شرح مختصر الخرقي - كتاب الشهادات (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب" اشتراط الإسلام والعدالة من الضبط والديانة، هذا الأصل أن الشهادة لا تُقبل بغير هذا، لا بُد أن يكون الشاهد مسلمًا كما تقدم، ولا بُد أن يكون عدلاً مُتقنًا، فلا تجوز شهادة الكافر، ولا تجوز شهادة الفاسق، ولا تجوز شهادة صاحب الغفلة كما سيأتي.

قال هنا: "وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب في الوصية في السفر" يعني في حال فقدان الشهود من المسلمين ما غير هؤلاء، يُترك الأمر بدون شهادة بحيث تضيع الوصية أو يُتجاوز عن الشروط وتُقبل شهادة الكافر كما قالوا في شهادة الصبي إذا لم يُوجد غيره في مكان الحادث، الأصل عدم قبول شهادته، لكن إذا خُشي من ضياع الحق فهل يُتساهل عن هذا الأصل؟

آية المائدة {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] يعني من غير المسلمين تدل على جواز شهادتهم في هذ الموطن في الوصية في السفر، يعني في غير الوصية في الدَّين مثلاً.

اقترض شخص مسلم من آخر ولم يحضرهما إلا من غير المسلمين، فهل نقبل شهادتهم كالوصية أو نقول: لا تُقبل شهادتهم، وتكون المقدمات الشرعية إذا لم يجد بينة طلبنا يمين المدعى عليه؟ قالوا: في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم يعني لم يُوجد غيرهم، فكان هنا تامة ولا تجوز شهادتهم في غير ذلك كالدَّين وغيره، كالدَّين والنكاح وغير ذلك من الأبواب التي تتطلب الشهادة.

والمسألة خلافية بين أهل العلم مع أن الآية تدل على القبول، وقصة عدي وتميم الداري تدل عليها أيضًا، وأظن أن الجمهور لا يُجيزونها، فلنسمع كلام القرطبي الذي ذكر المسألة بذيولها، وذكر الخلاف، وذكر أقوال أهل العلم.

فقال -رحمه الله-.

نعم.

الآية..الآية. أنت اقرأ الآية.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه.

قال –رحمه الله تعالى- "في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِين * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِين * ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} [المائدة:106-108]: فيه سبعٌ وعشرون مسألةً:

الأولى: قال مكيٌّ –رحمه الله- هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعرابًا ومعنىً وحكمًا، قال ابن عطية: هذا كلام من لم يقع له الثلج".

الثَّلَجُ.

"من لم يقع له الثَّلَجُ في تفسيرها، وذلك بيِّنٌ من كتابه -رحمه الله-.

قلت: ما ذكره مكيٌّ-رحمه الله- ذكره أبو جعفرٍ النحاس قبله أيضًا، ولا أعلم خلافًا أن هذه الآيات نزلت بسبب تميمٍ الداري وعدي بن بداء. روى البخاري والدارقطني وغيرهما عن ابن عباس قال: كان تميم الداري وعدي بن بداءٍ  يختلفان إلى مكة، فخرج معهما فتىً من بني سهم، فتوفي بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فأوصى إليهما، فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جامًا من فضةٍ مخوصًا بالذهب، فاستحلفهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مَا كَتَمْتُمَا وَلَا اطَّلَعْتُمَا» ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من عديٍّ وتميم، فجاء رجلان من ورثة السهمي، فحلفا أن هذا الجام للسهمي، ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا، قال: فأخذوا الجام، وفيهم نزلت هذه الآية. لفظ الدارقطني.

وروى الترمذي عن تميمٍ الداري في هذه الآية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106] برئ منها الناس غيري وغير عدي بن بداءٍ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام بتجارتهما، وقدِم عليهما مولىً لبني سهمٍ يُقال له: بُديل بن أبي مريم بتجارةٍ، ومعه جامٌ من فضةٍ يريد به الملك، وهو عُظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يُبلغا ما ترك أهله، قال تميمٌ: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناها أنا وعدي بن بداء، فلما قدِمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره، قال تميمٌ: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يُقطع به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106] إلى قوله: {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة:108] فقام عمرو بن العاص ورجلٌ آخر منهم فحلفا، فنُزعت الخمسمائة من يدي عدي بن بداءٍ.

قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ وليس إسناده بصحيح.

وذكر الواقدي أن الآيات الثلاث نزلت في تميمٍ وأخيه عدي، وكانا نصرانيين، وكان مُتجرهما إلى مكة، فلما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قدِم ابن أبي مارية".

مارية أم مريم؟

طالب:......

ابن أبي مريم أم مارية؟

طالب: عندي مارية.

نعم.

"فلما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قدِم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرًا، فخرج مع تميمٍ وأخيه عدي، وذكر الحديث.

وذكر النقاش قال: نزلت في بُديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائلٍ السهمي، كان خرج مسافرًا في البحر إلى أرض النجاشي، ومعه رجلان نصرانيان أحدهما يسمى تميمًا وكان من لخمٍ، وعدي بن بداء، فمات بُديلٌ وهم في السفينة فرُمي به في البحر، وكان كتب وصيته، ثم جعلها في المتاع فقال: أبلغا هذا المتاع أهلي، فلما مات بُديل قبضا المال، فأخذا منه ما أعجبهما، فكان فيما أخذا إناءٌ من فضةٍ فيه ثلاثمائة مثقال منقوشًا مموهًا بالذهب، وذكر الحديث.

