بلوغ المرام - كتاب الصلاة (17)

جاء في ألفاظ لبعض الأحاديث أنه كان لا يفعلها -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء من حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فكان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائماً)) لكن هذا الحديث ضعفه النووي، وجاء في معناه بعض الأحاديث، فإذا ثبتت تحمل على بيان الجواز، وأن فعلها مجرد سنة، وتركها جائز.

"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع، يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" متفق عليه.

ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر، وزاد: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا".

هذا القنوت يسميه أهل العلم قنوت النوازل "عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب" رعل وعصية وبنو لحيان "يدعو على أحياء من العرب" مدة شهر ثم ترك القنوت، هؤلاء الأحياء النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسل زهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين يعرفون بالقراء، غدروا بهم وقتلوهم، فقنت النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة شهرٍ يدعو عليهم، يدعو على هؤلاء الذين غدروا بهؤلاء القراء، هذه نازلة، هذه نازلة.

فقنوت النوازل مشروع، وهو مربوط بالأمور العامة التي تنزل بالأمة لا ما ينزل بشخصٍ معين، لو مرض إمام من أئمة المسلمين عالم كبير هل نقول للناس: اقنتوا قنوت نوازل لكي يرفع الله عنه هذا البلاء؟ هذه ليست نازلة، وإن كان أثرها في الأمة ظاهر، لكن يدعى له بظهر الغيب يدعى له بالسجود، يدعى له في أوقات الإجابة لا بأس، أما أن يقنت لرفع ما نزل به، الصحابة ما قنتوا لما مرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا لا يشرع، وإن فعله بعض المجتهدين من أصحاب الحماس والغيرة والحرقة على ما يقولون يفعلونه، مرض شخص من الأشخاص من أهل العلم يقنتون، هذه ليست نازلة، هذه وإن كانت نازلة إلا أنها خاصة وليست عامة.

النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت بعد الركوع، وجاء عن أنس أن القنوت كان قبل الركوع، قنت بعد الركوع، وجاء عن أنس أن القنوت كان قبل الركوع، أولاً: قوله: "قنت شهراً" هل يحدد قنوت النوازل بهذه المدة؟ أو نقول: إن النازلة تقدر بقدرها على حسب ما يقدره أهل الاجتهاد من علماء المسلمين؟ تقدر بقدرها، فقد لا تصل إلى حد الشهر، وقد تزيد على الشهر؟ أو نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو المشرع وهو القدوة فلا نزيد على ما فعل ولا ننقص عنه؟ محل نظر، ولا شك أن النوازل متفاوتة، ومنها ما هو مربوطٌ بمدة ووقت، ومنها ما يطلب كشفه فيستمر إلى أن ينكشف، ومنها ما حصل وانتهى كقتل هؤلاء القراء، المقصود أنه محل للاجتهاد.

"بعد الركوع" وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه قبل الركوع، وابن القيم -رحمه الله تعالى- وفق بين ما جاء عنه من هذا وهذا، فقال: إن القنوت الذي هو قبل الركوع طول القيام، فالقنوت في الأصل هو طول القيام {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] القنوت طول القيام، فالقنوت الذي قبل الركوع طول قيامٍ في القراءة، والقنوت الذي هو بعد الركوع طول قيام بالدعاء فلا اضطراب؛ لأن بعضهم يقول: كيف يقول أنس: أحياناً قبل الركوع وأحياناً بعد الركوع؟ ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: المراد بالقنوت طول القيام، فالقنوت الذي هو قبل الركوع طول قيامٍ بقراءة، والقنوت الذي بعد الركوع هو طول قيام بالدعاء.

"يدعو على أحياء" أي قبائل "من العرب ثم تركه" لأنه مصيبة وكارثة حلت بالأمة، لا شك أن مثل هذه الأمور تنتهي تدريجياً؛ لأنه مصيبة والمصائب كل ما مضى عليها الوقت تنسى، فلا يحسن التذكير بها، كتعزية المصاب، الآن لو يموت شخص وابنه زميلٌ لك، ومعك في العمل، كل صباح: "أحسن الله عزاك بالوالد"، "أحسن الله.." لمدة سنة، وبعدين؟ هو نسي وخلاص، انتهت المصيبة في وقتها، فمثل هذا لا يشرع، لأن مثل هذا يذكر بهذه المصيبة "ثم تركه" متفقٌ عليه".

"ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر" وهذا الوجه ضعيف "وزاد: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"، "من وجه آخر" عن أنس "وزاد فيه: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"، وفي الحديث الأول: "ثم تركه" فإما أن يقال: إنه تركه في بقية الفرائض والاستمرار في الصبح، أو يقال: إن رواية "لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" ضعيفة ولا تعارض بها الرواية الصحيحة.

