كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فقد انتهينا من شرح الحديث الثالث، حديث النعمان بن بشير من كتاب الجامع من المحرر لابن عبد الهادي.

الآن في الحديث الرابع، وهو حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اجتنبوا السَّبع الموبقات».

طالب: ..............

ما فيه صوت؟

طالب: الصوت لا نسمعه يا شيخ.

الصوت؟

طالب: الناس ما يسمعون الصوت.

أين ذهب؟

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "وَعَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجتنبوا السَّبع الموبقات»" يعني: ابتعدوا عنها، والموبقات: المهلكات، وجاء في لفظٍ: «أَكْبَر الْكَبائِرِ الإِشْراكُ بِاللهِ»، ثم ذكر بقية السبع، فدل على أن هذه الذنوب أكبر الكبائر.

والكبائر ليست محصورة بهذه السبع، قال بعضهم، كابن عباس: إنها إلى السبعين أقرب، وأوصلها بعضهم إلى أضعاف ذلك، ويختلف أهل العلم بعد اتفاقهم أن هناك كبائر وصغائر من الذنوب كما في قوله –جلَّ وعلا-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] السيئات هي الصغائر، ووجود الكبائر وتخصيص بعض الذنوب بهذا الوصف يدل على أن هناك مقابلًا وهو الصغائر.

«اجتنبوا السَّبع الموبقات» يعني المهلكات، ولا شك أن هذه السبع المذكورة وإن شاركها ذنوب كثيرة بأنها مُهلكة وموبقة، لكن التنصيص على هذه السبع؛ للدلالة على العناية بها، والاهتمام بشأنها، وأعظم هذه الموبقات: الشرك. 

"قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا هن؟" ما قال النبي –عليه الصلاة والسلام- ابتداءً: اجتنبوا الشرك، والسِّحر إلى آخر السبع، قال: «اجتنبوا السَّبع الموبقات»؛ ليلفت الأنظار للاهتمام بهذه السبع؛ ليُسأل ويُجيب، ما هُن يا رسول الله؟ لو قال: اجتنبوا الشرك، والسحر وكذا وكذا، قد يمر النص على كثيرٍ من الناس دون توقف، لكن إذا جيء بحصر فالنفس تتشوَّف إلى هذا المحصور، وذِكر العدد لا شك أنه أدعى للضبط والإتقان؛ لأنه إذا قال: اجتنبوا الشرك والسحر وكذا وكذا يمكن ما يلفت نظره العدد، فيفوت عليه واحدة أو اثنتان منها، لكن سبع يعد.

ما هن يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»، يعد بأصابعه أكملت سبعًا وإلا راح يبحث عن النقص، لكن لو لم يُوجد العدد المجمل يمكن أن يفوت أشياء واحدة أو اثنتان أو أكثر كلٌّ على حسب ضبطه وإتقانه، ولا يلفت انتباهه أنه نسي شيئ، لكن لما قال: اجتنبوا السبع؛ ليضبط هذه السبع بحيث يعدها بأصابعه، فإذا نقصت بحث عن النقص.

«اجتنبوا السَّبع الموبقات» ولا شك أن هذه السبع من عظائم الأمور.

"قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا هن؟" يعني هل يسكت الصحابة على هذا الإجمال دون بيان؟ لا، لا يسكتون، هم أحرص الناس على هذا البيان للامتثال، ليس لمجرد العلم مثل ما هو حال كثير من المسلمين اليوم تجده يحرص على أن يعرف هذه الأمور من باب حب الاستطلاع، ومن باب كثير منهم في الدراسات النظامية أن يتجاوز الامتحان، لا، الصحابة من أجل العمل، والأمة ما زال فيها خير، ما يُقال: إن جميع الناس بهذه الصفة، لكن هذا موجود في المسلمين الآن أنه يضبط هذه السبع؛ من أجل أن يتجاوز الامتحان، لكن الصحابة قالوا: "يَا رَسُول الله! وَمَا هن؟" من أجل الامتثال والاجتناب والابتعاد.       

