبت، فعلينا أن نتحرى ونتثبت حتى نعرف حقيقة الحال، رأى الناس أنه لا بد من وجود هذه المكبرات لكثرة الناس، فأدركنا من يخطب الجمعة بدون مكبر، والناس لا يدرون ولا يسمعون ما يقول، يصلي بالناس التراويح بدون مكبر وهم لا يسمعون، فنتصور أن الناس في مثل هذا الازدحام في رمضان في مكة مثلاً بدون مكبر، كيف يصلي الناس؟ فهذه الأمور لا شك أنها محدثات، لكن يبقى أنها هل هي من المحدثات التي تضر في دين الإنسان أو تنفع في الدين نفسه؟ ظهر بعد ذلك المذياع –الراديو- وتوقف الناس فيه طويلاً، ورأوا أن ما يبث فيه شر مستطير، وفيه خير، ورأوا أن هذا الخير من خلال هذه المحدثة المبتدعة فيه ما فيه، فما جرأوا على اقتنائه، ولا سمعوا منه، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من الاطلاع على حقيقته فاقتناه الناس، بما في ذلك أهل العلم وأهل الفضل، ويوجد من يتورع عن اقتنائه الآن، ويوجد من يتورع عن مكبر الصوت، بل يوجد من يتورع عن الكهرباء ووسائل الراحة، لكنه لا يحرم ذلك على الناس، يعني كون الإنسان يرتكب في نفسه العزيمة هذا لا يلام، لكن كونه يقول: إن هذا الحلال حرام هنا يقع الإشكال أو العكس.
بعد هذا ظهرت مسألة التصوير والخروج في القنوات، ثم تساهل من تساهل إلى أن صار في مصاف المغنيين والمجان، له نوبة ولهم نوبة، وصار أيضاً في مصاف المبتدعة، لهم نوبة وله نوبة، فتارة يخرج هذا باسم الدين، وتارة يخرج مغني، وتارة يخرج مشبه وملبس على الناس، يثير فيهم الشبهات، وهذه حال كثير من القنوات، والله المستعان.
فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ولا يبادر في كل شيء قبل أن يدرس حقيقته، والآثار المترتبة عليه، لو يعلم فلان من الناس من أهل العلم أنه إذا خرج في هذه القناة السيئة التي تبث الشبهات والشهوات والأغاني والمجون وصور النساء، وتمكن الناس من رؤية المومسات -نسأل الله السلامة والعافية-، التي هي دعوة أم جريج عليه، لو يعلم أنه بمشاركته في هذه القناة هو قد يكون مجتهد، هو قد يكون ممن يزاحم ليخفف الشر، ويوصل الخير إلى أناس لا يمكن أن يصل إليهم إلا بهذه الطريقة، بعض الناس ما عندهم قنوات خير، ما عندهم إلا هذه الوسائل فيصل، هذا اجتهاد، لكن هل الأثر المترتب على مثل هذا الاجتهاد مثل الضرر المترتب عليه، كثير من الناس يرى أن فلاناً من المشايخ خرج في هذه القناة إذاً هي قناة خير، وخروجه فيها تشريع لها، وعلى كل حال على الإنسان أن يتريث ولا يستعجل في مثل هذه الأمور.
((وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها)) يعني ما يبتدع في الدين، وما يخترع فيه من غير أن يسبق له شرعية من كتاب أو سنة هذا هو شر الأمور، شر الأمور يعني الدينية، أما أمور الدنيا فالأمر فيها سعة، ولا يدخل فيها الابتداع، اللهم إلا أن التوسع في أمور الدنيا قد يجر إلى ما وراءه من التساهل بالشبهات والمكروهات ثم المحرمات.
((وكل محدثة بدعة)) وهذا تقدم، كل محدثة في الدين بدعة، والبدعة كما تقدم تعريفها في اللغة ما عمل على غير مثال سابق، وفي الاصطلاح ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب الله ولا سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا التقسيم الذي ذكره بعض أهل العلم للبدع، وأن منها ما يحمد ومنها ما يذم، وأن منها ما يجب، ومنها ما يستحب، ومنها ما يمنع، تبعاً للأحكام الخمسة التكليفية، وعرفنا أن الشاطبي رد هذا التقسيم، وقال: إنه تقسيم مخترع لا يدل عليه دليل، وقوض دعائمه، وهذا هو الصواب، أنه ليس في البدع ما يمدح، وذكرنا قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" وأجبنا عنه فلا داعي لرده.
