تعليق على تفسير سورة الأنفال من أضواء البيان (09)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول الأخ في صفحة 469 من طبعة عالم الفوائد: وممن قال بهذا الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد... إلى أن قال: والليث وحسين بن ثابت. يقول: والظاهر أن المؤلف نقل هذا الكلام من المغني، وهكذا وقع فيه وحسين بن ثابت في طبعة محمد رشيد رضا وطبعة مكتبة القاهرة، لكن في طبعة الشيخ عبد الله التركي بدل وحسين بن ثابت: حبيب بن أبي ثابت، بدل حسين بن ثابت: حبيب بن أبي ثابت.
يقول المعلق: وهو كذلك في الأوسط وفي الإشراف لابن المنذر، وقد صرَّح صاحب المغني بنقل هذا الكلام عنه، وتمام كلام ابن المنذر في الأوسط: قال أبو بكر: وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين ومكحول وحبيب بن أبي ثابت، وهذا قول عوام علماء الأمصار في القديم والحديث، وممن قال بذلك مالك بن أنس ومن معه من أهل المدينة، وكذا قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام، وبه قال سفيان الثوري ومن وافقه من أهل الشام!
سفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق؟
كاتب: الشام!
طالب: .......
وبه قال سفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، وبه قال سفيان الثوري ومن وافقه... مكررة.
طالب: .......
نعم، لكن الكلام فيه .......
طالب: .......
نعم، وكذلك قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام، مذكورة.
طالب: .......
ومن وافقه من أهل الشام، وبه قال سفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، كلاهما.
طالب: .......
نعم، نمسح الأولى، والثانية تستقيم.
وهو قول الليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر، وكذلك قال الشافعي وأصحابه، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور ويعقوب بن محمد، ولا نعلم أحدًا في القديم والحديث خالف ذلك، ولا عدل عن القول بما يثبت به ....... ما هذا؟
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه أهل العلم في كل وقت إلا النعمان -يعني أبا حنيفة-، فإنه خالف كل من ذكرناه فقال: لا يسهم للفرس إلا سهمًا واحدًا، وخالفه أصحابه، وبقي قوله مهجورًا مخالفًا للأخبار التي ذكرناها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
إذن حسين بن ثابت حبيب بن أبي ثابت.
نعم.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَصَحُّ الْأَقْوَالِ دَلِيلاً: أَنَّهُ لَا يُقسمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَمَّا سَأَلَهُ نَجْدَةُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ. مِنْهَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَكتب إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ).
يعني يُعطين من الغنيمة، نعم.
طالب: (وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَيَجِبُ حَمْلُ مَا وَرَدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ النِّسَاءَ يُسْهَمُ لَهُنَّ عَلَى الرَّضْخِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: "يُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ". قَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ "يُحْذَيْنَ"، هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ يُعْطَيْنَ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ، وَتُسَمَّى الرَّضْخَ، وَفِي هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الرَّضْخَ، وَلَا تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إِنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ، أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا رَضْخَ لَهَا، وَهَذَانَ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ اهـ).
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ما فيه مصادمة، والأصل أن القتال للرجال وليس للنساء، المرأة ليست من أهل القتال، وخروجها إنما هو لمداواة الجرحى لا للقتال، وعلى الغانيات... أكمل؟ جر الذيول، كُتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول. المرأة لا تقاتل، فالوصف منتفٍ من الأصل.
طالب: .......
هو ما فيه مصادمة بين قوله وبين ما جاء في الخبر، إلا أن الأصل في القتال أنه ليس للنساء، والسهم مقرون بالقتال، وهن لا يقاتلن، إذن لا يُسهم لهن.
طالب: لكن فيهن من يقاتل .......
يذكرون، يعني لو قاتل من ليس من أهل القتال، ممن لا يشارك في القتال أصلاً شرعًا.
طالب: وشارك.
وشارك، كالكافر مثلاً، يُسهم له أم يُرضخ؟
طالب: .......
لا الحكم الشرعي مربوط بالأصل، يعني يُعطى مثل الأجرة.
طالب: .......
أين؟
طالب: .......
