شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 08

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح شرح كتاب الصوم منه.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم.   

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث عائشة –رضي الله عنها- وتوقفنا عند شرحكم لكلمة إِرْب وأَرَب وما جاء فيها أيضًا من ألفاظ، أحسن الله إليكم. 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من أحكام الحديث فيما قاله النووي في شرح مسلم جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في غير حال الضرورة فمنهيٌ عنه.

يعني: جاء النهي عن إخبار الرجل بما يحصل بينه وبين زوجه، جاء هذا، والنبي –عليه الصلاة والسلام– أخبر أو عائشة أخبرت عنه –عليه الصلاة والسلام– أنه كان يُقبِّل، وهذا مما يحصل بين الرجل وزوجته، فيقول النووي: في الحديث جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة.

ما الضرورة هنا؟

المقدم: التشريع؟

بيان الحكم الشرعي، وأما في غير حال الضرورة فمنهيٌ عنه.

يدخل في النهي أن يتحدث الإنسان أنه يُقبِّل زوجته بين الناس، يعني: يتحدث في هذا بين الناس، يدخل في النهي؛ لأنه لا يترتب عليه حكم شرعي.

وفي فتح الباري: ظاهر هذا –يعني قول عائشة: وكان أملككم لإربه- أنها اعتقدت خصوصية النبي-صلى الله عليه وسلم– بذلك، قاله القرطبي، قال: وهو اجتهادٌ منها. وقول أم سلمة أولى أن يؤخذ بها؛ لأنه نصٌ في الواقعة.

يعني: أم سلمة ذكرت أنه كان يُقبِّل ولم تذكر تعقيب "كان أملككم لإربه".

حديث أم سلمة، قالت: بينما أنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في الخميلة إذ حضت فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي، فقال: «مالكِ؟ أنفستِ؟». قلت: نعم، فدخلت معه في الخميلة، وكانت هي ورسول الله –صلى الله عليه وسلم– يغتسلان من إناءٍ واحد وكان يُقبِّلها وهو صائم.

ولم تقل كما قالت عائشة "كان أملككم لإربه"؛ لأن هذا اجتهاد منها، ومصير منها إلى أن من تؤثر فيه القُبلة أنه لا يجوز له أن يُقبِّل.

قال ابن حجر: قلت: قد ثبت عن عائشة صريحًا إباحة ذلك يعني: في الترجمة التي ترجم بها البخاري باب المباشرة للصائم، نعم في هذا الحديث. وقالت عائشة –رضي الله عنها-: يحرم عليه فرجها.

مفهومه: أن ما دون الفرج ليس بحرام.

فيُجمع بين هذا وبين قولها المتقدم: "يحرم عليه فرجها" أن تقدم أصله في الصحيح، إنه يحل له كل شيء إلا الجماع يُحمل النهي منها على كراهة التنزيه فإنها لا تنافي الإباحة.

أين النهي هنا؟ الآن قولها: "يحرم عليه فرجها" يدل على الإباحة، إباحة ما دون ذلك، وقولها: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم– يُقبِّل ويباشر" أيضًا يدل على الإباحة، لكن التعليل "وكان أملككم لإربه" يُفهم منه أنها تنهى عن ذلك غير النبي –عليه الصلاة والسلام–.

يُحمل النهي هنا على كراهة التنزيه فإنها لا تنافي الإباحة. وهذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري في موضعين:

الأول: هنا في كتاب الصيام، باب المباشرة للصيام، وقالت عائشة –رضي الله عنها–: يحرم عليه فرجها.

قال –رحمه الله–: حدثنا سليمان بن حرب، قال: عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة–رضي الله عنها- قالت: فذكره. والمناسبة تقدم ذِكرها وهي ظاهرة، ثم قال البخاري بعده: وقال ابن عباس مآرب: حاجة، والأصل مآرب جمع، ويُجمع تفسيره فيقال: مآرب حاجات.

