بلوغ المرام - كتاب: العتق (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- أيضاً في كتابه بلوغ المرام:
باب: المدبر والمكاتب وأم الولد
عن جابر -رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبر, لم يكن له مال غيره, فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من يشتريه مني?)) فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم. متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: فاحتاج، وفي رواية للنسائي: وكان عليه دين فباعه بثمانمائة درهم فأعطاه، وقال: ((اقضِ دينك)).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم)) أخرجه أبو داود بإسناد حسن، وأصله عند أحمد والثلاثة, وصححه الحاكم.
وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)) رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يودى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر, وبقدر ما رق منه دية العبد)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وعن عمرو بن الحارث أخي جويرية أم المؤمنين -رضي الله عنهما- قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة. رواه البخاري.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته)) أخرجه ابن ماجه والحاكم بإسناد ضعيف، ورجح جماعة وقفه على عمر -رضي الله عنه-.
وعن سهل بن حنيف -رضي الله- عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعان مجاهداً في سبيل الله, أو غارماً في عسرته, أو مكاتباً في رقبته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله)) رواه أحمد, وصححه الحاكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المدبر والمكاتب وأم الولد
المدبر: هو الذي يعتقه سيده معلقاً عتقه على وفاته، على دبر من حياته، يعني إذا أدبر من هذه الدنيا، أو إذا دبر حياته، فاستفاد من هذا العبد في حياته، واستفاد من أجره بعد وفاته، لكن الأوضح والأظهر في سبب التسمية أنه إذا أدبر من هذه الدنيا، أو في دبر حياته، فهو يعتقه ويعلق عتقه بموته، المكاتب هو العبد الذي يشتري نفسه من سيده، بمبلغ يقسط عليه كل شهر كذا، أو في كل سنة كذا، كما حصل في قصة بريرة، لما كاتبها أهلها، بتسع أواق في كل سنة أوقية، ثم عدتها لهم عائشة، المقصود أن الكتابة ثابتة في الكتاب والسنة وبالإجماع {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النــور] هذا أمر، ومن أهل العلم من يوجب الكتابة إذا طلبها العبد، وونس منه خير، يعني ما يؤنس منه شر، بحيث يتحرر يؤذي الناس، أو يسرق من أجل أن يسدد، أو يحصل على الناس منه ضرر، المقصود أنه إذا أؤنس منه خيراً، وأنه ينتفع بنفسه وينفع غيره فإنه يجاب إلى ما طلب، ومن أهل العلم من يرى الوجوب، وعامة أهل العلم على أن الأمر في {فَكَاتِبُوهُمْ} [(33) سورة النــور] للاستحباب.
"وأم الولد" أم الولد هي التي تحبل من سيدها، فإذا ولدت أعتقها ولدها، وتبقى في حياته حكمها حكم الإماء، فلا يقسم لها مع الحرائر، ولا يعدل بينها وبين الحرائر، لكنه إذا مات صارت حرة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"عن جابر -رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار" اسمه: أبو مذكار أو مذكور "أعتق غلاماً له عن دبر" واسمه: يعقوب أو أبو يعقوب "لم يكن له مال غيره" يعني هو كل ما يملك، ولم يعتقه منجزاً، إنما قال: إذا مت فأنت حر "لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من يشتريه مني))" لماذا؟ لأن حكمه حكم الوصية؛ لأنه لا ينفذ عتقه إلا بالموت، والوصية لا تلزم إلا بالموت، وقبل ذلك يجوز التصرف، يجوز الرجوع في الوصية، كتب وصيته بأن ينفذ من ماله كذا وكذا وكذا، أو بيته الفلاني ومحله الفلاني ومزرعته كذا بعد موته وقف لله تعالى، أو سبيل، وعيّن المصارف، هذا لا ينفذ إلا بالموت، وعلى هذا فله أن يتصرف قبل موته بزيادة ونقص، وله أن يرجع في هذه الوصية، كما أن له أن يرجع في المدبر؛ لأنه لم يثبت عتقه كالوصية.
"فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من يشتريه مني؟))" أولاً: لأنه لم يثبت عتقه، الأمر الثاني: أنه محتاج، وورثته بحاجة، قال: ((من يشتريه مني؟)) إذا علق الطلاق أو العتق على أمر محقق، الآن الموت أمر محقق، لكن مع ذلك لا يُدرى من يموت الأول، لكن إذا قال: إذا جاء رمضان -وقد بقي عليه ستة أشهر أو خمسة أشهر- فامرأته طالق، أمر محقق الوقوع، هل يجوز أن يرجع فيه أو لا يرجع؟ قبل وقوعه؟ رمضان لا بد أن يأتي، ولا بد أن يقع الشرط الذي علق به الطلاق، الآن الموت لا بد أن يقع في المدبر، لكنه مع ذلك وقوعه في الأول منهما مشكوك فيه، أما مجيء رمضان، وتعليق العتق عليه، إذا جاء رمضان فهو حر، أو امرأته طالق هل يجوز الرجوع في مثل هذا؟ الجمهور على أنه لا يجوز، خلاص إذا وقع ما علق عليه يقع الطلاق ويقع العتق، لكن كأن شيخ الإسلام يميل إلى أنه ما دام لم يأتِ الوعد أو الوقت الذي علق عليه الطلاق أو العتاق كالتدبير يجوز الرجوع فيه، يختلف التدبير عن التعلق بشرط محقق مؤقت كشهر كذا، يعني مو مثل الوصية ما يدرى متى يفجأه الأجل، وقد يموت الرقيق في حال التدبير قبل سيده، يعني هذا الشرط ما هو ثابت مشكوك فيه، لكن المحقق الوقوع، المؤقت بوقت لا يتقدم ولا يتأخر، هل يقال: إنه مثل الطلاق، وجمهور أهل العلم على أنه لا يرجع فيه؟ أو يقال: هو مثل التدبير علق على فرض مستقبل ولم يقع؟ هذا محل نظر، وأما بالنسبة للطلاق فجمهور أهل العلم إذا علقه على أمر محقق الوقوع، ومؤقت بوقت لا يتقدم ولا يتأخر، فجمهور أهل العلم على أنه يقع الطلاق إذا وقع ما علق عليه، لو قال لزوجته: إذا مت فأنت طالق يقع وإلا ما يقع؟ هذا لا يقع؛ لأنه إذا مات لا يملك طلاق، طيب شخص قال لزوجته -وهذا من غرائب المسائل- قال لزوجته: إن كنت زوجتي فأنت طالق، وهي زوجته، أو لو أنت زوجة لي لطلقتك، يعني كأنه ينشئ طلاقاً والصيغة هي مجرد عبث لأنها زوجته، فالذي يظهر وقوع الطلاق بمثل هذا، ولو قال: لو أنت عبد لي لأعتقتك وهو عبده، ويعرف أنه عبده، رقيقه، مولاه، لو أنت رقيق لي لأعتقتك، وهو رقيق، فالذي يظهر أنه ينشئ العتق، والصيغة التي علق عليها أو أمتنع الحكم لامتناعها مع أنها غير ممتنعة؛ لأن لو حرف امتناع لامتناع، لكن الامتناع غير موجود، إذاً ما عُلق عليه من امتناع يكون أيضاً غير موجود، فيقع العتق في مثل هذه الصورة، ويقع الطلاق في مثل هذه الصورة.
