كنا إلى وقت قريب -إلى ربع قرن- تقريبًا، لا يطيق الواحد كلمة ثناء عليه من قبل غيره، وكنا نلوم من يسمع الثناء ويسكت، فضلًا عن كونه يُثني على نفسه، ثم اختلطنا بغيرنا ممن اعتادوا هذا الأمر فتساهلنا، فصرنا نسمع المدح ولا نعترض، والتجربة دلت أن الإنسان إذا مُدح بما ليس فيه وسكت وأقر لا بُدَّ أن يسمع من الذم ما ليس فيه، وقد جاء التوجيه النبوي: «إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب» [مسلم: 3200]، لا سيما في حق من يتأثر بالمدّح، فإذا مُدِّح بما فيه، سمع من الذم ما فيه، {ولا يظلم ربك أحدًا} [الكهف:49]، ثم سمعنا من يقبل المدّح، بل سمعنا من يثني على نفسه، بل سمعنا من يتحايل على غيره ليمدّحه، ورأينا من يغضب إذا لم يُمدّح. وشخص من جهة من جهات بلاد المسلمين، جيء به وهو عالم في فنه -وإن كان في مسائل الاعتقاد عنده تخليط-، جيء به ليُعرَّف به، فقال المُعرِّف: الشيخ الفاعل التارك العالم العلامة الذي لا يضاهيه في الحديث إلا فلان، قال: يا شيخ فلان لا يعرف الحديث!. فأسقط الذي فوقه فما بقي إلا هو، ثم قيل: وقد أَلَّف في الحديث وعلومه أربعين كتابًا، قال: لا يا شيخ سبعين!، هذا الموقف أنا حضرته بنفسي. بل وصل الأمر إلى أعظم من ذلك، شخص له محاضرة وهو من الشباب، جاء وقد كتب سيرته الذاتية بنفسه، وأعطاها المقدم من تحت الطاولة، فلما قرأها المقدم، شرع الشاب بالحديث فقال: هداك الله يا أخي، قطعت عنق صاحبك!، فكيف يمكن أن يجتمع هذا مع الإخلاص؟!
هناك علامات وبوادر تدل على الإخلاص، وهناك علامات تنافي الإخلاص، والإنسان ابن بيئته يتأثر بها شاء أم أبى، فاختلطنا مع هؤلاء الذين يسمعون المدح ولا يُنكرون، ثم أخذوا يمدحون أنفسهم، ثم كان هذا الخلل القادح في الإخلاص.
ومن الناس من إذا قيل له في أول الأمر: يا شيخ، قال: ما أنا بشيخ، ثم إذا سمع ما هو أعظم من شيخ رضي بشيخ، ثم إذا سمع لفظًا آخر رضي بما دونه وهكذا، فالإنسان يحتاج إلى تربية للنفس، والله المستعان.