تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله-: "قال: مقيده –عفا الله عنه وغفر له-أما حمل الهدى في آية {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] والدِّين في آية {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ} [الشورى:13] على خصوص التوحيد دون الفروع العملية، فهو غير مُسلَّم".

المؤلف –رحمه الله- يبحث في مسألة شرع من قبلنا، هل هو شرعٌ لنا؟ بمناسبة ذكر آيات القصاص، وما جاء في هذه السورة مما أُشير إليه في شرع من قبلنا {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] يعني في ماذا كتبنا عليهم فيها أن النفس؟ في التوراة، التوراة شرع من قبلنا، والسورة سورة المائدة، وأشرنا في آخر الدروس من السنة الماضية قبل خمسة أشهر أن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، فالذي يقرأ هذه الآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ينتابه أمران:

الأول: أن المكتوب فيه شرع من قبلنا في التوراة، والآية نزلت من آخر ما نزل من القرآن، فعند التعارض هل يُنظر إلى هذه الآية على أساس أنها متقدمة أو متأخرة؟

طالب:........

{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة:45].

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

تقرير ما جاء فيها بالنسبة لشرعنا متأخر، وهي مكتوبةٌ على من قبلنا، يعني مثل ما كُتِب علينا كالصيام، الصيام مكتوب على من قبلنا، لكن كونه مكتوبًا على من قبلنا هل نقول: إنه متقدم، متقدم المشروعية أو هو بالنسبة لنا من شرائعنا المتأخرة بعد تقرير التوحيد؟

المؤلف وهو يبحث هذه المسألة، ويذكر أقوال أهل العلم فيها بالنسبة لشرع من قبلنا هل هو شرعٌ لنا؟ من أهل العلم من يقول: ليس بشرعٍ لنا، وشريعتنا ناسخة لجميع ما جاء في شرائع من قبلنا من الأنبياء والرُّسل.

ومنهم من يقول: هو شرعٌ لنا؛ لأنه وحيٌ من الله –جلَّ وعلا- وأوامر ونواهٍ جاءت منه، والتفصيل فيما جاء عنهم، وثبت عن أنبيائهم بشرعنا لا مما هو مجرد دعاوى ومُتلقًى من الإسرائيليات، إن جاء في شرعنا ما يُخالفه فليس بشرعٍ لنا، وإن جاء من شرعنا ما يُوافقه فهو شرعٌ لنا بلا تردد.

إذا سُكت عنه في شرعنا ما جاء ما يُخالف، ولا ما يُعارض بالنسبة للتوحيد وأصول الدين الأنبياء متفقون عليها «نَحْنُ مَعَاشِر الْأَنْبِيَاء أَوْلَاد عَلَّات، دِيننَا وَاحِد» والخلاف في الشرائع الفرعية العملية، وهي التي يتحدث عنها المؤلف، فيقول.

"أما الأول فلِما أخرجه البخاري في صحيحه، في تفسير سورة (ص) عن مجاهدٍ: أنه سأل ابن عباس من أين أُخِذت السجدة في (ص) فقال: أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام:84] {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فسجدها داود، فسجدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

ولا شك أن السجدة من الفروع، وليست من الأصول، مقتضى قوله –عليه الصلاة والسلام-: «نَحْنُ مَعَاشِر الْأَنْبِيَاء أَوْلَاد عَلَّات» أن بين هؤلاء الأنبياء وجه اتفاق، ووجه اختلاف، يتفقون في الأب «أَوْلَاد عَلَّات» يتفقون في الأب، أبوهم واحد، وأمهاتهم مختلفات، كلام من يقول من أهل العلم: إن الاتفاق بين الأنبياء في أصول الدين، والاختلاف في الشرائع {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] يتضح وجه الشبه بين هذه الشرائع، وبين الأنبياء مع شرائعهم مع المُشبَّه به، وهو أولاد العلات.