فيداوين الجرحى.
طالب: .......
نعم نعم، هنا قول الأوزاعي، إن كانت تقاتل أو تداوي الجرحى، هذا فيه مصادمة.
طالب: .......
لا، أنا عالم كلامك.
طالب: (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْخُذُ نَفَقَةَ سَنَتِهِ مِنْ فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ، لَا مِنَ الْمَغَانِمِ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ: حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ).
عن عمر ما لها وجه، مالك بن أوس دخلت على عمر مباشرة.
طالب: (قال: دخلت على عمر فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ).
أو أنه قاله إجمالاً: ودليل ذلك حديث مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب، وتفصيله قال: دخلت، ممكن.
طالب: (فأتاه حاجبه يرفأ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عَبَّاس: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، قَالَ: أنْشدُكُمْ بِاللَّهِ، الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، يُرِيدُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ؟ فَقَالَ: الرَّهْطُ، قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6]، فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ، أنْشدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لَعَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ: أنْشدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ).
يعني العباس، نعم.
طالب: (وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا).
علي يسأل نصيب امرأته فاطمة، نعم.
طالب: (فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ اهـ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي " الصَّحِيحِ " فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ تَصْرِيحُ عُمَرَ بِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ مِنْ فَيْء بَنِي النَّضِيرِ، وَتَصْدِيقُ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخرَّجٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ نَفَقَةَ أَهْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ مِنَ الْفَيْءِ، لَا مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ: «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ»).
حديث في الصحيحين وهو صحيح في المراد، وأن أبا بكر وعمر ما ظلما فاطمة ولا غيرها من أهل البيت، خلافًا لما يزعمه الروافض من أن أبا بكر وعمر منعا أهل البيت من إرثهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأنبياء كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يورثون، إنما ما تركوه صدقة، ونصيبهم من الفيء يوزع على مراد الله -جل وعلا- على قسمته، ثم بعد ذلك لما اختلف علي والعباس قال أبو بكر: خذوه تصرفوا أنتم، ما ظلمهم، ولا أساء إليهم كما تزعم الروافض، والله المستعان.
طالب: (فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثُ صَفَايَا: بَنُو النَّضِيرِ، وَخَيْبَرُ، وَفَدَكُ؛ فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ حَبْسًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْأَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَجُزْءًا نَفَقَةً لِأَهْلِهِ، فَمَا فَضُلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَعَلَهُ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ.
فَالْجَوَابُ -وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ " فَدَكَ " وَنَصِيبَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ " خَيْبَرَ " كِلَاهُمَا فَيْءٌ، كَمَا قَدَّمْنَا عَلَيْهِ الْأَدِلَّةَ الْوَاضِحَةَ، وَكَذَلِكَ " النَّضِيرِ "، فَالْجَمِيعُ فَيْءٌ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، فَحُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدٌ).
فدك بلدة بين المدينة وخيبر قالوا: تبعد عن المدينة مرحلتين، وعن خيبر أقل من مرحلة.
طالب: (وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ، وَفَدَكَ، وَصَدَقَته بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ. فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ، وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وصدقة المدينة هي فيء بني النضير، ما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير، نعم.
طالب: (وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَدَقَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَمَّا سَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ فَكَانَ حُكْمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا كَانَ يَصْرِفُهُ فَيَصْرِفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَمَا فَضُلَ عنْ ذَلِكَ جَعَلَهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَعَمِلَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ تَصَرَّفَ فِي فَدَكَ بِحَسَبِ مَا رَآهُ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ بْنِ مُقْسِمٍ).
مِقْسَم.
طالب: ابن مُقْسَم.
مِقْسَم كمِنْبَر، نعم.
طالب: (من طريق مُغيرةَ بن مِقْسَم قَالَ: جَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَنِي مَرْوَانَ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُنْفِقُ مِنْ فَدَكَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ).
بني مروان أم ابن مروان؟
طالب: جمع عمر بني مروان.
طالب: .......
نعم.