هذه الرواية التي معنا: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" عرفنا أنها ضعيفة، ولو صحت لقلنا: إنه لم يزل يقنت يطيل القراءة، والقنوت طول القيام حتى فارق الدنيا، ويعارض حديث أنس هذا الذي في صلاة الصبح حديث سعد بن طارق الأشجعي وهو صحيح، وهو أصح من هذا، اقرأ الحديثين.

"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم" صححه ابن خزيمة".

"وعن سعد بن طارق الأشجعي -رضي الله تعالى عنه- قال: "قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفكانوا يقنتون في الفجر? قال: أي بني محدث" رواه الخمسة إلا أبا داود".

نعم "وعنه" يعني أنس بن مالك -رضي الله عنه- راوي الحديث السابق "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم" ثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يدعو لقوم مستضعفين بمكة ((اللهم أنجِ الوليد بن الوليد)).. إلى آخر الحديث، "أو دعا على قوم" على أحياء من العرب في الحديث السابق "لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" وهذا ما يسمى بقنوت النوازل.

وأهل العلم يعممون النوازل فيما هو أعم مما ورد في هذا الحديث، ويقولون: إنه لا قنوت إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيقنت الإمام في الفرائض قنوت الوتر يأتي ذكره، لكن المقصود القنوت في الفرائض.

من حديث أنس يقول: "لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" وأهل العلم عمموا ذلك، فحملوه على النوازل، جعلوا العلة الجامعة هي النازلة، فلا يقتصر قنوت النوازل على الدعاء لقوم أو على قوم، بل إذا نزل بالمسلمين مصيبة تعمهم دُعي بكشفها في الفرائض.

وجاء القنوت في الصبح وهو أكثر ما جاء، جاء في بقية الأوقات الخمسة كما في الصحيحين والسنن: "إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة" وباء، وإلا عدو يحل بساحتهم، أو سباع تحيط بهم مما لا يستطيعون دفعه، أو هوام، أو زلازل، كوارث، مصائب، هذه يقنت فيها في الفرائض، استثنى أهل العلم الطاعون لا يقنت له ولو صار جارفاً، قالوا: لأن الطاعون إيش؟ شهادة والشهادة لا يطلب رفعها.

حديث "سعد بن طارق الأشجعي" وفي نسخ البلوغ: سعيد، لكن الصواب في اسمه: سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي -رضي الله عنه- "قال: قلتُ لأبي" طارق بن أشيم "يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- وخلفائه الراشدين "أفكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث" رواه الخمسة إلا أبا داود" أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجه "أي بني محدث" يعني مبتدع، وسبق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت، وأنس يقول: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" فإذا نظرنا إلى قول أنس: "لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا" مع حديث سعد بن طارق عن أبيه، وحديث سعد بن طارق أقوى من حديث أنس، فحديث أنس في القنوت في الصبح على وجه الخصوص ضعيف، وهو معارضٌ بما هو أقوى منه من حديث سعد بن طارق ولو صح لأمكن حمله على طول القيام في القراءة، ومعلومٌ أن الصبح تطول فيه القراءة.

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار"، فمن سمة ومن سنة صلاة الصبح أنها تطول فيها القراءة وهذا هو القنوت، وهذا من معاني القنوت طول القيام، فلو صح حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا حمل على طول القراءة؛ لأنه معارضٌ بما هو أقوى منه.

الشافعية يرون استمرار شرعية القنوت في صلاة الصبح، والجمهور على أن القنوت مربوطٌ بالنازلة، لا يقنت إلا في النوازل، والشافعية يستدلون بحديث أنس: "فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا".

هذا أعيد السؤال الأول: إذا كان الماء قد استعمل في غسلٍ ولكن ليس لرفع حديث لمستحب كالجمعة مثلاً هل يصح الوضوء به؟

يصح الوضوء به، ولا أثر لاستعماله في الطهارة، ولا ينتقل من كونه طهور إلى كونه طاهر، وهذا قول المالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومعه الأدلة، أما القول بأنه ينتقل من كونه طهور إلى طاهر وحينئذٍ لا يرفع الحدث مرة ثانية وهو قول الأكثر، ويستدلون بأدلة مضى الكلام فيها وفي بسطها، ورتبوا على هذه أو على هذا القول مسائل، وضيقوا على أنفسهم وعلى غيرهم، ولذا تمنى الغزالي أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب الإمام مالك في أبواب المياه، وهو المناسب ليسر الشريعة، وهو المناسب لوضوحها، وإلا وجدت فروع ومسائل تتعلق بهذه المسألة هي إلى التكلف والتعنت أقرب منها إلى أن تكون مسائل مشروعة.

