شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (54)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (54)

التَّصْحِيْفُ - مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ - خَفِيُّ الإِرْسَالِ وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ

 الشيخ: عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

التَّصْحِيْفُ

وَالْعَسْكَرِيْ وَالدَّارَقُطْنِيْ صَنَّفَا
فِي الْمَتْنِ كَالصُّوْلِيِّ (سِتًّا) غَيَّرِ
صَحَّفَ فِيْهِ الطَّبَرِيُّ قالاَ:
وَأَطْلَقُوْا التَّصْحِيْفَ فِيْمَا ظَهَرَا
وَوَاصِلٌ بِعَاصِمٍ وَالأَحْدَبُ
وَصَحَّفَ الْمَعْنَى إِمَامُ عَنَزَهْ
وَبَعْضُهُمْ ظَنَّ سُكُوْنَ نَوْنِهْ
ج
ج

 

فِيْمَا لَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ صَحَّفَا
(شَيْئًا) أوِ الإِسْنَادِ كَابْنِ النُّدَّرِ
(بُذَّرُ) بالبَاءِ وَنَقْطٍ ذَالاَ
كَقَوْلِهِ: (احْتَجَمَ) مَكَانَ (احْتَجَرا)
بِأَحْوَلٍ تَصْحِيْفَ سَمْعٍ لَقَّبُوا
ظَنَّ الْقَبِيْلَ
بحَدِيْثِ (الْعَنَزَهْ)
فَقالَ: شَاَةٌ خَابَ فِي ظُنُوْنِهْ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"التصحيف" التصحيف هو التغيير، وسببه هو الاعتماد على الصحف دون الأخذ عن الشيوخ.

فإذا اعتمد الإنسان على الصحف يقرأ الشيء على حسب الحروف التي أمامه، لكن قد يكون ضبطه لهذه الحروف موافقًا للصواب وقد يخطئ، أقول: وهذا النوع يقع في الأسماء أكثر؛ لأنها لا تفهم من السياق، ولا يستدل عليها بما قبلها وما بعدها، بينما المتون قد تفهم من السياق، وتنطق إذا كانت اللفظة متداولة على الصواب، بناء على ما سبقها وما تأخر عنها، وإذا كانت اللفظة من الغريب التي يقل تداولها فيقع فيها التصحيف، وإذا كان صورتها تشتبه بغيرها وقع التصحيف.

يقول -رحمه الله تعالى-:

والعسكري والدارقطني صنفا
 

 

...................................

التصحيف منهم من يجعله لمطلق التغيير، سواء كان التغيير في الحروف أو في الضبط والشكل، أو في المعنى، ومنهم من يقول: التصحيف في الحروف والتحريف في الشكل، ومنهم من يقول: التصحيف في الحروف والشكل، والتحريف للمعنى.

والعسكري والدارقطني صنفا
 

 

فيما له بعض الرواة صحفا

العسكري الحافظ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، وهناك من اشتهر بهذه النسبة وهو أبو هلال العسكري، له مصنفات، منها: الأمثال، ومنها الفروق في اللغة وغيرهما من المؤلفات، لكن العسكري هذا صاحب المصنفات في التصحيف، وله أكثر من مؤلف في هذا الباب، له أكثر من مؤلف، شرح ما يقع فيه التصحيف (تصحيفات المحدثين وأخبار المصحفين) هذا أصغرها في أخبار المصحفين، وذكر فيه طرائف ونوادر، وذكر أشياء من تصحيفات القراء، لبعض ألفاظ القرآن الكريم، ونُسب لعثمان بن أبي شيبة أشياء مثل هذا النوع في القرآن، ذَكر بإسناده قال: قرأ عثمان بن أبي شيبة: "فجعل السقاية في رجل أخيه" فقيل له: في رحل أخيه، فقال: تحت الجيم واحدة، بعضهم صحف {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} [(171) سورة الأعراف] قال: "نتفنا الحبل" يعني في الصورة متقاربة، وذكرنا أنه في السابق الإعجام غير موجود، صورة الحرف يشتبه بغيره، وكان العرب على سليقتهم في الصدر الأول لا يحتاجون لا إلى نقط ولا إلى شكل، وذكرنا سابقًا قراءة بعضهم: "والنحل باسقات" قيل: النخل، قال: لا النحل؛ لأن ما فيها نقطة، لا نون ولا خاء، يعني احتمال تُقرأ: البخل بعد، لكن استدل من رد عليهم من حيث المعنى، يقول: إن كانت النحل ولا بد فقل: لاسعات، لا تقل: باسقات، فهم يستدلون بسياق الكلام ببعضه على بعض، والكتاب هذا مطول يعني باعتبار، مطول بالسند، يعني يذكر ثلاثة أسطر أربعة السند؛ لأنه متأخر، ثم يذكر التصحيف كلمة واحدة، قال: ((عم الرجل صنو أبيه)) هذا الحديث صحيح، قال المصحف: "عم الرجل ضيق أبيه" نعم وهذا قال: صحف بعضهم قوله: "لا يورث حميل إلا ببينة" قال: "لا يورث جميل إلا بثينة". ومن أشد ما وقع أثره في التصحيف قال: كتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم أن احصِ من قبلك من المخنثين، فصحف كاتبه فقرأ: اخصِ، فدعاء بهم فخصاهم، لكن ما يتعلق بالقرآن حقيقة مشكل جدًّا يعني، حتى أنه صار مما يتندر به.

يقول: إنه كان في أول تعلمه -حمزة الزيات ينقلون عنه- أنه كان في أول تعلمه القرآن يتعلم من المصحف فقرأ: "ذلك الكتاب لا زيت فيه" مشكلة مثل هذه، "الخوارج مكلبين" وهي الجوارح، يأتي بعض الأمثلة في النظم، قال:

والعسكري والدارقطني صنفا
 

 

فيما له بعض الرواة صحفا

يعني صنفا في هذا النوع، وهو المصحف.