((وكل بدعة ضلالة، ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم)) يعني كما حصل للأمم السابقة، والأمم السابقة حرفوا وبدلوا وغيروا فدينهم ممسوخ مغير مبدل، إلى أن جاء ديننا فنسخ أديانهم، أما ديننا فلا يزال غضاً رطباً يتجدد، كأنما أنزل القرآن اليوم، محفوظ من الزيادة والنقصان، ومن التبديل والتغيير، يعني نتلوه الآن كما كان يتلى في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا عذر لنا أنه إذا طال علينا الأمد تقسو قلوبنا، معنا كتاب الله الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ونجد في قلوب المسلمين، بل في قلوب بعض طلاب العلم من هو أشد قسوة من الجبل، من الحجارة، يتلى كتاب الله وكأنه تحليل صحفي، ما يفترق بشيء، لا يؤثر فينا شعرة، لا يحرك فينا شعرة، فالقسوة موجودة، ولا عوقب شخص بمثل قسوة القلب، وقد يعاقب الإنسان وهو لا يشعر، يرتكب معصية فيعاقب بقسوة القلب وهو لا يشعر، ومصيبته في هذه العقوبة أعظم من مصيبته لو جدِّعت أطرافه.
((فتقسو قلوبكم، ألا إن ما هو آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ)) ((ألا إن ما هو آتٍ قريب)) لك ولد أو قريب ذهب ليدرس في بلد من البلدان خمس سنوات ست سنوات قريب هذا يجي، لكن لك ولد أو قريب مات هذا قريب أو بعيد؟ هذا بعيد، إذاً فالموت يترقب؛ لأنه آتٍ، وما يدريك أنك إذا خرج هذا النفس لم يعد غيره، أو إذا قمت من مجلسك لن تجلس في مجلس آخر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعبد الله بن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) والواحد منا يأخذ ضمان على آلة من الآلات يشتريها عشر سنين، عشرين سنة، ووجد بعض الشركات من تعطي ضمان خمسين سنة، كأن ما هنا موت ولا قيام ساعة ولا شيء، والإنسان إذا وقع عقد الوظيفة يفكر فيما يعمله بعد التقاعد، صحيح، إيش بيسوي بعد التقاعد، وإلا الآن جاءه ما يشغله، وإذا دخلت رجله اليمنى إلى المدرسة يفكر في الوظيفة وهو في الصف الأول الابتدائي، يعني لا تظنون هؤلاء الصغار ما يفهمون ولا يفكرون، يفكرون، واحد أكبر من الثاني بشهر، الكبير قبل، والذي دونه بشهر رد قبوله في المدرسة؛ لأن عندهم أيام محددة تسعين يوم أو شيء من هذا يتسامحون فيها، هذا زاد على التسعين، فقال له صاحبه: الحمد لله إذا ما قبلت هذه السنة تقبل السنة الجايئة، وما فات شيء، قال: لا، أنا أتوظف قبلك بسنة، أطفال ست سنوات أقل من ست سنوات أعمارهم، فحقيقة يعني طول الأمل..، يعني الأمل موجود عند كل أحد، لكن تطويله بهذه الطريقة تجعل القلب يغفل عما خلق له، وإلا لو قصر الأمل، وعرف أنه عما قريب سيرحل عمل العمل المطلوب، وحقق العبودية لله -جل وعلا-، ((يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان)) قال في الحديث: ((ويشب منه)) يعني كأنه جزء من تركيبه ((حب الدنيا، وطول الأمل)) وتجد الأمل عند من عمره تسعون سنة أعظم من الأمل بالنسبة لمن عمره خمسون سنة؛ لأن هذا شب معه، مثل الغرس الذي يسقى في كل يوم، والله المستعان.
((ألا إن ما هو آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه)) ((الشقي من شقي في بطن أمه)) يعني حينما يرسل الملك والحمل في بطن الأم، فيؤمر بكتب أربع: ومنها وشقي أو سعيد، فمن كتبت عليه الشقاوة هذا هو الشقي الشقاء الحقيقي، ومن كتبت له السعادة فهو السعيد سعادة حقيقية، ولو عاش الأولى أغنى الناس، وعاش الثاني أفقر الناس، فهذا المحك.
ولست أرى السعادة جمع مال |
| ولكن التقي هو السعيد |
((والسعيد من وعظ بغيره)).
طالب:.......
لا، الكلام على سعادة الآخرة وشقاء الدنيا كلا شيء بالنسبة للآخرة.
((والسعيد من وعظ بغيره)) كثير من الناس يرى جيرانه يتوسعون في أمور دنياهم، ويحصل في بيوتهم ما يحصل، ويسمع بعض القضايا والكوارث ولا يتعظ، يسمع أن فلان عندهم خادمة، فحصل منها ما حصل، ويسمع أن الجيران الآخرين عندهم سائق أجنبي وحصل منه ما حصل، ويأبى إلا أن يكون العظة من نفسه، ما يتعظ بغيره، ومع ذلك يقدم على مثل هذه الأعمال من غير حاجة، أما إذا وجدت الحاجة فالله المستعان، يعني ما في أحد يبي يحمل نفسه أو يحمل أهله يحملهم على العزيمة، بل لا بد من الترف مثل الناس، ويحصل مثل هذه الكوارث تحصل في بيوت الناس ويأبى إلا أن يكون عظة لغيره، بدلاً من أن يتعظ بغيره، والسعيد من وعظ بغيره، بدلاً من أن يكون هو العظة للناس يتعظ بغيره.
((ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق)) قتاله وقتله كفر -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا في حق المستحل، في حق من يستحل أو أنه يؤول به إلى الكفر، أو أنه عمل يشابه عمل الكفار، ومذهب أهل السنة والجماعة أن قتل المؤمن ليس بكفر، موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب، و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يريق دماً حراماً)) {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68-69) سورة الفرقان] -نسأل الله السلامة والعافية-، فأهل السنة على أنه عظيمة من عظائم الأمور، وموبقة من الموبقات، لكنه ليس بكفر مخرج عن الملة.
((ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق)) نعم؟
طالب:.......
قتاله إما البدء بقتاله، وهذا أمر عظيم يترتب عليه ما يترتب من الشرور، فمثل هذا الأصل أن المؤمن لا يقاتل إلا الكافر هذا الأصل، لكن إذا حصلت مقاتلة بين طائفتين من المؤمنين هذا فالبادئ بهذا القتال يتجه إليه النص، وهي عظيمة من العظائم، يعني ليس بكفر، يعني كفر مخرج عن الملة لا، إنما كفر دون كفر.
طالب:.......
باللسان؟
طالب:.......
هذا السباب.
طالب:.......
لا لا، المقصود بالقتال هنا إرادة القتل، المراد به إزهاق الروح، إرادته، والمفاعلة، يعني مبادلته بين فئتين.
وسبابه باللسان فسوق، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) يعني في أن كل منهما عظيم، ويستحق صاحبه العقوبة.
((ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال، وأبيحت الثلاث لما جبل عليه الإنسان من انتصار للنفس، وعلى كل حال مثل الثلاث هذه إذا وجد لها مبرر لا بأس، أما فوق ثلاث لا يجوز، ((ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) إلا الأب يريد أن يؤدب ابنه، ومن هُجر بسبب بدعة أو مخالفة شرعية، يهجر حتى يقلع عن ذنبه، وللزوج أن يهجر زوجته فوق ثلاث، وقد آلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهراً، أما فيما بين الناس بسبب أمور الدنيا لا يجوز أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
((ألا وإياكم)).
جاء في الحديث الآخر: ((يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) فإذا بدأ أحدهما بالسلام انتفى عنه الإثم، وارتفعت عنه القطيعة.
((ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل)) ((ألا وإياكم)) تحذير شديد من الكذب، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
((ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل)) لأن الإنسان إذا عود نفسه على الكذب هازلاً مازحاً فإنه يجر ذلك إلى أن يكون ديدناً له، فيستعمله في الجد، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وفي مقابله الصدق، الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة ((ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)).
((ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له)) يطلب منه الصبي شيء فيقول: أحضره لك، أو افعل كذا وأعطيك كذا، ثم يفعل ولا يعطيه، لا يجوز له أن يفعل ذلك ((ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له)) ويذكر عن بعض الأئمة ولعله البخاري ذهب إلى شخص ليروي عنه الحديث، فوجده يلوح بالشعير لدابته، فإذا قربت منه أبعده عنها، فقال: إن هذا يكذب على الدابة فكيف لا يكذب علينا؟! فرجع فلم يروِ عنه، سواءً كانت هذه القصة ثابتة أو غير ثابتة، المقصود أن مثل هذا لا يجوز، لا سيما إذا كانت هذه الدابة بحاجة إلى مثل هذا الطعام، كما أن الصبي لا يجوز أن يعده أبوه ولا يفي له.
((فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)) نسأل الله العافية ((وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق: صدق وبر ويقال للكاذب: كذب وفجر)) {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) يعني يكذب في أموره جاداً هازلاً، ويتحرى الكذب يعني لا يقع الكذب على لسانه خطأ من غير قصد إنما يتحراه، فيكتب عند الله كذاباً، وفي مقابله من يصدق ويتحرى الصدق فإنه يكتب عند الله صديقاً.
((يقال للصادق: صدق وبر)) حينما يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم هذا صادق وإلا كاذب؟ صادق؛ ماذا يقال له إذا قال: الصلاة خير من النوم؟ في إجابة المؤذن؟ نعم؟
طالب:.......
إيش؟
طالب:.......
نعم يقال له: الصلاة خير من النوم ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) تقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، من الفقهاء من يستروح ويميل إلى أنه يقال له: صدقت وبررت، يقال: ما دام صادق يقال للصادق: صدق وبر، فيقال للمؤذن إذا قال: الصلاة خير من النوم وهو صادق في ذلك: صدقت وبررت، لكن أخذه من هذه الحديث فيه بعد، لكن يقال كما قال: ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)).
