شرح مختصر الخرقي - كتاب الزكاة (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- باب زكاة الذهب والفضة" وهما النقدان المعروفان اللذان بهما تتداول السلع وتُقضى بهما الحاجات ويعبِّر عنهما المعاصرون بعصب الحياة، لولا أن الله- جل وعلا- سخَّر ويسَّر وهدى الناس إلى التعامل بهذين النقدين وما يقوم مقامهما لاضطربت أحوالهم، ويقوم مقام الذهب والفضة العملات من سائر الموادّ، بعض العصور المتقدمة تداولت عملات من حديد ومن نحاس ومن جلود إلى أن آل الأمر إلى أن يكون التعامل بالورق الذي لولا أنها حلّت محل الذهب والفضة وعلى هذا جرى الناس لما كان لهذه الورقة مزية على غيرها من الأوراق التي لا قيمة لها، يعني قيمتها في حكم العدم، ورقة واحدة أو ربع ورقة فلا قيمة في الحقيقة لولا أن الناس تعارفوا واصطلحوا على إنزالها منزلة الذهب والفضة، صاروا يتعاملون بها وجرى عليها عملهم وعرفهم فأخذت حكم الذهب والفضة فتجب فيها الزكاة ويجري فيها نوعا الربا الفضل والنسيئة وإلا فالأصل أن الورق إذا لم يعد للتجارة لا زكاة فيه ولا يجري فيه الربا، لكن لما نُزِّلت هذه الأنواط وهذه الأوراق منزلة الذهب والفضة صار للبدل حكم المبدل وما يقال وما يتداول ويشاع في هذه الأيام أنها كغيرها من الأوراق لا شك أنه مكابرة، لا تقول أعطني هذه الورقة الزرقاء وأعطيك أجمل منها يرضى؟ لا يرضى لكن ليجعل جميع المعاملات التي تتداول مباحة لا يجري فيها لا ربا فضل ولا ربا نسيئة ولا يوجب فيها زكاة، الذين يملكون المليارات من النقود ما عليهم زكاة إذا قلنا أنها ليس لها حكم الذهب والفضة، ولا شك أن هذا اللازم باطل لأنها أموال لغة وحقيقة وعرفًا وشرعًا، يلزم على هذا القول تعطيل زكاة الأموال ويلزم عليه أيضًا ارتفاع شيء اسمه الربا المقرر في النصوص القطعية من الكتاب والسنة؛ ولذا فهذا القول شاذ مطّرح لا يعول عليه والقول المحرر المقرر عند عامة أهل العلم ممن يعتد بقوله أن البدل له حكم المبدل؛ لأنه يلزم على القول الثاني لوازم باطلة والقول الذي يلزم عليه لوازم باطلة باطل بلا شك، تأتي إلى صاحب المليارات يقول أنا والله ما عندي لا ذهب ولا فضة عندي مليار في البنك إذا احتجنا شيئا اشتريناه نقول ما عليك زكاة؟

طالب: بناء على قول القائل لا زكاة...

نعم لكنه قول باطل لأنه يلغي الزكاة ويرفع هذا الركن من أركان الإسلام، يبقى أمور يعني شيء يسير بالنسبة للأموال، يعني إذا أبدلت مالك من بهيمة الأنعام مثلاً أو لنمثل بالبترول، إذا أُبدل البترول بهذه الأوراق قبل حلول الحول عليه معناه ليس فيه زكاة لأنه انتقل إلى ما لا زكاة فيه؟ ولا شك أن هذا القول مُلغي لهذا الركن من أركان الإسلام وأيضًا رافع لجريمة الربا التي هي حرب لله ورسوله والمقرر عند أهل العلم أن البدل له حكم المبدل.

طالب: ..........

قيل أول ما ظهرت، يعني تردد بعضهم هل هي للتجارة أو عروض أو نقد أو بدل من الذهب والفضة مجرد تردد لكن استقر القول بأن لها حكم الذهب والفضة، قال- رحمه الله-: "ولا زكاة فيما دون المائتي درهم" لأن نصاب الفضة مائتا درهم في كل خمس أواقٍ صدقة، والأوقية أربعون درهمًا، ولا زكاة في مال الرجل حتى يبلغ مائتي درهم فإن كانت تسعين ومائة فلا زكاة فيها إلا أن يشاء ربها، لا بد أن تبلغ مائتي درهم وقيمتها بالعملات الموجودة وزنها ست وخمسون ريـالا عربيا من الفضة، زنة المائتي درهم تعادل ستا وخمسينا ريـالا عربيا من الفضة ثم بعد ذلك ينظر في قيمة الستة والخمسين بالعملات الورقية وليست ثابتة تزيد وتنقص تبعًا لارتفاع قيمة الفضة "إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض تجارة فيتم" لو عنده مائة درهم وعنده عشرة مثاقيل أو عنده ما قيمته مائتا درهم من عروض التجارة مما يعد للتجارة فإن هذا يكمل مع هذا ويُكمَّل به النصاب فتجب عليه الزكاة، من أهل العلم يقول لا تكميل؛ لأن النصاب محدد "ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورِق صدقة" والذي عنده مائة درهم يصدق عليه أن ما عنده دون الخمس أواقي وما دون الخمس أواق ليس فيها صدقة، والخلاف في ضم الذهب إلى الفضة تقدم لكن هو المعتمد عند أهل العلم وفي المذهب وإن رُوي عن الإمام أحمد الرواية الأخرى "إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به" فيتم به يعني النصاب وكذلك دون العشرين مثقالاً يعني من الذهب النصاب عشرون مثقالاً ويعادل..

طالب: ..........