...................................
في المتن كالصولي (ستًا) غيّرِ
 

 

فيما له بعض الرواة صحفا
شيئًا...............................

 ((من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال)) أملاه الصولي فقال: شيئًا.

...................................

 

..............أو الإسناد كابن الندرِ

ابن الندر هذا من الصحابة، عتبة بن الندر السلمي، صحفه ابن جرير الطبري.

صحف فيه الطبري قالا

 

بذر................................
ج

نعم بذر بالباء والذال، بالباء "ونقط ذالا".

صحف فيه الطبري قالا

 

بذر بالباء ونقط ذالا
ج

يعني بدل الدال المهملة وبالنون، وبالباء بدل النون. من التصحيف ما جاء في حديث: "احتجر النبي -صلى الله عليه وسلم-" صُحِّف: "احتجم".

وأطلقوا التصحيف فيما ظهر
ج
 
ج

 

كقوله: "احتجم" مكان "احتجرا"
ج

النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجر في المسجد، يعني اتخذ حجرة من سعف النخل، احتجر بها يعني في وقت الاعتكاف، فصحفت "احتجم في المسجد".

وواصل بعاصم والأحدبُ
 
ج

 

بأحول تصحيف سمع لقبوا
 
ج

يعني هناك تصحيف بصر، تنظر إلى الكلمة فتقرأها على خلاف الصواب، وقد تنقلها إلى كتاب آخر كذلك على خلاف الصواب، وهناك ما يسمى بتصحيف السمع، تسمع الكلمة فيصحفها سمعك إلى كلمة توازيها في الميزان الصرفي، فمثلًا عاصم صار واصل، والأحول صار الأحدب.

وواصل بعاصم والأحدبُ
 
ج

 

بأحول تصحيف سمع لقبوا
 
ج

لأنه بالنسبة للبصر فيه فرق بين واصل وعاصم، في فرق، وفرق بين الأحدب والأحول إلا إذا كان الخط على طريق المشْق أو التعليق الذي لا تبين فيه الحروف كما ينبغي، ولا يفصل بعضها من بعض كما ينبغي، ولا تظهر أسنان الحرف، والنقط قد لا تكون في مواقعها، ومر هذان النوعان من أنوع الخطوط، وهي شر أنواع الخطوط.

وواصل بعاصم والأحدبُ
 
ج

 

بأحول تصحيف سمع لقبوا
 
ج

يعني البصر ما يخطأ في مثل هذا، لكن تسمع وتصحف، وهذا كثير، تجد الإنسان يسمع الكلمة فلا يضبطها، يأتي بما يقاربها مما هو على زنتها.

وصحف المعنى إمام عنزه

 

...................................

أبو موسى العنزي، محمد بن مثنى، وهو من شيوخ الأئمة الستة.

وصحف المعنى إمام عنزه

 

ظن القبيل بحديث العنزه
ج

النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى تركز له العنزة، فظن العنزة القبيلة، لا سيما وأنه عنزي، ويذكر عنه أنه يقول: نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم-،..... والذي يغلب على الظن إن مثل هذا يكون من باب التنكيت؛ لأنه عرف بهذا، أما إمام من شيوخ البخاري ومسلم وغيرهم يقول: صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ما يمشي هذا إطلاقًا، وأسوأ من هذا من سكن النون ثم رواه بالمعنى، وقال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة، وذكر بعضهم أنه قدم إلى بلد فوجدهم يصلون وقد ربطوا في المحراب شاة، ربطوها في المحراب يصلون إليها، يعني بعد أن سكن النون عنْزة، ثم عاد روى بالمعنى ما يحتاج لفظًا، هذه الرواية بالمعنى جائزة، فقال: صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى شاة، وطبقوا، ربطوا بالمحراب شاة، قال:

وبعضهم ظن سكون نونه
 

 

فقال: شاة.........................
 
ج

يعني إلى شاة.

...................................

 

....................خاب في ظنونه

نعم الذي إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، يعني المسألة مفترضة في طالب علم يسمع الحديث، فإذا وصل الغباء به إلى هذا الحد فهذا خاب في ظنونه، ولن يفلح، إذا كانت هذه بدايته لن يفلح؛ لأنه لو اقتصر على اللفظ ورواه بلفظه، ما فعل أو ما صحف أكثر من مرة، الآن أبو موسى على اللفظ عنزة، وصحف المعنى من العصا الذي في طرفه الزنج الذي يوضع أمام المصلي، كان يُحمل مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يستتر به، لفظه ولفظ القبيلة واحد، هذا تصحيف درجة واحدة، لكن تصحيف درجتين وثلاث أيضًا كما هو في تسكين النون عنْزة، ثم بعد ذلك التطبيق والرواية بالمعنى، والعنْز والشاة حكمهما واحد، وإلا فالمعز غير الضأن، الشاة الأنثى من الضأن، والعنزة الأنثى من الماعز فصيلة أخرى، ومع ذلك جرى على ذلك التطبيق عنده، فربطوا في المحراب شاة، مثل من صحف: "بسكينة ووقار" "بسكينة وفأر" وصار كل واحد من جماعة المسجد ما يجيء إلى المسجد إلا ومعه سكين وفأر، فلا شك أن الذي يعتمد على الصُّحف ولا يسمع من العلماء المعروفين بالضبط والإتقان، ولا يراجع كتب الضبط، مثل هذا يقع في المضحكات، ولا بد أن يقع، مهما بلغ من المنزلة إلا أنه يتفاوت، بعض الناس يكثر عنده مثل هذا، وبعضهم قد يقع منه ما يضحك منه، لا سيما إذا سخِر ممن يقع منه هذا الأمر، لا بد أن يعاقب، ففي مجلس إمام من الأئمة من المشاهير قال: الإمام قرأ البارحة: "والوالدات يرضعن أزواجهن" ضحك هذا الإمام ضحكًا شديدًا، وكأنه وقع في نفسه شيء من السخرية بهذا الرجل، فقرأها كما سمع، الإنسان يعاقب، الذي يعير أخاه بما وقع منه سواء كان عن عمد وتاب عنه أو كان عن سهو وغفلة وعدم قصد لا بد أن يقع، نعم؟

طالب:.......

