شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (23)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال العراقي -رحمه الله تعالى-:

فإن يقـل قل بيان من جُـرح

 

كذا إذا قالوا لمتن لم يصح

"بيان من جَرح" قل بيان من "جَرح" لأن البيان مطلوب من الجارح، لا من المجروح،

فإن يقل قل بيان من جَرح

 

...................................

لأن البيان إنما يطلب ممن؟ هل المجروح هو الذي يطلب منه البيان؟ الجارح هو الذي يطلب منه البيان، نعم.

فإن يقـل قل بيان من جـرح

وأبهمـوا فالشيخ قـد أجابـا

حتـى يـبين بـحثـه قبـوله

ففي البخاري احتجاجا عكرمه

واحتج مسـلم بمن قد ضعفا

قلت وقد قال أبـو المعـالي

وابن الخطيب الحق أن يحكم بما

وقدموا الجرح وقيل إن ظهر

ومبهـم التعديـل ليس يكتفي

وقيل يكفي نحو أن يقالا

جميع أشـياخي ثقات لـو لم

وبعض مـن حقـق لم يـرده

ولم يـروا فتيـاه أو عملـه

وليس تعديلا على الصحيـح

 

كذا إذا قالوا لمتن لم يصح

أن يجب الوقـف إذا اسـترابـا

كمن أولو الصـحيح خرجوا له

مع ابن مرزوق وغير ترجمه

نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى

واختـاره تلميـذه الغـزالي

أطلقـه العالـم بأسـبابهما

من عدل الأكثر فهـو المعتبـر

به الخطيب والفقيـه الصيرفي

حدثنـي الثقـة بـل لو قالا

أسـم لا نقبل مـن قـد أبهم

من عالـم في حـق مـن قلـده

على وفاق المتن تصحيحا له

روايـة العدل على التصريـح

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر ما يلزم من بيان سبب الجرح، وقبول التعديل من غير بيان، والسبب في ذلك أن الجرح لا يصعب بيانه؛ لأنه يثبت بأمر واحد، وأما التعديل فلا بد من تعديد جميع ما يكون به عدلًا مما يجب فعله، أو يجب تركه، فيذكر جميع الواجبات وينص على أنه يفعلها، ويذكر جميع المحرمات، وينص على أنه يتركها؛ ليكون عدلًا، و"خشية أن تثقلا" كما تقدم، نعم، يثقل ذكر وتعداد جميع ما يكون به عدلًا مما يجب أو يحرم.

أما بالنسبة للجرح يكفي بجرح واحد؛ ولذا تجدون في أحكام الأئمة على الأحاديث لا يستوعبون العلل في الحديث؛ قد يكون الحديث مضعفًا من عشرة أوجه يقتصرون على واحد، لماذا؟ لأنه إذا ضعف انتهى إشكاله خلاص، يذكرون أوضح، وأشد أسباب التعليل، ضعيف؛ لأن فيه فلان، انتهى الإشكال، لو في غيره، لكن هذا أعظمهم ضعفًا يكفي، فكون الشخص مشتملًا على جوارح؛ أمور تجرح؛ يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يكذب في حديثه مع الناس في كلامه العادي، ومع ذلك يشرب الخمر، وقاطع لرحمه؛ هل يحتاج أن يقال: هذا الراوي ضعيف، أو وضاع؛ لأنه يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويشرب الخمر، ويقطع الرحم؟ يكفي أن يقال: يكذب على النبي –عليه الصلاة والسلام-، فهذه علة تقضي على ما دونها، يعني لو تعددت أسباب الجرح في الشخص؛ هل لمن أراد أن يجرح راويًا أو شاهدًا أن يسبر حال هذا الشخص في جميع ما يفعله من المنكرات، ويتركه من الواجبات؟ ما يلزم، هو إذا جرحه بواحد انتهى الإشكال، لكن يكون هذا أقوى الجوارح، أقوى ما يجرح به، يعني شخص لا يصلي، ومع ذلك يشرب الدخان، إذا راح عند القاضي، يقول: هذا يدخن ما تقبل شهادته، يا أخي اجرح بالأعظم؛ لأن هذه هي الجادة المعروفة، لا يلزم في الجرح أن يعدد كل شيء، فالجرح يكتفى بأمر واحد ينزله عن العدالة إلى الضعف وينتهي، يكفي، على أن يكون هذا الجرح أقوى ما عند هذا الرجل؛ ولذا يثبت الجرح بأمر، واحد فطلبوا –أعني أهل العلم- طلبوا بيان السبب، وأيضًا الجوارح قد يختلف فيها الناس، يعني ما يجرح به الراوي قد يختلف فيه الناس، فقد يجرحه بشيء، وهو عند غيره ليس بجرح، مثل ما تقدم ذكره عن شعبة وغيره، فالجرح لا بد من بيانه على ما تقدم، والتعديل لا يحتاج فيه إلى بيان، ومنهم من يعكس كما تقدم؛ لأن المسألة فيها أربعة أقوال، منهم من يعكس يقول: يجب بيان سبب التعديل دون سبب الجرح؛ لأن أسباب التعديل يكثر التصنع فيها، يمكن يمشي بين الناس على أنه ثقة، ويموه عليهم، ويخفي ما عنده من الجوارح عنهم، فأسباب التعديل لا بد من بيانها، كما قيل في عبد الله بن عمر العمري المكبر ضعيف عند أهل العلم، ومع ذلك يقول: لا يقدح فيه إلا رافضي مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته، وهيئته عرفت أنه ثقة، هذا ما يكفي في التعديل، واغتر بظاهره، فلا بد من بيان التعديل؛ لأنه كيف عدله؟ عدله بغير ما يعدل به الراوي، والإمام مالك رغم شدة تحريه، ونقده للرجال استدل، أو روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، وقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فعلى هذا بيان التعديل أمر لا بد منه على هذا القول، ومنهم من قال في القول الثالث: يبين الجميع، والعلة مركبة من علتي القولين، والقول الرابع عكسه: لا يبين شيء، لا سيما إذا صدر الجرح أو التعديل من عالم، عارف بأسباب الجرح والتعديل، مع أن هذا القول، وإن كان هو الواقع العملي -على ما سيأتي- إلا أن هذا الشرط، هذا الشرط الذي ذكروه أن يكون من عالم؛ عارف بأسباب الجرح والتعديل هو مطلوب على كل حال بيّن أو لم يبيّن؛ لأن غير العالم العارف بأسباب الجرح والتعديل لا يقبل قوله أصلًا، ولو بيّن، فهذا القيد لا حقيقة له؛ لأنه يشترط في المعدل، والمجرح أن يكون عارفًا بالأسباب؛ الأسباب التي بها يجرح، والأسباب التي بها يعدل.

