بلوغ المرام - كتاب الصلاة (19)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) رواه النسائي وصححه ابن حبان، وزاد فيه الطبراني: ((وقل هو الله أحد))".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- بعض الأذكار التي تقال أدبار الصلوات، ومن هذه الأذكار ما هو من أفضل الأذكار وهو القرآن، ومن أفضل ما يقرأ في كتاب الله -عز وجل-، والمفاضلة معروفة عند أهل العلم، وإن كان الكل كلام الله، أفضل آيةٍ في كتاب الله هي آية الكرسي، كما أن أعظم سورة في القرآن هي سورة الفاتحة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] تعدل ثلث القرآن.
ففي هذا الحديث حديث "أبي أمامة" وهو غير الباهلي، أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان إذا أريد قيل: الباهلي، وإذا أطلق فالمراد به هذا، أنصاري خزرجي اسمه: إياس بن ثعلبة، يقول -رضي الله عنه-: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة)) هناك في حديث معاذ: ((لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة)) وقلنا: إن لفظ العموم (كل) شامل لجميع الصلوات، وهنا: ((دبر كل صلاةٍ مكتوبة)) فدل على أنها لا تشرع بعد النوافل، ((من قرأ آية الكرسي)) {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [(255) سورة البقرة].. الآية ((دبر كل صلاةٍ مكتوبة)) سميت آية الكرسي لذكر الكرسي فيها {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [(255) سورة البقرة] ((مكتوبة)) يعني مفروضة، والمراد بذلك الصلوات الخمس ((لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) العائق من دخوله الجنة أن يموت، فإذا مات دخل الجنة، هل يدخل الجنة مباشرة أو يمكث في قبره في البرزخ قبل دخول الجنة؟ لكن يأتيه من مقدمات الدخول في قبره ما يستحق أن يسمى دخولاً، فيفسح له في قبره مد بصره، يكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، نسأل الله من فضله.
مقدمات الدخول لا يقول قائل: إنه يدخل الجنة مجرد أن يموت، ولا يمر بالبرزخ لا، هناك حياة برزخية مكانها القبر، بين الحياة الدنيا وبين الآخرة، فهنا سمى مقدمة الدخول دخول، كما أن مقدمات الفتح فتح، فصلح الحديبية باعتباره مقدمة للفتح -لفتح مكة- سمي فتحاً، ونزلت فيه سورة الفتح، وهنا مقدمة الدخول وهو هذه الحياة البرزخية التي ينعم فيها هذا الذي واظب على آية الكرسي ينعم فيها في قبره، والمواظبة على آية الكرسي دبر كل صلاة سبب، سبب من أسباب دخول الجنة، والسبب قد تترتب عليه آثاره فيحصل المسبب، وقد يتخلف الأثر لوجود مانع، قد يكون عند الشخص ما يمنعه من دخول الجنة، ما يستحق به دخول النار إما مؤبداً إن كان عنده ما يخرجه من الدين بالكلية، أو مؤقتاً إن كان عنده شيء من الكبائر.
فقراءة آية الكرسي والمحافظة عليها، والمداومة عليها سبب كغيرها من الأسباب، فلا نتكل على مثل هذا، ولذا جاء: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له -إلى آخره- دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية شاء)) ثم قال في الحديث: ((ولا تغتروا)) يعني ما نغتر بمثل هذه النصوص، نترك الواجبات، ونقترف الكبائر والمحرمات لا، هذه أسباب، ومعلومٌ أن السبب قد ترتب عليه آثاره إذا انتفت الموانع، وقد لا تترتب عليه الآثار إذا وجدت الموانع، قد يلبس المرء من الثياب خمسة ثياب، ستة، عشرة، وفروة وبشت ويدخله البرد لأنه سبب، فليس السبب موجباً ولا مستقلاً بحصول المسبب، لكن علينا أن نعمل بمثل هذه الأمور التي جاء الحث عليها من قبل الشارع، لكن لا نغتر فنعتمد عليها.
((لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) والحديث صحيح، مخرج عند النسائي في الكبرى في أعمال اليوم والليلة، وعزاه المنذري إلى ابن حبان وغيره من أهل العلم "وزاد الطبراني: ((وقل هو الله أحد)) جاء الحديث الصحيح فيها: "أنها تعدل ثلث القرآن" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] سورة الإخلاص، فعلينا أن نداوم على قراءة آية الكرسي و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين، وجاء فيها النص الصحيح أيضاً.
"وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري".
نعم، حديث "مالك بن الحويرث" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أصلٌ عظيم، وقاعدة كلية من القواعد التي تدور عليها مسائل الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ففعله -عليه الصلاة والسلام- الذي داوم عليه بياناً لما أوجبه الله على هذه الأمة من الصلوات، ما داوم -عليه الصلاة والسلام- أخذاً بعموم هذا الحديث يدل على الوجوب، وما تركه -عليه الصلاة والسلام- أحياناً وفعله أحياناً يدل على الاستحباب، فداوم النبي -عليه الصلاة والسلام- على القيام، وعلى القراءة، وعلى الركوع، وعلى السجود، وعلى الجلوس، وعلى التشهد، وعلى السلام، وغير ذلك من الأركان والواجبات، فعل السنن غالباً وتركها أحيانً لبيان الجواز، فكان مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- من رواية مالك بن الحويرث أيضاً ما سماه الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى، والثانية من الركعة الثالثة، ففي الصحيح من حديث مالك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعتمد قائماً حتى يجلس، حتى يستوي قاعداً، اصطلح أهل العلم على أن يسموا هذه الجلسة جلسة استراحة، تقدم ذكرها والإشارة إليها، فهل هي مما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو فعله أحياناً فيكون من باب المستحب؟ هل داوم عليها فتكون من الواجبات؟ أو فعلها أحياناً لتكون من المستحبات؟ أو فعلها عند الحاجة إليها لتكون منزلة منزلتها في الحاجة إليها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يداوم عليها، بدليل أن أكثر من نقل صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها، ونقلها مالك بن الحويرث فدل على أنه فعلها على جهة الاستحباب، والترك إنما هو لبيان الجواز، ثبتت من حديث مالك بن الحويرث هذا مثال، وجاءت في بعض طرق حديث المسيء، وفي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن فعلها سنة، وكونها تفعل عند الحاجة -أنا أقول العكس- كونها تترك عند الحاجة؛ لأنها زيادة عبء، ليست استراحة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها في آخر عمره مع حاجته إلى الراحة وليس فيها راحة؛ لأنها ليست بجلسة طويلة بحيث يطمئن الإنسان ويرتاح، فالإنسان إذا قام من سجوده إلى القيام مباشرة أسهل من كونه يثني رجله ويجلس ثم يقوم، وأيضاً جاءت كما أشرنا في بعض طرق المسيء فلا داعي للقول بأنها تفعل عند الحاجة، بل هي سنة من سنن الصلاة، كونها تترك لبيان الجواز لا يعني أنها غير مشروعة.
