كتاب الرجعة من سبل السلام (5)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في سُبل السلام:
"باب اللعان: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الزَّوْجُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَيُقَالُ فِيهِ: اللِّعَانُ وَالِالْتِعَانُ وَالْمُلَاعَنَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، فَقَالَ فِي الشِّفَاءِ لِلْأَمِيرِ الْحُسَيْنِ: يَجِبُ إذَا كَانَ ثَمَّةَ وَلَدٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا. وَفِي الْمُهَذَّبِ وَالِانْتِصَارِ أَنَّهُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالزِّنَا مِنْ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْعِلْمِ يَجُوزُ، وَلَا يَجِبُ وَمَعَ عَدَمِ الظَّنِّ يَحْرُمُ."
اللعان الأثار والأحكام المترتبة عليه انتفاء الحد عن القاذف الذي هو الزوج، وانتفاء الولد عنه، والفرقة المؤبدة، فإذا قذف الزوج زوجته فلابد أن يحضر أربعة شهداء وإلا الحد. إن لاعن فاللعان يقوم مقام الشهود في إسقاط الحد، إن لم تلاعن أُقيم عليها الحد؛ لأنَّ اللعان بمنزلة الشهود، إن لاعنت ارتفع عنها الحد، والله يعلم أنَّ أحدهما كاذب، ثم بعد ذلك ينتفي الولد، يسقط الحد، وينتفي الولد، وتكون الفرقة المؤبدة بينهما.
طالب: .........
سيجي الخلاف، يأتي الخلاف.
"الحديث الأول: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ فُلَانٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُك عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيت بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا كَذَبْت عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ، قَالَتْ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ فُلَانٌ، هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، أَيْ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُك عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيت بِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ. وَالْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَاتِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَاتِ قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتهُ، وَكَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ، وَإِنَّمَا تَلَاهَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا عَامٌّ لِلْأُمَّةِ. فَتَلَاهُنَّ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ إذْ الْوَعْظُ هُوَ التَّذْكِيرُ".
لأنَّه هنا يقول: فأنزل الله الآيات في سورة النور، كأنَّ الراوي، ابن عمر ما عرف قصة هلال، وإنَّما حضر هذه القصة فتليت الآيات، فكأنَّه ظنَّ أنَّ الآيات أُنزلت في هذه القصة، وقد نزلت قبل ذلك، لكن لمَّا كانت القصة واحدة في المرتين، قصة عويمر وقصة هلال صحَّ أن يُستدل بها بالآيات عليهما، ولو حصل مثلًا ملاعنة جديدة تتلى الآيات، ما المانع؟ وهل يقول قائل: إنَّه أنزلت بسبب زيد من الناس أو عمر بعد ذلك؟
أبدًا.
"وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. الْمَوْعُودِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة النور:23]، قَالَ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا كَذَبْت عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ قَالَتْ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: فَلَمْ يُجِبْهُ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد: فَكَرِهَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا".
ولا شك أنَّ مثل هذا من المسائل المكروهة؛ لأنَّه سأل قبل أن يقع، ولكنه ابتلي، وأهل العلم يقولون: البلاء موكَّل بالمنطق.
"قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ الْمَسْأَلَةَ عَمَّا لَا حَاجَةَ بِالسَّائِلِ إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَتْ الْمَسَائِلُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ زَمَنَ نُزُولِ الْوَحْيِ مَمْنُوعَةً؛ لِئَلَّا يَنْزِلَ فِي ذَلِكَ مَا يُوقِعُهُمْ فِي مَشَقَّةٍ وعنت كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [سورة المائدة:101].
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ».
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ وَجَدْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّبْيِينِ وَالتَّعْلِيمِ فِيمَا يَلْزَمُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَالْآخَرُ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّعَنُّتِ وَالتَّكَلُّفِ فَأَبَاحَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَأَمَرَ بِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [سورة النحل:43] ، وَقَالَ: ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [سورة يونس:94]، وَأَجَابَ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ﴾ [سورة البقرة:189]، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [سورة البقرة:222] وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [سورة الإسراء:85] "
نعم، السؤال الذي يترتب عليه فائدة عملية مطلوب، ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [سورة النحل:43]، والسؤال الذي لا يترتب عليه فائدة عملية كالروح مثلًا، أو ما لا يُمكن إطلاع الخلق عليه فإنَّه لا يُسأل عنه، وإذا سئل لم يجب، وإذا سأل سائل عن مسألة ورأى المسؤول أنَّ جوابه عمَّا هو أهم منه أجابه بالأهم، وترك المسؤول عنه؛ لأنَّه لا يهم السائل، وهذا يسمونه أسلوب الحكيم.
"وَقَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ [سورة النازعات:42- 43]، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا وَقَعَ السُّكُوتُ عَنْ جَوَابِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ زَجْرٌ وَرَدْعٌ لِلسَّائِلِ، فَإِذَا وَقَعَ الْجَوَابُ، فَهُوَ عُقُوبَةٌ وَتَغْلِيظٌ.
الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: "فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ" مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيُقَدَّمُ، وَبِهِ وَقَعَتْ الْبُدَاءَةُ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ سُنَّةٌ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ أَمْ لَا؟
فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى وُجُوبِهَا؛ لِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهِلَالٍ: «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك»، فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ كَانَ دَافِعًا لِأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا تَصِحُّ الْبُدَاءَةُ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى لُزُومِ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّه وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَبْدَأُ إلَّا بِمَا هُوَ الْأَحَقُّ فِي الْبُدَاءَةِ وَالْأَقْدَمُ فِي الْعِنَايَةِ، وَبَيَّنَ فِعْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ». فِي وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالصَّفَا."
في حديث جابر الطويل في صفة حج النبي- عليه الصلاة والسلام- لمَّا رقي على الصفا، فقال: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»، وفي رواية النسائي: «ابدؤوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ».
طالب: .........
نعم.
طالب: .......
يعني مثلها نعم.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: "ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا" دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّ الرَّجُلَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ لَبَيَّنَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ طَلَاقَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ."
لا يلزم، يُمكن على ظنه أنَّها لم تبن منه فطلَّقها، لم تبن منه فطلقها، فصار تأكيدًا للفُرقة، وإلا فالفرقة حصلت بمجرد اللعان عند الجمهور.
"وَقَالَ الْجُمْهُورُ: بَلْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ لِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ هِيَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْصُلُ بِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ».
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَخْبَرَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: «ذَلِكُمْ»، عَنْ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا، قَالَ: وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْفِرَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بمحكم..".
عندي: إلا بحكم.
طالب: وعندي إلا بمحكم.
لا. إلا بحكم.
أحسن الله إليك.
"بحكم، فَقَدْ نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ الْحَاكِمِ الْأَعْظَمِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: «ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ» "
لا يريد به نفذ الحكم في هذه القصة، بل في جميع اللعان، بدليل قوله: «ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ».
"قَالُوا: وَقَوْلُهُ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، مَعْنَاهُ إظْهَارُ ذَلِكَ وَبَيَانُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ، لَا أَنَّهُ أَنْشَأَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: وأَمَّا طَلَاقُهُ إيَّاهَا فَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بِاللِّعَانِ إلَّا تَأْكِيدًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْكَارِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا فُرْقَةَ إلَّا بِالطَّلَاقِ لَجَازَ لَهُ الزَّوَاجُ بِهَا بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا."
لأنَّها بينونة.
"وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ: «مَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا». وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: "فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا»، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: مَضَتْ السُّنَّةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا، وَعَنْ عُمَرَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.
الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فُرْقَةِ اللِّعَانِ هَلْ هِيَ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ بَائِنٌ؟
فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا فَسْخٌ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّهَا تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَكَانَتْ فَسْخًا كَفُرْقَةِ الرَّضَاعِ؛ إذْ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا؛ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ، وَلَا كِنَايَةً فِيهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ زَوْجَةٍ، فَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الْمُخْتَصَّةِ، فَهِيَ طَلَاقٌ؛ إذْ هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الْمُخْتَصَّةِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَحْكَامِ غَيْرِ النِّكَاحِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِالنِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَلَا غَيْرُهَا.
الْخَامِسَةُ: وهي فرع للرابعة: اختلفوا لو أكذب نفسه بعد اللعان، هل تحل له الزوجة؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ المحرم، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ".
لزوال المانع، فقال أبو حنيفة.
طالب: "فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ المُحَرِّم".
ما عندنا، لزوال المانع فقط، في بعض النسخ دون بعضها، لكن ما له داعٍ، المانع معروف ما هو.
"وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: تُرَدُّ إلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا؛ لِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا».
قُلْت: قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ لِمَنْ الْتَعَنَ وَلَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ.
