شرح مختصر الخرقي - كتاب الصلاة (28)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المسافر
وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، أو ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي فله أن يقصر إذا جاوز بيوت قريته، إذا كان سفره واجباً أو مباحاً، ومن لم ينو القصر في وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر، والصبح والمغرب لا يقصران، وأن هذا لا خلاف فيه، وللمسافر أن يتم ويقصر كما له...
وأن هذا...
طالب: نعم؟
وأن هذا لا خلاف فيه؟
طالب: إي نعم.
هذه من الشرح ليست من المتن.
طالب: عجيب مقحمة عندنا.
ولا فيها تنبيه ولا شيء؟
طالب: ولا تنبيه ولا شيء يا شيخ.
وفي المغني؟
طالب: موجودة فيه، لكن ليست فيها وأن، وهذا لا خلاف.
بين قوسين وضعها؟
طالب: لا لا أبداً، من المتن، والصبح والمغرب لا يقصران وهذا لا خلاف فيه.
المحقق معنا الطبعة الجديدة
طالب: العجمي؟
إي نعم، يقول: وأدخل في طبعة المغني زيادة من الشرح على أنها من المتن.
وللمسافر أن يتم ويقصر كما له أن يصوم ويفطر، والقصر والفطر أعجب إلى أبي عبد الله، وإذا دخل وقت الظهر على مسافر، وهو يريد أن يرتحل صلاها وارتحل، فإذا دخل وقت العصر صلاها، وكذلك المغرب وعشاء الآخرة، وإن كان سائراً وأحب أن يؤخر الأولى حتى يصليها في وقت الثانية جائزٌ، وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر...
فجائز يعني جواب الشرط.
طالب: عندك جائز يا شيخ؟
وإن كان سائراً فأحب أن يؤخر فجائز، الجواب فجائز.
عندي أنا بدون الفاء جائز.
وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر أو صلاة سفر فذكرها في الحضر صلى في الحاليتين صلاة حضر، وإذا دخل مع مقيم وهو مسافر أتم، وإذا صلى مسافر ومقيم خلف مسافر.
طالب: عندنا في زيادة واو وخلف مسافر.
لا لا خلف مسافر.
خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه، وإذا نوى المسافر الاقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وإن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج قصر، وإن أقام شهراً، والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المسافر
تفرد بترجمة وبكلام لأنها تختلف عن صلاة المقيم، فالسفر مظنة المشقة التي حصل بسببها هذا التخفيف من الرخص، القصر، والجمع، والفطر، والمسح، وصلاة النافلة على الراحلة ، وغير ذلك مما جاءت به النصوص، وهنا يُذكر ما يختص بالصلاة، ولا يستوعب أيضاً، إنما يذكر فيه القصر والجمع، لا يستوعب كل ما يتصل بالصلاة يذكر في هذا الباب ما يختص بالقصر والجمع فقط؛ لأنهما أظهر أنواع الترخص، وإلا فالمسافر له رخص، وتقدم في التيمم أن من الرخص للمسافر عند بعضهم التيمم، ولو كان واجداً للماء، جعلوه من الأعذار التي تبيح التيمم {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] وجعلوا القيد خاصا بالحدث ولا يتناول المسافر، وذكرنا في وقتها أن القيد المتعقب لجمل هل يتناول الجملة الأخيرة فقط، أو الجمل كلها؟ والخلاف في ذلك بين أهل العلم معروف، الوصف المؤثر من قيد، أو تخصيص بما في ذلك الاستثناء مثل ما جاء في الاستثناء بالنسبة للقاذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور] الإجماع قائم على أن الاستثناء يلحق الجملة الأخيرة، وأنه يرفع الفسق، كما أنه لا يتناول الجملة الأولى فلا يسقط الحد، والخلاف في الثانية، هل تقبل شهادته مع ذكر التأبيد أو لا تقبل؟ هذا محل الخلاف، وهنا وإن كان الخلاف ضعيفاً بالنسبة للمسافر، وأنه يتيمم ولو كان واجداً للماء إلا أنه مذكور في كتب الخلاف، شهره من المتأخرين الشوكاني وصديق، ومن يتفقه على طريقتهما.
المقصود أن مثل هذا من أحكام السفر يذكر، ولو كان قولاً مرجوحاً، أيضاً مما يذكر الصلاة على الراحلة، وأنها خاصة بالنافلة، إن كان لا يصلي الفريضة على الراحلة، وبهذا يستدل الجمهور على أن الوتر ليس بواجب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليه على الراحلة.