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هو نظير قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بين الحج المأمور بفعله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) فما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يتركه فهو واجب؛ لأنه بيان للواجب، وما تركه دل على أنه ليس بواجب، وأنه تركه لبيان الجواز جواز الترك.
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وفي الوضوء قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من توضأ نحو وضوئي هذا)) ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وفي الوضوء ((نحو وضوئي هذا)) هل هناك فرق؟ الظاهر من التشبيه هنا: ((كما رأيتموني)) المطابقة بين المشبه والمشبه به، وهناك التقريب، يعني توضئوا قريباً من وضوئي؛ لأنه لا يمكن محاكاة النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل وجه، ويمكن أن يقال هنا في الصلاة أنه لا يمكن أن يصلي المسلم مهما بلغ من التحري لأفعاله -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به أن يصلي كما يصلي، مطابقة مائة بالمائة.
أقول: على الإنسان أن يحرص، يحرص أشد الحرص أن يقتني بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته وفي وضوئه وفي عباداته كلها، مع الأسف أن بعض طلاب العلم يعرف الأحكام المتعلقة بالوضوء، والأحكام المتعلقة بالصلاة، والأحكام المتعلقة بالحج ويفرط في كثيرٍ منها، مع أنه جاء الأمر بذلك: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) نعم {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] الذي يعجز عن تطبيق الصلاة النبوية بحذافيرها يأتي بما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) الذي لا يستطيع أن يحج كما حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مطابقة يفعل ما يستطيع، بعد الحفاظ على الأركان في العبادات كلها، ثم بعد ذلك يأتي بما يستطيعه من السنن؛ لأن بعض الناس يأتي بالعبادات بالقدر المجزئ فقط، ولا يحرص على تطبيق السنن، وهذا حرمان، نعم هي صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن قد لا تترتب عليها الآثار الكاملة مما أعده الله -جل وعلا- لمن يقيم الصلاة، وإلا فقد تكرر في النصوص إقامة الصلاة، وإقامتها الإتيان بها على الوجه المستقيم القائم التام، فنحرص على تطبيق كل ما يبلغنا عنه -عليه الصلاة والسلام- من أفعال، بأن نحاكي فعله -عليه الصلاة والسلام- ونأتي بالعبادات على ضوء ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من فعله، ونأتمر بأمره، ونمتثل التوجيه النبوي -عليه الصلاة والسلام- في جميع العبادات؛ لأنه يخشى ممن يفرط بالمستحبات أن يتساهل في الواجبات، أو لا يعان على الإتيان بالواجبات، ثم بعد ذلك يصل الخلل إلى أن يفرط بالأركان، حينئذٍ ترد عليه صلاته، فيكون كمن قيل له: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) والله المستعان.
"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري".
حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((صل قائماً -لأنه يشتكي- فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) وهذا الذي في الصحيح، لكن الذي في البلوغ زيادة: ((وإلا فأومئ)) هذا مخرج في البخاري دون قوله: ((فأومئ)) والمحقق الذي يتصدى لتحقيق الكتب ليس له أن يحذف منها شيئاً، بل يبقي الكتاب كما هو، إذا ألفه بنفسه يفعل ما شاء، لكن يتصرف في كتب الناس لا، يثبت ما في الكتاب مما اتفقت عليه النسخ، ويشير إلى اللفظ الزائد الذي لا يوجد في الأصل أو ما أشبه ذلك، فعلى من تصدى لتحقيق هذا الكتاب هو يترجى يقول: لعل الناس نظروا للحديث الآتي بعده لا، هي موجودة في النسخ، وعليها الشرح، هي موجودة، يعني كون الحافظ أخطأ أو أصاب هذا شيء آخر، لكن هي موجودة في النسخ، فتبقى كما هي، ودور المحقق أن يعلق عليها، أن يقول: هذه اللفظة لا توجد في المصدر الذي نسب إليه، على أن الحافظ -رحمه الله- لم ينسب الحديث إلى مصدر، لم يخرج الحديث، والحديث مخرج في الصحيح في البخاري دون قوله: ((وإلا فأومئ)).
حديث عمران بن حصين -وهو شاكي- يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف يصلي؟ يقول: ((صلِ قائماً)) هذا الأصل، ولذا يجب القيام مع القدرة، بل عدوه في الأركان، ولا تجوز الصلاة من قعود إلا لمن لا يستطيع القيام ((فإن لم تستطع فقاعداً)) ((صلِ قائماً)) والأمر بالصلاة يشمل جميع الصلوات ((فإن لم تستطع)) القيام فصل ((قاعداً، فإن لم تستطع)) الصلاة قاعداً ((فعلى جنب)) يعني على جنبك الأيمن مستقبلاٌ القبلة بوجهك، هذا الحديث فيه دلالة على أنه لا بد من القيام في الصلاة، وإطلاقه يشمل جميع الصلوات فرضها ونفلها.
وثبت أيضاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فدل على أن الصلاة تصح من قعود، الحديث يدل على عدم الصحة؛ لأنه علق القعود أو الصلاة من قعود على عدم استطاعة القيام، فدل على أن القائم لا تصح منه الصلاة قاعداً، والحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يدل على أن الصلاة صحيحة من قعود، وإن كان مستطيعاً القيام، لكن ليس له من الأجر إلا النصف، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي من قعود، صلى بعض الصلوات من قعود، في الركعتين التي بعد الوتر، وإذا أراد إطالة القيام قرأ وهو جالس ثم قام فركع -عليه الصلاة والسلام-، فدل على صحة صلاة القاعد، لكن أجره على النصف.
كيف نوفق بين الحديثين؟ الحديث الذي معنا يدل على عدم الصحة، والحديث الآخر يدل على الصحة مع نقص الأجر، كيف نوفق بين الحديثين؟ نعم يقول: لزوم القيام كونه ركن من أركان الصلاة في الفريضة دون النافلة، وصحة الصلاة من القاعد على النصف محمولٌ على النفل، بدليل هذا بعمومه يشمل النفل والفرض، وذلك بعمومه يشمل الفرض والنفل، بدليل سبب ورود الحديث، سبب هذا الحديث سبب ورود هذا الحديث الذي معنا أو الحديث الثاني؟ ما في ما يدل على أنها فرض، أو سبب ورود الحديث الثاني وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -يعني فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، سبب الورود يدل على أنهم كانوا يصلون فريضة وإلا نافلة؟ نافلة؛ لأنهم لا يصلون الفريضة قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام- ويأتمون به، فهي نافلة، وهو محمولٌ على مستطيع القيام، أما الذي لا يستطيع القيام فأجره كامل، سواءً كان في الفريضة أو النافلة، فسبب الورود يدل على أن الحديث الثاني في النافلة لمستطيع القيام، فله من الأجر النصف، أما الذي لا يستطيع القيام فأجره كامل في الفريضة والنافلة، الذي يستطيع القيام الفريضة لا تصح، والنافلة تصح على النصف.