قال -رحمه الله- بعد ذلك: "حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: حدثنا أيوب" إسماعيل بن إبراهيم، وعلية أمه، ويكره أن ينسب إليها، ولذا من ورع الإمام أحمد -رحمه الله- أنه يقال: حدثنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فلا ينسبه إلى نفسه "قال: حدثنا أيوب" يعني ابن أبي تميمة السختياني "ح" حاء التحويل "وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب" فالحديث مروي من طريق ابن علية، ومن طريق عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي "كلاهما عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: "تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [(7) سورة آل عمران] إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [(7) سورة آل عمران] فقال: ((يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم))" تجد بعض الناس المسألة فيها دليل صحيح صريح، ويعمد إلى نص فيه احتمالات أكثر من احتمال، ويستدل به بالاحتمال المرجوح في مقابل الاحتمال الراجح، وفي مقابل النص الذي لا احتمال فيه، فيتبع المتشابه، وهؤلاء الذين يتبعون المتشابه هم الذين في قلوبهم زيغ، فليحذرهم المسلم، وتقرؤون وتسمعون في الأيام المتأخرة من يعمد إلى مثل هذا، فتجده يعرض عن النص الصحيح الصريح النص في المسألة ويعمد إلى نص فيه ما فيه، ويقدمه على النص الصحيح الصريح، نعم من أئمة الإسلام الذين لا يشك في قصدهم وإخلاصهم من يقع له مثل هذا، يعني مسألة من ألف مسألة مثلاً تقع على إمام مجتهد قصده نصر الحق، مثل هذا ينزل عليه الحديث؟ لكن الآن من الناس من يكتب ليس له إلا المتشابه، يعني ما يعمد إلا إلى المتشابه، يعني مثال ذلك حينما يقول الحنفية: وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، عندنا في صحيح مسلم: ((ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله)) هذا نص وصحيح وصريح في المسألة، ويقرأه الحنفية، ومع ذلك يقولون: لا، مصير ظل الشيء مثليه، بدليل حديث: ((مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول النهار إلى الزوال بقيراط، ثم استأجر أجيراً من الزوال إلى وقت العصر بقيراط، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بقيراطين، فاحتج اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) يعني اليهود اشتغلوا إلى نصف النهار، والنصارى اشتغلوا إلى وقت العصر، وهذه الأمة كمن اشتغل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فهم يقولون: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً؟ قالوا: إن النصارى يقولون: نحن أكثر عملاً، إذاً الظهر أطول من العصر، فالعصر إذاً ما يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، يعني هذا الدليل وهذا اللف كله من أجل أن يقدم على حديث: ((ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله)) هل نقول: إن مثل هؤلاء العلماء يتتبعون المتشابه؟ يعني مسألة من ألوف مؤلفة من المسائل، نعم لو كان المذهب كله مبني على مثل هذا في مقابل النصوص الصحيحة نقول: يتبعون المتشابه، لكن مسألة من ألوف مؤلفة من المسائل، وهم ينصرون ما يرونه حقاً، أما عندنا أناس يكتبون في كل المسائل بهذه الطريقة من أجل طمس الحق الصحيح الصريح، هؤلاء الذين يحذر منهم، أما إذا وقع في فقه العالم في مسألة أو مسألتين أو مسائل من ألوف مؤلفة من المسائل، هذا لا يظن به أنه يتتبع المتشابه، نعم قد يقع في المتشابه، لكن لا يظن به أنه يتتبع المتشابه، في كل شيء، يعني إرادة طمس الحق الصحيح الصريح بالمتشابه لا شك أنه داخل في مثل هذا، نعم؟
طالب:.......
على كل حال إذا وجد لألفاظه ما يشهد لها كلها وصح بها نشره طيب.
بعد هذا يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا حوثرة بن محمد قال: حدثنا محمد بن بشر قالا: حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب" وأبو غالب اسمه: حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وهو ضعيف، ضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي وابن حبان والدارقطني، وقال الدارقطني في رواية: ثقة، وقال ابن عدي بعد أن سبر حديثه: لم أرَ بحديثه حديثاً منكراً جداً، وأرجو أنه لا بأس به.
