شرح منظومة الزمزمي في علوم القرآن (09)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء وأوفره، واغفر للحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الناظم -رحمه الله-:

النوع الرابع: ما خص منه أي من الكتاب بالسنة:

تخصيصه بسنة قد وقعا
آحادها وغيرها سواءُ

 

فلا تمل لقول من قد منعا
فبالعرايا خصت الرباءُ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع الرابع من أنواع العقد الخامس مما يرجع إلى مباحث المعاني:

"ما خص منه" أي: من الكتاب السنة، مسألة تخصيص الكتاب بالسنة، التخصيص رفع جزئي للحكم، فجمهور أهل العلم يرون عدم نسخ الكتاب بالسنة؛ لأنه رفع كلي، وأما التخصيص الذي هو رفع جزي لا يرون به بأسًا، وأن السنة تخصص الكتاب، بخلاف النسخ فالجمهور على أن السنة لا تنسخ الكتاب، وإن قال بعض أهل التحقيق بجواز ذلك؛ لأن الكل وحي.

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"تخصيصه" يعني الكتاب "بسنة" صحيحة أو حسنة "قد وقعا" الألف هذه للإطلاق، ووقوع هذا النوع كثير، ففي قوله -جل وعلا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] الميتة من ألفاظ العموم لأن (ال) جنسية، خص منه بالسنة السمك والجراد ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) فالسمك والجراد ميتة، لكنها مخصوصة بالسنة من عموم قوله -جل وعلا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] فهذا مثال، يقول:

تخصيصه بسنة قد وقعا

 

فلا تمل لقول من قد منعا

المنع يذكر عن أبي حنيفة -رحمه الله-، وأن في التخصيص وإن كان رفعًا جزئيًا إلا أنه إلغاء لبعض الأفراد التي يتناولها العام، فهي مشبهة للنسخ من وجه، وإن لم يكن رفع كلي، إلا أنه رفع جزئي، فلا يكون ذلك إلا بما يقاوم المرفوع في القوة والسنة لا تقاوم الكتاب في قوتها، فالنسخ والتخصيص عنده من باب واحد.

"آحادها" يعني آحاد السنة، وهو ما لم يبلغ حد التواتر "وغيرها" أي غير الآحاد من المتواتر "سواء" يعني يخصص الكتاب بما ثبت في السنة، سواءً بلغ حد التواتر أو لم يبلغ.

"فبالعرايا" جمع عريَّة كعطية وضحية، وعطايا وضحايا "خصت الرباءُ" استثنيت العرايا، العرايا من المزابنة التي جاء تحريمها، والمزابنة مفضية إلى الربا؛ لأنه لا تتحقق فيها المماثلة، بيع التمر رطبًا على رؤوس النخل بتمر جاف بكيله من الجاف، أو بما يؤول إليه من الجاف، هذه هي المزابنة، ولعدم تحقق المماثلة وجد الربا في هذه الصورة، استثني من هذه الصورة العرايا في خمسة أوسق، أو ما دون خمسة أوسق، العرايا نوع من المزابنة، ينطبق عليها تعريفها، إلا أنها خصت بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا العرايا)) والعرايا كما هو معلوم من احتاج إلى تمر رطب يأكله مع أولاده وأسرته مع الناس، ولا يكون عنده ما يشتري به إلا التمر الباقي من تمر العام الماضي الجاف، فلو باعه ما حصلت له القيمة التي يريد ويشتري بها ما يكفيه ويكفي أولاده، فيقال له رفقًا به: لك أن تشتري به رطبًا، وهذا مخصوص من المزابنة.

الربا ثبت تحريمه بالكتاب {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [(275) سورة البقرة] حرَّم بالكتاب وبالنصوص القطعية في أكثر من آية محرم، خص بالعرايا، وإن كان فيها ربا إلا أنها مخصصة، والحاجة التي يحتاجها من يريد التمر الرطب لولا النص ما أبيح الربا القطعي بمجرد الحاجة، لكن النص أجاز العرايا؛ ولذا لا يقال: إن كل حاجة تبيح المحرم، وقد تكون بعض الحاجات أشد من حاجة مريد العرية، لكن لا يجوز له أن يتجاوز ما حرم الله عليه إلا بنص أو ضرورة، إذا كان التحريم بنص من الكتاب أو من السنة فلا يبيحه إلا الضرورة، على ما ذكرناه مرارًا.