المقصود أنه بالريـال العربي المعروف ست وخمسون ريـالا ثم تسأل عن قيمة الستة والخمسين ريـالا بالورق، تسأل أهل الذهب والفضة أهل الصَنعة فإذا قالوا لك الريـال يباع مثلاً بخمسين أنت تضرب الخمسين في ست وخمسين أو أربعين أو أقل أو أكثر "وكذلك دون العشرين مثقالاً" وتعادل بالجنيه السعودي الذهبي، الذهب أحد عشر جنيها وأربعة أسباع الجنيه، طيّب قد يقول قائل كيف نقوِّم عروض التجارة؟ هل نقومها بالذهب أو بالفضة لأن التفاوت كبير بين الذهب والفضة، إحدى عشر جنيها وأربعة أسباع الجنيه، الجنيه بكم؟ يزيد على خمسمائة ريـال أو ستمائة ريـال فيكون النصاب على هذا يقارب سبعة آلاف لكنه بالفضة مهما قلنا أن الريـال العربي الفضي بخمسين مثلاً فما تزيد على ألفين وخمسمائة أو ثلاثة آلاف جنيه ريـال، هذا عنده عروض تجارة قيمتها أربعة آلاف نقول زكي أو لا تزكي؟ يزكى لماذا؟ بلغت نصاب الفضة، لكن يقول أنا لا أنا مزكي لأنها لم تبلغ نصاب الذهب، هم اختلفوا في الأصل هل هو الذهب أو الفضة في القطع في السرقة إذا اختلف ربع الدينار عن ثلاثة دراهم هل الأصل الذهب أو الأصل الفضة أو هما أصلان؟ وقل مثل هذا في الديات هل الأصل الإبل أو بقية الأنواع من البقر والغنم كلها أصول؟ الذي يظهر أن كلا من الذهب والفضة أصل فإذا بلغ النصاب بالنسبة لأحدهما لزمته الزكاة وكذلك دون العشرين مثقالاً "فإذا تمت ففيها ربع العشر" ففيها ربع العشر فأربعة آلاف درهم واضحة فيها مائة درهم وقل مثل هذا في مائة ألف ريـال لأن البدل له حكم المبدل ربع العشر فيكون في المائة ألف، ألفان وخمسمائة.

طالب: ..........

أي نعم مثل السعي لكن الناس تجود أنفسهم بالسعي ولا تجود بالزكاة اثنان ونصف بالمائة وكذلك دون العشرين مثقالاً "فإذا تمت ففيها ربع العشر" في كتب الأصول في الزيادة المتميزة وغير المتميزة قالوا كمن أدَّى دينارًا عن عشرين، الزيادة على القدر الواجب يفرقون بين ما إذا كانت متميزة عن الأصل فيُحكم بأنها تطوع وإذا كانت غير متميزة فالخلاف معروف، مثّلوا بقولهم كمن أدى دينارًا عن عشرين، العشرون زكاتها نصف دينار فمن أدى دينارا كاملا عن العشرين هل يجب عليه الدينار الكامل أو يجب عليه النصف والنصف الثاني نفل، قالوا إذا كان متميزا نصف مصكوك بمفرده والثاني كذلك فالواجب أحدهما والثاني نفل، وقل مثل هذا في زكاة الفطر لو أن شخصًا دفع خمسة آصع متميزة كل واحد بكيس فالواجب واحد والبقية نفل، لكن إذا كانت مجموعة في كيس واحد على الخلاف وهذه قاعدة يحتاج إليها في كثير من الأبواب ومن أطرف ما قيل من فروع هذه القاعدة أن المسبوق إذا دخل والإمام راكع وقد انتهى من القدر الواجب من التسبيح وأدركه فيما زاد على الواحدة من التسبيح وما زاد على الواحدة نفل ثم يأتي مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل يعني مسائل تتفرع عن بعض القواعد يعني لا يلقي لها كثير من طلاب العلم بالا وهي في غاية الأهمية، فمعرفة القواعد سواء كانت الفقهية أو الأصولية مهمة جدًا في حياة طالب العلم توفر له الكثير وتفتح له آفاقا، وكذلك الضوابط يحتاجها طالب العلم، نعم قد يوجد في بعض هذه القواعد بل في بعض فروع هذه القواعد ما فيه نص، إذا وجد نص قضى على كل ما يقال، لكن المسألة إذا خلت القاعدة من النصوص فتجرى القاعدة على متمها عند أهل العلم وهناك قواعد كلية لا يخرج عنها شيء وهناك قواعد أغلبية "ففيها ربع العشر وفي زيادتها وإن قلّت " ما يقال تنتظر الزيادة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ولا ينتظر في الذهب زيادة حتى يبلغ عشرين مثقالاً، مائتا درهم وعشرة دراهم فيها خمسة دراهم، في المائتين وفي العشرة ربع وهكذا، وقل مثل هذا في الذهب، وقل مثل هذا في البدل الذي هو الأوراق "وإن قلّت" ما يستأنف النصاب من جديد إذا زادت على المائتين أو على العشرين، قال- رحمه الله- "وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره" وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره، هذه المسألة من المسائل التي كثر فيها الكلام لأهل العلم والمذهب كما ذكر المؤلف- رحمه الله- بل هو قول الجمهور مالك والشافعي وأحمد ليس فيها زكاة، وفي المسألة حديث واحد وآثار فالحديث حديث جابر ليس في الحلي زكاة مرفوعًا رواه الدارقطني والبيهقي، وهو مما تفرد به عافية بن أيوب، البيهقي يقول لا أصل له، فعافية بن أيوب مجهول وابن حجر وغير ابن حجر نقلوا عن أبي زرعة أنه وثقه، ونقل كلامهم الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان أنه وثّقه أبو زرعة وثّق عافية بن أيوب ومادام العلة في عافية وقد وثّقه من يعتد بقوله من أهل العلم يكفي:

وصُحِّح اكتفاؤهم بالواحد

 

