شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد اشتمل الجدول الجديد لهذه السنة على مفاجأة، وهي تغيير كتاب طالما انتظره الإخوان، وفرحوا به، وهو كتاب: "منتهى الإرادات" إلى كتاب مختصر جداً، يعني من أصعب المتون وأطولها إلى أسهلها وأخصرها، يعني بون شاسع بين الكتابين، وتم التغيير بناءاً على مشاورة بعض الإخوان من كبار الطلاب، وبعض المشايخ، وبعد معاناة خلال فصل دراسي كامل، يزيد على ثلاثة أشهر، عانى فيه كثير من الطلاب، وجاءت الانتقادات من الطلبة المتوسطين فضلاً عن المبتدئين، وليس السبب الرئيس في تغييره بالنسبة لي صعوبة الكتاب، بل سبب اختيار الكتاب صعوبته؛ لأن الكتاب الصعب هو الذي يربي طلاب العلم، لكن إذا اقترن مع الصعوبة طول فهذه مشكلة لا تنحل، إذا تصورنا أننا في باب من أبواب الطهارة يعني فيما يعادل ورقة استغرق شرحها، شرح هذه الورقة ثلاثة أشهر، والكتاب في مجلدين متى ينتهي؟ قدرنا أنه ينتهي في ربع قرن -الله المستعان- وضع  الطلاب في الرياض مثل المواقيت، كلٌ  يأخذ حاجته ويمشي، ينهي دراسته في أربع سنين ويمشي، التفاوت بين الطلاب هذا في السنة الأولى وبقي عليه أربع سنوات، وهذا في المستوى الخامس، أو السادس أو الثامن ما بقي عليه شيء، فعمدنا بعد ذلك إلى كتاب مختصر، وقبلنا من فعل هذا من الشيوخ، فالشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قرر الكتاب، وشرح فيه مدة وجيزة ثم ترك، فعدل عنه لهذا السبب.

وأنا قناعتي أن الطلاب يُربون على الكتب الصعبة، لا على الكتب السهلة؛ لأن هؤلاء الطلاب إذا هَضموا مثل هذا الكتاب -أعني المنتهى- لن يشكل عليهم أي عبارة من عبارات الفقهاء، ولن يقف في وجوههم أي جملة من جملهم أو كلمة، بينما لو ربوا على الكتب السهلة، وكتب المعاصرين ومذكراتهم، ثم انفرد كل طالب بنفسه في قرية لا يعينه على فهم العلوم أحد، وقف حائرا أمام عبارات العلماء، هذا هو سبب الاختيار الأول، لكن العدول عنه لا لصعوبته، إنما الصعوبة المقرونة بالطول، يعني لو كان الكتاب ينتهي بمدة سنتين أو ثلاث مع طوله كان الاستمرار أولى، والعلماء حينما يقصدون إلى توعير العبارة ليس هدفهم وقصدهم تعذيب الطلاب، أو إطالة الطريق عليهم أبداً، إنما المقصود تمرينهم وتدريبهم، وأنت تسمع من يتصدى للإفتاء في مختلف الوسائل الآن، تعرف أن هذا المفتي تربى على كتب أهل العلم وإلا علمه مجرد ثقافة وأساليب وإنشاءات، تُفَرِّق.

المقصود أن هذه مقصودة لأهل العلم، توعير العبارات لتمرين الطلاب وتدريبهم على أساليب أهل العلم؛ لأنهم يتوقعون أن هذا الطالب الذي قرأ هذا الكتاب، وحل هذا الكتاب على هذا الشيخ، يتوقعون أنه يتفرد فيما بعد، فلا يحتاج إلى غيره، يعني إلى متى يحتاج الطالب إلى غيره؟ المتوقع أن الطالب سنة سنتين ثلاث خمس، عشر، بالكثير، ثم يستقل بنفسه، بعض من كتب في النحو صعَّبَ العبارة جداً، وأغلقها وأرتجها، بحيث لا يفهم كتابه إلا عن طريقه هو، ولما سئل عن ذلك قال: لو سهلناه ما احتاج الناس إلينا وضِعْنا، لكن هذا قصد ليس من مقاصد أهل العلم الذين أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يعلموا الناس، هذا دنيوي محض، فعدلنا عن الكتاب الصعب الطويل إلى كتاب مهجور مع أنه أقدم متون الحنابلة على الإطلاق، وعناية الحنابلة به تفوق الوصف، فقد ذُكر أنه تصدى لشرحه أكثر من ثلاثمائة عالم، قالوا: عليه أكثر من ثلاثمائة شرح؛ لأهميته، وكتاب بهذا الحجم، وهذا الوزن عند أهل العلم ويبقى مهجورا هذا خلل.

الشروح التي يذكرونها من هذه الأعداد كثير منها يمكن الاستغناء عنه بغيره، ولذا لم ينتشر، وما حفظ من هذه الشروح إلا نحو عشرين شرحا، وطبع منها عدد يسير.