أما ما مُنع باعتباره فرد من أفراد قاعدة عامة مثلًا، أو قاعدة أغلبية، أو حرم بعمومات لم ينص عليه بذاته، فمثل هذا من أهل العلم من يرى أن الحاجة تبيحه.

المزابنة ربا، والعرايا ربا لعدم التماثل، فاستثناؤها تخصيص لتحريم الربا.

طالب:......

لا، هي ربا إذا لم تتحقق المماثلة، عدم العلم بالتساوي كالعلم بالتفاضل، ولم تتحقق في المزابنة ولا في العرايا، المزابنة باقية على النهي، والعرايا مستثناة، فهي مخرجة من تحريم الربا.

نعم.

طالب: أثابكم الله.

قال -رحمه الله-:

النوع الخامس: ما خص به من السنة

وعز لم يوجد سوى أربعةِ
والصلوات حافظوا عليها
حديث ما أبين في أولاها
لقوله: أمرت أن أقاتلا
وخصت الباقية النهي عنِ

 

كآية الأصواف أو كالجزيةِ
والعاملين ضمها إليها
خص وأيضًا خص ما تلاها
من لم يكن لما أردت قابلا
حل الصلاة والزكاة للغني

النوع الخامس: ما خص به من السنة، عكس النوع السابق، النوع السابق الكتاب يأتي عام والسنة مخصصة، النوع الخامس: السنة عامة والكتاب مخصص.

يقول: "عز" يعني قل، فلم يوجد تخصيص السنة بالكتاب سوى أربعة مواضع فقط، والحصر هذا يحتاج إلى استقراء تام، فهذه المواضع الأربعة التي زعم الناظم تبعًا لصاحب النُّقاية أنه لا يوجد غيرها، كآية الأصواف، {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [(80) سورة النحل] تدل على طهارة هذه الأصواف، وطهارة هذه الأوبار والأشعار، إذ لو لم تكن طاهرة لما امتن الله -جل وعلا- بها، وهذه الآية مخصصة لعموم حديث ((ما أبين من حي فهو كميتته)) والحديث عند الترمذي وأحمد والحاكم من طرق كلها ضعيفة، وحسنه بعضهم كالترمذي بمجموع طرقه، فله طرق متباينة تدل على أن له أصل ليس بضعيف الضعف الشديد، فمنهم من حسنه، ومنهم من قال: الصواب إرساله كالدارقطني، المقصود أن هذا الحديث عام مخصص بالآية {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [(80) سورة النحل] ومعلوم أن الأصواف تجز، والبهيمة حية، وكذلك الأوبار والأشعار غالبًا، كما أنها إذا ذبحت يُجز شعرها، أو يبقى على الجلد، المقصود أنه طاهر بالآية، سواء أخذ منها في حال الحياة، أو بعد مفارقتها الحياة بذبح أو موت، وهذا على أن الصوف حكمه حكم المتصل، أما إذا قلنا: إن الصوف والظفر أحكامه أحكام المنفصل فلا إشكال، ولا نحتاج إلى مثل هذا؛ لأنها ما أبينت هي في الأصل حكمها حكم المبان المنفصل، وهذه المسألة مسألة خلافية بين أهل العلم، ومن أراد القاعدة والتمثيل عليها فعليه بقواعد ابن رجب، ذكر هذه القاعدة، هل الصوف والظفر، الشعر والظفر في حكم المتصل أو في حكم المنفصل؟ وما يتفرع على ذلك من أحكام، هذا موجود في القواعد لابن رجب، كأنهم يميلون إلا أنها في حكم المنفصل، وأنها لا يتأثر الحيوان بجزها ولا يشعر بذلك، فهي بحكم المنفصل، أما ما يدخل في الأيمان والنذور من ذلك فلو حلف ألاَّ يضع يده على بهيمة ووضع يده على شعرها يكون حينئذٍ قد وضع يده على البهيمة، لو حلف لا يمس بهيمة فمس شعرها، وقلنا: إن الشعر في حكم المنفصل، نقول: ما مس البهيمة، لكن مثل هذا المثال يخرج بكون الأيمان والنذور مردها إلى الأعراف، والعرف لا شك أنه جارٍ على أن من وضع يده على بهيمة فقد مسها، ووضع يده عليها، والإمام مالك يرجعه إلى نيته.