جرحًا وتعديلاً خلاف الشاهد

ومن أطلق عليه الجهالة غاية ما هنالك أنه ما عرف عنه شيئا، وكثيرًا ما يقول أهل العلم مجهول أبو حاتم بالذات مجهول أي لا أعرفه، ومع الأسف أن من يتصدر للكلام في وسائل الإعلام يبني على هذه الجهالة أحكاما ويطعن في أحاديث صحيحة؛ لأن أبا حاتم قال في راوٍ من رواتها مجهول، أبو حاتم أيضًا ذكر شخصًا وقال من المهاجرين الأولين مجهول، فالجهالة عنده ليست بقدح في الراوي فقد يطلقها لعدم معرفته به، وقد يطلقها بإزاء قلة مرويِّه وإلا هذا من المهاجرين الأولين وما يعرفه أبو حاتم؟ ويمكن أن يقال في صحابي أنه مجهول من المهاجرين الأولين؟ ما يمكن أن يقال مثل هذا في صحابي، فإذا روى حديثا قُبل بالاتفاق، بالإجماع مقبول حديثه، وإن قال أبو حاتم مجهول نظرا لقلة حديثه، فالذي لا يعرف اصطلاحات أهل العلم وينزِّل كلامهم النظري على مواقع الاستعمال العملي هذا يَضِل ويُضِل- نسأل الله العافية- «حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» على أن الجهالة في أصلها عند أهل العلم يختلفون هل هي جرح مباشر في الراوي أو عدم علم بحاله؟ فإذا كانت جرحا يضعف بها الخبر عند من يعتبرها جرحا لاسيما من المتأخرين، ولذلك يذكرون لفظ "مجهول" في ألفاظ التجريح ومن يقول إنها عدم علم بحال الراوي ما تصير تجريحا ولا تكون تجريحا ولا تؤثر في الخبر ولا يقابَل بهذه الجهالة قول من عرف؛ لأن من علِم حجة ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، أبو حاتم في مئات الرواة قال مجهول أي لا أعرفه هل يضير الراوي ألا يعرفه أبو حاتم بعدما عرفه غيره من الأئمة؟ لا يضيره لأنه يكفينا واحد من الأئمة المعتبرين يوثق لاسيما في مقابل من جرح جرحًا غير مفسَّر والواحد يكفي.

وصُحِّح اكتفاؤهم بالواحد

 

جرحًا وتعديلاً خلاف الشاهد

ابن حجر في النخبة يقول ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحًا أو تعديلاً أو جهالة، فالجهالة قسيم للجرح وليست قسما منه ويأتي من يأتي ممن يضعِّف بعض الأحاديث الصحيحة ويتصدَّر للناس في وسائل الإعلام وهو لا يعرف شيئًا، يمسك كلمة لأبي حاتم ويطبقها على التقريب هذا ضلال، من يتصدر للناس عليه أن يتضلَّع فيما يريد أن يتكلم فيه ولا يكتفي بالتلفيق بين مناهج أهل العلم في اصطلاحاتهم، كل عالم له منهجه وله طريقته فإذا أردت أن تتكلم عن المجهول عند شخص لا بد أن تعرف اصطلاح هذا الرجل والثقة، لا بد أن تعرف اصطلاح هذا الرجل في التوثيق وتعرف منزلة هذا الرجل وقدم هذا الرجل في هذا العلم، وفي هذا الشأن عافية بن أيوب قال فيه أبو زرعة العلماء ينقلون أنه وثَّقه أبو زرعة والذي في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، سألت أبا زرعة فقال ليس به بأس، وشتان ما بين التوثيق وبين نفي البأس، يعني نفي البأس منزلة متوسطة بين التوثيق والتجريح ويجعلون مروي هذا النوع من قبيل المقبول لكنه ليس من قبيل الصحيح بخلاف ما لو نص على توثيقه يصحح حديثه ولذا صحح الشيخ- رحمه الله- محمد الأمين الشنقيطي حديث جابر لأن أبا زرعة وثَّقه وهو علة الخبر ويقابله قول البيهقي في سننه الحديث لا أصل له؛ لأن عافية مجهول، الحديث المجهول يقال لا أصل له؟! أو يقال ضعيف أو يتوقف فيه على الخلاف في المراد بالجهالة؟

طالب: ..........

