تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-:
"قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}[المائدة:6] الآية.
اعلم أن لفظة (من) في هذه الآية الكريمة محتملةٌ لأن تكون للتبعيض، فيتعين في التيمم التراب الذي له غبارٌ يعلق باليد، ويُحتمل أن تكون لابتداء الغاية، أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ما له غبار، وبالأول قال الشافعي، وأحمد، وبالثاني قال مالكٌ، وأبو حنيفة -رحمهم الله تعالى جميعًا-.
فإذا علمت ذلك، فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير، وذلك في قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}[المائدة:6]".
القول الأول الذي يُعيِّن التراب قد يكون الإنسان في مكانٍ لا تراب فيه ولا غبار يعلق باليد، فهل يُكلَّف أن ينتقل من مكانه إلى مكان يجد فيه الغبار؟ هذا نوع حرج، والآية نُص فيها على رفع الحرج، مع أن القول الأول للشافعي وأحمد أنه لابد من تراب يستند إلى روايةٍ في صحيح مسلم، وفيها الرجوع إلى -في تحديد الخصائص- الرجوع إلى تربتها لنا طهورًا؛ لحديث الخصائص الذي فيه: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، والرواية الأخرى وهي في الصحيح: «جُعلت تُربتها لنا طهورًا» فقالوا: هذا لا يخلو من أن تكون التربة فردًا من أفراد ما على الأرض أو وصفًا من أوصافها، قالوا: فرد من أفراد الأرض «جعلت لي الأرض» مقال، وجُعلت تُربتها، هل هذا فردٌ من أفراد الأرض أو وصفٌ من أوصافها؟ بمعنى أنه هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ إن كان من باب التقييد فلا إشكال فيه أنه يُحمل المطلق على المقيد، فلا يجوز التيمم إلا بالتراب، وهذا جارٍ على قول الشافعي وأحمد، وإذا قلنا: إنه من باب التخصيص قلنا: إن ذكر الخاص بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، على أن الحافظ ابن عبد البر –رحمه الله- يقول: إن الخصائص لا تقبل التخصيص، بمعنى: أن الخصائص مزايا لهذه الأمة ولنبيها، والتخصيص تقليل لهذه المزايا، فلا يرد التخصيص حينئذٍ وهو في الأصل منفي من الأصل؛ لأنه إذا ذُكر الحكم موافقًا للحكم العام فلا تخصيص، ويكون من باب الاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
هل كلام ابن عبد البر في أن الخصائص لا تقبل التخصيص له وجه أم لا وجه له؟ ويقول: الخصائص تشريف لهذه الأمة ولنبيها، والتخصيص تقليل لهذا التشريف.
طالب:........
نعم.
طالب:........
بمجرد التيميم، لكن التيمم بكل شيء أوسع من التيمم بالتراب، فيكون فيه نوع تقليل.
طالب:........
نعم، هذا الإشكال وكلام ابن عبد البر يأتي هنا.
«جُعلت تُربتها»، أو «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» مع أنه جاء النهي عن الصلاة في المقبرة «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» فهل نقول: إن هذا التخصيص يعني لأن الحكم غير موافق لحكم العام، الحكم العام إباحة، والثاني منع، فهو من باب التخصيص بالاتفاق، لكن يبقى هل الخصائص تقبل التخصيص أو لا تقبل على كلام ابن عبد البر؟
طالب:........
لماذا؟
طالب:........
على كلامه هو، طيب لماذا تقبل ونحن نتفق معه أن التشريف ينبغي أن يبقى على أصله ما يُنقص منه شيء؟ الذين نظروا إلى حقه –عليه الصلاة والسلام- وقالوا: ينبغي العناية والاهتمام بشأنه –عليه الصلاة والسلام- وشأن حقوقه، فلا تُقلل بقدر الإمكان، نقول: نعم، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله تعالى؛ لأن النهي عن الصلاة في المقبرة لأنه ذريعة إلى الشرك، وهذا من حق الله تعالى، فحينئذٍ يُقدَّم حق الله –جلَّ وعلا- على حقه- عليه الصلاة والسلام-.
طالب:........
نعم.
طالب:........
لا، ما يختلف أحد أنه إذا أُعطيت مزية، ثم سُلب منها بعض الشيء فما هو تقليل.
طالب:........