والصارف والمخصص للحديث الثاني هو سبب الورود، والمقرر عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بل نقلوا على ذلك الإجماع، وإن خالف نفرٌ يسير من أهل العلم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذاً كيف لجأنا إلى السبب وخصصنا الحديث به؟ لدفع التعارض الظاهر بين الحديثين، وأهل العلم يسلكون مثل هذا كثيراً من أجل دفع التعارض بين النصوص، فإذا صلى المستطيع الفرض من قعود نقول: صلاتك غير صحيحة، وإن صلى المستطيع النفل من قعود قلنا: صلاتك صحيحة، لكن ليس لك من الأجر إلى النصف، إذا صلى غير المستطيع الفريضة من قعود قلنا: صلاتك صحيحة وأجرك كامل، وإذا صلى النافلة غير المستطيع من قعود قلنا: صلاتك صحيحة وأجرك كامل، وفي سبب الورود ما يدل على أنهم كانوا مستطيعين، لما تجشموا القيام قاموا، فدل على أنهم كانوا مستطيعين القيام.
((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) من أركان الصلاة ما يؤدى حال القيام، ومنها ما يؤدى حال القعود، بعض الناس يستطيع القعود ولا يستطيع القيام، وبعض الناس بالعكس، يستطيع أن يصلي قائم ولا يستطيع أن يصلي قاعد، يمكن وإلا ما يمكن؟ إذا كان لا يستطيع القعود يمكن، فهل نقول: الذي لا يستطيع القعود مثل ما قلنا: الذي لا يستطيع القيام يقعد في موضع القيام، فالذي لا يستطيع القعود نقول: يقوم في موضع القعود مثله وإلا ما هو بمثله، شخص مصاب في دبره لا يستطيع القعود مثلاً، يقول: أنا لا أستطيع الصلاة إلى قائم أو مضطجع ماذا نقول له؟ الذي لا يستطيع القيام قلنا له: اجلس، صلِِّ قاعداً، نقول: يصلي على جنب لأن البديل عن القعود ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) نقول: في موضع القيام تقوم لأنك مستطيع، في موضع القعود غير مستطيع على جنب وهو البديل.
((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) كيفية القعود، عرفنا فيما تقدم أن القعود في موضعه من الصلاة الغالب فيه الافتراش، يفترش اليسرى وينصب اليمنى، هذا بين السجدتين وفي التشهد الأول، ويتورك في التشهد الثاني، الذي لا يستطيع القيام يتورك وإلا يفترش أو يتربع؟ الآن النص الذي عندنا يدل على إيش؟ القعود، والقعود يشمل جميع الهيئات، المفترش يقال له: قاعد، المتورك يقال له: قاعد، المتربع يقال له: قاعد، ولذا يجوز عند أهل العلم أن يفترش وأن يتورك وأن يتربع، لكن يخلتفون في الأفضل، فالأكثر على أنه يتربع في القعود البديل عن القيام، وأين يضع يديه إذا تربع في هذا القعود البديل عن القيام؟ يأتي بما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) يأتي بما يستطيع من هيئة الصلاة، يقبض يده اليسرى باليمنى ويضعهما على صدره، ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) لا يستطيع القيام ولا يستطيع القعود يصلي على جنبه الأيمن، إذا لم يستطع الصلاة على جنبه الأيمن بأن كان في جنبه الأيمن جروح وقروح وجنبه الأيسر سليم وظهره سليم يقال له: يصلي مستلقياً رجلاه إلى القبلة، بحيث يرفع الرأس فيستقبل به القبلة، إن لم يستطع الصلاة من قيام ولا قعود وعلى مضطجعاً، من أهل العلم يقول: خلاص استنفذ الفرص كلها الموجودة في الحديث فتسقط عنه الصلاة، ومنهم من يقول: يومئ إيماءً، إن استطاع أن يومئ برأسه وإلا فببصره أو ما يمكنه الإيماء به، ومنهم من يقول: يمر القرآن والأذكار على لسانه وقلبه، ويسقط عنه ما عدا ذلك مما لا يستطيعه، ومقتضى عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) أن الصلاة لا تسقط ما دام مناط التكليف وهو العقل موجود، فيأتي منها بما يستطيع، ولو لم يستطع القيام ولا القعود ولا الاستلقاء ولا على جنب ولا الإيماء أيضاً، يأتي بما يستطيعه من قراءة وذكر ولو كان ذلك بإمرار القراءة على القلب، وعرفنا أن من أهل العلم من يقول: إذا لم يستطع على جنب انتهت الفرص المتاحة، وما عدا ذلك يكون في حيز غير المشروع، المشروع للإنسان يصلي قائم إن لم يستطع فقاعد، إن لم يستطع فعلى جنب، وبعد ذلك ما في فرصة، وهذا قول معروف عند أهل العلم.
لكن مقتضى عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) قد يكون مستطيع القراءة مستطيع الأذكار، الأقوال المرتبطة بأفعال غير مستطاعة، تكبيرات الانتقال هو لا ينتقل من حالٍ إلى حال يكبر أو لا يكبر؟ هو يستطيع التكبير، الذي يستطيعه، يعني يكبر للاستفتاح، ثم يقرأ، ثم يكبر للركوع ولا ركوع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده ولا رفع، ثم يقول: الله أكبر ولا سجود وهكذا، أو نقول: هذه التكبيرات تابعة فتسقط؟ هناك القاعدة: من عجز عن بعض العبادة استطاع بعض المأمور به، وعجز عن البعض يأتي بما يستطيع إن كان المستطاع عبادة، أما إذا كان المستطاع إنما جيء به تبعاً لعبادة فإنه لا يؤتى به لأنه لا يراد لذاته.
فمثلاً يُذكر في هذه القاعدة: الأصلع الذي ليس على رأسه شعر في النسك ماذا يصنع؟ يعني هل مجرد إمرار الموس مقصود لذاته؟ أو إمراره لإزالة الشعر؟ لكن إزالة الشعر مأمور به، لكن إمرار الموس هل مقصود لذاته؟ شخص لا يستطيع الصلاة مع الجماعة لكنه يستطيع أن يصل إلى باب المسجد ويرجع، نقول: تصل باب المسجد وترجع تصلي في بيتك؟ يعني هل مجرد المشي إلى المسجد مقصود لذاته أو من أجل الصلاة؟ ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ إذا كان ما يستطيعه مقصود يأتي به، إذا كان ما يأتي به إنما وجد تبعاً لغيره لأمرٍ مقصود لا يؤتى به، إذا كان شخص لا يستطيع الحج فتبرع واحد يوصله إلى الميقات، نقول: تصل الميقات وترجع أو تصل إلى مكة ثم ترجع لأنك لا تستطيع الحج تستطيع الذهاب إلى هناك؟ يكلف بهذا؟ لا يكلف بهذا؛ لأن الذهاب إلى تلك الأماكن ليس مقصوداً لذاته، لكنه إذا اقتضته العبادة وتطلبته العبادة رتب عليه الأجر، ولذا الذهاب إلى المسجد فيه أجرٌ عظيم، لكنه لا يقصد لذاته.
