عمدة الأحكام - كتاب الحدود (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: الحدود

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، فأمر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. أخرجه الجماعة.

اجتويت البلاد إذا كرهتها وكانت موافقة، واستوبأتها إذا لم توافقك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: الحدود

الحدود: جمع حد، وأصله الفاصل، وما يحجز بين شيئين، وسميت هذه العقوبات المقدرة في الشريعة حدوداً لأنها تمنع وتحجز دون المرتكب وارتكابها بين المسلم وبين ارتكابها؛ لأنها تمنعه وتحجزه وتحول دونه، يقول -رحمه الله تعالى-:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم ناس من عكل أو عرينة" في رواية بالواو: من عكل وعرينة، وجاء في بعض الروايات: أنهم كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل "فاجتووا المدينة" يعني كرهوها واستوبؤها، ولم تناسبهم، يعني جو المدينة ما ناسبهم، فحصل لهم ما حصل من المرض في بطونهم، فعلاج مثل هؤلاء إذا حصل الوباء لمثل هؤلاء في البطون ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- "أمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بلقاح" نياق فيها ألبان "وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها" وما زال الناس يتداوون بلبن الإبل المخلوط بشيء من بوله، وهو نافع لمرض البطن، ما زال الناس يتداوون به، وقد يتضرر الإنسان في أول الأمر إذا لم يعتد شرب لبن الإبل، لكنه بعد ذلك يشفى به؛ لأنه علاج نبوي، والحديث في الصحيحين، هؤلاء لما حصل لهم المرض بسبب تغير الجو عليهم؛ لأن ما كل إنسان يناسبه كل جو، فهؤلاء لما قدموا المدينة اجتووها، وأصيبوا بهذا الداء في بطونهم، فوصف لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا العلاج، فأمر لهم باللقاح من هذه الإبل، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، والبول بول ما يؤكل لحمه طاهر، بدليل هذا الحديث وغيره من الأدلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- طاف على البعير، ولا يؤمن أن يبول في المسجد، لولا أن بوله طاهر ما طاف عليه، وهنا أمر بشربها، وأذن بالصلاة في مرابض الغنم، كل هذا يدل على طهارة بول ما يؤكل لحمه وألبانها، ومن أهل العلم من يرى أن أبوالها نجسة، وإنما أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشرب منها علاج؛ لأنه علاج، الضرورة دعت إليه، لكن كما جاء في الحديث: ((تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام)) والنجس حرام يدخل في الممنوع، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها "فانطلقوا" يصنعون ما أمرهم به "فلما صحوا" كفروا هذه النعمة، وبدل أن يشكروا الله -جل وعلا-، ثم يقدمون إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقدمون له ما يستحقه من التقدير والإكرام "فلما صحوا قتلوا راعي النبي -عليه الصلاة والسلام-" قتلوا الراعي "واستاقوا النعم" هؤلاء قوم لئام -نسأل الله السلامة والعافية-، لما عافاهم الله كان الواجب عليهم الشكر، والشكر لازم لكل مسلم "لما صحوا قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فجاء الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول النهار" جاء من يخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن هؤلاء فعلوا ما فعلوا "فبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في آثارهم" وفي رواية: بعث عشرين رجلاً من شباب الأنصار "فلما ارتفع النهار جيء بهم" ارتفع النهار يعني انتصف الضحى، جيء بهم، هم سبعة وبعث لهم عشرين، فجيء بهم "فأمر بهم -عليه الصلاة والسلام- فقطعت أيديهم وأرجلهم" لأنهم قتلوا وكفروا النعمة، أو ارتدوا عن الإسلام كما سيأتي في كلام أبي قلابة "قطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم" وفي رواية: سملت، جيء بمسامير أحميت بالنار فكحلت بها عيونهم، وفي رواية: فقئت أعينهم؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي نسأل الله السلامة والعافية، مثلوا به فمثل بهم "وتركوا في الحرة" المعروفة بالمدينة الحرة الشرقية والغربية التي تكسوها الحجارة السود "يستسقون فلا يسقون" حتى ماتوا، وهذا جزاء المحارب، هؤلاء محاربون، قطاع طريق، حكمهم حكم قطاع الطريق، وجاء حكمهم في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} [(33) سورة المائدة] و(أو) هذه خلاف بين أهل العلم هل هي للتقسيم والتنويع أو هي للتخيير؟ والإمام مخير فيهم بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم أو يصلبهم؟ المقصود أن هذا مرده إلى اجتهاد الإمام، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فمن قتل قُتل وصلب، ومن سرق قطع من خلاف، سرق ولم يقتل، ومن لم يفعل ذلك لم يقتل ولم يسرق ينفى من الأرض، على كل حال عاقبهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه العقوبة الرادعة، تطبيقاً لهذا الحد، حد قطاع الطريق، قطاع الطريق هؤلاء الذين يخرجون على المسلمين فيقتلون ويسرقون ويخيفون السبل، هؤلاء إذا لم تكن لهم شوكة ولا منعة ولا تأويل لهم سائغ، يسمون قطاع طريق، فإن كانت لهم شوكة ومنعة، ولهم تأويل سائغ مقبول سموا بغاة عند أهل العلم، وإن اجتمع مع هذا البغي تكفير للمسلمين، واعتناق لعقيدة الخوارج فهم خوارج، ولكل حكمه في الشرع، على كل حال هؤلاء حكمهم حكم قطاع الطريق، تركهم في الحرة يستقون فلا يسقون؛ لأن المقصود موتهم، فمثل هؤلاء إذا طلبوا الماء، هذا واقعهم تركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، يعني منعوا من سقيهم، ولا يعارض هذا أن في كل كبد رطب أجر، لا؛ لأن هؤلاء المقصود قتلهم والتنكيل بهم.

"قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا" اقتادوا النعم "وقتلوا" قتلوا الراعي "وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله" بفعلهم هذا نسأل الله السلامة والعافية، وقطاع الطريق يستوي في ذلك كونهم في المصر، في البلد، أو في الطرق والبراري في قول جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن قطع الطريق لا يكون إلا في البراري والقفار دون البلدان والمدن.