وذكره سُنيد وقال: فلما قدموا الشام مرض بُديلٌ وكان مسلمًا، الحديث.

الثانية: وقوله تعالى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106] ورد (شهد) في كتاب الله تعالى بأنواعٍ مختلفةٍ: منها قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} [البقرة:282] قيل: معناه أحضروا.

ومنها: (شهد) بمعنى: قضى أي: أعلم، قاله أبو عبيدة كقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران:18].

قضى: أي علم.

طالب: عندي أعلم.

"ومنها: (شهد) بمعنى: أقر، كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء:166]. ومنها: (شهد) بمعنى: حكم، قال الله تعالى: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِه} [يوسف:26].

ومنها: (شهد) بمعنى: حلف، كما في اللعان.  

(وشهد) بمعنى: وصى، كقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106].

وقيل: معناها هنا الحضور للوصية، يُقال: شهدت وصية فلانٍ أي حضرتها. وذهب الطبري إلى أن الشهادة بمعنى اليمين، فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان، واستدل على أن ذلك غير الشهادة التي تؤدى للمشهود له بأنه لا يُعلم لله حكمٌ يجب فيه على الشاهد يمين.

واختار هذا القول القفال.

وسُميت اليمين شهادةً، لأنه يثبت بها الحكم كما يثبت بالشهادة.

واختار ابن عطية أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تحفظ فتؤدى، وضعَّف كونها بمعنى الحضور واليمين.

الثالثة: قوله تعالى: {بَيْنِكُمْ} [المائدة:106] قيل: معناه ما بينكم فحُذِفت (ما) وأُضيفت الشهادة إلى الظرف، واستُعمل البين اسمًا على الحقيقة، وهو المسمى عند النحويين بالمفعول على السعة، كما قال: ويومًا شهدناه سليمًا وعامرًا أراد شهدنا فيه.

وقال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} [سبأ:33] أي مكركم فيهما.

وأنشد:

تُصَافِحُ مَنْ لَاقَيْتَ لِي ذَا عَدَاوَةٍ

 

صِفَاحًا وَعَنِّي بَيْنَ عَيْنَيْكَ مُنْزَوِي

أراد ما بين عينيك فحُذف.

ومنه قوله تعالى: {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] أي: ما بيني وبينك.

الرابعة: قوله تعالى: {إِذَا حَضَرَ} [المائدة:106] معناه: إذا قارب الحضور، وإلا فإذا حضر الموت لم يشهد ميت".

يُشهَد.

طالب: أو لم يُشهِد؟

يُشهِد كيف يتكلم... يُشهَد عليه بشيء.

"وإلا فإذا حضر الموت لم يُشهِد ميتٌ".

إلا الشهادة على الرؤية أنهم رأوا هذه التركة، ورأوا...الشهادة على الرؤية وإلا فلا شهادة؛ لأنها متعلقة بالنطق، والنطق انتهى بالموت.

"وهذا كقوله تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98].

وكقوله: {إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق:1] ومثله كثير.

والعامل في (إذا) المصدر الذي هو: {شَهَادَةُ} [المائدة:106].

الخامسة: قوله تعالى: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ} [المائدة:106] {حِينَ} [المائدة:106] ظرف زمانٍ والعامل فيه {حَضَرَ} [المائدة:106].

وقوله: {اثْنانِ} [المائدة:106] يقتضي بمطلقه شخصين، ويحتمل رجلين، إلا أنه لما قال بعد ذلك: {ذَوا عَدْلٍ} [المائدة:106] بيَّن أنه أراد رجلين؛ لأنه لفظٌ لا يصلح إلا للمذكر، كما أن {ذَوَاتَا} [الرحمن:48] لا يصلح إلا للمؤنث. وارتفع {اثْنانِ} [المائدة:106] على أنه خبر المبتدأ الذي هو {شَهَادَةُ} [المائدة:106].

قال أبو علي: {شَهَادَةُ} [المائدة:106] رفع بالابتداء، والخبر في قوله: {اثْنانِ} [المائدة:106] التقدير شهادة بينكم في وصاياكم شهادة اثنين، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما قال تعالى: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} [الأحزاب:6] أي: مثل أمهاتهم.

ويجوز أن يرتفع {اثْنانِ} [المائدة:106] بـ {شَهَادَةُ} [المائدة:106] التقدير وفيما أُنزل عليكم أو ليكن منكم أن يشهد اثنان، أو ليُقم الشهادة اثنان.

السادسة: قوله تعالى: {ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:106] {ذَوا عَدْلٍْ} [المائدة:106] صفةٌ لقوله: {اثْنانِ} [المائدة:106] و{مِنْكُمْ} [المائدة:106] صفة بعد صفة.

وقوله: {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] أي: أو شهادة آخرين من غيركم، فمن غيركم صفة لآخرين.

وهذا الفصل هو المُشكل في هذه الآية، والتحقيق فيه أن يُقال: اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:

الأول: أن الكاف والميم في قوله: {مِنْكُمْ} [المائدة:106] ضميرٌ للمسلمين {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] للكافرين، فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزةٌ في السفر إذا كانت وصية".

هذا هو الظاهر من الآية.

"وهو الأشبه بسياق الآية، مع ما تقرر من الأحاديث، وهو قول ثلاثةٍ من الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، أبو موسى الأشعري وعبد الله بن قيسٍ".