ليست مسألة شرف، مسألة حقوق، يعني هل الذي يُعطى من الصلاحيات أكثر أفضل من الذي يُعطى من الصلاحيات أقل؟ سؤال.
طالب:........
هذه المسألة من جهة أخرى، لكن مع اتحاد الجهة، أعطاك المسؤول صلاحيات كبيرة جدًّا، ثم سلب منها ما سلب وأعطاها غيرك، ماذا يصير؟ تقليل.
نحن نقول: كلام ابن عبد البر في المحافظة على حقوقه –عليه الصلاة والسلام- محترم، لكن متى؟ حينما لا يتعارض مع حق الله –جلَّ وعلا-، وفي الصلاة في المقبرة معارضة لحق الله- جلَّ وعلا- فلا يُلتفت إليه.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا فيها؟
طالب:........
ليس فيها حق، لكن حق للصلاة تتحمم مظنة للتلويث، ومظنة لكشف العورات، ومظنة.... ترجع إلى حقوق الله -جلَّ وعلا-.
نعم.
"فقوله: من حرج نكرةٌ في سياق النفي زيدت قبلها (مِن)، والنكرة إذا كانت كذلك، فهي نص في العموم، كما تقرر في الأصول، قال في (مراقي السعود) عاطفًا على صيغ العموم:
وفي سياق النفي منها يذكر |
|
إذا بني أو زيد من منكرِ" |
مِن...
"فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج، والمناسب لذلك كون من لابتداء الغاية".
الأصل المناسب أن يُوقَف عليها بالسكون.
وفي سياق النفي منها يذكر |
|
إذا بني أو زيد من منكَّرْ |
لأنك إذا حركت "يُذكر مِن منكرِ" ما تجيء.
وفي سياق النفي منها يذكر |
|
إذا بني أو زيد من منكَرْ |
"مٍن منكَّر" الكلام في النكرة في سياق النفي النكرة مُنكَّر.
"فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج، والمناسب لذلك كون مِن لابتداء الغاية".
طالب:........
أين؟
طالب:........
ماذا فيه؟
طالب:........
من حرج؟
طالب: "من منكَّر".
ماذا فيها؟
طالب:........
زِيد من منكَّر.
طالب:........
لو كان زائد يعمل.
طالب:........
"أو زيد من" يعني هذا اللفظ حكاية لِما في الآية تريد أن تقول: من منكرُ يكون لفظها؟
طالب:........
المقصود أنها.. انطقها أنت، على أي حال التسكين هو المخرج.
"لأن كثيرًا من البلاد ليس فيه إلا الرمال أو الجبال، فالتكليف بخصوص ما فيه غبارٌ يعلق باليد، لا يخلو من حرجٍ في الجملة.
ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي، نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة، فليصلِّ»، وفي لفظٍ: «فعنده مسجده وطهوره» الحديث.
فهذا نصٌّ صحيحٌ صريح في أن من أدركته الصلاة في محلٍّ ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة، أو الرمل طهورٌ له ومسجد، وبه تعلم أن ما ذكره الزمخشري من تعين كون (مِن) للتبعيض غير صحيح".
هي لا تتعين، لكنه احتمال، واحتمالٌ قوي عند جمهور المفسرين.
"فإن قيل: ورد في الصحيح ما يدل على تعين التراب الذي له غبارٌ يعلق باليد، دون غيره من أنواع الصعيد، فقد أخرج مسلمٌ في صحيحه من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فُضلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجُعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجُعلت تربتها لنا طهورًا، إذا لم نجد الماء» الحديث، فتخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان يُفهم منه أن غيره من الصعيد ليس كذلك، فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن كون الأمر مذكورًا في معرض الامتنان، مما يمنع فيه اعتبار مفهوم المخالفة، كما تقرر في الأصول، قال في (مراقي السعود) في مواقع اعتبار مفهوم المخالفة:
أو امتنان أو وفاق الواقع |
|
والجهل والتأكيد عند السامع |
ولذا أجمع العلماء على جواز أكل القديد من الحوت، مع أن الله خصَّ اللحم الطري منه في قوله:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}[النحل:14]؛ لأنه ذكر اللحم الطري في معرض الامتنان، فلا مفهوم مخالفة له، فيجوز أكل القديد مما في البحر.