إشكال أورده ابن الصلاح وأجاب عنه: إننا لو نظرنا في كتب الرجال في تاريخ البخاري، في الجرح والتعديل، في الكمال، في الكامل لابن عدي، تهذيب الكمال، تهذيب التهذيب، كتب الرجال قاطبة ليس فيها بيان، إلا في القليل النادر، في القليل النادر يذكر البيان: ضعفه فلان؛ لأنه يفعل كذا، لكن الغالب أنه لا يذكر السبب، فيترتب على هذا إذا اشترطنا تفسير الجرح، أو تفسير التعديل أننا نلغي هذه الكتب، ولا نستفيد منها؛ لأن الأحكام فيها مجردة عن بيان السبب.

"فإن يقل" قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

فإن يقل قل بيان من جرح

 

...................................

يعني على القول بأن الجرح لا يقبل إلا مفسرًا "فإن يقل" على القول السابق "قل بيان من جرح" يعني سبب الجرح، قل بيان سبب الجرح من قبل الأئمة الذين تنقل أقوالهم، بل يقتصرون على الجرح ويقولون: ضعيف، متهم، واهم،..، إلى غير ذلك من الألفاظ التي تأتي -إن شاء الله تعالى- في ألفاظ الجرح.

فالكتب المعول عليها في التجريح والتعديل ليس فيها بيان إلا في القليل النادر "فإن يقل" يعني هذا إشكال يورد على القول السابق:

فإن يقل قل بيان من جرح

 

كذا إذا قالوا لمتن لم يصح

يقل بيانهم سبب ضعف الحديث، فيذكر الحديث في السؤالات عن الأئمة؛ عن الإمام أحمد، عن البخاري، عن ابن معين، عن أبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم: حديث ضعيف، حديث منكر، حديث موضوع، لا أصل له؛ طيب لماذا؟ ضعيف لماذا؟ ما يذكرون السبب، فهل تقبل أقوالهم، أو لا بد من بيان السبب؟ لأننا نقول: يمكن أن هذا الإمام، يعني إذا قلنا فيه: إنه قد يضعف الراوي بما لا يوجب الضعف، قد نقول: إنه قد يضعف الحديث بما لا يوجب التضعيف، يمكن يقال هذا، وإلا ما يمكن أن يقال؟ لا سيما إذا وجد كما يوجد في عصرنا هذا من لا قيمة لأهل العلم عنده؛ لأنه قد يواجه الكبير من أهل العلم، يقول: لا بد من البيان؛ لماذا ضعف؟ ولماذا صحح؟ لماذا وثق؟ ما نقبل شيئًا بغير تعليل، ولا نقبل حكم بغير دليل، الآن هذه حجج يعني في ظاهرها أنها الحامل عليها التثبت، لكنها حق أريد به باطل، الآن "كذا إذا قالوا" في كتبهم، أو فيما ينقل عنهم "لمتن لم يصح" بل اقتصروا على مجرد قولهم: هذا حديث ضعيف، يعني كما قالوا في الراوي ضعيف، هل يطالبون ببيان السبب؟ هؤلاء أئمة كبار، يعني لو طالبناهم، ولن نقبل أقوالهم إلا ببيان السبب؛ معناه تعطلت أحكامهم، عطلنا أحكامهم من أثرها في الراوي، والمروي، وهم الأصل في هذا الباب، وعليهم المعول في التصحيح، والتضعيف في التوثيق، والتضعيف، في التصحيح، والتضعيف معول عليهم، وقد يقال للعالم: لما ضعفت حديث كذا؟ فلا يستطيع أن يجيب، كما تقدم في المعلل، الحديث ضعيف، ويكفي، لكن اذهب إلى فلان، وانظر ماذا يقول لك؟ يقول لك –أيضًا-: ضعيف، وثالث يقول: ضعيف، أنت بدورك إذا وقفت على كلام للأئمة فيه تضعيف لحديث، ادرس هذا الحديث، ادرس هذا الحديث، واجمع طرقه، وسوف تقف على العلة إن كان تعلمك لهذا العلم على الجادة، فسوف تقف على العلة، وقد تعجز عن الوقوف عنها، وقد تعجز عن الوقوف على هذه العلة، قد يقول قائل: إننا بإمكاننا أن نقول: الإمام أعل هذا الحديث؛ لأنه لم يقف من الطرق على الطرق التي وقفنا عليها، التي ترتفع بها هذه العلة، أو لا توجد فيها هذه العلة التي من أجلها ضعف، نقول: أين أنت من هؤلاء الأئمة الذي يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، فينبغي أن لا يتسرع الإنسان في الحكم حتى يتأكد من أحكام الأئمة، نعم إذا وجد في الراوي أكثر من قول فلك أن تنظر، إذا وجد في الحديث أقوال فلك أن تنظر إذا تأهلت، أما إذا اتفقوا على تضعيف راو، أو تضعيف حديث فليس لك أن تنظر؛ لأنك مهما رحت، أو جئت؛ فرجوعك إليهم.

هذا الإشكال الذي أورده ابن الصلاح أجاب عنه:

...................................

وأبهموا ...................

 

كذا إذا قالوا لمتن لم يصح

..................................

"أبهموا" بيان السبب في الأمرين، في تضعيف الراوي، أو تضعيف الحديث، فاشتراط البيان يفضي إلى تعطيل هذه الكتب التي تشتمل على الرواة، أو على الأحاديث التي تكلم فيها الأئمة، ككتب العلل "فالشيخ" يعني ابن الصلاح "قد أجابا" ألف الإطلاق، أجاب عن ذلك، بـ:

...................................

 

أن يجب الوقف إذا استرابا

"يجب الوقف" لأننا ولو لم نعتمد هذا القول في رد الخبر، أو تضعيف الراوي، ولو لم نعتمد هذا القول في الرد لكننا نعتمده في التوقف، في التوقف بالاحتجاج بالراوي، أو بالحديث، نتوقف بـ:

...................................

 

أن يجب الوقف إذا استرابا

لا نحتج بهذا الراوي، ولا نحتج بهذا الخبر حتى نقف على السبب:

حتى يبين بحثه قبوله

 

...................................

يقول: إذا وقفت على هذا التضعيف لهذا الراوي ابحث، زد في البحث، أو تضعيف الحديث، ابحث، اجمع الطرق والأسانيد، وادرس الرجال:

حتى يبين بحثه قبوله

 

...................................

يستمر التوقف "حتى يبين" يظهر "بحثه" عن حال الراوي، أو الحديث "قبوله" والثقة بعدالته،

...................................

 

كمن أولوا الصحيح خرجوا له

"كمن" أي كالراوي من الرواة الذين "أصحاب الصحيح" أصحاب الصحيح البخاري، ومسلم "خرجوا له" فيه، يعني في صحيحيهما، يعني البحث في راو ضعف من غير ذكر سبب، وجدنا له رواية في الصحيح، فأبان بحثنا، وتنقيبنا في الصحيحين، ووجودنا لهذا الراوي رواية في الصحيحين أنه مقبول، وأن جرح الجارح الذي لم يفسر جرحه لا يؤثر فيه؛ لأننا بحثنا، توقفنا في هذا الراوي حتى وجدنا له رواية في الصحيح مخرج له، ومن خرج له في الصحيحين فقد جاز القنطرة:

...................................