"((من يشتريه مني؟)) فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم. متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: فاحتاج" فالرواية مطلقة، الأولى، ورواية مقيدة بالحاجة، هل نقول: إنه لا يباع إلا إذا أحتاج، أو نقول: هذه صورة من صور التدبير التي يجوز فيها الرجوع في التدبير والعتق المعلق على الموت؟ هذه في صورة ما إذا احتاج وغيرها إذا لم يحتج فمن باب أولى يكون عتقه نافذ، وعلى هذا نقول: إن الحاجة أو المحتاج ممن دبر فرد من أفراد المدبرين فيكون المحتاج خصوص، وغيره عموم أو نقول: إن الحاجة وصف فيكون من باب الإطلاق والتقييد، يعني إذا قلنا: إن هذا الذي أحتاج فرد من أفراد المدبرين، نقول: التنصيص عليه من باب العناية به، ويكون بقية من يدبر حكمهم واحد؛ لأن التنصيص على بعض الأفراد لا يعني التخصيص بالحكم الموافق، فلا يتصرف في المدبر إلا إذا أحتاج صاحبه؛ لأنه قال: فأحتاج، نظير هذا في البخاري أن النبي –عليه الصلاة والسلام- طاف راكباً، وفي سنن أبي داود: كان شاكياً، فهل نقول: إن الطواف -طواف الراكب- لا يصح إلا إذا كان مريضاً بناء على رواية أبي داود؟ أو نقول: إنه يصح الطواف من الركوب ولو لم يكن شاكياً، وإذا كان شاكياً فمن باب أولى، نظير مسألتنا، يعني فرق بين الإطلاق والتقييد، وبين العموم والخصوص، العموم والخصوص إذا كان الحكم واحد لا يقتضي تخصيص، فيكون الخاص فرد من أفراد العام بحكم موافق ما في تخصيص، فيباع إذا احتاج، ويباع إذا لم يحتج، لا سيما وأننا قلنا، وقال جمع من أهل العلم: إن التدبير حكمه حكم الوصية، والوصية لا تثبت إلا بالموت، فيكون التدبير مثلها؛ لأنه علق بالموت، والذي يقول: إن الحاجة وصف يقيد به، فلا يباع المدبر إلا إذا احتاج صاحبه.
"وفي رواية للنسائي: وكان عليه دين فباعه بثمانمائة درهم، فأعطاه، وقال: ((اقضِ دينك))" أولاً: الرجل لم يكن له مال غيره، الأصل لو كان عتقه منجزاً أن يعتق ثلث، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أبي الستة، لكن هذا معلق بالموت، وحكمه حينئذٍ عند أكثر أهل العلم حكم الوصية، له أن يبيعه، وله أن يمضي عتقه إذا مات، وقلنا: إن الحاجة هذه هي مجرد تنصيص على بعض الأفراد، فيكون إذا احتاج أولى ببيعه مما إذا لم يحتج.
"فباعه بثمانمائة درهم، فأعطاه" يعني الثمانمائة "وقال: ((اقضِ دينك))" فقضاء الدين والدين شأنه عظيم، قد يقال: إنه من أجل قضاء الدين، وقضاء الدين واجب، والعتق مسنون، فيقدم الواجب عليه، كما أن شيخ الإسلام ينص على أن الدين يقضى من المال الذي فيه شبهة اهتماماً بشأن الدين، وتخليص وإبراء الذمة منه، فإذا كان الرجل مديناً فالمسألة واضحة، لكن يبقى أن الرواية العامة في الصحيح جاءت هكذا من غير حاجة ومن غير دين.
قال -رحمه الله-:
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" رضي الله عنهم، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب، عن جده عبد الله بن عمرو، أو محمد بن عبد الله بن عمرو، على الخلاف في مراجع الضمائر الذي هو سبب الخلاف في الاحتجاج بهذه السلسلة، وقلنا: إن القول الوسط لأهل العلم أن ما ورد بهذه السلسلة إذا صح السند إلى عمرو فإنه يكون حسناً.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المكاتب عبد ما بقي من مكاتبة درهم))" وش معنى هذا الكلام؟ يعني أنه لو أعجز نفسه عن تسديد بعض لزوم المكاتبة يرجع عبد، لكن هل لسيده أن يرجعه عبداً بعد أن سدد بعض الأقساط؟ لا سيما وأنه عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم، قالوا: المكاتبة عقد لازم جائز، إيش معنى لازم؟ لازم من جهة السيد، يعني إذا كاتب ليس له أن يرجع، جائز بالنسبة للرقيق له أن يعجز نفسه، له أن يقول: عجزت، جرب الحياة والاستقلال، فوجد أنها ليست من مصلحته، كونه يجلس عند سيده، ويعرف ما يعرف له، وكيف يخدمه؟ ومرتاح عنده، ومرتاح أيضاً من الكسب لنفسه، يُنفق عليه، إذا عجز نفسه عاد رقيقاً.
"أخرجه أبو داود بإسناد حسن" سكت عنه أبو داود "وأصله عند أحمد والثلاثة، وصححه الحاكم" على كل حال الحديث له طرق كلها لا تخلو من مقال، لكن مجموعها يدل على أن له أصلاً، فهو حسن.