"أخرجه الجماعة، اجتويتُ البلاد إذا كرهتَها" اجتويتُ بضم التاء البلاد إذا كرهتها، "واستوبأتها إذا لم توافقك" فإذا جاء التفسير بـ(إذا) تحول الضمير من ضمير تكلم إلى ضمير خطاب، لكن لو فسرت بـ(أي) اجتويت البلاد أي كرهتُها، واستوبأتها أي لم توافقني، ما دام التفسير بـ(إذا) فيتحول من التكلم إلى الخطاب كما هنا، فالحديث فيه المماثلة، وفيه التنكيل بمثل هؤلاء اللئام، والمماثلة في القصاص كما جاء "سمروا أعين الراعي وقتلوه وسرقوا" لا شك أن لو مثل هؤلاء تركوا ما بقي أمن، فلا يقضي على مثل هذه الأفعال وهذا الإفساد إلا الأخذ بقوة وحزم، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أرأف الناس، وألطف الناس، وأرحم الخلق بالخلق، قد يقول قائل: كيف النبي -عليه الصلاة والسلام- الرءوف الرحيم يفعل مثل هذا؟ نقول: هذا أمر لا بد منه، الله -جل وعلا- رءوف رحيم ومع ذلك شرع الحدود، ولولا هذه الحدود لما استتب الأمن، كما ذكرنا في القصاص سابقاً، وفيه دليل على طهارة أبوال الإبل، وأنها علاج مع اللبن، ومثل الإبل مأكول اللحم، نعم.

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما-، أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل)) قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس -لرجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت.

العسيف: الأجير.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: "عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما- أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أنشدك الله" أي أذكرك بالله -جل وعلا- "إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه" لأنه طلب الإذن، قال: إذن لي، وهناك مباشرة قال: أنشدك الله، الخصم الأول قال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، وهل يتصور من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقضي إلا بكتاب الله أو بما يوحى إليه؟ لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه" لأنه قال: وأذن لي، نعم أقض بيننا بكتاب الله وأذن لي؛ لأنه لا يجوز التحاكم إلى غير كتاب الله، وما يبين كتاب الله من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- "فأقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((قل)) فقال: إن ابني كان عسيفاً -أجيراً- على هذا" يعني على أعمال هذا، استأجره على تصريف أعماله، وخدمة بيته "عسيفاً على هذا فزنى بامرأته" نعم يعني دخول الأجنبي البيت خطر، هذا في أفضل العصور في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه أجير يدخل على البيت ويخدم، والشيطان معروف له مداخل ويسول، ويزين للطرفين حتى يوفق بينهما، وكم أصيبت بيوت المسلمين من المصائب والكوارث، وكم حلت بها النكبات بسبب هؤلاء الأجراء الذين يدخلون البيوت من خدم وسائقين وغيرهم، لا شك أن مثل هذا خطر عظيم، أن يمكن من دخول البيت بغير حضور صاحبه.

"إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته" يعني الآن في بعض البيوت العلاقة بين النساء وهذا الأجير أعظم من العلاقة بين النساء وصاحب البيت، يمينون على السائق أكثر مما يمينون على أولادهم؛ لأن الإنسان في أول الأمر يقول: والله أنا موظف، ولا أجي إلا متأخر، والناس يحتاجون، والبيت يحتاج، وقد يحتاج أمور طارئة، فيزين لهم الشيطان أن يحضر سائق، ويحتاط في أول الأمر، لا يترك المرأة تذهب بمفردها، ولا البنت تذهب بمفردها، ولا كذا ولا كذا، يحتاط في أول الأمر، ثم بعدين يتعبون، يملون، المشاوير كثيرة، تكثر المشاوير إذا كان هناك سائق؛ لأن الأب ما يجيبهم إلى كل ما يطلبون، والأخ والابن لا يجيب في كل ما يطلب، هذا السائق ما جيء به إلا لهذه المهمة، فبمجرد ما يؤمر يأتمر، فتسهل الأوامر، والإجابة حاضرة، هذه المرة تقول: أنا أذهب مع بنتي إلى المدرسة نوصلها ونرجع، أو أذهب مع بنتي إلى المستشفى نوصلها ونرجع، نذهب لكذا وكذا، طيب إلى متى؟ ...... التساهل على شوي شوي، يثقون به، والشيطان حريص، ويحصل هذه كلمة روح جيب لنا كذا، هات كذا، تزول الكلفة بينهم، هذه كارثة، كم من بيت تفرق بسبب هذا التساهل، الرجل في أول الأمر يحتاط، يقول: لا يروح أحد لحاله، ما أدري إيش؟ لكن ما يكفي، هذا مع الوقت يعني يملون الناس، الأم كل ساعة تبي تلبس عبايتها وتطلع مع البنت ما هو بصحيح، يعني لو فعلت ذلك يوم يومين، شهر شهرين إلى متى؟ وقد يجدون من يسهل لهم الأمر بأن يقول: داخل البلد لا هو سفر، والمحرم للسفر، وليس بخلوة؛ لأن الناس يشوفون مع القزاز ومع السيارات، ويتساهل الناس بسبب مثل هذه الفتاوى، وكم من مصيبة، وكم من كارثة، يعني هل تتصور أن بنت في العشرين أو في الخمسة والعشرين تتكئ على المتكأ اللي جنب السائق وهو كذلك، يعني يصل الأمر إلى هذا الحد، حاصل هذا، يعني ما بينهم ولا سانتي واحد، المتكأ الذي في المرتبة بين الراكب والسائق كل واحد يده على..، هذا وش سببه يا إخوان؟ سببه التساهل، عقوبات، فإذا تساهلنا نجني الثمار، هذا لما وظف هذا العسيف، هذا الأجير عنده ما الذي حصل؟ يا أخي الدراسة ما لها لازم، الوظيفة ما لها لازم إن كان لا بد من ارتكاب محرم، ما هو القصد من الدراسة البحث عن ما عند الله -جل وعلا-، سواء كان من علم شرعي ينفع أو من رزق، ما عند الله لا ينال بسخطه ((ولا يحملنكم استعجال الرزق -أو استبطاء الرزق- على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه)) الآن السائق يذهب بالمدرسات أكثر من مسافة قصر، ثم بعد ذلك يقول: أنا لا أستطيع أنزلهم يصلون الفجر في البر، لازم ننتظر إلى أن نصل المدرسة بعد ما تطلع الشمس، ظلمات بعضها فوق بعض، فعلينا أن نحتاط لهذه الأمور، لا بد أن يحتاط المسلم لعرضه.

"إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم" عرف الناس أن ابن هذا الأجير زنى بامرأة هذا، قال: الله يعينك، وذاك راح، أخبروه المستعجلين، خلاص بيرجم ولدك، بعض الناس يسرع بالفتوى وهو جاهل ما يعرف شيء، مرة في مقبرة والميت امرأة فقال واحد من الحاضرين: لا تغطون وجهها، وخلو وجهها إلى السماء تنظر إلى ربها، وش الكلام هذا؟ هل قال بهذا أحد؟ قال: إيه الشيخ فلان يقول هذا، ولا صحيح، ولا شيخ، ولا شيء، الناس يتعجلون في مثل هذه الأمور، لما سمعوا الخبر يا ويلك ولدك بيرجم "قال: وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة" يعني الحدود تباع وتشترى؟ يمكن أن يعوض عنها بقسائم أو شبهها؟ أبداً، الحدود لا يجوز التصرف فيها، ولا يعوض عنها بشيء، وهذا تبديل للشرع؛ لأنه يوجد في بعض البلاد، تبي الحد وإلا تبي البدن؟ يوجد هذا نسأل الله السلامة والعافية "فافتديت منه بمائة شاة ووليدة" جارية "فسألت أهل العلم" نعم ينبغي أن يكون السؤال لأهل العلم لا لغيرهم، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] "فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة، وتغريب عام" في حديث عبادة بن الصامت يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني، خذوا عني، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) "فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم" لأن ابنه بكر، وامرأة هذا ثيب، حد البكر جلد مائة ونفي سنة، وحد الثيب الرجم "وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده))" وهو الصادق المصدوق يقسم ((والذي نفسي بيده)) فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ونفوس العباد بيده -جل وعلا-، ((والذي نفسي بيده)) يقسم على هذا الأمر المهم، ويحلف من غير استحلاف، مما يدل على جواز ذلك ((والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك)) ما عليك شيء، ما عليك جزاء، وليس هذا مما يباع ويشترى، وليس مما يفتدى، ((إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام)) تغريب عام، جلد مائة، مائة جلدة، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النــور] والتغريب ثبت في السنة الصحيحة، وكتاب الله أعم من أن يكون القرآن، بل هو حكم الله الثابت بكتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

"((واغد يا أنيس)) لرجل من أسلم" أنيس الأسلمي ((اغد)) أذهب بالغداة ((إلى امرأة)) المزني بها "((فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت" اغد يا أنيس، وش علاقة أنيس بهذه المرأة؟ هو بيصدق الاعتراف فقط، وينفذ ما أمر به، وينفذ الحد، فدل على أن هذه الأمور من مهام الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في مثل هذا، لا في تصديق اعتراف، ولا في أمر ولا نهي، إلا فيما يتعلق بمحيطهن، امرأة في مدرسة، امرأة في مجمع نسائي، ورأت منكر تغير، أما أن تكلف من قبل ولي الأمر بالأمر والنهي، وتصديق اعتراف وتنفيذ حدود فلا، هذا من مهام الرجال، ما قال: اذهبي يا فلانة أو فلانة إلى امرأة هذا، قال: "((واغد يا أنيس -لرجل من أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت" ليس في هذا ذكر لعدد الاعتراف أنه مرة أو أربع مرات، ويستدل به من يقول: إن الاعتراف يكفي مرة، وفي قصة ماعز -كما سيأتي- أنه اعترف أربع مرات، وليس في هذا أيضاً تعرض لجلدها مع الرجم، وبهذا يستدل من يقول: بأنه لا يجمع بين الجلد والرجم، القضايا التي نفذت في عهده -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر فيها أنهم جلدوا مع الرجم، لكن في حديث عبادة: ((والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) وهذا صريح، كونه لم ينقل في القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام-، كونه لم ينقل تثبت الحجة بحديث عبادة، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من جلد الزاني الثيب مائة ثم رجمه، ومنهم من يقول: ما دامت المسألة إزهاق نفس فلا داعي لهذا الجلد، ولم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جلد مع الرجم، القضايا التي ذكرت كلها فرجم، القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر فيها أنه جلد، لكن يكفي في إقامة الحجة حديث عبادة، لما قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، يعني مضمون هذه الدعوى القذف، أنه قذف المرأة، ولم يطلب النبي -عليه الصلاة والسلام- منه البينة، ولا جلده حد الفرية؛ لأنها اعترفت، ومنهم من يقول: إذا كان في مجال الاستفتاء، ومر في معرض الاستفتاء ما يقتضي مثل هذا، يعني القضية لا بد أن تبسط، لكي يأتي الجواب وافي مطابق للسؤال، فلا بد أن يقال: إن هذا حصل، ولا يحصل الزنا من طرف واحد، لا بد أن يكون من طرفين، فمثل هذا يغتفر؛ لأنه ليس المقصود به قذف المرأة، وإنما جاء قذفها تبعاً لا استقلالاً، يعني لو جاء قال: إن امرأة فلان زنت، قلنا: يا الله البينة أربعة، جمع لك ناس يشهدون أو جلدناك، لكن هذا يستفتي ما حكم كذا وكذا، وحصل كذا وحصل كذا، أهل العلم يقررون أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، نعم.

وعنهما -رضي الله عنهما- قالا: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير)).

قال ابن شهاب: "ولا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟" والضفير: الحبل.

نعم "وعنهما" يعني عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- "قالا: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأمة إذا زنت ولم تحصن" يعني بكر "قال: ((إن زنت فاجلدوها))" اجلدوها الحد، وحدها إيش؟ كم؟ نصف حد الحرة، هذا إذا لم تحصن، لكن إذا أحصنت؟ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] يعني الأمة عليها النصف، نصف حد الحرة، وهنا إذا لم تكن محصنة خمسين جلدة؛ لأن الحرة تجلد خمسين، طيب إذا أحصنت، يعني ثبت حد غير المحصنة بهذا الحديث، وحد الأمة المحصنة ثبت بالآية، طيب هل نقول: نصف الرجم؟ يرجم نصفها؟ أو إذا كانت الحرة تموت بمقدار كذا نصف هذا الحصا نصف هذا الحصا؟ وإلا كيف؟ الرجم هل يتنصف وإلا ما يتنصف؟ هي محصنة ونصف العذاب بالنسبة للحرة نصف رجم؛ لأن الحرة ترجم، لكن الرجم لا يتنصف، فيعدل إلى البدل وهو الجلد، ويبقى حد الأمة سواء كانت محصنة أو غير محصنة جلد خمسين جلدة، خفف عن العبيد والإماء؛ لأنهم يمتهنون ويبتذلون، وظروفهم ما هي بمثل ظروف الأحرار من أن يتقوا لأنفسهم، ويحتاطوا لأنفسهم، هم مبتذلون يعني، بالإمكان أن يقول: اذهبي إلى الجيران فهاتي، اذهبي إلى كذا، المقصود أنها مبتذلة، ولذا خفف عنها الحد.

"إذا زنت ولم تحصن، قال: ((إن زنت فاجلدوها))" وجاء في الحديث الصحيح: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) لا يزيد على الحد، ولا يثرب عليها، لا يلومها، لا يقول لها شيء، لا يجمع لها بين الحد والتعزير بالتعيير وإلا شبهه، لا.

((ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم ليبعها ولو بضفير)) وهنا يقول: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)) ووكل الجلد إلى السيد هنا، هو الذي يقيم الحد على رقيقه، فمنهم من يقول: إن السيد له إقامة جميع الحدود بما في ذلك القطع والقتل، ومنهم من يقول: ليس له إلا ما ورد فيه النص وهو الجلد، أما بقية الحدود فلولي الأمر ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)) بحبل مضفور يعني مجدول مثل ظفر الشعر "قال ابن شهاب: ولا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟" يعني هل تباع بعد الثالثة أو الرابعة بضفير؟ يعني أمة تباع بضفير؟ حبل، يباع بدرهم أو درهمين؟ بثمن بخس، بقيمة تافهة؟ هل هذا مجرد أمر بالمبادرة إلى بيعها بأي سوم؟ بأي قيمة؟ أو أنه فيه ما يوحي ويشعر بالإخبار عن عيبها وهو الزنا، إذا جاء بها للسوق من يسوم؟ فيخبر أنها فعلت وفعلت وفعلت؛ لأنها لن تصل قيمتها إلى الضفير إلا إذا أخبر بعيبها، لن تصل إلى هذا الحد إلا إذا أخبر بعيبها، ولا شك أن الزنا عيب، تنقص به القيمة عند كل أحد، حتى الزناة يتمنون عفايف، ما يتمنون زانيات، يعني كون الإنسان يرضاه لنفسه، لا يرضى أن تكون زوجته أو أمته غير عفيفة، هذا فطري، الزنا عيب تنقص به القيمة، ولا تصل القيمة إلى هذا الحد إلا إذا أخبر عن هذا العيب، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من الإخبار بهذا العيب، ولا يجوز كتمانه؛ لأنه غش، ويطردون هذا في الإخبار بهذا العيب في الحرة أيضاً، وهذه المسألة يكثر السؤال عنها كثيراً، يكثر السؤال عنها، امرأة حصل منها ما حصل، ثم خطبت تخبر الخاطب وإلا ما تخبر؟ مقتضى قول أهل العلم في شرح هذا الحديث أنها تخبر؛ لأن الكتمان غش، وليس هذا بالأمر السهل، بحيث لو عرف فيما بعد الزوج وعرف الأولاد كارثة، فمنهم من يرى أن هذا الحديث يدل على الإخبار بالعيب، والأمة باعتبار أنها تشترى للوطء، وعرضها عرض لسيدها فكذلك الزوجة عرض، فلا يحل كتمان هذا العيب عن المشتري، ولا عن الخاطب، ومنهم من يقول: الشرع جاء بالستر، فيستر عليها، لا سيما إذا تابت وصحت توبتها، وبعضهم يسأل عن مسائل الترقيع، ومسائل إخفاء ما حصل بالعمليات الجراحية وما أشبه ذلك، والمسألة خطيرة، وإذا كانت مثل هذه العمليات تدعو إلى انتشار الفاحشة؛ لأن بعض النساء تحافظ على نفسها؛ لئلا تهدم مستقبلها على حد زعمها، هذه كلمة يتداولونها كثيراً؛ لئلا تهدم مستقبلها تحافظ على نفسها، لكن إذا عرفت أنها تبي تخفي على الخاطب، وتبي تسوي عملية جراحية خلاص ما في شيء يحافظ عليه، فيدعو هذا إلى كثرة وانتشار هذه الفاحشة، وعلى كل حال المسألة تحتاج إلى علاج جذري، ما هي بمسألة حلول جزئية ما تجدي، لا سيما مع وجود هذه القنوات، التي أوصلت الشعور إلى قعر البيوت، وأوقعت في هذه الفاحشة أناس ليسوا من أهلها، ويسرت انتشار مثل هذه الجريمة بين المحارم أحياناً، نسأل الله السلامة والعافية، يعني نشر مثل هذه الأمور صحيح أنه يدمي القلوب، لكن لا بد من حل، يعني كون الإنسان يسكت وفلان يسكت وكذا يسكت متى تنحل المشاكل؟ يعني من له أدنى صلة بالقضاة أو بالهيئات يعرف كثير من هذه الأمور، فكون المسلم لا يدري عن هذه الأمور قد يقع شيء في أقاربه مثلاً نسأل الله السلامة والعافية، فكونه يحتاط لهذا الأمر، والذي جلب مثل هذه المصائب، ومثل هذه الكوارث دخول وسائل الإعلام من الدشوش وغيرها إلى قعر البيوت، ألا فليتق الله -جل وعلا- ولاة أمور البيوت، لا يجلبون المصائب على أنفسهم، ثم بعد ذلك يندمون، ولات ساعة مندم، فعلى المسلم أن يهتم لهذا ويحتاط له، أما مسألة الإخبار وعدمه فهذه مسألة تحتاج إلى بحث مستفيض وفتوى جماعية، نعم.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أبك جنون؟)) قال: لا قال: ((فهل أحصنت؟)) قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه)).

قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فادركناه بالحرة فرجمناه.

الرجل هو ماعز بن مالك، وروى قصته جابر بن سمرة، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنهم-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يجلس في المسجد، والمسجد هو البيت لكل تقي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إمام الأتقياء، فمكثه في الغالب في المسجد، وفيه العلم، وفيه إقامة الشعائر، وفيه تجهيز الجيوش، وفيه كل ما يهم أمر المسلمين مما يقوم به النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت" أهل العلم يقولون: إذا كان الأمر مكروه فلا ينسبه الإنسان إلى نفسه، يعني الرواة ما قالوا: فناداه فقال: يا رسول الله إنه زنى، كما قالوا في قصة أبي طالب: هو على ملة عبد المطلب؛ لأن مثل هذا الضمائر لها أثرها لا يتم الاعتراف الصريح الذي يترتب عليه الحد إلا بنسبة الفعل إلى نفسه، يعني لو قال مثلاً الرواة أبو هريرة قال: جاء رجل من المسلمين فقال: إنه زنى؛ لئلا ينسبه أبو هريرة إلى نفسه، والراوي عن أبي هريرة قال كذلك، قد يظن أن ماعز قال: إنه زنى، ومثل هذا الاعتراف لا يكفي في إقامة الحد، حتى ينسبه إلى نفسه، فهذا له أثر في الحكم فلا يغير الضمير، وإن كان الأصل في مثل هذا الضمير أنه يحرف، يحرفه الإنسان عن نفسه؛ لأنه لا ينسب إلى نفسه ولو في الظاهر هذا الفعل، "إني زنيت فأعرض عنه" أعرض النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جاء تائب، يريد أن يطهره النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الجريمة التي وقع فيها، فمثل هذا التائب يعرض عنه، يستتر بستر الله، يتوب يتوب الله عليه، وهذا بخلاف أهل السوابق من المفسدين، نعم الأصل الستر من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، لكن إذا ستر على أهل الجرائم وأهل السوابق عطلت الحدود، وصار توطئة للإباحية، يعني كل من زنى يستر عليه ما هو بصحيح، لكن من جاء تائباً منيباً وقعت منه هفوة زلة وليست له سوابق، مثل هذا يرجح الستر عليه، أعرض عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- "فتنحى تلقاء وجهه" وجهه هنا فأعرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، فجاء من الجهة الثانية "ثم أعرض عنه" فجاء إلى الجهة الثانية "فتنحى تلقاء وجهه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات" ثنى يعني كرر، أما ثنّى يعني قاله مرتين، كرر ذلك عليه أربع مرات "فلما شهد على نفسه" يعني أقر، والإقرار بمنزلة الشهادة؛ لأنه يطلب لثبوت الزنا أربعة شهود، وكذلك الإقرار أربع مرات، وكل إقرار بمنزلة شاهد، ولذا قال: "فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أبك جنون؟))" هناك في حديث العسيف قال: ((اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) اعترفت، وليس فيه ما يدل على أنها اعترفت أربع مرات، وهنا أربع مرات، ولذا اختلف أهل العلم هل يكفي الإقرار مرة أو لا بد من الاعتراف أربع مرات؟ مسألة خلافية يتمسك بالحديث الأول جمع من أهل العلم، وبالثاني جمع، ومنهم من يقول: إن هذا من باب الستر عليه، ومن باب التأكد، ولذا جاء في الحديث ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كاره لإقامة الحد عليه، رجل تائب ستر الله عليه يستتر، ولذا سأل عنه: ((أبك جنون؟)) وسأل قومه فأجابوه: والله ما رأيناه إلا وفي العقل من صالحينا، سأله أيضاً: ((هل شربت خمراً؟)) فقال: لا، فقال: ((استنكهوه)) شموه، كل هذا ليدرأ عنه الحد -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها وقعت منه هذه الهفوة وهذه الزلة وتاب، ومن تاب تاب الله عليه {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(68-70) سورة الفرقان] هذا من فضل الله -جل وعلا-، أن من تاب تاب الله عليه، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، لكن يبقى النظر في أهل السوابق، وأهل الجرائم الذين آذوا الناس في أموالهم، في أنفسهم، في أعراضهم، هؤلاء لا بد من القضاء على دابر الفساد، نعم إذا عم الفساد وانتشر مثل هذا لا بد أن يضرب على أيدي هؤلاء بيد الحق القوية.