 لكن على كلام الشيخ، وهو الذي يقول: "أما حمل الهدى في آية {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] والدِّين في آية {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ} [الشورى:13] على خصوص التوحيد دون الفروع العملية، فهو غير مُسلَّم" الشيخ ما يُسلِّم بأنهم يختلفن في الشرائع، إنما يتفقون في أصول الدِّين، الشيخ لا يُسلِّم بهذا، وسوف يستطرد بالأدلة في دعم ما يراه ويتوجه إليه.

الرسول –عليه الصلاة والسلام- لما سجد في (ص) سُئِل ابن عباس من أين هذه السجدة؟ ومن الذي سجد؟ داود -عليه السلام- {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب} [ص:24] يعني هي في شرع من قبلنا، والنبي –عليه الصلاة والسلام- أقرها، فهل إقراره لها بشرع من قبلنا أو بشرعنا؟ لأنه لما سُئِل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في (ص)؟ فقال: "أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام:84]" ثم قال: "{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]".

فالنبي –عليه الصلاة والسلام- مأمور بالاقتداء، فهل الاقتداء في الأصول كما يقوله الجمهور؛ ليُطابق المشبّه به وهم أولا العلات لتتم المطابقة، إذا قلنا: في كل شيء صاروا أشقاء، ما صاروا أولاد علات، إذا قلنا: في الأصول والفروع صار التشبيه بالأشقاء، ظاهر أم ما هو بظاهر؟

الشيخ استدل على أن {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] تشمل الفروع كما تشمل الأصول، والدليل على ذلك أن سجدة (ص) من الفروع، واستدل ابن عباس لسجوده –عليه الصلاة والسلام- بقوله –جلَّ وعلا-: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام:84] إلى أن قال: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

ودخول داود، ودخول السجدة، وهي من الفروع في هذا النص دخول قطعي، لماذا؟ لأن داود منصوص عليه في الآية، والآية متلوة من أجل هذا السجود، فدخول السبب في النص عند أهل العلم أمرٌ قطعي، واضح؟

طالب:..........

نعم.

طالب:..........

منصوص عليه، فدخوله قطعي.

هذا الذي يؤيد كلام الشيخ ويجعله يقول: إن الاتفاق في الأصول والفروع، لكن الذي يُشكل على هذا التنظير بأولاد العلات، فالتنظير المطابق على كلام الشيخ بالأشقاء؛ لأن أولاد العلات يختلفون، والأنبياء ما بينهم اختلاف لا في الأصول ولا الفروع على كلامه {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] أنت تعرف أنه مثل ما ذكرنا أنه إذا جاء في شرعنا ما يؤيد، فهو شرعٌ لنا هي مسألة خلافية، والشيخ يستطرد في المسألة ويوضح ما يُريد.

"فهذا نصٌّ صحيحٌ صريحٌ عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدخل سجود التلاوة في الهدى في قوله: (فبهديهم اقتده)".

{فَبِهُدَاهُمُ} [الأنعام:90].

"في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]".

هذه ميزة طبعة دار عالم الفوائد بإشراف الشيخ بكر، ميزتها أن الآيات برسم المصحف، فإذا قرأ الشيخ إلا إذا كان مُعتمدًا قراءة أخرى، فمن يُؤمَن عليه الخطأ إذا رُسِمت الآية بالرسم المعتاد؟ فإذا قرأ الشيخ (فبهديهم) إلا إن كان الشيخ مُعتمدًا قراءة أخرى.

طالب: أنا قرأت المكتوب.

أنا أقول لك: إن الكتابة إذا كان الشيخ من الحُفاظ ويقرأها هكذا فآحاد الناس؛ ولذلك أحسنوا حينما رسموا الآيات برسم المصحف، قُل مثل هذا في مجموع فتاوى شيخ الإسلام وقع في الآيات أوهام كثيرة حينما طُبِعت بالحرف العادي بحرف المطابع، لما صُوِّرت الفتاوى في مُجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ورسموا الآيات برسم المصحف أُمِن من هذا الخطأ.