في الحديث الذي يليه يقول -رحمه الله-:
"وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان لإحداكن مكاتب))" يخاطب أمهات المؤمنين، وفي حكمها غيرها من نساء المسلمين ((إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)) يعني ما يتصور أنه يعجز نفسه فيعود رقيقاً، المبلغ كامل عنده متوافر، فهذا في حكم الحر؛ لأنه لا يمنعه من الحرية إلا أن يؤدي هذا المبلغ الذي يملكه، أما إذا كان لا يملك المبلغ فمتصور أن يعجز عن تأدية لزوم الكتابة فيعود رقيقاً، فما صار في حكم الرق لأنه الأصل، وأما إذا كان لديه ما يؤدي به فحكمه حكم الحر حينئذ؛ لأن المقابل موجود، فما عليه إلا أن يدفع المبلغ فيكون حراً، وحينئذٍ تحتجب منه سيدته؛ لأن الرقيق لا تحتجب عنه سيدته {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [(31) سورة النــور] وبعضهم يحمله على الأمة دون العبد؛ لأن العبد إذا عتق يجوز له أن يتزوج السيدة، سيدته، فتحتجب عنه، لكن الآية صريحة في الدلالة على دخول الذكر، والأنثى لا يحتاج التخصيص فيها، نعم نص على نسائهن ليخرج نساء الكفار؛ لأن لا يطلعن على عورات المسلمات، المقصود أن الأمة السيدة لا تحتجب عن عبدها ورقيقها، فإن كان لديه ما يؤدي فهو في حكم الحر، يعني السداد سهل، ومتصور، فحكمه حكم الحر، وإذا كان ليس لديه ما يؤديه فهو ما زال عبداً.
"((إذا كان لإحداكن مكاتباً، وكان لديه ما يؤدي فلتحتجب منه)) رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي".
وقال بعضهم: إن هذا خاص بأمهات المؤمنين؛ لأن الاحتياط لأمهات المؤمنين أكثر من الاحتياط لغيرهن {قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [(59) سورة الأحزاب] {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] فهذا خاص بأمهات المؤمنين، والجمهور على أن الطهارة {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [(53) سورة الأحزاب] الطهارة المطلوبة من أمهات المؤمنين مطلوبة من سائر نساء المسلمين، والتنصيص على أمهات المؤمنين من باب الاعتناء بشأنهن، وصيانة حقه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من غيره، لكن يبقى أن نساء المؤمنات مطلوب منهن ما يطلب من أمهات المؤمنين.
الترمذي قال: حديث حسن صحيح، وهو في الحقيقة لا يصل إلى درجة الصحيح، بل هو حسن.
قال -رحمه الله-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يودى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر، وبقدر ما رق منه دية العبد))" هو رق ما بقي عليه درهم، في الحديث السابق، هذا في حال حياته، لماذا؟ لأنه يتصور أن يعجز نفسه في آخر نجم من نجوم الكتابة، ويعود رقيقاً، لكن هذا ماشي في التسديد، فقتل، هذا ما يتصور أن يعجز نفسه، ليس في حكم الأول، وعلى هذا إذا كان أدى نصف نجوم الكتابة يكون نصفه حر ونصفه رقيق، وعلى هذا إذا أعتدي عليه وجني عليه فإنه يودى، تدفع ديته على أساس أنه مبعض، فدية بقدر ما فيه من الحرية وقيمة بقدر ما فيه من الرق، فإذا قتل وقد أدى نصف نجوم الكتابة يقال: نصف دية حر خمسين ألف، ونصف قيمة عبد إذا كانت قيمة خمسين خمسة وعشرين ألف، فيكون المجموع خمسة وسبعين ألف، ودية الحر مائة، وقيمة الرقيق خمسين، وهذا من تمام العدل، أما ما تقدم في الحديث: ((فهو رق ما بقي عليه درهم)) لأنه يتصور أن يعجز نفسه فيكون رقيقاً إلى سيده.
قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمرو بن الحارث أخي جويرية أم المؤمنين -رضي الله عنهما- قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقاً" النبي -عليه الصلاة والسلام- رأس الزهاد في هذه الدنيا الفانية، ما يجمع الأموال، ولا يكنز الأموال، ويرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ما يوقد في بيته نار، وقال في الحديث الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا دينار أرصده لدين، أقول فيه هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ينفق من كل جهة، وفي كل وجه من وجوه الخير، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ولا يدخر -عليه الصلاة والسلام-، يوزع الأموال في مجلسه، إذا جاءته أموال ما قام من مجلسه ومنه شيء -عليه الصلاة والسلام-.
"ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهماً ولا ديناراً" ومات ودرعه مرهون بصاع شعير اشتراه من يهودي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا الدنيا التشبث بها وإعطائها جل الوقت وجل الجهد هذا لا شك أنه خلل وتفريط فيما خلق الإنسان من أجله؛ لأن الإنسان خلق لتحقيق العبودية، ومع ذلك لئلا ينهمك في تحقيق ما خلق له، وينسى ما يعينه على تحقيق ما خلق له قيل: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] وعموم المسلمين في أيامنا هذه هم بأمس الحاجة إلى أن يقال: لا تنس نصيبك من الآخرة، وأما الدنيا ما يحتاج إلى من يوصيهم.
"ولا عبداً" ما عنده عبيد -عليه الصلاة والسلام-، وتقدم ما قال الدميري في النجم الوهاج: إنه أعتق، فإن صح يعني أنه لم يترك شيئاً، سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزيد بن حارثة مولى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، زيد ليس بمعنى المولى الذي هو رقيق يباع ويشترى، وإنما كان بالتبني، وكان يدعى زيد بن محمد وهكذا، ثم صار يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسفينة كذلك أعتقته أم المؤمنين، واشترطت عليه أن يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم.
"ولا أمة ولا شيئاً" لأنه قد يقول قائل: الرسول ما عنده درهم ولا دينار ولا عبد ولا أمة عنده بستان كبير يصدر المنتجات، قال: "ولا شيئاً" وهذا يتناول كل شيء يخطر على بالك مما هو مال، أو يؤول إلى المال، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي يستعملها في الركوب، وسلاحه الذي يستعمله في الجهاد، وأرضاً جعلها صدقة، كانت نخل بني النظير للرسول -عليه الصلاة والسلام- خالصة، ثم أعطى أكثرها المهاجرين وبقي منها ما ينفق به على أزواجه وبيوته، وأرضاً جعلها صدقة، الأنبياء لا يورثون كما جاء في الحديث الصحيح: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)) فالمطالبة من قبل من يزعم أنه من أهل البيت، أو ينتصر لأهل البيت، ويطالب بما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتهم أبا بكر وعمر بأنهم ظلموا الذرية الطاهرة باستيلائهم على أموالهم، هذا كله بهتان، النبي -عليه الصلاة والسلام- كغيره من الأنبياء ما يورث، ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) فالمطالبة بفدك أو بغيرها هذا كله مطالبة بغير حق.
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
ما ترك عبداً ولا أمة، في أمة أسمها ماريا القبطية، أهداها له المقوقس، هذه أمة لكنها ولدت إبراهيم فصارت أم ولد فعتقت، مناسبة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة؟
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما امرأة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته))" الحديث ضعيف والراجح وقفه على عمر -رضي الله عنه-، يقول: "عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما امرأة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته))" هذه أم الولد أعتقها ولدها، وفي الباب نصوص كثيرة تدل على أنها لا تورث، بل هي تعتق بعد موته، وعلى كل حال إسناده ضعيف.
قال: "وعن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً في عسرته، أو مكاتباً في رقبته أظله الله لا يوم إلا ظله)) رواه أحمد، وصححه الحاكم" وعلى كل حال الحديث كسابقه، فيه كلام لأهل العلم، وبعضهم ضعفه، لكن لا شك أن الأعمال المذكورة من أعان مجاهداً في سبيل الله ((من جهز غازياً فقد غزا)) يعني له ما يشهد له، أو غارماً في عسرته ((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) أو مكاتباً في رقبته، فك الرقبة، هذا فك الرقبة الذي جاء الحث عليه، فلجمل الحديث ما يشهد لها، وإن لم تصح ابتداءً، "رواه أحمد، وصححه الحاكم" وفي ذلك دليل على عظم الإعانة في هذه الأمور، وإعانة المسلم عموماً في كل ما يحتاج إليه، تعين صانعاً وتصنع لآخر، يعني إذا لم تستطع أن تتصدق، ولم تستطع أن تنفع بمالك أو بجاهك تعين صانع، تنفعه ببدنك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مثل: آلم السجدة وسورة الإنسان، وفي صلاة الجمعة سبح والغاشية، أو الجمعة والمنافقون، مع قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وحديثها يبلغ درجة الثبوت، ولو لم يصل إلى حد الصحيح، لكنه حسن -إن شاء الله-، وما عدا ذلك فليس فيه شيء بخصوصه.