"كآية الأصواف أو كالجزية" قال فيما بعد: "حديث ما أبين في أولاها" ما أبين خص في أولى هذه الآيات التي هي آية الأصواف "أو كالجزية" وأيضًا خص ما تلاها بقوله: ((أمرت أن أقاتل)).

"من لم يكن لما أردت قابلا" الحديث عام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلا إله الله)) خص من ذلك أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية، فالحديث عام، والآية خاصة: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(29) سورة التوبة] فإذا أعطوا الجزية خرجوا من عموم الحديث، على الخلاف بين أهل العلم في كون الجزية خاصة باليهود والنصارى أو هي لهم ولم له شبهة كتاب كالمجوس أو لجميع طوائف الكفر من المشركين وغيرهم، على كل حال هذا جارٍ على أن الجزية خاصة بأهل الكتاب.

"أو كالجزية * والصلوات حافظوا عليها" في آية البقرة: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] مع ما جاء في النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة الخمسة، فالمحافظة على الصلوات والصلاة والوسطى، يراد بالصلوات هنا الفرائض، الصلوات في الآية الفرائض، وأحاديث النهي عامة شاملة للفرائض وغيرها، فتخص أحاديث النهي بالفرائض، والصلوات حافظوا عليها، يقول: وخُصت الباقية من الآيتين النهي عن حل الصلاة، فالنهي عن حل الصلاة في أوقات النهي الخمسة مخصوص بالفرائض؛ لقوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] فتؤدى في أوقاتها، وإذا نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، وهذا من المحافظة عليها، ولو كان في وقت نهي، هذا بالنسبة للفرائض ظاهر، ولم يقل: بأن النهي يتناول الفرائض إلا أبو حنيفة فيما إذا انتبه لصلاة الصبح مع بزوغ الشمس، يقول: يؤخرها حتى ترتفع الشمس، وينتهي وقت النهي، هذا مذهبه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ناموا عن صلاة الصبح أمرهم بالانتقال من المكان من الوادي الذي ناموا فيه، يقول الحنفية: من أجل أن يرتفع وقت النهي، ترتفع الشمس ويزول وقت النهي، والصواب: أن الشمس قد ارتفعت قبل أن يستيقظوا، وزال وقت النهي قبل استيقاظهم؛ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، والشمس لا يصير لها حر إلا إذا ارتفعت كما هو معلوم، المقصود أن الفرائض مستثناة من النهي عن الصلاة في الأوقات، أما ما عدا الفرائض فالنهي يتناوله، على خلاف بين أهل العلم في ذوات الأسباب هل تفعل في أوقات النهي أو لا تفعل؟ الذي يهمنا من الأمثلة تخصيص أحاديث النهي بقوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] لأن هذا من مباحث الكتاب، من باب الاستطراد أن نعرض لغير هذه الآية، فجاء في الباب أحاديث النهي، النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، والنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وحديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" مع ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ومع الصلاة بعد الوضوء في حديث بلال، وأدلة أخرى كلها... ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) المقصود أن هناك صلوات لها أسباب، تتعارض أحاديثها مع أحاديث النهي، فالجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا يفعل في الأوقات الخمسة شيء من النوافل ولو كان له سبب؛ لأن الخاص مقدم على العام.