طالب:..........

ما هو؟

طالب:..........

نعم، أنت وقفت على اختلاف بين الآيات المرسومة وبين ما يقرأ به الشيخ؟

طالب:..........

على كل حال الطابع عليه أن يعتمد القراءة التي يقرأها المؤلف، وكذلك الشارح، طابع الشرح عليه أن يعتمد الرواية التي اعتمدها الشارح، وذكرنا أمثلة كثيرة جدًّا من فتح الباري حينما يطبع الطابع على غير رواية أبي ذر، والشارح يشرح رواية أبي ذر، وفي تفسير القرطبي حينما يطبع الطابع على رواية حفص عن عاصم، والشارح معتمد رواية ابن عامر، وكذلك ابن كثير وغيرهم.

الشوكاني أيضًا، فالطابع الذي يجتهد ويُدخل شيئًا غير داخل في الأصل، يعني فتح الباري ما فيه متن في الأصل، وكذلك ابن كثير ما فيه آيات، وكذلك القرطبي ما فيه آيات، اجتهد الطابع- جزاه الله خيرًا واحتسب- وطبع الآيات، لكن ليته طبع على المعتمد عند المؤلف؛ لئلا يُوجد الاضطراب.

وكم من موضعٍ قال ابن حجر: قوله كذا، وهذا لا يوجد في المتن المطبوع أو يُوجد غيره، نعم.

طالب:..........

نعم.

طالب:..........

أين؟

طالب:..........

حتى ابن عباس، لماذا سجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وقال: «سجدها داود شكرًا، ونحن نسجدها اقتداءً» المقصود أن الاستدلال ظاهر، لكن يبقى الإشكال، يبقى التنظير بأولاد العلات يحتاج إلى جواب.

طالب:..........

ماذا فيه؟

طالب:..........

يبقى الإشكال، نعم.

"ومعلومٌ أن سجود التلاوة فرعٌ من الفروع لا أصلٌ من الأصول.

وأما الثاني: فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صرَّح في حديث جبريل الصحيح المشهور أن اسم الدين يتناول الإسلام، والإيمان، والإحسان، حيث قال: «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»، وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19]".

لذا لما يرد حديث «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» لا يختص الفقه بالفروع العملية، الفقه المتعارف عليه ليس هو المقصود بالحديث «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وإن كان كثير من الفقهاء في متونهم وشروحهم يفتتحونها بالحمد لله الذي فقَّه من شاء من عباده، على إشارةٍ إلى أن هذا هو الفقه، الفقه في الدين أعم كما جاء في حديث «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»، وقد علمهم الإسلام، والإيمان، والإحسان.

 

"وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا} [آل عمران:85] وصرَّح -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المذكور بأن الإسلام يشمل الأمور العملية: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وفي حديث ابن عمر المتفق عليه: «بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الحديث، ولم يقل أحدٌ: إن الإسلام هو خصوص العقائد، دون الأمور العملية، فدل على أن الدِّين لا يختص بذلك في قوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى:13] الآية، وهو ظاهرٌ جدًّا؛ لأن خير ما يُفسر به القرآن هو كتاب الله، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وأما الخطاب الخاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في نحو قوله".

قد يقول قائل: إنه لا يلزم من التشبيه مطابقة المشبَّه بالمشبَّه به من كل وجه، لكن ما نحن فيه من كونهم «أَوْلَاد عَلَّات» وتطبيقه على ما جاء عن الرسل والأنبياء من اتفاق الأصول دون الفروع هو أظهر وجوه التشبيه «دِيننا وَاحِد» فبمَ يكون الاختلاف بينهم إذا اتفقوا في الأصول والفروع؟

"وأما الخطاب الخاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في نحو قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فقد دلت النصوص على شمول حُكمه للأمة، كما في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] الآية".