وعلى كل حال كلٌ من القولين له ما يدل عليه أنه يأتي بما يستطيع، ولو كان دون الصلاة على جنب، يصلي بالإيماء للحديث الذي كررناه ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) والقراءة مقدورٌ عليها، الذكر مقدور عليه، الإيماء مقدور عليه، وحينئذٍ يكون التكبير للانتقال من باب الفصل بين الأركان، وإن لم يكن لها وجود في الظاهر.
"وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمريض صلى على وسادة فرمى بها، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) رواه البيهقي بسند قوي، ولكن صحح أبو حاتم وقفه".
هذا الحديث حديث جابر -رضي الله عنه- مختلفٌ في رفعه ووقفه، وله شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، صححه بمجموعها بعض أهل العلم مرفوعاً، وصوب أبو حاتم وقفه، ولم يصححه مرفوعاً.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهذا المريض الذي صلى على وسادة لا يستطيع الوصول إلى الأرض، شخص أراد السجود لا يستطيع الوصول إلى الأرض، هل نقول: ضع مركاة من أجل أن تسجد عليها؟ أو افعل ما تستطيعه مما يقرب من السجود حسب القدرة والاستطاعة؟ شخص أجرى عملية في عينيه لا يستطيع أن يطأطئ رأسه، ماذا نقول له؟ يخفض رأسه بقدر الإمكان للركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، لكن هل يلزمه أن يرفع شيئاً ليسجد عليه؟ وبعض العوام يسجد على يده، يجعل يده هكذا يسجد عليها، هذا أمر غير مشروع، ولذا رمى بالوسادة "صلى على وسادة فرمى بها، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت)) {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] إن استطعت صلِ على الأرض كما هو الأصل ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) لكن لا تستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] رجل مقطوع اليد أو الرجل نقول: سجودك لا يصح لأنك ما سجدت على سبعة أعظم، سجدت على ستة {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]
((صلِ على الأرض إن استطعت)) بهذا القيد ((وإلا فأومئ إيماء)) يعني بالركوع والسجود تومئ إيماءً، وهذا يظهر فيمن أجرى العملية بعينيه ينصحه الأطباء أن لا يسجد، بل ولا يركع، لا يسجد ولا يركع؛ لأن هذا يؤثر عليه، وإذا كان هذا العمل يتضرر به أو يتأخر برؤه بسببه فالشرع لا يكلفه ما يضره، وحينئذٍ يومئ فيجعل السجود أخفض من الركوع، ومثل هذا من أذن له بالصلاة في موضعٍ لا يتمكن فيه من الركوع التام والسجود التام، مثل من يصلي على الراحلة هل يتمكن من القيام؟ يتمكن من الركوع ممكن، لكن ليس على الهيئة التي جاءت صفتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسجود لا سيما في البديل عن الراحلة في السيارة، يستطيع الإنسان أن يسجد سجود كامل، لا يستطيع والنافلة تصح على الراحلة ومثلها السيارة، فيجعل إيماءه بالسجود أخفض من الركوع.
"رواه البيهقي بسند قوي" وذكرنا أن له شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس، ولذا صححه بعضهم مرفوعاً، وإن رجح أبو حاتم وقفه، وأبو حاتم -رحمه الله- هذه عادته، يعني يغلب عليه الشدة في الأحكام، فإذا تعارض عنده الوصل والإرسال الغالب أنه يحكم بالإرسال، وإذا تعارض عنده الوقف مع الرفع الغالب أنه يحكم بالوقف، فصححه جمعٌ من أهل العلم مرفوعاً.
باب: سجود السهو وغيره:
أحسن الله إليك:
باب: سجود السهو وغيره:
"عن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه، كبر وهو جالس، وسجد سجدتين، قبل أن يسلم ثم سلم" أخرجه السبعة، وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم: "يكبر في كل سجدة وهو جالس، وسجد الناس معه مكان ما نسى من الجلوس".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: سجود السهو وغيره" سجود السهو، السهو: الغفلة والنسيان، ومن يعرو من الخطأ والنسيان والغفلة، كل إنسان معرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نسي وسها ليسن -عليه الصلاة والسلام-، ولولا أنه حصل منه ما حصل لما عرفنا كيف نفعل إذا سهونا في صلاتنا؟ فيوجد مثل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- لا لنقصٍ فيه، نعم هو بشر ينسى كما ننسى، لكن يبقى أنه مقبلٌ على صلاته، يحصل له ويعرض له ما يعرض لنا ولغيرنا ولأمته من أجل أن يشرع ويسن، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد نام عن صلاة الصبح للتشريع، فـ(باب: سجود السهو وغيره) مما سيذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من سجود التلاوة، وسجود الشكر، يدخل في قوله: "وغيره" سجود التلاوة والشكر.
"عن عبد الله بن بحينة" هو عبد الله بن مالك، بحينة اسم أمه، عبد الله بن مالك ابن بحينة وبحينة أمه، فإذا قلت: عبد الله بن مالك تقول: ابن بحينة وتثبت الألف قبل ابن بحينة، كما في عبد الله بن أبي ابن سلول تثبت الألف قبل ابن سلول، ويكون إعرابها إعراب الاسم الأول وليس إعراب الاسم الثاني؛ لأنها تابعة للأول لا للثاني كما هنا، فإذا قلت: عن عبد الله بنِ مالك بنِ بحينة، ما يختلف، لكن لو تقول: حدثنا عبد الله بنُ مالك ابنُ تبعاً لعبد الله ابن بحينة فبحينة أمه "-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" في رواية عند مسلم: "العصر" وفي رواية: "إحدى صلاتي.."، "صلى بهم الظهر"، "عن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" من غير شك، هناك في حديث ذي اليدين "فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني لم يجلس للتشهد الأول، صلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة من غير أن يجلس للتشهد الأول "فقام الناس معه" الناس في عهد تشريع، منهم الساهي المتابع من غير تذكر، ومنهم الذاكر لكن يظن أن التشهد الأول إما أنه ليس بواجب أو أنه نسخ وألغي هو في زمن التشريع "فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة -عليه الصلاة والسلام- وانتظر الناس تسليمه" يعني تشهد التشهد الأخير وفرغ منه، انتظروا التسليم "كبر وهو جالس" وما زال مستقبل القبلة "وسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم" هذه الصورة وهي صورة ترك واجب من واجبات الصلاة وهو التشهد الأول، وهذا الواجب تركه يجبر بالسجود، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذا لو ترك غير التشهد الأول من الواجبات، التكبير عند من يقول بوجوبه، قول: سمع الله لمن حمده لمن يقول بوجوبه يجبر بالسجود.
