شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 06

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم.

إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: لازلنا في باب تعجيل الإفطار في حديث سهل بن سعدٍ- رضي الله عنه- لعلكم تستكملون ما تفضلتم بالحديث عنه في حلقة مضت، أحسنَ الله إليكم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فقد ذكرنا فيما تقدَّم أن بعض الناس قد يحملهم مثل هذا الحث على أن يُفطروا قبل غروب الشمس؛ ولذا أردف الإمام البخاري هذا الباب: باب التعجيل بالفِطر قبل غروب الشمس على ما سيأتي.

باب تعجيل الإفطار، والذي يليه: بابٌ إذا أفطر في رمضان ثمَّ طلعت الشمس.

فذكر الحافظ- رحمه الله- قال: اتفق العلماء على أن محل ذلك، يعني التعجيل إذا تُحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدلٌ واحدٌ في الأرجح.

يقول ابن دقيق العيد: في هذا الحديث ردٌّ على المُتشيّعة في تأخيرهم الفِطر إلى ظهور النجوم. وتقدَّم القول بأن الذين يؤخرون إلى اشتباك النجوم، هم اليهود.

ردٌّ على المُتشيّعة في تأخيرهم الفِطر إلى ظهور النجوم، ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخيرٍ ما عجلوا الفِطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السُّنَّة ولا يزالون بخيرٍ ما فعلوا السُّنَّة. كذا قال ابن دقيق العيد.

ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخيرٍ ما عجلوا الفِطر؛ لأن الشر الذي يُحل بهم ويُحيق بهم بشؤم مُخالفة السُّنَّة مُقابل للخير الذي يحصل لهم باتباع السُّنَّة. يعني ما ترك الناس سُنَّة، إلا ابتلوا ببدعة. كلما كثرت مُخالفة السُّنن من شخص، تجده يتشبث بل يُعاقب بشيءٍ من البدع- نسأل الله العافية.

يقول ابن حجر: ما تقدَّم من الزيادة عند أبي داود أولى.

المقدم: زيادة «وأخروا السحور»؟

لا، ما تقدَّم من الزيادة عند أبي داود في بيان العلة، وهي مُشابهة اليهود.

يعني تقدَّم زاد أبو هريرة في حديثه «لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما].

العلة الحقيقة ما جاءت في الخبر.

المقدم: يقول: أولى، يعني كونها هي المُرادة؟

نعم.

قال ابن حجر: ما تقدَّم من الزيادة عند أبي داود أولى بأن تكون السبب لهذا الحديث.

لأن ابن دقيق العيد يقول: في هذا الحديث ردٌّ على المُتشيّعة في تأخيرهم الفِطر إلى ظهور النجوم، ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخيرٍ إلى آخره.

المقدم: مَنْ يقصد بالمُتشيّعة، يا شيخ؟

يعني المُتشيّعة لعلي- رضي الله عنه- وآل البيت.

المقدم: كيف يكون رد عليهم، يا شيخ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما أدركوا النبي؟

يعني يقابله، يعني يقابل هذا الكلام الذي تذكره، قول بعض المُتشيّعة، إن من شيعته إبراهيم.

المقدم: صحيح، حتى رد الإمام- رحمه الله- غريب. يقول: لعله هو السبب، كيف يكون سببًا للرد عليهم، يا شيخ؟

يعني الرسول- عليه الصلاة والسلام- ألا يُمكِن أن يُطلع على ما في المستقبل ويكون هذا تحذير لهم.

وفرق بين الباعث على الحديث، سبب ورود الحديث، وبين أن يكون السبب في الجزاء المُرتب في الحديث.

يعني ما جاءت أشياء ستكون في المستقبل، ورُتب عليها عقوبات وأُخْبِر عنها في زمن النبي- عليه الصلاة والسلام-.

يعني أن الخير يستمر إلى أن توجد هذه الطائفة التي تؤخر.

على كل حال، ابن حجر يرد على ابن دقيق العيد، ولا شك أن السبب المنصوص الذي جاء في رواية أبي داود، لا شك أن دخوله في النص قطعي والمعوَّل عليه. لكن ألا يمكن أن يكون في الشر الذي حصل لمن خالف السُّنَّة يشمل هؤلاء الذين يؤخرون كما حصل لليهود؟ بلا شك.

