شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 13

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم.

إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح من كتاب الصوم.

والذي نسعد فيه باستضافة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: فضيلة الشيخ في الحديث السابق في باب من لم يدع قول الزور والعمل به، كنا توقفنا عند مسألة من ارتكب الأعمال المحرمة في العبادة، هل يقتضي هذا بطلان هذه العبادة؟ يعني مسألة فساد العمل بارتكاب المنهي فيه، دعنا نبدأ به.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أشرنا في الدرس الماضي إلى أنّ جماهير أهل العلم على أنّ الغيبة والكذب وما ذُكر معهما لا تفطر وإن كانت محرمةً، وهي محرمةُ في سائر الأوقات، وفي رمضان أشد مع الصيام، فهذه المسألة الجمهور على أنها لا تفطر. وذكرنا بعض أقوالٍ منسوبة لبعض السلف إنها تفطر، وهذه المسألة تقدمت.

لكن مأخذ مثل هذه المسألة: مسألة هل النهي يقتضي الفساد مطلقًا أو لا يقتضيه مطلقًا؟ أو المسألة تحتاج إلى تفصيلٍ؟ منهم من يرى أنّ النهي يقتضيه مطلقًا من غير تفصيل، وهذا مقتضى مذهب أهل الظاهر؛ لأنّ مقتضى الأمر والطلب ترتب الثواب، واقتران هذا العمل المطلوب بمعصيةٍ يقتضي الكف، فالجمع بينهما جمعٌ بين النقيضين، طلبٌ وكفٌ في آنٍ واحدٍ، لكن الجمهور لهم نظرٌ ثانٍ إلى هذه المسألة باعتبار اتحاد الجهة وانفكاك الجهة، فإذا اتحدت الجهة اتجه ما قالوا، وإذا انفكت الجهة انفصلنا عما ذكروا.

الشوكاني –رحمه الله تعالى– في ((إرشاد الفحول)) ذكر ما خلاصته الخلاف في المسألة يقول: ذهب الجمهور إلى أنه إذا تعلق الجهل بالفعل بأن طُلب الكف عنه فإن كان لعينه أي لذات الفعل أو لجزئه، وذلك بأن يكون منشأ النهي قبحًا ذاتيًّا كان النهي مقتضيًا للفساد المرادف للبطلان سواء كان ذلك الفعل حسيًّا كالزنا وشرب الخمر، أو شرعيًّا كالصلاة والصوم.

يقول: فإن كان لعينه أي لذات الفعل أو لجزئه؛ لأنه إذا عاد النهي إلى جزء الشيء كأنه عاد إلى الكل، وذلك بأن يكون منشأ النهي قبحًا ذاتيًّا بأن يعود إلى ذات المنهي عنه، كالسجود لصنم مثلًا، منهي عنه لذاته، وذلك لما اشتمل عليه من قبحٍ ذاتي، وكذلك ما ذُكر من الأمور الحسية كالزنا وشرب الخمر، وقل: مثال هذا كالصلاة والصوم إذا اشتملت على شيءٍ منهي عنه لذاته يعني لذات الفعل الذي هو الصلاة أو الصوم، أو لجزءٍ منه، والجزء المؤثر في العبادات الركن والشرط، هذا كلام الشوكاني.

وقيل: إنّ النهي لا يقتضي الفساد إلا في العبادات فقط دون المعاملات، دون المعاملات؛ لأنّ العبادات مبنيةٌ على نية التقرب، العبادات مبنيةٌ على ماذا؟

المقدم: نية التقرب.

على نية التقرب، فكيف تتقرب بعملٍ مشتملٍ على محرمٍ؟! بينما المعاملات مبناها الحاجة، ولا يُتقرب بها إلى الله– جلَّ وعلا– إلا إذا نُوي بها الاستعانة بها على طاعة الله –جلَّ وعلا– حينئذٍ يؤجر، وإلا فالأصل فيها الإباحة.

يقول الشوكاني: استدل الجمهور على اقتضائه للفساد شرعًا بأنّ العلماء في جميع الأعصار لم يزالوا يستدلون به على الفساد في أبواب الربويات والأنكحة والبيوع وغيرها، يقول: هذا عقدٌ باطلٌ؛ لاشتماله على كذا، ومقتضى القول أنه لا يبطل في المعاملات: أنّه عقدٌ صحيحٌ وإن أثم العاقد، يعني مقتضى القول الثاني: أننا لا نبطل أي معاملة، وإنما يُرتكب إثم، والعقد صحيحٌ على كلامه.