الشروح التي تذكر ويبالغ في أعدادها حقيقة، لا يستغرب أن مثل هذا الكتاب المقبول عند الحنابلة حتى قال بعضهم: إن جميع جمل الكتاب من ألفاظ أحمد، مع أن هذا الكلام فيه ما فيه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

يُدرس الكتاب وتعلق عليه حواشي هذا الشيخ، ويُسَمَّى الشرح الذي علق عنه بهذه الحاشية، وآخر كذلك، وثالث ورابع، نظير ما صنعوا في تفسير البيضاوي، قالوا: عليه أكثر من مائة وعشرين شرحا، وهي من هذا النوع، كتاب كتبت له الشهرة، فصار يدرس في المساجد، وكل شيخ يقيد عنه بعض الحواشي، وتصير حاشية باسم ذلك الشيخ.

لكن الحواشي التي تستحق أن يتداولها طلاب العلم معدودة، كما أن الشروح من بين هذه الأعداد الهائلة لهذا الكتاب معدودة.

هذا الكتاب المختصر ألفه الخرقي أبو القاسم عمر بن الحسين، المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وهو من الطبقة المتقدمة من الحنابلة، وهو من تلاميذ بعض الآخذين عن تلاميذ الإمام، فهو متقدم جداً، يعني في أول القرن الرابع، بينما الكتب الأخرى المتداولة المعتمدة متأخرة، وفي بداية الأمر وأثناء الاستشارة مع الإخوان صار الخلاف بين ثلاثة كتب هي المعروفة المتداولة بين الناس، العمدة، أو الدليل، أو الزاد، ولا شك أن هذه الكتب عمد، لكنها طُرقت، المشايخ كلهم يشرحون هذه الكتب، فما المانع أن يبدأ بهذا الكتاب؟ فقررناه، وهذا الكتاب لا شك أن فيه ما يوافَقُ عليه وهو الكثير الغالب، وفيه ما يُخالف كغيره من المتون، وفي غيره من الكتب المختصرة أيضاً من الزوائد عليه ما يُبيَّن-إن شاء الله تعالى- في مواضعه، فالعمدة فيها مسائل لا توجد في المختصر، والدليل فيه مسائل لا توجد في المختصر، والزاد فيه مسائل أكثر لا توجد في المختصر، وتتم الإشارة إليها -إن شاء الله تعالى- في مواضعها.

هذا الكتاب وجد أو لقي قبولاً وعناية من الحنابلة، عناية فائقة، وذكرنا الشروح، ونُظم من قبل جمع من أهل العلم، وكتبت عليه الزوائد من الكتب؛ لأنه صار محورا يدار حوله، فمن شروحه شرح ابن البناء، يسمى بالمقنع في شرح مختصر الخرقي لأبي علي الحسين بن أحمد بن عبد الله بن البناء المتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وهذا الكتاب مطبوع ومحقق في أربعة مجلدات، وهذا من أوائل الشروح، يعني بعد مؤلفه بمائة وخمسة وثلاثين سنة، أو قريب منها، قرن وثلث.

من شروحه أيضاً وهو أشهرها على الإطلاق المغني للإمام الموفق ابن قدامة، وهو أشهر هذه الشروح وأحفلها وأوفاها، الذي صار عمدة عند الحنابلة وعند غيرهم؛ لأنه من كتب الخلاف، والمؤلف -رحمه الله تعالى- يُعنى بالدليل، ولعل من أسباب اختيار المختصر إرجاع الطلاب إلى هذا الكتاب ليعنوا بالدليل، بينما المتون المتأخرة عمدة شراحها على التعليل، قد يذكرون بعض الأدلة، لكن الموفق موفق في هذا الكتاب وفي غيره من كتبه، وله على المختصر زوائد الهداية على الخرقي، وهو مطبوع اسمه: الهادي أو عمدة الحازم في زوائد الهداية على مختصر أبي القاسم.

هذا الكتاب المغني طبع مراراً، ووجد قبولاً من أهل العلم، ومقالة العز بن عبد السلام سلطان العلماء معروفة أنه لم تطب نفسه بالفتيا حتى اقتنى نسخة من المغني، إضافة إلى ما ذكره من المحلى.

أقول: طبع الكتاب مراراً، الطبعة الأولى طبعة المنار مع الشرح الكبير، وكثير من نسخه على نفقة الملك عبد العزيز -رحمه الله-، طبعة المنار طبعة جيدة، لكن المجلد الأول منها في الطبعة الأولى كثير الأخطاء؛ لأنه قبل وجود النسخة الصحيحة، ثم وجد نسخة سليمة فطبع طبعة مرة ثانية المجلد الأول، وطبع بعده المجلدات الثاني، وما يليه إلى الثاني عشر، وطبع معه الشرح الكبير على المقنع، والسبب في جمع الكتابين التشابه الكبير بين الكتابين، فجل الشرح الكبير مأخوذ من المغني، ولو جردت زوائده عن المغني ما جاءت في مجلد، أعني الشرح الكبير.

بعد ذلك طبع في المنار مفردا، في تسعة مجلدات، ثم طبع في مطبعة الإمام في مصر في عشرة مجلدات، ثم تتابعوا على طبعه؛ لأنه كتاب مرغوب، وله شهرة واسعة مطبقة للآفاق، فلا يستغني عنه عالم، فضلاً عن طالب العلم، لا يستغني عنه مشتغل بالفقه، ومن لديه اهتمام بالأحكام.