عنعنة أبي الزبير عن جابر مؤثرة بلا شك؛ لأن تدليسه شديد فيما عدا صحيح مسلم- لما أكمل كلامي على الحديث  بعد- الحديث وإن صححه من صححه فهو يروى عن جابر مرفوعًا ويروى موقوفا والذي يلوح لي أن الحديث ليست عليه أنوار النبوة بل هو بكلام البشر أليق، "ليس في الحلي زكاة" تجدون كثيرًا من الأحاديث التي يتداولها الفقهاء تجدها بألفاظ العلماء أشبه من كونها من ألفاظ النبوة وأمثلته كثيرة، بعض الناس يسمع الكلام الصحيح كلام صحي ثم يركَّب عليه إسنادا ويُروى على أنه حديث وهذا مأثور عن بعض المتعصبة من أتباع الأئمة، على كل حال الحديث المرجح أنه موقوف على جابر، وهناك أحاديث موقوفة في الباب عن ابن عمر وعن عائشة وعن جمع من الصحابة كلهم يرون أنه ليس في الحلي زكاة إضافة إلى أن الحلي المعد للاستعمال كسائر المتاع الذي يستعمله الناس "ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة" لكن إذا أُعدت هذه الأمور للتجارة فهي تزكى زكاة عروض تجارة، القول الثاني وهو قول الحنفية يرون أن فيه الزكاة وعندهم ثلاثة أحاديث: حديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وآخر عن عائشة، والثالث عن أم سلمة، وفيه أيضًا آثار عن الصحابة أنهم يرون فيه الزكاة، والأحاديث بمجموعها لا شك أنها تصل إلى حد القبول مع الكلام في الأحاديث عند أهل النقد، أيضًا الكلام في مدلول الأحاديث ودلالتها على وجوب الزكاة المفروضة التي هي ركن من أركان الإسلام؛ لأن بعض العلماء وإن أثبت الحديث ناقش في مفاده ومدلوله وقد خالفت عائشة- رضي الله عنها- ما نُقل عنها مرفوعًا فكانت لا تُزكِّي، ويستحيل أن يثبت عندها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجوب الزكاة ثم بعد ذلك تقول لا زكاة في الحلي ولا تخرج الزكاة مع أنها تخرج زكاة اليتامى لئلا يقال أنهم كانوا صغارا فلا تجب، هذا يطِّرد مع مذهب الحنفية أن الصبي والمجنون ما عليهم زكاة لكن عند غيرهم عليهم زكاة فإذا أوجبت الزكاة في مال الصغير من الأيتام وأفتت بعدم وجوب زكاة الحلي ولم تخرج فعلاً مع أن القاعدة عند أهل العلم نأنها أنهاأنه إذا خالف رأيُ الراوي روايته فالعبرة بما روى لا بما رأى، مع أنه يوجِد شيئا من التردد، على كل حال المسألة كما ترون الجمهور لا يرون فيه الزكاة، وفيه حديث جابر وآثار، والحنفية يرون فيه جوب الزكاة وفيه ثلاثة أحاديث كما ذكرنا وفيه آثار، إذا نظرنا من حيث الرجحان بالدليل فالقول بوجوب الزكاة إذا قلنا إن المراد بالزكاة الزكاة المعروفة المشترط لها الشروط المعتبرة والنصاب المعتبر والحول وكل هذه فيها مناقشات بين أهل العلم أجملها الشيخ- رحمة الله عليه- في أضواء البيان أيما إجمال وخرج بنتيجة هي المرجحة عندي أنه لا زكاة فيه إلا من باب الاحتياط؛ لأن النصوص الواردة في إيجاب الزكاة فيه لا تسلم من مقال من جهة، الأمر الثاني: النقاش والأخذ والرد في وجوب الزكاة التي هي المفروضة التي نبحثها ففي دلالتها عليها شيء من التردد والأصل براءة الذمة والإيجاب يحتاج إلى دليل صحيح صريح، وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره منهم من حمل الزكاة الواردة في هذه الأحاديث على أنها الإعارة من باب { وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ } الماعون: ٧  هذا فيه وعيد منع الماعون وكذلك منع الذهب إذا احتيج إليه، المقصود أن الخلاف كما سمعتم والأدلة باختصار هي ما ذكرنا والشيخ- رحمة الله عليه- رجح ما قلنا أنه من باب الاحتياط لما نظر إلى المسألة من جميع الوجوه، يعني نظر فيها من حيث الأدلة واللغة أيضًا والنظر والقياس ثم خرج بهذه النتيجة- رحمه الله- عمومًا الذهب المباح استعماله إذا لم يخرج عن الحد المباح إلى السرف أو كان محرمًا اتخذت آنية كما سيأتي أو اتخذت قلم من ذهب مثلاً لأنه يوجد بعض الأقلام فيها نسبة ويوجد بعض الساعات فيها نسبة هذه تحرم على الرجال بلا إشكال، لكن للنساء القلم ليس من الحلية والساعة تُلحق بالأساور فهي من الحلية.

طالب: أحسن الله إليك الهاتف الجوال الآن يوجد هواتف من ذهب الهواتف يستعملها النساء.

لا يجوز؛ لأنها ليست من التحلي كآنية الذهب والفضة قال "وليس في حلية سيف الرجل ومنطقته وخاتمه زكاة" لأنها مباحة وجاءت فيها الأخبار "والمتخذ آنية الذهب والفضة عاصٍ وفيها الزكاة" متخذ آنية الذهب والفضة عاصٍ سواء كان من الرجال أو من النساء وتقدم القول في هذا في باب الآنية "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" -نسأل الله العافية- وإذا كانت محرمة ففيها الزكاة، نرجع لكلام الشيخ ونأخذه باختصار قال "وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قل أو كثر" الركاز الذي هو في العرف يسمونه الكنز وما يكتنز تحت الأرض أو في جدران أو في غيرها كما وجد وتحدثنا عنه في الدرس السابق الركاز لأنه يُركز ويغرز في جوف الأرض وهو دفن الجاهلية قلَّ أو كثر لا بد أن يكون عليه علامات غير المسلمين، أما إذا كانت عليه علامات إسلامية فمثل هذا حكمه حكم اللقطة يعرّف إن جاء من يعرفه وإلا تملكه قل أو كثر "وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قل أو كثر ففيه الخمس" وفيه الحديث الصحيح المتفق عليه «وفي الركاز الخمس» "لأهل الصدقات" يعني إذا قلنا أن فيه الخمس فيه شوب الفيء، قال ففيه الخمس كأنه فيء عُثر عليه بدون قتال لكنه قال "لأهل الصدقات" للأصناف الثمانية يعني للأصناف التي بينها الله- جل وعلا- من أهل الزكاة "وباقيه فله" أربعة أخماسه لواجده، يُذكر من القصص أن شخصًا اشترى أرضًا فوجد فيها ركازا فذهب إلى البائع فقال له خذ هذا المال فإنه لك أنا اشتريت الأرض ما اشتريت المال ثم قال البائع هو لك أنا بعتك الأرض بما فيها، الآن يندر وجود مثل هذا فاختصما إلى قاضٍ فسأل أحدهما فقال هل لك ولد؟ قال: نعم، وسأل الآخر هل لك بنت؟ قال: نعم، قال: زوج الولد البنت وأنفقا عليهما من هذا المال، هل يقال إن هذا القاضي حكم بهذا الركاز لوالد الذكر لوالد الابن دون والد البنت؛ لأن الأصل أن تجهيز النكاح ومؤونته على الرجل وليست على المرأة؟ وعلى كل حال هذا حل وهذه لا شك أنها من سياسة وحكمة هذا القاضي، لكن الحكم الشرعي في مثل هذا لو صار بالعكس مشاحة، لو قال للبائع أنا ما بعتك والله الركاز أنا بعتك الأرض، وقال المشتري أنا والله شريت الأرض بما فيها إلا إذا عرف أنه لصاحب الأرض، إذا عرف أنه لصاحب الأرض فهو له، قد يكون له ونسيه فهو له ما باع الرِّكاز، وإذا عرف أنه قديم من دفن الجاهلية يكون لصاحب الأرض للمشتري، طيب بعض الناس يبيع أشياء جملة وبعضها مستثنى عرفًا ويحصل فيه شيء من النزاع، يأتي صاحب سيارة إلى الحراج وفي شنطة السيارة أثاث ويحرِّج عليه ويباع بخمسمائة، ستمائة، ألف، ثم يأتي المشتري وينزل المتاع وينزل الإطار الاحتياطي والرافعة يقول أنا اشتريت كل ما في الشنطة هذا له أو ليس له؟ هذا مستثنى عرفًا معروف أن هذا تابع للسيارة وليس تابعا للأثاث، وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قل أو كثر يعني ما ينظر فيه إلى النصاب ففيه الخمس لأهل الصدقات وباقيه فله، يعني لا ينظر فيه إلى النصاب وليس مقدار الزكاة كزكاة النقدين فهو يخالف النقدين من جهات، أولاً: لا ينظر فيه إلى النصاب، الأمر الثاني: أن فيه الخمس لا ربع العشر، الأمر الثالث: أنه يزكيه متى وجده لا ينتظر فيه الحول.