عبد الله بن قيس.

طالب: لكن يا شيخ هم ثلاثة وما ذكر إلا هؤلاء.

أبو موسى الأشعري وعبد الله بن قيس أنا عندي واو، عندي وعبد الله بن قيس، لكن معروف أنه أبو موسى الأشعري...

طالب: لكن الإشكال لما قال: "قول ثلاثة" ثم فسَّر هؤلاء.

إذا كان فيه عبد الله بن قيس صحابيٌّ ثانٍ.

"وعبد الله بن عباس، فمعنى الآية من أولها إلى آخرها على هذا القول أن الله تعالى أخبر أن حكمه في الشهادة على الموصي إذا حضره الموت أن تكون شهادة عدلين، فإن كان في سفرٍ وهو الضرب في الأرض، ولم يكن معه أحدٌ من المؤمنين، فليُشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر".

طالب: لكن -أحسن الله إليك- أهل الكفر عامة ولا خاصة بأهل الكتاب؟

الواقعة في كتاب اليهود وهو أقرب، والمسألة خلاف الأصل، فيُقتصر فيها على  المورد من أهل الكتاب، وأهل الكتاب لهم أحكامٌ تخصهم هم أخف من غيرهم.

طالب:....... 

ماذا؟

طالب:....... 

لكن باعتباره خلاف الأصل فيُقتصر فيه على المورد.

"فإن كان في سفرٍ وهو الضرب في الأرض، ولم يكن معه أحدٌ من المؤمنين، فليُشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حُلِفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا".

بعد الصلاة، حُلِفا.

طالب: بعد الصلاة.

في هذا صحيح لكن أن عندي خطأً.

يعني صلاة العصر، وهذا تغليظ لليمين.

"حُلِفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا، وأن ما شهدا به حقٌّ، ما كتما فيه شهادة الله، وحُكم بشهادتهما، فإن عُثِر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا، ونحو هذا مما هو إثمٌّ حلف رجلان من أولياء الموصي في السفر، وغرِم الشاهدان ما ظهر عليهما.

هذا معنى الآية على مذهب أبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، ويحيى بن يعمر، وسعيد بن جبير، وأبي مجلز، وإبراهيم، وشريحٍ، وعبيدة السلماني، الثوري، ومال إليه أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ؛ لكثرة من قال به.

واختاره أحمد بن حنبل وقال: شهادة أهل الذمة جائزةٌ على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين كلهم يقولون {مِنْكُمْ} [المائدة:106] من المؤمنين ومعنى {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] يعني الكفار.

قال بعضهم: وذلك أن الآية نزلت ولا مؤمن إلا بالمدينة، وكانوا يسافرون بالتجارة صُحبة أهل الكتاب وعبدة الأوثان وأنواع الكفرة.

والآية محكمةٌ على مذهب أبي موسى وشريحٍ وغيرهما.

القول الثاني: أن قوله سبحانه: {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] منسوخٌ، هذا قول زيد بن أسلم ومالكٍ، والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء، إلا أن أبا حنيفة خالفهم، فقال: تجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض، ولا تجوز على المسلمين، واحتجوا بقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} [البقرة:282]، وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، فهؤلاء زعموا أن آية الدَّين من آخر ما نزل، وأن فيها {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} [البقرة:282] فهو ناسخٌ لذلك، ولم يكن الإسلام يومئذٍ إلا بالمدينة، فجازت شهادة أهل الكتاب، وهو اليوم طبَّق الأرض فسقطت شهادة الكفار، وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق لا تجوز، والكفار فساقٌ فلا تجوز شهادتهم.

 قلت: ما ذكرتموه صحيح إلا أنَّا نقول بموجبه، وأن ذلك جائز في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر خاصة للضرورة، بحيث لا يوجد مسلمٌ، وأما مع وجود مسلمٍ فلا، ولم يأتِ ما ادعيتموه من النسخ عن أحدٍ ممن شهد التنزيل، وقد قال بالأول ثلاثةٌ من الصحابة، وليس ذلك في غيره، ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر عنه أهل العلم.

ويقوي هذا أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً، حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما: إنه لا منسوخ فيها.

وما ادعوه من النسخ لا يصح فإن الناسخ لا بُد من إثباته على وجهٍ يتنافى الجمع بينهما مع تراخي الناسخ، فما ذكروه لا يصح أن يكون ناسخًا".

يعني احتجاهم بأن الإسلام طبَّق الأرض صحيح إذا وُجِد من المسلمين في الموقع، أما إذا لم يُوجد أحد، فكأنه لم يُطبِّق الأرض.

"فما ذكروه لا يصح أن يكون ناسخًا فإنه في قصةٍ غير قصة الوصية وأمكن تخصيص الوصية به لمكان الحاجة والضرورة، ولا يمتنع اختلاف الحكم عند الضرورات".

لحظة..لحظة "فما ذكروه لا يصح أن يكون ناسخًا".

"فإنه في قصةٍ غير قصة الوصية"

نعم.

"وأمكن تخصيص الوصية به".

وأمكن؟

طالب: وجعلها بين قوسين الجملة هذه.

وأمكن تخصيص الوصية به.

طالب: لمكان الحجة والضرورة.

نعم. 