"سجد قبل أن يسلم ثم سلم" أخرجه السبعة" والمراد بهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد "وهذا لفظ البخاري" وفي رواية لمسلم: "يكبر في كل سجدة وهو جالس" ويسجد وهو جالس، "يكبر في كل سجدة وهو جالس" يحتاج إلى بيان أن يقال: "وهو جالس" كبر وهو جالس، يكبر وهو جالس، هو جالس للتشهد، وينتظرون سلامه -عليه الصلاة والسلام- فهل يحتاج إلى تنصيص؟ التنصيص في مثل هذه الحالة على الجلوس؟ هل يتصور أنه سوف يقوم ليسجد؟ قد يتصور بعض الناس أن هاتين السجدتين مثل سجدتي الصلاة، أولهما تكون من قيام إلى سجود، قد يتصور مع أنه بعيد، لكن قد يتصور بعض الناس ما دام سجدتين مثل سجدتي الصلاة، يقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، يكبر لهما في الخفض والركع، لماذا لا تكون الأولى من قيام مثل ما يسجد للصلاة؟ ولذا قال: كبر وهو جالس "يكبر في كل سجدة وهو جالس ويسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس" يعني هذا السجود الذي فعله -عليه الصلاة والسلام- إنما جاء به جابراً لما نسي، جبراً للنقصان الذي حصل في صلاته من ترك التشهد.
التشهد الأول اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من قال: إنه سنة؛ لأنه لو كان واجباً لما صحت الصلاة بدونه، للزم العود إليه، ومنهم من قال بوجوبه، لكن الواجب ليس مثل الركن، الركن لا يقوم غيره مقامه، بينما الواجب يجبر بالسجود، والحجة في فعله -عليه الصلاة والسلام-.
ومثل هذا السجود لترك واجب إنما يكون قبل السلام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث سجد قبل السلام، ويأتي من الأحاديث ما يوافقه وما يعارضه، من الأحاديث التي نقلت في سجوده قبل السلام وبعده -عليه الصلاة والسلام-.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم-: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة? فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) قال: بلى، قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه، فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي رواية لمسلم: "صلاة العصر".
ولأبي داود فقال: ((أصدق ذو اليدين?)) فأومئوا: "أي نعم" وهي في الصحيحين، لكن بلفظ: "فقالوا"، وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله ذلك".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" والعشي: ما بعد الزوال إلى غروب الشمس، وصلاتا العشي هما: الظهر والعصر، هما الواقعتان بين زوال الشمس وغروبها "إحدى صلاتي العشي" إما الظهر وإما العصر، كما في بعض الروايات، وجاء الجزم بأنها العصر في رواية عند مسلم "صلى إحدى صلاتي العشي" وهما رباعيتان "ركعتين" صلى الظهر أو العصر ركعتين "ثم سلم -عليه الصلاة والسلام-" لو لم يحصل مثل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- كم يتحسر المسلم مما يعتريه من سهو؟ وكم يتقطع قلوب أهل الحرص أساً لما يعتريهم في صلواتهم من غفلةٍ وسهو؟ حصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمور: منها: أن تبين الأحكام من خلال هذه القضايا، ومنها: التسلية، الإنسان يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سها، كما أنه يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح حتى أيقظه حر الشمس، لكن ليس معنى هذا أن يكون ديدن الإنسان السهو والغفلة، ولا يستحضر ولا يقبل على صلاته، أو ينام عن الصلوات ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نام، لا، لكن إذا حصل في العمر مرة، مرات يسيرة مع الحرص الشديد، والاحتياط التام لأعظم العبادات يتسلى بذلك، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الرباعية ركعتين.
"ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها" في بعض الروايات: "فشبك بين أصابعه" فدل على أن التشبيك بعد الصلاة لا بأس به، بينما التشبيك قبل الصلاة مكروه؛ لأنه في صلاة ما دام الصلاة تحبسه "فوضع يده عليها وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" من شدة تعظيمهما له -عليه الصلاة والسلام- "هابا أن يكلماه، وخرج سُرعان الناس" سُرعان: بضم السين أو بفتحهما سَرَعان، وسُرْعان وسُرُعان الناس، وهم أهل العجلة، الذين يستعجلون في الخروج من المسجد ولكل قومٍ ورث، يوجد من الناس مجرد ما يسلم الإمام تجده في الأبواب، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، وما لم يحدث)) ثم هذا الحرص على الخروج من المسجد إلى أين؟ إلى مشاكل الدنيا وأكدارها التي طبعت عليها.