طالب: ..........

قيد نعم.

طالب: ..........

مال كفار يعني الأصل أنه مال كفار ليس لمسلم.

طالب: ..........

لا بد من عرضه على حاكم لا يتموله بنفسه والحاكم يجتهد، على كل حال يقول "وإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالاً" ذهب إلى جبل من الجبال فاستخرج منه من الذهب عشرين مثقالاً سواء كانت خالصة أو مع غيرها مما يصفو منه عشرون مثقالاً "أو من الورِق مائتي درهم أو قيمة ذلك" مما يمكن بيعه "من الرصاص أو الزئبق" أو الزئبق "أو الصفر أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض" يعني مما يمكن بيعه "فعليه الزكاة من وقته" فعليه الزكاة من وقته أو قيمة ذلك من الرصاص أو الزئبق أو الصفر أو غير ذلك، طيّب لو قال أنا أذهب إلى هذا الجبل وأنقل منه حصى يستفاد منها في الردميات وأبيعها هل تأخذ هذا الحكم حكم الرصاص والزئبق والصفر؟

طالب: ليست معدنا يا شيخ.

نعم ليست معادن أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض فعليه الزكاة من وقته لا ينتظر به حولاً ولا يعامَل معاملة عروض التجارة بالنسبة لهذا قياسًا على الركاز والفرق بينه وبين الركاز أن هذا يكون في بطن الأرض وهذا على ظهرها يستخرج منها.

طالب: أحسن الله إليك الملح المستخرج من الأرض هل يعد معدنا؟

الملح لا شك أنه معدن فهل يعامَل معاملة الرصاص أو الزئبق والصفر أو يعامل معاملة ما يستخرج يؤخذ من الجبال ويباع.

طالب: ..........

يعني حكمه أي مستفاد منه وليس بمعدن حكمًا.

طالب: ..........

نعم مثل من ينقل الرمل من الصحاري ينقل الرمل بالدراهم يبيعونه هذا ليس من المعادن فيكون إذا حال على قيمته الحول ومثله الملح والصخر وغير ذلك ننظر في كلام الشيخ- رحمه الله- في زكاة الحليّ.

هذا يقول في مسألة زكاة الحلي هل يُفرق بين الكثير والقليل فبعض النساء يكون حليها عبارة عن صندوق وقد يساوي أكثر من مائة ألف بعكس بعض النساء يكون عندها ما تلبسه فقط فهل يقول أن الأولى يجب عليها الزكاة والثانية لا تجب..؟