المقدم: وهذا نسبه لأحدٍ؟

 أين؟ يقول: قيل صيغة تمريض، وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه حكمةٌ يدل عليها النهي، النهي يدل على حكمةٍ مؤداها الامتناع عن الفعل، ومن ثبوته -يعني طلبه- حكمةٌ تدل عليها الصحة، واللازم باطلٌ لماذا؟ لأنّ الحكمتين حكمة إيجاد وحكمة عدم، وكلاهما مطلوبٌ، إذًا هذا الجمع بين النقيضين واللازم باطلٌ؛ لأنّ الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا فكان فعله كلا فعل. يعني إذا كان الأمر به الأمر بإيجاده أو الدليل على فعله مساويًا للدليل على تركه تساقطا، فكان فعله كلا فعل، وامتنع النهي؛ لخلوه عن الحكمة، وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فأولى لفوات الزائد من مصلحة الصحة، وهي مصلحةٌ خالصةٌ وإن كانت راجحةً، امتنعت الصحة؛ لخلوه عن المصلحة أيضًا، بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي.

نجمل في هذا لأنه يعسر فهمه على كثير....... وتفصيله يحتاج إلى وقتٍ.

استدل القائلون: بأنه لا يقتضي الفساد إلا في العبادات دون المعاملات بأنّ العبادات المنهي عنها لو صحت لكانت مأمورًا بها؛ لعموم أدلة مشروعية العبادات، فيجتمع النقيضان؛ لأنّ الأمر لطلب الفعل، والنهي لطلب الترك، وهو محالٌ؛ لأنه محال اجتماع النقيضين، وعدم اقتضائه للفساد في غير العبادات؛ فلأنه لو اقتضاه في غيرها لكان غسل النجاسة بماءٍ مغصوبٍ، والذبح بسكينٍ مغصوبةٍ، وطلاق البدعة، والبيع في وقت النداء، والوطء في زمن الحيض غير مستتبعةٍ لآثارها من زوال النجاسة، وحِل الذبيحة، وأحكام الطلاق والملك، وأحكام الوطء، واللازم باطلٌ، والملزوم مثله. هذا من يفرق بين المعاملات والعبادات فيرى أنّ النهي يقتضي البطلان في العبادات دون المعاملات، وأما عدم اقتضائه للفساد في غير العبادات؛ فإنه لو اقتضاه في غيرها لكان غسل النجاسة بماءٍ مغصوبٍ.

المقدم: يرفع النجاسة.

هو يرفع النجاسة، لكن لو اشترطنا لو قلنا: إنّ النهي يقتضي الفساد.

المقدم: يرفع مع الإثم بهذه الحالة؟

ما يرفع لو صححنا أنّ النهي يقتضي الفساد في المعاملات قلنا: ما ترتفع النجاسة.

انظر الآن يقول: وأما عدم اقتضائه للفساد في غير العبادات فلأنه لو اقتضاه في غيرها لكان يمثله، غسل النجاسة بماءٍ مغصوبٍ، الآن النجاسة ترتفع بنيةٍ أم بدون نيةٍ؟ ما تحتاج إلى نيةٍ، لا تحتاج إلى نيةٍ، يعني لو ثوبٌ متنجسٌ ونزل عليه المطر من غير علمك ارتفعت النجاسة؛ لأنّ الحكم متعلقٌ بوجودها؛ فإذا ارتفعت ارتفع الحكم، وبهذا ننفصل مما أوردوه. النجاسة أمرٌ حكمي حسي معقول المعنى إذا زال زال الحكم بزوالها. فالجهة منفكةٌ هنا.

والذبح بسكينٍ مغصوبةٍ، هل من مسمى الذبح السكين؟ لا، الذبح قطع المريء والأوداج والحلقوم، ويتم هذا بأي وسيلةٍ ما لم تكن الوسيلة منهيًا عنها، ليس السن والظفر.

وطلاق البدعة، طلاق البدعة يقول: لو قلنا: بأنه يرد في المعاملات لقلنا: إنّ طلاق البدعة لا يقع، لو قلنا: إنّ النهي مقتضٍ للبطلان قلنا: إنّ طلاق البدعة لا يقع مع أنه قولٌ له وجهه عند أهل العلم؛ لأنه ليس عليه أمر النّبي –عليه الصلاة والسلام–، فإذا طلق الثلاث مجموعةً، أو طلق في الحيض لا يقع عند بعض العلماء، وإن كان الجمهور على وقوعه.