"وأمكن تخصيص الوصية به لمكان الحاجة والضرورة، ولا يمتنع اختلاف الحكم عند الضرورات؛ ولأنه ربما كان الكافر ثقة عند المسلم ويرتضيه عند الضرورة، فليس فيما قالوه ناسخ.

القول الثالث: أن الآية لا نسخ فيها، قاله الزهري، والحسن، وعكرمة، ويكون معنى قوله: {مِنْكُمْ} [المائدة:106] أي: من عشيرتكم وقرابتكم؛ لأنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان".

فلا يكون فيها مدخل لغير المسلمين، وهي مُحكمة وليس فيها مدخل لغير المسلمين {مِنْكُمْ} [المائدة:106] يعني من قرابتكم وعشيرتكم كما ذكر المؤلف -رحمه الله-.

"ومعنى قوله: {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] أي: من غير القرابة والعشيرة، قال النحاس: وهذا ينبني على معنىً غامض في العربية، وذلك أن معنى (آخر) في العربية: آخر من جنس الأول، تقول: مررت بكريم وكريمٍ آخر، فقوله: (آخر) يدل على أنه من جنس الأول، ولا يجوز عند أهل العربية مررت بكريمٍ وخسيسٍ آخر، ولا مررت برجلٍ وحمارٍ آخر، فوجب من هذا أن يكون معنى قوله: {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] أي: عدلان، والكفار لا يكونون عدولاً، فيصح على هذا قول من قال: {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] من غير عشيرتكم من المسلمين، وهذا معنىً حسنٌ من جهة اللسان، وقد يُحتج به لمالكٍ، ومن قال بقوله؛ لأن المعنى عندهم {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] من غير قبيلتكم على أنه قد عورض هذا القول بأن في أول الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:106] فخوطب الجماعة من المؤمنين".

لكن قوله: "من غير القبيلة أو من غير العشيرة" القبيلة والعشيرة وصفٌ غير مؤثر في الباب، فكونه من قبيلته أو من قبيلةٍ أخرى، أو من بلده أو من بلدٍ آخر لا فرق، مادامت الشروط منطبقةً عليه.

على كل حال هذا التأويل أرادوا به الخروج من هذا الإشكال الذي أمر الله برد شهادة الفاسق والتثبت فيها، فمن باب أولى أن تُرد شهادة الكافر؛ لأنه خالف أصلًا، ما جاء في الآية خالف أصل مقرر في الشريعة، فما الجواب عنه؟ أخذ أهل العلم يبحثون عن أجوبة، ولكن الآية ظاهرة في الدلالة على شهادة الكافر من أهل الكتاب عند الضرورة، كما تجوز شهادة الصبي عند الحاجة.   

"السابعة: استدل أبو حنيفة بهذه الآية على جواز شهادة الكفار من أهل الذمة فيما بينهم، قال: ومعنى {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] أي: من غير أهل دينكم، فدل على جواز شهادة بعضهم على بعض، فيُقال له: أنت لا تقول بمقتضى هذه الآية؛ لأنها نزلت في قبول شهادة أهل الذمة على المسلمين، وأنت لا تقول بها فلا يصح احتجاجك بها".

يعني الحكم الذي الآية نصٌّ فيها ما يراه أبو حنيفة، ويُخرِّج عليه حكمًا آخر.

طالب:.......

أبو حنيفة ما يرى شهادة الكافر في الوصية على المسلم، ويرى شهادة الكافر على الكافر بهذه الآية، ولا يقبلها في شهادة الكافر على المسلم التي هي ظاهرةٌ فيه ويقبلها في غيره، فأحيانًا يُركَّب كلام يرتضيه العالم على أمرٍ لا يرتضيه.

مثال ذلك: أن ابن حزم ضعَّف حديثًا فيه المنهال بن عمرو، والمنهال بن عمرو ضعَّفه شُعبة، بأنه سمع من بيته صوت الطنبور، كيف ابن حزم يُضعّف الحديث بسبب صوت الطنبور الذي سُمِع من بيت المنهال، وأنت لا ترى فيه شيئًا أصلاً؟! فأنت تُرتب شيئًا على شيءٍ لا ترتضيه، وهذا من باب الإلزام.

طالب:.......

لكنه لا يرى الحكم أصلاً، منسوخ خلاص انتهى، مادامت منسوخة كيف يعمل بها في مسألةٍ أخرى.

"فإن قيل: هذه الآية دلت على جواز قبول شهادة أهل الذمة على المسلمين من طريق النطق، ودلت على قبول شهادتهم على أهل الذمة من طريق التنبيه، وذلك أنه إذا قُبلت شهادتهم على المسلمين فلأن تُقبل على أهل الذمة أولى.

 ثم دل الدليل على بطلان شهادتهم على المسلمين، فبقي شهادتهم على أهل الذمة على ما كان عليه، وهذا ليس بشيءٍ؛ لأن قبول شهادة أهل الذمة على أهل الذمة فرعٌ لقبول شهادتهم على المسلمين، فإذا بطلت شهادتهم على المسلمين وهي الأصل فلأن تبطل شهادتهم على أهل الذمة وهي فرعها أحرى وأولى. والله أعلم".

قد يقول قائل: إن لكلامهم وجهًا، وأن شهادتهم على المسلمين لا تُقبل؛ لِما بينهم وبين المسلمين من العداوة، لكن مع قومهم وموافقيهم في الدِّين قد لا تُوجد هذه العداوة بنفس المستوى.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

لا هو الأصل الآية، وهم لا يحتجون بالآية في موردها.