لا، أيضاً هذا غير مشروع.
الذكر المطلق جاء به نص في وقت إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا، وإذا هبطنا سبحنا يعني مقرون جاء الشرع بها لا بأس، أما طابور استعد استرح الله أكبر هذه لم يرد بها نص، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الأمة اعتقها ولدها فلا يجوز بيعها، ترد على بائعها، وتكون معتقة له، والولد ولده، إذا كانت قد حبلت منه.
يعني كأنهم صنفهم ثلاثة أصناف ملاحظاً تقاربهم في القيمة والنفع وفي...، على كل -عليه الصلاة والسلام- الحكم جاءنا من قبله -عليه الصلاة والسلام-، وأن له أن يتبرع ويتصدق بثلث ماله، فالثلث معتبر، والاثنان ثلث الستة، لكن قد تكون قيمة الاثنين أكثر من قيمة الأربعة، فلا يتم تحقيق الصدقة بالثلث، فلا يظن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه نظر إلى أقيامهم.
كأنه يأتينا حديث في بابنا هذا من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومر بنا مراراً، وذكرنا أن القول الوسط فيه إذا كان الراوي عنه ثقة فإنه يصل إلى درجة الحسن لذاته، أما درجة الصحيح فلا، إذا وجد له شاهد يصل إلى الصحيح لغيره، أما الصحيح لذاته فلا.
هو يصح له ملكها، لكنه مع ذلك لا يجوز له أن يطأها.
الجراميق جمع جرموق، وقد يقال له: موق، نوع من الخفاف.
لا، هن أحرار، ولسن إماء، وحكمهن أحكام الحرائر، ويجب عليهن ما يلزم الحرائر.
يقول: وهن يظهرن على الرجال ويعشن بينهم كاشفات بدون حجاب.
هذا لا يجوز، لا يجوز أن تكشف؛ لأنها امرأة أجنبية عنه، وكونها تخدم في بيته لا يعني أنها تتبذل له ويتساهل في أمرها وشأنها، وقد وقع بسبب ذلك حوادث كثيرة، سواء كان من صاحب البيت أو من أولاده، أو من السائقين عنده، بسبب هذا التساهل.
الطالب: يستخدمونهن من غير محرم.
لا يجوز، استخدامها من غير محرم لا يجوز.
شرح الكرماني طبع لأول مرة في مصر، في المطبعة الباهية طبعة فاخرة جداً، وصورت مراراً، هذه أفضل الطبعات.
إذا كان صاحبها الأول سواء كان أباً أو أبناً قد جامعها فلا تحل للثاني بحال، تحرم عليه.
وإذا أثر المسلمون أثرة فهل لهم من خيار في قتلهم أو استعبادهم؟
الإمام مخير بين أن يقتل وبين أن يفدي، وبين أن يمن بلا فداء، وبين أن يسترق.
قبل الوطء تستبرأ بحيضة، ينتظر حتى تحيض ثم تطهر.
((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) لكن لو صار أكثر من واحد؟ كل شيء بحسبه، إذا أشتراه مستقلاً بشرائه جزاه في مقابل تسببه في وجوده، وإذا كان أشترك في عتقه أكثر من واحد فلا شك أن فضل الله لا يحد، لكن كل شيء بقدره.
يعني إذا كان لقطة، إذا وجد مائة ريال، أو ألف ريال، هذا يختلف باختلاف البلدان، ففي بعض البلدان مائة ريال تلتفت إليه همة أوساط الناس، وفي بعض البلدان لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، فإذا كان البلد من الفقر بحيث يلتفت أهله إلى المائة فمثل هذا يعرف سنة، وإذا كان أهله من الثراء والغناء بحيث لا يلتفت شبابه وصغاره ومتوسطو الناس إلى مثل هذا المبلغ فإنه لا يعرف.