يقول ابن حجر: ما تقدَّم من الزيادة عند أبي داود أولى بأن يكون السبب لهذا الحديث؛ فإن الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه- صلى الله عليه وسلم- في ذلك.

يقول العيني: قلت: يحتمل أن يكون أنه- صلى الله عليه وسلم- كان عُلِّمَ- يعني أُخْبِر- بما يصدر في المستقبل من أمر الشيعة في ذلك الوقت، بإطلاع الله -عزَّ وجلَّ- إياهُ.

يعني لما أخبر عن القدرية مثلاً، بأنهم مجوس هذه الأمة، وأخبر أنه يخرج من ضئضئ هذا، يعني الخوارج. فلا يبعُد أن يكونوا مقصودين في الخبر، بإطلاع الله- جلَّ وعلا- إياه - عليه الصلاة والسلام-. ولا نزعم ولا نقول ولا نُقر بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب ويعلم ما في المستقبل، إلا ما أُطلع عليه. والنصوص القطعية في الكتاب والسُّنَّة تدلُّ على هذا.

يقول الإمام الشافعي في ((الأم)): أحب تعجيل الفِطر، وترك تأخيره. وإنما أكره تأخيره إذا عَمِدَ ذلك، كأنه يرى الفضل فيه.

أحب تعجيل الفِطر، وترك تأخيره. يعني التعجيل وترك التأخير سُنَّة.

وإنما أكره التأخير، متى؟ إذا عَمِدَ ذلك، يعني تعمّده، كأنه يرى الفضل فيه، يرى أنه أفضل من التعجيل.

فلا يُكره التأخير عند الإمام الشافعي إلا إذا أعتقد إنه أفضل من التعجيل.

يقول ابن حجر: ومُقتضاه، مقتضى كلام الشافعي، أن التأخير لا يُكرَه مُطلقًا، وهو كذلك، إذ لا يلزم من كون الشيء مُستحبًّا أن يكون نقيضه مكروهًا مُطلقًا.

مُقتضاه أن التأخير لا يُكرَه مُطلقًا، وهو كذلك، إذ لا يلزم من كون الشيء مُستحبًّا أن يكون نقيضه مكروهًا مُطلقًا.

ما معنى هذا الكلام؟

المقدم: يعني مثل هذا مثل الإفطار الآن مُستحب تعجيله، لا يعني أن تأخيره مكروه مُطلقًا؛ لأنه قد يكون شيئًا مُستحبًّا لذاته، لكن نقيضه ليس مكروهًا.

مثل؟ مثال واضح: الجلوس في المسجد، انتظار الصلاة بعد الصلاة مُستحَب، هو الرباط. لكن لو لم ينتظر الصلاة، هل فعل مكروهًا؟

المقدم: ما فعل.

ما فعل مكروه، فعل مُباحًا، أو خلاف الأولى.

المقصود مثل كلام ابن حجر: مُقتضاه أن التأخير لا يُكرَه مُطلقًا، وهو كذلك، إذ لا يلزم من كون الشيء مُستحبًّا أن يكون نقيضه مكروهًا مُطلقًا.

على كل حال، الاستحباب والكراهة متقابلان. فإذا ورد الاستحباب في نقيض، ثبتت الكراهة في نقيضه. لكن إذا كان له أكثر من ضد، له أضداد. إذا كان له أضداد، فلا تُطلق الكراهة على أحد هذه الأضداد، وهو الذي يُشير إليه ابن حجر.

يقول ابن حجر: واستدلَّ به بعض المالكية على عدم استحباب ستة شوال.

المقدم: استدلوا بالحديث؟

بالحديث.

المقدم: لأنهم يُعجلون فِطر رمضان يعني؟ أم ماذا؟

لأن التعجيل...

المقدم: ممكن أن نقول: إن التعجيل المقصود به أنك تُعجِّل الفِطر في رمضان، آخر يوم، ثمَّ تُفطِر العيد، فإذا صُمت الست من شوال كأنك ناقضت هذا التعجيل؟ ما يكون هذا معناه؟

لا، هذا يرد على صيام الأول والذي يليه. أنت إذا طولبت بالتعجيل، والتعجيل جاء الأمر به والحث عليه، فالذي يؤخر مكروهًا.

يعني لاسيما إن أعتقد أنه أفضل، فالأمر أشد.