طالب:.......

هي الأصل.

طالب:.......

المدار كله على الآية، والآية في شهادة الكافر على المسلم، ولم يرتضوها، فكيف يرتضونها بما يُفرِّعون عليها شهادة الكافر، لكن إن بحثوا عن أصلٍ آخر، وقالوا: إن شهادة الكافر على الكافر لا يُوجد لها بديل، وليس مردها إلى العدالة، وإن قيل: بالعدالة النسبية، وعدالة كل قومٍ بحسبهم، وإلا فالأصل رد شهادة الكافر مطلقًا.

نكمل أم نترك؟

طالب: كما تشاء يا شيخ، الفائدة حاصلة.

ماذا؟

طالب: أقول: الفائدة حاصلة، وكما تشاء يا شيخ.

والله كتاب عظيم.

طالب:.......

ماذا فيه.

طالب:.......

يعني نخلصه إن شاء الله.

طالب: لعلنا نستفيد- الله يرضى عليك يا شيخ- لا تحرمنا الفوائد.

نعم.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

المسلم غير العدل، المسلم الفاسق إذا قُبِلت شهادة الكافر للحاجة والضرورة، فهل تُقبل شهادة المسلم غير العدل؟

طالب:.......

هذا الأصل من باب أولى، لكن قد يكون الكافر المتدين الذي يتدين بتحريم الشهادة، شهادة الزور قد يكون أكثر تحريًا من المسلم الذي عُرِف بالفسق واشتهر به؛ ولذلك يقول الإمام الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا....

طالب: الرافضة.

ما هو بالرافضة، فرقة منهم الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة لموافقيهم بالباطل، يشهدون لموافقيهم بالباطل، فلا شك أن هؤلاء يتفاوتون فيهم أهل ديانة وإن كانوا على ضلال، لكن ديانة يرونها ديانة هم ويقفون عندها.

طالب:.......

نعم ليسوا بثقات بدليل أنهم سرقوا.

لكن {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] ما يُشاع في هذه الأيام من أن الكافر يُقال له: الآخر {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] يمكن أن يستدل بعض الكتبة، وبعض...بمثلها، لكنهم يلجؤون إلى هذا التعبير فرارًا من وصف الكافر بالكفر هذا هو السبب، ولهم من..... دليل يعتمدون عليه، هم ما ينتظرون دليلًا، هم يمشون أمورًا مخالفة لقطعيات الشريعة، والله المستعان.

طالب:.......

يعني شهادته في الحقوق شيء، واعتماده في العبادات شيء آخر، يُصلون فما وجدوا إلا إمامًا فاسقًا، فماذا يفعلون؟ يصلون، عند الحنابلة ما تصح إمامة الفاسق كالكافر، لكن إذا ما وجِد غيرهم كلهم على مستوى واحد من التدين، فالبلوى تقتضي، أما حقوق العباد فيُحتاط لها، إلا في مثل هذه الصورة التي لو لم تقع الشهادة، أو لم تُقبل الشهادة من هؤلاء لضاع الحق.  

"الثامنة: قوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة:106] أي: سافرتم، وفي الكلام حذفٌ".

يعني على كثر ما راجعنا الكتاب، من كثرة ما طلبنا الكتاب وقرأنا فيه مما يُفيدنا ويعيننا على مسائل العلم الفقهية في كتابنا هذا وغيره، في الكتب الأخرى قد نطلبه، مرة طلبناه بشرح كتاب التوحيد.

ألا تنبعث هِمم طُلاب العلم لقراءته؟ مكثنا في درس القرطبي ثنتين وعشرين سنة حتى أكملناه، ومجموعة من الإخوان خمسة أو ستة من الأساتذة في جامعة أم القرى اتفقوا على أن يقرؤوه في بيوتهم كل أسبوع مائة صفحة ويتناقشون فيها في الأسبوع يجتمعون بعد قراءة مائة صفحة ويتناقشون في هذه المائة، في الأسبوع تقرأ مائة صفحة تحتاج إلى خمس عشرة أربع عشرة صفحة، ثلاثة عشر صفحة ما تكون شيئًا، يعني ما تأخذ وقتًا، وفي النهاية تقرأ مائة صفحة، ثم في كل شهر مجلدًا، تحتاج إلى عشرين شهرًا بدلًا من عشرين سنة، وكل واحد يُدون الفوائد التي استفادها، ويضع علامات على ما فيه شيء من الإشكال، ويتناقشون فيه، وخلال سنة ونصف ينتهي.

ترى هذه طريقة ممتازة، يعني ما تأخذ وقتًا طويلًا، ويستفيد كل واحد ينتقي من زملائه ثلاثة، أربعة، خمسة بحسب القرب والبُعد من البيوت بعد؛ لأن الرياض مكان صعب، فهذه طريقة ومنهجية ممتازة وينتهي الكتاب بهذه الطريقة، وغيره من الكتب، يعني لو انتهى هذا الكتاب واختير كتاب آخر استفاد طُلاب العلم.

طالب:.......

لا لا، كل واحد ببيته، لو يقرؤون سويًّا صار درسًا، كل واحد ببيته يقرأ مائة صفحة، ويكتب ويضع علامات، ويضع إشكالات وفوائد، ويفهم من هذه الجملة ما لا يفهمه الآخر ويتناقشون، والله أنا استحسنتها.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

دسمة، لكن يبقى أنها تُنتج، ما هو بلازم أن يحفظ الكتاب أو تُدرس جميع مسائله بدقة وتُهضم، أحسن من لا شيء.

