التعليق على شرح حديث (ما ذئبان جائعان) لابن رجب (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام حفظه الله تعالى:

ومن هذا الباب أيضًا كراهة الدخول على الملوك والدنوِّ منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها، وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن».

وخرج أحمد وأبو داود نحوه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي حديث: «وما ازداد أحد من السلطان إلا ازداد من الله بعدًا».

وخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أناسًا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن ويقولون: نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا»، وخرَّجه الطبراني ولفظه: «إن أناسًا من أمتي يقرؤون القرآن، ويتعمقون في الدين، يأتيهم الشيطان يقول: لو أتيتم الملوك فأصبتم من دنياهم واعتزلتموهم بدينكم، ألا ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا».

وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تعوذوا بالله من تعوذوا بالله من جب الحزَن» قالوا: وما جب الحزَن؟ قال: «وادٍ في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة»، قيل: يا رسول الله، ومن يدخله؟ قال: «القراء المراؤون بأعمالهم».

وخرج ابن ماجه نحوه، وزاد فيه: «وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء الجوَرة»، ويروى من حديث علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، ومن أعظم ما يخشى على من يدخل على الملوك الظلمة أن يصدقهم بكذبهم، ويعينهم على ظلمهم، ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم، فإن من يريد بدخوله عليهم الشرف والرياسة وهو حريص عليهم.."

عليهما عليهما..

عندي عليهم، أحسن الله إليك.

"وعن حريص عليهما لا يَقدم على الإنكار عليهم."

يُقدم.

"فإن من يريد بدخوله عليهم الشرف والرياسة وهو حريص عليهما لا يُقدم على الإنكار عليهم، بل ربما حسن لهم بعض أفعالهم القبيحة؛ تقربًا إليهم ليحسن موقعه عندهم، ويساعدوه على غرضه، وقد خرج الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث كعب بن عجرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض»، وخرج الإمام أحمد معنى هذا الحديث من حديث حذيفة وابن عمر وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري والنعمان بن بشير -رضي الله عنهم-، وقد كان كثير من السلف ينهون عن الدخول على الملوك لمن أراد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أيضًا، وممن نهى عن ذلك عمر بن عبد العزيز وابن المبارك والثوري وغيرهم من الأئمة وقال ابن المبارك: ليس الأمر الناهي.."

الآمر، الآمر.

أحسن الله إليك.

"ليس الآمر الناهي عندنا من دخل عليهم، فأمرهم ونهاهم، إنما الآمر الناهي من اعتزلهم، وسبب هذا ما يخشى من فتنة الدخول عليهم، فإن النفس قد تخيَّل.."

تخيِّل.

أحسن الله إليك.

"فإن النفس قد تخيِّل للإنسان إذا كان بعيدًا عنهم أنه يأمرهم وينهاهم، ويغلظ عليهم، فإذا شاهدهم قريبًا مالت النفس إليهم؛ لأن محبة الشرف كامنة في النفس، والنفس تحسن له ذلك ومداهنتهم وملاطفتهم، وربما مال إليهم وأحبهم ولاسيما إن لاطفوه وأكرموه، وقبل ذلك منهم، وقد جرى ذلك لابن طاوس مع بعض الأمراء بحضرة أبيه طاوس، فوبخه طاوس على فعله ذلك.

وكتب سفيان الثوري -رحمه الله- تعالى إلى عباد بن عباد، وكان في كتابه: إياك والأمراء أن تدنو منهم، أو تخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع ويقال لك: لتشفع وتدرأ عن مظلوم، أو ترد مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس، وإنما اتخذها فجار القراء سلَّما، وإنما اتخذها فجار القراء سلمًا، وما كفيت من المسألة والفتيا فاغتنم ذلك، ولا تنافسهم، وإياك أن تكون كمن يحب.."

ممن.

أحسن الله إليك.

"وإياك أن تكون ممن يحب أن يُعمَل بقوله، أو ينشر قوله، أو يسمع قوله، فإذا ترك ذلك منه عرف فيه، وإياك وحب الرئاسة، فإن الرجل يكون حب الرئاسة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض، لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة، فتفقد بقلب، واعمل بنية، واعلم أنه قد دنا من الناس أمر يشتهي الرجل أن يموت والسلام."

حسبك يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ومن هذا الباب أيضًا كراهة الدخول على الملوك، ومن هذا الباب أيضًا كراهة الدخول على الملوك والدنوِّ منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها" هذا الباب فيه أقوال كثيرة لسلف هذه الأمة وأئمتها، وصُنِّف فيه أيضًا في التحذير من الدخول على السلاطين وغشي مجالسهم لما يترتب على ذلك من الفتنة بدنياهم، وما يحصل عندهم في الغالب من منكرات ومخالفات، ويحصل بذلك المداهنة ممن لا يستطيع الإنكار، أما الذي يستطيع الإنكار كما فعله كثير من السلف وعلماء الأمة إلى يومنا هذا يدخلون للتغيير والنصح والتوجيه، وكل خليفة أو أمير له بطانتان، بطانة خير تأمره بالخير وتعينه عليه، وبطانة سوء تأمره بالشر وتعينه عليه، فإذا خلا مجلسه من بطانة الخير ممن يثق بنفسه، ويستعين بالله على إنكار المنكر وفتح أبواب الخير وغلق أبواب الشر إذا خلا مجلسه شغل بالصنف الآخر، وحينئذٍ لا يسمع كلمة حق؛ لخلو المجلس من أهل الخير، وإنما يسمع ضدها.