فقال: ((أبك جنون؟)) قال: لا، سأل قومه قالوا: ما علمناه إلا وفي العقل من صالحينا، قال: ((فهل أحصنت؟)) يعني وطئت بنكاح صحيح؟ قال: نعم، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه))" دل على أنه لا يلزم الإمام أن يتولى الرجم بنفسه، أو إقامة الحد، له أن يفوض من يقيم الحد، وفيه الحديث السابق في حديث العسيف، فإن اعترفت فارجمها، فوض إليه إقامة الحد.

"((اذهبوا به فارجموه)) قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: كنت فيمن رجمه، فرجمناه في المصلى" مصلى جنائز خارج المدينة، أو مصلى العيد، المقصود أنهم رجموه في مكان مناسب "فلما أذلقته الحجارة" أرهقته وأقلقته "هرب" فدل على أنه لم يحفر له، وجاء في بعض الروايات أنه حفر له حفيرة، فإن ثبتت هذه الرواية يحمل على أنها حفيرة لا تمنعه من الهرب "هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه" الرجل هو ماعز بن مالك، المقصود أن إقامة الحد بعد الاعتراف بالزنا أمر لا بد منه، لكن هذا الذي هرب بعد ما أرهقته الحجارة جاء التوجيه بأنه هلا تركتموه، النبي من الأصل -عليه الصلاة والسلام- كاره لإقامة الحد على مثل هذا العبد الصالح الزكي الذي أغواه الشيطان في لحظة، وسرعان ما ندم، وسرعان ما تاب، نعم.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن امرأة منهم ورجلاً زنيا، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟)) فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، فأمر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فرجما، قال: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة.

يجنأ: ينحي، الرجل الذي وضع يده على آية الرجم هو عبد الله بن صوريا.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا" اليهود من العام الذي أريد به الخصوص، بعضهم، "جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن امرأة منهم ورجلاً زنيا" يعني بعد الإحصان، بدليل أنهما رجما "فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة))" في شأن الرجم، والأصل أن مثل هؤلاء الكفار عموماً مخاطبون بفروع الشريعة، فإذا تحاكموا إلينا حكمنا بينهم بحكم الله "((ما تجدون في التوارة في شأن الرجم)) قالوا: نفضحهم ويجلدون" وهذا من تغييرهم وتحريفهم؛ لأنهم استحفظوا فلم يحفظوا، بل حرفوا، يحرفون الكلم عن مواضعه، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً "قالوا: نفضحهم ويجلدون" وفي رواية: يحممون، يعني تسود وجوههم ويركبون على دابة، ويطاف بهم في البلد، ويجلدون ويكتفى بجلدهم، وهذا من تحريفهم وتغييرهم وتبديلهم لشرع الله.

"قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها" بسطوها بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- "فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها" أهل مكر، أهل زور "فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، فأمر بهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فرجموا، قال: فرأيت الرجل يجنأ عليها" يعني يحني عليها "يقيها الحجارة" وما زال حبها في قلبه حتى في هذه الظرف الذي فيه مفارقة الدنيا، بأبشع وسيلة للقتل وهو الرجم، فلا شك أن الشيطان إذا زين واستشرف المرأة، وأدخل حبها شغاف القلب، يتعلق الرجل بها، وهذا في مثل هذا الظرف يجنأ عليها، ويقيها ويحميها، ويحني عليها، نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الذي وضع يده على آية الرجم عبد الله بن صوريا" واحد من المحرفين، نسأل الله السلامة والعافية، فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وتقام عليهم الحدود إذا تحاكموا إلينا كما هنا، والرجم مما اتفقت عليه شريعتنا مع ما قبلها من الشرائع، شريعة ثابتة، لا يجوز لأحد أن يبدلها أو يغير صورتها، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو أن رجلاً -أو قال-: امرئ أطلع عليك بغير إذنك فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)).

في الحديث السابق النبي -عليه الصلاة والسلام- رجم اليهوديين بشهادة بعضهم، فدل على أن شهادة بعضهم على بعض مقبولة، وأثبت الإحصان لهما بالنكاح السابق بينهما، فدل على أن أنكحتهم صحيحة، بحيث لو أسلم رجل وامرأته من اليهود أو من النصارى ثبت نكاحهم واستمر، اللهم إلا إذا كان مما لا يقره الشرع بأن تكون من محارمه، أو تكون معه زوجة أخرى لا يجوز الجمع بينهما إلى غير ذلك مما لا تقره الشريعة، فثبت الإحصان لهما، وهو فرع عن نكاحهما السابق فدل على صحة أنكحتهم.

