شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (132)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد يجمعنا بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بك شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعون.

المقدم: لازلنا في حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في باب متى يصح سماع الصغير؟ وأسلفنا ذكر بعض الأحكام المتعلقة بصحة سماع الصغير، لعلنا نستكمل في هذه الحلقة يا شيخ، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،

فقد سبق الحديث عن سن التحمل، وأنه لا يشترط له سن معين، بل إذا ميز وفهم الخطاب ورد الجواب المطابق، أما قبول الرواية فلا يمكن إلا بعد البلوغ، فقبل البلوغ لا يمكن أن يُقبل الخبر من الصبي الذي تحمل قبله.

يقول الحافظ العراقي- رحمه الله تعالى-:

أجمع جمهور أئمة الأثر            والفقه في قبول ناقل الخبر

بأن يكون ضابطًا معدلًا            أي يقظًا ولم يكن مغفلًا

يحفظ إن حدد حفظًا يحوي          كتابه إن كان منه يروي

يعلم ما في اللفظ من إحالة         إن يروي بالمعنى وفي العدالة

بأن يكون مسلمًا ذا عقل            قد بلغ الحلم

هذا الشاهد

                                    قد بلغ الحلم سليم الفعل

من فسق، أو خرم مروءة ومن        زكاه عدلان فعدل مؤتمن

إذًا لا يقبل الخبر من الراوي إلا إذا بلغ الحلم، وجرى عليه قلم التكليف؛ لأنه قبل التكليف لا يؤمن أن يكذب في خبره؛ لأنَّه غير مكلف، يعرف أنه لن يعاقب على هذا الكذب إذًا يكذب، ومثل هذا في الفاسق والكافر، يتحملان حال الكفر والفسق يُقبل ما تحملاه في حال الفسق، والكفر قبل تحقق الأهلية شريطة أن يكون حال الأداء ممن تتوافر فيه الشروط، ومر بنا حديث جبير بن مطعم أنه تحمل حديثًا قبل إسلامه، «سمع النبي- عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور»، قبل أن يسلم، ما جاء في فداء بدر، أسرى بدر، سمع قبل إسلامه وأدى ما تحمله بعد إسلامه، وصححه الأئمة، وخُرج في الصحيحين وغيرهما؛ لأنه أدى بعد الإسلام، فالشروط التي يذكرها أهل العلم للرواة إنما تطلب للأداء، لا للتحمل، ونعرف الفرق بينهما، الأداء: هو محل العناية، التحمل: كون هذا الصبي يتحمل، بالضبط، أو بغير ضبط، كونه يكذب، هذه مسألة أخرى لا تعني علماء الحديث أبدًا لا من قريب، ولا من بعيد؛ لأنهم لا يقبلون رواية الصبي، لكن إذا بلغ وانطبقت عليه الشروط بأن يكون عدلًا ضابطًا، عدلًا ضابطًا..

المقدم: صحت روايته.

نعم المسألة مفترضة في عدل ضابط يقبله أهل العلم، فمثل هذا العدل الضابط هل يمكن أن يقول إنه تحمل في حال صباه ما لم يتحمله؟

المقدم: لا يتصور..

لا يمكن؛ لأنه مأخوذ بكلامه الآن.

يقول ابن عباس: «أقبلت راكبًا» راكبًا: منصوب على الحال، «على حمار» قال في العباب: الحمار العير، والجمع حمير وحمر، وحمرات، وأحمرة، وحمور، والحمارة الأتان والفرس الهجين، أتان: بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق، وفي آخره نون، وهي الأنثى من الحمر، وقد يقال بكسر الهمزة، حكاه الصغاني في شوارده، ولا يقال: أتانة وإن حكا يونس وغيره أتانة قال الجوهري: الأتان الحمارة، ولا يقال: أتانة، وثلاث أتن.

يقول الكرماني: ولما كان الحمار شاملًا للذكر والأنثى.

المقدم: لا يقال: ثلاثة أتن؟

يقال.

المقدم: يُقال.

قال الجوهري: الأتان الحمارة، ولا يقال: أتانة، وثلاث الجمع أتن.

المقدم: إذًا ليس مقصودًا.

لا، لا ليس معطوفًا على ولا يقال، لا، الأتان الحمارة، ولا يقال: أتانة، وجمعه أتن، كما يقال: ثلاث أتن.

يقول الكرماني: ولما كان الحمار شاملًا للذكر والأنثى، خصصه بقوله: أتان، يعني الحمار بمنزلة، الحمار شاملًا الذكر والأنثى.