 فالكلام المذكور ليس على إطلاقه، نعم الغالب أن كثيرًا من الناس بما فيهم من أهل العلم وطلبة العلم قد يجبن عن الصدع بالحق عند الظالم من السلاطين، وقد يجبن في بيان حق له، وحينئذ يأثم بمداهنته {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [سورة القلم:9] يرتكب المنكر، ولا يجد من ينكر عليه، فيظن بذلك أنه على حق.

أما من استعان بالله، وأعانه الله على إنكار المنكر وفتح أبواب الخير، فهذا يُطلَب منه أن يغشى هذه المجالس، وينكر عليهم، ويوجههم، وينصحهم والدين النصيحة، والدين النصيحة، وفي حديث تميم الداري قلنا: لمن يا رسول الله، قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين»، وهذا لا يتم إلا بالوصول إليهم «ولأئمة المسلمين وعامتهم» المقصود أن الكلام جيء به على الغالب، غالب الناس وعموم الناس يتأثرون، ولا يؤثِّرون، وهذا فرع من العزلة والخلطة جاءت الأحاديث الكثيرة في الصحيح وغيره بالأمر بالعزلة في آخر الزمان «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن»، هذا حث على العزلة وللإمام أبي سليمان الخطابي مصنف في العزلة من أبدع ما كتب في الباب، وجاء في الخلطة أحاديث تحث عليها بنية صالحة وتوجيه للناس وإرشاد لهم وتعليم الجاهل والصبر على أذاهم لا شك أن مثل هذا أفضل ممن بالنسبة لمن يقدر عليه العزلة والخلطة، جاءت بهما النصوص، فمن كان يستطيع التأثير ولا يتأثر بما يرتكبه الناس من جرائم ومنكرات، فإن هذا تتعين عليه الخلطة، والذي لا يستطيع التأثير بل يتأثر بما عندهم من ذنوب ومعاصٍ ومنكرات هذا تتعين عليه العزلة.

ومحافل المسلمين منذ قرون طويلة مشتملة على شيء من المخالفات تزيد وتنقص في بعض الأقطار والآفاق، وفي بعض الدول يعني المسألة مد وجزر، أحيانًا يوجَد في هذه الناحية، وهذا الإقليم خير لا يوجد في بعض الأقطار، وبالعكس، ومن قرأ التاريخ، تاريخ المسلمين عرف، ولذا يقول شراح البخاري على حديث: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم» قالوا: والمتعين في هذه الأزمان العزلة لاستحالة خلو المحافل من المعاصي والمنكرات. هذا قالوه في القرن الثامن والتاسع، والله المستعان.

نعود إلى موضوعنا، وهو الدخول على السلاطين «الدين النصيحة»، ولا تتم هذه النصيحة لأئمة المسلمين إلا بالوصول إليهم أو بمخاطبتهم بالكتابة، كما فعل سفيان وغيرهم على كل حال، الكلام الذي جاء في هذا الفصل من الكتاب وفي غيره من الكتب وما ألف فيه ليس على إطلاقه، والمسألة مسألة نفع وضرر، فالذي ينفع يلزمه أن يغشى هذه المجالس، ولا يتركها للصنف الثاني، وكم من مصيبة وبلية حصلت بسبب بعض بطانة السوء، ما الذي جر على المسلمين الويلات في سائر العصور، ومن أوضحها وأشهرها دخول التتار إلى بغداد؛ بسبب البطانة، بسبب ابن العلقمي الرافضي، لو زوحم من قِبَل الأخيار لقل شره.

على كل حال أمر الله نافذ، وقدره سابق، لكن ينبغي أن ينظر إلى هذه المسألة بعين الإنصاف، وليكن العالم أو طالب العلم حذرًا من أن يدخل عليه وهو لا يشعر، كم نفع الله بدخول بعض شيوخنا على الملوك والأمراء، كم حقن الله بسببهم من الدماء في جهة من الجهات التي تنتسب إلى الإسلام حكم على بضعة عشر من العلماء والدعاة بالإعدام، وبكلمة من واحد من الشيوخ- رحمة الله عليه- عفي عنهم في نفس ليلة التنفيذ، فالكلام ليس على إطلاقه، لكن على الإنسان أن يعرف نفسه أولاً وقبل كل شيء هل هو ممن يستطيع التأثير ولا يتأثر؟ هذا يخالِط ويغشى هذه الأماكن ويزاحم الأشرار، لكن إذا كان يتأثر ويعرف من نفسه الضعف، ولا يستطيع أن ينكر، ولا يستطيع أن يبين مثل هذا يعتزل.

طالب: ..............

الكلام على ما يغلب على الظن إذا كان يحجب ما له قيمة.

بالنسبة لمن لا يستطيع الوصول سألنا شيخنا الشيخ ابن باز قبل ثلاثين سنة: ما العمل الذي تبرأ به ذمة طالب العلم الذي لا يستطيع الوصول إلى الأمراء والوزراء والسلاطين لا يستطيع الوصول إليهم قال: يكتب، قيل له: قد لا يصل الكتاب مثل ما سأل الأخ قال: يبلغ من يصل إليهم، وبذلك تبرأ ذمته، هذا كلام الشيخ -رحمه الله-.