 

كمن أولوا الصحيح خرجوا له

مع أنه قد ضعف من قبل غيرهم، مس بضرب من التجريح من قبل غيرهم، الجرح المبهم "ففي البخاري" يعني في صحيح البخاري "احتجاجًا" يعني على سبيل الاحتجاج، لا على سبل المتابعة، والاستشهاد:

ففي البخاري احتجاجًا عكرمة

 

...................................

مولى ابن عباس، وعكرمة هذا مضعف؛ لأنه كما قيل: كان يرى السيف، ما معنى كان يرى السيف؟ يعني يرى رأي الخوارج، البخاري خرج له، مما يدل على أن هذا القول فيه ما فيه، ولو ثبت أنه كان يرى رأي الخوارج، فهذا النوع من الابتداع عند أهل العلم لا يؤثر في الرواية، لماذا؟ لأن المعروف من رأي الخوارج أنهم يكفرون بالكبيرة، والكذب كبيرة، فلا يجرؤون على الكذب، وحينئذ يكون هذا النوع من المبتدعة ممن يرى تعظيم شأن الكذب أولى بالقبول من غيره، وإن كانت البدعة قادحة على ما سيأتي تفصيل الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-، على أن الأئمة دافعوا عن عكرمة، دافعوا عنه، وذكروا ما يضعف هذا القول، كالحافظ الذهبي -رحمه الله- في السير، وابن حجر في مقدمة "فتح الباري"، دافعوا عنه، ونفوا عنه هذه التهمة، وعلى كل حال البخاري احتج به، ومادام احتج به البخاري؛ فقد جاز القنطرة:

...................................

ففي البخاري احتجاجًا عكرمة

 

كمن أولوا الصحيح خرجوا له

مع ابن مرزوق .............

عمرو بن مرزوق الباهلي، لكنه لا على سبيل الاحتجاج، وإنما على سبيل المتابعة:

...................................

 

مع ابن مرزوق وغير ترجمة

كإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، فيهم كلام لأهل العلم، ومع ذلك خرّج لهم في الصحيح، فدل على أن البخاري لم يلتفت إلى هذا التضعيف، ونحن إذا وقفنا على مثل هذا التضعيف، ووجدنا البخاري -رحمه الله-، إذا وجدنا مثل هذا التضعيف توقفنا حتى نجد مثل هذا الاحتجاج من البخاري، وحينئذٍ لا نلتفت إلى مثل هذا التضعيف، "واحتج" يعني وكذا احتج الإمام "مسلم" في صحيحه "بمن قد ضعف":

واحتج مسلم بمن قد ضعفا

 

...................................

يعني من غيره "نحو سويد" وهو ابن سعيد الحدثاني أبو محمد "إذ بجرح" يعني مطلق غير مفسر "إذ بجرح ما اكتفى" مسلم؛ لأن سويدًا صدوق في نفسه، كما قاله جماعة من أهل العلم، وقد ضعفه آخرون؛ لأنه لما عَمَي صار يلقن فيتلقن، ولا شك أن هذا جرح، لكن تخريج الإمام مسلم له لعله خرج له ما تحمله قبل ذلك؛ لأنهم قد ينتقون من أحاديث الراوي المختلط مثلًا، مما يجزمون بأنه حدث به قبل الاختلاط، أو قبل قبول التلقين، يعني قبل اختلال الضبط عنده، وأداه على الوجه الصحيح قبل ذلك، والدليل على ذلك موافقة الرواة الثقات له، لكن لو خولف من قبل الثقات قلنا: إن هذا إنما حدث به بعد الاختلاط، أو حدث به بعد أن عمي، وصار يقبل التلقين:

واحتج مسلم بمن قد ضعفا

قلت: .............................

 

نحو: سويد إذ بجرح ما اكتفى

...................................

القائل الحافظ العراقي، وهو من زوائده على ابن الصلاح:

قلت: وقد قال أبو المعالي

وابن الخطيب الحق أن يحكم بما

 

واختاره تلميذه الغزالي

أطلقه العالم بأسبابهما

"قلت: وقد قال" في رد السؤال المذكور "أبو المعالي" الجويني في البرهان، "واختاره تلميذه" أبو حامد "الغزَّالي" بالتشديد، وإن اشتهر على ألسنة الناس التخفيف، وإلا الأصل التشديد، عكس الباقِلاني، يعني اشتهر على ألسنة الناس التشديد، وهو بالتخفيف.

قلت: وقد قال أبو المعالي

 

...................................

إمام الحرمين في البرهان،

...................................

 

واختاره تلميذه الغزالي

يعني في المستصفى "وابن الخطيب" فخر الدين الرازي محمد بن عمر، اختاروا وقالوا:

........... الحق أن يحكم بما

 

أطلقه العالم بأسبابهما

يعني يحكم بما أطلقه، سواءٌ في الجرح، أو في التعديل إذا "أطلقه العالم بأسبابهما" أي بأسباب الجرح، والتعديل، وهذا هو القول الرابع الذي أشرنا له في أصل المسألة.

قد يقول قائل: هؤلاء ما علاقتهم بعلوم الحديث من أجل أن تنقل أقوالهم؟ هؤلاء أهل نظر، وليسوا من أهل الأثر، وبضاعتهم في الحديث مزجاة، صرحوا بذلك، أو لم يصرحوا، منهم من صرح، ومنهم من واقع كتبهم يدل على ذلك، الغزالي يذكر عن نفسه أن بضاعته في الحديث مزجاة، والرازي ذكرنا قصة أظن ذكرناها لكم في تفسير سورة العصر، نعم.

طالب:......

لا، هو الرازي الأصل ثم الألوسي، الأصل الرازي في هذه المسألة، يعني ذكر قصة في تفسير سورة العصر: أن امرأة في أسواق المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدلت عليه، فقالت: إنها شربت الخمر، ثم زنت، فولدت من الزنا، فقتلته، وقال لها ما قال على حسب هذا الحديث المخترع، المختلق، المصنوع، ولم يذكره غيره، مع أن الرازي نفسه ذكر أن الحديث إذا لم يوجد في الدواوين المعتبرة، دواوين السنة المعتبرة أن هذا من علامات الوضع، وهو ما عزاه لأحد، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- على حسب هذا الخبر فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: "أما شرب الخمر ففيه الحد، وأما القتل ففيه الوعيد الذي جاء في سورة النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء]، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر"، هذا ذكره الرازي في تفسيره، ونقله عنه الألوسي، والرازي يطبقون على تسميته الإمام، كل من فسر القرآن على طريقة التأويل، التي لا تعتمد على الأثر، يعني التفسير بالرأي، كل أصحاب التفسير بالرأي، أو من أهل الفقه والأصول، وأهل النظر يسمونه الإمام، فإذا قالوا: قال الإمام انتهى، انتهى الإشكال، انطلق إلى الرازي، ولا ينازع في ذلك عندهم، وإلا هو ليس بإمام، نعم إمام، إمام فيما؟ في بدعته، نعم إمام، منظر لمذهبه، لكن الألوسي نقل الخبر، وقال: تفرد بذكره الإمام، ولعمري إنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث، الذي لا يعرفه أهل الحديث موضوع بلا شك، وهو إمام في ذكر الموضوعات التي لا يعرفها أهل الحديث، على أن تفسير الرازي -يعني كاملًا- لا يمكن نسبته إلى الرازي، نعم الرازي له قسم كبير منه، وفيه خروم أُلحقت به، يعني كمل التفسير، وليست متواصلة، وإن كان بعضهم يرى أن الربع الأخير، أو ما يقرب من الثلث، أو أقل من ذلك، يعني يختلفون في تحديد ما صاغه الرازي مما صيغ بعده، وأساليب الكتاب تتفاوت من موضع إلى آخر، يدل على أنه تعاقب على تأليف الكتاب أكثر من شخص.