السادسة: فِي حَدِيثِ لِعَانِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، والْحَدِيثَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَلَاعَنَا، فَإِنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ".
أمَّا إسقاط الحد عن الزوج في قذف زوجته فهذا لا خلاف فيه، واللعان إنَّما شُرِعَ من أجله، «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك»، ثم شُرِعَ اللعان، وأمَّا إسقاط الحد باللعان عمن قُذِفَ بهذه المرأة عن الزاني فهذا محل خلاف، النبي- عليه الصلاة والسلام- لم يقم الحد على من قذف رجلًا بزوجته، فهذا يدل على أنَّه لا يُحد من أجله كالمستفتي، لو جاء شخص يستفتي وتضمن في فتواه قذفًا أو غيبة أو ما أشبه ذلك، فلا تترتب عليه آثار، ومنهم من يقول: بلى، يُحد، لكنه حق مخلوق لا يثبت إلا بمطالبته، ولم يطالبه وإذًا لا حد.
قال: "فَإِنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ، فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ ذِكْرُهُ الْمَقْذُوفَ بِهِ تَبَعًا، وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك»، فَلَمَّا تَلَاعَنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهِلَالٍ بِالْحَدِّ، وَلَا يُرْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّ شَرِيك ابْن سَحْمَاءَ عَفَا عَنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ بِالْقَذْفِ سَقَطَ عَنْهُ بِاللِّعَانِ، ولِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِ مَنْ يَقْذِفُهَا بِهِ؛ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُحَمِّلْ نَفْسَهُ عَلَى الْقَصْدِ لَهُ بِالْقَذْفِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي تَعْيِينِ مَنْ قَذَفَهَا بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ إذَا ذَكَرَ الرَّجُلَ وَسَمَّاهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حُدَّ لَهُ".
يعني في اللعان، يعني ولو ذكر ذلك للحاكم قبل اللعان، قذف زوجته بفلان من الناس قبل أن يُطلب منه اللعان، فإذا طلب منه اللعان، فإن ذكره في اللعان: يقول الشافعي: إنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ إذَا ذَكَرَ الرَّجُلَ وَسَمَّاهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حُدَّ لَهُ، كلام مستقيم أو العكس؟ الذي يظهر العكس، إذا لم يذكر الرجل ولا يسميه في اللعان، فإنَّما كلها مطلوبة، لكن قد نعيد النظر فيها.
الآن لو ذكر الحاكم أنَّه وجد فلان بن فلان بن فلان الفلاني على فراشه يُجامع امرأته، بينه وبين الحاكم شكوى، ثم بعد ذلك طُلِبَ منه أن يُلاعن ليسقط عنه الحد، يسقط حد المرأة بالاتفاق. حد الرجل هذا محل الخلاف، حق مخلوق طالب به أن يقيمه عليه، وإن لم يُطالب به سقط، أو يسقط مطلقًا في هذا الباب كالسؤال ونحوه، هنا يقول: وقال الشافعي: إنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ إذَا ذَكَرَ الرَّجُلَ وَسَمَّاهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حُدَّ لَهُ، يعني هو سبق أن ذكره.
طالب: ..........
نعم، نعم، في الأول لمَّا جاء إلى الحاكم في أول الأمر سمَّاه، وهو بهذا يستحق الحد؛ لأنَّه قذف، إذا ذكره في الأيمان، الأيمان ترفع الحد عن الرجل في قذفه للمرأة، وفي قذفه من اتهم بها، يعني اللعان لمَّا رفع الحد- حد القذف- عن الزوج بالنسبة لقذفه لزوجته، كذلك رفعه بالنسبة لقذف الشخص المتهم بها، كلامه الآن يستقيم.
"وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْحَدُّ لَازِمٌ لَهُ، وَلِلرَّجُلِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَدُّ لِلرَّجُلِ، وَيُلَاعِنُ لِلزَّوْجَةِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَلَا دَلِيلَ فِي حَدِيثِ هِلَالٍ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ طَالَبَه بِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ سَقَطَ بِاللِّعَانِ، أَوْ يُحَدُّ الْقَاذِفُ فَيَتَبَيَّنُ الْحُكْمُ وَالْأَصْلُ ثُبُوتُ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ وَاللِّعَانُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ."
طالب: ........
ما الأصل ثبوته فيه، أقول إثباته بالشهود دونه خرط القتاد. وأمَّا بالنسبة للتاريخ فلا هذا، أمَّا بالنسبة للوقائع التي حصلت في عصره- عليه الصلاة والسلام- فما فيها إشكال.