إذا كثر يجرح به؛ لأنه دل على عدم الضبط، الضبط شرط، نعم؟

طالب:.......

هذه كتب الأنساب كفيلة بها، كتب الأنساب، وكتب المشتبه، وكتب المؤتلف، كثيرة مصنفات في هذا الباب، بعني من أجمعها كتاب الحافظ ابن حجر: (تبصير المنتبه)، وكتاب الذهبي: (المشتبه) كتب كثيرة في هذا الباب بالنسبة للرواة، وبالنسبة للألفاظ كتب الغريب تضبط، والشروح أيضًا تضبط، بالنسبة للأنساب العيني في ترجمة جرير بن عبد الله في موضعين قال: البُجلي، وفي موضع ثالث ضبطها على الصواب، قال: البَجلي، رِبعي بن حِراش ضبْطه بالمهملة، والمنذري في تهذيب السنن ضبطه بالخاء المعجمة، والأكثر على ضبط الربيع بن خُثيم، وضبطه بعض من ترجم من المتأخرين "بخيثم" تجدونها في كثير من الكتب التي طبعت الربيع بن خيثم، لكن صوابها بالتصغير خثيم، وغير هذا كثير، كثير جدًّا يقع فيه التصحيف، وسببه الاعتماد على الصحف؛ ولذلك نسب إليه، ولذلك قيل: التصحيف، يعني الفعلة فعلة التصحيف ارتباطها بالتسمية بعيد، لكن بالنظر إلى أن السبب في التصحيف الأخذ من الصحف سمي تصحيفًا، وأما المعنى المطابق فهو التحريف، وهو الانحراف باللفظة عن طريقها وسننها الصحيح، سواء كان ذلك باللفظ، بالحرف، بالشكل، بالمعنى، كله تحريف، أما تصحيف فمراعاة للسبب الموقع في التصحيف، وهو الأخذ من الصحف والاعتماد عليها، نعم.

مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ

وَالْمَتْنُ إِنْ نَافَاهُ مَتْنٌ آخَرُ
كَمَتْنِ (لاَ يُوْرِدُ) مَعْ (لاَ عَدْوَى)
أَوْ لاَ فَإِنْ نَسْخٌ بَدَا فَاعْمَلْ بِهِ
ج

 

وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلاَ تَنَافُرُ
فَالنَّفْيُ لـِلطـَّبـْعِ وَفِرَّ عَدْوَا
أَوْ لاَ فَرَجِـّحْ وَاعْمَلَنْ بِالأَشْبَهِ

يقول الناظم –رحمة الله عليه-:

"مختلف الحديث" وحقيقته أن يوجد حديثان متضادان في الظاهر.

وأما في الباطن فلا يمكن أن يوجد حديث مضاد في المعنى لحديث آخر وكلاهما صحيح ثابت، لا يمكن؛ لأن الأحاديث من مشكاة واحدة، وهي وحي من الله، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم] ونُفي الاختلاف عن الوحي {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] لكن الذي من عند الله ومن مشكاة واحدة لا يمكن أن يختلف، وقد يوجد بالنسبة للبشر كلام يصدر من شخص واحد ويحصل فيه اختلاف؛ لأنه ليس من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] يعني من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا، لكن الذي من عند الله -جل وعلا- لا يوجد فيه اختلاف، قد يقول قائل: وجدنا اختلافًا كثيرًا في الآيات وفي الأحاديث، نقول: هذا اختلاف في الظاهر، وأما في الحقيقة والباطن لا اختلاف، هذا الذي يبحثه أهل العلم في هذا الموضع الذي هو مختلف الحديث، وقد يقال له: المشكل، وألفت فيه المؤلفات من أولها وأولاها اختلاف الحديث للإمام الشافعي، على خلاف بينهم هل هو مؤلف مستقل لهذا النوع، أو هو باب من أبواب الأم، فبعض الشافعية يقول: ليس بمفرد، هذا من أبواب الأم، وهذا عليه الأكثر، وأفرد، فمنهم من قال: إنه مفرد، من الأصل ألفه الإمام الشافعي كتابًا مستقلاًّ كما ألف الرسالة، ألف اختلاف الحديث، ومنهم من يقول: إنه باب من أبواب الأم.

والمسألة سهلة، المقصود أنه كتاب متكامل، سواء أضيف إلى كتاب وأدخل في كتاب الأم الكبير، أو أفرد عنه، ألف في مختلف الحديث أيضًا ابن قتيبة، ألف فيه ابن قتيبة (تأويل مختلف الحديث) وكتابه عليه استدراك، وضعُف في الإجابة عن بعض الاختلاف في بعض المواطن، وممن عرف بالعناية بهذا النوع من أنواع علوم الحديث الإمام ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، يطلق عليه شيخ الإسلام وغيره: إمام الأئمة، ويقول: لا أعرف حديثين متضادين متعارضين، فمن كان عنده شيء من ذلك فليأتني لأولف بينهما؛ ولذلك تجدون في تراجم صحيحه: كثيرًا ما يوفق بين الأحاديث، وقد عرف بهذا، لكن لا يعني أنه أحاط بكل شيء، أو أنه لا يشكل عليه شيء، لا، يعني حكم على حديث حسنه أكثر أهل العلم ((لا يؤمنّ أحد قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم)) قال: هذا الحديث موضوع هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه معارض بحديث: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) هذا خص نفسه، ابن خزيمة -رحمه الله- قال: الحديث الثاني موضوع، معارض بما في الصحيح، بما هو أصح منه، فدل على أنه لا يثبت، مع أنه مُحسَّن عند جمع من أهل العلم، والتوفيق ظاهر، سهل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: المحظور الدعاء الذي يؤمن عليه، يعني ما يمكن إمام يؤم الناس ويقول في القنوت: اللهم أهدني فيمن هديت، والناس يقولون: آمين، اللهم عافني فيمن عافيت ويقولون: آمين، هذا لا يجوز، بل قد يحمل هذا بعضهم على أن يدعو عليه، يمكن يدعى عليه إذا خص نفسه بدعوة دونهم، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.

