فقه الإمام البخاري في الحج (03)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكريم إلى هذا اللقاء الجديد في فقه الإمام البخاري مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله فمرحبًا بفضيلة الشيخ وأهلاً وسهلاً.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام يتواصل الحديث حول فقه الإمام البخاري رحمة الله تعالى عليه وكنا استمعنا للشيخ يتحدث عن أهمية الحج عند الإمام البخاري في الحلقة الماضية وفي هذا اللقاء فضيلة الشيخ لو تفضلتم وقد ذكرتم في أول الحلقات بأن للإمام البخاري ثمة اجتهادات في بعض مسائل الحج انفرد بها عن بعض الأئمة ماذا عن شروط الحج فضيلة الشيخ التي يمكن أن نتحدث عنها في هذا اللقاء وهل للإمام البخاري اجتهادات وردت عنه؟

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

الشروط الكبرى في الحج لا يختلف فيها الإمام البخاري مع غيره من الأئمة من شرط الإسلام والبلوغ للوجوب أو شروط الصحة عنده وعند غيره متقاربة إلى أن مما يلفت الانتباه حول هذه الشروط قوله في ترجمة.. الترجمة الثانية من أبواب الحج ترجم رحمه الله تعالى بباب قول الله تعالى:يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧ لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ }  الحج: ٢٧ - ٢٨  فجاجا: الطرق الواسعة مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ } الحج: ٢٧  فجاجًا: الطرق الواسعة الإمام البخاري رحمه الله تعالى يفسر غريب القرآن إذا إذا ورد عنده سواء كانت هذه اللفظة تناسب اللفظة المذكورة عنده أو بلفظة أخرى وردت في القرآن فهو يفسرها لأدنى مناسبة رحمه الله تعالى وهذا من منهجه وطريقته يقال إن المصنف رحمه الله تعالى بهذه الترجمة وبهذه الآية أراد أن يبين أن الراحلة ليست شرطًا للوجوب باب قول الله تعالى: يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ} الحج: ٢٧  فقدم الرجال الذين هم يأتون إلى الحج مشيًا على الأقدام  وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖالحج: ٢٧  الذين هم الركبان فقيل إن المصنف رحمه الله تعالى أراد أن يبين أن الراحلة ليست شرطًا للوجوب قال ابن القصار: في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف الآية الذي يشترط الراحلة الذي يشترط الراحلة معناه أن المستطيع الحج المستطيع الحج على الأقدام لا يلزمه لأن الراحلة شرط ولا شك أنا أقول أنه لا شك أن الراحلة شرط لغير المستطيع لمن لا يستطيع المشي ماذا يصنع الذي لا يستطيع؟ شرط لمن لا يستطيع المشي وأما من يستطيع الوصول إلى المشاعر مشيًا فإن الراحلة ليست شرطًا في حقه وهنا يتبين يتميز فقه الإمام البخاري ما ورد من تفسير الاستطاعة لمن استطاع إليه سبيلاً بالزاد والراحلة هذا الحديث.

في حق من لا يستطيع المشي.