المرأة ممنوعة من أن ترفع صوتها أمام الرجال إلا للحاجة، ومع ذلك أبيح لها التصفيق في الصلاة دون التسبيح؛ لئلا يسمع الرجال صوتها، والتصفيق معروف أنه من أعمال الكفار، {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] التصدية التصفيق، والمكاء الصفير، فهو من أعمال الكفار، وأبيح للمرأة لأنه أخف من إظهار صوتها أمام الرجال.
فيزا هذه البطاقة التي تسحب فيها وتشترى فيها البضائع، ولو كان الرصيد خالياً، ثم بعد ذلك يستوفون من أول مبلغ يدخل من الراتب، هذا قرض، لكنه يجر نفعاً فلا تجوز.
يجب عليها أن تغض بصرها؛ لأنها مأمورة بذلك، سواء كان الرجل على طبيعته أو كانت صورته، أو كان شخصه بوسيلة من الوسائل، يجب عليها أن تغض بصرها عنه.
موقف طلاب العلم أن يبينوا ما جاء في ديننا الحنيف من رفع لشأن المرأة، وتكريم للمرأة، وتحرير للمرأة من تسلط الشعوب والبلدان الأخرى، والديانات الأخرى، يعني كانت المرأة تورى في الجاهلية، ثم جاء الإسلام وجعلها إنسانة كاملة الحقوق، اللهم إلا في المسائل الخمسة التي ذكرها أهل العلم على النصف من الرجل، أو الولايات العامة؛ لأن تركيبها لا يؤهل أن تلي الولايات...، و((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) وبعض الرجال كذلك، إذا عرف منه إنه لا يقوم بهذا الحمل، ولا يقوم بهذا العبء فلا يجوز أن يتولى ولا أن يولى، جاء في أبي ذر وهو من زهاد الصحابة ومن عبادهم ((إنك امرؤ ضعيف، فلا تقضين بين اثنين، ولا تولين مال يتيم)) يعني ما هو بأمر خاص، لكن في الجملة الحكم هذا هو، الرجال هم أهل الولايات، ثم ينظر فيمن يصلح منهم ومن لا يصلح، فليس كل واحد من الرجال يصلح للولاية.
اتخاذ مثل هذا عادة، كل ما سلم من صلاته سلم على من يمنيه وعلى من شماله، وقد يكون سلم عليه قبل ذلك؛ لأن ما جرت هذه عادته هذه بدعة، لكن إذا حصل أنه دخل المسجد ووجد الناس يصلون الراتبة أو الفريضة ولم يتمكن من السلام عليهم، مع الأصل أنه يسلم عليهم وهم يصلون، ويردون بالإشارة، لكن إذا أراد أن يسلم ولم يتخذ ذلك عادة، ولا صار ديدناً له يتعبد به فإنه حينئذٍ لا يضر -إن شاء الله تعالى-.
ليس له ذلك إذا أتفق على العمل وعُرف، وكان العمل معلوم والأجرة معلومة لا يجوز له أن يزيد، لكن إذا اتفقا على شيء، وهو اتفاق مبدئي ما هو بحاسم ولا بنهائي، قال: يحتمل أن السيارة فيها كذا، أو الآلة هذه فيها كذا، وتحتاج إلى قطعة كذا، وأجرتي كذا، ثم تبين له خلل آخر، يتفق معه من جديد على الخلل الآخر، قد يقول: والله ما اتفقنا عليه هذا ما صار هو المطلوب فلا أستحق الأجرة، فيها خلل تبين أن فيها خلل كذا وأجرته كذا.
وش لون تعتق؟ هي حرة، لكن لو صارت حرة بعد أن كانت رقيقة، وكانت تحت عبد فحديث بريرة تخير، دال على أنها تخير، إن اختارت نفسها نسخ النكاح، وإن أرادت البقاء معه وإن كان عبداً فالأمر إليها، وشفع النبي -عليه الصلاة والسلام- لمغيث زوج بريرة لديها أن تبقى في عصمته ولم تقبل.
إذا عرفها فأعطها له، التعريف المعتبر شرعاً، وإذا كان قد رآها وهي بيدك، ووصفها من خلال رؤيته إياها فبناء على ما يغلب عليه ظنك، فإن كان يغلب على ظنك صدقه تعطيه إياها وإلا فلا.
لا يشرع ذلك.