طالب: (كان ينفق من فدك على بني هاشم وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهُمْ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى، وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ؛ يَعْنِي فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَقْطَعَ عُثْمَانُ " فَدَكَ " لِمَرْوَانَ؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ، فَاسْتَغْنَى عُثْمَانُ عَنْهَا بِأَمْوَالِهِ، فَوَصَلَ بِهَا بَعْضَ قَرَابَتِهِ، وَيَشْهَدُ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعُ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ». فَقَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ لَهُمَا. اهـ).
طالب: .......
ماذا؟
طالب: ....... عند أبي داود: ثم صارت لعمر بن عبد العزيز، ثم قال ....... يعني على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ....... قال أبو داود: ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وغلته ....... وتوفي وغلته ....... ولو بقي .......
عمر ينفق في سبيل الله.
طالب: لكن هم ما يجعلون لها .......
يعني بالنسبة للأنفع للوقف تريد أن الخليفة مطالب بما ينفع الوقف، بعمل الأنفع للوقف كما يوصى به الآن في مثل الأوقاف، عمر بن عبد العزيز لا ينظر إلى الدنيا بشيء، وعمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة جرد نساءه من حليهم وأدخلها في بيت المال، فهو لا ينظر إلى هذه الدنيا بشيء -رضي الله عنه وأرضاه-، وأنها دنيا زائلة وفانية، والله المستعان، هذا إن صح الخبر.
طالب: ....... فيعني ما الذي جعل عمر بالذات .......
لا بد أني أقرأ الخبر من أوله إلى آخره، نعم.
طالب: (وَاعْلَمْ أَنَّ فَيْءَ " بَنِي النَّضِيرِ " تَدْخُلُ فِيهِ أَمْوَال " مُخَيْرِيقَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَهُودِيًّا مِنْ " بَنِي قَيْنُقَاعَ " مُقِيمًا فِي بَنِي النَّضِيرِ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ، قَالَ لِلْيَهُودِ: «أَلَا تَنْصُرُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ نُصْرَتَهُ حَقٌّ عَلَيْكُمْ»، فَقَالُوا: الْيَوْمُ يَوْمُ السَّبْتَ، فَقَالَ: لَا سَبْتَ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَمَضَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: أَمْوَالِي إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضَعُهَا حَيْثُ يشَاء، وَكَانَ لَهُ سَبْعُ حَوَائِطَ بِبَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ " الْمِيثَبُ "، " وَالصَّائِفَةُ "، " وَالدَّلَالُ "، " وَحُسْنَى "، " وَبَرْقَةُ "، " وَالْأَعْوَافُ "، " وَمَشْرَبَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ". وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ " الْمِيثَرُ " بَدَلَ " الْمِيثَبُ "، " وَالْمِعْوَانُ " عِوَضَ " الْأَعْوَافِ "، وَزَادَ " مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ " الَّذِي يُقَالُ لَهُ " مَهْرُوزٌ ". وَسُمِّيَتْ " مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ "؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْكُنُهَا " مَارِيَةُ "، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، وَعَدَّ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي نَظْمِهِ لِلْمَغَازِي " مُخَيْرِيقَ " الْمَذْكُورَ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، حَيْثُ قَالَ فِي سَرْدِهِمْ: وَذُو الْوَصَايَا الْجَمُّ لِلْبَشِيرِ).
للبشير صح؛ لأنها خطأ في الكتاب.
طالب: للبشير.
عندك صحيح للبشير، وعندهم للبشر، نعم هو أوصى بها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: أموالي إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- يضعها حيث شاء، وهو البشير النذير -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
طالب: (وَذُو الْوَصَايَا الْجَمُّ لِلْبَشِيرِ... وَهُوَ مُخَيْرِيقُ بَنِي النَّضِيرِ).
طالب: .......
نعم، عده من شهداء أحد.
طالب: .......
لا هو الرجل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هجر قومه وقال لا سبت. واضح أنه مسلم.
طالب: .......
ورثته كفار كلهم، نعم.
طالب: (وَلْنَكْتَفِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، خَوْفَ الْإِطَالَةِ الْمُمِلَّةِ).