قال طاووس: أولي الإربة: الأحمق لا حاجة له في النساء.

ما العلاقة بين هذا وهذا؟

المقدم: هذا من شرح معنى الإرب.

لأدنى مناسبة الإمام البخاري يذكر غريب القرآن، لأدنى مناسبة.

وجدت مصحفًا طُبع أخيرًا فيه تفسير غريب القرآن للبخاري، مأخوذ ملتقط من الصحيح، وهذا جيد.

قال طاووس: أولي الإربة: الأحمق لا حاجة له في النساء، {غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} [النور:31]، أما أولو الإربة فهم أصحاب الحاجة إلى النساء، لكن المقصود في الآية غير أولي الإربة، فهم الذين لا حاجة بهم إلى النساء.

الموضع الثاني: في كتاب الصوم أيضًا في باب القُبلة للصائم، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي، عن عائشة، عن النبي –صلى الله عليه وسلم– ح، وحدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: إن كان رسول الله ليقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت.

الآن ذِكر الحاء بعد ذِكر النبي –عليه الصلاة والسلام–.

المقدم: ليست تحويلًا هذه.

ليست تحويلًا ولا داعية لها هنا.

المقدم: سند آخر.

سند آخر كامل، يعني: يستفاد منها الاختصار في الأسانيد، لكن بعد ذِكره –عليه الصلاة والسلام– تقل فائدته، ويتجه قول المغاربة في معنى الحاء هنا والمراد بها الحديث. وبعضهم يقول: أصلها خاء وليست حاءً، وهي رمز البخاري يعني: عاد الخبر إلى المؤلف، فقال المؤلف: وحدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.. إلى آخره. ومناسبته ظاهرة.

الحديث الذي يليه.

المقدم: إن أذنتم يا شيخ قبله، قبل قليل تفضلتم بأنه إذا قبَّل أو باشر ثم أنزل فإنه يأثم وعليه القضاء، كذا يا شيخ؟

إذا قبَّل ويغلب على ظنه أنه يفسد صومه يأثم.

المقدم: وإذا أنزل عليه القضاء.

إذا أنزل عليه القضاء بلا شك.

المقدم: القضاء فقط.

نعم.

المقدم: ما عليه كفارة.

عليه الكفارة عند مَن لا يفرِّق بين الإيلاج وعدمه، إنما يعلق الكفارة بالإنزال الذي هو غاية ما يراد من الجماع.

المقدم: طيب إن حصل مشاهدة كما يفرط البعض –هدانا الله وإياهم– في مشاهدة بعض القنوات وهو صائم يا شيخ، فربما تستثيره مثل هذه المناظر فيحصل منه شيء إما مذي أو نحوه. على قول من يقول بأن المذي يفطر، في هذه الحالة عليه القضاء وهو آثم.

بلا شك، فعلى الإنسان ألا يعرِّض نفسه للفتنة.

في البخاري في الأصل بعد رواية الحديث وبعد تفسير الغريب، وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء: إن نظر فأمنى يُتم صومه.

بمعنى أن النظر لا يترتب عليه حكم، وأيضًا هو أمنى وأتى شهوته التي مُنع منها، وعامة أهل العلم على أن المني إذا خرج بشهوة أنه يفطر، والخلاف في وجوب الكفارة وعدمها. مالك ومن معه يوجبون الكفارة، ومن عداه من الأئمة يقولون: لا كفارة عليه، وإنما عليه الإثم من تعمد ذلك سواء كان بتكرار نظر أو باستمناء أو بمباشرة أو بقُبلة وغيرها.

المقدم: مالك يوجب الكفارة لمجرد الإنزال؟

نعم.

المقدم: نقرأ الحديث يا شيخ؟

نعم.

المقدم: قال المصنف –رحمه الله–: عن أبي هريرة –رضي الله عنه–، عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «إذا نسي فأكل وشرب فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه».

راوي الحديث الصحابي الجليل أبو هريرة، تقدم ذِكره مرارًا، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا.

وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك. وقال الحسن: إن دخل الذباب فلا شيء عليه. قال الحسن ومجاهد: إن جامع ناسيًا فلا شيء عليه.

هذا كله في الترجمة، آثار في الترجمة.

الترجمة: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، ثم ذكر عن عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك، لكن جاء نهي الصائم عن المبالغة في الاستنشاق، «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، فالصائم لا يجوز له أن يبالغ في الاستنشاق، وهو مأمور بالاستنشاق، لكن إن ذهب مع أنفه أو مع فمه شيء لا يقدر على رده ولم يتسبب في ذلك، ولا تعرض له فإنه لا يضره؛ ولذا قال الحسن: إن دخل الذباب فلا شيء عليه؛ لأنه لا يتعمد دخول الذباب.

والفقهاء يقولون: إن طار إلى حلقه ذباب أو غبار فلا شيء عليه، كذلك الدخان دخان الطبخ وما أشبه ذلك، لكن إن تعمده كتدخين السجائر مثلًا، هذا يفطر بلا شك، والبخور مثلًا، الطيب: يتبخر الصائم، ويشم الطيب، ويشم الريحان ولا شيء عليه، لكنه يتحاشى دخوله إلى أنفه أو فمه –أعني البخور-.

وقال الحسن ومجاهد: إن جامع ناسيًا فلا شيء عليه.

سيأتي الكلام في الأكل والشرب ناسيًا والخلاف فيه. الجماع من أهل العلم من يلحقه بالأكل والشرب، وأنه يُتصور نسيانه، ومنهم من يقول: الجماع لا يُتصور نسيانه؛ لأنه يقع بين طرفين ويندر أن يكون النسيان من الطرفين معًا.

الأمر الثاني: أن أمره عظيم فينبغي أن يُشدد فيه.

ومنهم من يقول: الحكم واحد، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ومادام هذا أطعمه الله وسقاه فهذا مثله. والمسألة خلافية بين أهل العلم.

قوله: «إذا نسي» أي: الصائم، «فأكل وشرب»، وفي روايةٍ: «أو شرب فليُتم صومه»، وفي رواية الترمذي: «فلا يفطر».

المقدم: «أو شرب» في البخاري يا شيخ في الصحيح بـ(أو)؟

لا، عند الترمذي.

المقدم: والبخاري بوَّب للباب (أو).

يعني: نعم بما يعني على أنه لا فرق بينهم إذا أكل أو شرب أو جمع بينهما، رواية الباب: «إذا نسي فأكل وشرب» يعني: جمع بينهما، أو أكل فقط، أو شرب فقط.

قوله: «فليُتم صومه»، وفي رواية الترمذي: «فلا يفطر»، يقول العيني: قال شيخنا –يقصد بذلك الحافظ العراقي في شرح الترمذي-: يجوز أن يكون «لا» في جواب الشرط للنهي، و«يفطر» مجزومًا، ويجوز أن تكون «لا» نافية و«يفطر» مرفوعًا، وهو أولى.

يعني: يشرح رواية الترمذي لا رواية الصحيح التي معنا.

يقول العراقي: يجوز أن تكون «لا» في جواب الشرط للنهي، و«يفطر» مجزومًا يعني: بـ"لا" الناهية، ويجوز أن تكون «لا» نافية و«يفطر» مرفوعًا، وهو أولى، فإنه لم يرد به النهي عن الإفطار «فلا يفطر»، وإنما المراد به أنه لم يحصل إفطار الناس بالأكل، ويكون تقديره: "من أكل أو شرب ناسيًا لم يفطر".

ألا يمكن أن تحتمل النهي؟ ممكن، كيف؟ «إذا أكل أو شرب ناسيًا فلا يفطر» يعني: لا يظن أنه أفطر فيأكل.

المقدم: نعم، بل يتم صومه ويقضي.

نعم ويقضي.

المقدم: نعم كأن المراد كذا.