أما المخطوطة كثيرة جداً، والمفقودة أكثر، لكن ما نتعرض لها.

من الشروح شرح اسمه: الواضح في شرح مختصر الخرقي تصنيف نور الدين أبي طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم الضرير، وله شرح آخر أخصر من هذا، لكنه لم يتم، متوفى سنة أربع وعشرين وستمائة، مطبوع في ثلاثة مجلدات كبار، ثم طبع في خمسة.

وهناك شرح لشمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وهذا أيضاً مطبوع ومنتشر ومحقق تحقيق علمي دقيق لفضيلة شيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين، ومشهور أيضاً، والكتاب نفيس، الكتاب أيضاً هو الذي يلي المغني في الأهمية.

مما قيل في المختصر ما ذكره ابن بدران في المدخل يقول وهو يتكلم عن كتب الحنابلة: "المغني ومختصر الخرقي" أولاً: النسبة نسبة إلى المهنة وهي بيع الخرق، كثر الانتساب إلى المهن بعد أن كان الانتساب إلى القبائل، كثر الانتساب إلى المهن والبلدان والأقاليم، فمنها الخرقي، هناك بلدتان قريبة من هذا الاسم إحداهما اسمها: خَرَق، والثانية خَرِق، ولا ينتسب إلى واحدة منهما، إنما نسبته إلى المهنة، كما قرر ذلك أهل العلم.

يقول: "اشتهر في مذهب الإمام أحمد عند المتقدمين والمتوسطين مختصر الخرقي، أما عند المتأخرين فالشهرة للمنتهى والإقناع، حتى قالوا: إن المذهب ما اتفق عليه هذان الكتابان.

يقول: اشتهر في مذهب الإمام أحمد عند المتقدمين والمتوسطين مختصر الخرقي، ولم يخدم كتاب في المذهب مثل هذا المختصر، ولا اعتني بكتاب مثل ما اعتني به، حتى قال العلامة يوسف بن عبد الهادي في كتابه: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي: قال شيخنا عز الدين المصري: ضبطت للخرقي ثلاثمائة شرح، وقد اطلعنا له على ما يقرب من عشرين شرحاً، وسمعت من شيوخنا وغيرهم أن من قرأه حصل له أحد ثلاث خصال، إما أن يملك مائة دينار، أو يلي القضاء، أو يصير صالحاً هذا كلامه، أما الصلاح فمطلوب لمن قرأ هذا الكتاب ومن لم يطلبه، أما حصول مائة الدينار أو ولاية القضاء فليست من أهداف من يريد الآخرة.

قال: "وقال في المقصد الأرشد: قال أبو إسحاق البرمكي: عدد مسائل الخرقي ألفان وثلاثمائة مسألة، فما ظنك بكتاب ولع فيه مثل أبي إسحاق في عد مسائله، نعم المتأخرون يعنون بمثل هذا، بالأعداد، وترتيب المسائل وعدها وضبطها، لكن ليست هذه من عنايات المتقدمين؛ لأنها ليست من متين العلم.

بعض المالكية قال: إن في مختصر خليل مائة ألف مسألة منطوقة، ومائتي ألف مسألة مفهومة، لكن هذه مبالغة، الكتاب معصور، لكن لا يصل إلى هذا العدد.

وما ذلك إلا لمزيد الاعتناء به.

وكتب أبو بكر عبد العزيز على نسخته مختصر الخرقي: خالفني الخرقي في مختصره في ستين مسألة، ولم يسمها.

وقال القاضي أبو الحسين ابن الفراء: تتبعتها فوجدتها ثمانية وتسعين مسألة، انتهى.

وبالجملة هذه المسائل ذكرها القاضي قبل ذكر ابنه لها في طبقات الحنابلة، في أوائل الجزء الثاني، وبالجملة فهو مختصر بديع لم يشتهر متن عند المتقدمين اشتهاره، وأعظم شروحه وأشهرها المغني للإمام موفق الدين المقدسي، وقد كان في تسع مجلدات ضخام بخطه، وأغلب نسخه الآن في ثلاثة عشر مجلداً، نسخ تقسيمها يختلف بحسب النساخ؛ لأن الناسخ حسبما يتبع من طريقة في النسخ، إن كان يعتمد الخط الدقيق تقل المجلدات، وإن كان الحرف كبيراً تكثر المجلدات على أن تكون بداية كل مجلد من باب أو كتاب معتبر.