لا ما قصرت! يذكرني بالكفراوي شارح الآجرومية ذكر في بعض الأبواب ثمانية عشر مثالاً، ومن عادته أنه إذا ذكر المثال أعربه، أعرب ستة عشر من هذه الأمثلة ثم قال: وباقيها كما مر! نعم.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]. أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِالثَّبَاتِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا مُشِيرًا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْفَلَاحِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ، فَتَدُلُّ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ عَدَمِ الثَّبَاتِ أَمَامَ الْكَفَّارِ، وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِهَذَا الْمَدْلُولِ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَضْيَقِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ وَقْتُ الْتِحَامِ الْقِتَالِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْبَغِي لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الضِّيقِ، وَالْمُحِبُّ الصَّادِقُ فِي حُبِّهِ لَا يَنْسَى مَحْبُوبَهُ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ. قَالَ عَنْتَرَةُ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ... مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي
وَقَالَ الْآخَرُ: ذَكَرْتُكِ وَالْخَطِيُّ يَخْطُرُ بَيْنَنَا... وَقَدْ نَهَلَتْ فِينَا الْمُثَقَّفَةُ السُّمْرُ
تَنْبِيهٌ).
في حديث مجيء النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى فاطمة وفي طلبها منه الخادمة وإرشاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى ما هو أفضل من ذلك من أذكار النوم، قال علي -رضي الله عنه-: ما تركتها منذ سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال له رجل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. يعني الذكر في أوقات السعة أيضًا في أوقات الضيق، والذكر سبب لتفريج الكرب والهموم. فينبغي للمسلم أن يكون ذاكرًا لله -جل وعلا- وأن يكون لسانه رطبًا من ذكر الله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]. شف في وقت الضيق ولا ليلة صفين هذا الذي سأل يعني وأيش يدور هذا! يتوقع أن يقول علي: والله كان ليلة نسيته، ليس هو متوقعًا ليلة ضيق ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين -رضي الله عنه وأرضاه-.
طالب: (تنبيه: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ "لَعَلَّ" فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129]، فَهِيَ بِمَعْنَى "كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ".
قَالَ مُقَيِّدُهُ -عَفَا اللَّهُ عَنْهُ-: لَفْظَةُ "لَعَلَّ" قَدْ تَرِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُرَادًا بِهَا التَّعْلِيلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مُوثَقِ، فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ كَشِبْهِ سَرَابٍ بِالْمَلَا مُتَأَلِّقِ. فَقَوْلُهُ "لَعَلَّنَا نَكُفُّ" يَعْنِي: "لِأَجْلِ أَنْ نَكُفَّ"، وَكَوْنُهَا لِلتَّعْلِيلِ لَا يُنَافِي "مَعْنَى التَّرَجِّي"؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْلُولِ يُرْجَى عِنْدَ وُجُودِ عِلَّتِهِ).
طالب: .......
وكونها للتعليل هو معروف أن لعل للترجي وليت للتمني، هو لما قال للتعليل كأنه أخرجها من دائرة الترجي، يقول لا جهة منفكة هذا من جهة وهذا من جهة.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] الْآيَةَ. نَهَى اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنِ التَّنَازُعِ، مُبَيِّنًا أَنَّهُ سَبَبُ الْفَشَلِ، وَذَهَابُ الْقُوَّةِ، وَنَهَى عَنِ الْفُرْقَةِ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، أَيْ: قَوَّتُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: نَصْرُكُمْ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: الرِّيحُ لِفُلَانٍ؛ إِذَا كَانَ غَالِبًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا... فَإِنَّ لِكُلِّ عَاصِفَةِ سُكُونُ
وَاسْمُ "إِنَّ" ضَمِيرُ الشَّأْنِ).
حتى ما تقول سكونا كما يرويه أكثر الناس، سكونا إذا كان منصوبًا؛ اسم إن مؤخرًا ، ويجب تأخيره، وإذا قيل: اسمها ضمير الشأن فلا مانع أن تقول سكون، أي فإنه لكل عاصفة سكون، نعم.
