شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (106)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة نختم بها -بإذن الله تعالى- كتاب الإيمان في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع شيخنا الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث "جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: بايعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول جرير -رضي الله عنه-: " بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" المبايعة هي عقد العهد وقد تقدم شرحها في حديث البيعة الذي يرويه عبادة بن الصامت، "على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وقد تقدم أيضًا بيان معنى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال القاضي، يعني عياض: اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما، ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة الذي جاء في بعض روايات الحديث.

قال ابن حجر: زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنِّف في البيوع عن طريق سفيان، عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد البجلي، وله في الأحكام: ولمسلم من طريق الشعب عن جرير قال: بايعت النبي –عليه الصلاة والسلام- على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت «والنصح لكل مسلم».

ورواه ابن حبان من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه: فكان جرير إذا اشترى شيئًا أو باع شيئًا يقول لصاحبه: اعلم إن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر.

وروى الطبراني في ترجمته، ترجمة جرير -رضي الله عنه-، أن غلامه اشترى له فرسًا بثلاثمائة، فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال: إن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم. وكان إذا قوَّم سلعةً، بصَّر المشتري بعيوبها، ثم خبره، فقيل له: إذا فعلت كذلك لم ينفذ لك بيع، فقال: إنما بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم. مَن يصنع مثل هذا؟ يصنعه لأن الدنيا لا شيء بالنسبة للآخرة.

المقدم: رضي الله عنه.

أما من كان همه الدنيا، وأنه إذا أضاع شيئًا منها ولو كان يسيرًا، فصارت خسارته فادحة، لا يصنع مثل هذه الأمور كما هو حال كثير من المسلمين.

قال القرطبي: كانت مبايعة النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر، فلذلك اختلفت ألفاظهم.

وقول "فيما استطعت" رُوِّيناه بفتح التاء "فيما استطعتَ"، وضمه "فيما استطعتُ"، فإذا كانت "فيما استطعتَ" كانت من قول النبي –عليه الصلاة والسلام-، وإذا كانت "فيما استطعتُ" كانت من نقل جرير -رضي الله عنه- عن قول النبي –عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: وليست في هذا اللفظ الذي معنا؟

لا، في رواية مسلم: "فلقنني فيما استطعت".

والمقصود بهذا التنبيه أن اللازم من الأمور المبايَع عليها هو ما يطاق، كما هو المشترط في أصل التكليف، {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [سورة البقرة 286] كما هو في أصل التكليف، ويشعر الأمر بقوله ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو، والله أعلم.

وفي شرح ابن بطال: والنصيحة فرض يجزئ فيه من قام به، يعني فرض كفاية، يجزئ فيه من قام به ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا عَلم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، وأما من خشي الأذى، فهو في سعة منها، لكن الخشية هذه لا بد أن تكون غلبة ظن، يعني ليس بوهم وتوقع، ثم يُترَك الأمر والنهي والنصح، لا، إذا كان غلبة ظن أنه يتضرر في نفسه أو بدنه أو ماله أو ولده، فإن له مندوحة حينئذٍ، ومع ذلك، ولو خشي وغلب على ظنه الضرر، بل جزم بالضرر، ونصح وارتكب العزيمة، فأجره أعظم، لكن السكوت في مثل هذه الحالة رخصة.

قال أبو بكر الآجري: ولا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس، حتى يخالفها بعلم.

هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في سبعة مواضع:

الأول: هنا، في كتاب الإيمان: باب قول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقوله تعالى: {إِذَا نَصَحُوا لِلهِ وَرَسُولِهِ} [سورة التوبة 91] قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، ومضى الكلام في المناسبة.

الثاني: في كتاب مواقيت الصلاة: باب البيعة على إقام الصلاة. قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا قيس عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-... الحديث. المناسبة ظاهرة، البيعة على إقام الصلاة، بايعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، فباب البيعة على إقام الصلاة، المناسبة بينها وبين الحديث ظاهر، ومناسبة الباب أيضًا للكتاب ظاهرة.