وطريقته في هذا الشرح أنه يكتب المسألة من الخرقي ويجعلها كالترجمة، ويقول: قال أبو القاسم كذا، فيذكر المسألة في سطر ثم يشرحها، ويجعلها كالترجمة ثم يأتي على شرحها وتبيينها، وبيان ما دلت عليه بمنطوقها ومفهومها ومضمونها، ثم يتبع ذلك ما يشبهها مما ليس بمذكور في الكتاب، فتكون المسائل كتراجم الأبواب، وبين في كثير من المسائل ما اختلف فيه مما أجمع عليه، كثيراً ما يقول ما ذكره المؤلف مجمع عليه، أو لا خلاف فيه، أو لا أعلم فيه اختلافاً، ويذكر لكل إمام ما ذهب إليه، ويشير إلى دليل بعض أقوالهم، الكتاب يُعنى بالمذهب وروايات المذهب والاستدلال لهذه الروايات والتعليل، ثم يذكر أقوال المخالفين بأدلتها، ويذكر لكل إمام ما ذهب إليه ويشير إلى دليل بعض أقوالهم، ويعزو الأخبار إلى كتب الأئمة من أهل الحديث ليحصل الثقة بمدلولها أو التفقه بمدلولها، والتمييز بين صحيحها ومعلولها، فيعتمد الناظر على معروفها، ويعرض عن مجهولها، لكن إذا كان متأهلاً لذلك.

والحاصل أنه يذكر المسألة من الخرقي ويبين غالباً روايات الإمام، ويتصل البيان بذكر الأئمة من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من مجتهدي الصحابة والتابعين وتابعيهم، وما لهم من الدليل والتعليل، ثم يرجح قولاً من أولئك الأقوال على طريقة فن الخلاف والجدل، ويتوسع في فروع المسائل فأصبح كتابه مفيداً للعلماء كافة على اختلاف مذاهبهم، هذا ما يقرره المؤلف، لكن الموفق كغيره من أهل العلم وإن كانت له دراية وخبرة بالخلاف، ومذاهب فقهاء الأمصار، لكنه قد يذكر عن بعض المذاهب، وينسب إلى بعض الأئمة ما هو موجود عندهم، لكن ليس هو المعتمد والمروي عن الإمام، فالمذاهب وأقوال العلماء إنما تؤخذ من كتب أصحابها، يقول: فأصبح كتابه مفيداً للعلماء كافة على اختلاف مذاهبهم، وأضحى المطلع عليه ذا معرفة بالإجماع والوفاق والخلاف، والمذاهب المتروكة بحيث تتضح له مسالك الاجتهاد، فيرتفع من حضيض التقليد إلى ذروة الحق المبين، ويمرح في روض التحقيق.

قال ابن مفلح في المقصد الأرشد: اشتغل الموفق بتأليف المغني أحد كتب الإسلام، فبلغ الأمل في إنهائه، وهو كتاب بليغ في المذهب، تعب فيه وأجاد فيه، وجمل به المذهب، وقرأه عليه جماعة، وأثنى ابن غنيمة على مؤلفه، فقال: ما أعرف أحداً في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام مثل المحلى والمجلى لابن حزم، وكتاب المغني للشيخ موفق الدين في جودتهما وتحقيق ما فيهما، فلا شك أن مثل هذين الكتابين ينبغي أن يكونا محل عناية من طلاب العلم لعناية مؤلفيهما بالدليل، لكن صغار المتعلمين والمبتدئين لا يُنصحون بقراءة مثل المحلى؛ لأنه عباراته في جانب كثير من الأئمة فيها شيء من القسوة، فلا ينبغي أن يتربى طالب العلم من أول الأمر على مثل هذه الأساليب، نعم إذا تقدمت به السن، وأخذ من العلم والأدب ما يجعله يميز بين الأساليب المقبولة والأساليب غير المقبولة، الكتاب من أنفع الكتب.

يقول: وتحقيق ما فيهما، ونقل عنه أنه قال: لم تطب نفسي بالإفتاء حتى صارت عندي نسخة المغني، نقل ذلك ابن مفلح.

وحكى أيضاً في ترجمة الزريراني صاحب الوجيز أنه طالع المغني ثلاثاً وعشرين مرة، وعلق عليه حواشي، قالوا: إنه في كل حاشية، في كل مرة يعلق حاشية غير الحاشية الأولى، فصار له على المغني ثلاثة وعشرين حاشية، هذا من عناية العلماء بهذا الكتاب، وهو حقيق وخليق بذلك، جدير بذلك.

وحكى أيضاً في ترجمة ابن رزين أنه اختصر المغني في مجلدين وسماه: التهذيب.

أيضاً من المعاصرين من اختصر المغني، وظهر منه مجلدين، الشيخ حمد الحماد اختصر المغني، وهوأستاذ بالجامعة الإسلامية ومعروف، وسماه: التهذيب.

وحكى أيضاً في ترجمة عبد العزيز بن علي بن العز بن عبد العزيز البغدادي ثم المقدسي المتوفى سنة ست وأربعين وثمانمائة أنه اختصر المغني.

يقول ابن بدران في المدخل: ومما اطلعنا عليه من شروح الخرقي شرح القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء البغدادي، وهو في مجلدين ضخمين، وبعض نسخه في أربع مجلدات، وطريقته أنه يذكر المسألة من الخرقي، هذا الشرح موجود في الظاهرية شرح القاضي أبي يعلى، وإن كان بعضهم يشكك في نسبته إلى القاضي، ويقول: إنه لابنه.