المسح ثلاثة أيام بلياليها من أحكام السفر، القصر والجمع هما موضوع الباب الذي سمعتموه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المسافر
قال -رحمه الله-: "وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً أو ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي" أو هذه في بعض النسخ دون بعض، وثمانية وأربعين ميلاً بدلا من ستة عشر فرسخاً؛ لأن الفرسخ ثلاثة أميال، والميل يقرب من ألف وسبعمائة متر، يعني كيلوين إلا ثلث، ومقدر عند أهل العلم عموم المسافرة بثمانين كيلاً على ما ذكر هنا، وما اختاره المؤلف، وهو قول الحنابلة والشافعية ثمانين كيلاً، أربعة برد، وكل بريد أربعة فراسخ، أربعة برد ستة عشر فرسخاً، ثمانية وأربعون ميلاً، ثمانون كيلاً، مسيرة يومين قاصدين، هذا ما يختاره المؤلف، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو قول الشافعية، ومنهم من يرى أنه مسيرة يوم وليلة، يعني نصف ما ذكر هنا، ومنهم من يراه مسيرة ثلاثة أيام، معول من يقول بأنه مسيرة يومين، أو ما ذكر ثمانية وأربعين ميلاً... إلى آخره، ما يذكر عن بعض الصحابة كابن عباس، وأنه حد مسافة السفر بهذا، ومثل بأمثلة كلها تقدر بهذه المقادير، من مكة إلى جدة، ومن مكة إلى الطائف، ومن مكة إلى عسفان، وذكر ذلك عنه الإمام البخاري.
المخالفون ومن قال يوما وليلة جاء بأحاديث السفر بدون محرم، وأنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم، ومن قال بالثلاثة جاء بالحديث الذي يمنع من السفر بدون محرم مسيرة ثلاثة أيام، ثلاث ليال إلا مع ذي محرم.
هذه النصوص التي تمسك بها جمهور أهل العلم في التحديد على خلاف بينهم في المقدار، هم تمسكوا بأحاديث صحيحة لكنها ليست صريحة ونص في الباب، يعني ليست دلالتها أصلية، إنما دلالتها فرعية على المسألة، نعم فيها ذكر السفر، لكن هل فيها ما ينفي ما فوق هذا المقدار أو دونه؟ في أسفاره -عليه الصلاة والسلام- سافر إلى مسافات وقصر الصلاة بذي الحليفة، وهي ستة أميال عن المدينة، ونصوص الكتاب والسنة كلها مطلقة تجعل الوصف المؤثر في الترخص هو السفر، وليس فيها ما يدل على التحديد إلا ما جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- كابن عباس وابن عمر وغيرهم، فهل تنهض هذه الأدلة من النصوص المرفوعة الصحيحة غير الصريحة التي لم تسق لهذه المسألة، أو الاعتماد على قول الصحابة مع مخالفة غيرهم لهم أو لا تنهض؟
النصوص مطلقة، مما جعل جمعاً من المحققين يرون أن الأصح الإطلاق، فكل ما يعد سفراً في العرف يكون مؤثراً في الترخص، وهذا القول لا شك أن له حظ كبير من النظر، لولا ما يترتب عليه؛ لأن النظر إلى الأعراف وهذه مسألة لا يستقل بها من يقدر النظر في هذه المسائل، وإنما هي مطلوبة من المسلمين عموماً، منهم من يقدر النظر ونظره صحيح، ومنهم من نظره ليس بصحيح، ولو ترك التقدير للمسلمين عموماً على اختلاف مستوياتهم لحصل الخلل الكبير، كما هو الواقع، مما جعل بعض المحققين أو فريقاً من المحققين يرجح قول الجمهور، ويحدد المسافة والمدة حفاظاً على هذه الشعيرة العظيمة، وأن القول بالإطلاق وعدم التحديد جر بعض الناس إلى تضييع هذه الشعيرة وغيرها مما يترخص به، شيخ الإسلام يقول بالإطلاق، تلميذه ابن القيم وابن قدامه صاحب المغني ويفتي به من يفتي من المعاصرين، وكان الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يفتي به، لكنه لما رأى ما يترتب عليه من عموم الناس من تضييع لهذه الشعيرة تجد أحدهم يخرج عن البلد ميل واحدا، كما يقول الظاهرية ويقصر ويفطر، نعم القيد المعروف عند أهل العلم أن من سافر ليترخص لا يجوز له ذلك.