على كل حال الرجل مضعف، ضعفه جمع من الأئمة، وقبله آخرون، وضعفه حينئذٍ ليس بشديد، ولذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
"عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم تلا هذه الآية {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [(58) سورة الزخرف]" ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) لأنهم تركوا الهدى الذي كانوا عليه، واستبدلوه بغيره فأوتوا الجدل؛ لأنهم بحاجة ماسة إلى أن يدافعوا عن أنفسهم، فينشأ فيهم الجدل، ويكون الجدل ديدناً لهم وعادة لحاجتهم إلى الخصومة.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [(58) سورة الزخرف] هذه الآية نزلت في من؟ نعم في كفار قريش، هل كانوا على هدى؟ وهل الاستدلال بهذه الآية فيما دل عليه الحديث من أن الناس الذي كانوا على هدى ثم تركوه وأوتوا الجدل مطابق للاستدلال بهذه الآية؟ لأنها في قريش، وما أوتوا هدى إلا من بقي منهم من كان على دين إبراهيم -عليه السلام-، والحديث كما ترون فيه هذا الضعيف، وعند أهل العلم ما يسمى بالجدل، الجدل والمناظرة، والجدل والمجادلة إذا كان المراد منها نصر الحق ورد الباطل فهي مطلوبة وشرعية، وكذلك المناظرة، أما الجدل الذي لا يترتب عليه فائدة هو الذي يصد عن الهدى، ويبقى الإنسان في قيل وقال، وينصرف عما خلق له، خلق من أجله، يعني يصرفه هذا الجدل العقيم الذي لا فائدة فيه، يصرفه عن أن يستفيد من وقته فيما ينفعه، وعلى كل حال يحرص الإنسان ألا يدخل في جدل، إلا فيما ينفع، يعني أراد أن يبين حق، أو أراد أن يدفع شبهة، أو يرد على باطل فهو مأجور، والرد على المخالفين ومجادلتهم ومخاصمتهم وخصومتهم مأمور بها، وهي طريقة القرآن، وبعضهم يجعلها من البدع الواجبة، ومثلوا بها للبدع الواجبة، العز بن عبد السلام وغيره مثلوا بهذا للبدع الواجبة، وإذا كان له أصل يدل عليه من الكتاب فليس ببدعة، نعم؟
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
نعم ما يمنع، ما يمنع، الجدال في الحق ولو كان، إذا كان في الحق ولو كان في الحج، ما يضر، أما الذي ينهى عنه في الحج الذي لا أثر له ولا قيمة له ولو كان على أمر عادي؛ لأن بعض الناس في خصومات من يركبون السيارة للحج إلى أن يرجعوا إلى بيوتهم، هذا يقول كذا، ثم يرد عليه الثاني وهكذا في أمور لا قيمة لها، فهذا هو المذموم.
قال -رحمه الله-: "حدثنا داود بن سليمان العسكري قال: حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، قال: حدثنا محمد بن محصن" محمد بن محصن العكاشي كذبه يحيى بن معين وأبو حاتم وابن حبان، وقال: شيخ يضع الحديث عن الثقات وهو كذاب، والحديث بسببه موضوع "عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين))" هذا إذا كان المراد بها البدعة المكفرة، البدعة المخرجة من الملة فهذا الكلام صحيح، ولو لم يثبت نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله لا يقبل عمل الكافر {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] ولا يقبل له صوم ولا صلاة ولا صدقة ولا أي عمل من الأعمال ما دامت البدعة مكفرة، أما إذا كانت البدعة لا تصل إلى هذا الحد، بل هي مفسقة، فقد قال الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والذي بدعته لا توصله إلى حد الكفر، بل هي مجرد فسق اعتقادي فهذه الآية تدل على أنه لا يقبل منه، كما أن الفاسق من أهل السنة يدخل في هذا الآية {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والمراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، ولا يقال: إن الصلاة ليست بصحيحة باطلة، لا، الصلاة صحيحة، لكن الثواب المرتب عليها لا يستحق منه شيئاً؛ لأن الحصر جاء في المتقين {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فإذا كان المراد بنفي القبول نفي الثواب المرتب على العبادة فهو أيضاً صحيح لمن بدعته لا تخرجه عن حضيرة الدين، وكذلك الفاسق الذي ينتسب إلى القبلة لا يؤمر بإعادته، ما في أحد من أهل العلم قال: إن الفاسق صلاته باطلة فعليه إعادتها، أبداً، بل قالوا: إن نفي القبول هنا المراد به نفي الثواب، والحديث مثل ما سمعتم موضوع يعني لا يتكلف في اعتباره فننظر في معناه.
طالب: أحسن الله إليك في طبعة الوزارة كثيراً ما يقسمون لفظة عبد الله إلى قسمين، فيجعلون عبد في آخر السطر، وكلمة الله...
غلط هذا، من الخطأ في الكتابة.
طالب: كما فعلوا في عبد الله بن الديلمي فجعلوا عبد في نهاية...
هذا قالوا في كتب علوم الحديث في أدب الكتابة قالوا: لا يفصل بين المتضايفين هذا عموماً، لا يفصل بين المتضايفين مثل: غلام زيد، لا يفصل بينهم، فضلاً عن أن يكون المضاف إليه الرب -جل وعلا- فيوضع في أول السطر لئلا يأتي من يقرأ من أول السطر فيقول إيش؟
طالب: الله ابن الديلمي، مكتوب لفظ الجلالة ثم ابن الديلمي.
نعم الله ابن الديلمي، فهذا ممنوع في الكتابة عند أهل العلم، وكتب المصطلح ما تركت مثل هذا، نعم.
الحديث الذي يليه قال: "حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا بشر بن منصور الحناط عن أبي زيد عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته))" وإسناده كله مجاهيل، بشر بن مجهول وأبو زيد وأبو المغيرة كلهم مجاهيل قال أبو زرعة: لا أعرف أبا زيد ولا أبا المغيرة ولا بشر، فما داموا مجاهيل وتتابعوا يعني كلهم مجاهيل، يعني لو واحد يتوقف في الحديث حتى يوقف على حاله، لكن يجتمع على ثلاثة كلهم لا يعرفون، فالخبر ضعيف، وإن لم يكن كسابقه موضوع ((أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)).