الشافعية يعكسون، فيقولون: أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات التي جاء ذكرها، والخاص مقدم على العام، وليس قول إحدى الطائفتين بأولى بالقبول من قول الطائفة الأخرى، فهما مستويان، وبين هذه النصوص العموم والخصوص الوجهي، وليس العموم والخصوص المطلق كما يدعيه كل فريق، كل فريق يرى أن أحاديثه خاصة، وأحاديث خصمه عامة، والخاص مقدم على العام، لكن من خلال النظر في نصوص الفريقين كلامهم كله صحيح، فأحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة بهذه الصلوات، فالعموم والخصوص وجهي، ونحتاج إلى مرجح خارجي، والمسألة يطول شرحها، لكن المرجح عندي أن الوقتين الموسعين لا مانع من الصلاة فيهما لذوات الأسباب؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين من باب نهي الوسائل؛ لئلا يستمر يصلي حتى يأتي الوقت المضيق.

أما الوقت المضيق فالنهي فيها أشد، ولا يقتصر النهي فيه على الصلاة، بل يتناول ذلك إلى دفن الأموات؛ لئلا يحتاج إلى الصلاة، فالمسألة فيها أشد، وسبب النهي تعلق الكفار بطلوع الشمس وغروبها، ولا يمكن أن يتعلق بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر؛ لأن الطلوع والغروب بقي عليه وقت طويل، ويبقى أنه نهي وسيلة؛ لئلا يستمر الإنسان يصلي إلى أن يضيق الوقت، كما قال ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما، والمسألة طويلة الذيول، وبحثت في مناسبات كثيرة.

والصلوات حافظوا عليها

 

والعاملين ضُمها إليها

يعني في حديث... {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] هاه؟ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} مع حديث: ((لا تحل الصدقة لغني)) (غني) نكرة في سياق النفي فتشمل كل غني، والعامل عليها يستحق الزكاة بالنص بالآية، وإن كان غنيًّا فهو مخصوص من عموم الحديث، هذا ما يريده المؤلف من هذه الأمثلة يقول:

وعز لم يوجد سوى أربعةِ

 

كآية الأصواف أو كالجزيةِ

آية الأصوات خصت حديث: ((ما أبين من حي فهو كميتته)) "أو كالجزية" {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(29) سورة التوبة] خصت حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)).

"والصلوات حافظوا عليها" خصت أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة، والعاملين...

والصلوات حافظوا عليها

 

والعاملين ضُمها إليها

خصت حديث: ((لا تحل الصدقة لغني)).

"حديث ما أبين في أولاها" يعني آية الأصواف.

...................................
لقوله: أمرت أن أقاتلا

 

خُص وأيضًا خُص ما تلاها
...................................

 للإطلاق.

"من لم يكن لما أردت –من النطق بالشهادتين- قابلًا".

"وخصت الباقية -من الآيتين- النهي عنِ  *  حل الصلاة والزكاة للغني" ظاهر وإلا مو بظاهر؟ الأمثلة ظاهرة -إن شاء الله تعالى-، نعم.

طالب: أثابكم الله.

قال -رحمه الله-: المجمل والمؤول

ما لم يكن بواضح الدلالةِ

 

كالقرء إذ بيانه بالسنةِ

عن ظاهر ما بالدليل نزلا

 

كاليد لله هو اللّذْ أوِّلا

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع السادس: المجمل

المجمل: الذي لم تتضح دلالته على معناه بمرده، فمثلًا الأمر في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] لو لم يرد في الصلاة إلا هذا النص كيف نصلي؟ اللفظ مجمل بين بفعله -صلى الله عليه وسلم- وبقوله.

نعم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وبقوله في جميع أجزاء الصلاة، وجاءت فيها النصوص بقوله وفعله، فتم بيانها، ومن ذلك الحج {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [(97) سورة آل عمران] طيب كيف يحج الناس لو لم يكن إلا هذه الآية؟ لما استطاع الناس التطبيق، لكنه بيّن بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وبقوله في أحكام المناسك، وبقوله أيضًا: ((خذوا عني مناسككم)).

اختلف في وقوع المجمل في القرآن، فالجمهور على أنه واقع، خلافًا لداود الظاهري، والواقع يرد قول داود، فالآيات والنصوص المجملة جاء بيانها، وقد يتأخر بيانها، يأتي النص المجمل، ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة، أما تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا لا يجوز عند أهل العلم ولا يظن، إنما يتأخر البيان إلى وقت الحاجة.