طالب: (وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: الرِّيحُ: الدَّوْلَةُ، شُبِّهَتْ فِي نُفُوذِ أَمْرِهَا، وَتَمَشِّيهِ بِالرِّيحِ فِي هُبُوبِهَا، فَقِيلَ: هَبَّتْ رِيَاحُ فُلَانٍ، إِذَا دَالَتْ لَهُ الدَّوْلَةُ، وَنَفذَ أَمْرُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
يَا صَاحِبَيَّ أَلَا لَا حَيَّ بِالْوَادِي... إِلَّا عَبِيدٌ قُعُودٌ بَيْنَ أَذْوَادِي
أَتَنْظُرَانِ قَلِيلاً رَيْثَ غَفْلَتِهِمْ... أَمْ تَعْدُوَانِ فَإِنَّ الرِّيحَ لِلْعَادِي).
طالب: .......
نعم مصبها واحد.
طالب: .......
لكن مصبها واحد.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [الأنفال: 48]، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} [الأنفال: 48].
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ غَرَّ الْكُفَّارَ، وَخَدَعَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا غَالِبَ لَكُمْ وَأَنَا جَارٌ لَكُمْ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّهُ تَمَثَّلَ لَهُمْ فِي صُورَةِ "سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ" سَيِّدِ بَنِي مُدْلِجِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مُجِيرُهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} [الأنفال: 48]، عِنْدَمَا رَأَى الْمَلَائِكَةَ وَقَالَ لَهُمْ: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} [الأنفال: 48]، فَكَانَ حَاصِلُ أَمْرِهِ أَنَّهُ غَرَّهُمْ، وَخَدَعَهُمْ حَتَّى أَوْرَدَهُمُ الْهَلَاكَ، ثُمَّ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ. وَهَذِهِ هِيَ عَادَةُ الشَّيْطَانِ مَعَ الْإِنْسَانِ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} [الحشر: 16] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22]، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22]، وَكَقَوْلِهِ: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120]).
لو أخذ المسلم بقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]، فإذا اتخذته عدوًّا لم تقبل منه نصيحة، وسلمت من شره، وهو لا يريد إلا أن يضلك، وأن يجعلك معه في النار. ولكن الشهوات والشبهات والشياطين تزين للإنسان، وتملي له تبعًا لكبيرها ورئيسها الشيطان الأكبر، ثم بعد ذلك يتخلون عنه في أحلك الظروف. كما ذُكر أن مؤذن مسجد صعد على المنارة؛ ليؤذن، فلاحت له بنت لجار المسجد فأعجبته، فلما نزل من المنارة ذهب ليراودها فراودها عن نفسها فقالت: لا أريد الحرام، وإنما أريد النكاح بالزواج، قال: وهو كذلك، وأنا أريد زواجًا، قالت: لكنك مسلم، وهي نصرانية، ووالدي ما يوافق على مسلم، قال يتنصر فتنصر، إلى آخر القصة التي ذكرها ابن القيم وغيره.
لكن هذه خطورة الشيطان، وهذه من أعظم أضرار ومفاسد إرسال النظر فيما حرم الله -جل وعلا-، يعني وصل به الأمر إلى الكفر، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل مما يوجب قتله عندهم فجاءه الشيطان فيقدوه وقال: اسجد لي وأفك أسرك، فأطاع الشيطان فسجد له، فقتلوه، وختمت له بهذه الخاتمة، تنصر ثم سجد لإبليس اللعين، وما بعد ذلك! فعلى الإنسان أن يقطع الطريق بينه وبين الشيطان، ويعتصم بالله -جل وعلا- ويكثر من الاستعانة بالله منه ويكثر من الذكر والتلاوة والتعبد وبذلك يعصم من الشيطان.
طالب: (وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:
سِرْنَا وَسَارُوا إِلَى بَدْرٍ لِحِينِهِمُ لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْأَمْرِ مَا سَارُوا
دَلَّاهُمُ بِغُرُورٍ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ إِنَّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَلَّاهُ غَرَّارُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53]. ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِسَبَبِ ذَنْبٍ ارْتَكَبَهُ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]).
والسياق يدل أن مثل هذا التغيير إلى الأسوأ؛ لأنهم غيروا إلى الأسوأ، والضد صحيح: من غير إلى الأحسن غُير إلى الأحسن.