السخاوي له جواب يقول: يمكن حمل الدعاء الممنوع في الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام مع المأموم، أما ما يشترك الإمام مع المأموم كدعاء الاستفتاح والدعاء بين السجدتين مثلًا هذا يجوز أن يخص نفسه، دعاء الاستفتاح الإمام يستفتح والمأموم يسـتفتح، وبين السجدتين الإمام يقول: ربي اغفر لي وارحمني، والمأموم كذلك، فلا يلزم أن يقول الإمام: ربنا اغفر لنا وارحمنا.. إلى آخره.

طالب:.......

إيه جواب شيخ الإسلام أخص، إيه يعني مثلًا دعاء الإمام يدعو في سجوده بما لا يشترك معه المأموم، على رأي شيخ الإسلام ما يخالف، يجوز؛ لأنه لا يؤمن عليه هذا، وعند السخاوي لا يجوز؛ لأن المأموم لا يقولها، نعم؟

طالب:.......

يدعو، لكن ما يدعو بمثل ما يدعو به الإمام.

طالب:.......

لا لا، السخاوي ما فيه إلا الدعاء المشترك الذي جاءت به النصوص، مثل الاستفتاح، ومثل الدعاء بين السجدتين بالوارد، لكن لو زاد عن الوارد الإمام لا يجوز أن يفرد نفسه؛ لأن دعاء السجود فيه شيء منصوص؟ ما فيه شيء منصوص، إذًا لا يجوز أن يخص نفسه، لاحتمال أن المأمومين لا يدعون به، بهذا الدعاء الذي يدعو به، نعم؟

طالب:.......

أي مشروع.

طالب:.......

لا لا، المشروع إذا كان مشروعًا للجميع، إذا كان مشروعًا للجميع يتفقون عليه ما يحتاج يجمع، إذا تصور انفراد الإمام بهذا الدعاء لا يجوز له أن يفرد.

طالب:.......

ليس له كتاب مطبوع يخص هذا الفن، لكن في صحيحه كثير من هذا، وهذه تنقل عنه، يعني هذا الكلام ينقل عنه.

طالب:.......

أي نعم هذا أشهر ما قيل.

طالب:.......

لا، يتقي الإمام بقدر الإمكان أن يخص نفسه إلا فيما يغلب على الظن أن المأموم يقوله، على كل حال يرد بعد على كلام السخاوي أن المأموم قد يستفتح بغير الاستفتاح الذي استفتح به الإمام، قد يقول الإمام: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، والمأموم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، فكلام شيخ الإسلام منضبط أكثر، الطحاوي له كتاب كبير اسمه: (مشكل الحديث) كتاب كبير، وفيه ما يدل على براعته، وقوة فهمه، وإن كان عليه ما يلاحظ في بعضه، ما فيه أحد يسلم، ابن فورك أيضًا له: (مشكل الحديث وبيانه) لكن مثل ابن فورك وقد عرف بالبدعة لا يؤمن على التوفيق بين الأحاديث التي تتعلق بالعقائد، فيه كتاب اسمه: (مشكلات الأحاديث) لعبد الله بن علي القصيمي، الزائغ المنحرف الملحد، لكنه في أول أمره ألف مؤلفات نافعة.

على كل حال المؤلفات في مختلف الحديث كثيرة، والشراح من أهم وظائفهم التوفيق بين الأحاديث المختلفة، وعرفنا أن مثل هذا الاختلاف والتضاد إنما هو في الظاهر، وأما في الباطن فلا، وأيضًا الاختلاف نسبي؛ قد يبدو اختلافًا لشخص ويكون مما لا اختلاف فيه، بل هو محكم عند شخص آخر، وإذا كان النص الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح فلئن لا يعارض النقل الصحيح الثاني يعني من باب أولى، النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح، يعني الباقي على فطرته، أما العقول التي اجتالتها الشياطين، ولعبت بها الأهواء فإن هذا لا عبرة بها، ولشيخ الإسلام كتاب في موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، الذي طبع باسم: درء تعارض العقل والنقل، كتاب من أعظم الكتب في هذا الباب.

قال -رحمه الله-:

والمتن إن نافاه متن آخرُ
 

 

وأمكن الجمع فلا تنافرُ
 
ج

إذا أمكن الجمع تعين، وحينئذٍ لا اختلاف، وإذا أمكن الجمع لزم ووجب المصير إليه؛ لأنه عمل بجميع الأحاديث، بخلاف القول بالترجيح أو بالنسخ؛ لأنه إلغاء لبعض الأحاديث وعمل ببعضها، فإذا أمكن الجمع فلا تنافر.

كمتن (لا يورد) مع (لا عدوى)
 

 

فالنفي للطبع وفِر عدوا

في الحديث الصحيح المخرج عند البخاري وغيره: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفِر من المجذوم فرارك من الأسد)) وصح عنه أيضًا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا يورد ممرِضٌ على مصح)) يعني صاحب إبل مريضة على صاحب إبل صحيحة، ((لا عدوى)) مع أنه قال: ((فر من المجذوم)) اختلاف ظاهر، كيف يقول: ((لا عدوى)) ويأمر بالفرار؟ إذا كان لا عدوى لماذا نفر؟ ولماذا يمنع الممرِض من إيراد إبله على المُصح، إذا كان لا عدوى ما له داعي يؤمر بالفرار، وينهى عن الإيراد؟ على كل حال هذا تعارض في الظاهر، وللعلماء مسالك لرفع هذا التعارض.