ثم قال بعد ذلك: "حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وهارون بن إسحاق قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان الليثي" المدني وهو مجمع على ضعفه، ضعفه أحمد ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن حبان وابن عدي وابن حجر والذهبي، كلهم اتفقوا على ضعفه، فالحديث به ضعيف "عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ترك الكذب وهو باطل بني له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها))" وجاء في الحديث الصحيح: ((أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك)) إيش؟
طالب:.......
نعم ((وإن كان محقاً)) ((وأنا زعيم ببيت في)) إيش؟ ((في أعلى الجنة لمن ترك المراء)) نعم، المقصود أن هذا له ما يشهد له، وإن كان ضعيفاً، فعلى الإنسان أن يترك الكذب في جميع أحواله لا جاد ولا هازل، وكذلك الجدال والمراء إلا من أجل نصر الحق، وكثيراً ما يدعى إلى المناظرة، المبتدعة يدعون إلى المناظرة في القنوات، فهل يتركوا؟ يدعون إلى مناظرة، يدعون أهل السنة إلى مناظرة، رافضي يدعو إلى المناظرة، فهل يترك بناءً على أن الجدال أو أن هذه القناة تنشر الشر والفساد فلا يُشترك فيها؟ يترك فيناظر ويلقي على الناس الشبه ولا يجد من يرد عليه، أو لا بد أن يتصدى له ويرد عليه؟ إن ترك إلى مصيبة كارثة ينفث سمومه على المسلمين ولا أحد يرد عليه، وإن شورك وشاركه الأخيار صار تشريعاً لهذه القناة ودعماً لها، أو جادله من هو دونه في المستوى، ثم بعد ذلك يحكم على أهل الحق بالعجز، وأن ما يقوله هو الصواب، على كل حال أمور مشكلة، وأما كون أهل الحق هم الذين يبدؤون بالجدال والمناظرات فلا، لا يجوز لهم ذلك بحيث يتمكن أهل البدع من نفث سمومهم في بيوت عوام المسلمين، هذا لا يجوز أن يلقى على العامة أبداً، لكن إذا تصدى أهل الشر وطلبوا المناظرة فلا بد من الرد عليهم، فلا بد من التصدي لهم، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أولاً: الحكم والمرد إلى كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو المنصوص عليه في السنة الصحيحة، أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) وفي الحديث الآخر: ((ما لم تروا كفراً بواحاً، لكم عليه من الله فيه برهان)) يعني برهان واضح لا يحتمل، ودلالة واضحة، وليس مجرد احتمال؛ لأن الخروج على الأئمة مفاسدها لا يقدرها الأشخاص ولا الأفراد، لا يقدرها لا الأشخاص، بل ولا الجماعة من الناس، إنما الذي يعرف قدرها الله -جل وعلا-، وكم من بلد تمنوا زوال من يحكمهم -وهذا شيء أدركناه- يعني من يقتل دعاة الإصلاح، ويعذبهم عذاباً شديداً، يقتلهم قتل، يعني في أمور أقل مما يحدث أحياناً، ثم بعد ذلك الآن البلد هذا البلد الذي فيه ذلك الطاغية منذ بضعة عشر عاماً والسلاح يعمل فيهم، فلا شك أن مثل هذه الأمور مساوئها ومفاسدها عظيمة جداً، لا يستطيع الإنسان في حال تصوره، في حال الرخاء أن يحدث ما يكون في حال الشدة، ولذا قال: ((لا، ما صلوا))؛ لأن الذي يصلي مسلم، والمسلم لا يجوز الخروج عليه، ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فالحد الفاصل هو الكفر البواح الذي لا يقبل التأويل، كونه خرج من السلف من خرج ما يدريك أن هذا الذي زعمت أنه خرج إنما اختفى من ظلم هذا الظالم، يعني كما حصل لبعض الصحابة وبعض سادات التابعين في زمن الحجاج، هل يقال: إنهم خرجوا عليه أو خافوا منه واختفوا وهربوا، فطُلبوا، فظن أنهم خرجوا، على كل حال لو قدر أنهم خرجوا فالاحتكام إلى ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
هو الآن الجدول ما في له وقت معين، إلا أننا ننوي تغيير الجدول القائم -إن شاء الله تعالى-، ومسلم بدأنا به سابقاً، وأخذنا منه مرحلة كبيرة، قطعنا منه شوطاً طيباً، لكن انقطع الدرس درس الصحيحين انقطع؛ لأننا رأينا في المسألة تشتيت حينما يوجد أكثر من كتاب، فركزنا على الموطأ، وإذا انتهى الموطأ رجعنا إلى الصحيحين -إن شاء الله تعالى-، ونحن بصدد التفكير الجاد في طريقة تجمع بين كتب السنة، ولا يحصل فيها شيء من التشتيت أو التأخير، ولعل الله ييسر.