والبيع في وقت النداء، والوطء في زمن الحيض غير مستتبعةٍ لآثارها من زوال النجاسة، وحِل الذبيحة، وأحكام الطلاق والملك، وأحكام الوطء، واللازم باطلٌ، والملزوم مثله. هم الآن خلطوا بين كون النهي عائدًا إلى ذات المنهي عنه، في هذه الأمثلة هل النهي عائدٌ على ذات المنهي عنه؟ أو إلى شرطه؟ جزئه الذي لا يتم إلا به؟ لا، عائدٌ لأمرٍ خارجٍ، فالماء المغصوب أمرٌ خارجٌ عن زواال النجاسة، السكين المغصوبة قدرٌ زائدٌ على حِل الذبح، المقصود أنّ مثل هذه، أيضًا وقوع البيع في وقت النداء للجمعة، ندائها الثاني قدرٌ خارجٌ عما يتطلبه العقد، على أنه قيل: إنّ البيع باطلٌ. يعني هذه المسائل لا تسلم لمن قال بها، وأجيب بمنع كون النهي في الأمور المذكورة لذات الشيء أو لجزئه، بل لأمرٍ خارجٍ، ولو سلم لكان عدم اقتضائها للفساد لدليلٍ خارجٍ؛ فلا يلزم النقض بها، يعني الوطء في زمن الحيض هل تترتب عليه آثاره؟ لو وطئت امرأة، أو وطأ رجلٌ في زمن الحيض يكون محصنًا أم غير محصنٍ؟ تزوج امرأة ووطأها في الحيض؟

المقدم: هنا مسألة خلاف هل يترتب عليها الآثار أم لا؟

نعم، النكاح صحيحٌ، ومقتضى التعريف في المحصن أنه من وطيء في نكاحٍ صحيحٍ، وهذا ثبت بعقدٍ أنه وطأ بنكاحٍ صحيحٍ، وهذا الوطء منهي عنه، هذا قدرٌ خارجٌ، وأيضًا هي محصنةٌ باعتبار أنها وطئت بنكاحٍ صحيحٍ.

وذهب جماعةٌ من الشافعية والحنفية إلى أنه لا يقتضي الفساد مطلقًا لا في العبادات ولا في المعاملات، وهذا يقابل قول الظاهرية، ولم يذكر له دليلٌ مقنعٌ، لم يذكر لهذا القول دليلٌ مقنعٌ، الذين يقولون: إنه يقتضي الفساد في عباداتٍ دون المعاملات من أقوى ما يُورد عليهم، الأمر برد عقد الربا لولا أنه باطلٌ لا، ما أُمر برده، نفس العقد باطلٌ.

روى الإمام مسلم من حديث أبي سعيد فقال: أوتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم– بِتَمْرٍ، فَقَال: «مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا؟»، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ النّبي– صلى الله عليه وسلم-: «هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا» في صحيح مسلم. ما قال: رجع القدر الزائد قال: «فَرُدُّوهُ»، فالعقد باطلٌ، فدل على بطلان عقد الربا مع التحريم؛ لأنّ النهي عائدٌ إلى ذات العقد، عقدٌ ربوي منهي عنه لذاته.

أما إذا عاد إلى أمرٍ خارجٍ كالبيع في المسجد أو بعد النداء الثاني يوم الجمعة فالخلاف معروفٌ، والنهي عند الظاهرية كما تقدمت الإشارة يقتضي البطلان مطلقًا؛ لأنه يستلزم اجتماع النقيضين: الأجر والوزر؛ فيكون الفعل مأمورًا به منهيًا عنه في آنٍ واحدٍ، ولا مانع من ذلك عند انفكاك الجهة عند الجمهور.

وتحرير المسألة يعني باختصار أنّ النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه، باعتبار أنّ الركن جزءٌ منه ذات، لكن الشرط منفكٌ، فلا بد من التنصيص عليه، يعني ما نص على الركن باعتبار أنه داخلٌ الماهية فهو منها.

المقدم: أما الشرط فمنفك.

منفكٌ، فلذلك يحتاج إلى تنصيصٍ، إن عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه يبطل، وإن عاد إلى أمرٍ خارجٍ فلا، مثال ذلك صوم يوم العيد منهي عنه لذاته، فهو باطلٌ، الصلاة بسترةٍ حرير، ستر عورته المصلي بسترةٍ حرير.