المقدم: نعم.

كما تقول: إنسان شامل الذكر والأنثى.

المقدم: الخيل.

كذلك، يقول: لما كان الحمار شاملًا للذكر والأنثى خصصه بقوله: أتان، فإن قلت: فلمَ لم يقل على حمارة؟ في كلام الجوهري: الأتان الحمارة، حمار أتان بدل كلمتين يقول كلمة واحدة، أقبلت على حمارة، يقول الكرماني: فلمَ لم يقل عليه حمارة فيستغني عن لفظ أتان؟ قلت: -كلام الكرماني- لأن التاء في حمارة يحتمل أن تكون للوحدة، وأن تكون للتأنيث فلا يكون نصًّا في أنوثته، وفي فتح الباري: «على حمار» هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير، وشذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح، وشذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح، هذا نقل ابن حجر عن الجوهري، والذي في الصحاح للجوهري الحمار العير، والجمع: حمير، وحمر، وحمرات، وأحمرة، وربما قالوا للأتان حمارة، ربما قالوا للحمار أتانة، هذا للتقليل، نقل ابن حجر عن الجوهري قول: وشذ حمارة في الأنثى كما حكاه في الصحاح، فرق بين شذ وبين ربما، ربما للتقليل، وشذ.

المقدم: نادر، قليل...

جدًّا، وهناك النقل الأول، وهو من العيني، يقول: وقال الجوهري: الأتان الحمارة، ولا يقال أتانة، وعرفنا ما في الصحاح من قوله: وربما قالوا: للأتان حمارة، المقصود أنه قليل قولها بالتاء، إنما يقال: حمار ذكر، أو حمار أنثى أي أتان، لكن عبارة الجوهري ربما يعني للتقليل، الشاذ على خلاف الأصل، على خلاف القاعدة، ما يخالف القاعدة يقال له: شاذ.

وحمار أتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل، وروي بالإضافة، من إضافة الشيء إلى صفته، روي بالإضافة، وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة؛ لأنهن أشرف، وهو قياس صحيح من حيث النظر إلا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثل هذا، كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى، الحديث الصحيح: «يقطع صلاة الرجل المرأة، والحمار، والكلب الأسود» مثل هذا الخبر الصحيح الصريح لا يُدفع بمثل هذا الاستنباط، «وأنا يومئذ» الواو فيه للحال، وأنا مبتدأ وخبره قوله: «قد ناهزت الاحتلام»، قد ناهزت: أي قاربت، يقال: ناهز الصبي البلوغ إذا قاربه، والمراد بالاحتلام: البلوغ الشرعي وهو مشتق من الحُلم بالضم وهو ما يراه النائم، واختلف في سن ابن عباس- رضي الله عنه- عند وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- فقيل: عشر، وقيل: ثلاثة عشر، وقيل: خمسة عشر، والثاني أرجحها ابن ثلاث عشرة؛ لأنَّه قد ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، «ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي» الواو للحال، ورسول الله: مبتدأ، خبره يصلي، «بمنى» قال الجوهري: منى مقصور موضع بمكة، وهو مذكر يصرف، قال الكرماني: فإن قلت هو علم للبقعة فيكون غير منصرف، قلت: لما استعمل منصرفًا علم أنهم جعلوه علمًا للمكان، قال النووي: فيه لغتان، الصرف والمنع، ولهذا يكتب بالألف، والياء، والأجود صرفها وكتابتها بالألف كذا قال، سمي هذا المكان بهذا الاسم؛ لكثرة ما يمنى بها من الدماء أي يراق، «إلى غير جدار» أي متوجهًا إليه أي إلى غير سترة كما قال الإمام الشافعي، وسياق الكلام يدل عليه؛ لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أنَّ المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار بلفظ: «والنبي- عليه الصلاة والسلام- يصلي المكتوبة، ليس شيئًا يستره»، لا شك أن السياق يدل على أنه يصلي إلى غير سترة؛ لأن التنصيص عن الجدار لا قيمة له، لو كان يصلي إلى عنزة أو حربة أو ما أشبه ذلك.

وفي عمدة القاري وقبله الكرماني: فإن قلت لفظة «إلى غير جدار» لا ينفي شيئًا غيره، فكيف يفسر بغير سترة؟ قلت: إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم وعن عدم الجدار، مع أنهم لم ينكروا عليه، وأنه مظنة إنكار يدل على حدوث أمر لم يعهد قبل ذلك من كون المرور مع السترة غير منكر، المرور مع السترة غير منكر لا يحتاج إلى إنكار، فدل على أن الذي يحتاج إلى إنكار هو المرور إلى غير سترة، فلو فرض سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة، فمررت بين يدي.