فهذا الذي أخرَّ، ألصق بالعبادة ما ليس منها، القدر الزائد، لو افترضنا أن الفطور الساعة السادسة مثلاً، ما أفطر إلا السادسة والربع، ألحق عشر دقائق ما ليس منه. وقد أُمِرَ بصيام رمضان، شهر كامل، فإذا صام الست، كأنه ألحق بالشهر. الاستنباط فيه بُعد. هم يقولون: لئلا يظن الجاهل أن هذه الست من رمضان، كما يظن الجاهل أن الذي أخر الفِطر لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة أو أكثر أو أقل، أنها من صيام اليوم.

استدل به بعض المالكية على عدم استحباب ستة شوال؛ لئلا يظن الجاهل أنها مُلتحقةٌ برمضان وهو ضعيفٌ ولا يخفى الفرق. لا يخفى الفرق.

ثمَّ ذكر الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) شيئًا من البدع المُنكرة في وقته، قال: تنبيه من البدع المُنكرة: ما أُحدِث في هذا الزمان، من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثُلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جُعلِت علامةً لتحريم الأكل والشرب على مَن يريد الصيام؛ زعمًا ممن احدثه أنه للاحتياط في العبادة. ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرَّهم إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد غروب الشمس بدرجة؛ لتمكين الوقت، زعموا.

سائل: سنة كَم، يا شيخ؟

يعني في القرن التاسع.

وقد جرَّهم إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد غروب الشمس بدرجة؛ لتمكين الوقت، زعموا. فأخروا الفِطر وعجلوا السحور وخالفوا السُّنَّة؛ فلذلك قلَّ عنهم الخير وكَثُرَ فيهم الشر، والله المُستعان.

يقول هؤلاء: يوقعون الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثُلُث ساعة، قد يجتهد بعض المؤذنين فيقع في بدع كثيرة؛ بسبب جهله. يعني يُذكَر أن مؤذنًا يؤذن قبل الوقت بنصف ساعة. لكنه مع ذلك، يمد الأذان مدة نصف ساعة.

المقدم: حتى يحتاط؟

لا، من أجل أن تكون هذه النصف الساعة مدة السحور، بمعنى أنه مع نهايته ينتهي الناس من السحور، وهذا جهل بلا شك.

بعض الناس قد يجتهد وهو ليس من أهل الاجتهاد، بل مثل هذا الاجتهاد لا يخطر على بال أحد، يعني ابتدع في الأذان وفي مده هذه المدة وفي إيقاعه قبل وقته؛ لأن الأذان لا بد فيه من الموالاة. وبين الجملتين، يعني دقيقتان أو ثلاث هذه، هذه تقطع الموالاة، فيبطُل الأذان.

يقول -رحمه الله-: من البدع المُنكرة: ما أُحدِث في هذا الزمان، من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثُلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جُعلِت علامةً لتحريم الأكل والشرب، فإذا اطفأت المصابيح عرف الناس أن الفجر قد طلع، وأنه لا يجوز الأكل والشرب، فعُلِّق الناس بهذه المصابيح. أحيانًا الناس يرتبطون بعلامات، ولا شك أن العلامات أنها إذا جاءت في الشرع، صارت من الأحكام الوضعية، يعني وضعت علامة على هذا الأمر. زوال الشمس: علامة على دخول وقت صلاة الظهر، غروب الشمس: المغرب، مغيب الشفق وهكذا.

فهذه أحكام، يُسميها أهل العلم: وضعيَّة.

لو تعلَّم الناس أو تعوَّد الناس على أنه بمجرد ما تُطفأ المصابيح تكون الشمس قد ارتفعت، وهذا موجود في الحقيقة، في شكٍّ في كون إطفائها دليل على ارتفاع الشمس، وإنما هو على بزوغها؛ ولذلك كثير من الناس في المسجد الحرام مثلاً، إذا اطفئت الأنوار، قام يؤدي الركعتين، وإطفاؤوها في كثير من الحالات على البزوغ، على التقويم، لا على الارتفاع.

فالمُفترض على، أو المطلوب ممن يقوم على هذا الأمر أن يُلاحظ هذا، فيجعل إطفاء المصابيح التي تعلَّق الناس بها ورتبوا أمورهم عليها، يكون على الوقت الذي تُباح فيه الصلاة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح.

يقول: وإطفاء المصابيح التي جُعلِت علامةً لتحريم الأكل والشرب على مَن يريد الصيام؛ زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة. ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد غروب الشمس بدرجة؛ لتمكين الوقت، زعموا. فأخروا الفِطر وعجلوا السحور وخالفوا السُّنَّة؛ فلذلك قلَّ عنهم الخير وكثُرَ فيه الشر، والله المُستعان.