المقصود أنه كتاب معروف ونسبته إلى القاضي ثابتة، وهو في الظاهرية في أربعة مجلدات، وطريقته أنه يذكر المسألة من الخرقي، ثم يذكر من خالف فيها، ثم يقول: ودليلنا...، جمهور الفقهاء لما يذكرون أصل المسألة في مذهبهم ثم يذكرون الخلاف مباشرة، ثم بعد ذلك يقولون: ولنا، يعني من أدلتنا، ثم يذكر أدلة المخالفين، وبعض الفقهاء يقول: الخصوم، استدل الخصوم بكذا، هذه عبارة ليست مقبولة حقيقة، هم ليسوا بخصوم، وإنما أنت وإياهم في طريق واحد، كلكم -إن شاء الله- تبحثون عن الحق، وكل واحد من أهل العلم ينصر ما يراه الحق، نعم هناك من تعصب من طريقة الأتباع في هذا لا سيما من قل علمه، معروفة.

يقول: "وطريقته أنه يذكر المسألة من الخرقي، ثم يذكر من خالف فيها، ثم يقول: ودليلنا، فيفيض في إقامة الدليل من الكتاب والسنة والقياس على طريقة الجدل".

مثاله أنه يقول مسألة: قال أبو القاسم: ولا ينعقد النكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين، يذكر من خالف في الجملة الأولى، أو في الكلمة الأولى بولي، ثم الشاهدين يذكر الخلاف فيهما، ثم يذكر الخلاف في اشتراط الإسلام.

يقول: إلا بولي وشاهدين من المسلمين، أما قوله: لا ينعقد إلا بولي فهو خلاف لأبي حنيفة في قوله: الولي ليس بشرط في نكاح البالغة، دليلنا، فيذكر دليل المسألة، سالكاً مسلك فن الخلاف، ثم يقول: وقوله: بشاهدين من المسلمين خلافاً لمالك وداود في قولهما: الشهادة ليست بشرط في انعقاد النكاح، وخلافاً لأبي حنيفة في قوله: ينعقد بشاهد وامرأتين، وينعقد نكاح المسلمة والكتابية بشهادة كافرين، ثم يقول: دليلنا على مالك وداود كذا وكذا، وعلى أبي حنيفة كذا وكذا، والفرق بين هذا الشرح وبين المغني أن المغني يسلك قريباً من هذا المسلك، ويكثر من ذكر الفروع زيادة على ما في المتن، فلذلك صار كتاباً جامعاً لمسائل المذهب، وأما أبو يعلى...، جامع لمسائل المذهب، لكن لماذا قال العلماء في الفروع كما في الدرر الكامنة قالوا: إن الفروع مكنسة المذهب، ثم اشتهر عند المتأخرين أن الكشاف هو مكنسة المذهب، لماذا؟ لأن أهل العلم حينما يذكرون المسائل كل واحد يأتي بعد الأول يزيد عليه، هذه الطريقة في التأليف والتصنيف سنة إلهية، أن أول من يبدأ يبدأ العمل على وجه يناسب الوقت الذي عاش فيه، ثم تستجد مسائل تلحق بالكتاب الذي يليه، ثم تستجد مسائل ونوازل فتلحق بالكتاب الذي يليه، ولذا يرى بعضهم أنه من التكرار أن تقرأ الكتب كلها، إنما يقرأ الكتاب الأول، ثم زوائد الثاني عليه، ثم زوائد الثالث عليه وهكذا، وأهل العلم حينما يتدرجون في تعليم الطلاب يقرءون الكتاب الأول كاملاً للطبقة الأولى، والكتاب الثاني كاملاً للطبقة الثانية، والثالث وهكذا، وفيه تكرار، لا شك أن فيه تكرارا للمسائل، لكن هذا التكرار عبث؟ ذهب سدى؟ هذا يرسخ المسائل، يرسخ العلم في ذهن الطالب، ويوضح ما لم يكن واضحاً من قبل؛ لأن بعض المسائل قد تذكر في كتاب على وجه فيه شيء من الخفاء والغموض، ثم الكتاب الثاني يطرقها بشيء من الوضوح، ثم يوضحها الثالث أكثر وهكذا، فاعتماد الزوائد ليس بمنهج مسلَّم.

قد يقول قائل: لماذا لا نعتمد الكتاب الأخير الذي فيه هذه الكتب كلها؟ أقول: هذا لا شك أن فيه إنكارا لجميل وصنيع المتقدم، وهو الأصل في الباب، والمتأخر عالة على المتقدم، فكوننا ننسف كتب المتقدمين، ونُعنى بكتب المتأخرين؛ لأن فيها زوائد هذا لا شك أنه فيه إنكارا لجميل المتقدمين وصنيعهم، مع أن الله -جل وعلا- هو الذي يكتب القبول للكتب ولمؤلفيها، فتجد كتاب ما تجد فيه ميزة تميزه، إذا فحصت الكتاب ما وجدت ما يميزه بين الكتب، وتجد القبول بين الخاص والعام لهذا الكتاب وغيره مما هو أولى منه، وأقدم منه شبه مهجور، الله -جل وعلا- هو الذي يضع القبول.