نعم، فلا يفطر بل يتم صومه، يعني: لا يأكل، إذا أكل أو شرب ناسيًا فلا يأكل عمدًا بناءً على أنه قد أفطر وأبطل صومه؛ لأن صومه صحيح فيتجه الجزم بـ"لا" الناهية.

«فإنما» تعليلٌ لكون الناسي لا يفطر، «فإنما أطعمه الله وسقاه». في رواية: «فإنما هو رزقٌ رزقه الله إياه» هذه رواية الترمذي.

قال العيني: ووجه ذلك لما كان من الله ليس فيه للعبد تحيُّل فلا يُنسب إليه، شبَّه الأكل ناسيًا به؛ لأنه لا صُنع للعبد فيه، وإلا فالأكل متعمدًا حيث جاز له الفطر رزقٌ من الله تعالى بإجماع العلماء، وكذلك هو رزقٌ وإن لم يجز له الفطر.

يعني: يحرم عليه أن يأكل، ومع ذلك هو رزقٌ من الله –جل وعلا- وإن كان محرمًا.

إذًا كيف يقول في الحديث «فإنما هو رزقٌ رزقه الله»؟ ولو أفطر متعمدًا هذا الذي أكله رزق من الله -جل وعلا- عند أهل السنة، والمعتزلة الذين يقولون: إن المحرم ليس برزق.

وكذلك هو رزقٌ وإن لم يجز له الفطر على مذهب أهل السنة. وقد يستدل بمفهوم هذا الحديث من يقول: بأن الحرام لا يسمى رزقًا، وهو مذهب المعتزلة.

أهل العلم يردون عليهم؛ المعتزلة يقولون: الحرام ليس برزق، {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:57] فالحرام ليس برزق عندهم عند المعتزلة، لكن يلزم عليه إثبات رازق غير الله –جل وعلا –، ويلزم عليه أيضًا ما يرد به أهل السنة على المعتزلة أنه لو وُجد طفل: وُلد طفل بين أبوين مسلمين.

المقدم: يأكلون الحرام.

لا، ما يأكلون الحرام. ثم سرقه لصوص مثلًا، وأطعموه المحرم منذ أن سرقوه إلى أن مات، هل نقول: إن هذا ما أكل من رزق الله شيئًا؟! وقد كُتب له رزقه وهو في بطن أمه.

المقصود: أن مذهب المعتزلة باطل عند أهل العلم.

قال ابن حجر: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، أي: هل يجب عليه القضاء؟ وهي مسألة خلاف مشهورة، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وعن مالك: يبطل صومه وعليه القضاء.

قال عياض: هذا هو المشهور عنه، وقول شيخه ربيعة وجميع أصحاب مالك، لكن فرَّقوا بين الفرض والنفل.

قال الداوودي: لعل مالكًا لم يبلغه الحديث أو أوّله على رفع الإثم.

وفي شرح الخطاب المسمى أعلام الحديث، قوله: «أطعمه الله وسقاه» معناه أن النسيان ضرورة، والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها، وهو غير مؤاخذ بها، وكذلك هو هذا في الجماع إذا كان منه في الصوم ناسيًا، والكلام ناسيًا لا يبطل صلاته، وقد تكلم النبي –عليه الصلاة والسلام– في صلاته ناسيًا فبنى عليها، والكلام في هذا مطرد إلا أن يكثر النسيان ويتتابع الكلام في الصلاة فإنهم لا يعذرونه؛ احتياطًا للعبادة؛ لئلا يتبتر نظم الصلاة، وذلك أن العادة إنما جرت في النسيان أن يكون نادرًا في وقتٍ دون وقت، فإذا تتابع خرج عن حد العُرف فرُّد إلى حكم العمد.

كلام الخطابي يتضمن أمورًا: أن النسيان ضروري، ومادام ضروريًّا وجبليًّا فإنه لا يُنسب حكمه إلى الإنسان، نعم من نسي، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، قال: قد فعلت، هذه مسألة.