"فالنفي للطبع" ((لا عدوى)) يعني أن المرض لا يتعدى بطبعه، ولا يسري بذاته من المريض إلى السليم، فالنفي للطبع، يعني أن المرض لا ينتقل بطبعه، ولا يسري بذاته، والأمر بالفرار؛ لأن الاختلاط سبب؛ لأن الاختلاط بالمريض سبب للعدوى، يعني العدوى المنفية كون المرض ينتقل من المريض إلى السليم بذاته، والعدوى المثبتة، الأمر بالفرار والنهي عن الإيراد؛ لأن الاختلاط -اختلاط المريض بالسليم- سبب لانتقال المرض، قد يوجد المسبب وقد لا يوجد، لكنه سبب، فيبقى الأمر بالفرار من أجل ألا ينتقل المرض بتقدير الله -جل وعلا- من المريض إلى السليم، لا لأن المرض ينتقل من المريض إلى السليم بطبعه، ويسري من غير تقدير الله -جل وعلا-، وهذا معروف أن الأطباء كلهم على هذا، يرون أن العدوى موجودة، لكنها بتقدير الله -جل وعلا-، وإن كان بعض الذين يسمونهم حكماء الأطباء القدماء يرون أنه يسري بذاته، لكن هذا قول جاءنا فيه: ((لا عدوى) وأهل الجاهلية على هذا يثبتون العدوى، هذا المسلك الأول، وهو إثبات العدوى، لكن المنفي بقوله: ((لا عدوى)) انتقال المرض بطبعه وسريانه بنفسه، هناك أيضًا من أهل العلم من يقول: إنه لا عدوى البتة، يعني تخالط مريضًا مجذومًا كما تخالط سليم، إبل سليمة مع إبل جرباء ما فيه فرق بينها وبين الإبل السليمة الأخرى، ((لا عدوى)) ويبقى النفي على عمومه، إذًا كيف يقول: ((فِر من المجذوم)) و((لا يورد ممرِض))؟ قالوا: هذا من باب سد الذريعة، كيف سد الذريعة؟ يقول: قد يقدر على هذا الشخص الذي اختلط بالمريض أن يصاب بمثل مرضه بغض النظر عن كونه مريضًا أو غير مريض الثاني، يصاب بمثل هذا المرض ابتداءً من الله -جل وعلا- كما أصيب الأول، فيقع في نفسه ثبوت العدوى، وإذا أثبت في نفسه ثبوت العدوى وقع في حرج عظيم مع الحديث، كيف يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى)) والمرض انتقل من مريض إلى آخر؟ هذا هو الحرج الذي ينبغي ألا يتطرق إلى ذهن المخالط، وإلا فلا ينتقل المرض البتة، وجاء الجواب من النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قالوا: إننا نرى الإبل السليمة تخالط المريضة الجرباء فتجرب مثلها؟ قال: ((فمن أعدى الأول؟)) دليل على أن الثاني أصيب بهذا المرض ابتداءً، لا بسبب معاشرته ومخالطته للمريض، قوله: ((فمن أعدى الأول؟)) دليل على أنه لا عدوى البتة، والأمر بالفرار والنهي عن الإيراد إنما هو من باب سد الذريعة، وحفظ هيبة النص؛ لأنه إذا وقع في نفسه أن المرض انتقل من المريض إليه مع أنه يعرف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا عدوى)) قد يقع في نفسه شيء من الخلل؛ لأن الحديث خالف الواقع عنده، فيقع في نفسه إنكار الحديث أو الشك فيه، مع أن الحديث مجمع على صحته، فالنهي عن الإيراد والأمر بالفرار من هذه الحيثية.

منهم من يقول: ((لا عدوى)) هذا عام في جميع الأمراض إلا في الجُذام خاصة، فالجُذام ينتقل؛ لأنه قال: ((لا عدوى)) يعني في جميع الأمراض، فِر من المجذوم إلا في الجذام؛ لأنه ينتقل، وعلى كل حال الأطباء يثبتون هذه العدوى، لكنهم يقولون -المسلم منهم يقول-: إنها بتقدير الله -جل وعلا-، فجعل المخالطة سبب، والمقدر والمسبب هو الله -جل وعلا-، هذا يفهم من الأمر بالفرار، وأيضًا النهي عن الإيراد، وهذا عليه جل الأطباء الآن، جل الأطباء، تجدهم يحتاطون لأنفسهم ولغيرهم إذا أرادوا أن يباشروا مريضًا تجد الحوائل والأسباب تبذل، الكمامات والدساسات، يحتاطون لذلك، تجدهم يُطهرون ويُعقمون، ومع ذلك يصابون، يعني لا يظن أن الإنسان إذا بذل هذه الاحتياطات في منأىً عن الإصابة.