فلذلك صار كتاباً جامعاً لمسائل المذهب، وأما أبو يعلى فإنه لا يذكر شيئاً زائداً على ما في المتن، ولكنه يحقق مسائله، ويذكر أدلتها، ومذاهب المخالفين لها، فإذا طبع المغني مع شرح القاضي قرب الناظر فيهما من أن يحيط بالمذهب دلائل وفروعاً، وحصلت له معرفة ببقية المذاهب، وتلك غاية قصوى يحتاجها كل محقق، وقد نظم الخرقي الفقيه الأديب اللغوي الزاهد الشاعر المفلق يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام الأنصاري الصرصري الزريراني الضرير صاحب الديوان المشهور في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة شهيداً قتله التتار، يعني فيما حصل في بغداد سنة ست وخمسين وستمائة من اجتياحها من قبل التتار، وقتل ما يقرب من ألفي ألف نفس، مليونين في أيام معدودة، وهي من المصائب والكوارث التي تذكر في تاريخ الإسلام.

على كل حال الصرصري ناظم ونظمه قوي، لكن مدائحه بعضها لا يسلم من غلو وإطراء للنبي -عليه الصلاة والسلام-.

وقد نظم الخرقي نظماً، صدره بخطبة نثراً، قال فيها: "جعلت أكثر تعويلي في نظمي هذا على مختصر الخرقي فيما نقلته إذ كان في نفسي أوثق من تابعته" وسمى نظمه: الدرة اليتيمة والمحجة المستقيمة، ثم ذكر أنه كان قد عزم على نظم ربع العبادات، ثم شرح الله صدره لإكمال الكتاب ففعل، ونظمه من بحر الطويل، وحرف الروي الدال، فقال في أوائل النظم:

يا طالباً للعلم والعمل استمع
إن من اختار الإمام ابن حنبل
فاشرع في ذكر الطهارة أولاً

 

ما قلت مخصوصاً بمذهب أحمد
إماماً له في واضح الشرع يهتدي
وهل عالم إلا بذلك يبتدي

 

ثم قال في آخرها:

ألفين فاعددها وسبعاً مئاتها

 

وسبعين بيتاً ثم أربعة زدِ

إلى آخره.

ثم إن الصرصري الناظم المذكور نظم زوائد الكافي على الخرقي في كتاب مستقل.

يقول: والنسخة التي رأيتها وجدت أولها مخروماً إلى باب المسح على الخفين، فلم أدرِ ما شرطه فيها، والنظم من بحر الطويل على روي الدال أيضاً، وقال في آخرها:

فخذها هداك الله أخذ موفق

 

لغر المعاني حافظاً متسددِ

 

إلى آخره.

يقول: وألف في لغات الخرقي، وشرح مفرداتها يوسف بن حسن بن عبد الهادي كتاباً سماه: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، وهو في مجلد، حذا فيه حذو صاحب المطلع، ورتبه على أبواب الكتاب، وقد رأيته بخطه في خزانة الكتب الدمشقية المودعة في قبة الملك الظاهر بيبرس، الظاهرية، التي صارت الآن مكتبة الأسد، وحكى في آخره أنه فرغ من تأليفه سنة ست وسبعين وثمانمائة، وبالجملة فهو كتاب نافع في بابه، هذا ما أمكنني الاطلاع عليه من مواد مختصر الخرقي.

يعني هذا ما قاله صاحب المدخل ابن بدران.

الكتاب طبع الطبعة الأولى هذه هي، بعناية الشيخ وإشارة من الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع -رحمه الله- على نفقة قاسم بن درويش فخرو، ويقول: وعكف على طبعه وعلق عليه محمد زهير الشاوش، يعني صاحب المكتب الإسلامي، وهو من منشورات مؤسسة دار السلام للطباعة والنشر بدمشق، ومقدمته كتبت سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف.

لا مانع أن نطلع على شيء مما كتبه الشيخ ابن مانع؛ لأنه ينير بعض الشيء ويفيد، لا سيما وأن الطبعة هذه ليست موجودة، يعني نادرة جداً، فصاحب العناية إن أرادها يصورها.

يقول الشيخ ابن مانع -رحمه الله-: هذا الكتاب المبارك المختصر المفيد من أول ما ألفه علماء الحنابلة في الفقه على المذهب الأحمد، مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين.

قوله: من أول ما ألف هذه يبرأ بها من عهدة ما لو اطلع على كتاب قبله، وإلا بعضهم يجزم بأنه أول ما ألف، وهو من مؤلفات الإمام العلامة أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي البغدادي المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة في دمشق.

خرج إليها مهاجراً لما كثر سب الصحابة -رضي الله عنهم- في بغداد، يقول: وقد تلقى علماء المذهب هذا الكتاب بالقبول، وعنوا به أشد العناية لغزارة علمه مع صغر حجمه، وقلة لفظه، وقد قيل: إنه شرح، ساق القول على التمريض، بصيغة التمريض؛ ليبرأ من عهدته؛ لأنه تداوله العلماء، وبعض الناس ما يستوعب مثل هذه الأعداد، لكن إذا عرفنا أنه تفرد مدة طويلة لا يوجد متن يساويه في حجمه وضبطه وإتقانه، مدة طويلة اعتمده الناس، وصاروا يحفظونه ويَقرأونه، ويُقرئونه ما المانع أن يكون له من الحواشي بهذا المقدار؟ وقد قيل: إنه شُرح بثلاثمائة شرح، وأعظم شروحه وأكبرها المغني لشيخ الإسلام شيخ المذهب في زمانه أبي محمد عبد الله بن أحمد موفق الدين ابن قدامة المتوفى سنة عشرين وستمائة بدمشق.