قال -رحمه الله-: "ومن هذا الباب أيضًا كراهة الدخول على الملوك والدنو منهم، والباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها".

طالب: ..............

لا ما يلزم، ما يلزم، ما يلزم.

طالب: ..............

فتنتهم عظيمة، وكل يعرف من نفسه ما سيحصل له.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

نعم يقوى؛ لأنه جاء الأمر بالأخذ إذا أعطاك السلطان من بيت المال، ففي الصحيح من غير طلب ولا استشراف فخذه، وبعضهم العلماء يؤثم، وعمر يضرب الذي ما يأخذ من غير طلب ولا استشراف، ثم بعد هذا قيد جاء في الصحيح صحيح مسلم: "أما إذا كان ثمنًا لدينك فلا"، يعني إذا غلب على ظنك أنه يطلب منك شيئًا تتنازل فيه بسبب هذا فلا.

طالب: ..............

ماذا فيه؟

طالب: ..............

على كل حال كون الإنسان يتورع ولا يأخذ هذا شيء، لكن جاء الأمر بالأخذ.

طالب: ..............

على كل حال المسألة مسألة موازنة إذا كان الإنسان يعرف أنه بسبب حطام الدنيا يتنازل عن شيء، ويقدم شيئًا مما لا يجوز له فعله فالمسألة علاج.

"وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سكن البادية جفا، من سكن البادية جفا»" يعني إذا جلس بمفرده في البراري والقفار لا شك أنه.. لأن الأخلاق تكتسب بالمخالطة والمعاشرة والقدوات الحسنة، لكن إذا جلس وحده "«من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل»" من اتبع الصيد غفل من شجرة إلى شجرة تفوته الصلاة وهو ما يدري.

 "«ومن أتى أبواب السلطان افتتن»" وهذا هو الشاهد، وهذا قلنا إنه كثير غالب، ووجد أمثلة رائعة في تاريخ الأمة من المتقدمين والمتأخرين من الذين غشوا هذه المجالس ونفع الله بهم نفعًا عظيمًا، وخرج أحمد وأبو داود نحوه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي حديثه: «وما ازداد أحد من السلطان دنوًّا إلا ازداد من الله بعدًا» ومثل ما قلنا: السلاطين ليسوا على قلب رجل واحد، والكثير الغالب منهم بسبب ما مكنوا به من الدنيا تكون أمورهم فيها ما فيها.

طالب: ..............

الغالب نعم، وإلا فمن دخل على عمر بن عبد العزيز، ماذا تقول به؟

طالب: ..............

حتى الظالم الغاشم كلمة الحق عنده ولو قتله، وهو من أعظم الشهداء، الشهداء اثنان حمزة سيد الشهداء، وهذا الذي قال كلمة حق عند سلطان جائر.

"وخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أناسًا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك، كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا»" القتاد العصا الذي ينبت فيه الشوك، وخرطه من أشق الأمور، يعني الذي يجرد الشوك هكذا.. ولذلك يقولون: دونه خرط القتاد، وما ندري كيف سمي قتادة قتادة من هذا، ولكن العرب ما هم يهتمون بالأسماء، سموا كلبًا سموا جريًا وسموا.. أسماء كثيرة جدًّا، لكن هذا الحديث ضعيف على كل حال.

 "وخرجه الطبراني ولفظه: «إن أناسًا من أمتي يقرؤون القرآن ويتعمقون في الدين، يأتيهم الشيطان يقول: لو أتيتم الملوك فأصبتم من دنياهم واعتزلتموهم بدينكم، ألا ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كما لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا»" وهذا كسابقه ضعيف، ولكنه بمعناه، وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة..

طالب: ..............

الدنيا منصوص عليها في الموضعين.

"وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تعوذوا بالله من جب الحزَن» قالوا: وما جب الحزَن؟ قال: «وادٍ في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة» قيل: يا رسول الله مَن يدخله؟ قال: «القراء المراؤون بأعمالهم، القراء المراؤون بأعمالهم»"، وهذا أعم من أن تكون هذه المراءاة لسلطان أو غيره، "وخرج ابن ماجه نحوه وزاد فيه: «وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء الجوَرة»" بهذا القيد الجوَرة، "ويروى من حديث علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، ومن أعظم ما يخشى" انظر التعليل، "ومن أعظم ما يخشى على من يدخل على الملوك الظلمة أن يصدقهم بكذبهم، ويعينهم على ظلمهم ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم، فإن من يريد بدخوله عليهم الشرف والرياسة هو حريص عليهم، لا يقدم على الإنكار عليهم"؛ لأنه إذا أنكر عليهم، وهم ظلمة، وهو يريد شرفًا ورئاسة يحصل له غيره، خلافها يحصل له خلافها، وإن طلب الشرف والرئاسة ممن وراءهم إذا خرج وعرف الناس أن هذا أنكر في مجلس السلطان وارتفع عندهم شأنه، هذا مراءاة إذا كان يقصد هذا، "بل ربما حسن لهم بعض أفعالهم، بل ربما حسن لهم بعض أفعالهم القبيحة؛ تقربًا إليهم؛ ليحسن موقفه عندهم" أو موقعه عندهم، ويساعدون على غرض، يساعدونه على غرضه".

طالب: ..............

ماذا قبله؟

طالب: ..............

ليحسن ويساعدون.

طالب: ..............

يُحَسِّن..