الثاني: أن مفهوم التربة مفهوم لقب، وهو لا يُعتبر عند جماهير العلماء، وهو الحق كما هو معلومٌ في الأصول.
الثالث: أن التربة فردٌ من أفراد الصعيد؛ وذِكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يكون مخصصًا له عند الجمهور، سواءً ذكرا في نصٍ واحد".
يعني: الخاص والعام.
"كقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}[البقرة:238]
أو ذكرا في نصين كحديث: «أيما إهابٍ دُبغ فقد طهر» عند أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم، مع حديث: «هلا انتفعتم بجلدها» يعني: شاة ميتة عند الشيخين، كلاهما من حديث ابن عباس، فذِكْر الصلاة الوسطى في الأول، وجلد الشاة في الأخير لا يقتضي أن غيرهما من الصلوات في الأول، ومن الجلود في الثاني ليس كذلك، قال في (مراقي السعود) عاطفًا على ما لا يخصص به العموم:
وذكر ما وافقه من مُفرد |
|
ومذهب الراوي على المعتمد |
ولم يخالف في عدم التخصيص بذكر بعض أفراد العام بحكم العام إلا أبو ثور محتجًّا بأنه لا فائدة لذكره إلا التخصيص".
الفائدة الاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
"وأجيب من قِبل الجمهور بأن مفهوم اللقب ليس بحجة، وفائدة ذكر البعض نفي احتمال إخراجه من العام، والصعيد في اللغة: وجه الأرض، كان عليه ترابٌ".
لكن أما قوله: "فائدة ذكر البعض نفي احتمال إخراجه من العام" لن يُخرج هذا الخاص إلا بنص، وإذا وجد نص فعُمل به بلا شك.
طالب:........
نعم.
طالب:........
إذا كان من أفراده يندرج فما المانع؟
طالب:........
المقصود أن الفائدة من ذكر الخاص بعد العام أو العكس الاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
"والصعيد في اللغة: وجه الأرض، كان عليه ترابٌ أو لم يكن، قاله الخليل، وابن الأعرابي، والزجاج.
قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافًا بين أهل اللغة، قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:8] أي: أرضًا غليظةً لا تنبت شيئًا، وقال تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:40] ومنه قول ذي الرُّمة:
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به |
|
دبابة في عظام الرأس خرطوم |
وإنما سمي صعيدًا؛ لأنه نهاية ما يُصعَد إليه من الأرض، وجمع الصعيد صُعدات على غير قياس، ومنه حديث: «إياكم والجلوس في الصعدات».
لأنه نهاية ما يُصعَد إليه من الأرض".
لأنه تصاعد على وجه الأرض وعلا عليها.
"ومنه حديث: «إياكم والجلوس في الصعدات»، قاله القرطبي وغيره عنه.
واختلف العلماء فيه من أجل تقييده بالطيب، فقالت طائفة: (الطيب) هو الطاهر، فيجوز التيمم بوجه الأرض كله، ترابًا كان أو رملاً، أو حجارة، أو معدنًا، أو سبخةً، إذا كان ذلك طاهرًا، وهذا مذهب مالكٍ، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم.
وقالت طائفة: (الطيب) الحلال، فلا يجوز التيمم بترابٍ مغصوب. وقال الشافعي، وأبو يوسف: (الصعيد الطيب) التراب المنبت".
الطيب أعم من أن يكون طاهرًا أو حلالاً، فالحلال طيب، والطاهر طيب، ويقابله الحرام خبيث، والنجس خبيث، فلا يختص بهذا ولا يختص بهذا.
"بدليل قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}[الأعراف:58] الآية.
فإذا علمت هذا، فاعلم أن المسألة لها واسطةٌ وطرفان".
{الْبَلَدُ الطَّيِّبُ}[الأعراف:58] هل تستطيع أن تقول: إن البلد الطيب هو البلد الطاهر أو البلد الحلال؟ لا، الطِّيب في كل سياقٍ يُفسَّر بما يدل عليه السياق؛ ولذا بعض الطلاب إذا راجعوا المعاجم يُريدون معنى كلمة تجده ينتقي من المعاني المذكورة في هذا المعجم ما لا يدل عليه السياق أحيانًا، وهذا خطأ لابد أن ينظر في الكلمات كلها، وينظر ما هو الأقرب إلى السياق والموافق له، وإلا فالكلمات العربية تُفسَّر بمعانٍ عديدة، ومنها: ألفاظ القرآن وألفاظ السُّنَّة كل سياقٍ يُحدد المراد من الكلمات الواردة في اللغة.