قد قرأ الإمام الموفق هذا المختصر على الشيخ العبد الصالح التقي عبد القادر الجيلاني المتوفى سنة إحدى وستين وخمسمائة ببغداد، وشرحه قبله الإمام شيخ الحنابلة وناشر مذهبهم القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء في مجلدين، وهما موجودان بالمكتبة الظاهرية بدمشق، وقد توفي هذا الإمام ببغداد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وشرحه قبل الموفق فيما ذكرنا ابن البناء، يعني في كتابه المقنع، وقد وهم بعض المعاصرين المؤلفين من حنابلة فنسب الطبقات للإمام أبي يعلى الكبير، والتحقيق أنها لابنه الشهيد سنة ست وعشرين وخمسمائة أبي الحسين، وأبو يعلى الكبير جد أبي يعلى الصغير المتوفى سنة ستين وخمسمائة، محمد بن محمد أبي خازم محمد بن الفراء صاحب المؤلفات الكثيرة، أثنى عليه تلميذه ابن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وشرحه العلامة محمد بن عبد الله الزركشي المصري المتوفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بشرحين مطول تام، وهو الذي حققه الشيخ ابن جبرين حفظه الله، وهو مختصر لم يكمل بل أكمله غيره من الحنابلة كما في الضوء اللامع.

ومن العلماء من شرحه بالنظم، كما فعل ذلك غير واحد من النحاة في ألفية ابن مالك، فنظمه العلامة المحدث جعفر بن أحمد السراج المتوفى سنة خمسمائة، مؤلف مصارع العشاق، فقيه، محدث، ويؤلف مصارع العشاق، هم عندهم شيء من التفنن والتنوع في العلوم، ولا يرون بذلك بأسا، وإن كان بعضهم خرج عن طور الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به العالم، وألف في الأدب وأسف، وهو فقيه ومحدث ومفتي، لكن تبعته عليه.

مؤلف مصارع العشاق، ونظمه وزاد عليه الإمام الشهيد يحيى بن محمد الصرصري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة، وسمى هذا النظم: الدرة اليتيمة، كما قال:

فلا ترغبن عن حفظها فهي درة    

 

يتيمة استحسنتها في التنقدِ

 

ولما أتم نظم هذا المختصر المبارك نظم زوائد الكافي للإمام موفق الدين ابن قدامة على الخرقي كما قال... إلى آخره.

يقول: وكانت عادته -رحمه الله- في هذا أن يترجم لمسائل الباب بالنظم، يعني لا يفصل بين النظم بترجمة باب كذا لا، يدرج الترجمة بالنظم، وهذا أوقع بعض الشراح في أوهام، فعلى سبيل المثال يقول الشيخ: وكانت عادته -رحمه الله- في هذا أن يترجم لمسائل الباب بالنظم كما فعله أحد فقهاء الحنفية في نظمه في الفقه على مذهبه، وقد أوقع هذا الصنيع بعض الفضلاء من أصحابنا في الغلط، فإنه لما شرح فرائض الخرقي وفرائض زوائد الكافي على الخرقي، وكان آخر مسائل زوائد الكافي على الخرقي مسائل المفقود، وبعده مسائل النكاح مباشرة في النظم، كما قال:

ومفقود حُجاج......................

 

...................................

 

أو حَجاج

......................فأجله أربعاً
ج

 

...................................

 

هو الأصل المفقود، لكن أكثر ما يفقد في ذلك الوقت مع الحاج.

...................فأجله أربعاً سنيناً
وزوجته تعتد بعد انقضائها
مسائل في حكم النكاح وجوبه

 

كتأجيل الحوامل ترشدِ
وتنكح والميراث قسم وأصفدِ
اختيار أبي بكر عن ابن محمدِ

 

فظن الفاضل عليه الرحمة أن هذا البيت متعلق بمسائل المفقود، فقال: ما معناه أنه يجب أن تنكح أو أن تُنكح امرأة المفقود حكاه أبو بكر؛ لأنه انتهى من مسائل المفقود "وتنكح امرأة المفقود" ثم قال بعد ذلك: "مسائل في حكم النكاح" هذا تبع لكتاب النكاح، وليست تبعا للمفقود، فذكر حكم النكاح وهو الوجوب اختيار أبي بكر عبد العزيز غلام الخلال.

فظن الفاضل عليه الرحمة أن هذا الباب متعلق بمسائل المفقود، فقال: ما معناه أنه يجب أن تُنكح امرأة المفقود حكاه أبو بكر، وأبو بكر الذي ذكره غير أبي بكر الذي حكى عن الإمام أحمد وجوب النكاح فإنه عبد العزيز بن جعفر غلام الخلال المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، راجع ذلك في نظم المفردات وغيره.

