التعليق على مقدمة تفسير الجلالين (02)
سبق القول أنه على التفسير المراد شرحه وتوضيحه أكثر من حاشية، وعرفنا أن أجود هذه الحواشي المطبوعة المتداولة هي حاشية الجمل، حاشية وافية، على ما فيها من خلافٍ في العقيدة، تبعاً للأصل، لكن هي أمثل من حاشية الصاوي، وحاشية الصاوي ذكرت لكم أن فيها بعض الكلام الذي لا يسوغ نقله، فضلاً عن ابتدائه، فقد قال في تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23-24) سورة الكهف] ماذا قال؟ سبق التنبيه عليه مراراً، لكن لا مانع من إعادته، يقول: "ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابي والحديث الصحيح والآية" يعني لا يجوز الخروج عن مذاهب الأئمة الأربعة، ولو كان القول الذي صار إليه من انتقل عن المذاهب الأربعة موافقاً لقول الصحابي والحديث الصحيح والآية، يقول: "فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك إلى الكفر؛ لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر" نسأل الله العافية.
وقال عن الدعوة السلفية المباركة التي انطلقت من هذه البلاد، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال عنها في تفسير سورة فاطر أشرنا إلى شيءٍ من هذا إجمالاً لكن ننقل كلامه بحروفه، في تفسير سورة فاطر في تفسير قوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [(8) سورة فاطر] قال: "وقيل: هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة، ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم، كما هو مشاهد الآن في نظائرهم، وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم: الوهابية، يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون"، يقول: "نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم" نسأل الله العافية.
إضافةً إلى نقوله الكثيرة عن المتصوفة الغلاة ينقل كلامهم مقراً له على جهة الإقرار، ينقله على سبيل الإقرار، بل على سبيل الاستفادة منها، فعلى هذا ينبغي العدول عن مثل هذه الحاشية إلى حاشية الجمل، وإن كان الصاوي أخصر، تقدم القول بأن حاشية الصاوي مختصرة عن حاشية الجمل، فيكتفى بالأصل.
مذهب الجلالين الفقهي والعقدي:
مذهب الجلالين الفقهي والعقدي أولاً: المذهب الفقهي هما شافعيان، كما تقدم في ترجمتيهما، وأثر ذلك على فهمهما للنصوص، وترجيحهما في آيات الأحكام، في آية المحاربة يقول السيوطي: "(أو) لترتيب الأحوال، فالقتل لمن قتل فقط، والصلب لمن قتل وأخذ المال، والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل، والنفي لمن أخاف فقط، قاله ابن عباس، وعليه الشافعي"، وفي آية: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(39) سورة المائدة] "في التعبير بهذا ما تقدم، فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال، نعم بيّنت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع، وعليه الشافعي" إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة.
المحلي يقول في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [(49) سورة الأحزاب] يقول المحلي: "أعطوهن ما يستمتعن به، أي إن لم يسمّ لهن صداق وإلا فلهن نصف المسمى فقط، قاله ابن عباس وعليه الشافعي" المقصود أنهما شافعيان، وأثر المذهب على فهمهما للنصوص، ودارا على قول الشافعي أينما دار، كما هو معروف.
أما المذهب العقدي....
طالب:......
بغض النظر عن قولهم عاد راجح ومرجوح، لا.
طالب: أحسن الله إليك، كما هو معلوم أن كثير من المحدثين على مذهب الشافعي، ومذهب الشافعية منتشر انتشاراً عظيماً كما في السابق، عليه أكثر العلماء، يقول أحدهم: أن السبب في ذلك أن مذهب الشافعي هو أقرب المذاهب للظاهرية، هل هذا صحيح؟ وما...
شلون أقرب المذاهب إلى الظاهرية؟
طالب: يعني أقرب يعني ما يأخذ إلا من الكتاب والسنة والإجماع والقياس؟
وش يختلف عن أحمد؟ وش الفرق بين الشافعي وأحمد في هذا؟
طالب: أظن أن أحمد يا شيخ يرى بعض الأدلة الأخرى غير هذه كالاستصحاب وقول الصحابي.
طيب، الشافعية قولهم أقوى في قول الصحابي من قول الحنابلة.