فإذا أكل أو شرب ناسيًا فلا شيء عليه، ومثله الجماع؛ لأنه يتصور فيها النسيان عنده –وهذا مذهبهم، هو شافعي المذهب– والكلام ناسيًا في صلاته لا يبطلها. وقد تكلم النبي –عليه الصلاة والسلام– في صلاته ناسيًا فبنى عليها. قال: والكلام في هذا مطرد إلا أن يكثر النسيان ويتتابع الكلام.

فالخطابي يفرِّق بين قليل النسيان وكثيره، فيجعل الكثير مؤثرًا ولو كان نسيانًا، والقليل لا يؤثر.

شخص جلس يأكل نصف ساعة، هذا عنده يفطر، لكن لو أكل لقمة أو شيئًا خفيفًا أو شرب شربة خفيفة فلا يفطر، ومثله لو جامع مرة ناسيًا لا يضر، هذا عنده، لكن لو جامع مرتين أو ثلاثًا يضر؛ للتفريق بين القليل والكثير. 

يقول: فإنهم لا يعذرونه؛ احتياطًا للعبادة؛ لئلا يتبتر نظم الصلاة، وذلك أن العادة إنما جرت في النسيان أن يكون نادرًا في وقتٍ دون وقت، فإذا تتابع خرج عن حد العُرف فرُّد إلى حكم العمد.

النسيان عند أهل العلم له قاعدة، وهو أنه يُنزِّل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزِّل المعدوم منزلة الموجود.

يعني نسي فزاد ركعة: صلاته صحيحة، أو نسي فنقص ركعة: لا، صلاته غير صحيحة، فيفرقون بين الموجود والمعدوم.

قال ابن العربي في العارضة، في عارضة الأحوذي: هذا الحديث –يعني حديث عائشة– صحيحٌ مليح.

وابن العربي مالكي المذهب، وحديث عائشة مفاده أن من أكل أو شرب ناسيًا لا يفطر، ومذهب مالك أنه يفطر، وابن العربي يقول: هذا الحديث صحيحٌ مليح، ينظر إلى مطلقه دون تثبتٍ جميع فقهاء الأمصار. وقالوا: من أفطر ناسيًا لا قضاء عليه، وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها فأشرف عليها.

أشرف عليها: كأنه نظر إليها من علو، وإذا نظر إليها من علو أحاط بجميع أطرافها بخلاف بقية الفقهاء الذين نظروا دون تثبت.

المقدم: ابن العربي مالكي؟

مالكي نعم.

المقدم: لابد.

وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها فأشرف عليها، فرأى في مطلعها أن عليه القضاء؛ لأن الصوم عبارة عن الإمساك عن الأكل، فلا يوجد مع الأكل؛ لأنه ضده، فكيف يوجد الضد مع ضده؟! وإذا لم يبقَ ركنه وحقيقته ولم يوجد، لم يكن ممتثلًا، ولا قاضيًا ما عليه، ألا ترى أن مناقض شرط الصلاة وهو الوضوء من الحدث إذا وُجد سهوًا أو عمدًا أبطل الطهارة؛ لأن الأضداد لا جماع لها مع أضدادها؟

يقول: ألا ترى أن مناقض شرط الصلاة وهو الوضوء من الحدث إذا وُجد سهوًا أو عمدًا أبطل الطهارة؛ لأن الأضداد لا جماع لها مع أضدادها شرعًا ولا حسًّا؟ وليس لهذا الأصل معارض إلا الكلام في الصلاة.

يعني يقول: إن الوضوء يبطله الحدث ولو كان ناسيًان، فالصيام يبطله الأكل ولو كان ناسيًا.

ظاهر؟

المقدم: أي نعم.

القياس واضح؟

المقدم: نعم واضح.

لكنه قياسٌ في مقابلة النص، كما قال ابن حجر: فلا يُقبل.

المقدم: طيب نقف عند هذه المسألة إذا أذنتم لنا يا شيخ على أن نستكملها بإذن الله في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.