"ما لم يكن بواضح الدلالة" الذي لم تتضح دلالته على معناه، يعني لفظ لم يكن بواضح الدلالة لسبب من الأسباب كالاشتراك مثلًا، الاشتراك الذي تقدم، القرء مجمل؛ لأنه يحتمل أكثر من وجه، ودلالته على الحيض ليست بأوضح، يعني دلالة على الحيض ليست بأوضح من دلالته على الطهر، فمن الأسباب التي تسبب الإجمال الاشتراك في اللفظ مثلًا، ومن أسبابه الحذف: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} [(127) سورة النساء] (أن) وما دخلت عليه تؤول بمصدر ترغبون نكاحهن، لكن ترغبون فيه أو عنه؟ حُذف الحرف فاحتمل الأمرين، ومنها احتمال العطف والاستئناف {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [(7) سورة آل عمران] فالواو هذه محتملة لئن تكون عاطفة {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ} [(7) سورة آل عمران] وحينئذٍ يكون الراسخون عالمين بتأويل المتشابه، وإذا قلنا: إنها استئنافية والوقف على لفظ الجلالة قلنا: إن علم المتشابه خاص بالله تعالى، ولا يعلمه أحد، وأما وظيفة الراسخين هي قوله: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [(7) سورة آل عمران] فهذا محتمل للعطف والاستئناف، فوقع بسببه الإجمال.

"ما لم يكن بواضح الدلالةِ * كالقرء" لفظ مشترك بين الحيض والطهر، أحمد وأبو حنيفة، يقولون: المراد به الحيض، الحنابلة والحنفية يقولون: المراد الحيض، والمالكية والشافعية يقولون: المراد الطهر، دليل الحنابلة والحنفية، في الحديث الصحيح: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) يعني أيام طهرك دعي الصلاة وإلا أيام حيضك؟ أيام حيضك، وهذا من أصرح الأدلة، دليل المالكية والشافعية على أن المراد بالحيَّض، أو الحيض الطهر أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض، فجاء في الحديث: ((مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم ليطلقها)) وإيش وجه الدلالة؟ ((فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)) وجه الدلالة؟ {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] وإيش وجه الدلالة؟ ما زالت الدلالة فيها غموض، نعم؟

طالب:.....

أنها طاهرة، نعم؟

طالب:......

يعني عدتها قبل الطلاق وإلا بعد؟ تلك العدة {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] نعم؟

طالب:.....

مستقبلًا، يعني لا نفهم مثلما فهم بعض من علق على بعض الكتب، وقال: النص يعني حديث ابن عمر لما كانت العدة قبل الطلاق، ابتداء العدة يبدأ من الطهر، طيب وإيش أثرها على القروء؟ {لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] يعني: طاهرات، {لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] والعدة ثلاثة قروء، العدة ثلاثة قروء، و{لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] يعني: طاهرات، فعدتهن هي الأطهار، لكن هل هذا من الوضوح والبيان مثل وضوح ((دعي الصلاة أيام أقرائك))؟ لا ليس مثله، ولتعذر الجمع بين حديث ابن عمر وحديث: ((دعي الصلاة)) قال بعضهم: إذا جمع على أقراء فهو الحِيض، وإذا جمع على قروء فهي الأطهار، نعم؟

طالب:......

القروء يعني: الأطهار، و((دعي الصلاة أيام أقرائك)) الحِيض، الحيض نعم.

طالب:......

لكن هل لتأثير الجمع، أو اختلاف الجمع تأثير على الحكم؟ نعم قد يكون تأثيره من حيث القلة والكثرة؛ لأن هناك جمع قلة وجمع كثرة، لكن القرء هو القرء، يعني كيف نحكم على لفظ واحد أنه إذا جمع، جمعه على كذا يفيد كذا، وجمعه على كذا يفيد كذا؟

طالب:......

حتى تطهر، هي حائض الآن، ثم تحيض ثم تطهر.

طالب:.......

لا.

طالب:.......

لا ما في تحيض؛ لأنه لو بيخليها تحيض كان الطلاق الأول صحيحًا، لأنه فيه خفاء، يعني فيه خفاء، الاستدلال فيه خفاء.