على كل حال هذه المسألة من عضل المسائل، فجمهور أهل العلم يحددون المسافة ويحددون المدة، والمعول في هذا التحديد قد لا يكون ثابتاً على طريقتهم هم في الإثبات عند التحقيق والتمحيص؛ لأن اعتمادهم إما على أحاديث وهي صحيحة، لكنها ليست مجتمعة على المراد، فالتحديد بمسافة السفر بغير محرم إنما جاءت على حسب الوقائع، فمن سأل عن يوم أجيب، ومن سأل عن يومين أجيب، ومن سأل عن ثلاثة أجيب، لكن ماذا عن يوم بدون ليلة، لو سافرت امرأة مع غير محرم نصف يوم، يعني هل العدد مراد؟ لو سافرت امرأة نصف يوم مع غير محرم يجوز أو ما يجوز؟ نصف يوم؟ لا يجوز، نعم؟
طالب:.......
جاء الإطلاق صحيح ((لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)) لكن مفهوم هذه الأعداد فيما سيقت له هذه النصوص هل هو مراد أو غير مراد؟ مفهوم هذه الأعداد فيما سيقت له هذه النصوص غير مراد، بدليل اختلافها، فكيف يكون مراداً فيما لم يسق له؟ الإمام البخاري -رحمة الله عليه- في صحيحه قال: باب في كم يقصر الصلاة، وسم النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلة سفراً، وكان ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما أو رضي الله عنهم يعني الأبناء والآباء- يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً.
قال -رحمه الله-: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: قلت لأبي أسامة: حدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)).
ثم قال -رحمه الله-: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذي محرم)) تابعه أحمد عن ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال: حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)) تابعه يحيى بن أبي كثير، وسهيل ومالك عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
يقول الحافظ ابن حجر في شرحه: قوله:
باب: في كم يقصر الصلاة، يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ له في أقل منها، وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جداً، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولاً، فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائباً عن بلده، ما دام مسافراً قد يسافر السنوات، البعثات الدراسية التي يمكث فيها الطلاب سنوات تدخل في هذا القول، وقد أفتاهم من أفتاهم بأن يمكثوا الخمس السنين والست والسبع بل العشر، ولا حد إذا قيل: عشر قل: عشرين ما المانع؟ نعم؟ يجمعون ويقصرون ويفطرون ويمسحون ويترخصون، لكنه لم يذكر ما هو أقل من ذلك مما يذكر عن الظاهرية مما ذكره ابن حزم وغيره من أن الميل يكفي للترخص للسفر.
وأكثره ما دام غائباً عن بلده، وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، والعادة أنه إذا جاء بالترجمة على سبيل التردد، وأردفها بموقوف أو معلق يجزم به أنه هو اختياره، فالذي يظهر أنه يختار يوما وليلة، وإذا مشينا على التقدير الذي قدروه في البرد والفراسخ والأميال تكون مسافة القصر عنده أربعين كيلاً يوما وليلة؛ لأنه قال: باب في كم يقصر الصلاة، وسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلة سفراً، وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة.
منهم من يقول: لا، اليوم والليلة مختلف فيه، واليومان مختلف فيهما، وأكثر ما جاء ثلاثة أيام، وإلى هذا ميل الحنفية، يقولون: الثلاثة أيام متفق عليها بين المذاهب التي ترى التحديد، فما دونها مختلف فيه، ويجب أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، هذا من جهة.
اليقين من جهة أخرى أنك إذا قصرت الصلاة فعند من يقول بهذه المسافة صلاتك صحيحة، لكن ماذا عمن لا يقول بهذه المسافة يوما وليلة ويومين؟ صلاتك ليست صحيحة، لكن إذا أتممت لوجود الخلاف فإن الصلاة لا يقول ببطلانها حتى من يقول بوجوب القصر، لا يقول ببطلانها، وإن كان نُقل عن بعض السلف أن الإتمام في السفر كالقصر في الحضر، وعلى هذا لا يمكن الاحتياط، أما على القول بأن القصر والجمع رخص على ما سيأتي، وأيهما أفضل الجمع أو التوقيت أو القصر أو الإتمام هذه المسألة فيها شيء من السعة.