لما يقول الله –جلَّ وعلا- لنبيه –عليه الصلاة والسلام- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] هل نقول: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ولا تُؤخذ الصدقة إلا إذا كان هو الآخذ، كما قال محمد بن الحسن في آية الخوف {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [النساء:102] قال: إذا لم يكن فيهم فما فيه صلاة خوف، لكن الجمهور على أن صلاة الخوف باقية بعده –عليه الصلاة والسلام- وصلاها الصحابة بعده، مما يدل على أن قول محمد بن الحسن ضعيف، وأنه كما في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] إذا كنت فيهم، فالخطاب له يشمل أمته {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [الطلاق:1] يعني الخطاب للنبي –عليه الصلاة والسلام- والمقصود هو أمته بدليل {طَلَّقْتُمُ} [الطلاق:1] الجمع.

"إلى غيرها مما تقدم من الآيات، وقد علمنا ذلك من استقراء القرآن العظيم حيث يُعبَّر فيه دائمًا بالصيغة الخاصة به -صلى الله عليه وسلم- ثم يشير إلى أن المراد عموم حكم الخطاب للأمة، كقوله في أول سورة الطلاق: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الطلاق:1]، ثم قال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [الطلاق:1] الآية، فدل على دخول الكل حكمًا تحت قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الطلاق:1]، وقال في سورة التحريم: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم:1]، ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] فدل على عموم حكم الخطاب بقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [التحريم:1].

 ونظير ذلك أيضًا في سورة الأحزاب، في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1]، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب:2]، فقوله: {بِمَا تَعْمَلُونَ} [الأحزاب:2] يدل على عموم الخطاب بقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأحزاب:1]، وكقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} [يونس:61]، ثم قال: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} [يونس:61] الآية.

ومن أصرح الأدلة في ذلك آية الروم، وآية الأحزاب، أما آية الروم، فقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم:30] ثم قال: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم:31] وهو حالٌ من ضمير الفاعل المستتر، المخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم:30] الآية.

وتقرير المعنى: فأقم وجهك يا نبي الله، في حال كونكم منيبين، فلو لم تدخل الأمة حكمًا في الخطاب الخاص به -صلى الله عليه وسلم- لقال: منيبًا إليه، بالإفراد؛ لإجماع أهل اللسان العربي على أن الحال الحقيقية، أعني التي لم تكن سببيةً، تلزم مطابقتها لصاحبها، إفرادًا، وجمعًا، وتثنية، وتأنيثًا، وتذكيرًا، فلا يجوز أن تقول: جاء زيدٌ ضاحكين، ولا جاءت هندٌ ضاحكات.

وأما آية الأحزاب، فقوله تعالى في قصة زينب بنت جحش الأسدية -رضي الله عنها-: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37]، فإن هذا الخطاب خاصٌّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد صرَّح تعالى بشمول حكمته لجميع المؤمنين في قوله: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب:37] الآية، وأشار إلى هذا أيضًا في آية الأحزاب بقوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]؛ لأن الخطاب الخاص به -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب:50] الآية، لو كان حكمه خاصًّا به- صلى الله عليه وسلم- لأغنى ذلك عن قوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] كما هو ظاهر.

وقد ردت عائشة -رضي الله عنها- على من زعم أن تخيير الزوجة طلاق، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم"...

قد يكون التنصيص على الخصوصية بقوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] من باب التأكيد، فأصلها يدل على الخصوصية، والتصريح بكونها خالصة من باب تأكيد هذه الخصوصية.

ويُنظر في مسألة الهبة، ما الذي يختلف فيه الحكم للنبي –عليه الصلاة والسلام- عن غيره؟ كونها تحل له بأي شيء؟ ما تحتاج إلى ولي، تأتي وتُهدي نفسها إليه {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] وإلا فهو يحتاج إلى عقد، ويحتاج إلى مثل غيره، وغيره –عليه الصلاة والسلام- لو جاءت امرأةٌ أهدت نفسها لرجلٍ ترى صلاحه، ترى أنه يستحق مثل هذا، ثم كلمت وليها وجاء عقد له ما فيه إشكال.