على كل حال هؤلاء المذكورون لا علاقة لهم بعلم الحديث؛ ولذا ينادي بعض الغيورين على السنة بترك وهجر أقوالهم في هذا العلم الشريف؛ كيف ننقل كلام الغزالي، وهو يقول: إن بضاعته في الحديث مزجاة؟ كيف ننقل كلام الرازي وقد سلط على أهل السنة، وأهل الأثر، وقدح في ابن خزيمة، إمام الأئمة؟ يعني عند قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، قال: "وألف محمد بن إسحاق بن خزيمة.." ورماه بأبشع الأوصاف "..كتابًا أسماه كتاب التوحيد، وحري به أن يسمى كتاب الشرك" هذا ليس من أهل السنة، بل عدو للسنة هذا -نسأل الله العافية-؛ لأن بعض الناس يرتكب مذهبًا، لكن ما ينازع، ويشاق، ويورد شبه، وينظر، ويدافع بقوة مثل الرازي، فيختلف حكمه عن حكمه، فهل يعتبر أقوال مثل هؤلاء؟ أقول: ينادي بعض الغيورين بتجريد كتب علوم الحديث من أقوال هؤلاء، وأنا أقول: إن ذكر أقوالهم لا مانع منه؛ لماذا؟ لأن علوم الحديث فيها ما عمدته الرواية والنقل، هذا لا علاقة لهم به، ما عمدته الرواية والنقل، هذا لا علاقة لهؤلاء به، وما عمدته على الرأي والنظر، فهؤلاء أقوالهم تفيد في هذا الباب، يعني طالب العلم الذي عنده من الغيرة ما يقول: لماذا نذكر أقوال هؤلاء؟ إذا دققنا في المسألة، وجدنا أننا، ونحن نتصدى لعلم الحديث مثلهم، هم بضاعتهم مزجاة، ويمكن محفوظاتهم أكثر من محفوظاتنا، يعني طالب العلم الذي ينادي بمثل هذا إن كان لديه من المحفوظ ما يؤهله لأن يقول مثل هذا الكلام، ويتكلم في علوم الحديث بعمق، ويعتمد على أقوال الأئمة، ويدرك أقوال الأئمة؛ نقول: ما يخالف، لك الحق أن تقول..، لكن إذا كنت لا تحفظ شيئًا من الحديث، وتعاملك مع علوم الحديث مثل تعاملهم، إنما هو بالرأي، يعني تظنون أن كثيرًا ممن تخصص في علوم الحديث يصنَّف مثل أبي حاتم، ومثل أبي زرعة، أو مثل الرازي، والغزالي ومثل غيره، المسألة مسألة رأي؛ لأن من مباحث علوم الحديث ما يدرك بالرأي، منه ما يعتمد على الرواية، هذا لا دخل لنا لا نحن ولا هؤلاء فيه، ما عندنا من المحفوظات ما يؤهلنا إلى أن ندخل في مثل هذا المجال، مثل الأئمة الكبار الذين يحفظون مئات الألوف، لكن هناك أمور، يعني مثل مسألة: ذكر السبب، ما ذكر فيها لا في الحديث، ما فيه حديث يدل على أنه يذكر السبب في الجرح، أو يذكر السبب في التعديل، ولا فيه نقل عن الأئمة أنه يذكر كذا، أو كذا، إنما فيه رأي، الذين قالوا: لا بد من ذكر السبب، وهم الجمهور؛ لأن الجرح يحصل بشيء واحد، والتعديل يحصل بأمور كثيرة، والذين قالوا العكس، يعني هل هذا مرده رواية، أو نظر؟ نظر بلا شك، فعندهم من النظر مثل ما عندنا في هذه الأمور، يعني ابن الصلاح حينما نسب إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة نسب لهما أن صيغة "أنَّ" تختلف عن "عن"، فـ"عن" محمولة على الوصل، و"أنَّ" محمولة على القطع، يعني منقطعة:

...................................

سووا وللقطع نحا البرديجي

 

وحكم "أنَّ" حكم "عن" فالجل

حتى يبين الوصل في التخريج

فقال: قال أحمد ويعقوب بن شيبة: إنها لا تفيد الاتصال، وإنما هي منقطعة، ثم أورد خبرًا يستدل به على أن الإمام أحمد يرى أن "أنَّ"، و"عن" مختلفتان؛ فـ"أنَّ" تفيد القطع، ولا تفيد الوصل، و"عن" تفيد الوصل، ففي حديث عن محمد بن الحنفية: "أن عمارًا مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-" قال الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة: منقطع، وعن محمد بن الحنفية عن عمار: "أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-"، قال: متصل، فهم نظروا إلى الصيغة بين ماذا؟ الخبرين، بين الروايتين، لكن هل هذا هو المحك، هل هذا هو سبب اختلاف الحكم؟ أو أن المسألة تدرك برأي؟ هذه المسألة لا يكفي فيها رواية، هذه لا بد من إعمال الذهن فيها، لماذا حكم الإمام أحمد على الرواية الأولى بأنها منقطعة، والثانية متصلة؟ حكم على الأولى بأنها منقطعة أن محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها: أن عمارًا مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يحكي قصة لم يشهدها، والقصة الرواية الثانية عن عمار عن محمد بن الحنفية يحكي القصة عمن حصلت له، يرويها عنه، يعني أنا لما أحدثك بحديث عن شيخ أنت ما أدركته، مات قبل أربعين سنة مثلًا، أنت ما أدركته، وأحكي القصة لك، وتنقلها عني، أنه حصل لي كذا، تنقلها عني، أنت ما شاهدت القصة، لكن أنت تنقلها عن طريقي، لكن لما تقول: إن فلانًا حصل له مع الشيخ الفلاني كذا، أنت تروي قصة لم تشهدها، ولم ترويها عن صاحبها، إذن هي منقطعة، فمثل هذه الأمور تدرك بالرأي، لو الواحد ما يروي ولا حديث؛ عرف الفرق بين الصيغتين، بينما هناك أمور معتمدة على الرواية لا دخل لهؤلاء ولا لأمثالهم ممن ليس من الحفاظ في مثلها بل تترك للأئمة، عرفنا الفرق؟ نعم؟

طالب:......