يقول -رحمه الله تعالى-: قوله: وسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلة سفراً، في رواية أبي ذر السفر يوماً وليلة، وفي كل منهما تجوز، والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفراً، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب عنده، الذي هو آخر الأحاديث الثلاثة، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تُعقب بأن في بعض طرقه: "ثلاثة أيام" كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها "يوم وليلة" وفي بعضها يوم" وفي بعضها "ليلة" وفي بعضها "بريد" فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل لأنه قد تطلق الليلة ويراد بيومها، وقد يطلق اليوم ويراد بليلته.
فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف، واندرج في الثلاث، فيكون أقل المسافة يوماً وليلة، لكن يعكر عليه رواية "بريد" ويجاب عنه بما سيأتي قريباً.
قوله: وكان ابن عمر وابن عباس... الخ، وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء ابن أبي رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك، وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر نحوه، وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة.
قال مالك: وبينها وبين المدينة أربعة برد، رواه عبد الرزاق عن مالك، فقال: بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلاً، يعني كم؟ ثمانية عشر ميلاً، قليلة ؟ نعم.
وفي الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام، ومن طريق عطاء أن ابن عباس سئل أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف، وقد روي عن ابن عباس مرفوعاً أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان)) وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "لا تقصروا الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر الصلاة فيما دون اليوم" ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة.
العبرة بالسير المتوسط المتعارف عليه عندهم، والمرحلة عندهم، نعم؟
طالب:.......
نعم بريدان، فعلى هذا إذا قلنا بأن المسافة يمكن أن تقطع بأوقات متفاوتة، ونحن نعول أحياناً على المدة التي تقطع بها المسافة، وأحياناً نعول على تقدير المسافة حينئذٍ يضطرب الأمر، ما يتفق، إلا إذا قلنا: إن هذه المسافة المقدرة الواردة في هذه الآثار تقطع في مدة هي التي وردت في آثار أخرى، وإلا يحصل الاضطراب، وإذا قلنا: إنها يمكن أن تقطع في يوم اضطرب عندنا الأمر، ولم نستطع أن نصل إلى قول محدد، ومثل ما ذكرنا أن التعويل على مثل هذه الأخبار لا شك أن فيه ضعفاً، ومن أفتى به من أهل التحقيق إنما أفتى به محافظة على هذه العبادة العظيمة؛ لئلا تعرض للضياع والتلاعب.
ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة.
في بعض الكتب الفقهية نصوا على أن المسافة أربعة برد، وأشار بعضهم إلى أنه ولو قطعها في ساعة، الآن تقطع في ساعة، تقطع في أقل من ساعة، هل لهذا أثر على هذا التحديد؟ نعم؟
يعني بأطول الأجلين أو بأطول التقديرين؟
طالب:.......
لا بد أن تكون من يومين؟ لا هي هذا أو هذا، يعني عدة المتوفى عنها الحامل هل نقول: إنها بأقصى الأجلين مثل ما قلت أنت هنا؟ ما هي بنظير المسألة التي معنا؟ أو التنظير غير مطابق؟ نعم؟ لو قلنا: إننا مربوطون بالمدة، مسيرة يومين أو يوم، ولو قطعت في مدة يسيرة، يعني لا بد أن ننظر إلى الأمرين معاً على كلامك، ننظر إلى الأمرين معاً، فإذا قلنا: إنه لا بد من مضي المدة يومين فمعناه الوسائل الحديثة لايوجد شيء اسمه ترخص، في سفر يجلس يومين بالطائرة؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا، افترض أنه سافر مسيرة يوم كم؟ عشرين ألف كيلو ورجع بنفس اليوم، لا، لا رابط بينهما؛ لأنهم يأتون بهذا من أجل التقريب للفهم، وإلا فالمدة لا اعتبار لها عند من يحدد بالمسافة.
طالب: لكن ألا يقال -أحسن الله إليك- أن الأصل أن هذه المسافة تقطع....
هذا الأصل يعني مسيرة يومين قاصدين ثمانين كيلو هذا الأصل، لكن لو قطعها في أقل من ذلك في ساعة مثلاً؟
طالب: لا يعتبر به يا شيخ.
كيف؟
طالب: لا يعتبر بهذا السير المعتبر السير المعتاد.
لكن هل هذه مسافة أو ليست مسافة؟ ترخص أو ما ترخص؟
طالب: هي مسافة، لكن لا ننظر للمدة ننظر للمسافة يا شيخ.