"وقد ردت عائشة -رضي الله عنها- على من زعم أن تخيير الزوجة طلاق، بأن رسول الله- صلى الله عليه- وسلم خيَّر نساءه فاخترنه، فلم يعده طلاقًا، مع أن الخطاب في ذلك خاصٌّ به -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ} [الأحزاب:28] الآيتين.

وأخذ مالكٌ -رحمه الله- بينونة الزوجة بالرِّدة من قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَر:65] وهو خطابٌ خاصٌّ به -صلى الله عليه وسلم-".

وتدخل فيه أمته ذكورًا وإناثًا، فكل من ارتد حبط عمله، لكن يبقى الشرط أو القيد أنه هل يُشترط لحبوط العمل أن يموت على ردته، أو مجرد الرِّدة تُحبط العمل، هو فيه القيد في قوله– جلَّ وعلا-: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة:217]، والمسألة خلافية بين أهل العلم.

"وحاصل تحرير المقام في مسألة: شرع من قبلنا أن لها واسطة وطرفين، طرفٌ يكون فيه شرعًا لنا إجماعًا، وهو ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، ثم بَيَّن لنا في شرعنا أنه شرعٌ لنا، كالقصاص، فإنه ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، في قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] الآية، وبيَّن لنا في شرعنا أنه مشروعٌ لنا في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]، وطرفٌ يكون فيه غير شرع لنا إجماعًا وهو أمران:

أحدهما: ما لم يثبت بشرعنا أصلاً أنه كان شرعًا لمن قبلنا، كالمتلقى من الإسرائيليات؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن تصديقهم، وتكذيبهم فيها، وما نهانا -صلى الله عليه وسلم- عن تصديقه لا يكون مشروعًا لنا إجماعًا.

والثاني: ما ثبت في شرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، وبُيّن لنا في شرعنا أنه غير مشروعٍ لنا، كالآصار، والأغلال التي كانت على من قبلنا؛ لأن الله وضعها عنا، كما قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157]، وقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قرأ {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [البقرة:286] أن الله قال: «نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ».

ومن تلك الآصار التي وضعها الله عنا، على لسان نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما وقع لعبدة العجل، حيث لم تُقبل توبتهم إلا بتقديم أنفسهم للقتل، كما قال تعالى: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} [البقرة:54].

والواسطة هي محل الخلاف بين العلماء، وهي ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، ولم يُبين لنا في شرعنا أنه مشروعٌ لنا، ولا غير مشروعٍ لنا، وهو الذي قدمنا أن التحقيق كونه شرعًا لنا، وهو مذهب الجمهور، وقد رأيت أدلتهم عليه، وبه تعلم أن آية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] الآية، يلزمنا الأخذ بما تضمنته من الأحكام.

مع أن القرآن صرَّح بذلك في الجملة في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] وقوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33] وفي حديث ابن مسعودٍ المتفق عليه المتقدم، الصريح بأن ما فيها من قتل النفس بالنفس مشروعٌ لنا".

التصريح.

"وفي حديث ابن مسعودٍ المتفق عليه المتقدم، التصريح بأن ما فيها من قتل النفس بالنفس مشروعٌ لنا، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ»".

تأتي الصلاة على النبي في هذا الموضع! وأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ما تجيء في هذا الموضع، قال: وأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممكن.

لو كان في السياق لقال: وأني رسول الله -صلى الله علي وسلم- يأتي متكلم، نُصلي عليه في نفسنا لا في الكتاب، والعكس هو الذي يحصل عند أهل العلم، العكس هو الذي يأتي، فيُصلون عليه –عليه الصلاة والسلام- سرًّا لا خطًّا في كثيرٍ من المواضع التي تقول: كيف ما صلى؟ قال رسول الله وتركه، ثم جاء بالنص هم يُصلون، والإمام أحمد يُطوي هذا كثيرًا؛ للوقت والعجلة، ويُصلي عليه في نفسه.   