قَالَ: «الشّرك بِاللَّه» أعظم الذنوب أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، الشرك بالله بأنواعه، والشرك ليس بقابل الغفرانِ، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فالشرك لا يُغفَر على خلافٍ بين أهل العلم في الأصغر: كيسير الرياء، كيسير الرياء، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، هل هذا يُغفَر أم ما يُغفَر؟ هذا لا شك أنه شرك، لكنه شركٌ أصغر، والحلف بغير الله شرك، لكنه شرك أصغر، هل يُغفَر أم يدخل في قوله –جلَّ وعلا-:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]؟

قولان لأهل العلم:

منهم من يجعله من جملة الكبائر دون الشرك، ومنهم من يقول: هو شرك يدخل في عموم الآية، لكن الفرق بينه وبين الشرك الأكبر أنه لا يُخلَّد صاحبه في النار، لكن دخوله في النار وعدم المغفرة لصاحبه أمرٌ مُحتَّم بالآية؛ لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- سمَّاه شركًا، والله –جلَّ وعلا- يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، وهذا شرك، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48] يعني ما دون الشرك، وعلى هذا فالشرك الأصغر أكبر من الكبائر؛ لأنه لا يُغفَر وإن كان صاحبه تحت المشيئة لا يدخل تحت المشيئة في المغفرة الأولية، لكنه لا يُخلَّد في النار كما يُخلَّد صاحب الشرك الأكبر.

قال: «الشّرك بِاللَّه» وهو أعظم أنواع الظلم، {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] فهو أعظم أنواع الظلم.

قال: «الشّرك بِاللَّه، والسِّحر»، والسِّحر منه ما هو شرك فيما يتقرَّب به الساحر إلى الشياطين، إذا تقرَّب الساحر إلى الشياطين أو تقرَّب طالب السحر من الساحر بأن يذبح للشيطان الفلاني أو من يؤمَر بالذبح له فهذا داخل في الأول، لكن إذا كان بمجرد طلاسم وكلام لا يُفهَم معناه إلا إذا كان له معنى في غير العربية، أو معنى عرفي بين الساحر وبين الشياطين يقتضي الإشراك بالله– جلَّ وعلا- دخل في الشرك، إذا كان بعقد وأدخنة وأبخرة وما أشبه ذلك، ولا يتضمن التقريب لغير الله –جلَّ وعلا- فهذا من عظائم الأمور، لكن إذا لم يتضمن شركًا مع أن جمعًا من أهل العلم يقولون: يستحيل أن ينفك السِّحر عن الشرك، وقال بعضهم: إنما منه ما هو شرك، وهذا هو الكثير الغالب، ومنه ما يكون بغير الشرك كالطلاسم وغيرها.

لكن ما معنى الطلاسم؟ وكيف يتوصل إلى نفع أو ضر أو صرف أو عطف من غير أن يُقدِّم للشياطين الذين يُقدمون له هذه الخدمة؟ ما يمكن.

قد يقول قائل: إنه يستعين بالشياطين على نفع فلان أو ضر فلان من غير أن يتقرب لهم بشيء.

يقول قائل: إن منهم من يفعل هذه الخدمة للاستدراج، يُقدمها الشيطان لهذا الساحر أو لهذا المستعين به على الحاجة الفلانية سواءً كانت صرفًا أو عطفًا، أو ما أشبه ذلك في أول الأمر من غير تقريب شيء، إلى أن يتورط، يستدرجه حتى لا يستطيع النكوص، ثم يأمره بالتقديم والتقريب، فيقع في الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.

السِّحر لا شك أنه على القول بأن منه ما هو شرك، ومنه ما لا يصل إلى حد الشرك من عظائم الأمور، فمن الشرك ما يدخل في الأول من هذه الموبقات، وما دونه دون تقديم وتقريب وقرابين للشياطين يكون منزلة بين الشرك وبين الكبائر التي يأتي ذكرها.

وعلى كل حال الساحر حدُّه القتل، على كل حال «حدُّ الساحر ضربه بالسيف، أو ضربُةٌ بالسيف»، لا بُد أن يُقتَل حتمًا، ولا تُقبل توبته عند عامة أهل العلم؛ لعِظم شرِّه، وخفاء أمره؛ لأنه قد يُبدي توبة وهو غير صادق ما يُدرى عنه؛ لأن أمره خفي.