المقدم: يجعلون -أحسن الله إليك- من الأطراف أيضًا الحديث الذي يليه، يجعلونه من أطراف الحديث، موضع آخر.

نحن نتكلم عن الحديث، ولذلك ما ذكرناه.

المقدم: لأنه مذكور في أطرافه عندنا فأنت ذكرت ما يليه إذًا.

الذي يليه سنذكره أصل بالأصل، لأنه ذكره المختصِر.

المقدم: نعم.

الثالث: في كتاب الزكاة: باب البيعة على إيتاء الزكاة، حدثنا ابن نمير قال: حدثني أبي قال: حدثنا إسماعيل عن قيس قال: قال جرير بن عبد الله: بايعت النبي –صلى الله عليه وسلم-... فذكره. والمناسبة ظاهرة، باب البيعة على إيتاء الزكاة، منصوص على إيتاء الزكاة في البيعة.

الرابع: في كتاب البيوع: بابٌ هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟ وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له» ورخص فيه عطاء، حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس: سمعت جريرًا -رضي الله عنه- يقول: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم. والمناسبة ظاهرة؛ لأن مَن يبيع بغير أجر غرضه النصح غالبًا، بخلاف من يبيع بأجر، فإن الغرض غالبًا مُنْصَبٌّ على الأجر.

الخامس: في كتاب الشروط: باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت جريرًا -رضي الله عنه- يقول: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشترط عَلَيَّ: «والنصح لكل مسلم». مناسبة قوله: فاشترط عَلَيَّ لكتاب الشروط ظاهرة، ومناسبة "بايعت" لقوله في الترجمة: "والمبايعة" ظاهرة أيضًا.

السادس: في الباب السابق من الكتاب السابق: قال حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال... فذكره، والمناسبة تقدم ذكرها في الحديث السابق.

السابع، الموضع السابع: في كتاب الأحكام: بابٌ كيف يبايع الإمام الناس. حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا سيار عن الشعبي عن جرير بن عبد الله قال: بايعت النبي-صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت «والنصح لكل مسلم».

المراد بالأحكام، قوله كتاب الأحكام، هل المراد بها العموم، يعني جميع الأحكام؟ الأحكام العملية و.. هل المراد بها هذا؟ كتاب الأحكام، هل المراد بها الطهارة والصلاة والزكاة والبيوع والمعاملات والمناكحات؟ المقدم: لا.

المراد بالأحكام ما يتعلق بحقوق الحاكم والمحكوم، ومناسبة الباب ظاهرة، يعني لأي شيء؟ للكتاب، مناسبة الباب للكتاب ظاهرة، كيف يبايع الإمام الناس، والأحكام ما يتعلق بحقوق الحاكم والمحكوم. إذًا المبايعة من حقوق الحاكم، ومناسبة الحديث للباب أظهر، كيف يبايع الإمام الناس، لقول جرير: بايعت النبي –عليه الصلاة والسلام- على السمع والطاعة، يبايعهم على هذا، إلى آخر ما جاء في الحديث.

الحديث الذي يليه.

المقدم: قال -رحمه الله-:

"وعنه -رضي الله عنه- قال: إني أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قلتُ: أبايعك على الإسلام، فشرط عَلَيَّ: «والنصح لكل مسلم» فبايعته على هذا."