المقدم: منهي عنه وإنما ليس لذاته.

وإنما لشرطه، الصلاة بسترة حرير باطلةٌ؛ لأنّ السترة شرطٌ، والنهي عاد إلى الشرط، الصلاة بعمامةٍ حرير أو خاتمٍ ذهب.

المقدم: ليس لذاته ولا لشرطه.

نعم، لأمرٍ خارجٍ، الصلاة بعمامةٍ حرير أو خاتمٍ ذهب صحيحةٌ؛ لأنّ النهي عائدٌ إلى أمرٍ خارج، وكذلك الغيبة والكذب بالنسبة للصائم يعود النهي لأمرٍ خارجٍ؛ فالصيام صحيحٌ مع الإثم الشديد؛ لعظم حرمة الزمان والظرف؛ لأنّ الصيام وقته وقت عبادة؛ لأنه وقت استحضار للمعصية؛ لأنّ الصائم وقد أورثه صيامه المفترض أنّ صيامه أورثه التقوى لله –جلَّ وعلا–؛ لأنه يستحضر هذه التقوى، وأيضًا الصوم باعتباره يولد ملكة أو منزلة المراقبة لله –جلَّ وعلا– أنّ هذا الصائم مستحضرٌ لهذا الذنب، وكلما استحضره مع عدم الغفلة عنه صار ذنبه أعظم.

في قواعد ابن رجب في القاعدة التاسعة يقول الإمام الحافظ ابن رجب في قواعده: في العبادات الواقعة على وجه المحرم إن كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجهٍ يختص بها لم يصح، يقول: في العبادات الواقعة على وجه المحرم إن كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجهٍ يختص بها لم يصح، وإن كان إلى شرطها فإن كان على وجهٍ يختص بها فكذلك، وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان، أشهرهما عدمها، وإن عاد إلى ما ليس بشرطٍ فيها ففي الصحة وجهان، واختار منهج أبي بكر عبد العزيز الخلال، معروفٌ عندهم، واختار أبو بكر عدم الصحة، وخالفه الأكثرون.

فللأول أمثلةٌ كثيرةٌ منها صوم يوم العيد، فلا يصح بحالٍ على المذهب لماذا؟ لأنه عاد إلى ذات العبادة، ومنها الصلاة في أوقات النهي عاد إلى الشرط الذي هو الوقت، هذا من النوع الأول.

المقدم: الصلاة لغير القبلة عاد إلى الشرط؟

ما تحقق الشرط أصلًا، لا، أنا أريد شرطًا يتحقق، لكنه منهي عنه، الآن الأول يقول: إن كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجهٍ يختص بها لم يصح، وإن كان عائدًا إلى شرطها فإن كان على وجهٍ يختص بها فكذلك أيضًا.

وللثاني أمثلةٌ منها الصلاة بالنجاسة وبغير سترةٍ وأشباه ذلك. وللثالث أمثلةٌ منها الوضوء بالماء المغصوب، ومنها الصلاة في الثوب المغصوب والحرير. وفي الصحة روايتان، يعني لا يسلم مسألة في المذهب إلا ما قال من أكثر من روايةٍ، لكن الضابط الذي ذكرناه سابقًا إن كان لأنه يعود إلى أمرٍ مؤثرٍ في الصلاة، إذا عاد إلى شيءٍ مؤثرٍ في الصلاة يؤثر بطلانها فإنه يؤثر على حكمها، أما إذا عاد إلى شيءٍ لا أثر له في بطلانها، فإنه لا يؤثر في حكمها، كالخارج عنها.

يقول: وللثالث أمثلةٌ منها الوضوء بالماء المغصوب، منها الصلاة في الثوب المغصوب والحرير، وفي الصحة روايتان، ومنها الصلاة في البقعة المغصوبة، وفيها الخلاف، وللبطلان مأخذان:

أحدهما: أنّ البقعة شرطٌ للصلاة، البقعة شرطٌ للصلاة؛ ولهذا يقول: لا تصح الصلاة في الأرجوحة، ولا تصح على بساطٍ في الهواء، مقتضى هذا أن لا تصح أيضًا في الطائرة، لكن الصلاة في الطائرة وفي السفينة مصححةٌ عند أهل العلم.