من الطرائف التي ذكروها في كتب الأدب، كتب الأدب عمومًا يتهمون كث اللحية بعدم الفطنة، ويسخرون –المُجان منهم- من كث اللحية ويرمونه بهذا، وُجِد شخص مُغفل، فضحك عليه من هذا النوع من ضحك من أجل طول لحيته، فأورد الآية هذا المغفل أورد الآية {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}[الأعراف:58] يعني: المُخاطب {وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}[الأعراف:58].
"إذا علمت هذا، فاعلم أن المسألة لها واسطةٌ وطرفان؛ طرفٌ أجمع جميع المسلمين على جواز التيمم به، وهو التراب المنبت الطاهر الذي هو غير منقولٍ، ولا مغصوب".
يعني المقصود بالتراب الذي له غبار يعلق باليد؛ لأنه لا يقول أحدٌ بأنه لا يُجزئ التيمم به.
طالب:........
نعم.
طالب:........
مفهوم أنه تراب.
طالب:........
ماذا؟
طالب: "غير منقول"؟
يعني غير منقول من مكانٍ إلى مكان.
طالب:........
في مكانه الأصلي صعيد على الأرض؛ ولذا سيأتي في حكم المنقول للمريض في إناءٍ ونحوه، الصواب أنه لا ينبغي أن يُتردد فيه.
"وطرفٌ أجمع جميع المسلمين على منع التيمم به، وهو الذهب والفضة الخالصان، والياقوت والزمرد، والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما، والنجاسات".
لو وجدت خُبزة عليها غبار وتيممت بها، غبار يعلق باليد، وهذا مُتَصوَّر، ما العلة من منع التيمم بالذهب والفضة والياقوت والزمرد والأطعمة واللحم وغير هذا؟
طالب:........
ليست من جنس الأرض، لكن إذا وُجِد عليها غبار فلا إشكال.
"وغير هذا هو الواسطة التي اختلف فيها العلماء، فمن ذلك المعادن، فبعضهم يُجيز التيمم عليها كمالك، وبعضهم يمنعه كالشافعي".
لأن الذهب والفضة لمَّا يمنع الذهب والفضة والياقوت، الياقوت والزمرد مقيسان على الذهب والفضة في منع الاستعمال للرجال حتى في الأكل والشرب؛ لأن فيها النص، استعمالها سواءٌ قلنا بالأكل والشرب أو بإطلاق جاء النهي عنه، فلا يجتمع أمر أن يُتيمم بها ونهيٌ عن استعمالها؛ ولذلك قال: "وغير هذا هو الواسطة التي اختلف العلماء فيها، فمن ذلك المعادن". المعادن تختلف عن الذهب والفضة؟ كلها معادن إلا لأنها....
طالب:........
المعادن الأخرى أي معدن من المعادن.
طالب:........
نعم.
طالب:........
لأنهم يقولون: إذا كانت أغلى من الذهب والفضة فمنعها من باب أولى؛ لأن العلة الفخر والخُيلاء، وكسر قلوب الفقراء مع أن الجمهور لا يقيسون.
"ومن ذلك الحشيش، فقد روى ابن خويز منداد عن مالكٍ أنه يجيز التيمم على الحشيش إذا كان دون الأرض، ومشهور مذهب مالكٍ المنع، ومن ذلك التيمم على الثلج، فرُوي عن مالكٍ في (المدونة) و(المبسوط) جوازه، قيل: مطلقًا، وقيل: عند عدم الصعيد، وفي غيرهما منعه.
واختُلف عنه في التيمم على العود، فالجمهور على المنع، وفي (مختصر الوقار) أنه جائز، وقيل: يجوز في العود المتصل بالأرض دون المنفصل عنها، وذكر الثعلبي أن مالكًا قال: لو ضرب بيده على شجرة، ثم مسح بها أجزأه، قال: وقال الأوزاعي والثوري: يجوز بالأرض، وكل ما عليها من الشجر والحجر، والمدر وغيرها حتى قالا: لو ضرب بيده على الجمد والثلج أجزأه.