أحد الحضور: ...

يأتي هذا، تأتي الإشارة إليه.

فمررت بين يدي قدام وأمام بعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف، بعض الصف يعني بعض جنس الصف، فيكون مر بين يدي صف من الصفوف، أو بين يدي بعض أحد الصفوف، أن الصف قد يراد به الجنس فيطلق على الصفوف، فيكون صفًّا مر بين صف كامل، وبين يدي بعض الصف من أحد الصفوف، قال الكرماني: وأرسلتها، أرسلت أي تركتها، وأطلقتها وفيها جواز إرسال الدابة من غير حافظ، أو مع حافظ غير مكلف، الأتان ترتع: بتاءين مثناتين من فوق، مفتوحتين وضم العين، أي تأكل ما تشاء، من رتعت الماشية ترتع رتوعًا وقيل: تسرع في المشي، وجاء أيضًا بكسر العين، بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي، لكن حذفت الياء تخفيفًا والأول أصوب، قاله ابن حجر، ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها فرتعت، فدخلت في الصف، يقول الكشميهني: « فدخلت في الصف»، عندك« ودخلت» ؟

المقدم: بالواو نعم يا شيخ « ودخلت».

«ودخلت في الصف» الذي في رواية الكشميهني: «فدخلت في الصف»، «فلم يُنكَر»، فلم يُنكَر أو فلم يُنكِر؟

المقدم: عندنا في نسختنا «فلم يُنكَر».

«فلم ينكر عليه» يعني لم ينكره أحد، «ولم يُنكر» يعني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-،« فلم يُنكر» أي الرسول- عليه الصلاة والسلام- وبلفظ المجهول أي لم ينكر ذلك أحد لا الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولا غيره.

قال ابن حجر: قيل: فيه جواز تقديم المصلحة الراجحة على المصلحة الخفيفة؛ لأن المرور مفسدة خفيفة، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة، قيل فيه جواز تقديم المصلحة الراجحة، نعم، المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة؛ لأن المرور، نعم، مفسدة خفيفة، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة، يعني متابعة الصلاة وعدم الإنكار مصلحة راجحة، دخول ابن عباس أيضًا في صلاته مصلحة راجحة، لكن من أين جاءت المفسدة الخفيفة في المرور بين يدي بعض الصف؟

المقدم: الإشغال.

 هل لأن هذا يقطع الصلاة؟ إذا كان يقطع الصلاة فمفسدة عظيمة.

المقدم: مفسدة عظيمة، لا، من أجل إشغالهم.

هو مجرد المرور المتضمن للتشويش عليهم، مفسدة، لكنها مغمورة بالنسبة لإدراكه الصلاة، واستدل ابن عباس على الجواز بعدم الإنكار؛ لانتفاء الموانع إذ ذاك، ما فيه ما يمنع من الإنكار على ابن عباس، يمتنع الكبير من الإنكار على الصبي الصغير الذي فعل ما ينبغي إنكاره؟ لا يوجد ما يمنع من الإنكار، ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة؛ لأنه نفى الإنكار مطلقًا، فتناول ما بعد الصلاة، ما أنكر عليه ولا بعد الصلاة، وأيضًا فكان الإنكار يمكن بالإشارة، يمكن أن يكون بالإشارة، ولم يحصل شيء من ذلك، ولا يتم الاستدلال بالحديث على عدم قطع الحمار للصلاة؛ لأن مروره بين يدي بعض الصف لا يقطع صلاة المأموم؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وبهذا ترجم الإمام البخاري على هذا الحديث باب سترة الإمام سترة لمن خلفه، على هذا الحديث والاستدلال إنما يتم لو مرت الأتان بين يدى النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي الحديث ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنما يشترط ذلك عند الأداء  كما تقدم، ويلتحق بذلك الفاسق والكافر.

 قال ابن بطال: وفيه أيضًا أن الصاحب إذا فعل شيئًا بين يدي الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره فهو حجة يحكم به، يعني حجة تقريرية؛ لأن الّسنة إما قول، أو فعل منه- عليه الصلاة والسلام-، أو تقرير.

وفيه جواز الركوب إلى صلاة الجماعة والعيدين، وفيه أن السترة للمصلي غير واجبة والأمر بها للاستحباب، لماذا؟ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى إلى غير جدار يعني إلى غير سترة.