قوله "عنه"  أي عن جرير بن عبد الله البجلي، راوي الحديث السابق، ويظهر أنهما حديث واحد. ترجم الإمام البخاري عليهما ترجمة واحدة. وللحديث قصة ذكرها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- فقال: حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا أبو عوانة، أبو النعمان اسمه ماذا؟ الوضَّاح بن عبد الله اليَشْكُري، قال: حدثنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول: يوم مات المغيرة بن شعبة قام فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، يعني هذا من باب التقريب والطَّمأنة، يطمئنهم على ذلك، ولئلا يترك فرصة لمن أراد الإخلال بالأمن، لما مات الأمير، هذا الظرف مظنة لذلك، فقام فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم؛ يعني اطلبوا له العفو، وفي رواية: استغفروا، فإنه كان يحب العفو، والجزاء من جنس العمل. في حديث الرجل من بني إسرائيل الذي كان يداين الناس، وكان ماذا؟

المقدم: يتجاوز عن المعسر.

فتجاوز الله عنه.

ثم قال: أما بعد، فإني أتيت النبي –صلى الله عليه وسلم- قلت: أبايعك على الإسلام فشرط عَلَيَّ: «والنصح لكل مسلم» فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم، ثم استغفر ونزل. حثهم على أمور، على التقوى، حثهم على الوقار والسكينة.

كان المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- واليًا على الكوفة في خلافة معاوية -رضي الله عنه-، وكانت وفاته سنة خمسين من الهجرة، واستناب عند موته ابنه عروة، وقيل استناب جريرًا المذكور، ولهذا خطب الخطبة المذكورة.

وعندي: لا يلزم من الخطبة المذكورة الإنابة لماذا؟ لأن الخطبة المذكورة من النصيحة التي بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها. خطبهم وحثهم على التقوى، وعدم ارتكاب ما حرمه الله -عز وجل- دائمًا، لاسيما في مثل هذه الظروف الذي هي مظنة لانفراط حبل الأمن، يعني موت الخليفة، موت الوالي مظنة، فلا بد من أن يُحَث الناس على تقوى الله -عز وجل- في مثل هذا الظرف، حثهم على الوقار وهو الرزانة، والسكينة وهي السكون والطمأنينة، حتى يأتيكم أمير، أمير بدل المغيرة من قبل الإمام الأعظم معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، ومفهوم الغاية هنا ليس مرادًا، مفهوم الغاية، حثهم على التقوى والسكينة والوقار حتى يأتيكم أمير، مفهوم الغاية أنه إذا جاءكم أمير...

المقدم: لا تلتزموا...

لا تلتزموا، لا تقوى ولا سكينة ولا وقار.

المقدم: وهذا ليس مرادًا.

وهذا ليس مرادًا، بل يلزم ذلك بعد مجيء الأمير...

المقدم: زيادة.

من باب أولى. ثم قال: الآن، حتى يأتيكم أمير الآن، وأراد بذلك تقريب المدة تسهيلاً عليهم، وكان الأمر كذلك، لأن معاوية لما بلغه موت المغيرة، كتب على نائبه على البصرة، وهو زياد، أن يسير إلى الكوفة أميرًا عليها، ثم قال: استعفوا لأميركم، أي اطلبوا العفو من الله، وفي رواية: اسغفروا، ثم ذكر علة ذلك بقوله: فإنه كان يحب العفو، ففيه إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل. ثم قال: أما بعد، "أما" حرف شرط و"بعد" قائم مقام الشرط مبني على الضم، وهي سنة الخطب والمكاتبات، ثابتة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- بهذا اللفظ.

المقدم: أما بعد.

أما بعد، كثير من الناس يكتب: وبعد، لا تجزئ هذه عنها، لا بد من الإتيان بها على اللفظ ليتم الامتثال، وليست بحاجة إلى... في ماذا؟ شرح حديث هرقل، في كتاب النبي –عليه الصلاة والسلام- الذي بعثه إليه، فإني أتيت النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان ذلك في رمضان سنة عشر فأسلم وبايعه.

على الخلاف في وقت مجيئه إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-.

قال ابن حجر في الإصابة: واختلف في وقت إسلامه، ففي الأوسط للطبراني من طريق حصين بن عمر الأحمصي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أتيته فقال: «ما جاء بك؟» قلت: قلت جئت لأسلم، فألقى إليَّ كساءه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».