وظاهر السؤال هذا: إذا كان الماء قد استعمل في غسل وليس لرفع حديث هل يصح الوضوء بها؟ هذا واضح، وإعادة السؤال مرة ثانية لعله يريد أن الغسل المستحب هل يرفع الحديث؟ بمعنى أنه هل يغني عن الوضوء؟ يحتمل أن يكون هذا المراد، بدليل أنا أجبنا عنه سابقاً وأعاد السؤال مرة ثانية، فإن كان القصد الفهم الأول فأعدناه، وإن كان القصد الثاني فإذا كان الغسل مشروعاً يقولون: يجزئ، الغسل طهارة كبرى تدخل فيها الطهارة الصغرى إذا كانت مشروعة، ومنهم من يقول: إن الوضوء الواجب لا يدخل في الغسل المستحب، لا يدخل في الغسل المستحب، ولذا لا بد من الوضوء إلا إذا كان الغسل رافعاً للحدث، بمعنى أنه واجب يرفع حدث فإنه إذا ارتفع الحدث الأكبر تبعه الحدث الأصغر.

يقول: حديث: ((لا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة وليغترفا جميعاً))؟

جاء النهي عن الوضوء وضوء الرجل بفضل المرأة، ووضوء المرأة بفضل الرجل، ولم يقل أحدٌ بأن الماء الذي يخلو به الرجل لا يرفع حدث المرأة، وإنما قال بعضهم بالعكس، إذا خلت المرأة لطهارة كاملة بالماء فإن هذا الماء لا يرفع حدث رجل وإن رفع حدث امرأة، والصواب أن المسألة واحدة، وقد جاءت في الخبر سيقت مساقاً واحداً، فإذا كان ما خل به الرجل يرفع حدث المرأة فما خلت به المرأة يرفع حدث الرجل، وجاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ بفضل إحدى زوجاته -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: إني عندما أصلي الوتر في آخر الليل في بعض الأحيان في الركعة الأخيرة أقنتُ بعد الركوع في الركعة الأخيرة ولكني أطيل حتى أني في بعض الأحيان يؤذن الفجر وأنا في آخر ركعة فهل تعتبر وتراً لي؟

نعم، أتمها، إذا أذن الفجر أتمها خفيفة.

"وعن الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: ((اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) رواه الخمسة.

وزاد الطبراني والبيهقي: ((ولا يعز من عاديت)) زاد النسائي من وجه آخر في آخره: ((وصلى الله على النبي)).

وللبيهقي عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح" وفي سنده ضعف".

حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما- في دعاء القنوت: ((اللهم أهدني في من هديت)).. إلى آخره، مخرجٌ في المسند والسنن، وهو حديثٌ حسن، حديثٌ حسن.

"علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم أهدني فيمن هديت" يطلب الهداية وقد هداه الله -عز وجل- إلى هذا الدين، فالمطلوب المزيد من هذه الهداية والثبات عليها "وعافني فيمن عافيت" والعافية في الدنيا والآخرة لا يعدلها نعمة، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على العبد، وخير ما يسأله المرء "وتولني فيمن توليت" تولني أنت ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحدٍ غيرك "وبارك لي فيما أعطيت" يعني فيما رزقتني بارك لي فيه؛ لأن الرزق إذا نزعت بركته ضعف أثره وضعف الانتفاع به بخلاف ما إذا بورك فيه فإنه يعظم أثره، ويعظم الانتفاع به "وقني" من الوقاية "شر ما قضيت" علي وما كتبته "فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت" من والاه الله -جل وعلا- فهو العزيز، وهو المنيع الممتنع الممنوع من غيره، الممنوع غيره منه "لا يذل من واليت" فولي الله محفوظ، ولو اجتمعت الأمة على أن تضره بشيء ما دام ولياً لله -عز وجل- لن تستطيع أن تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه رفعةً له في درجاته ومحواً لسيئاته "إنه لا يذل من واليت" وفي رواية الطبراني والبيهقي في الكبير والكبرى: "ولا يعز من عاديت" من كان عدواً لله -عز وجل- فإنه ذليل، عدو الله العاصي ذليل مهما رؤي متقلباً بنعم الله -عز وجل-، لذا يقول الحسن: "فإنهم -يعني العصاة- وإن طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم البغال فإن ذل المعصية لا يفارقهم" بلا شك العاصي ذليل "ولا يعز من عاديت، تباركت" تعاظمت "ربنا وتعاليت".

الزيادة التي في الطبراني والبيهقي مقبولة، لكن زيادة النسائي من وجهٍ آخر وفيها الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الدعاء في الصلاة ضعيفة، ولذا قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: "لا تثبت".