ما رأي الشيخ؟

طالب: عمل لم يُسبق إليه.

والله طيب.

طالب: عملٌ طيب.

لكن ما الذي جعلهم يروحون للقرطبي؟ هذا من يوم وأنا طالب وأنا أراجع القرطبي.

طالب:.......

وجدت تعليقة على نسخة من النُّسخ الذي عندي تاريخها أربعة عشر أحدى عشر سبع وتسعون 14/11/97، والله المستعان.

لكن تاريخ هذا صار، الآن ما نقرأ شيئًا، تاريخ.   

"الثامنة: قوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة:106] أي: سافرتم، وفي الكلام حذفٌ تقديره {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] فأوصيتم إلى اثنين عدلين في ظنكم، ودفعتم إليهما ما معكم من المال، ثم متم وذهبا إلى ورثتكم بالتركة، فارتابوا في أمرهما، وادعوا عليهما خيانةً، فالحكم أن {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106]".

أن تحبسوهما.

طالب: عندي هكذا يا شيخ أن وبين قوسين تحبسونهما.

تحبسوهما أن أن.

طالب: أن لكن يا شيخ هو جاء بنص الآية {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106].

حكى حكاية.

طالب: نعم الحكاية.

لكن لا بُد من التبيه.

طالب: هو وضعها بين حاصرتين.

على أنها من القرآن.

طالب: نعم على أنها من القرآن.

تفضل.  

"وسمى الله تعالى الموت في هذه الآية مصيبةً، قال علماؤنا: والموت وإن كان مصيبةً عظمى، ورزيةً كبرى، فأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وترك التفكر فيه، وترك العمل له، وإن فيه وحده لعبرةً لمن اعتبر، وفكرةً لمن تفكر.

وروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لَوْ أَنَّ الْبَهَائِمَ تَعْلَمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا»".

خرَّجه؟

طالب: نعم. قال: أخرجه القضاعي في (الشهاب) والبيهقي في (الشُّعب) من حديث أم صُبية الجهنية، وفي إسناده عبد الله بن سلمة بن أسلم ضعَّفه الدارقطني وغيره، وقال أبو نُعيم: متروك، وأخرجه ابن المبارك في (الزُّهد) عن الحسن بن صالح بلاغًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخرجه أو نعيمٍ في (الحلية) من كلام سفيان الثوري.

المفسِّر القرطبي ليس من أهل الحديث، فيروي الأحاديث الضعيفة، وجِد في تفسيره بعض الموضوعات، وفيه أحاديث كثيرة جدًّا، وشرعت في تخريج أحاديثه ووجدت في الجزء الأول فقط من العشرين أكثر من ستمائة حديث.

طالب:.......

لا لا، في الصحيحين وغيرهما وضعيفة.

مجموع الأحاديث التي في المجلد الأول أكثر من ستمائة، فإذا نظرت إلى أن الكتاب عشرون مجلدًا انقطع الدهر دون تخريجها، وإلا فهي....

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

لكن المؤلف –رحمه الله- في الصناعة الحديثية ضعيف، حتى في طريقة التخريج يُخرِّج الحديث من ابن ماجه وهو موجود في البخاري، وأما تقديمه لمسلم على البخاري فهذا مطرد على طريقة المغاربة. 

"ويروى أن أعرابيًّا كان يسير على جملٍ له، فخر الجمل ميتًا، فنزل الأعرابي عنه، وجعل يطوف به ويتفكر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟! ما لك لا تنبعث؟! هذه أعضاؤك كاملة، وجوارحك سالمة، ما شأنك؟! ما الذي كان يحملك؟! ما الذي كان يبعثك؟! ما الذي صرعك؟! ما الذي عن الحركة منعك؟! ثم تركه وانصرف متفكرًا في شأنه، متعجبًا من أمره".

ومن ميزة هذا الكتاب اللفتات التي تُخاطب القلب، وهذه كثيرة جدًّا في الكتاب؛ لأن الرجل مع كونه فقيهًا، مع كونه يُفسِّر، وجامعًا متفننًا لكثيرٍ من العلوم هو واعظ ومؤلف في الرقائق، وله (التذكرة في علوم الآخرة) ولو قرأ أي واحدٍ منا كلامه في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر} [التكاثر:1] عرف قدر هذا الرجل.

فكلامه هذا مؤثر، كلامه هذا يندر أن يوجد عند أحد من المفسرين.

هو يكثر السؤال وهو سؤال حقيقةً محرج، يستنصحك طالب يقول: أقرأ الطبري أم القرطبي؟ قرأت في الطبري ما استفدت؛ لأنه كله حدَّثنا حدَّثنا، وأسماء رجال وقد يكون الطالب ضعيف الحافظة ولا يحفظ شيئًا ولا آثارًا، وقرأت في القرطبي نفس المقدار وخرجت بحصيلة ثابتة، ومثله لما أوقفنا تفسير أضواء البيان قال بعض الطلاب: نوقف ابن كثير، أضواء البيان نستفيد منه فائدة واضحة وظاهرة ويَعلق بالذهن، لكن الإشكال أن تقديم الرأي على الأثر ولو كان هذا واقع الشخص نفسه التصريح به مُشكل، التصريح بأن تقول: أضواء البيان أفضل من ابن كثير، وابن كثير معروف أنه من أئمة السلف وتفسيره أثري، وكذلك الطبري، لاسيما ضعيف الحافظة فائدته من كتب التفسير بالأثر قليلة؛ لأنها كلها أسانيد وآثار بعضها مُكرر، وبعضها إذا التفت ما معك منه شيء -يعني ضعيف الحافظة – وإلا الحُفاظ معروفون.    