"ويساعدوه على غرضه، وخرَّج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن دخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، ووارد علي الحوض»" هذا الحديث ضعيف، لكن سيرد له شواهد.

طالب: ..............

من دخل..

طالب: ..............

نعم الثانية، ولم يعنهم على ظلمهم؛ لأنه ما يحتاج أن يقال: لا يعنهم على ظلمهم إذا لم يدخل.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

من لم يدخل؟

طالب: ..............

نعم، لكن حتى يمكن حمل هذه على معنى صحيح من باب المقابلة، ويكون التنصيص على الإعانة بالظلم هو التصديق بالكذب، من فعل كذا ومن لم يفعل كذا؛ لأنه إذا لم يدخل ما يحتاج أن يقال: ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

إلا بالدخول، لكن الآن التصديق أعم من دخول بهذه الوسائل، يمكن يصدق وهو بعيد ومسكين وما يحصل له شيء من أمور دين ولا دنيا، يبادر بأمور ويقرب قرابين، وقد يتضرر بها في دنياه قبل دينه، نسأل الله العافية.

"وخرَّج الإمام أحمد معنى هذا الحديث من حديث حذيفة، وعن عمر وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري والنعمان بن بشير" هذه شواهد للحديث يتقوى بها.

طالب: ..............

وابن عمر نعم..

طالب: ..............

نعم، ماذا قلت أنا؟

طالب: ..............

لا، هو ابن عمر عندك من حديث حذيفة وابن عمر..

طالب: ..............

نعم غلط، سبق لسان.

"وقد كان كثير من السلف ينهون عن الدخول على الملوك لمن أراد أمرهم" لمن أراد أن يدخل بهذه النية، "وقد كان كثير من السلف ينهون عن الدخول على الملوك لمن أراد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وممن نهى عن ذلك عمر بن عبد العزيز وابن المبارك والثوري وغيرهم من الأئمة" رحمهم الله، وهذا زيادة في التحري والاحتياط؛ لأنه قد يدخل بهذه النية وتتغير فيما بعد.

طالب: ..............

هؤلاء عمر بن عبد العزيز وجماعته؟

طالب: ..............

يعني النهي عمن أراد؟

طالب: ..............

لا لا، قد قد لا تتمكن، تكون نيتك صالحة، تدخل، قد لا تستطيع، وهذا حال كثير من الناس يدخل بهذه النية..

طالب: ..............

مظنونة نعم.

"وقال ابن المبارك -رحمه الله-: ليس الآمر الناهي عندنا من دخل عليهم فأمرهم ونهاهم، إنما الآمر الناهي من اعتزلهم"، وهذا لا شك أنه من باب التحري والاحتياط، وإلا من غلب على ظنه أو آنس من نفسه أنه يستطيع هذا الأمر قد يتعين عليه، قد يتعين عليه لاسيما إذا لم يوجد من يقوم به.

"وسبب هذا ما يخشى من فتنة الدخول عليهم، فإن النفس قد تخيل للإنسان إذا كان بعيدًا عنه أنه يأمرهم".

طالب: ..............

تخيل للإنسان إذا كان بعيدًا عنهم أنه يأمرهم" والإنسان يزور في نفسه كلامًا في كثير من المواطن عند من هو دون هؤلاء من أصحاب الجاه والشرف والمال وكذا، ويريد أن يقول لهم وينصحهم وكذا، وقد يزور في نفسه سؤالاً لعالم، فإذا وصل الموقع ذاب كل شيء، تبخر، فكيف إذا دخل على الملوك؟ "فإن النفس قد تخيل للإنسان إذا كان بعيدًا عنهم أنه يأمرهم وينهاهم ويغلظ عليهم، فإذا شاهدهم قريبًا مالت النفس إليهم؛ لأن محبة الشرف أو لأن حب الشرف كامن في النفس له، ولذلك يداهنهم ويلاطفهم، وربما مال إليهم" هذه المداهنة لا شك في تحريمها، وهي الموافقة على الباطل أو كتم الحق في وقت..

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

كامن في النفس.

طالب: ..............

في النفس وأيش؟

طالب: ..............

له ذلك، ولذلك يداهنهم هناك فرق بين المداهنة والمداراة، كون الإنسان يداري شيء، وكونه يداهن شيء آخر، الذي يسمونها المجاملة، يجامل ويمشي بعض الأمور التي لا ضرر فيها، ولا يرتكب فيها محظور، ولا يترك فيها واجب، بل يكون في إطار المستحبات، أو فعل المكروهات، هذه مجاملة مداراة، بخلاف المداهنة التي يرتكب فيها المحظور، ويترك فيها المأمور {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [سورة القلم:9]، وأما المداراة فهي جائزة، جائزة المداراة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حق شخص: «بئس أخو العشيرة»، فلما دخل عنده أنس به وباسطه في الكلام فقيل له، قالت له عائشة: أنت قلت كذا، والذي حصل خلاف ذلك، هذه مداراة، وليست مداهنة.

"وربما مال إليهم وأحبهم ولاسيما إن لاطفوه وأكرموه وقَبِل ذلك منهم" واحد من طلاب العلم داخل على أمير من الأمراء في مسألة، ويوم دخل استقبله الأمير، هو ما توقع هذا، وتفضل يا شيخ، تفضل يا شيخ، يقول: تغيرت أموري حتى ما كلمته ولا في الموضوع الذي أنا قادم له، ثم بعد ذلك قررت ألا أدخل مرة ثانية؛ لأنني امتحنت نفسي في هذا الموقف فرسبت.