والحديث حسنه الترمذي وغيره، يعني لما علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الدعاء ليقوله في القنوت.

وأما حديث ابن عباس عند البيهقي "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا دعاءً ندعو به في القنوت من صلاة الصبح" وفيه: "اللهم أهدني فيمن هديت".. إلى آخره، لكنه ضعيف، في إسناده مجهول فالخبر ضعيف، هو نعم حسن من حديث الحسن لكنه من حديث..، والمقصود به قنوت الوتر، أما ما جاء من حديث ابن عباس في حديث الصبح فهو ضعيف.

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) أخرجه الثلاثة.

وهو أقوى من حديث وائل بن حجر: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" أخرجه الأربعة.

فإن للأول شاهداً من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً".

عندنا حديث البروك.

هذا يقول -وفي سؤال ثاني- بعض أهل العلم أن زيادة قوله: "في قنوت الوتر" شاذة شاذة؟

لكنها مصححة عند جمعٍ من أهل العلم، يعني محكومٌ عليها بما حكم به على الحديث، وأنها محفوظة حفظ الحديث.

ذكرتم أن الحافظ ابن حجر حكم على رواية النسائي بأنها لا تثبت في حديث حسن، وأحلتم إلى تخريجها على الأذكار فما المراد به؟

الحافظ ابن حجر له أمالي، أمالي كبيرة جداً خرج فيها أحاديث بعض الكتب، منها ما سماه: (نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار) للنووي، والكتاب لم يكمل، الكتاب لم يكمل، طبع منه مجلدين أو شبههما، المقصود أن الكتاب لم يكمل، وهو تخريجٌ لكتاب الأذكار للنووي.

حديث البروك، وهو يحتاج إلى انتباه "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) يقول: "أخرجه الثلاثة، وهو أقوى من حديث وائل بن حجر: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" أخرجه الأربعة".

المرجح لحديث أبي هريرة هو أنه له "شاهداً من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً".

وأيضاً حديث وائل بن حجر له شاهد، له شاهد، لكن المرجَّح من حيث الصناعة حديث أبي هريرة، المرجح من حيث الصناعة الحديثية حديث أبي هريرة، من حيث الصناعة الإسنادية، وله أيضاً شاهد من حديث ابن عمر، موقوفاً عليه أنه كان إذا سجد قدم يديه قبل ركبتيه.

نأتي إلى الحديث الأول حديث أبي هريرة "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه))" البعير ماذا يقدم؟ يقدم اليدين قبل الركبتين، كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه))؟ والبعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، نحتاج إلى أن نقول مثل ما قال ابن القيم: إن الحديث مقلوب، والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" ليتفق آخر الحديث مع أوله، وليتفق مع فعله -عليه الصلاة والسلام- في حديث وائل بن حجر: "أنه إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"؟ أو نرجح بين الحديثين ونقول: حديث أبي هريرة أرجح وننظر في معناه؟

أولاً: ما ادعاه ابن القيم -رحمه الله تعالى- من القلب ما قال به أحد غيره، العلماء الذين تتابعوا على روايته وصرح بعضهم بتصحيحه يخفى عليهم مثل ما قال ابن القيم، يمكن أن يخفى؟ لا يمكن أن يخفى.

إذاً كيف يقول: ((لا يبرك كما يبرك البعير وليضع)) اللام لام الأمر ((يديه قبل ركبتيه)) ننظر في معنى البروك، إيش معنى البروك؟ متى يقال برك؟ وكيف يبرك البعير؟ لا شك أن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن بروك البعير لا يقال: برك البعير، بل من طبيعة البعير إذا برك أنه يثير الغبار ويفرق الحصى، فيكون نزوله على الأرض بقوة، برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى يقال له: برك، فمن شابه البعير في نزوله على الأرض بهذه القوة بحيث يثير الغبار ويفرق الحصى فقد برك كما يبرك البعير، لكن بالإمكان أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه مجرد وضع، ترى فرق بين الوضع والبروك، فرقٌ بين الوضع والطرح والإلقاء، يعني الآن عندنا وضع المصحف على الأرض حرام وإلا حلال؟ تضع المصحف على الأرض؟ نعم حلال ما فيه شيء، لكن لو ألقيت المصحف رميته رمي؟ هو وصل إلى الأرض لكن فرق بين هذه الكيفية وهذه الكيفية، إذا سجدت على الأرض قدمت يديك على الأرض بقوة وأثرت الغبار وفرقت الحصى بركت، لكن بإمكانك أن تضع يديك قبل ركبتيك ولا توافق البعير مجرد وضع، ولذا قال: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) فإذا وضع يديه مجرد وضع قبل ركبتيه فإنه حينئذٍ لا يشبه بروك البعير.