والملاحظ أن الذي يخاف من العدوى تجده أشد الناس، أو أسرع الناس بالإصابة، تجد بعض الناس إذا كح عنده أحد أو عطس أو تثاءب أو شيء من هذا حصل عنده ما حصل، وبعض الناس عادي يشرب من الإناء الذي شرب منه زيد وعبيد، مريض سليم، ما عليه، وتجد هذا -بإذن الله- أقل الناس إصابة، سبحان الله العظيم؛ لأن الناس إذا اعتمدوا على احتياطاتهم وكلوا إليها، وانظر الآن فرق الأجسام الآن بين قبل ثلاثين وأربعين وخمسين سنة، يعني كانت الهرة تأتي وتشرب من الإناء ويشرب بعدها، وما المانع؟ فضلًا عن الآدمي، وتجد وسائل التنقية، وسائل التعقيم، وسائل..، لا توجد أصلًا، وإلى وقت قريب والماء يشرب من البراميل أصفر، أصفر يشرب، ولا تضرروا، ثم بعد ذلك صار الناس يعني تطوروا قليلًا، فمن أراد أن يشرب وضع الغترة هكذا تصير فلترًا، ويبقى بها أشياء سوداء كثيرة يعني ما هي بـ...، ولو شرب بدونها -بإذن الله- ما تضرر؛ لأن ما تضرر غيره، فهذه الاحتياطات لا نقول: إنها ممنوعة، الاحتياطات النظافة مطلوبة والشرع جاء بها، لكن أيضًا الوسواس إلى حد يصل إلى شيء مضحك، يعني لو عطس إنسان قامت القيامة عنده، أو تثاءب أو كح، نعم على الإنسان أن يخمر وجهه إذا عطس أو حصل منه شيء، مأمور بهذا، لكن مع ذلك الطرف الآخر مقابل ذلك أيضًا ينبغي ألا يشدد في هذا الباب؛ لئلا يوكل إلى احتياطاته، مثل العين الذي يخاف الآن من العين، وتجده يتحسس من كل إنسان، وإذا قال: كذا، اذكر الله، قل: ما شاء الله، وما في موجب ولا شيء، تجده أسرع الناس بالإصابة بالعين هذا، وكان في شخص غير متميز بوجه من الوجه، يعني ليس متميزًا لا بعلم ولا بعمل ولا بجمال ولا بمال ولا أهل ولا ولد ولا تلد، ما عنده شيء، وكل من رآه قال: قل: ما شاء الله يكتب لك حسنة، ما قصده أنه من أجل الذكر، لا، يخشى أن يصيبه بالعين، وما أكثر الأمراض بالنسبة لذاك الرجل، سبحان الله، ليست هذه دعوى للتقليل من شأن الاحتياطات، أو كون الإنسان..، لكن الاعتماد على هذه الاحتياطات مشكل، الغلو فيها أيضًا مشكل، فعلى الإنسان أن يكون متوسطًا في جميع أموره لا إفراط ولا تفريط، يعني في كتب الصوفية يقولون: إن أويس القَرَني يأكل مع الكلاب في المزابل، يعني هل يأتي الشرع بمثل هذا؟ لا، لكنه جاء الشرع بـ ((إذا سقطت اللقمة أو وقعت فليمط ما بها من أذى وليأكلها)) وجاء أيضًا: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه)) يعني لا إفراط ولا تفريط، وعندنا الآن الواقع الآن التي هي نازلة، مسألة التي يسمونه انفلونز الطيور، تجد الإنسان من الناس من يبالغ ما يمكن أن يشتري شيئًا من مشتقاتها، لا بيض ولا أي شيء يتعلق بالطيور، وبعضهم يقول: أبدًا هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يوجد مرض بهذا الاسم، فهذا إفراط وهذا تفريط، قد يوجد، لكن ليس الأمر إلى هذا الحد، بأن يتخوف الناس وبعضهم يغلق النوافذ لا يجيء طائر، ولا يجيء كذا، يا أخي الحمد لله، فمن هذا الباب على الإنسان إن يتوسط في جميع أموره، لا تكن حياته شقاء وتعاسة، وقع طائر على الجدار، يعني معناها أن الناس ماتوا؟! كم من حالة وقع من الوفيات بالنسبة لبني آدم؟! أظن ما وصلوا إلى ثلاثين إلى الآن، من ستة مليارات، فعلى هذا على الإنسان أن يكون متوسطًا في أموره كلها، يعني لا يصير مثل ما نسب في بعض كتب المتصوفة أن بعضهم يأكل..، حتى النجاسات أكلوها فيما زعموا، ذكروا عن بعض أوليائهم أنهم يأكلون النجاسات، وبعضهم يأكل السم، يأكل الحيات، يأكل العقارب، هل يأتي دين بمثل هذا؟! ما يمكن، نعم.

طالب:.......

إي نعم.

طالب:.......

لكن هل الأطباء من مرجحاتهم أنهم رأوا هذا المرض يسري من فلان إلى فلان، أو رأوا أن الإصابة بالمخالطة أكثر من الإصابة بغيرها؟ ما يثبت شيء من هذا.

طالب:.......

وهذا الذي ذكرناه بالنسبة لمن يتخوف أكثر من اللازم، فهذا دليل على عدم التوكل، أو ضعف التوكل عنده.

طالب:.......

هو ما فيه شك أن التوكل يعطي الإنسان من القوة ما يجعله تندفع عنه هذه الأمور كالعين.

إذا أمكن الجمع تعين؛ لأن في الجمع العمل بجميع الأحاديث، إذا لم يمكن؛ لأنه قال: "أو لا" هنا قال: "فر عدوًا" ((لا عدوى)) العدوى: انتقال المرض، وعدوى مصدر عدا يعدو عدوًا، يعني مسرعًا، فر عنه مسرعًا، عدوًا يعني مسرعًا، نعم، "أو لا" يعني لا يمكن الجمع بين النصوص.

..............فإن نسخ بدا فعمل به

 

...................................

يعني عرف المتقدم من المتأخر فالمتقدم منسوخ، والمتأخر ناسخ، ولا إشكال حينئذٍ، هذا إذا عرف التاريخ.

............فإن نسخ بدا فاعمل بهِ

 

أولا...............................

يعني لم يبدُ النسخ فرجح، يعني ما استطعت أن توفق، ولا عرفت المتقدم من المتأخر فعندك الترجيح، والمرجحات كثيرة جدًّا، ذكر منها الحازمي في مقدمة (الاعتبار لمعرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) ذكر منها خمسين من المرجحات، وزاد بعضهم حتى أوصلها الناظم إلى مائة وعشرة من المرجحات، في تعليقه على مقدمة ابن الصلاح (التقييد والإيضاح).

...................................

 

أو لا فرجِّح واعملن بالأشبهِ
 

يعني بالراجح من الحديثين، أو من الخبرين، طيب ما استطعنا أن نوفق ولا عرفنا تاريخ، ولا استطعنا أن نرجح، التوقف؛ لأنك إذا لم تستطع أن تتعامل مع النص بالمراحل المذكورة فإنك إن عملت بأحدهما فعملك به مجرد هواء، وقد جاء التحذير من اتخاذ الإنسان إلهه هواه، فيرجح بهواه، هذا ممنوع، هذا لا يجوز بحال، فلا بد من المرجح المعتبر، فإن لم يوجد فالتوقف، وبعضهم يستحسن ويستروح ويميل من غير مرجح، والاستحسان الكلام فيه لأهل العلم معروف، حتى قيل: من استحسن فقد شرع، نعم؟

طالب:.......