"ولاسيما إن لاطفوه وأكرموه وقبل ذلك منهم، وقد جرى ذلك لابن طاوس عبد الله بن طاوس بن كيسان -رحمه الله- مع بعض الأمراء بحضرة أبيه طاوس -رحمه الله- فوبَّخه طاوس -رحمه الله- على فعله ذلك" كأنه برَّر موقفًا لسلطان أو لان له السلطان، فمالت نفسه إليه، فوبخه أبوه وأبوه من..

طالب: ..............

يرى أيش؟

طالب: ..............

لا، ما يلزم لا ما يلزم.

طالب: ..............

لا لا، ما يلزم.

"وكتب سفيان الثوري إلى عباد بن عباد -رحمه الله- وكان في كتابه: إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع ويقال لك: لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس"، كأنه يعرف من حال عَبَّاد بن عَبَّاد أن هذا واقعه إذا حصل منه ذلك، وإلا يوجد من يدخل بهذه النية، ويقوى على فعلها، "وإنما اتخذها فجار القراء سُلَّما يعني لاقتناص الدنيا، نسأل الله العافية.

 "وما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم لك" وما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم ذلك كما تقدم، إذا وجد من يقوم بالواجب واجب إجابة السائل وتوجيه الجاهل لا شك أنه المسألة فرض كفاية إذا وجد من يكفي اغتنم ذلك، "ولا تنافسهم، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله أو يُنشَر قوله" يعني قول أفتى به جمع من أهل العلم فلان وفلان وفلان وفلان، هل تحب أن يذكر اسمك مع هؤلاء؟ أو مادام ظهر الحق وبان الحكم فما له داعٍ، ولذا يقول الشافعي: -رحمه الله- وددت أن يجري الحق على لسان غيري ولا ينسب لي.

"فإذا ترك ذلك منه عرف فيه" يعني لو تصدر فتوى جماعية، ثم يسقط اسم واحد منهم في الكتابة أو في الطباعة أو في شيء، ماذا يقول في نفسه هنا يقع الـ.. "فإذا ترك ذلك منه عرف فيه، وإياك وحب الرياسة، فإن الرجل يكون حب الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة" كثير من الناس الشرف عنده أحب إليه من المال، ولذلك يبذل الأموال؛ لينال الشرف والرياسة، يبذل الرشاوى الطائلة؛ من أجل أن يصل المنصب، نسأل الله العافية، وهو باب غامض دقيق خفي لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة.

طالب: ..............

يرى ماذا؟

طالب: ..............

لا أحد يقول بالمنع مطلقًا إلا من باب زيادة التحري والورع وهو يعرف أن القول الثاني الذي تترتب عليه المصالح قيل به وكفاه غيره، فهو من باب التأكيد على عدم غشيان هذه المجالس؛ لأن الغالب ممن دخل عدم السلامة، يقول في التعليق أي: الحذَّاق السماسرة، أي الحذاق والمتبصرين في الأمور. "فتفقد بقلب، واعمل بنية" تفقد بقلب واعٍ، "واعمل بنية خالصة صالحة، واعلم أنه قد دنا من الناس أمر يشتهي الرجل أن يموت، والسلام"، يعني في آخر الزمان يمر المسلم بصاحب القبر ويتمنى أنه مكانه، ونعوذ بالله من الفتن، وفي الدعاء: وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك إلهي غير مفتون.

نعم.

طالب: ..............

لا يروح لَمّه.

طالب: ..............

إذا خشي، معروف أنه إذا خشي الإنسان على نفسه لا ينكر، وإذا ارتكب العزيمة وأنكر معروف..

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

رخصة تكون رخصة، لكن لا يجمع العلماء على السكوت، لا يجمعون على السكوت، ولذلك لو سكت الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن كان والعلم عند الله أنها إلى الآن مقررة، لكن لما حمل هذا الواجب وتحمله عن الأمة، وتحمل المشقة والضرب والسجن رفعه الله في الدنيا والآخرة، ورفع عن الأمة هذه الغمة، والله المستعان.

طالب: ..............

متبوع مشهور، لكن جبان مشكلة أو لا يتحمل ضربًا ولا يتحمل شيئًا، ويخشى من فتنة أعظم إذا حصل له ما حصل هناك عزيمة وهناك رخصة، من يتحمل العزيمة أجره على الله، والذي لا يستطيع أن يتحمل العزيمة، أو يخشى أن يترتب على إنكاره مفسدة أعظم هذا ممدوح.

 

"ومن هذا الباب أيضًا كراهة أن يُشهِر الإنسان نفسه للناس بالعلم والزهد والدين أو بإظهار الأعمال والأقوال والكرامات؛ ليزار وتلتمس بركته ودعاؤه وتقبيل يده، وهو محب لذلك، ويقيم عليه ويفرح به أو يسعى في أسبابه، ومن هنا كان السلف الصالح يكرهون الشهرة غاية الكراهة، منهم أيوب والنخعي وسفيان وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وكذلك الفضيل وداود الطائي وغيرهما من الزهاد والعارفين، وكانوا يذمون أنفسهم غاية الذم، ويسترون أعمالهم غاية الستر، دخل رجل على داود الطائي فسأله: ما جاء به؟ فقال: جئت أزورك، فقال أما أنت فقد أصبت.."

فقال..

"فقال: أما أنت فقد أصبت.."