يشبهه من وجه ويختلف معه من وجه، والمشابهة مع الشيء لا يلزم أن تكون من كل وجه، هل يلزم أن تكون المشابهة مطابقة من كل وجه؟ يعني تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هل هي مطابقة من كل وجه؟ كلا، تشبيه الوحي بصلصلة الجرس مطابقة من كل وجه؟ تشبيه من وجه دون وجه، وإلا الوحي محمود والجرس مذموم، كيف يشبه المحمود بالمذموم؟ إلا أنه من وجه يشبهه ومن وجه آخر لا يشبهه، فالمشابهة المطلوبة في الحديث من الوجه المنطبق.

إذا شابهه من الوجه المنهي عنه جاء النهي، إذا نزل بيديه قبل ركبتيه بقوة قلنا: أشبه البعير، إذا وضع يديه قبل ركبتيه مجرد وضع امتثل الأمر في الحديث: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)).

حديث وائل بن حجر: "رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" لكن لو وضع يديه قبل ركبتيه بقوة على الأرض يشبه وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلا يشبه الحمار؟ إذا وضع ركبتيه قبل يديه بقوة النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع ركبتيه قبل يديه في الحديث الذي معنا وإن كان فيه ضعف؛ لأننا نريد أن نفر من مشابهة الحيوانات، لأنه إذا قال لنا من قدم يديه قبل ركبتيه: أشبه البعير، نقول: من قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار، فالمطلوب وضع.

إذا أردنا أن نرجح بين حديث أبي هريرة وحديث وائل قلنا: حديث أبي هريرة أرجح، فيكون المطلوب وضع اليدين قبل الركبتين، إذا أردنا أن نسلك مسلك آخر وهو ما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: المطلوب الوضع، لا تنزل بقوة على الأرض لا بيديك ولا برجليك، وحينئذٍ إذا وضعت مجرد وضع هذا هو المطلوب، سواءٌ قدمت يديك أو قدمت ركبتيك، الكلام واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم؟

طالب:.......

يحتاج إلى إعادة وإلا ما يحتاج إلى إعادة؟

نحن مأمورون بمخالفة الحيوانات، فإذا قدمنا اليدين قبل الركبتين بقوة أشبهنا البعير، ووقعنا في المنهي عنه، إذا وضعنا أيدينا قبل الركب مجرد وضع امتثلنا الأمر: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) فالوضع غير البروك، الوضع شيء والبروك شيء آخر، وإذا أردنا أن نرجح فحديث أبي هريرة أرجح، وإذا أردنا أن نعمل بالحديثين ممكن، على رأي شيخ الإسلام أن المطلوب مجرد الوضع، مجرد الوضع برفق وطمأنينة وسكون يناسب الصلاة، سواءٌ قدمنا اليدين أو الركبتين لا فرق، فالمطلوب الوضع.

فهنا: ((وليضع يديه)) وهناك: ((وليضع ركبتيه)) فنكون على رأي شيخ الإسلام عملنا بالحديثين، هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- وهذا من فعله، ولا تعارض بينهما من هذه الكيفية، وإذا أردنا أن نرجح قلنا: حديث أبي هريرة أرجح كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-.

ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة، نهى عن التفات كالتفات الثعلب، نهى عن افتراش كافتراش السبع، الافتراش إلصاق الذراعين بالأرض، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب، إقعاء كإقعاء الكلب، ونهى عن عقبة الشيطان، ونقرٍ كنقرِ الغراب، معروف الذي يسرع في صلاته كأنه ينقر، ورفع الأيدي عند السلام كأذناب خيلٍ شمس، تحريك الأيدي جاء النهي عنه، هي مجموعة في قول الناظم:

إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا
بروك بعيرٍ والتفاتٍ كثعلبٍ
وإقعاءِ كلبٍ أو كبسط ذراعه

ج

 

نهينا عن الإتيان فيها بستة
ونقر غرابٍ في سجود الفريضة
وأذناب خيلٍ عند فعل التحية

ج

وزاد الصنعاني بيتاً رابعاً ذكر فيه قوله:

وزدنا كتدبيح الحمار بمده
ج

 

لعنقٍ وتصويب رأسٍ بركعة
ج

تخفيض الرأس، هذا تدبيح الحمار، لكن حديث التدبيح ضعيف، يكفي عنه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه.