يأتي بعض العبارات فيها استغاثات بألفاظ لا يُعرَف معناها، ويأتي أيضًا جداول فيها حروف وطلاسم، أهل العلم يشترطون في الرقية أن تكون بالكلام العربي وما يُفهَم معناه؛ لئلا يدخل الإنسان في هذه المتاهات وهو لا يشعر، لئلا يدخل في هذه الأمور والأبواب المظلمة والخنادق المظلمة وهو لا يشعر، وكم واحد بدأ في أمره راقٍ، ثم في النهاية صار ساحرًا، يُستدرَج –نسأل الله العافية-، يُستدرَج، ويتذرَع بعضهم بأن هذ الراقي نظيف، وإذا سألته وجدت عنده أشياء كثيرة غير مقبولة، أنت تقول: هذا راقٍ نظيف، لا يأخذ على الناس أجرًا، يُريد بذلك وجه الله.

 نقول: لا، هذا العبرة بما يُقدمه إن كان من كلام الله –جلَّ وعلا- وكلام نبيه –عليه الصلاة والسلام- بالأدعية المشروعة المعروفة فلا بأس، وإن كان بشيءٍ لا يُفهَم وإن لم يأخذ على الناس شيئًا فهو يكفيه أن يُقال: إن الله شفى على يده كذا وكذا.

شخص يقول: إنه مشى على يده سبعون مُقعدًا، يكفيه أن يُقال هذا الكلام، ولا أعظم ممن يُقدِّم مهجته للقتل في الجهاد من أجل أن يُقال: شجاع، فيكون من الثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار، فحُب الشرف عند كثيرٍ من الناس أعظم من حُب المال، فلا نغتر بكون فلان لا يأخذ أجرة، أو يأخذ كذا، العبرة بما يُقدمون، «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ»، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ودخل في هذا الباب في باب الرقية أُناس استُدرِجوا، لا نقول: إنهم من بداية الأمر، قد يكون من بداية الأمر ما عندهم إشكال، لكنهم يُستدرَجون بهذه الحُجة، وهذا الاستشراف، وهذا الاستطلاع، يتطلع إلى أن يكون مشهورًا بين الناس، ويُشاع عنه أنه فعل كذا، وأنه كذا، وأنه شفى الله على يده مائة مريض سرطان أو مائة كذا، وأشد من ذلك مشى على يده سبعون مُقعَدًا.

يأتي على بعض الكُتب كُتب العلم تأتي من بعض الأقطار كُتب ملكها بعض من ينتسب إلى العلم، ويكتبون عليها عبارة لا تُفهَم، مع أن فيها نداءً واستغاثة، يمكن بعض الإخوان يعرف العبارة إذا كان من مصر أو من الشام أو من تركيا مثلًا، فالكثير يأتي من تركيا: يا كبيكج احفظ الورق، كثير هذا، نحن لا نعرف معنى هذه، يا كذا احفظ الورق، مَن الذي يحفظ الورق؟ هو الله– جلَّ وعلا- ما فيه حافظ إلا الله –جلَّ وعلا-، لكن نحن لا نعرف هذه الكلمة ما معناها، وعلى هذا تُمنَع؛ للجهل بمعناها، قد تكون هذه اللفظة -والله أعلم- أنها ترجمة لاسم من أسماء الله، ما ندري، لكن لا بُد أن تكون بالكلام العربي وما يُفهَم معناه؛ لئلا يلج في هذا الباب ويُلبِّس على الناس بأن هذا معنىً لا تعرفه أنت، ولا فيه شيء عندنا. نقول: ترجِمه لِما يُفهَم معناه، ومع الأسف أن هذه تأتي بكثرة على الكُتب، ومع ذلك نجد في هذه الكُتب التي كُتب عليها هكذا نجد السوس، ونجد القرضة، ونجد احتراق الورق.

فمثل هذه الأمور تَرد على الناس، ولا شك أنها تُدخِلهم في أشياء لا تُحمد عُقباها، والأمر خطيرٌ جدًّا، ليس بالأمر السهل، ليس بالأمر اليسير، هذا قدح في التوحيد، إن كنا لا نجزم بشيء؛ لأن الكلمة غير مفهوم معناها، لكن على كاتبها وعلى قائلها، وعلى من يعتني بها أن يُوضِّح معناها؛ ليبرأ.