هم يطالبون بتجريد، تجريد كتب المصطلح، لو جردت ما ضرها يعني، لكن ما فيه إشكال في أنها فيها لفتات، وفيها شيء من الإدراك لهؤلاء الأصوليين، وقد عرفوا بشيء من إعمال النظر؛ ولذلك يقال لهم: أهل النظر في مقابل أهل الأثر، فننتبه لمثل هذا؛ لأن هذه الدعوة ما فيه شك أنها دعوة مردها وسببها الغيرة على السنة، وهؤلاء عندهم شيء من مخالفة السنة، فلا ينبغي أن يعول عليهم في مثل هذه المباحث، لكن أنا أقول: إذا كان مرد المسألة ومناطها رأيًا؛ فهم يدخلون بلا شك، ودخولهم مثل دخولنا، ما نحفظ من السنة إلا مثل ما يحفظون، وإذا كانت المسألة مناطها أثر ورواية؛ فلا مدخل لهم فيها، يعني هل يمكن يعارض أبو حاتم إذا قال: الصواب مرسل، قال الغزالي: الصواب متصل، يمكن يعارض هذا بهذا؟ أبدًا، ما يمكن أن يعارض هذا بهذا أحد، ولا يمكن أن يجرؤ أحد، ولو كان ممن يتبع الرازي على بدعته، أو الغزالي، أو غيره، ما يمكن أن يجرؤ أحد على مثل هذا، يعارض الأئمة بمثل هؤلاء أبدًا، لكن الأئمة أطلقوا أحكامًا منها ما لا يدرك البتة إلا بمثل ما يصنعون، هم جمعوا الطرق، وخزنوها في أذهانهم، يضاهيهم، أو يقرب منهم من يجمع الطرق في الأوراق، أو في الآلات قد، فمن يجمع الطرق يصل إلى ما وصلوا إليه إذا تأهل، هناك أشياء لا يمكن الوصول إليها إلا إذا ساويناهم، يعني هل بإمكان شخص من تلقاء نفسه، يقول أبو حاتم: الصواب مرسل، ثم يقول: لا، الصواب متصل، من أجل أن ينقل عن إمام يضاهي أبا حاتم؟ فمثل هذه الأمور لا بد من النظر فيها، وأحيانًا يحذف قول في باب من الأبواب، فيبقى الباب غير مترابط، يعني لو الأقوال الأربعة التي ذكرناها في مسألة بيان الجرح والتعديل، إذا حذف قول من هذه الأقوال ما يكون في المسألة خلل؟ نعم، لكن غير متكاملة؛ لأنها أقوال متقابلة، وعللها متقاربة، فإذا حذفت هذا القول؛ لأنه اختاره الغزالي مثلًا، أو الباقلاني على ما تقدم ذكره، يعني المسألة تختل، لكن إذا سردت جميع ما قيل في المسألة، تصورتها على وجهها، وأعود وأكرر أن هؤلاء تلبسوا ببدع، وبعض الناس يطالب، وهذا لا شك أن سبب مرده الغيرة على السنة، يقول: تنقح كتب المصطلح حتى من مسائل الأصول، لكن هناك تداخل بين مسائل المصطلح ومسائل الأصول، يعني بحث السنة مبحث كبير بل قطب يبحث في كتب الأصول، هل نقول: لا ندرس الأصول، أو نحذف السنة من كتب الأصول، ونحرم من أراد أن يتخصص؟ وهو لا بد من دراسة المصطلح في كتب الأصول؛ لأنه لا يتم له الاستدلال إلا بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، والأصول المختلف فيها معروفة، فإذا أراد أن يحتج لا بد أن يبحث له في كتب الأصول عن مباحث السنة، أو نقول: نرفع هذا القسم من كتب الأصول، وندخل فيه متن من متون المصطلح المعروفة عند أهل العلم، يعني نقرأ كتب الأصول، وننظر فيها، ونتفحصها، ونقبل الحق ونرد غيره، والمتأهل حقيقة لا يقف في طريقه مثل هذه الأقوال.

قلت: وقد قال أبو المعالي

وابن الخطيب الحق أن يحكم بما

 

واختاره تلميذه الغزالي

أطلقه العالم بأسبابهما

أي بأسباب الجرح والتعديل، وقلنا: إن هذا القيد واشتراط كونه عالمًا بالأسباب لا أثر له؛ لأنه لا يقبل الجرح والتعديل إلا من العالم بأسبابهما، سواء بيَّن أو لم يبيِّن، لا بد أن يكون عارفًا بأسبابهما على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

الفصل الخامس من الفصول الثلاثة عشر:

وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر

 

من عدل الأكثر فهو المعتبر

أي الجمهور، جمهور أئمة الأثر قدموا الجرح على التعديل مطلقًا، وإن كان المعدلون أكثر عددًا؛ لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، يعني إذا قال فلان، عالم من أهل العلم: فلان ثقة، وقال الثاني: ضعيف،  فهذا المضعف عنده زيادة علم خفيت على المعدل، هو يقول: أنا مع المعدل في كل ما يقول، يصوم، ويصلي، ويزكي، وظاهره الخير -إن شاء الله تعالى-، ولا يرتكب محظورًا في الظاهر، لكن أنا اطلعت منه على أشياء ما عرفها المعدل؛ ولذا قدموا الجرح؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، إذا كثر عدد المعدلين منهم من يقول: نحتاج إلى مرجح؛ لأن هذا ترجيحه بالكثرة، وهذا ترجيحه بزيادة العلم التي خفيت، لكن الخطيب على ما سيأتي يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل الواحد، وتعديل المائة واحد، يشهدون له بالظاهر، أما هذا الأمر الذي خفي على الواحد مما يجرح به يخفى على المائة، يخفى وإلا ما يخفى؟ جرح ما اطلع عليه إلا شخص، وقال: هذا الشخص يشرب، وأنتم ما تدرون عنه، الذي ما يدري عن هذا الشخص يبغي يعدله، والذي يعرف عنه هذا الجرح يجرح، ويضعف، فالذي يخفى على الواحد يخفى على العدد.

وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر

 

من عدل الأكثر فهو المعتبر

"من عدل الأكثر" حال بزيادة "أل" حال، من عدل الأكثر؛ هل يجوز أن يكون الحال معرفة؟ يجوز، وإلا ما يجوز؟ "جاء زيد راكبًا" يجوز، وإلا ما يجوز؟ إلا إذا أول بنكرة:

والحال إن عرف لفظًا فاعتقد

 

تنكيره معنًى كـ"وحدك اجتهد"

لا بد أن يؤول نكرة، وهنا الأكثر فيه "أل" حال كونهم أكثر، فهو أي التعديل المعتبر؛ لأن الكثرة تقوي الظن بعدالته، والخطيب يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل واحد أو أكثر لا فرق في مقابل قول الجارح؛ لأن عنده زيادة علم خفيت على المعدل.