الفقهاء لما قالوا: ومسافة القصر أربعة برد، وفصلوا فيما يقابلها، قال بعضهم- وهذه غريبة أن تصدر من بشر غير مؤيد بوحي- ولو قطعها في ساعة، يعني هذا افتراض خيالي عندهم، ولو قطعها في ساعة ثمانين كيلو مسيرة يومين تقطع في ساعة؟! هو يخاطب إنسا لا يخاطب جنا.
طالب:.......
أقول: إذا قلنا بالأمرين معاً اضطرب التقدير، إذا قلنا: إنها المسافة المذكورة مع النظر إلى المدة لا بد أن يضطرب التقدير، مع اختلاف الوسائل، يعني في وقتهم ممكن، وهنا يقول: ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة.
وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة، ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق –وهذا المهم جداً- ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك، ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر، فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر فافترقا، والله أعلم.
الآن عندنا الدلالة الأصلية والتبعية، ويختلف أهل العلم في الاحتجاج بالدلالة الفرعية التبعية والشاطبي يقرر أنه لا يحتج بها، إنما يحتج بالخبر فيما سيق له، ويخالفه جمع من أهل العلم، يعني لما تذكر الآية يستنبط منها أحياناً عشرة أحكام، عشرون حكما، بعضها قريب وبعضها بعيد، وقد تكون قد نزلت بسبب خاص، وكذلك الحديث قد يستنبط منه مئات الفوائد، منها القريب ومنها البعيد، وقد يكون سبب الورود شيء خاص سيق لأجله، فالمرجح في هذه المسألة في الاستدلال بالدلالة التبعية، لا شك أن الدلالة التبعية في النص الشرعي دعونا من كلام البشر الذين لا يلزمون بلوازم كلامهم، في النص الشرعي الذي لا تخفى عليه خافية أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها، يعني الاستدلال على أن الحائض تقرأ القرآن بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) الحديث سيق لما يتعلق بأعمال الحج، وهل من أعمال الحج قراءة القرآن؟ الحاج ما عندنا إشكال أنه يقرأ القرآن كغيره، لكن هل من أعماله الخاصة به اللصيقة به قراءة القرآن؟ نقول: النص ما سيق لأجله، فالاستدلال بالدلالة التبعية، يبقى هل هذا النص معارض أو غير معارض؟
ومثله استدلال الحنفية بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر آخر إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر ثالثاً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)).
قال الحنفية: هذا دليل على أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، ولولا أنه يمتد ما صار أطول من وقت العصر، هل يستقيم مثل هذا الاستدلال مع التنصيص الصريح في حديث عبد الله بن عمرو وغيره على أن وقت الظهر إلى مصير ظل كل شيء مثله؟ يمكن أن نستدل بهذا الحديث في مقابل النص الخاص؟ لا يمكن، فإذا لم يعارض يمكن أن يستدل به، لكن إذا عورض تلغى الدلالة الفرعية، والذي قادنا إلى هذا الاستدلال على مسافة القصر بنهي المرأة عن السفر مسيرة يوم وليلة أو يومين أو ثلاثة، والحديث ما سيق لهذا، ولذا قال: وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة، ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك، ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان.
هذا الحكم أيضاً ينتابه ولو قصر الزمان مسألة الخلوة، يعني إذا وجدت الخلوة حرمت ولو كان الزمان قصيراً، لكن إذا انتفت الخلوة تسافر أقل من هذه المسافة مع انتفاء الخلوة، ولذا يفتى بأن المرأة لها أن تركب مع جمع من النساء أو غيرها فيما لا يطلق عليه السفر، لكن لا تركب وحدها مع السائق، ولو لم يترتب على ذلك سفر؛ لأن بعضهم يقول: إن المسألة تتم في أقل من هذه المدد المذكورة، تتم في ساعة وهذه ليست سفرا بالاتفاق، فالمرأة في ركوبها أو مع غير ذي محرم ينتابها الأمران، إذا انتفت الخلوة منع السفر، وإذا وجدت الخلوة فالمنع البات طال الوقت أو قصر؛ لأن بعض الناس قد يستغرب، يعني تسافر ثلاثة أيام؟ يكفي ساعة ما يحتاج ثلاثة أيام، ساعة تتم بها المراودة والفعل وينتهي كل شيء، فكيف ثلاثة أيام؟ لأن مفهومه أن أقل من ثلاثة أيام أو حتى أقل من يوم وليلة، هذا إذا كان سفر بروز خروج عن البلد، أما إذا لم يكن سفرا فلا بد من انتفاء المحظور الثاني وهو الخلوة.