هذا عند من يقول بوجوبها يشترط بلوغ النصاب، بعض العلماء حمل أحاديث وجوب الزكاة في الحلي على ما كان في أول الأمر، لما كان الحلي محرما على النساء، لكن يبعد أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-«أتؤدين زكاته؟» فتقول لا، قال «أتحبين أن تسوري بسوارين من نار؟» لأنه سأل عن الزكاة ولو كان المراد بيان التحريم ما يمكن أن يُغفِل الرسول -عليه الصلاة والسلام- أصل المسألة ويتكلم عن فرعها، لا يمكن أن يُغفَل الأصل يترك الدلالة الأصلية وينتقل إلى الفرعية هذا لا يمكن أن يتصور وإن قال به بعض الكبار من أهل العلم قالوا بهذا، الشيخ رحمة الله عليه يقول: المسألة الثالثة: اختلف العلماء في زكاة الحلي المباح فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا زكاة فيه وممن قال به مالك والشافعي وأحمد في أصح قوليهما وبه قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وجابر ابن عبد الله وأنس بن مالك وعائشة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والشعبي ومحمد بن علي والقاسم بن محمد بن سيرين والزهري وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر، وممن قال بأن الحلي المباح تجب فيه الزكاة أبو حنيفة- رحمه الله تعالى- وروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس وبه قال ابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وميمون بن مهران وجابر بن زيد والحسن بن صالح وسفيان الثوري وداود وحكاه ابن المنذر أيضا عن ابن المسيب إلى آخره، قال: وسنذكر- إن شاء الله تعالى- حجج الفريقين ومناقشة أدلتهما على الطرق المعروفة في الأصول وعلم الحديث ليتبين للناظر الراجح من الخلاف، ثم قال- رحمه الله- اعلم أن من قال بأن الحلي المباح لا زكاة فيه تنحصر حجته في أربعة أمور، الأول: حديث جاء بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الثاني: آثار صحيحة عن بعض الصحابة يعتضد بها الحديث المذكور، الثالث: القياس، الرابع: وضع اللغة، أما الحديث فهو ما رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار من طريق عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «لا زكاة في الحلي» قال البيهقي: وهذا الحديث لا أصل له إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع، والذي يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا لا أصل له وعافية بن أيوب مجهول فمن احتج به مرفوعًا كان مغررًا بدينه داخلاً فيما نعيب به المخالِفين من الاحتجاج برواية الكذابين والله يعصمنا من أمثال هؤلاء لكن هذه شدة ليست في مكانها يعني أشد ما قيل في عافية أنه مجهول ما قيل فيه كذاب، لا أحد رماه بالكذب ووضْع الحديث، قال مقيده عفا الله عنه ما قاله البيهقي- رحمه الله تعالى- من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعًا من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد أنه كذاب وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهولاً لأنه لم يطلع على كونه ثقة وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة، وعرفنا أن أبا زرعة قال ليس به بأس وفرق بين ثقة وبين ليس به بأس، قال ابن حجر في التلخيص عافية بن أيوب قيل ضعيف، وقال ابن الجوزي ما نعلم فيه جرحًا، وقال البيهقي مجهول، ونقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة، يعني أو قلد ابن حجر نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة ولا يخفى أن من قال إنه مجهول يُقدم عليه قول من قال إنه ثقة لأنه اطلع على ما لم يطِّلع عليه مدعٍ أنه مجهول ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال فعافية هذا وثقه أبو زرعة والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة إلى آخره، قال: وهذا هو الصحيح فلا شك أن قول البيهقي في عافية أنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة أنه ثقة؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وإذا ثبت الاستدلال بالحديث المذكور فهو نص في محل النزاع، ولا شك أنه نص لو ثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام- لكن يعني في نقدي أن أنوار النبوة ليست ظاهرة عليه ليس في الحلي زكاة.

طالب: ..........

لا، هو العلة الأقوى التي تكلم فيها أهل العلم عافية وينصون عليها ويدورون عليها، على كل حال أنا لا أرتاح لمثل هذا مع هذا الكلام الذي يقال والتشكيك الذي ذكر يعني ليس في الحلي زكاة كأنه حتى عمّن دون جابر.

طالب: ..........

كثير من الألفاظ التي تدرج يلوكها الفقهاء على أنها مسائل فقهية اجتهادية بعض متعصبة المذاهب يركّب لها إسنادا، يعني رُكِّب إسناد على ما لا دم له سائلة فهو طاهر، يعني هل يُشك بأن هذا من قول الفقهاء وليس من قوله -عليه الصلاة والسلام- والتركيب معروف، قال- رحمه الله- ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه وشدة بحثه عن الرجال قال إنه لا يعلم فيه جرحًا، وأما الآثار الدالة على ذلك فمنها ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحُلي فلا تُخرج من حليهن الزكاة، وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة كما ترى، ومنها ما رواه مالك في الموطأ أيضًا عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناتَه.. بناتَه أو بناتِه؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

بناتَه التاء أصلية ليست مزيدة، أنه يحلي بناتَه وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة وهذا الإسناد عن ابن عمر في غاية الصحة كما ترى، وما قاله بعض أهل العلم أن المانع من الزكاة في الأول أنه مال يتيمة وأنه لا تجب الزكاة على الصبي كما لا تجب عليه الصلاة مردود بأن عائشة ترى وجوب الزكاة في أموال اليتامى فالمانع من إخراجها الزكاة كونه حُليًّا مباحًا على التحقيق لا كونه مال يتيم، وكذلك دعوى أن المانع لابن عمر من زكاة الحلي أنه لجوارٍ مملوكات وأن المملوك لا زكاة عليه مردود أيضًا بأنه كان لا يزكي حلي بناته مع أنه كان يزوج البنت له على ألف دينار يحليها منها بأربعمائة ولا يزكي ذلك الحلي وتركه لزكاته لكونه حليًا مباحًا على التحقيق، قال: ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله في الحلي فقال زكاته عاريَّته ذكره البيهقي في السنن الكبرى وابن حجر في التلخيص وزاد البيهقي فقال وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر كثير كثير يعني يدخل في حد الإسراف، ومنها ما رواه البيهقي عن علي بن سليم قال سألت أنس بن مالك عن الحلي فقال ليس فيه زكاة، ومنها ما رواه البيهقي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوًا من خمسين ألفًا، وأما القياس فمن وجهين، الأول: أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية أُلحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان بجامع أن كلاً معد للاستعمال لا للتنمية سائر متاع الإنسان فرس، عبد، أثاث، قد تبلغ قيمته الألوف المؤلفة ومع ذلك لا زكاة فيه؛ لأنه مستعمل وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك- رحمه الله- في الموطأ بقوله: فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عنده أهله فليس على أهله فيه زكاة، قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك والعنبر زكاة، الثاني من وجهي القياس: هو النوع المعروف بقياس العكس وأشار له في مراقي السعود بقوله في كتاب الاستدلال:

منه قياس المنطقي والعكسي

 