تأتي في بعض الكتب –مع الأسف- جداول إن قرأتها كذا خرج لك كذا، وإن قرأتها كذا، ورموز وأسماء أشياء بغير العربية، مثلًا في (حياة الحيوان) للدميري يقول: إذا كتبت هذا الجدول ووضعته تحت رأسك لا ترى إلا حلمًا طيبًا، وإذا وضعت كذا... مع أنه في باب الخواص خواص الحيوانات عنده الشعوذة، إذا وضعت رأس الهدهد تحت وسادتك أو وضعت كذا أو ريش كذا أو... هل هذه أسباب عادية أو شرعية يُعلَّق عليها شفاء أو مرض أو رزق أو فقر؟ أبدًا، هذه من الشعوذة الممنوعة التي يُخشى على صاحبها من الشرك الأكبر، حيث يزعم أن هذا سبب، وهو ليس بسببٍ لا شرعي ولا عادي، هذا نوع من أنواع الشرك.

فيتنبه المسلم لمثل هذه الأمور، ولا يغفل عنها بحيث يقع فيها وهو لا يشعر، كثير من كُتب الطب التي ألّفها المتقدمون كتاب (الرحمة في الطب والحِكمة) المنسوب للسيوطي، أكثره من هذا النوع، كتاب (تسهيل المنافع) في الطب والأدوية، كثير من هذه الكتب التي أُلِّفت، يعني في غير الطب النبوي كابن القيم، والذهبي، الذين يعتمدون على النصوص غير، لكن هؤلاء! مثل أيضًا (التذكرة) تذكرة داود الأنطاكي فيها طلاسم كثيرة من هذا النوع، فيتقيها المسلم؛ لئلا يقع في هذا الشراك وهو لا يشعر، يعني ما هو مسألة تقع في خديعة مال، أو تخسر في بضاعة، أو يُضحَك عليك في شيء، لا، هذا رأس مال، هذا التوحيد رأس مال المسلم الذي لا تصح بدونه أي عبادة لو عبد الله عشرات السنين وهو على هذا ما انتفع، فعلى المسلم أن يحتاط لدينه لا سيما رأس المال الذي هو التوحيد.    

قال: «الشّرك بِاللَّه، والسِّحر»، نسأل الله العافية، ومن السحر وعدَّه الإمام المُجدد محمد بن عبد الوهاب من النواقض، ومنه الصرف والعطف.

امرأة وجدت من زوجها إعراضًا تذهب إلى الساحر؛ ليعطفه عليها، هذا من الشرك، نسأل الله العافية، من السِّحر.

رجل عشق امرأة فتزوجها شخصٌ آخر، فيذهب إلى الساحر؛ لتُصرَف عن ذلك الشخص، نسأل الله العافية.

ومما يُذكَر مما هو واقع وقريب: شخص خطب امرأة فرفضته، رفضت أن تقبل به، فذهب هذا الشخص إلى ساحر، فقال: أُريدك أن تُخرجها معي -يعني بغير عقد-؛ من أجل النكاية بها وبأهلها الذين رفضوا، فقال: هات مبلغ كذا، وفي خلال أسبوع تخرج معك، مضى الأسبوع ما حصل شيء، جاء للساحر قال له: ما حصل شيء، قال: أسبوع ثانٍ، حاول في الأسبوع الثاني بث شياطينه، وبعث أعوانه، ما حصل شيء، قال: باقٍ أسبوع ثالث، حاول وباء بالفشل، قال: خُذ فلوسك، والله عجزنا، هذه مُحصنةٌ بالأذكار، لا سلطان لنا عليها.

فعلى الإنسان أن يعتني بذكر الله؛ ليحفظه الله من شرور هؤلاء الشياطين، السحر شأنه عظيم، يعني يأتي شخص من هذا النوع إلى امرأةٍ عفيفة ويُخرجها من بيتها وبيت أهلها –نسأل الله العافية- وقد تستمر طول حياتها مجنونة، وأي ذنبٍ أعظم من هذا؟! وأي أذىً أبلغ من هذا؟! نسأل الله العافية.

شخص طالب علم معروف غفل عن ذِكره؛ فأُصيب وصار في أسفاره لا يأمن أولاده على أنفسهم منه، يُفاجئهم بأن يقف في منتصف الطريق ليقتلهم ومعه السكين، كله بسبب هؤلاء الجناة؛ ولذلك قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «اجتنبوا السَّبع الموبقات»، فذكر الشرك، ثم ذكر السِّحر، وأي جنايةٍ أعظم من هذه الجناية؟! وكم من شخص يَئنُّ بسبب هذه الجناية! وكم من أسرةٍ تعِست بسبب هذه الجناية! نسأل الله العافية.            

«والسِّحر، وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ» قتل النفس؛ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93] ،{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] هذه عظائم الأمور.

«وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله» يعني صارت معصومة بالإسلام أو بالجزية أو بالعهد، فالمسلم يحرم قتله، دمه معصوم حرام؛ «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم، وأعْراضَكُم عَلَيْكُم حرامٌ كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا»، وأيضًا المعَاهد «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»، «وَلا يَزَالُ المسلم في فَسْحَةٍ من دِينِه حتى يُصِيبْ دَمًا حرامًا»، فالقتل شأنه عظيم، وأمره خطيرٌ جدًّا، وبعض الناس يتساهل عند قارورة بيبسي يقتل مسلمًا! عند مشاحنة في أمرٍ يسير من حطام الدنيا يقتل مسلمًا! –نسال الله العافية-، صار الأمر بهذه السهولة عند الناس؟! الدين ضعُف في قلوب بعض الناس إلى هذا الحد؟! يُصيب الدم الحرام، يقتل مسلمًا مع علمه بالوعيد الشديد على من قتل المسلم المؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها، وإن كان المرجَّح عند أهل السُّنَّة والجماعة أن الخلود يعني طول المُكث، لا يعني الخلود الأبدي.

«وَقتل النَّفس الَّتِي حرَّم الله إِلَّا بِالْحَقِّ»، «النَّفْسُ بِالنَّفس» القاتل يُقتَل، «والثَّيِّبُ الزَّاني»، الثيب من وطئ في نكاحٍ صحيح يُرجَم، الثيب الزاني يُرجَم، «والتَّاركُ لِدِينِه المُفارِق للجماعة» المرتد يُقتَل «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، فالمرتد يُقتَل.

«وَقتل النَّفس الَّتِي حرَّم الله إِلَّا بِالْحَقِّ» إذا كان بحق بواحدةٍ من هذه الثلاث فإنه يُقتَل.

«وَقتل النَّفس الَّتِي حرَّم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأكل مَال الْيَتِيم»، اليتيم الذي مات أبوه قبل أن يبلغ الحنث، من مات أبوه من بني آدم قبل أن يبلغ الحنث فهو يتيم، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] أكل مال اليتيم المسكين الذي لا يجد من يُدافع عنه، طيب أَكل مال صغير لم يبلغ الحنث، وأبوه موجود؟ حرام، بالإجماع حرام، لكن ليس شأنه كشأن اليتيم المنكسر الذي مات أبوه وهو مستصحبٌ أنه لا مُدافع عنه؛ ولذا جاء التشديد في أكل أموال اليتامى، وعُبِّر بالأكل عن جميع وجوه الانتفاعات، ما يلزم تأكل، أخذت مال اليتيم واشتريت به ثوبًا، ما أكلته، أخذت مال اليتيم واشتريت به سيارة، يقول: أنا- والله- ما أكلت مال اليتيم، يعني ما أدخل في النصوص، نقول: لا، ذُكِر الأكل؛ لأنه أظهر وجوه الانتفاع، وعُبِّر به عمَّا سواه. المقصود بأخذ مال اليتيم بغير حق، سواءً أكلت أو شربت أو لبست أو سكنت، كل هذا داخل في أكل مال اليتيم {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:10]، نسأل الله العافية، {فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}، تأجج كالذي يشرب في آنية الذهب والفضة؛ «إنما يُجرجِرُ في بَطْنه نارَ جَهنَّمَ»، نسأل الله العافية.

«وَأكل مَال الْيَتِيم» هذا الشخص الذي مات أبوه هذا يتيم بالاتفاق، وينطبق عليه الحد اللغوي والشرعي والعرفي، فالحقائق تجتمع فيه، لكن شخص ليس له أب ولد زنا، هل هو في حكم اليتيم أو يختلف؟

اليتيم قد يكون له أعمام، وقد يكون له إخوان، وله عصبة يتقوى بهم، لكن هذا المسكين الذي ظُلِم بهذه الجناية الشنيعة ولد الزنا أكل ماله سهل أم لا؟ يعني من لاحظ المعنى قال: أشد، من لاحظ المعنى الذي جاء التشديد فيه بأكل مال اليتيم قال: هذا أشد، هذا ليس له أحد، فالذي يظهر أنه كاليتيم، الجامع أن هذا ليس له أب، وهذا ليس له أب، هذا مات وهذا من الأصل ليس له أب، وإذا انكسر اليتيم بموت أبيه ورأى أن ناصره قد مات، فذاك من الأصل مكسور من كل الجهات، والله المستعان.