"التاسعة: قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا} [المائدة:106] قال أبو عليٍّ:  {تَحْبِسُونَهُمَا} [المائدة:106] صفةً لـ {آخَرانِ} [المائدة:106] واعترض بين الصفة والموصوف بقوله: {إِنْ أَنْتُمْ} [المائدة:106].

وهذه الآية أصلٌ في حبس من وجب عليه حقٌّ، والحقوق على قسمين:

منها: ما يصلح استيفاؤه معجلاً، ومنها ما لا يمكن استيفاؤه إلا مؤجلاً.

فإن خُلي من عليه الحق وغاب واختفى وبطل الحق وتوي".

"توي" هلك يعني، التاوي: الهالك، ومرت هذه اللفظة في قواعد ابن رجب، كنا نقرأ على الشيخ ابن غديان في الطبعة الأولى قبل ما يُطبع ثانية، ومرت كلمة التاوي وتسألنا فيها والشيخ موجود وكذا ما وصلنا إلى شيء، ما معنا جولات ولا شيء يطلعونه.

المقصود إني في اليوم نفسه أو من الغد خرجت إلى المكتبات، ووجدت طبعة جديدة وعليها تعليقات، فوجدت التاوي: الهالك. 

"وبطل الحق وتوي، فلم يكن بُدٌ من التوثق منه، فإما بعوضٍ عن الحق، وهو المسمى رهنًا، وإما بشخصٍ ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحميل".

"الحميل" والزعيم، الكفيل كلها واحد.

"وهو دون الأول؛ لأنه يجوز أن يغيب كمغيبه، ويتعذر وجوده كتعذره، ولكن لا يمكن أكثر من هذا فإن تعذرا جميعًا لم يبق إلا التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لِما كان عليه من حق، أو تبين عسرته.

العاشرة: فإن كان الحق بدنيًّا لا يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه مُعجلاً، لم يكن فيه إلا التوثق بسجنه؛ ولأجل هذه الحكمة شُرع السجن، روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حبس رجلاً في تهمة.

وروى أبو داود عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» قال ابن المبارك يُحل عرضه يُغلظ له، وعقوبته يُحبس له.

قال الخطابي: الحبس على ضربين: حبس عقوبةٍ، وحبس استظهار.

فالعقوبة لا تكون إلا في واجب، وأما ما كان في تهمة فإنه يُستظهر بذلك؛ ليُستكشف به ما وراءه، وقد روي أنه حبس رجلاً في تهمةٍ ساعةً من نهارٍ، ثم خلى عنه.

وروى معمر عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان شريحٌ إذا قضى على رجلٍ بحقٍّ أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم، فإن أعطاه حقه وإلا أمر به إلى السجن.

الحادية عشرة: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106] يريد صلاة العصر، قاله الأكثر من العلماء؛ لأن أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة.

وقال الحسن: صلاة الظهر، وقيل: أي صلاة كانت، وقيل: من بعد صلاتهما على أنهما كافران، قاله السُّدي. وقيل: إن فائدة اشتراطه بعد الصلاة تعظيمًا للوقت، وإرهابًا به، لشهود الملائكة ذلك الوقت، وفي الصحيح «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»".

خرَّجه؟

طالب: قال: ذكر الحديث بهذا اللفظ ابن العربي في (أحكام القرآن) وأخرجه بنحوه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، ولفظه عن البخاري: «ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ورجلٌ حلف على يمينٍ كاذبةٍ بعد العصر ليقتطع بها مال رجلٍ مسلم».

الثانية عشر.

"الثانية عشرة: هذه الآية أصلٌ في التغليظ في الأيمان، والتغليظ يكون بأربعة أشياء:

أحدها: الزمان كما ذكرنا.

الثاني: المكان كالمسجد والمنبر، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه حيث يقولون: لا يجب استحلاف أحدٍ عند منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بين الركن والمقام لا في قليل الأشياء ولا في كثيرها، وإلى هذا القول ذهب البخاري-رحمه الله- حيث ترجم (بابُ يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، ولا يُصرف من موضع إلى غيره)".

لأن الذي لا يُعظم الله -جلَّ وعلا- ويجرؤ على الحلف به كاذبًا لن تؤثر فيه هذه الأمور، كونه يحلف عند المنبر أو بعد الصلاة، لكن بعد الصلاة منصوصٌ عليها، وجاء حديث المنبر في حديثٍ صحيح، وهذ رأي البخاري أنه مادام ما عظم الله -جلَّ وعلا- فالزمان والمكان لا يؤثر فيه.  

طالب:.......

كذلك فيه تعظيم.

طالب:.......

بعد الصلاة فيه دعاء مُستجاب، بعد الفرائض فيه حديث عن الدعوة المستجابة.

طالب:.......

نعم في جميع الفرائض.

طالب:.......

أيهم؟

طالب:.......

{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106]؟

طالب:.......

نعم معروف، والكلام في الحديث معروف وأقل أحواله الحسن إن شاء الله، نعم.