"«إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ» الحديث.

وإلى هذا أشار البخاري في صحيحه، حيث قال: باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] إلى قوله: {فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [المائدة:45]، ثم ذكر حديث ابن مسعودٍ المتقدم.

وقال ابن حجر: والغرض من ذكر هذه الآية مطابقتها للفظ الحديث، ولعله أراد أن يُبين أنها وإن وردت في أهل الكتاب، فالحكم الذي دلت عليه مستمرٌ في شريعة الإسلام، فهو أصلٌ في القصاص في قتل العمد، ويدل لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ»، أخرجه الشيخان من حديث أنس، بناءً على أن المراد «بِكِتَابِ اللَّهِ» قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة:45] في هذه الآية التي نحن بصددها".

هل المراد كتاب الله القرآن أو حكم الله بما يشمل السُّنَّة؟ «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» الحكم أعم من أن يكون بالكتاب أو بالسُّنَّة أو بهما معًا.

"وعلى بقية الأقوال فلا دليل في الحديث، ولم يزل العلماء يأخذون الأحكام من قصص الأمم الماضية، كما أوضحنا دليله.

فمن ذلك قول المالكية وغيرهم: إن القرينة الجازمة ربما قامت مقام البينة، مستدلين على ذلك بجعل شاهد يوسف شق قميصه من دبر قرينةً على صدقه، وكذب المرأة، في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم} [يوسف:26-28] الآية".

قد يقول قائل وقد قيل: إن هذا الشاهد ممن لا تثبت به الشهادة لصغره، قالوا: إنه طفل، والعبرة به أعظم، يعني لو جاء كبير وحكَّموه، وقال ما قال، فمثل هذا يُدرك، لكن لمَّا يكون ممن لا يتكلم أصلاً أو يتكلم لكن ما يُدرك هذه الأمور على وجهها.

ومن باب التنظير استعار شخصٌ حمارًا من جاره، ورده عليه، فأنكر صاحب الحمار، قل: ما رده علي، ثم نهق، فأيهما الصادق؟ سمِع من بيته؛ ولذلك قال الجار أو صاحب الحمار: تُكذبني وتُصدق الحمار، ما يحتاج إلى تصديق وتكذيب، أنت كاذب بلا شك ومُخالف للواقع، ومُخالف لجميع الأعراف، ما هي مُفاضلة بين آدمي وحمار، فهذه قرينة، قرينة قوية، بل تكون قطعية، يعني إذا كان في قصة يوسف فيها غلبة ظن، وقريبة من البينة، لكن في قصة الجار مع جاره هذه قطعية.

"فذكره تعالى لهذا مقررًا له يدل على جواز العمل به، ومن هنا أوجب مالكٌ حد الخمر عن من استُنكه".

القرائن القوية تحدَّث عنها ابن القيم في (الطُّرق الحكمية) من القرائن القوية: لو وُجِد رجلان وأحدهما يجري خلف الآخر ويزعم أنه سرق عمامته، السابق الملحوق عليه عمامة وبيده عمامة، والذي لحقه ما عليه عمامة وليس من عادته أن يمشي دون عمامة، قالوا: القرينة تدل على...وإن كانت مُحتملة، لكن إذا كان السابق بيده عمامة، والذي خلفه ليس بيده عمامة، ولم يكن السابق من أهل العمائم، من أهل الطرابيش مثلاً تقوى القرينة إلى أن يُحكم بها، وذكر ابن القيم من هذا الشيء الكثير -رحمه الله-.  