أقول: هل نحتاج بعد هذا إلى أن نقول: الحديث مقلوب؟ نعم؟ كما قال...؟ لا نحتاج، هل نحتاج إلى أن نقول بما قاله بعضهم: إن ركبتي البعير في يديه؟ وهل ينحل الإشكال إذا قلنا: ركبتي البعير في يديه؟ ينحل الإشكال؟ ما ينحل الإشكال، فلا نحتاج إلى هذا ولا إلى هذا، فإذا فهمنا ألفاظ الحديث انتهى كل إشكال، والمقام لا يحتاج من البسط أكثر من هذا؛ لأن الوقت ضايقنا.

يا الإخوان الظاهر الأسئلة ما لها وقت، أقول: هذه فتوى تحتاج إلى تأمل.

"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه السبابة، رواه مسلم.

وفي رواية له: "وقبض أصابعه كلها، وأشار بالتي تلي الإبهام".

نعم، حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" اليد على الركبة "واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين" عقد ثلاثاً وخمسين، يقول الحافظ ابن حجر في تصوير الثلاثة والخمسين: أن يجعل الإبهام مفتوحة تحت المسبحة هكذا، وقبض أصابعه كلها هكذا، مفتوحة تحت المسبحة، هذه ثلاثة وخمسين، مثل هذا التصوير ومثل هذا العد وهذا الحساب إنما يحتاج إليه في مثل هذا النص، وإلا فهي طريقة اندثرت، ولا وجود لها، ولا يتعامل بها أحد، لكن قد وجد من النصوص ثلاثة وخمسين، وعقد تسعين, وعقد مائة وعقد كذا، هذه موجودة في النصوص، فيحتاج إلى تعلم هذه الطريقة من أجل معرفة ما اشتملت عليه هذه النصوص، ومن كان معه سبل السلام ذكر الطريقة، طريقة معروفة حسابية تواطأت عليها العرب في عقود الحساب؛ لأنهم عملهم كله بهذه الطريقة، أمةٌ أمية لا يقرؤون ولا يكتبون، لا يقرؤون ولا يكتبون، يحتاجون إلى مثل هذا للتفاهم، يحتاجون إلى مثل هذا للتفاهم.

"وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بأصبعه السبابة" يقولون: السبابة مرتبطة متصلة بنياط القلب، فتحريكها تحريكٌ للقلب، لكن هل هذا أمر محسوس يحس به كل إنسان إذا حرك انتبه قلبه؟ أو هذا أمرٌ مستنبط لإيجاد علة ولو كانت عليلة؟ بعضهم يحرص على استنباط علة مناسبة للحكم ويبعد النجعة، ما معنى كون السبابة متصلة بنياط القلب؟ هل هذا واقع أو ليس بواقع؟ يعني هل هذا مما يحس به أو لا يلزم أن يحس به إذا كانت آثاره ملموسة ولو بعد حين؟ هذا إذا كانت هذه العلة منصوصة، جاء النص عليها من قبل الشارع فنقول: لا بد أن يوجد هذا الارتباط، شعرنا به أو لم نشعر، أما إذا كان استنباط، مجرد استنباط من أهل العلم من الشراح أو غيرهم نقول: هذا يحتاج إلى استقراء.

"وأشار بأصبعه السبابة" رواه مسلم، وفي رواية له: "وقبض أصابعه كلها، وأشار بالتي تلي الإبهام" وهي السبابة، "أشار" الإشارة تقتضي التحريك، الآن الإشارة تقتضي التحريك وإلا ما تقتضي؟ في حديث عند ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما: "أنه -صلى الله عليه وسلم- رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها" وجاء النفي للتحريك في بعض الروايات، ولذا يقول بعضهم: النفي منصبٌ على التحريك المستمر والإشارة الدائمة، التحريك المستمر، والإثبات محمولٌ على التحريك حال الدعاء أو حال الشهادة، يشير بها حال الدعاء، يحركها يدعو بها، وأيضاً يحركها ويشير بها في وقت الشهادة عند قوله: لا إله إلا الله، وعلى كل حال الأدلة في هذا جاء فيها ما يدل على تحريكها والإشارة بها، وجاء ما يدل على عدم تحريكها، والتوفيق بينها على ضوء ما سمعتم.

"يحركها يدعو بها" نص في أن الأصبع حال الدعاء تحرك، يدعى بها، والدليل على الإشارة حال ذكر لفظ الشهادة التي سمي بها الذكر كامل وهو التشهد ما أخرجه النسائي والترمذي بسندٍ يثبت بشواهده: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يشهر بالأصبعين اليمنى واليسرى" هل منعه من الإشارة؟ أو منعه من الإشارة بالأصبعين كليهما حينما قال له: أحِّد أحِّد؟ يشير بأصبعيه، كونه ينهى عن الإشارة بالأصبعين ويؤمر التوحيد دليلٌ على أنه يشير بإحدى أصبعيه، فهذا دليلٌ على الإشارة وقت النطق بالشهادة، ووقت النطق بالأدعية "يحركها يدعو بها" ومع ذلك..، وما عدا ذلك فإنها لا تحرك لما جاء من عدم التحريك، ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثني من الدعاء وما اقترن بلفظ الشهادة.

"وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: التفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وللنسائي: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد".

ولأحمد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه التشهد، وأمره أن يعلمه الناس".

ولمسلم: "عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله يعلمنا التشهد: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)).. إلى آخره".

التشهد يأتي فيه من القول ما قيل في دعاء الاستفتاح، وأنه جاء على ألفاظ وصيغ يجدر بالمسلم أن يحفظ ما صح منها، وأن يستعمل جميع ما ورد منها، فاختلافها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ففي وقتٍ يستفتح باستفتاح أبي هريرة، ومرةٍ يستفتح باستفتاح عمر، ومرة ثالثة بثالث، ورابعة برابع وهكذا.

وقل مثل ذلك في التشهد، روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التشهدات تشهد ابن مسعود، الحديث الذي بين أيدينا، تشهد ابن عباس، تشهد عمر، تشهدات، فهل نقول: يقتصر على الراجح منها؟ فيرجح تشهد ابن مسعود على ما قال أكثر أهل العلم؟ أو يرجح تشهد ابن عباس على ما قال الشافعي؟ أو يرجح تشهد ثالث أو رابع وما أشبه ذلك؟ الأولى أن يقال: ما دامت كلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وكلها صحيحة أن تقال.

"عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: التفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا صلى أحدكم فليقل..)) فليقل في صلاته، ما هو إذا صلى وفرغ من صلاته وسلم منها، المراد بذلك في صلاته في أثناء صلاته في موضعه، سواءً كان التشهد الأول أو الثاني ((فليقل: التحيات لله)) جمع تحية، بالنسبة لله البقاء والدوام، لله -عز وجل- "والصلوات والطيبات" الصلوات إما الصلوات الخمس، أو جميع الصلوات من نوافل وفرائض، والطيبات: أي ما طاب من الكلم وحسن من الفعل "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" قُدم النبي -عليه الصلاة والسلام- في السلام لعظم حقه، فسببه وبإتباعه تحصل النجاة للعبد، وبمخالفته تحصل الهلكة له، فيقدم لعظم حقه "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" العبد الصالح من يؤدي حقوق الله -عز وجل- وحقوق عباده، من يقوم بحقوق الله وحقوق عباده "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ويأتي الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاستعاذة بالله من أربع ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)) سواءٌ كان في أمور الدنيا أو في أمور الآخرة وهو الأهم، على خلافٍ بين أهل العلم في أمور الدنيا، وهل يدعى بها في الصلاة أو لا؟ لكن: ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)) فيه ما يدل على العموم على عموم أمور الدنيا وأمور الآخرة ((فيدعو)) متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري، وللنسائي: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" قبل أن يفرض وفي هذا دليلٌ على أن التشهد فرض، فرض في الصلاة، أما التشهد الأول فهو واجب وليس بركن؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تركه لم يعد إليه، لم يعد إليه بل جبره بالسجود، وليس بمندوب فقط لأنه لو كان مندوباً لما احتيج إلى السجود جبراناً، وأما التشهد الأخير يبقى على فرضيته فهو ركن من أركان الصلاة.

"ولأحمد" بإسناد ضعيف "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه التشهد" علم ابن مسعود التشهد "وأمره أن يعلمه الناس" وبهذا يستدل على وجوب التشهد، لكن يغني عنه ما قبله لأنه ضعيف.

هذا تشهد ابن مسعود، يقول البزار: "أصح حديث عندي في التشهد حديث ابن مسعود، يروى عنه من نيفٍ وعشرين طريقاً، ولم نعلم روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد أثبت منه، ولا أصح إسناداً، ولا أثبت رجالاً، ولا أشد تضافراً بكثرة الأسانيد والطرق" وقال مسلم: "إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضاً، وغيره قد اختلف عنه أصحابه" وقال الإمام محمد بن يحيى الذهلي: "هو أصح ما روي في التشهد" نعم؟

طالب:.......

هو من حيث الإسناد أصح، لكن من رجح حديث ابن عباس قال: فيه زيادة، مشتمل على زيادات.

"ولمسلم: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.." نعرف تشهد ابن مسعود متفق عليه، تشهد ابن عباس عند مسلم، "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد: التحيات المباركات" المباركات لا توجد في حديث ابن مسعود: "الصلوات الطيبات".. إلى آخره" واختاره الشافعي لما فيه من الزيادات.