طالب:.......

لا، هو أحدهما، هو لفظ مشترك بينهما.

طالب:.......

ما فيه إشكال.

طالب:.......

لا، هو ضعِّف بالنسبة لحديث ابن عمر، يعني أضعف منه، وإلا كلاهما صحيح.

طالب:.......

لا، كلاهما ما فيه إشكال -إن شاء الله-، نعم؟

طالب:.........

إنها طلقت في الحيض، نعم طلاق ليس عليه الأمر ((ليس عليه أمرنا فهو رد)) يعني: مردود الطلاق في الحيض؛ لأنه ليس عليه الأمر الشرعي، وحينئذٍ يكون مردودًا.

الذي يوقع الطلاق في الحيض وهم جماهير أهل العلم يقول: عاصي والطلاق واقع، نعم، بدليل ما جاء عن ابن عمر أنها حسبت عليه، يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، حتى في اللغة ما يدل على إطلاقه على الطهر وعلى الحيض، في أحدهما أرجح، اللي يقول لك الشافعي والمالكي لا، هو في الطهر أظهر وبه أرجح، هذا إجمال القرء إجمال سببه الاشتراك، ويبين في النصوص، وكل على مذهبه، منهم من قال: بينه حديث ابن عمر، فالمراد به الطهر، ومنهم من قال: بينه حديث: ((دعي الصلاة))، إذ بيانه بالسنة، والسنة مبينة للقرآن، ووظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا} [(44) سورة النحل] ما إيش؟

طالب: {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [(44) سورة النحل].

نعم {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [(44) سورة النحل] لتين القرآن، فالسنة مبينة للقرآن، وشارحة له، ومفسرة له.

النوع السابع: المؤول، عندنا نص وظاهر ومؤول، النص الذي لا يحتمل، فالنص الذي لا يحتمل يسميه أهل العلم نص لظهوره، أخذًا من منصة العروس لظهورها، والذي يحتمل أمرين أحدهما أرجح من الآخر، فالراجح هو الظاهر، والمرجوح هو المؤول، والأصل العمل بالراجح إلا إن وجد ما يمنع من العمل به، إذا وجد ما يمنع من العمل بالظاهر يلجأ إلى المؤول.

"عن ظاهر" جار ومجرور، متعلق بـ(نزل) "عن ظاهر ما" يعني لفظ بالدليل القطعي، "نزلا" بالإطلاق، أي ترك "عن ظاهر ما بالدليل نزلًا" يعني ترك، يترك الظاهر المنصوص عليه بالدليل القطعي، والنزول والتنازل هو الترك، تقول: نزلت عن حقي إذا تركته، نزلت عن ديني على فلان إذا تركته، وأعفيته منه، فأنت تترك الظاهر إلى المؤول، تترك الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لوجود قرينة تمنع من إرادة الاحتمال الراجح، وهم على مذهبهم في نفي الصفات؛ لأنهم جروا على مذهب الأشعرية، الناظم ينظم النقاية والنقاية للسيوطي وهو أشعري.

...................................

 