"ومن هنا أوجب مالكٌ حد الخمر عمن استُنكه فشُم في فيه ريح الخمر؛ لأن ريحها في فِيهِ قرينةٌ على شربه إياها".

إذا لم يدَّعِ شُبهة، إذا لم يقل: إني وجدت الخمرة في هذا الإناء فشربتها على أنها ماء أو عصير، والدعوى محتملة.

"وأجاز العلماء للرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها فتزفها إليه ولائد، لا يثبت بقولهن أمر أن يُجامعها من غير بينةٍ على عينها أنها فلانة بنت فلان التي وقع عليها العقد اعتمادًا على القرينة، وتنزيلاً لها منزلة البينة.

وكذلك الضيف ينزل بساحة قوم فيأتيه الصبي، أو الوليدة بطعام، فيباح له أكله من غير بينة تشهد على إذن أهل الطعام له في الأكل، اعتمادًا على القرينة".

عند الشافعية والحنابلة أن المميز يملك الإذن لدخول البيت لاسيما من الضيوف على عادة العرب والمسلمين قبل وجود الفنادق وغيرها، ولكن في مثل هذه الأزمان، وهذه الظروف قد يتضرر صاحب البيت أقل الأحوال أنه إذا أذن هذا الصبي، والصبي بريء والضيف نظيف ما عنده مشكلة، ثم فيه طعام مُدخر لصاحب البيت وطعام مبذول، فقدم الصبي –وقد حصل- الطعام من النوع الفاخر المُدخر لصاحب البيت، والأصل أن الذي يُعطى الضيوف النوع الأقل، فمثل هذا يحصل فيه إشكالات، والقول بأن الصبي يملك الإذن بإطلاق لاسيما في وقتنا التي كثرت فيه المقتنيات وتنوعت يحصل ضرر على صاحب البيت.

"وأخذ المالكية وغيرهم إبطال القرينة بقرينةٍ أقوى منها، من أن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجُب، جعلوا على قميصه دم سخلة؛ ليكون الدم على قميصه قرينةً على صدقهم في أنه أكله الذئب، فأبطلها يعقوب بقرينةٍ أقوى منها، وهي عدم شق القميص، فقال: سبحان الله! متى كان الذئب حليمًا كيسًا، يقتل يوسف، ولا يشق قميصه؟ كما بينه تعالى بقوله: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون} [يوسف:18] وأخذ المالكية ضمان الغرم من قوله تعالى، في قصة يوسف وإخوته: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم} [يوسف:72] وأخذ بعض الشافعية ضمان الوجه المعروف بالكفالة، من قوله تعالى في قصة يوسف وبنيه".

يعقوب عندنا، من قصة يعقوب.

طالب:.......

يعقوب وبنيه.

والضمان في المسألة الأولى: هو المعروف بالضمان الذي يتنزل فيه الضامن مكان المضمون، ويكون المضمون له المال مُخيرًا بأنه يُطالب الأصل أو يُطالب الضامن.

وفي الصورة الثانية: ضمان الوجه الذي هو الكفالة يسمونه، ويلزمه إحضاره بدون غُرم.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

{وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم} [يوسف:72] {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:72] جعالة، لكن ضمان هذه الجعالة {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم} [يوسف:72] يعني ضامن.

"بقوله: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف:66].

وأخذ المالكية تلوم القاضي للخصوم ثلاثة أيام بعد انقضاء الآجال من قوله تعالى في قصة صالح: {فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ} [هود:65].

وأخذوا وجوب الإعذار إلى الخصم الذي توجه إليه الحكم بـ «أَبَقِيَتْ لَكَ حُجَّةٌ؟»، ونحو ذلك من قوله تعالى في قصة سليمان مع الهدهد: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين} [النمل:21].

وأخذ الحنابلة جواز طول مدة الإجارة من قوله تعالى في قصة موسى، وصهره شعيب أو غيره: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص:27] الآية، وأمثال هذا كثيرةٌ جدًّا".