لا لا، قبل..

"فقال: جئت أزورك.."

نعم.

"فقال: أما أنت فقد أصبت خيرًا، حيث زرت في الله، ولكن أنا أنظر ماذا لقيت غدًا إذا قيل لي: من أنت حتى تزار؟!

من الزهاد أنت؟! لا والله.

من العباد أنت؟! لا والله.

من الصالحين أنت؟!

لا والله، وعدد خصال الخير على هذا الوجه، ثم جعل يوبخ نفسه فيقول: يا داود كنت في الشبيبة فاسقًا فلما شبت صرت مرائيًا، والمرائي أشر من الفاسق، وكان محمد بن واسع يقول: لو أن للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني، وكان إبراهيم النخعي إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ في المصحف غطاه، وكان أويس وغيره من الزهاد إذا عرفوا في مكان ارتحلوا عنه، وكان كثير من السلف يكره أن يطلب منه الدعاء ويقول لمن يسأله الدعاء: أمني أنا؟! وممن روي عنه ذلك.."

أي شيء أنا، عندك؟ أمني؟

أمني أنا؟

يعني تطلب الدعاء.

"وممن روي عنه ذلك عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-، وكذلك مالك بن دينار، وكان النخعي يكره أن يسأل الدعاء، وكتب رجل إلى أحمد يسأله الدعاء فقال أحمد: إذا دعونا نحن لهذا، فمن يدعو لنا؟ ووصف بعض الصالحين واجتهاده في العبادة لبعض الملوك فعزم على زيارته، فبلغه ذلك، فجلس على قارعة الطريق يأكل، فوافاه الملك وهو على تلك الحال، فسلم عليه، فرد عليه السلام وجعل يأكل أكلاً كثيرًا، ولا يلتفت إلى الملك، فقال الملك: ما في هذا خير، ما في هذا خير ورجع، فقال الرجل: الحمد لله الذي رد هذا عني وهو لائم، وهذا باب واسع جدًّا، وهاهنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري أنه متواضع عند.."

أن يرى، أن يرى..

"يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير: كفى بالنفس إطراءً أن تذمها على الملأ، كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك.."

زينها زينها مقابل الشين.

أحسن الله إليك، عندنا زينتها..

"كأنك تريد بذلك زينها، وذلك عند الله سفه."

تفضَّل.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ومن هذا الباب أيضًا كراهة أن يشهر الإنسان نفسه للناس بالعلم والزهد والدين أو بإظهار الأعمال والأقوال والكرامات" ولا شك أن هذا من أظهر صور الرياء إذا أراد أن يظهر للناس، أو يظهر للناس ما عنده من الخفي هذا رياء، فكيف إذا كان مدعيًا ذلك من أقوال وأفعال، وفي حقيقة الأمر هو على خلافها؟ "أن يشهر الإنسان نفسه للناس بالعلم والزهد والدين أو بإظهار الأعمال والأقوال والكرامات" هذا إذا كانت عنده وهي خفية من أجل "ليزار وتلتمس بركته ودعاؤه"..

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

فتنة يفتتن.

"ليزار وتلتمس بركته ودعاؤه وتقبل يده، وهو محب لذلك، ويقيم عليه ويفرح به ويسعى في أسبابه" يعني لو قدر أنه ما جرؤ أن يظهر شيء يوحي إلى أحد أن يظهره، نسأل الله العافية. "ومن هنا كان السلف الصالح يكرهون الشهرة غاية الكراهة" إذا عرف عنه شيء غيَّره إذا صام دهن وجهه وشفتيه كأنه آكل ويديه فـ "منهم أيوب السختياني والنخعي وسفيان" الثوري هذا إذا أطلق في هذا الباب هو المشهور به أشهر من سفيان بن عيينة، والثاني ليس ببعيد منه، "وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين" هؤلاء علماء، وفي الوقت نفسه أهل ورع وزهد وعبادة، "وكذلك الفضيل وداود الطائي وغيرهما من الزهاد والعارفين" يعني وإن كانوا في المرتبة العلمية أقل، لكن يريد أن يذكر الأصناف من أهل العلم وغيرهم -رحمهم الله-.

 "وكانوا يذمون أنفسهم غاية الذم، ويسترون أعمالهم غاية الستر. دخل رجل على داود الطائي -رحمه الله- فسأله: ما جاء به؟ فقال: جئت أزورك فقال: أما أنت فقد أصبت خيرًا حيث زرت في الله، ولكن انظر ما لقيتُ غدًا إذا قيل لي: من أنت حتى تزار؟!" يزدري نفسه "أمن الزهاد أنت؟! لا والله، من العباد أنت؟! لا والله، من الصالحين أنت؟! لا والله، وعدَّد خصال الخير على هذا الوجه، فجعل يوبِّخ نفسه أو ثم جعل يوبِّخ نفسه ويقول: يا داود كنت في الشبيبة فاسقًا، فلما شبت صرت مرائيًا، والمرائي أشر من الفاسق" يعني ازدراء النفس وعدم إظهار منزلتها لا شك أن هذا مطلوب ونوع من التواضع، لكن أحيانًا يفهم منه السامع خلاف مقصد هذا المزدري.