هذا الاختصار لمجموعة من المشايخ من أهل مكة، هم من سكان مكة، وأعرف واحد أثيوبي وواحد مصري، وواحد نسيت والله، المقصود أنهم ثلاثة من المشايخ اختصروه بإشراف الشيخ صالح بن حميد، أنا اطلعت على هذا الكتاب وكتبت عنه تقرير، وكتاب رائع، يعني بألفاظ ابن كثير، ما تصرفوا بشيء، حذفوا الأسانيد والمكرر، وما ضعف إسناده، وأبقوا الكتاب على حاله، فهو من أنفع المختصرات.
الأصل مرة واحدة، لكن لو قدر أنه في هذه المرة استحيا من ولي أمرها، وما تمكن من النظر إليها، أو هي ما تمكنت من النظر إليه حياءً، وطلب إعادة ما يتم به ما يحصل المودة من النظر الذي تترتب عليه آثاره، ولا تترتب عليه مفاسد، فلا مانع حينئذٍ إذا ادعى أنه لم يستطع رؤيتها حياءً أو العكس هي لم تستطع، فالنظر من أجل الطرفين.
هذا منتقي أبيات لعلها من النونية، نعم؟
طالب:.......
النونية ما لنا فيها رأي، النونية ليس لنا فيها رأي، النونية كتاب عظيم لابن القيم -رحمه الله تعالى-، ينصح كل طالب علم بقراءتها، وحفظ ما يمكنه حفظه منها، وهي مشتملة على خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيتاً، على معتقد أهل السنة والجماعة في التوحيد والصفات، وما يتبع ذلك من أبواب العقائد، لكن هذا كأنه انتقاء، انتقاء منها، وإذا كان انتقاء فحكمه حكم الأصل، ويبقى أنه مختصر كالمختصرات التي أشرنا إليها كثيراً، وقلنا: إن المختصِر قد يحذف مما يختصره شيئاً القارئ بأمس الحاجة إليه، وقلت مراراً: الذي يستطيع أن ينتقي لنفسه لا يعتمد على غيره، إنما يتولى الاختصار لنفسه؛ ليكون علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، لكن بعض الناس لا يستطيع الاختصار، ولا يعرف ينتقي، مثل هذا ينتقى له.
قلت: نعم وهذا سبق لسان، وقصدي الحكم على الحديث الذي بعده كما هو واضح من تخريج الحديث، أما الذي بعده نعم هو في صحيح مسلم، الذي هو حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فيه خطبة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا في الصحيح، وأما حديث العرباض فقد أحضره بعض الإخوة.
يقول: بسم الله الرحمن الرحيم
عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف)).
في تخريجه قال الأخ الذي كتب الأوراق: أما لفظة: ((وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً)) فقد أخرجها بمعناها الإمام البخاري من حديث أنس مرفوعاً: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) ومسلم من حديث أبي ذر مرفوعاً: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف)) والإمام مسلم من حديث أم الحصين مرفوعاً أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)).
يعني هذه آخر لفظة في الحديث، فلو جعلت هذه في آخر التخريج، يعني يذكر تخريج الحديث الذي بين أيدينا، ثم يذكر ما لجمله من الشواهد جملة جملة، بدءاً من الأولى إلى الآخرة، فهذه هي الجملة الأخيرة فلو أخرت إلى آخر شيء ((وإن عبداً حبشياً)).
وأما الحديث بطوله فهو صحيح بشواهده، فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان والحاكم والإمام أحمد من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي به، قال الحافظ عنه في التقريب: مقبول، وعرفنا ما في المقبول من كلام، وقد تابع عبد الرحمن السلمي حجر بن حجر الكلاعي، قال الذهبي عنه في ميزان الاعتدال: ما حدث عنه سوى خالد بن معدان بحديث العرباض مقروناً بآخر، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والإمام أحمد.
ويحيى بن أبي المطاع قال عنه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وهذا في الظاهر إسناد جيد متصل، ورواته ثقات مشهورون، وقد صُرح فيه بالسماع، وقد ذكر البخاري في تاريخه: أن يحيى بن أبي المطاع سمع من العرباض اعتماداً على هذه الرواية إلا أن حفاظ أهل الشام أنكروا ذلك، وقالوا: يحيى بن أبي المطاع لم يسمع من العرباض، ولم يلقه، وهذه الرواية غلط، وممن ذكر ذلك -لعله أبو زرعة الدمشقي- كاتب زرعة، ما هو أبو زرعة الدمشقي، وحكاه عن دحيم، وهؤلاء أعرف بشيوخهم من غيرهم، والبخاري -رحمه الله- يقع له في تاريخه أوهام في أخبار أهل الشام.
وقال الحافظ في التقريب: صدوق، وأشار دحيم إلى أن روايتهم عن العرباض مرسلة، وحديثه أخرجه ابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة، والحاكم والطبراني في الكبير.
وعبد الله بن أبي بلال قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه خرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير.