نريد أن نكمل هذا الباب على شان يكون هذا آخر دروس الألفية.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

إذا عُرف التاريخ يقدم.

طالب:.......

لا، النسخ عمل بالنص، النسخ؟

طالب:.......

طيب والترجيح إهمال، إهمال للمرجوح؛ لكنه إهمال بدليل شرعي، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} [(106) سورة البقرة] وذاك إهمال باسترواح، يعني بعض المرجحات التي يعتمدها أهل العلم يعني مما اختلف فيها اختلافًا كثيرًا.

طالب:.......

لا.

طالب:.......

أنت سواء في الترجيح أو في النسخ تبغي تهمل واحدًا وتعمل واحدًا.

طالب:.......

هو كلي، كلي لأحد النصين، ترجيح إهمال كلي لأحد النصين.

طالب:.......

ولذلك قدم النسخ أولى، القول بالنسخ أولى من القول بالترجيح، نعم اقرأ، نعم.

خَفِيُّ الإِرْسَالِ وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ

وَعَدَمُ السَّمَاعِ وَالِلِّقَاءِ
كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ
وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ
عَنْ كُلٍّ إلاَّ
حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ
ج

 

يَبْدُو بِهِ الإِرْسَالُ ذُوْ الْخَفَاءِ
إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ
مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ
وَهْمًا وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ
ج
ج

 بالإضافة: زيادة اسمٍ، أو اسم راوٍ.

نعم يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"خفي الإرسال والمزيدُ في الإسناد"

يعني في متصل الأسانيد، أما خفي الإرسال فالإرسال انقطاع في السند، ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم هو الإرسال الظاهر، وما يرويه من لم يدرك عصر من روى عنه في الإسناد هذا انقطاع ظاهر، وقد يطلق عليه الإرسال، حال الراوي مع من يروي عنه لا تزيد عن أربع حالات، وإذا عرفنا الأربع الحالات عرفنا أن نفرق بين أنواع الانقطاع؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون قد سمع منه، أو لقيه، أو عاصره، أو لم يعاصره، فإن كان ثبت سماعه منه لبعض الأحاديث ثم روى عنه ما لم يسمع منه هذا ماذا؟ تدليس اتفاقًا هذا ما في خلاف أنه تدليس، إذا ثبت أنه لقيه ولم يوجد ما يدل على أنه سمع أو لم يسمع، ثم روى عنه بصيغة محتملة هذا أيضًا تدليس، إذا ثبت أنه عاصره ولم يثبت لا نفيًا ولا إثباتًا مما يتعلق بالسماع أو اللقاء فهذا هو المرسل الخفي، وبعضهم يقول: تدليس، كابن الصلاح ومن يقول بقوله، لكن لو قلنا: إنه تدليس بمجرد المعاصرة قلنا: إن جميع المخضرمين إذا رووا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صاروا مدلسين، ولم يوصفوا بالتدليس نعم؛ لأنهم عاصروه ولم يلقوه ثبت عدم لقائهم له، وعاصروه، هذا ليس بتدليس، هذا هو الإرسال الخفي، وهذا هو الذي يفرق به بين التدليس والإرسال الخفي، هما نوعان، والوصف بالإرسال الخفي أسهل من الوصف بالتدليس؛ لأن التدليس عيب في الراوي، أما إذا كان الراوي لم يدرك ولم يعاصر من روى عنه فهذا انقطاع ظاهر، خلافًا لمن شذ، وقال: إنه تدليس، كما ذكر ذلك ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، فإن لم تثبت المعاصرة..، يعني عرفنا أن هذا ولد سنة مائة، وشيخه الذي روى عنه بصيغة موهمة مات سنة تسعين، هذا انقطاع ظاهر ما فيه إشكال، هذا لا يمكن أن يقال: إنه تدليس، ولا إرسال خفي، خلافًا لمن شذ ممن ذكره ابن عبد البر في مقدمة التمهيد قال: إنه إذا كان بصيغة موهمة يسمى تدليسًا، هذا كلام ليس بصحيح، إذا ثبتت المعاصرة ولم يثبت اللقاء ولا السماع يعني مع الاحتمال القائم وروى عنه بصيغة موهمة فهذا إرسال خفي، مجرد معاصرة إرسال خفي، إذا ثبت اللقاء، اللقاء ثبت، والسماع لم يثبت فيه شيء لا ينفي ولا يثبت، وروى بصيغة موهمة فإن هذا تدليس، إذا ثبت السماع وروى عنه ما لم يسمعه منه فهذا أيضًا تدليس، يقول:

وعدم السماع واللقاءِ
 

 

يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
 
ج

الآن الناظم يوافق ابن الصلاح وإلا يخالفه؟ الآن الناظم يقول:

وعدم السماع واللقاءِ
 

 

يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
 
ج

نعم؟ ابن الصلاح يرى أن ما يرويه المعاصر....

طالب:.......

من هو؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

ما ينفي ما دونها، هو ما ينفي ما دونها، الآن عندنا نفرق بين رأي ابن الصلاح وبين ما حرره ابن حجر مما يقتضي الفرق بين التدليس والإرسال الخفي؛ لأن على كلام ابن الصلاح ما فيه فرق بين الإرسال الخفي والتدليس، ما فيه فرق.

وعدم السماع واللقاءِ
 

 

يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
 
ج

عدم السماع واللقاء لهذا المروي بخصوصه أو عدم السماع واللقاء مطلقًا؟ ونفي عدم السماع واللقاء لا ينفي المعاصرة، نعم؟

طالب:.......

المعاصرة ما فيها إشكال، لكن قوله:

وعدم السماع واللقاءِ
 

 

...................................
 