 وأحيانًا يكون الأمر فيه نوع مبالغة وقرب من القنوط، تعبد شخص سبعين سنة، سبعين سنة يتعبد وهو في ذلك كله لا يسأل الله الجنة، وإنما يكتفي بالتعوذ من النار يقول: جنة، ما أنا بكفء للجنة، لكن يكفيني أن أنجو من النار وهو يتعبد سبعين سنة، مثل هذا إلى القنوط أقرب، ليس هذا من هدي المصطفى -عليه الصلاة والسلام- سأل الجنة وأمر بسؤال الجنة، بل أمر بسؤال الفردوس -عليه الصلاة والسلام- يقابل هذا الشخص من يوسِع أو يوسِّع في باب الرجاء، ويرى من نفسه أنه فعل ما لم يفعله المتقدمون والمتأخرون إذا جلس في المسجد وقرأ جزءًا وتحرك الباب ظنهم الملائكة جاؤوا ليسلموا عليه، يعني المسألة لا هذا ولا هذا، هدي المصطفى- عليه الصلاة والسلام- التوسط لا يأس ولا قنوط ولا أمن من مكر الله.

"وكان محمد بن واسع يقول: لو أن للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني" لو أن للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني في أرجوزة أبي العتاهية التي تشتمل على الحكم الكثيرة قالوا: فيها أربعمائة حكمة الذي يقول:

 لتموتن ولو

 

عمرت ما عمر نوح

إلى أن قال:

 لطف الله بنا

 

أن الخطايا لا تفوح

يعني ليس لها رائحة، وهذا من لطف الله -جل وعلا- في نونية القحطاني:

والله لو علموا قبيح سريرتي

 

لأبى السلام علي من يلقاني

"وكان إبراهيم النخعي -رحمه الله- إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ في المصحف غطاه" غطاه، نعم القراءة في المصحف مرجَّحة عند أكثر العلماء، لكن ما الذي يترتب عليها؟ أن يُرى وهو يقرأ والقراءة من الحفظ يحصل بها الأجر المرتَّب على القراءة، وهي أقرب إلى السر والخفاء، ولذا إبراهيم النخعي وهو من أئمة وسادات التابعين إذا دخل عليه وهو يقرأ في المصحف غطاه، "وكان أويس" بن عامر القرَني الذي جاءت منقبته في صحيح مسلم، وأُمر عمر أن يطلب منه الاستغفار، والقصة في الصحيح، "وكان أويس -رحمه الله- وغيره من الزهاد إذا عرفوا في مكان ارتحلوا عنه" الآن كون العالم أو طالب العلم يغشى مكانًا واحدًا يعرف فيه من أجل أن يتردد عليه الناس، ويقضي حوائجهم، أو يجيب على أسئلتهم ومشاكلهم، الأمور بمقاصدها، لكن هذا فرع عما تقدم في مسألة تدافع الفتيا ووجود من يكفيه فيها أنه يفرح بمن يتحمل عنه المسؤولية.

 "وكان كثير من السلف يكره أن يُطلَب منه الدعاء"، وكان كثير من السلف يكره أن يُطلَب منه الدعاء "ويقول لمن يسأله الدعاء: أمني أنا؟!" أو يقول: أي شيء أنا؟! كما في النسخة الأخرى. "وممن روي عنه ذلك عمر بن الخطاب وحذيفة" مع أنه طلب من أويس القرني أن يدعو له، أن يستغفر له، عمر -رضي الله عنه- على جلالة قدره "-رضي الله عنهما-، وكذلك مالك بن دينار -رحمه الله-، وكان النخعي يكره أن يُسأل الدعاء، وكتب رجل إلى أحمد- رحمه الله- يسأله الدعاء فقال: إذا دعونا نحن لهذا فمن يدعو لنا؟!" كل هذا من باب التواضع وهضم النفس، وإلا فهؤلاء خيار ترجى إجابة دعوتهم إذا دعوا لمن سألهم، والملك يقول لك بمثله إذا كان في ظهر الغيب حصل الخير للداعي والمدعو له، لكن هذا من باب الزيادة في هضم النفس، وقد عرفوا بذلك، ووصف بعض الصالحين..

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

لكن الجواب إذا دعونا لهذا فمن يدعو لنا؟ يعني الحاضرين، هذا الذي كتب يطلب الدعاء منه وكان الجواب: إذا دعونا لهذا فمن يدعو؟ قد يدعو له، نعم قد يدعو له مع هذا الكلام، ما يلزم أن يكون ما دعا له.

"ووصف بعض الصالحين واجتهاده في العبادة لبعض الملوك فعزم على زيارته، فبلغه ذلك" بلغ هذا الرجل الصالح أن الملك سيزوره، "فجلس على قارعة الطريق يأكل" من أجل أيش؟ ليظهر أنه ليس بذي مروءة، ولا يستحق الزيارة، وأنه إلى الغفلة أو ما هو أشد من ذلك أقرب، "فجلس على قارعة الطريق يأكل، فوافاه الملك وهو على تلك الحالة، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وجعل يأكل أكلاً كثيرًا" بشره ونهم من أجل أيش؟ أن يقول الملك: هذا لا خير فيه، ماذا يفعل من يزور هذا، "وجعل يأكل أكلاً كثير ولا يلتفت إلى الملك فقال: ما في هذا خير ورجع، فقال الرجل: الحمد لله الذي رد هذا عني وهو لائم" وهذا باب واسع جدًّا، كثير من السلف عند زيارة الملوك تتغير أحوالهم، وقد يتصرفون تصرفات تحط من قيمتهم في نظر هذا الزائر، ولكن مع ذلك ينصحونهم.