السفر مأخوذ من الإسفار، والإسفار لا يطلق إلا إذا أسفر يعني برز وخرج عن البلد؛ لأن الأبنية تحجب بعض السفر الذي هو النور، وخارج الأبنية السفر بأجلى صوره، والسفر هو البروز كما يقال للمرأة: سافرة إذا أبرزت شيئاً من محاسنها.
لكن هنا يقول: ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر فافترقا، يعني لو سافر مسافة عشرين كيلو، لكنه بدلاً من أن يمشي على قدميه سرعة معينة خفف أو كلما سار خطوات جلس يستريح، أو قارب الخطى، أو تريث في مشيه، فإنه لا يتم المطلوب وهو الترخص.
وأقل ما ورد في ذلك لفظ "بريد" إن كانت محفوظة، وسنذكرها في آخر هذا الباب، وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، ولذلك قد تقدم أنهم يرون أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاثاً؛ لأن أبا هريرة أفتى بذلك، مع أن حديثه في الصحيح يغسل سبعاً، فهم يقولون: العبرة بما رأى لا بما روى، إذا اختلف رأيه عن روايته فيقدم رأيه، خلاف قول الجمهور، وهنا اختلف رأيه مع روايته، قال: ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه، وقصر في مسيرة اليوم التام.
وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافاً غير ما ذُكر، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر، وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلاً هذا أطول.
وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال: "يقصر من المدينة إلى السويداء" وبينهما اثنان وسبعون ميلاً.
وروى عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة، قال عبد الرزاق: وهي على ثلاثين ميلاً من المدينة.
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب قال: سمعت ابن عمر يقول: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر، وقال الثوري: سمعت جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلاً قصرت الصلاة، إسناد كل منهما صحيح، وهذه أقوال مغايرة جداً، فالله أعلم.
نعم؟
طالب:.......
ويش؟
طالب:.......
يعني كل من أراد أن يسافر أو يقتصر... تطلب فتوى قبل...
طالب:.......
لكن العرف من زمن الصحابة إلى أن وجدت هذه الوسائل الحديثة واحد، ووجد الخلاف الكبير بين أهل العلم، يعني هذه المسألة حقيقة من المسائل المشكلة في العلم، هي وتحديد المدة التي يقصر فيها، ويجمع فيها، على ما سيأتي.
الأصل أن النصوص المطلقة تبقى على إطلاقها ما لم يرد مقيد، لكن ترتب على هذا الإطلاق مفاسد، وهذا التقييدات التي ذكرها أهل العلم من أخذ بعضهم هذا القيد من نصوص غير صريحة، ولم تسق لهذا من جهة أو الاعتماد على أقوال ليست مرفوعة من جهة، ومختلفة عن الشخص الواحد من جهة أخرى، وسيأتي نظير هذا الكلام في تحديد المدة التي إذا مكثها المسافر في مكان واحد لا يجوز له أن يترخص.
على كل حال نكمل كلام ابن حجر وفي النهاية يعني لو لم يكن في هذا الدرس نأتي -إن شاء الله- على بقية المسألة؛ لأنها مسألة تحتاج إلى مزيد عناية مثل ما قلت، يعني ليست من المسائل السهلة التي يفتى فيها،
أحياناً قد يلجأ إلى القول المرجوح لما يترتب عليه من مصالح، وقد يكون هو الراجح في حقيقة الأمر، لكن القصور أو التقصير في بحث المسألة جعله مرجوحاً، نعم؟
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
طيب.
طالب:.......
يعني نلغي اعتبار الحديث المرفوع الذي جاء فيه لفظ السفر: ((لا تسافر)) يعني هل الذكر للشيء باللفظ الموافق سفر بألفاظ أو بتقديرات مختلفة هل يلغي ما عداه؟ أو بمعنى آخر أن المطلق إذا وجد له أكثر من تقييد مختلف فهل هو من صور حمل المطلق على المقيد، أو يبقى المطلق على إطلاقه؟
فمثلاً الصيام في كفارة اليمين مطلق، جاء تقيده بقراءة ابن مسعود، لكن على القراءة المعتمدة مطلق، وهو صيام كفارة، وجاء صيام الكفارة مقيدا، كما أنه جاء مفرقا أيضاً، يعني فيه قيدان:
الأول: صيام شهرين متتابعين، والثاني: مفرق صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، هل يقيد بالتتابع أو بالتفريق، أو نقول: لا هذا ولا هذا؟ ونظيره السفر المطلق في النصوص، جاء ذكر السفر مقيداً بيوم وليلة، وجاء مقيد بيومين، وجاء مقيد بثلاثة، نعم؟
طالب:.......