هذا إن ثبت هذا لا يثبت عند أهل العلم يقول ابن المنذر لا يثبت وكان الإمام البخاري يشير بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد في ذلك ويقول الحافظ ابن حجر في البلوغ والصواب إرساله المقصود أنه لا يثبت وعلى كل حال الاستطاعة شرط الاستطاعة شرط فمن يستطيع أن يأتي على الأقدام يلزمه ذلك لأنه مستطيع الذي لا يستطيع المشي على الأقدام تشترط في حقه الراحلة في الآية رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ} الحج: ٢٧  أيهما أفضل بالنسبة للمستطيع أن يمشي أن يمشي إلى الحج أيهما أفضل أن يحج ماشيًا أو راكبًا؟ في الآية: يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ }الحج: ٢٧  فقدم الرجال فهل المشي على الأقدام أفضل من الركوب؟ التقديم هنا يدل على ذلك لكن كونه عليه الصلاة والسلام حج على رحل على ما سيأتي في الترجمة التي تليها النبي عليه الصلاة والسلام حج على رحل وحج راكبًا طاف راكبًا سعى راكبًا عليه الصلاة والسلام فهل نقول أن ما فعله النبي عليه الصلاة السلام أفضل أو نقول المشي أفضل لأنه قدم في الآية؟ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما حج راكبًا للرفق بالأمة نقرر مسألة وهي أن المشقة ليست مقصودة لذاتها الشرع لا يقصد المشقة لذاتها وإنما إذا جاءت هذه المشقة تبعًا للعبادة تتطلبها العبادة أجر الإنسان عليها على قدر المشقة لكن لذاتها لا تقصد الترجمة التي تلي ذلك أردف البخاري رحمه الله تعالى ذلك بقوله باب الحج على الرحل وذكر فيه حديث عائشة في قصة عمرتها من التنعيم وأنها كانت على قتب وحديث أنس في حجه في حجه على رحل ولم يكن شحيحًا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج على الرحل والرحل بفتح الراء الرحل بفتح الراء وسكون المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس يشير بهذا وحديث أنس في حجه على رحل ولم يكن شحيحًا والنبي عليه الصلاة والسلام حج على رحل الإمام البخاري كأنه يشير إلى أن التقشف في هذه العبادة أفضل من الترفه التقشف في هذه العبادة أفضل من الترفه والتقشف ترك التنعم الزائد ونلاحظ عند بعض المسلمين في هذه الأيام الترفه الزائد ووجد في بعض الحملات مبالغات من هذا النوع المسلم غني عن عن هذه الأمور لا سيما في هذه الأيام هي أيام محدودة وأوقات يسيرة يمكن أن يتجاوزها الإنسان مقبلاً على ربه جل وعلا من غير نظر إلى مظاهر الدنيا وزخرفها ولكن ليس المراد بذلك أن يحرم الإنسان نفسه من الضروريات والحاجيات فيعذب نفسه بذلك فالله سبحانه وتعالى عن تعذيب الإنسان نفسه غني بل إنه جل وعلا يحب أن يرى أثر نعمته على عبده لكن المطلوب التوسط في الأمور كلها لا سيما فيما يتعلق بما يقرب إلى الله عز وجل من عبادات ولذا جاء النهي عن زخرفة المساجد مثلاً وجاء أيضًا الاقتصاد في كثير من الأمور والنبي عليه الصلاة والسلام كان يترجل ويدهن ومع ذلك قال عليه الصلاة والسلام: «البذاذة من الإيمان» لئلا ننساق وراء هذا الترفه وهذا الترجل وهذا الادِّهان فيطغى ذلك على ما هو أهم منه فجاء النهي عن الإسراف في هذا وجاء مدح البذاذة في حديث صحيح «البذاذة من الإيمان» لكسر ما قد يفهمه بعض الناس من ترجله عليه الصلاة والسلام وادهانه من المبالغة في ذلك وقد وجد من المسلمين من يبالغ في هذا الباب والله المستعان.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ نصيحة الحقيقة توجهونها فضيلة الشيخ ونحن في هذه الأيام الفاضلة حول ما تذكرونه من قضية الترف الزائد الذي ربما ينكب عليه الحاج ويبحث عنه وربما استغرق الكثير من وقته في البحث عن أميز وأفضل الحملات حتى يعني ربما تتساوى في كثير من الأمور الكافية والتي تعينه على أداء حجه على الراحة التامة ومع ذلك يسعى لأن يجد أفضل وأريح وأترف هذه الحملات.

مما يؤسف له أنه يوجد في الدعايات لبعض الحملات أنها تتميز بكذا وكذا من وجوه الترف التي لا داعي لها الإنسان إنما قصد هذه الجهات وهذه المواطن وهذه المشاعر المفضلة المقدسة ليؤدي ما يقربه إلى الله عز وجل ولا شك أن الدنيا مع الآخرة ضرتان فإذا انتبه لدنياه واستغرق في تحقيق مطالب نفسه من هذه الجهة لا شك أنه على حساب الآخرة فنظر إذا سكن أرقى الفنادق مثلاً وأراد أن يتطوع بشيء من الصلاة مثلاً وهو في أرقى الفنادق على سبيل المثال وهو ينظر إلى هذه الزخارف وهذه لا شك أن هذا له أثر كبير على قلبه ولا نقول أنه يسكن خرب أو يركب المراكب الرديئة لا، على الإنسان على المسلم ألا ألا يضع نفسه بحيث يزدرى أو يتهم بخلاف واقعه من شح أو بخل أو نحو ذلك بل عليه أن يتوسط في أموره كلها في مشربه في مأكله في ملبسه في مسكنه كما هي حال النبي عليه الصلاة والسلام وإن كان الأمر في أول الأمر قبل الفتوح التقشف ظاهر لعدم القدرة على ذلك لعدم القدرة على ذلك والله المستعان.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل من الحجيج حجهم وأن يوفقنا وإياهم إلى الإحسان في العبادة وأن يغفر لنا جميعًا وأن يرحمنا برحمته إنه جواد كريم أيها الإخوة بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة التي كان فيها ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا ونلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

"