كاليد لله هو اللذْ أولا

اليد الواردة في نصوص الكتاب والسنة، الظاهر منها أنها اليد الحقيقة، وتأويل اليد بالنعمة أو بالقدرة هذا غير الظاهر، لكن هم يقولون: منع من إرادة الظاهر خشية التشبيه، فهم من باب تنزيههم لله -جل وعلا- ينفون عنه الظاهر، ويثبتون المؤول، ينفون الراجح، ويثبتون المرجوح تمسكًا بالتنزيه، لكن هم قبل أن عطلوا وقبل أن أولوا مروا بمرحلة قبل هذه وهي إيش؟ التشبيه، شبهوا أولًا، ثم عطلوا، لما تبادرت أذهانهم إلى التشبيه عطلوها بعد هذا، وإلا لو قالوا: سمعنا وأطعنا، الله -جل وعلا- يثبت لنفسه يد، يثبت لنفسه سمع وبصر فنثبته على ما يليق بجلاله وعظمته، لا نحتاج إلى أكثر من هذا، والمعاني معروفة، والكيفيات مجهولة، كما جاء عن أم سلمة وعن مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة" فالذي منعهم من حمل اللفظ على ظاهره توهم التشبيه، فمنعهم من إرادة الظاهر، ولا تشبيه، فلكل ما يليق به، فإذا أثبتنا لله -جل وعلا- وجهًا فإننا نثبته على ما يليق بجلاله وعظمته، وإذا نظرنا إلى المخلوقات، ولها وجوه هل يستطيع شخص أن ينفي أن للإنسان وجهًا؟ لا، هل يستطيع إنسان أن ينفي أن للجمل وجه، أو للحمار وجه، أو للقرد وجه، أو للذئب وجه، أو للخنزير وجه، هذه مخلوقات ولها وجوه حقيقية، لكن هل وجه الإنسان مثل وجه الذئب، أو مثل وجه القرد، أو مثل وجه الحمار؟ أبدًا، وإذا كان هذا التفاوت موجود بين المخلوقات المشتركة في الضعف فكيف بالخالق؟ فكيف بالنسبة ما بين المخلوق والخالق؟ لا نسبة ولا مشابهة، فلكل ما يليق به.

...................................

 

كاليد لله هو اللذْ أولا

لغة في (الذي) تعرضنا لها سابقًا، مرت بنا، وقلنا: إن ابن مالك استعملها.

صغ من مصوغ منه للتعجبِ

 

أفعل تفضيل وبالذ أُبي

طيب ما جاء من النصوص في ما يتعلق بالله -جل وعلا- النصوص الصحيحة، واعتمده سلف هذه الأمة لا محيد عن إثباته، فكل خير في اتباع من سلف، لكن النصوص المحتملة والتي لم يتفق على معناها سلف الأمة هذه للخلف مندوحة؛ لأنهم إن قالوا بالقول فقد سبقوا، وإن قالوا بضده فقد سبقوا، لكن ما يتفق عليه سلف هذه الأمة نحن مطالبون بما فهم النصوص على فهمهم، قد يقول قائل: أنتم أولتم المعية بالعلم، نقول: كذلك؛ لأن السلف أولوا المعية بالعلم.

للازم الذي من أجله أولوها بالعلم، ثم يقول لك المبتدع: اللازم الذي يلزم على المعية قد يلزم نظيره في إثبات اليد! نقول: لا يلزم نظيره؛ لأن اللازم منفي بنصوص، فلا تلازم بينهما، الأمر الثاني: أننا نتبع من عاصر التنزيل، وخالط النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفهم مقاصد الشريعة، نعم.

أمثلة على المؤول:

عندنا ظاهر، وعندنا مؤول، من يذكر لنا مثال؟ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] {إِذَا قُمْتُمْ} [(6) سورة المائدة] ظاهره أننا إذا أردنا أن نكبر تكبيرة الإحرام وقمنا إلى الصلاة ومثلنا بين يدي الله في الصف قبل تكبيرة الإحرام نتوضأ، هذا الأصل في الفعل؛ ليكون القيام -لأنه فعل ماضي- قبل..، القيام الذي هو للصلاة قبل وجود الوضوء، ثم بعد ذلك نتوضأ، ومثلها: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] ظاهر اللفظ والفعل ماضي أن القراءة متقدمة على الاستعاذة، ويقول بهذا بعض أهل الظاهر، لكن هذا الظاهر دلت الأدلة على أنه غير مراد، فالماضي يطلق ويراد به حقيقته -الفعل في الزمان الماضي وهذا هو الغالب- ويطلق ويراد به الشروع، يعني يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، جاء زيد، انتهى، جاء وانتهى، يطلق ويراد به الشروع، ويطلق ويراد به الإرادة، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] ((إذا كبر فكبروا)) يعني: إذا فرغ من التكبير، ((إذا ركع فاركعوا)) يعني: إذا شرع في الركوع فاركعوا.

طالب:....