لكنه في النص سماه سفراً، وجعله محددا بمدة، لكن هذه المدة جاءت مختلفة من نص إلى آخر.
طالب:.......
لا لا، الإشارة التي ذكرها أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، هذا مهم جداً في تحرير المسألة.
قال -رحمه الله-: قوله: (وهي) أي الأربعة برد (ستة عشر فرسخاً) ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري.
وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدرى أهو رجل أو امرأة، يعني حتى هذه الأمور يعتريها ما يعتريها إذا كان الأصل في تحديد الميل أنه ما يدركه أو ما ينتهي إليه البصر، بعض الناس ينتهي بصره عند عشر هذه المسافة، وبعضهم يمتد إلى ضعفها، فالناس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً، لكنه حدد يعني، عُرف، إذا قالوا: رمية حجر، بعض الناس رميته أضعاف رمية بعض الناس، وكانت الأمور مبنية على مثل هذا؛ لأنهم لا يهتمون بالدقة في مثل هذه الأمور ولا يعتنون بها.
وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة، أو هو ذاهب أو آتٍ، قال النووي: الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً، يعني ثلاثة كيلو على كلام النووي، النووي الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة، وهذا الذي قاله هو الأشهر.
يعني أن الميل ثلاثة كيلو؛ لأن الذراع قريب من نصف متر، فيكون ثلاثة آلاف متر، هذا فرق بينه وبين المعتمد في تقدير الميل كثير.
وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم، بقدم الإنسان، وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل: بل ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب البيان، وقيل: وخمسمائة، صححه ابن عبد البر، يعني ثلاثة آلاف وخمسمائة قريبة جداً.
وقيل: هو ألفا ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار، فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعاً، وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها.
وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال -أو فراسخ- قصر الصلاة" وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يُبتدئ منها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، يعني هل من المدينة إلى ذي الحليفة مسافة قصر؟ بل هي ابتداء السفر؛ لأنه استبعد.
قال: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس... فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه.
ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها، ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد؛ لأنه قال: ثلاثة أميال أو فراسخ، فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها، فيؤخذ بالأكثر احتياطاً، وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد بن المسيب: أأقصر الصلاة، وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم، والله أعلم.
تنبيه:
اختلف في معنى الفرسخ، فقيل: السكون ذكره ابن سيده، وقيل: السعة، وقيل: المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل: الشيء الطويل.
ثم ذكر الأحاديث المرفوعة.
لو نظرنا إلى مسألة التحديد أو العمل بإطلاق النصوص، فما الذي عليه عامة أهل العلم من أهل المذاهب المتبوعة التحديد أو الإطلاق؟ التحديد، الأئمة الأربعة كلهم يرون التحديد، وأتباعهم على هذا، وهذه مسألة يجب أن يتنبه لها طالب العلم، هذه المسألة في غاية الأهمية؛ لأنها تفيد في التعامل مع النصوص، يعني إذا وجدنا نصوصا صحيحة صريحة، دعونا من هذه المسألة، هذه المسألة النصوص ليست فيها صريحة، نصوص صحيحة صريحة والأئمة الأربعة وأتباعهم كلهم لا يقولون بمقتضاها، يعني حديث صحيح صريح يدل أو فيه أمر والأصل في الأمر عند الجمهور الوجوب، ما لم يوجد صارف، وجد أمر صحيح صريح أو وجد نهي صحيح صريح، والأصل في النهي عند الجمهور بما في ذلك الأئمة المتبوعون الأصل فيه التحريم ما لم يوجد صارف.