طالب: إذاً السائل هذا أخطأ، إذاً ما سبب انتشار مذهب الشافعي لا سيما عند كثيرٍ من العلماء خاصة المحدثين؟
السبب الرئيس في انتشار المذاهب واتساعها أولاً: نعرف أن المذهب الحنفي هو أوسع المذاهب انتشاراً، هو أوسع المذاهب انتشاراً، ثم يليها الشافعي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، هناك مذاهب أخرى انقرضت مثل مذهب الثوري، ومذهب الطبري، ومذاهب انقرضت، لكن المذاهب الباقية أوسعها انتشاراً مذهب الحنفية، ثم الشافعية ثم المالكية، ثم الحنابلة، السبب في هذا تبنّي الدول لهذه المذاهب، فالمذهب الذي تتبناه دولة ينتشر، والمذهب الذي لا تنوء به دولة يكاد أن ينقرض؛ لأن الدول إذا تبنّت المذهب أوقفت عليه الأوقاف، وصرفت له الأموال، ووظفت عليه الوظائف، حتى في كثيرٍ من العصور، في كثير من البلدان لا يولى القضاء إلا حنفي، فيضطر الناس أن يكونوا حنفية، في بعض البلدان مثل المشرق قاطبة كلها، المشرق كله حنفية، المغرب مالكي، والوسط غالبه شافعي، المذهب الحنبلي قليل جداً بالنسبة للمذاهب الأربعة، وإن كثر في بعض الأوقات دون بعض.
أما المذهب العقدي بالنسبة للجلالين فقد سلكا مسلك التأويل لكثير من الصفات التي يؤولها الأشاعرة، من الأمثلة على ذلك: {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ} [(210) سورة البقرة] أي أمره {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] أي إلا إياه {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [(67) سورة الزمر] بقدرته {وَجَاء رَبُّكَ} [(22) سورة الفجر] أي أمره، ومثل هذا كثير، أما آيات الاستواء على العرش معروف مذهب الأشاعرة في الاستواء أنهم يقولون: استولى، إيش عندك يا أشرف؟
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك آخر سورة القصص {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] في قول السلف يا شيخ يقولون: عبر هنا بالوجه عن الذات، فهل يوافقونهم في ذلك يا شيخ؟
هناك آيات فيها بعض الألفاظ الموهمة بأنها من آيات الصفات، وهي في الحقيقة ليست من آيات الصفات.
طالب: يا شيخ هذه الآية؟
إيه {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [(115) سورة البقرة] هذه آيات صفات؟ في آيات مشبهة لآيات الصفات، وآيات يتنازع فيها العلماء هل هي من هذا أو من هذا؟ لكن الآيات التي اتفق على أنها من آيات الصفات يتفق السلف على أنها كما قالوا: تمر كما جاءت، وأن الله -سبحانه وتعالى- يوصف بما وصف به نفسه، آيات الاستواء السبع في القرآن جاءت هكذا {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] قال: "هو في اللغة سرير الملْك أو الملِك، استواءً يليق به" في الموضع الثاني: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(3) سورة يونس] "استواءً يليق به" في الثالث: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طـه] "استواءً يليق به" {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [(59) سورة الفرقان] "استواءً يليق به" {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة السجدة] "استواءً يليق به"..الخ، كلها قالوا فيها: يليق به.
الآن الأشاعرة وغيرهم من المبتدعة هل هم على وتيرة في الإثبات والنفي؟ أو أنهم يختلفون بعضهم يثبت أكثر من غيره، وبعضهم ينفي أكثر، حتى ممن ينتسب إلى السنة قد يؤول شيء يسير من الصفات مما يحتمل التأويل، من ينتسب إلى السنة قد ينكر ما أثبته غيره إما لعدم ثبوت الدليل عنده، وإما لقوة المعارض عنده، المقصود أن جميع الطوائف فيهم المغرق، وفيهم المعتدل، فمثل هذا القول يعد اعتدال بالنسبة لمذهب الأشاعرة، الأشاعرة كما تعلمون منهم من يثبت سبع صفات، ومنهم من يثبت عشرين صفة، وينفي ما عداها، المقصود أن الجلالين مشيا على مذهب التأويل في الغالب، أما في مسألة الاستواء فقالا: "استواءً يليق به" ما دام قالوا: "استواءً يليق به" أهل السنة يقولون بذلك.
الكلام على الاستعاذة والبسملة:
عندنا مسألتان الاستعاذة والبسملة، والبحث فيهما طويل جداً، طويل الذيول، والمطولات من كتب التفسير بسطوا القول فيهما، فممن بسطه القرطبي في تفسيره، والحافظ ابن كثير، والرازي، وأيضاً الطبري، لكن كلامهم كأنه أنظم وأرتب، كلام القرطبي والرازي أنظم من ابن كثير؛ لأن ابن كثير قدم وأخر وأشياء، وأما الطبري فعلى طريقة المتقدمين في عدم الدقة في الترتيب، ما يعتنون في كون الترتيب يوافق ترتيب المناطقة في تقديم بعض الأشياء، وتأخير بعض الأمور، المقصود أن التفاسير الأربعة كفيلة وحافلة بهذه المباحث...