في الحديث الذي يليه: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو أن امرئ أطلع عليك بغير إذن فحذفته))" في رواية: ((فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح)) الاستئذان إنما شرع من أجل النظر، والغلق والأبواب إنما وجدت لحفظ المحارم، وعورات الناس، فالذي يقصد أن ينظر من خلل البيوت، من خلل الأبواب، من شقوقها، مثل هذا يستحق مثل هذه العقوبة، يحذف بحصاة ولو اقتضى الأمر أن تفقأ عينه، مثل هذا يستحق مثل هذه العقوبة، لكن يحذف بحصاة تؤثر عليه تأثيراً لا يكون هو الأشد، إنما يناسب جريمته، فلا يقال مثلاً ضع عندك مسدس وأجلس قدام الباب وأغلق الباب، فإن وجدت أحد يناظر بها المسدس الذي عندك، لا لا ما قال به أحد من العلم، ولا يجوز بحال، نعم الإطلاع على عورات المسلمين حرام، لكن تعالج بقدرها، خذ حصاة واقذف عينه فيها، السمع لو أن إنساناً مع أهله في بيته، وجاء واحد وشايل على أذنه ومع خلل الباب يستمع، هل يأخذ نفس الحكم أو لا؟ تأخذ حصاة تضرب أذنه وإلا هذا خاص بالعين؟ لا شك أن مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، يحتاج إلى رادع، فيردع بما يناسبه؛ لأنه عاصي.

((لو أن امرئ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح)) ودل على تحريم هذا الفعل، وتحريم تتبع عورات المسلمين، والإطلاع على أسرارهم، وقل مثل هذا فيمن يقرأ ما يكتبون من الأسرار، فيمن يصغي إلى أحاديهم، فيمن ينظر إلى بيوتهم، لكن لو كان الباب مفتوح غير مغلق، ومر شخص والتفت، لا شك أنه..، قصد الإطلاع على العورات لا يجوز، لكن هم أهدروا حقهم ليس له أن يحذفه، ما دام الباب مفتوح، نعم ما دام الباب مفتوح ليس له أن يحذف، لكن ليس للآخر أيضاً أن يقصد النظر ويطلع على ما في البيت بحيث يركز النظر، ينظر إلى البعيد والقريب، ولو أراد تقرير مفصل عن الأسرة بمجرد هذه النظرة بعض الناس عنده استعداد، نعم بعض الناس بمجرد نظرة يتأمل كل شيء، ويدقق وينظر، يعني في نفسك وفي بيتك، وفي ما خلقت له من الشغل والعمل ما يغنيك عن مثل هذه الأمور، لكن بعض الناس لا سيما من ضيع أوامر الله يبتلى بمثل هذه التي هي عليه وليست له، وعرف من بعض الناس أنه يسلك الطريق الأبعد من بيته إلى المسجد والعكس، لماذا؟ لأن في طريقه الأقرب أناس يتساهلون في إغلاق الباب، يقول: أخشى أن تقع عيني على شيء لا يجوز لي النظر إليه، ولا شك أن الأمة ما زال فيها خير ولله الحمد، طيب هذا جالس يستمع أو ينظر فجاء صاحب البيت فحمل صخرة ورماها عليه من فوق، يضمن وإلا ما يضمن؟ وأذن له أن يحذفه بحصاة، ولو حصل من هذا الحذف فقئ العين فهدر لا يضمن، لكن قال: والله إني لأدبه وأدب غيره، لا أخلي أحد يمر مع هذا الباب ما هو بيطلع، شال صخرة ورماه بها، يضمن، لا شك أنه يضمن، ولا يهدر مثل هذا، نعم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: حد السرقة

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن قيمته، وفي لفظ: قيمته ثلاثة دراهم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)).

نعم حد السرقة، والسرقة: أخذ المال خفية من حرز، أخذ مال يبلغ النصاب خفية من حرز مثله، بهذا يجب الحد الذي هو قطع اليد، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] وهنا قدم السارق، وفي الزنا قدمت الزانية، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [(2) سورة النــور] قالوا: لأن الرجال في الأموال أدخل من النساء، والنساء في ذلك الباب أدخل من الرجال.

"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وفي لفظ" ثمنه" وش الفرق بين اللفظين القيمة والثمن؟ القيمة إيش؟

طالب:......

والثمن؟

نعم؟ ما الفرق بينهما؟ الثمن يعني الذي أشتري به المجن، والقيمة ما يقوم به المجن وقت السرقة، يعني الآن إذا اشتريت أرض للتجارة بمائة ألف، فانحال عليها الحول تسأل العقاريين يقولون: تسوى تسعين ألف، أو مائة وعشرين ألف، ثمنها مائة ألف، وقيمتها تسعين أو مائة وعشرين، يعني ما تستحقه في وقت حلول الزكاة وقيمته ثلاثة دراهم، يعني يقوم بثلاثة دراهم، فدل على أن الثلاثة دراهم نصاب تقطع به اليد في السرقة، قل مثل هذا في حديث "عائشة -رضي الله عنها-  أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً))" ربع الدينار يعادل ثلاثة دراهم؛ لأن الدينار اثنا عشر درهم، ودية المسلم ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، فسواء بلغت قيمة المسروق ثلاثة دراهم أو ربع دينار تقطع اليد، وكل منها أصل برأسه، ومنهم من يرى أن الأصل الفضة يقوم بها الذهب، ومنهم من يرى أن الأصل الذهب ترد إليه الفضة، وإذا كان المسروق عرض من عروض التجارة يرد إلى أصله من الذهب والفضة، وأهل الظاهر لا يشترطون النصاب، بل يقطعون في كل شيء صغير وكبير؛ لأن الآية مطلقة ما فيها قيد، لكن السنة جاءت بالقيد، وكانت اليد لا تقطع في الشيء التافه كما في حديث عائشة.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وتقطع اليد في ربع دينار فصاعداً، فدل على أنها لا تقطع في أقل من ربع دينار، لا تقطع في أقل من ربع دينار، الذي يساوي ويعادل ثلاثة دراهم، والحنفية عندهم النصابة عشرة دراهم، ومنهم من يرى أن النصاب خمسة دراهم، والخمس لا تقطع إلا في خمس إلى أقوال كثيرة لأهل العلم، المقصود أن النصاب على ما جاء في هذين الحديثين الصحيحين، وهو المعتمد ربع دينار أو ثلاثة دراهم، واليد تقطع، اليد اليمنى تقطع من مفصل الكف من الرسغ، من مفصل الكف؛ لأنها جاءت مطلقة، وهذا أقل ما تطلق عليه اليد، يعني لا من المرفق ولا من الإبط، إنما تقطع من مفصل الكف، ولا يكتفى بالأصابع؛ لأنها لا تسمى يد، وإن قال الشريف الرضي في أماليه: إن اليد تقطع بالأصابع، لكن هذا القول مرذول مهجور، نعم فاليد تقطع من المفصل من الرسغ؛ لأنها أقل ما يطلق عليه الاسم، ولا تقطع من المرفق، منهم من..، قد يقول قائل: لماذا لا يحمل المطلق على المقيد؟ اليد في آية السرقة مطلقة، وفي آية الوضوء مقيدة إلى المرافق، لماذا لا يحمل المطلق على المقيد؟ يحمل المطلق على المقيد هنا أو ما يحمل؟ لماذا لا نحمل اليد المطلقة في آية السرقة على اليد المقيدة في آية الوضوء؟ اختلف الحكم والسبب، وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، لكن لو اختلف الحكم فقط واتحد السبب يحمل المطلق وإلا ما يحمل؟ اختلف الحكم واتحد السبب، اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق وفي آية التيمم مطلقة، نمسح بالتيمم إلى المرافق وإلا ما نمسح؟ اختلف الحكم واتحد السبب، السبب الحدث، والحكم هنا غسل وهنا مسح اختلف، هنا الأكثر على أنه لا يحمل المطلق على المقيد؛ لاختلاف الحكم وإن اتحد السبب، منهم من قال: تسمح اليد إلى المرافق؛ لأن السبب واحد، والعكس فيما إذا أتحد الحكم واختلف السبب فيحمل المطلق على المقيد كما في الرقبة في آية الظهار وآية القتل في كفارة الظهار الرقبة مطلقة، وفي كفارة القتل الرقبة مقيدة بالإيمان، الحكم واحد، فيحمل المطلق على المقيد، وإن اختلف السبب خلافاً للحنفية، أما إذا اتحد الحكم والسبب فلا خلاف، الدم مطلق {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] وجاء تقييده  {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] والحكم والسبب متفقان يحمل المطلق على المقيد بلا خلاف، نعم.

عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه أسامة فقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟)) ثم قام فاختطب فقال: ((إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

وفي لفظ: كانت امرأة تسعير المتاع وتجحده فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدها. 

نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت" ننتبه لقوله: سرقت، هذا الوصف مؤثر، أهمهم شأن المخزومية، يعني كونها مخزومية مؤثر وإلا غير مؤثر في الحكم؟ لا أثر له، نأتي إلى القيد الذي "التي سرقت" مؤثر، "فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" يعني ليشفع لها، يعفيها من إقامة الحد، الآن الحكم والحد رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصل الحكم إلى السلطان "فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني محبوبه، "وابن حبه" يعني ابن المحبوب زيد بن حارثة "فكلمه أسامة" واسطة الحب بن الحب، لكن ما الذي حصل؟ غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟)) لماذا؟ لأنه بلغ السلطان، وجاء في الخبر: ((وإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه)) "((أتشفع في حد من حدود الله؟)) ثم قام فاختطب" قام النبي -عليه الصلاة والسلام- خطيباً لينكر هذا المنكر العظيم، ولينبه، وليقطع الطريق على من أراد أن يتدخل في إقامة الحدود "ثم قام فاختطب، فقال: ((إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد))" هذه طريقة من قبلكم من اليهود ومن قبلهم، عطلوا الحدود بهذه الطريقة، هذا شريف ما يقطع، هذا له قبيلة تحميه ما يقطع، هذا غني يمكن يستفاد من أمواله ما يقطع، هذا وجيه، هذا كذا، الضعيف هاتوه، شافوا المسألة مشكلة اضطراب في الحكم، فلان يقطع وفلان ما يقطع، وفلان يختلفون عليه، والأمير مع وزيره لا يقطع.....، تصير مشاكل، فعوضوا عن القطع بالبدل، ثم عطلوا هذا الحد، وهلكوا بسببه ((إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)) ثم أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- إقامة وتنفيذ ما أمر بتنفيذه من حدود الله -جل وعلا- قال: ((وأيم الله)) قسم ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) ما في محاباة لا شريف ولا وضيع، لا كبير ولا صغير ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) سيدة نساء أهل الجنة، وأبوها سيد ولد آدم، وبهذا يتم امتثال الرعايا، ما هو بالكلام النظري، امتثال الرعايا لما أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- تحريم القتل في حجة الوداع، وتحريم الربا قال: ((أول دم أضعه دمنا، دم ابن ربيعة بن الحارث، وأول ربا أضعه ربانا، ربا العباس)) الناس يحتاجون إلى قدوة، يتقدم الناس بالفعل، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمر الناس بأن يحلقوا رؤوسهم في الحديبية تأخروا، لما حلق رأسه كادوا أن يقتتلوا، ولذا قال: ((وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

"وفي لفظ: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطع يدها" هذه هي المرأة الأولى، هي المخزومية، المرأة هي هي، لكن القطع بسبب السرقة التي أشير إليها في أول الأمر، سرقت أو بسبب استعارة المتاع وجحده؟ استعارة المتاع وجحده هذه خيانة ولا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس، المقصود أن الوصف المؤثر في الحكم هل هو السرقة وإلا الاستعارة؟ استعارة المتاع مع جحده مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إنها وصفت بأنها تستعير، عرفت بهذا، لكن ما قطعت من أجله، إنما قطعت من أجل السرقة، والنصوص كلها تدور على قطع السارق لا غير، ومنهم من يقول: إن هذا وصف مؤثر وتستعير المتاع وتجحده فحكمها حكم السارق، والأكثر على أنه لا يقطع جاحد العارية، رواية عند الحنابلة على أنه يقطع، ورجحها بعض أهل التحقيق، نعم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: حد الخمر

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدة نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر -رضي الله عنه-.

باب: حد الخمر

والخمر: ما خامر العقل وغطاه من أي مادة كان، سواء كان من العنب أو من التمر أو من الزبيب أو من التفاح أو من أي مادة كان، كل ما أسكر فهو خمر، كل ما غطى العقل وخامره فهو خمر موجب للحد، وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام.

"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدة نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر" جلد أربعين، يعني الجلد -جلد الشارب- في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو أربعين، فعله أبو بكر جلد أربعين أيضاً "فلما كان عمر استشار الناس" لأنه كثر الشرب في عهده، يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- قضايا محدودة، وفي عهد أبي بكر كذلك، الناس أدنى شيء يردعهم، النصوص تردعهم، لكن الناس إذا تتابعوا على شيء بحاجة إلى مزيد رادع، بحاجة إلى من يردعهم، فلما كان عمر، يعني جاءت ولاية عمر وكثر في الناس استشار الناس "فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر -رضي الله عنه-" يجلد الشارب ثمانين؛ لأن الأربعين ما تردعه، وفي حديث آخر: أنه لما استشارهم قال علي بن أبي طالب: إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، وحد الفرية ثمانون، يعني أقل شيء ثمانين، فاتفق رأي علي -رضي الله عنه- مع رأي عبد الرحمن بن عوف فنفذ عمر -رضي الله عنه- الثمانين.