لا شك أن إدخال الأبواب بعضها على بعض من غير فاصل يوقع بعض الناس في حرج؛ لأن النظر يهجم، والفهم أيضاً قد يهجم على شيء يكون غير المراد.

يقول: وللإمام موفق الدين ابن قدامة كتاب سماه: الهادي أو عمدة الحازم، ضمنه زوائد الهداية لأبي الخطاب، ويقول هنا: لابن الخطاب، هي لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني المتوفى سنة عشر وخمسمائة، تلميذ القاضي أبي يعلى، وأحد أشياخ القاضي عبد القادر الجيلاني على مختصر أبي القاسم الخرقي، وللعلامة الشهير صاحب المؤلفات الكثيرة جمال الدين يوسف بن عبد الهادي المتوفى سنة تسع وتسعمائة كتاب سماه: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، وآخر سماه: الثغر الباسم في تخريج أحاديث مختصر أبي القاسم، وأن من له عناية بقراءة تراجم العلماء يرى عدداً ليس بالقليل من علماء الحنابلة قد توجهت هممهم لدراسة مختصر أبي القاسم وحفظه، والكتابة عليه، وما ذلك إلا لعلمهم بكثرة فوائده، وغزارة علمه... إلى آخره.

في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ترجم لأبي القاسم عمر بن الحسين، وقبله ترجم لوالده بثلاثة أسطر، وترجم للخرقي أبي القاسم في ثلاثة أرباع صفحة، ولم يزد على ذلك، لكن ليس هذا العجيب، العجيب أنه لما ترجم للأب قال: صاحب المختصر المشهور عند الحنابلة، وترجم للابن، وقال: صاحب المختصر المشهور عند الحنابلة، ولعل هذا من الأغلاط التي في البداية والنهاية، فالطبعة الأولى مشتملة على أغلاط وأوهام كثيرة جداً، جلها من النساخ.

ذكروا للخرقي مؤلفات كثيرة، ومستواه العلمي ووزنه بين فقهاء الحنابلة يدل على أنه له باع في فقه المذهب، ولم يوجد من مؤلفاته إلا هذا الكتاب.

قالوا: إنه ألف مؤلفات وتركها في بيت ببغداد لما انتقل منه إلى دمشق بعد أن ظهر سب الصحابة ببغداد، قالوا: إنه ترك كتبه هناك، فاحترقت، احترق البيت بما فيه، وذكروا أن بغداد حصل لها حريق في عصر الخرقي مرتين، وكل من الحريقين التهم دورا كثيرة جداً، من الطرائف في هذا الكتاب يعني ما ذكره في كتاب المناسك أنه يأتي إلى الحجر الأسود إن كان، يعني إن كان موجوداً؛ لأنه وقت تأليف الكتاب ليس بموجود، وفتنة القرامطة وعدوانهم على الحجاج وعبثهم بالمسجد، وقتلهم الحجاج، وأخذهم الحجر الأسود إلى بلادهم معروفة، ومكث عندهم ما يقرب من عشرين عاماً.

أيضاً مما ذكره أنه سمع أباه يسأل أهل البادية متى يُجْذِع الضأن؟ يعني متى يكون جذعاً؟ فقالوا: إن الضأن ما دام صغيراً يكون شعره واقفاً، فإذا أجذع نام شعره، على كل حال مثل هذه يوجد في كثير من الكتب، لكن يذكر في مثل هذا المجال، ويؤخذ من قوله في كتاب الحج تاريخ تأليف الكتاب، وهو أنه في هذه الحقبة التي الحجر الأسود فيها غير موجود، يعني أسئلة كثيرة عن أفضل الطبعات، قلنا: إن الكتاب طبع بإشارة من الشيخ ابن مانع -رحمه الله- سنة ثمان وسبعين قريب من خمسين عاماً، ثمان وسبعين والآن ستة وعشرين، ثمان وأربعين عاما، طبعة جيدة ومحققة ومقابلة على نسخ، وفاخرة حقيقة، لكنها غير موجودة، الطبعة هذه غير موجودة؛ لأنها وقف ووزعت ثم طبع ومعه حاشية للشيخ محمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل، مطبوع سنة ثمانية، من ثمانية عشر عاماً، بمكتبة المعارف طبعته، مكتبة المعارف حاشية طيبة مأخوذة من مشهورات كتب المذهب، ومن فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وغيرها، المقصود أن الحاشية فيها تنبيهات لطيفة، يعتنى بها.

 

هذا الكتاب أول مرة رأيته الآن، يقول: شرح مختصر الخرقي تأليف أبي عبد الله خالد بن عبد الله با حميد الأنصاري، أول مرة أراه الآن، في هذا الدرس، وهو مطبوع سنة 25هـ في ثلاثة أجزاء، وله سلسلة من شروح المتون، سمى السلسلة: مكتبة المبتدئ في طلب العلم الشرعي، المدخل إلى دراسة المختصرات، شرح الأصول الثلاثة، شرح العقيدة الواسطية، شرح مختصر الخرقي، شرح المقدمة الآجرومية، شرح الورقات، شرح نخبة الفكر، هذه متون معتمدة عند أهل العلم يبتدئ بها الطالب.