"خرج سرعان الناس فقالوا:" يتناجون فيما بينهم: "أقصرت الصلاة" يعني هل نزل تشريع جديد، تقصر الصلاة الرباعية في الحضر ركعتين، "وبين القوم رجل" في يديه طول "يدعوه النبي -عليه الصلاة والسلام- ذا اليدين" يلقبه بهذا، واللقب لا بأس به إذا لم يتضمن القدح في الملقب، ولو أشعر اللقب بذم لكن الذم غير مقصود، إنما هو لمجرد التعريف، فلقب سفيان بن عيينة بالأعور، وهناك عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهناك سليمان بن مهران الأعمش وهكذا، لا يقصد شينه ولا عيبه إنما هو مجرد تعريف، ولذا لقب النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الرجل بذي اليدين لما في يديه من طول "فقال: يا رسول الله: أنسيت؟" فسلمت عن نقص "أم قصرت" الصلاة؟ لأن الزمان زمان تشريع يحتمل هذا ويحتمل هذا "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-" بناءً على غلبة ظنه أو ليتأكد ((لم أنس ولم تقصر)) فقال: بلى، قد نسيت" لماذا؟ لأنه ضمن عدم القصر؛ لأن هذا شرع يكون بوحي، فإذا نفي بقي الثاني من قسمي التردد، والتردد بين القصر والنسيان، نفي القصر إذاً بقي النسيان "فقال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم" سلم، استقبل الناس، وقام إلى الخشبة وتكلم، كلموه وردوا عليه بناءً على أن الصلاة قد تمت، فمن جاء بما يبطل العبادة عند غلبة الظن أنها تمت لا يؤثر فيها كما هنا، فالكلام مبطل للصلاة، قيام واستدبار الكعبة، استدبار القبلة يبطل الصلاة، لو جزم أنه في صلاته، لكن بناءً على غلبة ظنه أن الصلاة قد انتهت، تكلم -عليه الصلاة والسلام-، وتكلموا معه، فلم يؤثر هذا في الصلاة، استقبل القبلة فسجد وصلى الركعتين، أتى بالركعتين "ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده" في الصلاة "أو أطول" وبعض الناس لا يهتم بهذا السجود، ينقر السجدتين نقر، ولذا قال: "ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر" يعني سجد سجدتين "فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر"، "ثم سلم" كما في بعض الروايات، وهذا الحديث "متفق عليه" جاء تعيين الصلاة في رواية مسلم وأنها العصر، وجاء في رواية أبي داود: ((أصدق ذو اليدين?)) فأومئوا" برؤوسهم أو بأيديهم: "أي نعم"، وفي الصحيحين: فقالوا: نعم" والقول كما يكون باللسان وهو الأصل يكون أيضاً بالفعل، بإمكانك أن تطأطئ فتقول: نعم بدون كلام، وفي حديث التيمم: "فقال بيديه هكذا" قال بيديه، إيش معنى قال بيديه؟ يعني ضرب بيديه الأرض "فأومئوا: أي نعم" وفي الصحيحين لكن بلفظ: "فقالوا" الأصل أن القول باللسان هذا الأصل، وقد يكون بالفعل كما سمعنا "وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله تعالى" يعني جزم بأن الصلاة ناقصة، لكن هذه الزيادة منكرة، يعني لو ثبتت لما عمل بغلبة الظن، كونهم قالوا له: نعم، هذا يورث عنده -عليه الصلاة والسلام- غلبة ظن، يعارض به ما عنده من شك، فيعمل بغلبة الظن، لكن قوله: "حتى يقنه الله تعالى" حتى يجزم، يقطع بأنه سلم عن نقص، ولذا حكم أهل العلم على هذه الزيادة بأنها منكرة.
حديث اليدين حديث عظيم، فيه فوائد كثيرة جداً، استوفاها أهل العلم في مصنفات مفردة، وفي شروح الكتب أفرد القاضي عياض لفوائده مجلداً، وأفاض ابن دقيق العيد في بيان فوائده وغيرهم، الحافظ ابن حجر أطال والعيني وغيرهم في شرح هذا الحديث، ففيه فوائد كثيرة جداً، لكن يهمنا منها ما يتعلق بالسهو، وهو أن من سلم عن نقص ثم جاء بهذا النقص فإنه يكون سجوده بعد السلام، وهناك ترك واجب يكون سجوده قبل السلام.
وبعضهم يطرد فيقول: السجود عن نقص قبل السلام، والسجود عن زيادة يكون بعد السلام، إيش معنى هذا الكلام؟ في حديث عبد الله بن بحينة النبي -عليه الصلاة والسلام- زاد وإلا نقص؟ نعم نقص، نقص التشهد الأول، في حديث ذي اليدين -حديث أبي هريرة- زاد وإلا نقص؟ زاد، إيش زاد؟ زاد السلام الأول، وزاد الكلام والقيام، كل هذه زيادات، فيكون السجود بعد السلام، ويطردون هذا، والسبب أن السجود قبل السلام إذا نقص من الصلاة يجبر هذا النقص بأن يزيد في الصلاة من جنس الصلاة ما يجبرها، والسجود إذا كان عن زيادة في الصلاة لئلا تتضمن الصلاة زيادات أكثر من زيادة يكون السجود بعد السلام، وبعضهم يرى أن سجود السهو قبل السلام مطلقاً، وأن مثل هذا الحديث وما جاء من الأحاديث من كونه -عليه الصلاة والسلام- سجد بعد السلام كله منسوخ.
ومنهم من يطرد فيقول: السجود كله بعد السلام؛ لأن الخلل الذي وقع في الصلاة لا يزاد عليه زيادة أخرى، فتكون الصلاة بزيادتها أو نقصها ويفرغ منها، ثم تجبر بعد ذلك بعد السلام بسجودٍ يجبر هذا الخلل.
ومنهم من قال: تنزل النصوص منازلها، فأهل العلم يختلفون في هذا، منهم من يقول: السجود للسهو كله قبل السلام، وإلى هذا ميل الشافعية، ومنهم من يقول: كله بعد السلام، ومنهم من يفرق كالمالكية إن كان عن نقص فقبل السلام، وإن كان عن زيادة فبعد السلام، ومنهم من يقول: كله قبل السلام إلا في صورتين: إذا سلم عن نقص، وإذا بنى على غالب ظنه يكون بعد السلام، وما عدا ذلك يكون كله قبل السلام، وهم يتفقون على أن من سجد للسهو قبل السلام في جميع الصور صلاته صحيحة، ومن سجد للسهو بعد السلام صلاته صحيحة، لكن الخلاف في الأفضل.
أحسن الله إليك:
"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه" بل قال في بعض النسخ: حسنٌ غريبٌ صحيح "والحاكم وصححه" المقصود بذلك أصل الحديث من غير قوله: "ثم تشهد" والتشهد شاذ، ذكر التشهد شاذ، يعني هذه اللفظة حكم عليها أهل العلم بالشذوذ لمخالفتها ما جاء في أحاديث السهو كلها، تشهد يعني بعد إيش؟ بعد سجود السهو "فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم" فالتشهد بعد سجود السهو محكومٌ عليه بالشذوذ عند أهل العلم، فلا يشرع التشهد بعد سجود السهو لأنه زيادة في الصلاة، والصلاة التي حصل بها الخلل لا يضاف إليه خللٌ آخر، ولذا هذه اللفظة غير محفوظة عند أهل العلم، بل حكموا عليها بالشذوذ.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً? فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم".
حديث "أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته))" الشك: هو الاحتمال المساوي، يعني على حد سواء من غير مرجح، خمسين بالمائة أنه صلى ركعتين، والخمسين الأخرى أنه صلى ثلاثاً، هذا مقتضى الشك، احتمال النقيض مع المساواة، لكن إن ترجح أحدهما فالراجح ظن والمرجوح وهم، فإذا شك قام من ركعة إلى أخرى لا يدري هي الثالثة أو الرابعة من غير مرجح على حدٍ سواء ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً? فليطرح الشك وليبن على ما استيقن)) والمتيقن هو الأقل؛ لأن ما زاد على الأقل مشكوك فيه، يعني إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً، يقيناً صلى ركعتين والثالثة مشكوكٌ فيها، والأصل فيها العدم، إذاً يبني على ما استيقن، ويجعل العدد اثنتين.