وبعده الفصل السادس في تعديل المبهم: عرفنا المسألة السابقة في تقديم الجرح والتعديل، يعني راوٍ وجد فيه جرح وتعديل، فيقدم الجرح؛ لأن مع الجارح زيادة علم، وهذا يتطلب تفسير الجرح؛ لأنه في مقابل تعديل، أما إذا لم يكن في مقابل تعديل؛ فيقبل من العالم، فيقبل ممن يقبل قوله في الجرح، أما إذا كان في مقابل تعديل، فلا بد من بيان السبب؛ ليكون، لنعرف هل خفي على المعدل، أو لا؟

في هذه المسألة –أيضًا- لو قال المعدل: أنا عرفت السبب الذي من أجله جرح، لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق معتبر، بأن قال: أنا أعرف أنه كان يشرب الخمر، لكن على يدي منذ شهر ما شرب، وتاب وندم، وأقلع فورًا، فنقول: إنه إن ما مع الجارح لم يخف على المعدل، بل عرفه المعدل، وحكم بأنه حسنت حاله واستقام بعد هذا الجرح، فمثل هذا يعتبر.

لو نفاه بطريق معتبر، لو نفى الجرح، قال الجارح: ضعيف مجروح؛ لماذا؟ قال: لأنه قتل فلان يوم الخميس، فقال المعدل: أنت تقول قتله متى؟ قال: يوم الخميس، قال: صلى بجواري يوم الجمعة، هذا الذي تزعم أنه مقتول، فنفاه بطريق معتبر، فهل يعتبر قول الجارح، أو لا يعتبر؟ لا يعتبر؛ لأنه لا قيمة له، فمثل هذه الأمور لا شك أن لها أثر في مثل هذا.

الفصل السادس: في تعديل المبهم:

قال -رحمه الله-:

ومبهم التعديل ليس يكتفي

 

به الخطيب والفقيه الصيرفي

"ومبهم التعديل" أي تعديل المبهم، لو قال: حدثني الثقة، عدله على الإبهام، لو قال العالم المحدث: حدثني الثقة.

ومبهم التعديل ليس يكتفي

 

به الخطيب ..................

البغدادي أبو بكر "والفقيه" أبو بكر "الصيرفي" وأبو نصر بن الصباغ؛ لأنه لا يلزم من كونه عدلًا عنده أن يكون عدلًا عند غيره، لا بد أن يسميه، لا يقول: حدثني الثقة ويسكت، بل لا بد أن يذكر اسمه؛ لأنه، لكي يعرض أمره، ويعرف؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، لكن ليس بثقة عند غيره، فكم من شخص قال: حدثني الثقة، فلما سماه صار عند غيره ليس بثقة، الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: حدثني الثقة، ويقصد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، والحفاظ كلهم على تضعيفه، وتفرد بتوثيقه، حتى من يقلد الإمام الشافعي يضعف إبراهيم بن أبي يحيى، فلا بد من تسميته، ويقال في هذا البيت، يعني حينما اقتصر على الفقيه الصيرفي، واقتصر –أيضًا- كل أهل المصطلح نسبوا هذا القول للصيرفي، وابن الصباغ، وغيرهم من أهل النظر، قالوا: إن مثل هذا يدرك بمثل هذا النظر، يعني كون الراوي أو الإمام يروي عن راوٍ، ويبهمه، ويقول: حدثني الثقة، هذا كلٌ يدركه، يدرك أنه قد يكون ثقة عنده، وقد لا يكون ثقة عند غيره، والدليل في ذلك الاختلاف بين العلماء في الرواة المسمَّين، تجد هذا العالم يقول: ثقة، والآخر يقول: ضعيف، فيحتمل –أيضًا- أن هذا المبهم من هذا النوع، بل قال بعضهم: إن عدم التسمية تقوي الظن بضعفه، يعني كما هو شأن المدلسين الذين يدلسون على الضعفاء؛ لأنه لو ذكر اسمه ما قبل الخبر، ومثل هذا يقول: حدثني الثقة، لا يظن بالإمام أنه يريد أن يغش الأمة بهذا الخبر، لا، وإنما هو ثقة عنده، والخبر ثابت عنده؛ ولذا لا يتصور منه الغش، والمسألة مفترضة في إمام من أئمة المسلمين، حماة الدين، حماة السنة، فمثل هذا قالوا: يقوي الظن بضعفه؛ لأنه ما أبهمه إلا لغرض، كما أن المدلس ما أسقط الراوي الذي حدثه إلا لغرض، قد يكون غرض -وهو الأصل- أنه غرض حسن؛ لكي لا يرد الحديث الذي تحتاج إليه الأمة مع جزمه بصحته عنده، لكن قد لا يصح عند غيره "وقيل يكفي" وقيل يكفي يعني تعديله، كما لو عينه؛ لأنه مأمون في الحالين، إمام ثقة، إمام من أئمة المسلمين، وهو مؤتمن على السنة، سواءٌ سمى، أو لم يسمِّ، وقيل: يكفي، وهذا القول ماش على قول من يحتج بالمرسل، بل هو أولى، بل هو أولى من قبول المراسيل،

وقيل: يكفي نحو: قالا

 

...................................

ألف الإطلاق "حدثني الثقة" أو العدل، أو المرضي "بل" صرح الخطيب بأنه "لو قالا" بالإطلاق –أيضًا-: "جميع أشياخي ثقات" لو قال:

جميع أشياخي ثقات ولو لم

 

أسمِّ لا يُقبل من قد أبهم

يعني لو قعد قاعدة قال: جميع أشياخي ثقات، فلا يلزم إن سميت فهو ثقة، "لا يقبل من قد أبهم" لما ذكر قبله؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، يعني اجتهاده أداه إلى هذا، اجتهاده الذي رأى أن ذمته لا تبرأ إلا به أداه إلى هذا؛ لأن الكلام في الرواة لا يمكن فيه الاحتياط، ما فيه إلا جزم يضعف، وإلا يوثق، لماذا؟ لأنك إن احتطت، وضعفته احتياطًا للسنة، وأن لا يثبت منها إلا ما هو ثابت بيقين حرمت الناس من العمل بحديث قد يكون ثابتًا، وإن احتطت من الطرف الآخر، ووثقت هذا الراوي، وقلت: بدلًا من أن يترك الناس العمل بهذه السنة من أجل تضعيفي لهذا الراوي، فقد جعلتهم يعملون بما لا يجوز العمل به.