إيش اسمه هذا إيش؟ الرابع؟
طالب:.......
المهاصر كذا؟ أو المهاجر؟
طالب:.......
المهاصر بن حبيب، جاء في الجرح والتعديل سئل أبي عنه فقال: لا بأس به، حديثه خرجه ابن أبي عاصم في السنة مختصراً جداً، والطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين، والحديث قال عنه أبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم: وهذا حديث جيد من صحيح أحاديث الشاميين، وهو وإن تركه الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج فليس ذلك من جهة انكسار منهما له، فإنهما -رحمهما الله- قد تركا كثيراً مما هو بشرطهما أولى، وإلى طريقتهما أقرب، وقد روى هذا الحديث عن العرباض الثلاثة من تابعي الشام، معروفين، ثلاثة معروفون، أنت اللي كاتب هذه؟ معروفين وإلا معروفون؟
طالب:.......
في المطبوع كذا؟
طالب:.......
إيه ثلاثة معروفون، مشهورون.
وأما لفظة: ((فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)) فقد قال الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد)) وقال اللالكائي في أصول الاعتقاد: قال أبو جعفر يعني أحمد بن صالح: ليس في حديث ضمرة هذه الكلمة: ((وإنما المؤمن))... إلى آخره.
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقد أنكر طائفة من الحفاظ هذه الزيادة في آخر الحديث، وقالوا: هي مدرجة فيه وليست منه، قاله أحمد بن صالح المصري وغيره، وخرجه الحاكم، وقال في حديثه: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)).
وهذه اللفظة قد جاء ما يدل عليها من حديث ضعيف عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه: المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد، وإن أنخته استناخ.
فرق بين هين ولين، وبينهما بالتخفيف، فأيهما أولى أن يقال في مثل هينون لينون، هين لين، شيء، وهينٌ لينٌ شيء آخر، فإحداهما يدل على الذم من الهوان والضعة، والأخرى تدل على المدح من الهون والرفق، ولعل هذا هو المراد.
أخرجه العقيلي في الضعفاء، والبيهقي في شعب الإيمان، والقضاعي في مسنده، و الحديث فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، وقد أعله العقيلي به، وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث، وذكر هذا الحديث من مناكيره، وقد جاء هذا الحديث مرسلاً أخرجه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الشعب، والقضاعي في المسند كلاهما من طريق ابن المبارك عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول مرسلاً، وقال البيهقي: وهو أصح، اختلف فيه على سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، مقطوع يعني من قوله.
أخرجه الإمام أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية عن حجاج بن محمد الأعور به، والحديث له شاهد بمعناه من حديث ابن عباس، أخرجه في الشعب، وفيه انقطاع يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك ابن عباس، ومن حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب والديلمي في الفردوس، قال البيهقي: تفرد به يزيد بن عياض وليس بالقوي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال علي: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، قال الدارقطني: ضعيف، وفيه أيضاً سهل بن عمار كذبه الحاكم، كما في لسان الميزان.
وعلى كل حال الشواهد لجمل الحديث ما سمعتم، اللهم إلا الجملة الأخيرة فهي التي فيها الكلام؛ لأن الذي يشهد لها من رواية عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواق أحاديثه مناكير غير محفوظة، فإدراجها ظاهر، كونها مدرجة ظاهر.
إيه، فيه الضعفاء موجود، النسائي قد يجرح ويعدل في سننه، وقد وجد له أقوال في السنن، وفيما نقد عنه.
يعني من الأحكام ما لو فعل على سبيل الاستقلال لحكم ببطلانه، من الأعمال والعبادات بل والمعاملات ما لو فعل على جهة الاستقلال ابتداءً لحكم ببطلانه، لكن كونه عمل تبعاً لغيره يصحح، لو سئل عن شخص صلى المغرب بأربعة تشهدات، تشهد في صلاة المغرب أربع مرات وجلس وقرأ التشهد متعمداً، وهو منفرد أو إمام ماذا نقول؟ صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة، لكن يتصور أن يصلي خلف الإمام بأربعة تشهدات، بمعنى أنه يدرك الإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية، فاته ركعتان، تشهد مع الإمام التشهد الأول والثاني، صح وإلا لا؟ يتابع الإمام على التشهد الأول والثاني، ثم إذا سلم الإمام بقي عليه ركعتان، يصلي ركعة ثم يتشهد، ثم يصلي ركعة ثم يتشهد، هذه أربعة تشهدات في ثلاث ركعات، هذه تثبت وتصح هذه الصلاة تبعاً، ولا تصح استقلالاً.
نعم في تشابه من وجه؛ لأن الإمام ينوب عمن بايعه في كثير من المسائل، فهو الذي يمثلهم، وهو الذي يعقد عنهم العهود والمواثيق، على ضوء ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقودهم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهناك ما لا تدخله هذه الوكالة، يعني هي وكالة من جنس الوكالة في بعض الأمور دون بعض.