وسبق لنا في كتاب الطهارة أنه إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً ماذا يجعل؟ يبني على إيش؟ كم العدد؟ مثل ما هنا أو يبنِ على الأكثر؟ يعني مقتضى قولهم الحنابلة وغيرهم أنه يطرد مثل هذا: إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً يجعلهما ثنتين ويزيد ثالثة، لكن هناك الوضع يختلف عما هنا، الوضع هناك في الطهارة يختلف عنه في الصلاة، في الطهارة إذا قلنا: يجعلهما اثنتين ويزيد ثالثة التردد بين الثلاث والأربع إذا زاد، والأربع سنة وإلا بدعة؟ بدعة، يعني يخرج بذلك إلى حيز البدعة، لكن لو قال: هن ثلاث، وهي في الحقيقة ثنتين، مثل ما لو نقص من الصلاة خلاص الوضوء صحيح، بل سنة أن يتوضأ مرتين مرتين، فإذا بنى على الأقل رجع إلى سنة، وإذا بنى على الأكثر احتمال أن يطلع إلى بدعة.
بينما هنا إذا بنى على الأقل وزاد ثالثة الحل في الحديث يسجد سجدتين، إن طابق الواقع كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كان قد زاد على ذلك شفعن له صلاته، لكن لو بنى على الأكثر وصار ثنتين، أو تردد هل هما اثنتين أو ثلاث؟ فقال: لا ثلاث، يكون نقص من الصلاة ستكون باطلة الصلاة، ليس مثل الوضوء ثنتين صحيحة أو سنة، هو في حيز المشروع، لا هنا في حيز البطلان لو بنى على الأكثر بخلاف الوضوء.
((إذا شك أحدكم في صلاته)) الصلاة مفرد مضاف فيعم جميع الصلوات ((فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك)) القدر الزائد المشكوك فيه يطرحه ((وليبنِ على ما استيقن)) المتيقن وهو الأقل، ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته)) يعني كأن الصلاة الرباعية إذا زيد فيها خامسة الأصل أن تقطع على شفع، لكن لو تردد في صلاة المغرب هل صلى ثنتين أو ثلاث؟ وجعلهما اثنتين وهي في الحقيقة ثلاث، ثم سجد سجدتين كما هنا، هل نقول: شفعن له صلاته أو أوترن له صلاته؟ لأن صلاة المغرب تقطع على وتر، يعني هل المطلوب في الصلوات كلها أن تقطع على شفع؟ أو أن المغرب تقطع على وتر؟ تقطع على وتر ثلاث، فإن كان صلى في الحقيقة ثلاث وزاد رابعة في المغرب ثم سجد السجدتين أوترن له صلاته؛ لأن المفترض فيها أن تقطع على وتر، بينما الرباعية والثنائية إذا شك وزاد صارت وتر لكن سجود السهو يشفع صلاته.
وعندنا السهو وعموماً النسيان كما في القاعدة: ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني مثلاً: صلى الظهر خمس ناسياً، صلى خمس ومشي، جازم أنه أربع ولا سجد سهو ولا شيء، نقول: النسيان ينزل الموجود -الركعة الخامسة- منزلة المعدوم {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هذا النسيان نزل هذه الركعة الخامسة الموجودة منزلة المعدوم، لما عرف أن النسيان مرفوعٌ أثره عن هذه الأمة، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني تذكر فيما بعد أنه صلى خمس، نقول: صلاتك صحيحة؛ لأن النسيان نزل الموجود منزلة المعدوم، هذه الركعة زائدة معفوٌ عنها، لكن لو تذكر فيما بعد أنه صلى الرباعية ثلاثاً يقال له: أعد، هل بإمكانه أن يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هذا نسيان وأثره معفوٌ عنه مثل من صلى خمس نقول: لا، النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني لو نسي أن يتوضأ وصلى بدون وضوء هل يمكن أن يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] نقول: لا، توضأ وأعد الصلاة.
((فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان)) لأن الشيطان هو الذي يوقع في مثل هذه الأمور، هو الذي يلبس على الإنسان؛ لأن الشيطان إذا أذن للصلاة ((إذا نودي للصلاة أدبر وله ضراط)) وفي رواية: ((حصاص)) ((فإذا فرغ من الأذان أقبل، فإذا ثوب للصلاة -أقيم لها- أدبر، فإذا فرغ من الإقامة أقبل)) ليشوش على المسلم صلاته، وليذكره بما نسيه، بما لم يذكر من قبل: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، ثم يستمر معه إلى آخر الصلاة، ثم لا يدري كم صلى؟ ففي هذا ترغيم للشيطان الذي همه أن يصرف الإنسان عن صلاته فلا يصلي بالكلية، إذا لم يتمكن من ذلك رضي أن ينقص أجره بقدر ما يستطيع هذا الشيطان، ولذا ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل.
يذكر عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن شخصاً جاءه وقال: إنه ترك مبلغاً من المال حفر له حفرة، ودفنه في الأرض وسافر مدة طويلة، لما رجع نسي مكانه، فقال له: صلِ، صلِ ركعتين، واحرص أن تقبل على هاتين الركعتين، لما كبر للصلاة..، وهل يتركه الشيطان إلى قرب انقضاء صلاته أو يخبره في أولها ليشغله عن بقيتها؟ في أولها ليشغله عن بقيتها.
لكن هل يُظن بالإمام أبي حنيفة -رحمه الله- أن يوجه إلى مثل هذا العمل؟ فيقول لمسلم: صلِ وأنت لا تقصد الصلاة من أجل هذا المال الذي نسيته، هذا منقول عن الإمام -رحمه الله-، لكن لا يُظن به أن يثبت، لا يُظن بالإمام أبي حنيفة أن يقول مثل هذا، أن يأمر شخص أن يصلي لا لقصد الثواب ولا لذات الصلاة، وإنما من أجل أن يتذكر ما نساه من أمور دنياه.
((وإن كان صلى تماماً)) طابق الواقع، إذا بنى على الأقل، وقد صلى الأقل ثم أكمل وطابق الواقع ((كانتا -هاتان الركعتان- ترغيماً للشيطان)).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك رسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"على كل حال التعدي على حقوق الآخرين من غير إذنهم -لا سيما إذا كان هذا يضر بهم- لا يجوز، فالضرر تجب إزالته، لكن إن كان هذا التعدي من أجل إزالة منكر فهذا ضربٌ من أضرب إنكار المنكر، ونوعٌ من أنواعه، وهو إنكارٌ للمنكر باليد، إذا كان هناك مواقع تبث الشر، تشكك الناس في دينهم، مواقع إباحية واستطاع الإنسان أن يشوش عليها أو يفسدها جزاه الله خير، لكن إذا كان يسطو على حقوق الآخرين ويعتدي عليها بما يضرهم هذا لا يجوز له ذلك.
هو الرازي.