إذا قال الشيخ، أو العالم، أو الإمام: جميع أشياخي ثقات، يعني ولو لم أسمهم، ثم روى عمن لم يسمه لا نقبل –أيضًا- من قد أبهم؛ لما ذكر؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، لا لهوى في نفسه، حاشا، ومعاذ الله أن يتهم أئمة الإسلام بهذا، لا لهوى في نفسه، وإنما لمخالفة باجتهاد، اجتهاده أداه إلى هذا، وهناك من يقول: يُقبل، من العلماء من يقول: يقبل مطلقًا، مثل ما قالوا في الأول: يكفي، هذا قعد قاعدة، فقال: يقبل، أشياخه ثقات، القول الأول أنه لا يقبل، الثاني أنه يقبل.

أيهما أولى بالقبول إذا حدثني الثقة، ويريد به شخصًا واحدًا، أو قال: جميع أشياخي ثقات؟ الأول أولى بالقبول؟

طالب:......

أولى؟

طالب: نعم.

لماذا؟

طالب: جميع أشياخي، الإشكال في الجميع؟

لا، من جهة أخرى، يعني الأول أولى بالقبول؛ لأنه حينما قال: حدثني الثقة يذكره، يعرف، ويذكره، وحكم عليه بالتوثيق، لكن لو قال، وقعد قاعدة، وقال: جميع أشياخي ثقات، نعم، قد يغفل عن هذه القاعدة التي قعدها، لكن لو نص عليه في السند أنه ثقة، أولى بالقبول؛ لأنه يتذكر حال كتابته حال هذا الراوي، لكن قعد قاعدة، يعني أنا أعرف مثلًا على من باب التنظير الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- ذكر في المقدمة أنه لا يذكر في الشرح حديثًا، ويسكت عنه إلا وهو صحيح، أو حسن، هذه قاعدة عنده، لكن وهو يشرح في أثناء الكتاب قد يغفل عن هذه القاعدة؛ ولذا استدرك عليه أحاديث سكت عنها في الفتح، ومع ذلك لا تصل إلى درجة الحسن، بل فيها الضعيف، واضح، وإلا ما هو بواضح؟ لأن الإنسان قد يقعد قاعدة، أو يشترط شرطًا في كتابه، ويغفل عنه في أثناء الكتابة، ولا يلام؛ لأنه بشر، فالتنصيص على الواحد أولى بالقبول من الحكم العام.

وبعض من حقق لم يرده

 

...................................

أي تعديل المبهم إن صدر "من عالم" مجتهد متبوع، كمالك، والشافعي، وأحمد "في حق من قلده":

وبعض من حقق لم يرده

 

من عالم في حق من قلده

يعني قال الإمام أحمد: حدثني الثقة، يلزم جميع الحنابلة أن يوثقوا هذا الراوي، وأن يقبلوا هذا الخبر؛ لأنهم يقلدون الإمام في الحكم، في الخلاصة يقلدون الإمام، فكيف بوسائل الحكم؟ وقل مثل هذا في حق الشافعية، على الشافعية أن يقبلوا قول الإمام في توثيق الراوي، ولو تفرد بتوثيقه، أو لم يسمه، بل وثقه على الإبهام، وقل مثل هذا في المالكية، يلزمهم أن يقبلوا قول إمامهم؛ لأنهم يقبلون في النتائج، فكيف بالوسائل، يقبلون قول الإمام إذا قال الإمام يحرم كذا تبعوه، فعلى هذا يلزمهم التقليد في الوسائل، وأظن هذا القول ظاهر.

وبعض من حقق لم يرده

 

من عالم في حق من قلده

يعني في مذهبه؛ لأن تقليده في الحكم؛ لأنه يقلده في الحكم ففي التصحيح أو التضعيف من باب أولى.

ثم بعد هذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

ولم يروا فتياه أو عمله

 

على وفاق المتن تصحيحًا له

"ولم يروا فتياه" لم يرو الضمير يعود على جمهور أئمة الأثر، فتياه، أو فتواه، يجوز هذا وهذا، أو فتواه أي العالم، سواءٌ كان هذا عن المجتهد، أو مقلد، وهي في المجتهد أظهر:

ولم يروا فتياه أو عمله

 

على وفاق المتن تصحيحًا له

"تصحيحًا لهذا المتن" يعني أفتى الأئمة، وأجمعوا على أن الماء إذا خالطته النجاسة، ولم تغير لونه، ولا طعمه، ولا ريحه أنه طاهر، وبالمقابل أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه نجس، هذا محل إجماع، أما في الأصل، في المسألة الأولى منهم من يفرق بين القليل والكثير، ومنهم من لا يفرق، هذه مسألة ثانية، لكن مسألة المفهوم، أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه ينجس بالإجماع، وفي الباب حديث أبي أمامة، وغيره أن: ((الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه)) إجماع العلماء على مفاد هذه -هذا الاستثناء- لا يعني أن هذا الاستثناء صحيح، وإن أفتوا بموجبه، ففتوى العالم بمقتضى حديث لا يعني تصحيح الحديث، كما أن فتواه بمخالفة حديث لا تعني تضعيف الحديث، لماذا؟ لأنه حال الفتوى بالمقتضى، بمقتضى الخبر احتمال أن يكون عمل بحديث آخر، أو بمجموع طرق، أو بقواعد عامة، لا يعني أن هذا الحديث هو معوله وعمدته، وبالمقابل فيما إذا أفتى بمخالفة الحديث؛ لأنه قد يفتي بمخالفة حديث صحيح لمعارض راجح؛ لأن عنده من الحديث ما يخالفه مما هو أرجح منه، أو لناسخ مثلًا:

ولم يروا فتياه أو عمله

 