 وقصة هارون الرشيد مع سفيان الثوري معروفة ومسطرة، وعلى كل حال كأن هذا بالنسبة لنا أساطير، يعني لا نستوعبه، فضلاً عن أن يخطر على البال تطبيقه، نسأل الله اللطف.

 "الحمد لله الذي رد هذا عني وهو لائم، وهذا باب واسع جدًّا".

 قال -رحمه الله-: "وهنا نكتة دقيقة وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه" يذم نفسه بما يعرف بخلافه، هذا ماذا يريد إذا قال: أبدًا أنا ما أفعل كذا، وهو يفعل، والناس يعرفون كلهم أنه يفعل، أو أنه يفعل كذا، والناس تعرف أنه من أبعد الناس عنه، لا شك أن الأمور بمقاصدها، إذا كان يريد أن يخفي عملًا يمكن إخفاؤه، لو قال: أنا والله يعرف الناس أنه خلف الإمام في كل الأوقات، وهو يقول: أكثر الأوقات ما أدرك الجماعة، ماذا يريد أن يقولوا؟

طالب: ..............

هو إذا أخفى شيئًا ظاهرًا، أحيانًا شخص يدَّعي أنه يفعل كذا والأمة مجمعة على أنه خلاف ذلك ومعروف بهذا، مثل مَن يخفي أنه ذَكَر مثلاً الناس تعرف أنه ذَكَر، وهو يخفي أنه يصلي في المسجد مع الجماعة والناس يرونه يتردد في كل وقت، هل يقال: إن هذا من باب التواضع وكتمان العمل؟! وبعضهم يتكايس وينفي أشياء متعددة يدخل بينها من يعرف الناس أنه متلبس به، يفعل كذا وكذا وكذا، ما هو بصحيح، بعضها صحيح، وبعضها يعرف الناس أنه ليس بصحيح مثل الشريطية بالمعارض، إذا عرض السيارة قال: فيها كذا وكذا وكذا، فيه شيء يراه الناس ما هو بصحيح، ما فيها، من أجل ماذا؟ أن يغطي الصحيح يقول: مادام ما صدق في هذا فالأمور الثانية يمكن بعد ألا تكون صحيحة، هذا باب دقيق جدًّا، ولا يعرفه إلا سلف الأمة وأئمتها.

طالب: ..............

معروف.

طالب: ..............

ابن القيم -رحمه الله- لما ذكر طبقات الناجين، وأنهم الأبرار والمقربون والمخلِّطون، أرفعهم درجة المقربون، شرح برنامج الأبرار وما يصنعونه من أعمال صالحة في بداية اليوم إلى نهايته، ثم أراد أن يشرح حال المقربين أو شرحها ما أدري هل قال ذلك قبل أو بعد قال: إنه ما شم لهم رائحة، وهو من العباد، لكن مادام يشمله الأول يهوِّن الأمر، يعني أنت لو قيل لك: من أي طبقة أنت؟ تقول: من الذي خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله، وهذا واقعك، عندك خير كثير، ولست بالمعصوم، لكن ما تستطيع أن تقول: أنا من الأبرار، ولا يستطيع أن يقول ولو كان منهم من باب التواضع، فابن القيم نفى مرتبة المقربين، وهو ما نفى مرتبة الأبرار، وعلى كل حال نسأل الله أن يلطف بنا.

"وهنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم، ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: كفى بالنفس إطراءً، كفى بالنفس إطراءً أن يذمها على الملأ، كأنك تريد بذمها زينها، وذلك عند الله سفه"؛ لأنه مَن يخادع؟! يخادع الله.

بقي شيء على الوقت أم نبدأ؟

طالب: متأخرين...

طالب: ..............

نعم؛ لأن السامع يعرف أنه يكذب.

طالب: ..............

كيف؟

طالب: ..............

الذي قال للجماعة..!

طالب: ..............

هذا شاب تعين مدرسًا في في هجرة بدو، وما شاء الله اجتهد معهم، وعلمهم مبادئ العلوم، وحفظهم شيئًا من القرآن وما أدري أيش، جاء نقله، فأراد أن يودعهم فقال: يا إخوان، إني مقصر ومذنب، وما ترونه شيء ما يقابل ما نرتكبه، وما أدري إيش، المهم أنه أكثر من هذا، هم ما يستوعبون هذا الكلام، أخذوا هذا الكلام بالقبول قالوا: مضحك عليه يا خبيث، كل هذه المدة على أنك زاهد وعابد وطالب علم! نعم ما يستوعبون مثل هذا الكلام، والله المستعان، الله يعفو ويسامح، الله يعاملنا بالعفو.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: ..............

نعم ... كيف؟

طالب: .............

والذي قبله؟

طالب: ..............

نعم، طيب اصبر اصبر الآن لو يصدر فتوى جماعية، ثم يسقط اسم واحد منهم ما يصير بخاطره شيء؟ هذا كلامه.

طالب: ..............

فعله كثير من السلف، لكن قالوا أشياء يعني تصديقها فيه بعد قالوا: إن شخصًا فقد عينه عشرين أو ثلاثين سنة ما دريت زوجته أنه أعور حتى فقد الثانية.

طالب: ..............

والله إذا رد فجيد، لكن ما هو الذي يذكر نفسه بخلاف ما يعرف عنه.

طالب: ..............

 

كل مقام له مقال.

"