«وَأكل مَال الْيَتِيم» شخص يتعامل مع يتيم أو ولي ناظر على هذا اليتيم عليه أن يحتاط لبراءة ذمته من مال هذا اليتيم أشد مما يحتاط لو كان وليًّا أو وصيًّا على رجال كبار يُنازعونه ويُخاصمونه.

النووي –رحمة الله عليه- يعني من شدة ورعه وقد يكون مثل هذا الورع فيه شيء من التشديد على النفس ذكروا عنه أنه لا يأكل من فواكه الشام وهو شامي سوري، هو من نوى قرب حوران، لا يأكل، لماذا يا نووي؟

قال: أكثرها أوقاف على أيتام، والأوصياء لا يتحررون ولا يتحرَّون في أموال هؤلاء الأيتام، فالشبهة قوية، وهو يترك، فاكهة تُباع في الأسواق وأنت ما تدري ما هي حقيقتها، هل تسأل هذه الفاكهة لمن جاءت من بستان فلان ولا علان؟ لا شك أن هذا تشديد وتضييق على النفس، لكن كون الإنسان يتعامل مع نفسه بهذه الطريقة وبهذا التحري الزائد هو شأنه ما يُلام، لكن الإشكال إذا منع الناس من هذا وحرَّم على الناس مثل هذا، هذا الذي يُقال له: قِف هات دليلًا.

«وَأكل مَال الْيَتِيم، وَأكل الرِّبَا» أكل الربا هو الزيادة أكثر مما دفعت إذا كانت من الأصناف الربوية: الذهب، والفضة، والتمر، والشعير، والبُر، والمِلح، ويُقاس عليها ما يُشاركها في العلة، فلا بُد فيها من التساوي والتقابض «وَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» بهذا القيد «إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»، وتسامح الناس في هذ القيد، وهذا النص تسامحٌ غير مَرضي، فصاروا يتعاملون بالربويات مع شيءٍ من السعة، والسبب في ذلك –كما يزعمون- الحرج والمشقة، أين الحرج والمشقة في مقابل «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا»؟

أيهما أشد حرجًا أن تُلعَن بالنص الصحيح الصريح، أو تُكلِّف نفسك تروح تسحب الدراهم وتأتي بها لصاحب البضاعة؟

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] قال جمعٌ من أهل العلم: إن المفسرين يقولون: إنه يُبعَث يوم القيامة مجنونًا، نسأل الله العافية.

ولا أعظم! من كونه حربًا لله ورسوله، فالربا شأنه عظيم سواء كان ربا الفضل أو ربا النسيئة، وهو بأنواعه وصوره محرَّم بالإجماع، «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ».

«وَأكل الرِّبَا» ومثل ما قلنا في أكل مال اليتيم يأتي أكل الربا، فالتعبير بالأكل؛ لأنه أظهر وجوه الانتفاع، وإلا لو عقد عقدًا ربويًّا واشترى به سيارة أو عقد عقدًا ربويًّا دراهم بدراهم مع زيادة وعَمر بيتًا أو اشترى أثاثًا أو تزوج، فهذا آكل الربا ملعون بالنص، نسأل الله العافية.

كثير من الجهات المصرفية عندها عقود يستفتون على صورةٍ منها، ويوقَّع لهم على جوازها، ثم يتوسعون في تطبيقها، فيقع الناس في الربا بهذا التلبيس، فعلى المسلم أن يحتاط لنفسه، وألا يأكل إلا المال والكسب الحلال، «أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ»، «وَذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ» يُكرر «وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له؟» استبعاد أنى يُستجاب، وهذا ليس خاصًّا بالربا، جميع العقود المحرَّمة أو التصرفات التي لا تجوز كلها داخلة في هذا، لكن الربا من أعظمها.

«ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ» والسفر مظنة لإجابة الدعوة «أَشْعَثَ أَغْبَرَ» منكسر، هذا أيضًا مظنة لإجابة الدعوة، «يَمُدُّ يَدَيْهِ» يرفع يديه، «والله –جلَّ وعلا- يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»، «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ» يرفع يديه «يَا رَبِّ يَا رَبِّ»، والدعاء بهذا اللفظ مظنةٌ للإجابة لا سيما مع التكرار، كما نص على ذلك أهل العلم أن من قال: يا رب يا رب خمس مرات أُجيبت دعوته، بدليل ما جاء في آخر سورة آل عمران: ربنا، ربنا، ربنا إلى أن قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران:195]، وهذا من كلام أهل العلم.

«وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ؟» استبعاد يُستجاب لمثل هذا الذي غُذي جسده بالحرام «وكل جسدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»، وأعظم السُّحت الربا -نسأل الله العافية- تساهل الناس فيه، وتوسعوا في أمور دنياهم في بادئ الأمر، ثم حصل التضييق على كثيرٍ من الناس؛ بسبب هذا التوسع، تجده عند توقيع العقد مبسوطًا، سيشتري سيارة، لكن إذا حلَّت الأقساط، وجاء الدَّين، والدخل ما يكفي، فعلى الإنسان أن يحتاط لذمته، ويحتاط لنفسه.  

«وَأكل الرِّبَا، والتولي يَوْم الزَّحْف» في الجهاد إذا التقى الصفان هرب، هذا –نسأل الله العافية- من الموبقات؛ لأن هروبه يُجرِّئ العدون ويُضعِف المسلمين، هروبه وهروب ثانٍ وثالث هؤلاء –نسأل الله العافية- يفُتُّون في عضد الأمة، ويُجرِّئون العدو عليها؛ ولذا جاء التشديد في التولي يوم الزحف إلا ما استُثني.

 مثل ماذا؟

طالب: ...........

{إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال:16] هذا مستثنى؛ لأن هذا ما هرب ليُطمِع العدو، يمكن أنه هرب؛ ليخدع العدو أو لينصر فئة ثانية خشي أن تُغلَب أو تُهزَم.

«والتولي يَوْم الزَّحْف» إذا التقى الصفان وهو بينهما تعين عليه الجهاد، فلا يجوز له أن ينصرف بحال.

«والتولي يَوْم الزَّحْف، وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات»، هؤلاء ثبت لعنهم بالكتاب والسُّنَّة، والقذف شأنه عظيم، وإذا جاء النص في المحصنات، فقذف الرجال مثله، لكن التنصيص على المحصنات؛ لأن قذفهن أشد وأنكى، المرأة ضعيفة يُلوَّث عِرضها وعِرض أهلها ومعارفها، وقذف الرجل وإن كان في الحكم مثله ويترتب عليه الحد يُجلَد ثمانين جلدة، وتُرد شهادته، ويُحكَم عليه بالفسق سواءً كان المقذوف رجلًا أو امرأة، لكن التنصيص على «الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات» هذا أنكى؛ لأن وقعه أشد، هو أنكى بالنسبة لهذه المرأة المقذوفة، وبالنسبة لأهلها وذويها كلهم يلحقهم العار.

والعامة يقولون: الولد حامل عيبه، يعني العيب ما يُعاب به يخصه بخلاف البنت، فالأمر أشد؛ ولذا نُصَّ عليها، ورُكِّز على المحصنات الغافلات، وليس المراد بالمحصنات الثيبات؛ لأن المحصن يُطلق بإذاء من تزوج في باب الحد حد الزنا، المحصن من وطئ في نكاحٍ صحيح، وهو الثيب.

المحصنات هنا: العفيفات، لكن «الْمُحْصنَات الْغَافِلَات» البعيدات ما تخطر الفاحشة على بالهن، التي لا تخطر الفاحشة على البال عندهن، «الْمُؤْمِنَات».

فالأوصاف الثلاثة هل هي مؤثرة في الحكم أو غير مؤثرة؟ قذف المحصنة يعني العفيفة لا شك أنه من السبع الموبقات، لكن ماذا عن قذف غير العفيفة؟

غير العفيفة قَذَفَها أو غير غافلة ما حصل منها شيء، الأولى حصل منها، قارفت فاحشة، فما حكم قذفها؟ الثانية ما حصل منها شيء، لكن هو في بالها ما غفلت عنه، لكن ما حصل شيء.

الوصف الثالث «الْمُؤْمِنَات» قذف غير المسلمة.

أولًا: قذف غير المؤمنة وإن كانت مسلمة.

القسم الثاني: قذف غير المسلمة.