والثاني: أنّ حركات المصلي وسكناته في الدار المغصوبة هو نفس المحرم، فالتحريم عائدٌ إلى نفس الصلاة، يعني تصرف الغاصب في هذه الأرض بالركوع والسجود هو المنهي عنه، فعاد إلى ذات الصلاة لا إلى شرطها، وإن كان غير مختصٍ بها فهو كإخراج الزكاة والهدي من المال المغصوب، يعني شخصٌ سرق مالاً أو اغتصب مالاً وضحى منه، أخرج زكاته من هذا المال، أهدى منه، حج منه، تصدق منه «إنَّ الله طيِّب لا يقبل إلاَّ طيِّبًا».

وللرابع أمثلةٌ منها الوضوء من الإناء المحرم، الوضوء من الإناء المحرم يريد أن يمثل به المؤلف– رحمه الله– ابن رجب للأمر الخارج عن ذات العبادة وشرطها، الإناء المحرم وهو أيضًا يستعمل فيها وفي غيرها، فرؤي أنه لا أثر له وإن كان محرمًا، يعني إن كان مغصوبًا أو ذهبًا أو فضةً فالوضوء صحيحٌ، مع الإثم، مع أنّ المسألة فيها خلافٌ أيضًا، ومنها صلاة من عليه عمامةٌ حرير أو غصبٌ، أو في يده خاتمٌ ذهب؛ لأنّ هذا أمرٌ يعود إلى خارجٍ عن ذات العبادة ولا إلى شرطها، يعني إلحاق الشرط بالذات باعتبار أنه مؤثرٌ أو لا، التنصيص عليه دون الركن؛ لأنه منفصلٌ، والركن جزءٌ من الماهية، التنصيص عليه باعتبار أنه مؤثرٌ ومبطلٌ للعبادة؛ لأنّ الشرط يلزم من عدمه العدم، وإذا كان منهيًا عنه، ولو وُجد حقيقةً فإنه معدومٌ حكمًا.

 هذا الحديث خرجه الإمام البخاري –رحمه الله تعالى– في موضعين:

الأول: هنا في كتاب ((الصوم)) باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع» وذكره وسبغ ذكر المناسبة؛ لأنّ الترجمة نصف الحديث.

والثاني في كتاب ((الأدب)) في قول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [سورة الحج 30] الآن مطابقة الترجمة {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} للأدب؛ لأنّ الأدب متعلقٌ بالكلام كتعلقه بالأفعال والتصرفات، يعني متعلقٌ بالأعمال عمومًا: أعمال اللسان، متعلقٌ بأعمال البدن كلها تدخل في الأدب، فهذه قول الزور مما يخل بالأدب،

يقول الإمام البخاري –رحمه الله–: حدثني أحمد بن مصقال عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: «من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجةٌ» من لم يدع قول الزور مطابقٌ لقوله –جلَّ وعلا-: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}.

المقدم: أحسن الله إليك، فيه مسألتين أشرتم إليهما في ثنايا الحديث قبل قليلٍ فيما يتعلق مثلاً برأي شيخ الإسلام في قضية بطلان أو عدم إيقاع الطلاق ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ، أو الطلاق على أساس اعتباره بدعيًّا هل هذا الاعتبار؛ لأنه أصلًا فاسدٌ فكل فاسدٍ لا يقع؛ لأننا نجد في المقابل مثل شيخ الإسلام مثلًا لا تندرج هذه القاعدة عنده؟ فلو خطب شخصٌ معتدةً بوفاة وصرح بخطبتها أثناء العدة ثم نكحها بعد انتهاء العدة لم يبطل نكاحها؟

الخطبة قدرٌ زائدٌ على العقد، معولٌ على العقد.

المقدم: لكن النهي صريحٌ يا شيخ.

النهي لو كان العقد في وقت العدة، فهذا قدرٌ زائدٌ، أمرٌ خارجٌ، لكن وقوع المنهي عنه، على غير مراد الله– جلَّ وعلا– وعلى غير أمره وأمر الرسول –عليه الصلاة والسلام– مردودٌ، نعم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

والطلاق في وقت الحيض أو ثلاثًا ليس عليه أمر النّبي –عليه الصلاة والسلام– والمسألة خلافيةٌ، والجمهور على أنه يقع، والمعول على هذه المسألة على حديث ابن عمر، والجمهور يستدل بأنها حُسبت عليه، وأُمر بمراجعتها يدل على وقوعها، وشيخ الإسلام أيضًا له أدلته، وبسطها في مكانها إن شاء الله –تعالى-.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الأخوة والأخوات نلقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة لنقرأ على فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير الحديث التالي بإذن الله في باب آخر من كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، وأنتم على خيرٍ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.