ج

هل المقصود به لهذا المروي؟ أو عمومًا بالنسبة لعلاقة الراوي بشيخه؟ يقول:

وعدم السماع واللقاءِ
 

 

يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
 
ج

يعني إذا أردنا أن نقول: إن الحافظ العراقي ينظم كلام ابن الصلاح، هذا الأصل، ويوافقه عليه، نقول: إن المراد به عدم السماع واللقاء في هذا المروي، وإن ثبت السماع واللقاء في غيره، وحينئذٍ لا فرق عنده بين التدليس والإرسال الخفي، وإذا قلنا: عدم السماع واللقاء مطلقًا، وإثبات ما دون ذلك من المعاصرة، "يبدو به -يظهر به- الإرسال ذو الخفاء" الإرسال الخفي، انتهينا فيما يتعلق بخفي الإرسال.

كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ
وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ
عَنْ كُلٍّ إلاَّ
حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ
ج

 

إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ
مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ
وَهْمًا وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ
ج
ج

زيادة اسم راوٍ تجد إسنادًا لحديث وإسناد لنفس الحديث يروى الإسناد الأول من طريق خمسة، ويروى الإسناد الثاني من طريق هؤلاء الخمسة، وفي أثنائهم سادس، بدلًا ما كان الحديث خماسيًّا يرويه مسلم مثلًا عن طريق خمسة، وروي عند غيره بنفس الإسناد إلا أنه بعد شيخ مسلم وشيخ شيخه زيد راوٍ، نفترض المسألة في حديث: (الأعمال بالنيات) حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وجدناه في كتاب من الكتب: عن الحميدي عن سفيان عن راوٍ ثالث عن يحيى بن سعيد ...إلى آخره، سند عال وسند نازل، بين الرواة وُجد راوٍ زائد، قال:

كذا زيادة اسم راوٍ في السند
ج

 

إن كان حذفه بعن فيه ورد

إذا كان الإسناد الناقص يروي فيه في مكان الزيادة بين الراوي ومن روى عنه صيغة (عن) "إن كان حذفه بـ(عن)" يعني الإسناد الناقص فيه (عن)، وليس فيه تصريح بالتحديث "فيه ورد"، يعني الآن بتحكم لأيهما؟ لأن (عن) ليست نصًّا في الاتصال، فيكون احتمال فيه سقط هنا، ويكون الحكم للزائد؛ لأن الزائد، الإسناد الزائد فيه زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة عند أهل العلم، و(عن) ليست نصًّا في الاتصال، إذًا الحكم للزائد، "وإن بتحدثٍ أتى" يعني السند الناقص الخماسي كله حدثنا فلان قال: سمعت فلانًا، يقول: حدثني فلان، كله تصريح بالتحديث والسماع.

وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له
 
ج

 

...................................

للناقص.

...................................

 

مع احتمال كونه قد حمله

الحكم للناقص، لماذا؟ لأن هذا الزائد مشكوك فيه، والناقص سيق بصيغة تدل على أن كل راوٍ رواه وتحمله مباشرة بصيغة صريحة ممن فوقه، والزائد مشكوك فيه، وأيضًا إذا أتى بالتحديث فيه زيادة علم، وهي أن هذا الراوي روى عن هذا يعني مثبِت، أثبت سماع هذا من هذا، والذي جاء بالواسطة أثبت السماع وإلا أثبت عدم السماع؟ يعني نفى السماع، هذا أثبت السماع، وذاك نفى السماع، والمثبت مقدم على النافي.

وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له
 
ج

 

...................................

لكن هل هذا مقطوع به؟

طالب:.......

لا، بالتفصيل، إن كان بالعنعنة حكمنا للزائد، وإن صرح بالتحديث حكمنا للناقص.

طالب:.......

أي نعم.

طالب:.......

الآن يصور لك المسألة من أصلها، على جميع الاحتمالات؛ لأن (عن) ليست نصًّا في الانقطاع، كما أنها ليست نصًّا في الاتصال، ما هو بحَثنا في بحث العنعنة أنها محمولة على الاتصال بالشرطين، لكنها لا تعني أن الاتصال مقطوع به، كما أن الزائد لا يعني أن (عن) لا تعني الاتصال، فالمسألة ليست مقطوع بها في الجهتين، ولذلك يجيء "مع احتمال" يعني الآن السند الناقص كله مصرح فيه بالسماع، هل نحكم بأن هذا خطأ مائة بالمائة؟ الزائد؟ لا نحكم بأنه خطأ مائة بالمائة، لماذا؟ لاحتمال أن يكون هذا الشيخ رواه عن ذلك الشيخ بواسطة، ثم لقيه فرواه بغير واسطة.

وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له
 

 

مع احتمال.........................
 

يعني هذه كلها ليست مقطوع بها.

...................................
عن كلٍّ............................

 

مع احتمال كونه قد حمله
...................................

يعني كل واحد منهما يرويه عن شيخه بواسطة، ثم يتيسر له أن يلتقي به، وهم يحرصون على العلو، فيسأله عنه ويحدث به بغير واسطة.

عن كلٍّ إلا حيث ما زيد وقع
 

 

وهمًا..............................

يعني إذا نص إمام من أئمة الحديث أن زيادة هذا خطأ، لا وجه لها، وأن الحديث لا يعرف من حديث فلان.

عن كلٍّ إلا حيث ما زيد وقع
 

 

وهمًا..............................

لكن هل هذا لكل أحد؟ ليس لكل أحد، إنما هو للأئمة.

...............إلا حيث ما زيد وقع
 

 

وهمًا وفي ذين الخطيب قد جمع
ج

يعني ألّف في هذين النوعين، ألّف في خفي الإرسال وألف أيضًا في المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.          أ

"
هذا يقول: ذكرتم في درس سابق، أو في دروس سابقة، أن المرأة على النصف من الرجل في خمسة أمور منها: العتق، يقول: لم يتضح لي كيف تكون المرأة على النصف من الرجل في العتق؟

((من أعتق رجلاً كان فكاكه من النار، ومن أعتق امرأتين كانتا فكاكه من النار)) يعني أجر العتق في الذكر مثل أجر الأنثيين.