حصين فيه ضعف، ولو صح، يقول ابن حجر، يحمل على المجاز، أي لما بلغنا خبر بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أو على الحذف، لما بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم دعا إلى الله، ثم قدم المدينة، ثم حارب قريشًا وغيرهم، ثم فتح مكة، ثم وفدت عليه الوفود، جئتُ، لا بد من هذه التقديرات كلها لنوجِّه هذا اللفظ، لكنه ضعيف، ما يحتاج إلى توجيه.

وجزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأربعين يومًا، في الرواية التي سبقت: لما بعث، وقول ابن عبد البر قبل وفاة النبي –عليه الصلاة والسلام- بأربعين يومًا، بَوْن شاسع، قال ابن حجر: وهو غلط، ففي الصحيحين عنه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: «استنصت الناس» في حجة الوداع. وجزم الواقدي بأنه وفد على النبي –صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه إلى ذي الخَلَصَة كان بعد ذلك، وأنه وافى مع النبي –عليه الصلاة والسلام- حجة الوداع من عامه، قال ابن حجر: وفيه عندي نظر؛ لأن شريكًا حدث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن أخاكم النجاشي قد مات» الحديث أخرجه الطبراني، فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر؛ لأن النجاشي مات قبل ذلك.

سائل: أحسن الله إليك يا شيخ.

نعم.

سائل: في إسلام جرير وقصته....

إلا بعد المائدة، نعم.

سائل:.......

نعم، لأنه متأخر الإسلام، لكن لا يعني أنه مات قبل وفاة النبي –عليه الصلاة والسلام- بأربعين يومًا قطعًا، لأنه حج مع النبي –عليه الصلاة والسلام- حجة الوداع، ووفاته –عليه الصلاة والسلام- بعد حجة الوداع بأشهر، وهو متأخر الإسلام بلا شك، وإسلامه بعد المائدة، لكنه لا يعني أنه مات قبل النبي –عليه الصلاة والسلام- بأربعين يومًا، لا.

سبق شرح الحديث في الذي قبله، يعني جُمَل الحديث تقدمت، ثم قال -رضي الله عنه-: "ورب هذا المسجد" أقسم -رضي الله عنه- على هذا الأمر المهم، وفي هذا دليل أن هذه الخطبة كانت في مسجد.

قال ابن حجر: ويجوز أن يكون أشار إلى جهة المسجد الحرام، وهو أين؟ في الكوفة، أشار إلى جهة المسجد الحرام، يقول: ويدل عليه رواية الطبراني "ورب الكعبة". لو قال "ورب المسجد"، قلنا أن المسجد يطلق به المسجد...

المقدم: الحرام.

ينصرف إلى مسجد الحرام، "ورب هذا المسجد" الإشارة إلى القريب، يقول: يدل عليه رواية الطبراني: "ورب الكعبة" وذكر ذلك للتنبيه على شرف المقسَم به ليكون أدعى إلى القبول. قوله: "إني لناصح لكم" إشارة إلى أنه وفَّى بما بايع عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأن كلامه لمجرد النصح، لا لغرضٍ آخر؛ لأنه قد يقول قائل: لما مات المغيرة رقي المنبر وخطب الناس، قد يقول قائل من أجل لعله استشرف للولاية بعد المغيرة، قام وجاء بكلام يطمئن الناس ويسكنهم لعله أن يقع من قلب معاوية موقع فيعينه أو يوليه بدل المغيرة. لا، أَقسم أنه لناصح لكم، لأنه بايع النبي –عليه الصلاة والسلام- على النصح لكل مسلم وامتثل ذلك في حياته كلها، حتى في أموره الخاصة امتثلها، في البيع والشراء فضلاً عن نصح عامة المسلمين في مثل هذا. ثم استغفر ونزل، هو أيضًا مشعر بأنه خطب على منبر، أي المراد قعد لأنه في مقابلة قوله قام فحمد الله تعالى.