إذا دلت الآية على جواز الإجارة فيما يحتمله العمر عشر سنين، عشرين سنة، فهل تدل هذه الآية على جواز ما يُوجد عند بعض الناس من مائة سنة، مائتي سنة، بعضهم ألف سنة، وهو موجود ما هو بنظري موجود وفي وثائق أجر البيت، ثم ... ألف سنة، يعني هل الآية تدل على مثل هذا؟

طالب: ...........

نعم.

ألف سنة، وقاضٍ من القضاة يقول: كتبت لواحد خمسمائة سنة، فاحتج المستأجر قال له: إن جاء بعد نهاية المدة، وأخرجني، وأخرج أولادي وأثاثي من البيت، قال له: إذا انقضى تعال أنا أجدد لك، هذه وقائع ما هي افتراضات.

طالب:.......

معروف أنه يوجد مثل هذا، الذي دعا إلى ذلك جواز طول مدة الإجارة، الحنابلة لا، ولا يقولون: عشر سنين مثل ما حصل أو ثماني سنين أو أكثر في مدةٍ يعيشها الإنسان المؤجِّر؛ لأنه إذا غلب على الظن أن هذه المدة لا يعيشها فقد أجر ملك غيره، لكن لقائلٍ أن يقول: إنه مادام له أن يُتلف أو يتصرف في هذا المُلك بما يُفوته على غيره، فهذا من نوع هذه التصرفات.

طالب:.......

ماذا؟

التلوُّم؟ يُرددهم ثلاثة أيام إلى ثلاثة سنين.

لها تعليق؟ الشيخ موجود؟

طالب: .......

 لا هو وُجِد ترديد، والأمور بمقاصدها، طنطاوي يقول: لنا قضية في محكمة دمشق منذ ثلاثٍ وثمانين سنة.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

ماتوا وجاء الذين بعدهم والذين بعدهم، ومن الطرائف أنه فيه قضية خصومة على عنز وتردد الخصوم والمسألة عنز ما تساوي، قال واحد من القضاة، وهو معروف بالطرفة –رحمة الله عليه-: أحيلوها علي ونمشيها، وهم يُحيلون العنز والملف إلى هذا القاضي التفتت العنز على الملف وأكلته، فاعترض دبوس في حلقها وماتت.

والآن من ضمان مَن لما ماتت؟

طالب:.......

ما دخل القاضي ما بعد وصلته؟

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

طالب: من ضمان بيت المال.

من ضمان بيت المال؛ لأنها على يد موظف ومؤتمن، ولئن كان فرَّط المراسل فهي من ضمانه هو.   

"وقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] لا يُخالف ما ذكرنا؛ لأن المراد به أن بعض الشرائع تُنسخ فيها أحكامٌ كانت مشروعةً قبل ذلك، ويجدد فيها تشريع أحكامٍ لم تكن مشروعةً قبل ذلك.

وبهذا الاعتبار يكون لكل شرعة منهاج من غير مخالفةٍ لما ذكرنا، وهذا ظاهر، فبهذا يتضح لك الجواب عن السؤال الأول، وتعلم أن ما تضمنته آية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] الآية، مشروعةٌ لهذه الأمة، وأن الرجل يقتل بالمرأة كالعكس على التحقيق الذي لا شك فيه، وكأن القائل: بعدم القصاص بينهما يتشبث بمفهوم قوله: {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [البقرة:178]، وسترى تحقيق المقام فيه -إن شاء الله- قريبًا".

في قوله –جلَّ وعلا-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] قال ابن عباس: سبيلاً وسُنَّة {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] سبيلاً وسٌنَّة، أيهما السبيل؟ وأيهما السُّنَّة من الشِّرعة والمنهاج؟  

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

شِرعة سبيلاً وسُنَّة، من باب غير المرتب، سبيلاً، السبيل المنهاج، والشِّرعة السُّنَّة.

نقف على هذا.

"