ومنه فقد الشرط دون لبس

وخالف بعض العلماء في قبول هذا النوع من القياس وضابطه إثبات عكس حكم شيء لشيء آخر لتعاكسهما في العلة، ومثاله حديث مسلم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر» الحديث يعني مثل هذا لو أن شخصًا أرصد ما له للإعانة على الجهاد في سبيل الله يؤجر أو ما يؤجر؟ النصوص كلها تدل على أنه مأجور، لكن لو أرصد هذا المال للمفسدين وقطاع الطريق مثلاً نفسه هذا قياس العكس يستعمل في هذا كما أن المال ينفع هؤلاء أيضًا ينفع هؤلاء واسمه قياس العكس، ومثاله حديث مسلم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر» الحديث فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث أثبت في الجماع المباح أجرًا وهو عكس حكم الجماع الحرام لأن فيه الوزر لتعاكسهما في العلة؛ لأن علة الأجر في الأول إعفافه امرأته ونفسه، وعلة الوزر في الثاني كونه زنا، ومن أمثلة هذا النوع من القياس عند المالكية-أطال رحمه الله في هذا- يعني هناك أصل اللغة وأما وضع اللغة قال: فإن بعض العلماء يقول الألفاظ الواردة في الصحيح في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب، يعني الأحاديث والآيات الواردة في زكاة الذهب والفضة لا تشمل الحلي في لسان العرب، قال أبو عبيد الرقة عند العرب الورق المنقوش ذات السكة السائرة بين الناس ولا تطلقها العرب على المصوغ، وكذلك قيل في الأوقية، قال مقيده عفا الله عنه الشيخ محمد الأمين ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب، قال الجوهري في صحاحه الورِق الدراهم المضروبة وكذلك الرِّقة، والهاء عوض عن الواو، وفي القاموس الورِق مثلثة وككتف الدراهم المضروبة وجمعه أوراق ووراق كالرِقة، هذا وحاصل حجة من قال لا زكاة في الحلي وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة فيه؛ لأن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك كمالك إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه، وأما حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة فهي منحصرة في أربعة أمور، الأول: أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أوجب الزكاة في الحلي، والثاني: آثار وردت بذلك عن الصحابة، الثالث: وضع اللغة، الرابع: القياس، أما الأحاديث الواردة في ذلك فمنها ما رواه أبو داود في سننه قال حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى.. يعني المعنى واحد المعنى مبتدأ خبره محذوف تقديره واحد أن خالد بن الحارث حدثهم عنه قال حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها «أتعطين زكاة هذا؟» قالت لا، قال «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار» قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-فقالت هما لله عز وجل ولرسوله، وقال النسائي: في سننه قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد عن حسين هو حسين المعلم السابق في سند أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبنت لها في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال «أتوأدِين زكاة هذا؟» قالت لا، قال «أيسرك أن يسورك الله- عز وجل- بهما يوم القيامة سوارين من نار» قال فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت هما لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت حسينا يعني المعلم قال حدثني عمرو بن شعيب قال جاءت امرأة ومعها بنت لها وفي يد ابنتها مسكتان نحوه مرسل قال أبو عبد الرحمن من هو؟ النسائي خالد أثبت من المعتمر يعني أن الموصول أقوى من المرسل وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أقل درجاته الحسن وبه تعلم أن قول الترمذي- رحمه الله- لا يصح في الباب شيء غير صحيح؛ لأنه لم يعلم برواية حسين المعلم له عن عمرو بن شعيب بل جزم بأنه لم يرو عن عمرو بن شعيب إلا من طريق ابن لهيعة والمثنى بن الصبّاح فهو قد تابعهما الحجاج بن أرطاة والجميع ضعاف، ومنها ما رواه أبو داود أيضًا قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عتّاب يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله هذا حديث أم سلمة فقلت يا رسول أكنز هو؟ قال «ما بلغ أن تؤدى زكاته فزُكي فليس بكنز» وأخرجه نحوه الحاكم والدارقطني والبيهقي مفهومه أنه إذا لم يزكَّ فإنه كنز، ومنها ما رواه أبو داود أيضًا قال حدثنا محمد بن إدريس الرازي من هو محمد بن إدريس؟

طالب: ..........