طالب: (وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64]. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ}، فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالْعَطْفِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، أَيْ حَسْبُكَ اللَّهُ، وَحَسْبُكَ أَيْضًا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الْحَسَنُ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ، كَمَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ).
والذي رجَّحه ابن القيم، واستدل عليه وأطال في تقريره أن: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ} معطوفة على الكاف: حسبك وحسب من اتبعك منهم، يعني كافيك وكافي أتباعك.
طالب: (وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ فِي مَحَلِّ خَفْضٍ بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ: {حَسْبكَ}، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: {حَسْبُكَ اللَّهُ} أَيْ: كَافِيكَ وَكَافِي مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ"، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ).
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم، هذا لهذا نصره ابن القيم: كافيك وكافي أتباعك.
طالب: (وَالْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَجْهِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: كَافِيكَ اللَّهُ وَكَافِي مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِدَلَالَةِ الِاسْتِقْرَاءِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْحَسْبَ وَالْكِفَايَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]).
الإيتاء من الله -جل وعلا- وقد يكون من رسوله، لكن الكفاية والحسب من الله فقط.
طالب: (فَجَعَلَ الْإِيتَاءَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وَجَعَلَ الْحَسْبَ لَهُ وَحْدَهُ، فَلَمْ يَقُلْ: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، بَلْ جَعَلَ الْحَسْبَ مُخْتَصًّا بِهِ وَقَالَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]؟ فَخَصَّ الْكِفَايَةَ الَّتِي هِيَ الْحَسْبُ بِهِ وَحْدَهُ، وَتَمَدَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62]، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَسْبِ وَالتَّأْيِيدِ، فَجَعَلَ الْحَسْبَ لَهُ وَحْدَهُ، وَجَعَلَ التَّأْيِيدَ لَهُ بِنَصْرِهِ وَبِعِبَادِهِ).
طالب: ....... التأييد هو ثمرة الحسب .......
التأييد هو النصر، التأييد كما يكون بالفعل يكون بالقول، وهذا يحصل من الخالق ومن المخلوق، ما فيه يمنع.
طالب: .......
لكن ما يمنع البشر يؤيدون وينصرون بقدر ما أوتوا من قوة.
طالب: ....... من ثمرات أنه حسبك.
كل شيء بيد الله، والنتيجة الأخيرة لله؛ {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4].
طالب: (وَقَدْ أَثْنَى -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ مِنْ عِبَادِهِ حَيْثُ أَفْرَدُوهُ بِالْحَسْبِ، فَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} [التوبة: 129] الْآيَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ضَمِيرِ خَفْضٍ لَازِمًا قَدْ جُعِلَا. فَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ صَحَّحُوا جَوَازَ الْعَطْفِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا إِذْ قَدْ أَتَى... فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي "سُورَةِ النِّسَاءِ" فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 127] شَوَاهِدَهُ الْعَرَبِيَّةَ، وَدَلَالَةَ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]).
يعني قراءته بالخفض: {وَالْأَرْحَامِ}؛ لأنه معطوف على المجرور.
طالب: (الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الْكَافِ مَخْفُوضٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ؛ إِذْ مَعْنَى {حَسْبُكَ}: يَكْفِيكَ، قَالَ فِي "الْخُلَاصَةِ":
وَجَرُّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ... رَاعَى فِي الإتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: نَصْبُهُ بِكَوْنِهِ مَفْعُولاً مَعَهُ، عَلَى تَقْدِيرِ ضَعْفِ وَجْهِ الْعَطْفِ، كَمَا قَالَ فِي "الْخُلَاصَةِ":
وَالْعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلَا ضَعْفٍ أَحَقْ وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ وَمَنْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَحَسْبُهُمُ اللَّهُ أَيْضًا، فَيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى).
اللهم صل على محمد.
طالب: .......
كلام رجحه ابن القيم وهو .......
طالب: .......
الإعراب؟
العطف على الضمير المجرور وردت به شواهد كثيرة.
اللهم صل على محمد.