الاحتياط، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط.

والاحتياط إشكال كبير، كيف تحتاط فتُقدِّم الأذان؟ تحتاط للصيام وتوقع الناس في حرج كبير بالنسبة للصلاة؟

ماذا عن النساء، لو صلَّت قبل دخول الوقت بثلث ساعة. صارت باطلة!

فكيف يُحتاط للصيام ولا يُحتاط للصلاة؟

يعني إذا تصورنا هذا في تأخير أذان المغرب؛ لأنه لا يترتب عليه خلل في الصلاة. لكن بالنسبة لتقديم صلاة الفجر، لو صلى النساء مثلاً أو مريض أو معذور، صلى قبل الوقت بثُلُث ساعة، سمع الأذان وصلى، ما تصح الصلاة بلا شك!.

مع أن التأخير إلى هذه المدة، ثُلُث ساعة أو أكثر، بالنسبة لصلاة المغرب التي ليس لها إلا وقت واحد، عند الشافعية قد يخرجها عن وقتها. ليس لها إلا وقت واحد بقدر فعلها وفعل ما يُطلب لها، من سترةٍ ووضوء، المقصود أن مثل هذا الاحتياط، بعض الناس قد يحتاط من جهة، فيُدخَل عليه من جهةٍ أخرى.

هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري- رحمه الله- في ((كتاب الصوم)) في باب تعجيل الإفطار.

قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ عن أبي حازمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ». وأخرجه الإمام مُسلم، فهو مُتفقٌ عليه.

أبو حازم، يعني في طبقته من كنيته أبو حازم، هذا أبو حازم يروي عن سهل بن سعد. وأبو حازم آخر يروي عن أبي هريرة، وهما في طبقةٍ واحدة. ويكتفي العلماء بالكُنية، لكن أبا حازم الذي يروي عن سهل بن سعد، هو سلمة بن دينار، الزاهد المعروف. والذي يروي عن أبي هريرة، هو سلمان مولى عزة.

الحديث الذي يليه.

المقدم: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رضي الله عنهما- قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

راوية هذا الحديث، هي: أسماء بنت أبي بكرٍ الصديق، زوج الزبير بن العوام. يقولون في ترجمتها: من كبار الصحابة.

يعني الصحابة المراد بهم الجنس الذي يدخل فيه الرجال والنساء.

عاشت مئة سنة، وماتت سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وسبعين.

يعني إذا كانت هي من كبار الصحابة، فماذا عن أبيها وجدها؟ جدها صحابي، وأبوها صحابي. جدها أبو قحافة، اسمه عثمان.

المقدم: أسلم في آخر حياته، يا شيخ؟

نعم.

المقدم: وصاحب الحديث المشهور «غيروا هذا ...»؟

نعم، لما جيء به ورأسه كالثغامة.

يعني جدها صحابي وأبوها صحابي وهي صحابية وابنها عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- صحابي. يعني أربع على نسق.

فعاشت مائة، وماتت سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وسبعين. يعني وقت الهجرة يكون عُمرها سبعًا أو ستًّا وعشرين.

وقت البعثة تُناهز الاحتلام، يعني قريبة من التكليف، ثلاثة عشرة.

المقدم: يعني هي أكبر من عائشة جزمًا؟

نعم، أكبر منها بكثير.

هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري، بقوله: باب إذا أفطر في رمضان ثمَّ طلعت الشمس.

وبعده في الصحيح: قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

قيل لهشام: فأمروا بالقضاء. يعني بعد الحديث، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء. قال: بدٌّ من قضاء.

وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟

يقول العيني: مطابقته للترجمة في قوله: فأمروا بالقضاء. ويُقدَّر من هذا جواب لكلمة (إذا) في الترجمة. بابٌ إذا أفطر في رمضان ثمَّ طلعت الشمس.

في قوله: فأمروا بالقضاء، يعني في كلام هشام.

إذًا في الحديث فيه مطابقة؟

المقدم: نعم.

في الحديث نفسه ما في كلام هشام

المقدم: نعم، فيه مطابقة للترجمة: إذا أفطر في رمضان ثمَّ طلعت الشمس، أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. مطابقة تامة.