إذا عرفت أن هذه الركعة زائدة في صلاة الإمام فإنه لا يجوز لك أن تتابعه عليها؛ لأنها ركعة باطلة، فعليك أن تجلس أو تنوي الانفراد، وتكمل صلاتك بنفسك، لكن لا يجوز لك أن تتابع الإمام على هذه الركعة التي زادها.
البديل عن القيام القعود.
هو لا يليق بطلاب العلم، لكن على كل حال على طالب العلم أن يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام خيرٌ من الدنيا وما فيها، فمن يعدل بمثل هذا الخير العظيم بحطام الدنيا كلها، إذا كانت تكبيرة الإحرام خيرٌ من الدنيا وما فيها، وجاء الحث على إدراك تكبيرة الإحرام أربعين ((من لم تفته تكبيرة الإحرام أربعين كتابة له براءتان)) والحديث فيه كلام لأهل العلم، لكنه مع ذلك ينبغي لطالب العلم أن يحرص، وفي سير السلف الصالح ممن مضى معه أربعين سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام، يعني يتصور في مثل حالنا أن يوجد مثل هذا مع ما نعيشه من صوارف، وما يشغلنا من مشغلات وملهيات، الله المستعان.
مع الأسف الشديد أن العوام أحرص على الخير من كثير من طلاب العلم، نعم قد يقول قائل: إن العوام ما اطلعوا على أقوال، ولا اطلعوا على خلافات، ولا يفرقون بين مندوب وواجب، وهذا يجعلهم يحرصون على كل شيء، بينما طلاب العلم يفرقون بين الواجب والمندوب، والمندوب لا يترتب على فعله إثم، فهو على التراخي، لا، طالب العلم ينبغي أن يكون أحرص من غيره؛ لأنه بلغه من النصوص ومن الحجج ما لم يبلغ العوام.
المشقة تقدر بقدرها، إذا بلغت به المشقة بحيث يتضرر بها أجره كامل -إن شاء الله تعالى-.
إذا كان ما تركه من الصلوات محصور ومعروف وقضاؤه لا يشق فالأولى كما هو قول جماهير أهل العلم أن يقضي ما ترك، وإذا كان كثيراً أو لا يحيط به، أو يشق عليه قضاؤه ومن باب ترغيبه في التوبة فالتوبة تجب ما قبلها.
لا يكبر إلا مع القيام، يجلس هذه الجلسة من غير تكبير ثم يكبر إذا شرع في القيام للركعة، وحينئذٍ لا يسبقونه.
هذه تقول: معلمة في إحدى المدارس أحياناً أحضر مبكرة جداً يكون ذلك قبل الساعة السادسة صباحاً، وأثناء التوقيع لا أسجل الوقت الذي حضرت به، ولكن أؤخره قليلاً وهذا لا يضر، يعني لا يضر بصاحب المدرسة، ولا يعرقل حركة التدريس، ولا يعيق فهم الطلاب، فهل هذا من خيانة الأمانة والكذب؟
يعني مطلوب التوقيع الساعة كم؟ الساعة سبع؟ كم التوقيع؟
طالب:.......
هذه تحضر قبل الدرس بساعة، يعني إذا وقعت في السابعة مثلاً وقد حضرت في السادسة هي موجودة في السابعة ما خالفت الواقع، الإشكال لو حضرت في الثامنة ووقعت في السابعة هذا الكذب، الكذب الفعلي، لكن حضر في السادسة ووقع في السابعة هو موجود في السابعة، ما زاد على الحقيقية فلا شيء في ذلك، إن كان هذا المقصود مما فهمته من السؤال.
هذا الأصل في الشك، لكن غلبة الظن إذا قلنا: إن المراد بالشك غلبة الظن فغالب أحكام الشرع محمولة على غلبة الظن، فالشك شيء وغلبة الظن شيء آخر، غالب الأحكام محمولة على غلبة الظن.
تصلي الظهر لأن الترتيب واجب.
يقوم في حال القيام، ويجلس في حال الجلوس، وما يدركه مع الإمام يدركه، وما يفوته من غير تفريط يأتي به.
التوبة تجب ما قبلها، تهدم ما كان قبلها.
يقول: هل يمنع من دخول الجنة إذا قرأ المصلي آية الكرسي بعد الصلاة للذي ارتكب كبيرة وتاب منها؟
التوبة تهدم ما كان قبلها، تجب ما قبلها، والتائب من الذنب إذا توافرت شروط التوبة كمن لا ذنب له، بل التائب توبة نصوح إذا تاب وعمل عملاً صالحاً من بعد الذنب تبدل سيئاته حسنات.
وهل التوبة من الكبائر تحمي العبد من عذاب القبر المترتب؟
نعم، تجب أثر المعصية.
نعم، أهل العلم استدلوا به لأنهم تكلموا في داخل الصلاة لمصلحتها.
إذا كان لا يستطيع القيام، إذا كان يترتب على قيامه ضرر، إذا كان إذا قام يصاب بدوخة مثلاً، يخشى أن يسقط، أو يغلب على ظنه أنه يسقط فيتضرر.
نعم، لا شك أن..، أقول: استعمال مثل هذه الآلات في أوقات العبادات تشغل، لا سيما المصلي، والذي يحضر الدرس بحاجة إلى فراغ بال، فبقدر ما تشغله عنه يكون حكمها، فإن شغلته عن واجب حرمت، وإن شغلته عن مستحب كرهت وهكذا، هذا إذا كانت الأصوات غير محرمة، أما إذا كانت نغمات موسيقية فأهل العلم يفتون بتحريمها، فالمقصود أن على طالب العلم أن يحرص على هذا، لا يشغل نفسه، ولا يكون سبباً في انشغال غيره.
في حال القيام لا أثر، حال الركوع لا أثر، في حال السجود يمد رجله، في حال الجلوس يمد رجله، يأتي بما يستطيع.
يسبح كما يسبح في سجود الصلاة، يشمله ما يشمل سجود الصلاة من نصوص ((اجعلوها في سجودكم)) يعني: "سبحان ربي الأعلى" فهذا الذكر شامل لسجود الصلاة وسجود السهو، بعضهم يستحسن -وهذا من باب الاستحسان- "سبحان من لا يسهو، سبحان من لا يغفل" هذا لا أثر له، لا دليل عليه.
مثل ما ذكرنا، يأتي بما يستطيع.
إذا كان يتقاضى عليه راتب لا يجوز، بل عليه أن يؤدي العمل بنفسه، إذا كان محتسباً متطوعاً وطرأ له ما طرأ ثم وكل الصغير مع قيام الحجة بغيره من المؤذنين فلا بأس، وإلا فالأصل أن المؤذن يشترط أن يكون مكلفاً.
صحيح، صلاتك صحيحة.
يقول: هل هذا صحيح؟
نعم.
وإذا كان أمامي امرأة وذلك للزحام فماذا..؟
إذا كان أمامك امرأة لا تصلِّ.