طالب: أهل الكتاب إذا حُلِّفوا هل يُغلَّظ عليهم بتحليفهم على كتابهم؟

بما لا يُخالف ما عندنا، ذكرنا واحدًا من القضاة كان في الخليج قاضيًا قديمًا، يعني من ثمانين سنة أو أكثر جيء له برجل من الهندوس يدعي عليه شخص أنه أودعه مالًا، ثم لما طلبه جحده، فجاء به إلى القاضي، وقال له: أودعت هذا مبلغًا من المال، وأنكره، قال: احلف، قال: يحلف هذا هندوسي، قال: هاتوا سكينًا، الشيخ القاضي يقول: هاتوا سكينًا، وأمر الهندوسي أن يقبضها، فقال له: قُل ورب البررة مهلك الفجرة، رب البررة هو الله –جلَّ وعلا- يمين بالله، ورب البررة مهلك الفجرة لأن كنت كاذبًا لأخذن السكين وأذبح البقرة، قال: فلوس يدفع بقرة ما يذبح.

طالب:.......

الأصل بعد العصر؛ لأن الصلاة جاء ذكرها في بعض الأحاديث «ورجلٍ حلف بعد العصر».

طالب:.......

معروف الحديث.

طالب:.......

هي الوسطى {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] صلاة العصر.

"وقال مالك والشافعي: ويُجلب في أيمان القسامة إلى مكة من كان من أعمالها، فيحلف بين الركن والمقام، ويُجلب إلى المدينة من كان من أعمالها فيحلف عند المنبر.

الثالث: الحال روى مطرفٌ وابن الماجشون".

يعني التعظيم بالحال أو التغليظ بالحال.

"روى مطرفٌ وابن الماجشون وبعض أصحاب الشافعي أنه يحلف قائمًا مستقبل القبلة؛ لأن ذلك أبلغ في الردع والزجر، وقال ابن كنانة عن مالكٍ: يحلف جالسًا، قال ابن العربي: والذي عندي أنه يحلف كما يُحكم عليه بها إن كان  قائمًا فقائمًا، وإن جالسًا فجالسًا إذ لم يثبت في أثرٍ ولا نظرٍ اعتبار ذلك من قيامٍ أو جلوس.

قلت: قد استنبط بعض العلماء من قوله في حديث علقمة بن وائلٍ عن أبيه: فانطلق ليحلف، القيام-والله أعلم- خرَّجه مسلم.

الرابع: التغليظ باللفظ، فذهبت طائفةٌ إلى الحلف بالله لا يزيد عليه؛ لقوله تعالى:  {فيقسمان بالله} [المائدة:106]، وقوله: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:53]، وقال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} [الأنبياء:57]، وقوله –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وقول الرجل: والله لا أزيد عليهن.

وقال مالكٌ: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندي حق، وما ادعاه علي باطل، والحجة له ما رواه أبو داود: حدَّثنا مسدد، قال: حدَّثنا أبو الأحوص قال: حدَّثنا عطاء بن السائب، عن أبي يحيى عن ابن عباسٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -يعني لرجل حلَّفه-: «احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إله إلا هو ما له عندك شيءٌ» يعني للمدعي، قال أبو داود: أبو يحيى اسمه زياد كوفيٌّ ثقةٌ ثبت".

اسمه؟

طالب: زياد.

زكريا.

طالب: عندك زكريا يا شيخ؟

نعم.

طالب: عندي زياد.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

زياد، ما يخالف.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

 ما هو أبو يحيى اسمه زكريا، ماذا تقول يا شيخ؟ مناسب.

طالب: مناسب.

لكن المُعوَّل على ما في كتب الرجال.

طالب:.......

في سُنن أبي داود، نعم.

"وقال الكوفيون: يحلف بالله لا غير، فإن اتهمه القاضي غلَّظ عليه اليمين، فيحلفه بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف.

قال ابن العربي: وهو بدعةٌ ما ذكرها أحدٌ قط من الصحابة.

وزعم الشافعي أنه رأى ابن مازن قاضي صنعاء يُحلِّف بالمصحف، ويأمر أصحابه بذلك".

يأثر.

طالب:......

ويأمر؟

"ويأمر أصحابه بذلك ويرويه عن ابن عباسٍ، ولم يصح".

لا، عندنا ويأثر أصحابه ذلك عن..."ويأثر أصحابه ذلك عن ابن عباس، ولم يصح" يعني يروونه عن ابن عباس.

"قلت: وفي كتاب (المهذب) وإن حلف بالمصحف، وما فيه من القرآن فقد حكى الشافعي عن مطرف أن ابن الزبير كان يُحلِّف على المصحف، قال: ورأيت مطرفًا بصنعاء يُحلِّف على المصحف، قال الشافعي: وهو حسن.

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا ينبغي للحاكم أن يستحلف بالطلاق والعتاق والمصحف.

قلت: قد تقدم في الأيمان: وكان قتادة يكره أن يحلف بالمصحف".

قتادة يكره!

"وكان قتادة يكره أن يحلف بالمصحف".

عندنا يُحلِّف بالمصحف ما هو يكره، ما هو يحلِف يُحلِّف.

طالب: وكلمة "يكره أن" وضعها بين حاصرتين.

فرق، نعم.

"وقال أحمد وإسحاق: لا يُكره ذلك، حكاه عنهما ابن المنذر".

قف على هذا.

"