لكن الحكم بان من الترجمة أو من الحديث أو لا من الترجمة ولا من الحديث؟

المقدم: ما فيه حكم لا في الترجمة ولا في الحديث.

يقول العيني: مطابقته للترجمة في قوله: فأمروا بالقضاء، يعني ليس في الخبر.

ويُقدَّر من هذا جوابٌ لكلمة (إذا) في الترجمة، ويريد أن يُقدِّر في الترجمة؛ لتشتمل على حكم، ثمَّ بعد ذلك يوجد المُطابقة مما أُلحِق بالحديث: قيل لهشام..

ويُقدَّر من هذا جوابٌ لكلمة (إذا) في الترجمة، والتقدير: إذا أفطر في رمضان ثمَّ طلعت الشمس، عليه القضاء.

لأن مقتضى فأمروا بالقضاء، عليهم القضاء.

وقال ابن حجر: في جواب هشام "بدٌّ من قضاء" هو استفهام إنكارٍ محذوف الأداة. يعني كأنه يقول: وهل بُدٌّ من قضاء؟

 هو استفهام إنكار محذوف الأداة، والمعنى لا بد من قضاء. ووقع في رواية أبي ذر: لا بد من القضاء.

يقول الكرماني: فإن قلت: القضاء واجب، والسياق يقتضي أن يُقال: لا بد.

قلتُ: الاستفهامُ المُفيد للإنكار مُقدرٌ أيضًا، هل بدٌ من قضاء؟

وعرفنا أنه في رواية أبي ذر: لابد من القضاء.

في ((عُمدة القاري)) قال بعضهم، ويعني بذلك ابن حجر، قال بعضهم: هو استفهام إنكار محذوف الأداة والمعنى لا بد من قضاء، قلت: هذا كلامُ مُخبِّط وليس كذلك، بل الصواب أن يُقال: هنا حرف استفهامٍ مُقدَّر، تقديره: هل.

أنا ما أدري كيف وجد فرقًا بين كلام ابن حجر: استفهام إنكار محذوف الأداة، وكلامه يقول: بل الصواب أن يقول: هنا حرف استفهام مُقدَّر، تقديره: هل بُدٌ من قضاء؟ ما فيه فرق!

ابن حجر ما ذكر شيئًا في انتقاض الاعتراض، ما ذكر ردًّا على العيني، لماذا؟ لأنه ما يحتاج إلى رد.

في ((مبتكرات اللآلئ والدرر)) أقول- هذا للبُوصيري في ((المحاكمة بين العيني وابن حجر))- أقول: اتفق الشيخان- يعني ابن حجر والعيني- اتفق الشيخان على أن في الجملة الشريفة مُقدرًا هو أداة نفيٍ وهو الذي في كتب اللغة، من كونه لا يُستعمل إلا في النفي، واستعماله في الإثبات مولَّد، ومعنى لا بد اليوم من قضاء حاجتي مثلاً، لا محالة ولا فرار، أي هو أمرٌ لازمٌ لا تُمكن مُفارقته، إلا أن عبارتهما مُختلفة اللفظ مُتحدة المعنى، فلم يظهر للتخبط وجهٌ.

يعني سواءٌ قلنا إن فيه محذوفًا واستفهام إنكارٍ محذوف الأداة، هذا كلام ابن حجر. أو العيني يقول: الصواب أنه حرف استفهامٍ مُقدَّر.

على كل حال، إذا كان محذوفًا، فلا بد من تقديره.

وإذا احتجنا إلى تقديره، فهو محذوف.

المقدم: ولذلك البُوصيري قال: اتفقوا.

نعم، من حيث المعنى مُتفقان.

مرَّ بنا مرارًا، يعني استدراك العيني على ابن حجر ويكون الصواب مع ابن حجر. وقد يكون الصواب مع العيني أحيانًا. لكن مرةً قال عن العيني: وهذا كلام من لم يشُم للعربية رائحة، ثم أجاب البُوصيري في ((مبتكرات اللآلئ والدرر)) بجوابٍ أيَّد فيه كلام ابن حجر، وهذا يدلنا على أن ابن حجر أكل اللغة أكلاً لمًّا، ولم يكتفِ بشمها شمًّا.

المقدم: رحمهما الله تعالى.

جزاكم الله خيرًا وأحسنَ إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى من أحكام هذا الحديث في حلقةٍ قادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح شكرًا لطيب المتابعة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.