وذكر الثعلبي عن أبي حنيفة أنه يجيزه بالكحل، والزرنيخ، والنورة، والجص، والجوهر المسحوق، ويمنعه بسحالة الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص؛ لأن ذلك ليس من جنس الأرض.
وذكر النقاش عن ابن عُلية، وابن كيسان أنهما أجازاه بالمسك، والزعفران، وأبطل ابن عطية هذا القول، ومنعه إسحاق بن راهويه بالسباخ، وعن ابن عباسٍ نحوه، وعنه فيمن أدركه التيمم، وهو في طين أنه يطلي به بعض جسده، فإذا جف تيمم به، قاله القرطبي".
يعني ينشر الطين على بدنه، وإذا جف يتيمم به، يعني الذي يتيمم على الجمد وعلى الثلج ما يتيمم على طين؟!
طالب:........
الطين فيه نوع تراب الذي هو الأصل هنا يقول: ينشر على... يطلي ببدنه، ينتظر حتى يجف ويتيمم به، وفي النقل عن ابن عباس ما فيه.
"وأما التراب المنقول في طبقٍ أو غيره، فالتيمم به جائزٌ في مشهور مذهب مالك، وهو قول جمهور المالكية، ومذهب الشافعي، وأصحابه، وعن بعض المالكية، وجماعة من العلماء منعه.
وما طُبخ كالجص، والآجُر ففيه أيضًا خلافٌ عن المالكية، والمنع أشهر".
لحظة.
طالب:........
النقل، ليس على وجه الأرض.
"واختلفوا أيضا في التيمم على الجدار، فقيل: جائزٌ مطلقًا، وقيل: ممنوعٌ مطلقًا، وقيل: بجوازه للمريض دون غيره، وحديث أبي جهيمٍ الآتي يدل على الجواز مطلقًا".
فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"والظاهر أن محله فيما إذا كان ظاهر الجدار من أنواع الصعيد، ومشهور مذهب مالك جواز التيمم على المعادن غير الذهب، والفضة ما لم تُنقل، وجوازه على الملح غير المصنوع، ومنعه بالأشجار، والعيدان ونحو ذلك، وأجازه أحمد، والشافعي، والثوري على اللبد، والوسائد، ونحو ذلك إذا كان عليه غبار".
لأن العبرة بالغبار الذي يعلق باليد عندهما أحمد والشافعي.
"والتيمم في اللغة: القصد، تيممت الشيء قصدته، وتيممت الصعيد تعمدته، وأنشد الخليل قول عامر بن مالك، ملاعب الأسنة:
يَمَّمْتُهُ الرُّمْحَ شَزْرًا ثُمَّ قُلْتُ لَهُ |
|
هَذِي الْبَسَالَةُ لَا لَعِبُ الزَّحَالِيقِ |
ومنه قول امرئ القيس:
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ |
|
يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي |
وقول أعشى باهلة:
تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وَكَمْ دُونَهُ |
|
مِنَ الْأَرْضِ مِنْ مَهْمَةٍ ذِي شَزَنْ |
وقول حُميد بن ثور:
سَلِ الرَّبْعَ أَنَّى يَمَّمَتْ أُمُّ طَارِقٍ |
|
وَهَلْ عَادَةٌ لِلرَّبْعِ أَنْ يَتَكَلَّمَا |
والتيمم في الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين منه بنية استباحة الصلاة عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله".
ماذا عندكم؟
طالب:........
بُغية، نعم.
"وكون التيمم بمعنى القصد يدل على اشتراط النية في التيمم، وهو الحق.
مسائل في أحكام التيمم:
المسألة الأولى: لم يخالف أحدٌ من جميع المسلمين في التيمم، عن الحدث الأصغر، وكذلك عن الحدث الأكبر، إلا ما روي عن عمر، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي من التابعين أنهم منعوه، عن الحدث الأكبر.
ونقل النووي في (شرح المهذب) عن ابن الصباغ وغيره القول برجوع عمر، وعبد الله بن مسعودٍ عن ذلك، واحُتج لمن منع التيمم، عن الحدث الأكبر بأن آية النساء ليس فيها إباحته إلا لصاحب الحدث الأصغر".