المقصود أنه مثل ما ذكرنا سابقاً أنه ينبغي للمسلم -لا سيما طالب العلم- أن يحفظ جميع ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا النوع، ومن غيره من الأنواع ليأتي ويراوح بين هذه التشهدات، وهذه الأدعية وهذه الأذكار؛ لأنه ليس بينها في الحقيقة اختلاف تضاد، ليس فيها اختلاف تضاد وإنما هو اختلاف تنوع، ونقف على حديث فضالة بن عبيد، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: هل آخذ بقول الأئمة المعتبرين في جواز الصلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي ولا لوم علي؟

على كل حال من لم يكن من أهل النظر بل هو مبتدئ في طلب العلم أو عامي تبرأ ذمته إذا قلد من تتوفر فيه شروط الفتوى، بأن يكون من أهل العلم والدين والورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع
ج ما لم يضف للعلم والدين الورع
وقد قال بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي من تبرأ الذمة بتقليده بالنسبة لمن لم تتوفر فيه الأهلية والنظر في النصوص بنفسه، وإلا من توصل إلى حكمٍ بنفسه من خلال الأدلة، ولديه الأهلية لا تبرأ ذمته بتقليد أحد، بل لا بد من أن ينظر في النصوص بنفسه، إلا إذا ضاق عليه وقت أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا من قلد من يقول بفعل ذوات الأسباب كالإمام الشافعي أو من يرجح قوله كشيخ الإسلام ابن تيمية أو غيرهم من العلماء المعاصرين لا لوم عليه.
لكن إذا أهدر أقوال الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد لمجرد هوىً في نفسه، أو لإعجاب بفلان أو علان هذا لا شك أنه يلام، فلو أخذ بأقوال الأئمة المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين مع عدم انتقاص بعضهم، وحفظ حقوقهم وإنزالهم منازلهم، وترجح له ذلك إن كان من أهل النظر، أو ثقةً بمن يقول بهذا القول إن لم يكن من أهل النظر فلا لوم -إن شاء الله تعالى-.

يقول: نرجو إعادة أقوال المذاهب في التورك؟

الحنفية الشافعية الحنابلة المالكية، الحنفية: ما في شيء اسمه تورك عندهم، جميع الجلوس في الصلاة كله افتراش هذا الحنفية، لا تورك عند الحنفية.
الشافعية: يقولون: التورك في كل تشهد يعقبه سلام، التشهد في الثنائية، أولاً: لا تورك إلا في التشهد، الأمر الثاني: أن يكون هذا التشهد يعقبه سلام، صليت ركعتين وليس عليك سجود سهو تتورك، إن كان عليك سجود سهو لا تتورك ولو كانت رباعية، فالتورك عندهم في كل تشهد يعقبه سلام، إذا أردت أن تتشهد وتسلم تورك، إذا كان عليك سجود سهو فلا تتورك سواء كانت ثنائية أو رباعية.
الحنابلة: عندهم التشهد الأول فيه الافتراش، والتشهد الثاني سواءً كان للرباعية أو الثلاثية فيه التورك، على ضوء ما جاء في حديث أبي حميد وغيره.
وأما المالكية: فالتورك في كل تشهد، التورك عند المالكية في كل تشهد سواءً كان الأول أو الثاني.

يقول: إذا عمل الإنسان عملاً وخاف على نفسه من الرياء فماذا يعمل؟

يجاهد، يجاهد نفسه، ويسعى جاداً، ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن يخلص عمله، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، من غير نظرٍ إلى فلان ولا إلى علان، من غير نظرٍ إلى مادحٍ ولا قادح، من غير أن يشوبه طمع دنيا، ولا خوف مخلوق، المقصود أن على الإنسان أن يجاهد نفسه في الإخلاص.
وليس من الحل ترك العمل خوف الرياء، قد يقول قائل: أنا والله جاهد وما استطعت ولذا لا أعمل، لا يعمل خوفاً من الرياء نقول: لا، تركك للعمل خوف الرياء إيش؟ شرك على ما قرر أهل العلم، وليس بحل، كثير من طلاب العلم يدرسون في الكليات الشرعية ويقولون: جاهدنا وعجزنا نخلص، أمامنا المستقبل، أمامنا الوظائف، أمامنا متطلبات الحياة فعجزنا أن نخلص، نقول: عليكم أن تبذلوا الجهد في إخلاص العمل لله -عز وجل- وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان على الإخلاص.
وكيف يعرف أن عمله قد شابه الرياء؟
كون الإنسان إذا عمل عملاً فاطلع عليه أثني عليه بسببه هذه عاجل بشرى المؤمن، لكن كون هذا الثناء يؤثر في العامل ويبعثه على العمل هذا هو الرياء.