أحد الحضور: كيف يتم الاستدلال بما ذهب إليه الإمام البخاري من أن سترة الإمام سترة لمن خلفه والنبي- عليه الصلاة والسلام- لم يتخذ.

لم يتخذ سترة هذا سيأتي إن شاء الله، سيأتي في الباب الذي يليه، في الموضع الثاني إن شاء الله تعالى.

المقدم: يعني مسائل السترة وما يتعلق بها ستأتي إن شاء الله.

ستأتي إن شاء الله في موضعها، والآن نشير إلى ما أشار إليه الشيخ.

المقدم: جيد.

الحديث خرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع:

الأول: هنا في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير؟ في رواية الكشميهني كما تقدم الصبي الصغير، يقول الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكبًا، فذكره في إسناد الحديث، يقول: إسماعيل بن أبي أويس وهو ابن أخت مالك، يروي عنه كثيرًا، يقول: حدثني مالك، متى يقول الراوي: حدثني؟ إذا كان لوحده وتحمل بطريق السماع، لكن هل تحمل إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بطريق السماع؟ الإمام مالك لا يحدث أحدًا إنما يقرأ عليه، يعني تحمله بطريق العرض كغيره، إذًا كيف قال: حدثني مالك؟

أحد الحضور: تجوزًا.

لا، الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- لا يفرق بين صيغ الأداء، سواء قال: حدثني، أو أخبرني ما يفرق؛ لأنه لا فرق عنده بين التحديث والإخبار، أقبلت راكبًا فذكره، وسبق ذكر مناسبة الباب للكتاب، والحديث للباب، والباب لما قبله.

الموضع الثاني: في كتاب الصلاة، في باب سترة الإمام سترة من خلفه، قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-  قال: فذكره قال ابن حجر والاستدلال بالحديث على ما ترجم به فيه نظر؛ لأنه ليس فيه أنه- عليه الصلاة والسلام- صلى إلى سترة، هنا ترجم باب سترة الإمام سترة من خلفه، إذا كان الإمام لم يتخذ سترة، فكيف تكون سترة لمن خلفه؟

أحد الحضور: ما يكون كما قال بعضهم.

دعونا من قول بعضهم إن الإمام نفسه سترة لمن خلفه، لكننا نناقش عبارة البخاري: "باب سترة الإمام سترة من خلفه" يقول ابن حجر: الاستدلال بالحديث على ما ترجم به فيه نظر؛ لأنه ليس فيه أنه- عليه الصلاة والسلام- صلى إلى سترة، وقد بوب عليه البيهقي: باب من صلى إلى غير سترة، وسبق قول الشافعي: أن المراد بقوله: صلى إلى غير جدار يعني إلى غير سترة، وقال بعض المتأخرين: قوله إلى غير جدار لا ينفي غير الجدار إلا أنَّ إخبار ابن عباس عن مروره بهم، وعدم إنكارهم لذلك مشعر بحدوث أمر لم يعهدوه، فلو فرض أن هناك سترة أخرى غير الجدار...

المقدم: لبين.

لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلًا، وكأن البخاري- رحمه الله- حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته- صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يصلي إلا والعنزة أمامه، ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة، وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله: بعد الحرب وكان يفعل ذلك في السفر، وقد تبعه إلى ذلك النووي في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث، فقال: فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

 على كل حال الإمام البخاري يناقش في ترجمته؛ لأن المرجح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى إلى غير سترة، لكن عند من يقول إن الإمام نفسه سترة لمن خلفه لا إشكال، فالأتان لما مرت بين يدي الصف، وسترة هذا الصف هو الإمام نفسه لا إشكال، وعلى هذا فلا ترد هذه القصة على حديث الخط بأحد ثلاثة أشياء ومنها: الحمار والمقصود به المنفرد، الإمام والمنفرد، يعني إذا مرت بين يدي الإمام تم الاستدلال، ولو مرت بين يدي المنفرد تم الاستدلال على أن الحمار لا يقطع، وخص بذلك الحديث، وسيأتي بحث السترة إن شاء الله تعالى مستوفًى في موضعه، بإذن الله تعالى.

الموضع الثالث: في كتاب الآذان، باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور، وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم، يقول الإمام- رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «أقبلت راكبًا على حمار أتان» فذكره، مناسبة الحديث للباب ظاهرة، باب وضوء الصبيان.

المقدم: على أساس أنَّه توضأ.