ولذا اختلف العلماء في حد الخمر، أولاً: الخمر موجب للحد، وإذا أوجب الحد فهو كبيرة من كبائر الذنوب، وجاء لعنه، وجاء أن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، فأمرها عظيم، وهي أم الخبائث، لكن هل حدها أربعون، كما كان في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر أو ثمانون كما نفذه عمر ووافقه عليه الصحابة؟ أو هو تعزير؟ المرجح أنه حد، والثمانون اتفق عليها الصحابة، وقال به جمهور أهل العلم، ومنهم من يرى أن الحد أربعين، والزيادة إلى الثمانين تعزير، وهذا قول عند الشافعية معروف، وهو تعزير لكن لو احتاجوا إلى رادع أكثر، ما ارتدعوا بالثمانين هل نزيد؟ نقول: اتفق الصحابة على الثمانين، لا يزاد في هذا الحد، حديث معاوية وغيره: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم الرابعة فاقتلوه)) يعني المدمن، المدمن يكفي جلده أو لا بد من قتله؟ الجمهور على أن هذا الحديث منسوخ، وأن الشارب لا يقتل أبداً إنما يجلد، وهذا الحديث منسوخ، وأدعى بعضهم الإجماع على ترك العمل به، النووي نقل الإجماع على ذلك، والترمذي ذكر في علل الجامع أنه ليس في كتابه حديث اتفق الناس على عدم العمل به إلا هذا الحديث، وحديث الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، المقصود أن هذا مما نقل الاتفاق على عدم العمل به، مع أن أهل الظاهر يعملون به، ابن حزم يرى قتل المدمن، إذا شرب الرابعة يقتل، يرى أنه لا ينقطع دابر هذه الجريمة، هذه الكبيرة من كبائر الذنوب إلا بتشديد العقوبة، يقتل، وهذا القول يرجحه السيوطي والشيخ أحمد شاكر، وألف فيه رسالة (كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر) المقصود أن هذا قول لأهل العلم يستند إلى مثل هذا الدليل، وشيخ الإسلام وابن القيم يقولا: إن الحديث ليس بمنسوخ، لكنه ليس بحد، هذا مرده إلى الإمام، يعني تعزير، إذا رأى الإمام الناس لا يرتدعون عن شرب الخمر إلا بالقتل يقتل، استناداً إلى هذا الحديث، وعامة أهل العلم على أن الخبر منسوخ، نعم.

وعن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله))" الحدود المقررة المحددة شرعاً في الخمر وفي الزنا وفي القذف وغيرها، المحددة بالجلد، السرقة قطع، قاطع الطريق جلد؟ لا إحنا نتكلم عن الجلد، الخمر والزنا والقذف، أقل هذه الحدود الخمر على خلاف هل يبلغ إلى حد القذف أو لا يبلغ؟ وأعلاه الزنا، الأمور التي لا تقتضي حد تقتضي تعزير، شخص عنده مخالفة دون الحد، هل يجلد ما يزيد على الحد؟ يعني شخص اتهم بالزنا وفعل مع المرأة ما يفعله الرجل مع امرأته إلا أنه لم يصل إلى حد الزنا هل نقول: يمكن يعزر بما يزيد على مائة جلدة؟ نعم هو لم يثبت في حقه الزنا، لكن فعل مع المرأة..، دعونا من كونه اختطفها اغتصبها هرب بها وأخفاها مدة، هذه جرائم كبيرة يقدرها الإمام في وقتها، لكن حصل معه خلوة بامرأة، وفعل معها ما فعل إلا أنه لم يثبت الزنا، لا يبلغ هذا إلى مسألة الحد، لا يبلغ به مائة، دون المائة دون الحد، لكن هل يزاد على عشرة أسواط؟ وما المراد بالحد هنا؟ ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)) هل المراد به الحدود المقدرة فإذا فعل ما فعل ما لم يثبت الحد لا يجلد أكثر من عشرة أسواط؟ أو نقول: إنه لا يبلغ به الحد المحدد في الفعل المرتب عليه الحد الكامل إذا كان من جنسه؟ ويكون المراد في الحد المحرم، إذا ارتكب محرم يجلد فوق عشرة أسواط، إذا لم يرتكب محرم وخالف الأدب يؤدب، ومثل هذا المعلم مع طلابه، إذا خالفوا الأدب، وأساءوا الأدب أو تركوا الحفظ يضربهم، لكن ما يجلدهم عشرة أسواط، فوق عشرة أسواط، والرجل يؤدب ولده، والرجل يؤدب زوجته، لا يصل بها إلى أكثر من عشرة أسواط، ما لم ترتكب حد، وحدود الله محارمه، بغض النظر عن كونها رتب عليها حدود في الدنيا أو لا، ومنهم من يقول: إلا في حد من حدود الله المقدرة، الأربعين أو الثمانين أو المائة، فإذا حصل من العبد الرقيق ما يحصل مما لم يثبت به الحد، وقلنا: إنه يجلد نصف الحر، ما يبلغ به خمسين جلدة ما لم يثبت عليه الزنا فيوصل به الخمسين، وقل مثل هذا في بقية الحدود، عل الخلاف في المراد بقوله: ((إلا في حد من حدود الله)) إذا كان المحرم، إذا ارتكب محرم ولو لم يكن في حد يتجاوز به، هناك قضايا يحتف بها ما يحتف مما يجعلها أعظم من الحدود، شخص تكلم بكلمة قذف يجلد ثمانين، شخص شرب كأس من الخمر يجلد ثمانين، وقع زنى بامرأة يجلد مائة، لكن هناك جرائم، يوصل بعض القضاة التعزير إلى المئات بل إلى الألوف؛ لأن هناك جرائم تفنن فيها الفجرة والفساق، يعني شخص أغلق بابها، أو أختطف امرأة وجلست عنده أيام طويلة أو أشهر، وصورها ونشر الصور، وفعل وكذا، يحتاج إلى من يردعه هذا، هذا احتف بفعله جرائم كبرى، هذا يبالغ بتأديبه وتعزيره وردعه وردع أمثاله، فالآثار المترتبة على مثل هذه الأفعال كبيرة، فليكن الرادع كبير، وبعض الناس ينتقد القضاء والقضاة بأن بعضهم يشد على بعض الناس، لا ما هو بصحيح أبداً؛ لأن هذه الحدود إنما شرعت للعلاج، وتصفية المجتمع الإسلامي من هذه القاذورات وإلا صار الناس وحوش إذا لم يجد ما يردعهم، لا سيما مع تيسر أسباب الفساد، وما يعين على انتشار الرذيلة، لا بد من الأطر، ولا بد من حمل الناس على الحق، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"