أنت طالب علم لديك الأهلية قل: فقيه بالقوة القريبة من الفعل؛ لأنك لو كنت فقيها بالفعل لكنت حافظاً للمسائل بأدلتها، فقيه بالقوة القريبة من الفعل، وعندك مكتبة متكاملة فيها كل ما يحتاج إليه طالب العلم، فبحثت في هذه المكتبة فما وجدت لهذا الأمر صارفاً، ولم تجد لذلك النهي صارفاً، لكن الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم من الأئمة المعتبرين كلهم يقولون بالنسبة لهذا الأمر بالاستحباب، وبالنسبة لذلك النهي بالكراهة، ولم تجد من يقول بمقتضى الأمر، أو بمقتضى النهي إلا الظاهرية، كيف تصنع؟ نريد أن نتوصل بهذا الكلام إلى ما عندنا
هل نقول: إن طالب العلم الذي بحث ولم يجد يسوغ له أن يرجح غير ما عليه السواد الأعظم من أئمة الإسلام بمجرد أنه بحث فلم يجد؟ أو نقول: إن الصارف موجود والأئمة الكبار وأتباعهم أورع من أن يصرفوا بغير صارف؟ لكننا لم نقف على الصارف، إما لقصورنا عن الوصول إلى الحقيقة، أو لتقصيرنا في البحث، لا شك أن اتفاق الأئمة مع أتباعهم؛ لأنه يوجد في كل مذهب من المذاهب المتبوعة علماء راسخون محققون يخرجون عن مذاهبهم إذا كان الدليل مع غيرهم، ألا يوجد من هذا النوع في المذاهب كلها؟ يوجد، فلو وجدوا لخرجوا عن مذاهبهم، وهذا أيضاً يقوي النظر في هذه المسألة، وإلا لو كانت المسألة كلها تقليدا لقلنا: الأئمة أربعة والبقية تبع، لكن لكل إمام ألوف مؤلفة من الأتباع بما فيهم من يعتمد النص ولو خالف إمامه.
هل نقول: إننا لم نجد صارفا فلا يوجد، أو نقول: إن الصارف الذي دلنا يقيننا بورع الأئمة وأتباعهم من المحققين موجود، لكننا لم نقف عليه؟ كما يقال في الحديث الصحيح الصريح الذي يجمع الأئمة على عدم العمل به، ولم نجد ناسخا، لم نقف على ناسخ، هل نقول: إنه منسوخ ولو لم نقف على الناسخ أو نعمل به؟
طالب: منسوخ.
نعم؟
طالب:.......
لا، الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، النسخ من خصائص النصوص، هل نقول كما يقول جمع من أهل العلم: إنه موجود ناسخ، لكن ما وقفنا عليه، كما أننا نقول في مثل هذه الصورة أنه يوجد صارف، لكن لم نقف عليه أو نقول: إن الحق مع من جاء به سواءً كان الأئمة أو غيرهم.
طالب:........
لا، لا ليس بإجماع يوجد مخالف.
طالب:........
هذه مسألة تختلف.
طالب:........
والعام قبل..، نعم؟
طالب:........
لا لا هذه مسألة ترجع إلى هيبة الأئمة من جهة، واعتماد الحق الذي يدل عليه الدليل من جهة أخرى، ولذلك شيخ الإسلام لا يتردد في مثل هذه المسائل، شيخ الإسلام عنده من الجرأة المبنية على العلم الراسخ المتين ما لا يمكن أن يفعله آحاد طلاب العلم، فهذه المسألة عويصة، وتحتاج إلى مزيد تأني من طالب العلم، ليس كل ما لاح له قول وراق له تبعه، وضرب بأقوال الأئمة الحائط.
على كل حال في مسألة صراحة الدليل وعدم وجود الصارف عن الوجوب أو التحريم إلا أن الأئمة قاطبة على خلافه، وهذا نظير ما إذا اتفق الأئمة على عدم العمل بالخبر مع أنني سألت شيخنا الشيخ ابن باز قلت: نجد مسائل فيها دليل صحيح صريح فيها أمر، ولم نجد له صارفاً، ولم يقل بمقتضاه إلا الظاهرية، فقال الشيخ -رحمة الله عليه-: الحق معهم، مع الظاهرية، وهذه مسألة يمكن تبنى على خلاف بين أهل العلم في الاعتداد بقولهم، هل يعتد بقول الظاهرية أو لا يعتد؟ هل يعتبرون في الخلاف والإجماع أو لا يعتبرون؟ وذكرنا مراراً قول النووي وعدم اعتداده بقولهم، ولا يعتد بقول داود لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وينقل الإجماع في مسائل كثيرة، وينقل مع ذلك قول داود المخالف، والمسألة تستكمل -إن شاء الله تعالى- في الدرس القادم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"