على وفاق المتن تصحيحًا له

يعني ولا تعديلًا لراويه؛ لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطًا، أو لدليل آخر، ويجوز أن يروي عن غير عدل، وقيل: تعديل مطلقًا، يعني تعديل للراوي تصحيحه للحديث، وعمله بالحديث، عمله بالحديث تصحيح له، وتوثيق لراويه، وقيل: إن كان، هذه المسألة، مسألة العمل بمقتضى خبر من قبل العالم، أو خلاف الخبر، لا تقتضي التصحيح في حال العمل بمقتضاه؛ لأنه قد يعمل به مع غيره، أو لدخوله في قواعد عامة، ومثلنا بالاستثناء إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه، ضعيف باتفاق الحفاظ، ومع ذلك الحكم متفق عليه، فلا يعني هذا أنه صحيح، ومسألة العكس، إذا ترك العمل بحديث، فلا يعني أن هذا تضعيف؛ لأنه قد يعمل بمخالفه مما هو أرجح منه، وقد يكون منسوخًا عنده، وقد يكون كما يعتذر به عن الأئمة، قد يكون الخبر قد خفي عليه، ما بلغه الخبر؛ ولذلك تجدون الأئمة قد تكون لهم فتاوى، يصدر منهم فتاوى مخالفة لأحاديث صحيحة، فإما لكونه معارضًا بما هو أرجح منه، أو لكونه لم يبلغه، أو لأن فهمه للخبر غير فهمك للخبر، أنت تظن أن هذا الإمام رد الخبر، وهو في الحقيقة قد عمل بالخبر على فهمه، ففي حديث: ((وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة))، لما تسمع أنه عند المالكية أن عرنة موقف، هل تقول: إن الإمام مالك رد هذا الخبر، أو ما بلغه الخبر؟ بلغه الخبر، وعمل بالخبر، لكن على حسب فهمه هو، لا تفرض فهمك عليه، يقول: لولا أن عرنة من عرفة ما استثنيت، ما قال: ارفعوا عن مزدلفة، ولا ارفعوا عن منى، لكن هي منها، يأثم الذي يقف؛ لأنه خالف الأمر، لكن وقوفه صحيح، هو فهم هذا، والجمهور قالوا: لما نهي عن الوقوف فيها إذن ليست من عرفة، فقد يكون عدم أو عمله بالخبر على خلاف ما تفهم أنت، ولشيخ الإسلام -رحمه الله- من الاعتذارات عن الأئمة في كتابه: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" كلام طيب جدًّا؛ لأن بعض طلاب العلم يقعون في الأئمة وأنهم يخالفون النصوص، لا سيما بعد الهجمة على التقليد، ومطالبة الناس كلهم بما فيهم الطلاب المبتدئين بالتفقه من الكتاب والسنة، انظر للشافعي كم خالف من حديث، أحمد كم خالف من حديث؟ انظر كتب الحنابلة، ماذا تشتمل عليه؟ كتب الحنفية حدث ولا حرج، وهكذا، نقول: لا يا أخي، انظر الإمامة لشيخ الإسلام ابن تيمية حين اعتذر عن هؤلاء الأئمة، يعني هل يظن بالإمام أحمد أنه يخالف خبرًا صحيحًا لا يحتمل تأويلًا، وهو ناصر السنة؟ هل يظن بمالك نجم السنن مثل هذا؟ أبدًا ما يظن بالأئمة مثل هذا، لكن لا بد لهم من عذر، وهذه الأعذار جاء على كثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام، فعلى كل طالب علم أن يراجع هذا الكتاب، ويفيد منه.

وليس تعديلًا على الصحيح

 

رواية العدل على التصريح

يعني إذا قال إمام من الأئمة: حدثنا فلان، هل هذا يقتضي عدالة هذا الراوي عند من روى عنه؟ لا "وليس تعديلًا" لمن يروي عنه العدل، المحدث العدل "على الصحيح" الذي عليه أكثر العلماء "رواية العدل على" وجه "التصريح" باسمه؛ لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل، وكتب السنة باستثناء الصحيحين فيها من الرواة الضعفاء، وفيها من الرواة شديدي الضعف، وفيها من الرواة متوسطي الحال، وفيها من الرواة الثقات الكثير، فرواية الإمام أحمد عن راوٍ في مسنده لا يعني أنه يوثق هذا الراوي، رواية الترمذي ليست توثيقًا، رواية النسائي ليست توثيقًا، وهكذا.

الشيخ أحمد شاكر يرى -رحمه الله- أن تصحيح الترمذي معتبر، وأن تصحيحه تعديل وتوثيق للرواة، هذا رأي الشيخ أحمد شاكر، ولا شك أن هذا تساهل شديد أكثر من تساهل الترمذي الذي يرمى به، فالترمذي قد يصحح الخبر، ويقول: حسن صحيح؛ لما سيذكره من الشواهد، وفي الباب عن فلان، وفلان وفلان، ويكون في سند الحديث الأصل من فيه ضعف، فليس تصحيحًا وتضعيفًا، تصحيحه توثيق لرواة الخبر، وإن قال الشيخ أحمد شاكر ما قال -رحمه الله-.

...................................

 

رواية العدل على التصريح

ومنهم من يقول: المسألة مفترضة في إمام يروي حديثًا من طريق رواة، إذا روى عن ضعيف؛ معناه أنه غش الأمة، كيف يروي عن ضعيف؟ إلا أنه ثقة عنده، ولكن هذا القول يرده واقع كتب السنة، منهم من يقول: إن كان لا يروي إلا عن ثقة؛ لأن من أهل العلم من لا يروي إلا عن ثقة، يعني هذه قاعدته، وهذه جادته، أنه لا يروي إلا عن ثقة، يكون توثيقًا، وحصر من لا يروي إلا عن ثقة، وجد جمع يقربون من عشرين لا يروون إلا عن ثقة، لكن الواقع في كتبهم، وفي مروياتهم أنهم يروون عن الثقة وغير الثقة، لكن الغالب الثقات، فممن قيل فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة الإمام أحمد -رحمه الله-، وبقي بن مخلد، حتى قالوا في أبي داود: إنه لا يروي إلا عن ثقة، لكن أشدهم تحريًا في الرواة مالك، مالك -رحمه الله- هو الذي أشدهم تحريًا، وهو أقربهم إلى تطبيق هذه القاعدة، ومع ذلك روى عن غير ثقات، كما ذكرنا في ابن أبي المخارق، وواقع المسند فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، بل فيه ما حكم بوضعه، وهي تسعة أحاديث، وإن نازع من نازع في مسألة الوضع، وأنه قد يكون فيه الخطأ، لا ما تعمده الرواة بالكذب، قد يقع فيه الخطأ، وفيه تسعة أحاديث، هناك كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والحافظ العراقي له كراسة في بيان الأحاديث الموضوعة، وللحافظ ابن حجر القول المسدد في الذب عن المسند، وكلام كثير يعني في المسألة، فرواية العدل الثقة عن الراوي لا تعتبر توثيقًا له، ولا تعديلًا له، نعم رواية الشيخين تعديل، وتوثيق عملي، توثيق عملي للراوي.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

طالب:......

 

يعني رواية الراوي من الصحابة مثلًا، هذا الكلام في الأئمة الذين يفتون، إذا روى الصحابي حديثًا، وأفتى بخلافه، كما روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- حديث: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعًا، ويعفر الثامنة بالتراب)) روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يفتي بأن الإناء يغسل ثلاثًا، وأهل العلم يقولون: العبرة بما روى لا بما رأى، هذا معروف عند أهل العلم، هذا إذا اختلفت الرواية عن الرأي، هذا فيما رواه، لكن البحث الذي معنا حديث ثابت عند هذا العالم، ولو لم يكن من روايته، فأفتى بخلاف ذلك، لا يعتبر تضعيفًا له، وفتواه، وإن كانت محل عناية من أهل العلم، وطلاب العلم، لكن العبرة بالحديث ما لم يظهر، أو يبين أنه منسوخ، أو مرجوح.

"
يقول: نحن هنا في البرازيل نتابع الدروس، وسؤالي: كيف نشرح للعوام معنى الحديث الضعيف؟

العوام يقال لهم بما يفهمون من أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بالأسلوب المناسب لهم، ولا شرع إلا فيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعمل به.