لكن في آية المائدة التنصيص على الجنابة وحدثٌ أكبر، وأيضًا أحاديث الصحابة الذين حصلت لهم الجنابة الذي تمرغ، والذي...قصتين: قصة عمار، والقصة الثانية أبو موسى، ستأتي سيذكرها المؤلف إن شاء الله.
"حيث قال: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا}[النساء:43] الآية، ورُد هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه:
الأول: أنَّا لا نُسلم عدم ذكر الجنابة في آية النساء؛ لأن قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}[النساء:43] فسَّره ترجمان القرآن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- بأن المراد به الجماع، وإذًا فذكر التيمم بعد الجماع المعبر عنه باللمس، أو الملامسة بحسب القراءتين، والمجيء من الغائط دليلٌ على شمول التيمم لحالتي الحدث الأكبر والأصغر.
الثاني: أنه تعالى في سورة المائدة صرح بالجنابة غير مُعبرٍ عنها بالملامسة، ثم ذكر بعدها التيمم، فدل على أنه يكون عنها أيضًا حيث قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}[المائدة:6] ثم قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}[المائدة:6] الآية، فهو عائدٌ إلى المحدِّث، والجُنب جميعًا، كما هو ظاهر.
الثالث: تصريحه -صلى الله عليه وسلم- بذلك الثابت عنه في الصحيح، فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- أنه قال: أجنبت فلم أُصب الماء، فتمعكت في الصعيد وصليت، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا» وضرب النبي -صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه، وكفيه.
وأخرجا في صحيحيهما أيضًا من حديث عمران بن حصينٍ -رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فصلى بالناس، فإذا هم برجلٍ معتزل، فقال: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ»، والأحاديث في الباب كثيرة.
المسألة الثانية: اختلف العلماء، هل تكفي للتيمم ضربةٌ واحدةٌ أو لا؟ فقال جماعة: تكفي ضربةٌ واحدةٌ للكفين والوجه، وممن ذهب إلى ذلك الإمام أحمد، وعطاءٌ، ومكحول، والأوزاعي، وإسحاق، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره، وهو قول عامة أهل الحديث، ودليله حديث عمارٍ المتفق عليه المتقدم آنفًا.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا بد من ضربتين: إحداهما للوجه، والأخرى للكفين، ومنهم من قال بوجوب الثانية، ومنهم من قال بسنيتها كمالك، وذهب ابن المسيب، وابن شهاب، وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين، وضربةٌ للذراعين.
قال مقيده -عفا الله عنه-:
الظاهر من جهة الدليل الاكتفاء بضربةٍ واحدة؛ لأنه لم يصح من أحاديث الباب شيءٌ مرفوعًا، إلا حديث عمارٍ المتقدم، وحديث أبي جهيم بن الحارث بن الصِّمة الأنصاري، قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل فلقيه رجلٌ، فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام، أخرجه البخاري موصولاً، ومسلمٌ تعليقًا، وليس في واحدٍ منهما ما يدل على أنهما ضربتان كما رأيت، وقد دل حديث عمار أنها واحدة".
وهذا الحديث حديث أبي الجهم أو الجُهيم أحد الأحاديث المعلقة في صحيح مسلم، وعدتها اثنا عشر حديثًا، أحد عشر حديثًا منها موصولة في الصحيح نفسه في مسلم، والباقي وهو واحد موصولٌ في البخاري، وحينئذٍ لا يُبَحث في المعلقات في صحيح مسلم، لا حاجة للبحث فيها؛ لأنها كلها موصولة إما في الصحيح نفسه، والباقي منها وهو واحد موصولٌ في صحيح البخاري.
بينما الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري عدتها ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعين وهي كلها موصولة في صحيح البخاري إلا مائة وستين حديثًا أو مائة وتسعة وخمسين وصلها ابن حجر في (فتح الباري) وفي (تغليق التعليق)، وفيها الصحيح، وهو الأكثر الكثير الغالب، وفيها أيضًا ما دونه من الحسن، وفيها الضعيف، لكن الضعيف الشديد الضعف إذا علقه البخاري في صحيحه فإنه يُبين ضعفه، ويُذكر عن أبي هريرة: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح، قال البخاري: لم يصح، فيُبين، هذا شديد الضعف يُبينه.
طالب: طويلة هذه المسألة.
طويلة، هذه نقف عليها.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"