أبو حاتم.. قال حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد أنه قال دخلنا على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى في يدي خاتم من ورق فقال «ما هذا يا عائشة؟» فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول قال «أتؤدين زكاتهن؟» قلت لا، أو ما شاء الله قال «وحسبك من النار» قال حدثنا صفوان بن صالح قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا سفيان عن عمر بن يعلى فذكر الحديث نحو حديث الخاتم قيل لسفيان كيف تزكيه؟ قال تضمه إلى غيره لأنه في يده فتخات من ورِق قد يقول قائل أنها لا تبلغ النصاب، وقيل لسفيان كيف تزكيه؟ قال تضمه إلى غيره وحديث عائشة هذا أخرج نحوه أيضًا الحاكم والدارقطني والبيهقي، وأخرج الدارقطني عن عائشة من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عنها قال لا بأس بلبس الحلي إذا أُعطي زكاته، قال البيهقي- رحمه الله- وانضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة وحديث عائشة وساقهما، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ قالت دخلت أنا وخالتي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أساوِر من ذهب فقال لنا «أتعطيان زكاته؟» فقلنا لا، قال «أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار؟! أديا زكاته» وروى الدارقطني نحوه من حديث فاطمة بنت قيس وفي سنده أبو بكر الهذلي وهو متروك قاله ابن حجر في التلخيص: وأما الآثار فمنها ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار قال كتب عمر إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصّدقن من حليهن وهذا الحديث الصحيح «تصدقن ولو من حليكن» ولا يلزم من هذا أن يكون زكاة لهذا المال إنما أمروا بالصدقة، قال البيهقي: هذا مرسل، شعيب بن يسار لم يدرك عمر، وقال ابن حجر في التلخيص وهو مرسل قاله البخاري، وقد أنكر الحسن ذلك فيما رواه ابن أبي شيبة قال لا نعلم أحدًا من الخلفاء قال في الحلي زكاة، ومنها ما رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود أن امرأته سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة، قالت: أضعها في بني أخ لي في حجري؟ قال: نعم قال البيهقي: وقد روي هذا مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس بشيء، وقال قال البخاري مرسل، ورواه الدارقطني من حديث ابن مسعود مرفوعًا، وقال: هذا وهم والصواب موقوف قاله ابن حجر في التلخيص، ومنها ما رواه البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة وما روي من ذلك عن ابن عباس قال الشافعي لا أدري أيثبت عنه أم لا؟ وحكاه ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما قاله في التلخيص أيضًا، وأما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد، وأما وضع اللغة فزعموا أن لفظ الرِقة ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه الآن في باب الربا يفرق بين المصوغ وغير المصوغ؟ لا يفرق بينهم بين المصوغ وغير المصوغ، نعم من أهل العلم من يرى أن المصوغ حكمه حكم عروض التجارة وأن الصياغة أخرجته من كونه نقدًا لكن هذا قول مرجوح وإن كان في كلام شيخ الإسلام في بعضه ما يدل عليه لكنه مرجوح فيجري فيه الربا ولو كان مصوغًا، فإذا علمت حجج الفريقين فسنذكر لك ما يمكن أن يرجح به كل واحد منهما، أما القول بوجوب زكاة الحلي فله مرجحات منها أن من رواه من الصحابة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر كما قدمنا روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة، وأسماء بنت يزيد، رضي الله عنهم، أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه، فلم يرو مرفوعًا إلا من حديث جابر، كما تقدم وكثرة الرواة من المرجحات على التحقيق كما قدمنا في سورة البقرة في الكلام على آية الربا، ومنها: أن أحاديثه كحديث عمرو بن شعيب ومن ذكر معه أقوى سندًا من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عافية بن أيوب، ومنها أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة لماذا؟ لأن ما دل على الإباحة مبقي على الأصل وما دل على الوجوب ناقل على الأصل ناقل على الأصل ومعروف أن التأسيس أولى من التأكيد، ومنها أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول وإليه الإشارة بقول صاحب المراقي.. إلى آخره، ومعنى قوله ثم إلى آخره ومنها دلالة النصوص الصريحة في وجوب الزكاة في أصل الفضة والذهب وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجبت الزكاة في عينه هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول، وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرمًا على النساء والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقًا، وأما أدلة عدم الزكاة فيه وعرفنا ما فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يطالب بالزكاة التي هي فرع عن التحريم ولا يبين التحريم، وأما أدلة عدم الزكاة فبعد أن صار التحلي بالذهب مباحًا والتحقيق أن التحلي بالذهب كان في أول الأمر محرمًا على النساء ثم أبيح كما يدل له ما ساقه البيهقي من أدلة تحريمه أولاً وتحليله ثانيا وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ووجهه ظاهر؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ومعلوم أن الجمع إذا أمكن أولى من جميع الترجيحات، فإن قيل هذا الجمع يقدح فيه حديث عائشة المتقدم فإن فيه فرأى في يدي فتخات من ورق الحديث والورق الفضة والفضة لم يسبق لها تحريم فالتحلي بها لم يمتنع يوما ما، فالجواب ما قاله الحافظ البيهقي- رحمه الله تعالى- قال: من قال لا زكاة في الحلي زعم أن الأحاديث والآثار الواردة في وجوب زكاته كانت حين كان التحلي بالذهب حراما على النساء فلما أبيح لهن سقطت زكاته، قال: وكيف يصح هذا القول مع حديث عائشة إن كان ذكر الورق فيه محفوظًا غير أن رواية القاسم وابن أبي مليكة عن عائشة في تركها إخراج زكاة الحلي مع ما ثبت من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى يوقع ريبة في هذه الرواية المرفوعة فهي لا تخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه إلا فيما علمته منسوخًا يعني نظير ما قيل أن عائشة كانت تتم وتقصر تتم في السفر وتصوم في السفر مع أنها عرفت أن من هديه -عليه الصلاة والسلام- ترك الصيام في السفر والقصر في السفر فيبعد أن يثبت عنها هذا مع أنها صحبت النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من أسفاره فيستبعد مثل هذا، أيضًا تضعيف المرفوع من حديث عائشة بفعلها وبرأيها ألا يمكن أن يعكس و يقال: عدم إخراجها للزكاة يبعد ثبوته مع أنها روت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن فيه الزكاة؟ مع ما ثبت من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى يوقع ريبة في هذه الرواية المرفوعة فهي لا تخالف النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روته عنه إلا فيما علمته منسوخًا، وقد قدمنا في سورة البقرة الكلام على مخالفة الصحابي لما روى في آية الطلاق، وبالجملة فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه حسبها من النار ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها مع أنها معروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى يعني لئلا يقال أن هؤلاء صغار فلا تجب عليهم الزكاة، فهي ممن يرى وجوب الزكاة في مال الصبي، ومن أجوبة أهل هذا القول أن المراد بزكاة الحلي عاريته ورواه البيهقي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي في إحدى الروايتين عنه هذا حاصل الكلام في هذه المسألة يعني التأكيد على العارية نظير ما جاء في سورة الماعون وعيد شديد الماعون: ٧  فهو من هذه الحيثية التوجيه بأن يعار وزكاة كل شيء بحسبه، إذا قيل لك زك علمك كيف تزكيه؟ زك بدنك كيف تزكيه؟ فزكاة كل شيء بحسبه، قال- رحمه الله-: وأقوى الوجوه بحسب المقرر في الأصول وعلم الحديث الجمع إذا أمكن وقد أمكن هنا، قال مقيده عفا الله عنه هذا خلاصة كلام الشيخ وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» والعلم عند الله تعالى.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...

"