قال ابن حجر في قوله في الحديث: النصح لكل مسلم، التقييد بالمسلم للأغلب، وإلا فالنصح للكافر معتبَر، ونصحه بأن يُدْعَى إلى الإسلام، ويشار عليه بالصواب إذا استشار، ما يُغَش ولا الكافر، لا يُغَش ولا الكافر، يشار عليه بالصواب إذا استشار، ومن نصحه، بل من أهم ما يُنصَح به أن يُدعَى إلى الإسلام، ومن تمام نصحه أن يُلزَم بالإسلام إذا اقتضى الأمر ذلك، إذا رفض أن يدخل في الإسلام ولم يدفع الجزية، إذًا يرغم على الدخول في الإسلام.

وكتاب الإيمان الذي فرغنا من شرح أحاديثه مع بدء الوحي الذي تقدم قبله، هو في الأصل مشتمل على أحد وثمانين حديثًا بالمكرر، منها في بدء الوحي خمسة عشر، وفي الإيمان ستة وستون، المكرر منها ثلاثة وثلاثون، وعدتها في المختصَر كم؟

المقدم: المختصَر ثلاثة وخمسون.

ثلاثة وخمسون. إذا حذفنا الثلاث والثلاثين من واحد وثمانين في الأصل، ثمانية وأربعون بدون تكرار، كيف صارت ثلاثًا وخمسين حديثًا في المختصَر؟

الأخ الحاضر: حديث جرير.....

أورده مرتين، كرره، حديث الأعمال بالنيات أيضًا، يعني هو يذكر بعض الجُمَل الزائدة في بعض الأحاديث في موضع دون موضع، ويوضع له رقم، وإلا فالأصل هو جزء من الحديث الذي ذكره في الموضع الأول.

المقدم: مع أنه يا شيخ سيأتينا في كتاب البيوع، لا يذكر حديث جرير، مع أن هناك زيادة مهمة في قوله: "والسمع والطاعة". في كتاب البيوع ألغاه الحديث.

لا، البيوع النصح، النصح لكل مسلم.

المقدم: النصح عندنا هنا يا شيخ، لكن في كتاب البيوع السمع والطاعة ليست موجودة هنا، وهي موجودة في كتاب البيوع، ولفظة زائدة، وعليها...

لكنها جاءت في حديث عبادة بن الصامت، هو يحاول أن يختصِر بقدر الإمكان من ألفاظ المتون، هو لا يعنيه أن يكون حديث عبادة حديثًا وحديث جرير حديثًا آخر، يهمه المتن، هذه عادة المختصرِين، ولذا قد يقول قائل: لماذا صارت أحاديث التجريد ألفين؟ وعدة أحاديث البخاري من غير تكرار ألفين وخمسمائة وحديثين؟ يعني كيف؟ أين ذهبت خمسمائة حديث؟ المختصِر يهمه...

المقدم: ألفاظ المتن.

ألفاظ المتن، يعني كون ابن حجر يعد بدون تكرار ولو اتحد المتن، حديث جرير حديث، وحديث عبادة حديث، ولو جاء بلفظ الحديث، بلفظ الخبر عن أبي هريرة عده حديثًا ابن حجر، يعني ما لا يريده في المختصر؛ لأنه يبني عنه الحديث الآخر، وهنا تقع الاختلاف.

وعدته في المختصَر ثلاثة وخمسون حديثًا بما في ذلك المكرر من جملة ونحوها، كحديث الأعمال بالنبات، وحديث جرير، آخر الأحاديث، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة حيث أنهينا كتاب الإيمان من هذا الكتاب، سنبدأ في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى- مع بعض أسئلتكم واستفساراتكم حول كتاب الإيمان التي وصلت بالإضافة إلى أن نبدأ في كتاب العلم من هذا الكتاب، موعدنا يتجدد بكم -بإذن الله-.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.