في حضور ابن عباس وهو الصبي الجماعة، ويلزم لذلك الحضور وضوء، قال الزين بن المنير: لم ينص يعني البخاري على حكمه يعني الوضوء، باب وضوء الصبيان، ما قال باب وجوب ولا استحباب ومتى يجب عليهم الغسل والطهور، ما نص على حكم، يقول الزين بن المنير: لم ينص -يعني البخاري- على حكمه، يعني الوضوء؛ لأنه لو عبر بالندب باب استحباب وضوء الصبيان لاقتضى ذلك صحة صلاة الصبي بغير وضوء، ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه، كما هو شأن الواجب فأتى بعبارة سالمة من ذلك، وإنما يؤمر الصبي بالوضوء، ويؤمر بجميع ما يُطلب للصلاة، لماذا؟ لأنه يؤمر بالصلاة، وتبعًا لأمره بالصلاة -وهذا من باب التعليم- تبعًا لأمره بالصلاة أمره بجميع ما يشترط للصلاة مما يستطيعه، الباب باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور تحت عنوان كتاب الأذان، هذا الكتاب إدراجه إدراج مائة وستة وستين بابًا في كتاب الأذان جلها لا علاقة له بكتاب الأذان، إنما أدرجت هذه الأبواب في الترجمة الكبرى من أجل الترتيب الذي اعتمد في المعجم المفهرس، ومحمد فؤاد عبد الباقي الذي رقم هذه الكتب والأبواب تبع فيه ما عمله أصحاب المعجم المفهرس، وإلا فهي في الحقيقة من كتاب الصلاة لييسر على الباحث عمل هذه الأرقام والأطراف ورقم الكتب والأبواب من أجل أن يربط الطالب بكتاب المعجم المفهرس؛ ليستفيد منه، وله عناية به- رحمه الله- وإلا فمائة وستة وستون بابًا تابعة لكتاب الصلاة وليست جلها تابعة لكتاب الصلاة، ولا يتبع كتاب الآذان منها إلا اليسير.

الموضع الرابع: في كتاب جزاء الصيد من كتاب الحج باب حج الصبيان، ولعل المستشرقين لما رتبوا وقفوا على نسخة فيها هذا الترتيب، الموضع الرابع في كتاب جزاء الصيد من كتاب الحج باب حج الصبيان قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن أخ ابن شهاب عن عمه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت وقد ناهزت الاحتلام، أو الحلم أسير على أتان لي، فذكر الحديث بمعناه، والمناسبة ظاهرة حج الصبيان ابن عباس حج مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو صبي.

والموضع الخامس: في كتاب المغازي باب حجة الوداع، قال: حدثنا يحيي بن قزعة قال: حدثنا مالك عن ابن شهاب، وقال الليث: حدثنا يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنه أقبل يسير على حمار، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم بمنى في حجة الوداع، فمناسبة الباب ظاهرة باب حجة الوداع، وفي الحديث قائم بمنى بحجة الوداع، ومناسبة حجة الوداع في كتاب المغازي عرفنا أنه في كتاب المغازي والسير يدرجون في ذلك ما له علاقة قريبة، أو بعيدة للكتاب..

المقدم: من أفعال الرسول- صلى الله عليه وسلم-.

 من أفعاله- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: أحسن الله إليك، فيه نقطة قبل ما نختم هذه الحلقة، ما تعلق بابن عباس- رضي الله عنه- في حجته هنا، وسبق لنا في الحلقة الماضية تحدث بعض الأخوة بعد تسجيل الحلقة سأل: كيف يمكن أن ينظر إلى ابن عباس في مسألة تلقيه العلم- رضي الله عنه-؟ في نفس الموضع روى- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو محرم، ولم يقبل هذا القول منه بناءً على نصوص أخرى، وهنا عندما نقل هذا الحديث قُبل منه السماع والأداء، كيف يمكن معرفة..؟

هو قُبل منه هذا؛ لعدم المعارض، ورُدَّ حديث.

المقدم: وهو في نفس السنة، ونفس الحجة.

نعم يضبط شيئًا، ولا يضبط شيئًا آخر، لما عورض بحديث ميمونة نفسها صاحبة الشأن، وحديث أبي رافع السفير بينهما، سارت روايتهما أقوى من روايته، فردت روايته من باب الترجيح، وإلا فحديثه من حيث الصناعة صحيح، سنده صحيح إلى ابن عباس، وهو مخرج في الصحيح، لكن متنه لما عورض بما هو أقوى منه رد، وهذا الحديث وما جاء في كثير من مرويات ابن عباس لعدم المعارض مقبول بلا شك.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم. أيها الإخوة والأخوات، كنا مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، نلتقي بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.