لا شك أنه أسهل من قذف المتصفة بالأوصاف الثلاثة، لكن يبقى أن الحد يلزم إذا قذف مسلمة، لو قذف مسلمة ولو كانت قارفت، ثم حُدَّت أو ما حُدَّت؛ لأنها مسلمة، لكن بهذه القيود الثلاثة هو من عظائم الأمور، وقد جاء في الحديث -وإن كان فيه مقال لأهل العلم- «قَذْفُ مُحْصَنَةِ يُحْبِطُ عِبادة ستين سَنَةٍ»، فالأمر ليس بالسهل يعني؛ لأن الكلام في أعراض الناس أمره عظيم، وشأنه خطير، لا سيما ما يتعلق بالأعراض، وإذا كان هذا بمجرد كلام فلا شك أنه في باب الفعل أعظم، يعني إذا كان مجرد أن تُرمى بكلام، وجاء فيه مثل هذا التشديد، فكيف إذا اقترن بذلك فعل؟

مثل ما يفعله بعض الفجرة من فعل الفاحشة بامرأة أو بغلام أو ما أشبه ذلك، ثم التصوير، ثم التشهير، نسأل الله العافية.

عظائم من عظائم الأمور هذه، ومثل هؤلاء يجب أن تُوقَع بهم أشد النكايات، ويجب أن يُقطَع دابرهم، وعلى من ولاه الله أمر المسلمين أن يتتبع أمثال هؤلاء، ويجتث جذورهم من أسفلها؛ لأن هذه معناه القضاء مبرمًا على الحياة، يُصوِّر ويُهدد، ويفضح وينشر -نسأل الله العافية- هذا أشد من مجرد القذف، مع أن القذف من السبع الموبقات التي جاءت في هذا الحديث، وجاء الوعيد الشديد في نصوصٍ كثيرة.

كم بقي؟

طالب: .............

خمس؟

طالب: ..............

معكم أسئلة؟

طالب: ............

هذا يسأل عن البيع عن طريق الشبكات البنكية عند بيع البضاعة، علمًا أن رصيد الشيك موجود في البنك والمبلغ مضمون السداد؟

لكن هل هو بمجرد الإيجاب والقبول يتم قبض المال؟ ما فيه أبلغ من قوله –عليه الصلاة والسلام-: «إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» يعني مثل ما تُسلِّم استلم، ومثل ما تستلم سلِّم، خُذ وهات، يعني التحويل من حساب إلى حساب قد يتأخر، الشيك المصدَّق يتأخر عن القبض، والتحويل من حساب إلى حساب لا سيما إذا كان أحدهما في بنك والثاني في بنكٍ آخر يتأخر، وإذا كان في نفس البنك والشبكة عليها ضغط يتأخر، فلا يتم التقابض في مثل هذه الصورة، وأنا أيضًا حتى عندي لو أنه حصل في الوقت نفسه حقيقة يدًا بيد ما تحققت.
طالب: ...........
الدورة العلمية تبدأ غدًا -إن شاء الله تعالى- في أبواب الأدب من تقريب الأسانيدن ومكانها هنا في التوسعة تبدأ غدًا -إن شاء الله- بعد المغرب، إن شاء الله تعالى.

يقول: هل يجوز التورق؟

التورق صورته أن يأتي محتاج لمال يبحث عمَّن يُقرضه فلا يجد، يبحث من يعقد معه سَلَمًا فلا يجد؛ لأن السَّلَم جائز بالإجماع، فيأتي إلى شخص عنده أموال، وهو لا يُريد هذا المال، عنده سيارة يشتريها منه بثمنٍ آجل، وهو لا يُريد السيارة، أما إذا كان يُريد السيارة نفسها، فهذا هو المنصوص عليه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، هذا جائز بالاتفاق، لكن هو لا يُريد السيارة، يريد قيمة السيارة، فيأتي إلى صاحب السيارة التي يملكها ملكًا تامًّا مستقرًا، ثم يشتريها منه بثمنٍ أعلى من قيمتها نقدًا، ثم يقبضها قبضًا شرعيًّا معتبرًا، ويبيعها على غيره، على طرفٍ ثالث بحيث يحوزها إلى رحلِه، ثم يبيعها إلى طرفٍ ثالث، هذه الصورة عامة أهل العلم على جوازها، ومنعها ابن عباس، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض أهل العلم من المعاصرين، لكن لا شك أن عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة على جوازها، فإذا استوفت هذه الشروط، ولم يحدث فيها التوسع الموجود الآن يتوسع...