هو اللفظ حقيقة، لكنها حقيقة شرعية من غير التزام باللازم، والمسألة خلافية بين سلف هذه الأمة، وكثير منهم أولها بالعلم، يعني الذي فيه اختلاف بين سلف هذه الأمة للمخالف مندوحة، الإشكال فيما يتفقون عليه، الذين يتفقون مثل مثلًا الاستهزاء، المكر، الخديعة {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] الهرولة، كلها مختلف فيها بينهم، الساق، فالذي فيه خلاف بينهم يكون فيه سعة، أما الذي يتفقون عليه ما فيه إشكال، لا يجوز بحال أن يخالف. نعم.

طالب: أثابكم الله.

قال -رحمه الله-:

النوع الثامن: المفهوم

موافق منطوقه كأفِ
ومثل ذا شرط وغاية عدد
والشرط إن كن أولات حملِ
لزوجها قبل نكاح غيره
                     

 

ومنه ذو تخالف في الوصفِ
ونبأ الفاسق للوصف ورد
وغاية جاءت بنفي حلِ
وكالثمانين لعد أجره

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في النوع الثامن: المفهوم.

المفهوم يقابله المنطوق، والمنطوق لم يذكره الناظم نظرًا لأنه هو الأصل، وهو دلالة اللفظ في محل نطقه، وأما المفهوم، فدلالة اللفظ لا في محل نطقه، فيحتاج إلى ذكره؛ لأنه خلاف الأصل، الأصل دلالة الحروف على معانيها.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"موافق منطوقه" موافقٌ -بالتنوين- منطوقه، أي: ما يوافق حكمه حكم المنطوق، يعني: عندنا منطوق، وعندنا له مفهوم موافقة، وعندنا له مفهوم مخالفة، مفهوم موافقة إذا كان حكم المفهوم موافق لحكم المنطوق، ومفهوم المخالفة إذا كان حكم المفهوم مخالف لحكم المنطوق، فمثلًا المثال الذي ذكره، موافقٌ منطوقه، هذا من مفهوم الموافقة "كأف" يعني: لو وجد شيء أقل من التأفيف، أقل، أدنى من التأفيف لقلنا: التأفيف حرام فما دونه مفهومه أنه حلال، ما دونه، لو تصور أن هناك شيء أقل من التأفيف مع أنه لا يتصور؛ لأنه لا يسمع من التأفيف إلا حرف الفاء والهمزة، والهمزة قد..، لكن الذي يسمع  في الغالب الفاء، والذي دونه لا يسمع منه شيء، الذي لا يسمع منه شيء هذا حديث نفس ما فيه شيء، معفوٌ عنه، فليس له مفهوم مخالفة، له مفهوم موافقة، الذي أعلى منه كالكلام الذي هو أشد من التأفيف فضلًا عن الفعل، الضرب والقتل وما أشبه ذلك، فهذا له مفهوم موافقة وليس له مفهوم مخالفة.

"موافق منطوقه" يعني في الحكم "كأف".

"ومنه" أي: المفهوم "ذو تخالف" يعني: مخالف لحكم المنطوق، مخالف له في أمور، في الوصف، والشرط، والغاية، والعدد، فهناك مفهوم المخالفة، وتكون هذه المخالفة في الشرط، ويسمى مفهوم الشرط، ومفهوم الوصف، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد.

"ومنه ذو تخالف في الوصف" "ومنه ذا شرط" يعني مفهوم الشرط "وغاية" يعني: مفهوم الغاية "وعدد" مفهوم العدد، الأمثلة على ذلك: مفهوم الوصف "نبأ الفاسق للوصف ورد" {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] هذا وصف، الوصف بالفسق له مفهوم، مفهومه أنه إذا كان عدلاً فإننا لا نحتاج إلى التبين وإلى التثبت، إذا كان عدلًا ليس بفاسق {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [(2) سورة الطلاق] {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} [(282) سورة البقرة]

المقصود أنه إذا انتفى الوصف الذي هو الفسق انتفى حكمه، من باب الاستدلال بالمفهوم.

ومثل ذا شرط وغاية عدد

 

ونبأ الفاسق للوصف ورد

يعني ورد مثالًا للوصف "والشرط" يعني مفهوم الشرط الذي تقدم ذكره {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [(6) سورة الطلاق] فاتفقوا على أن ذات الحمل ينفق عليها، هذا شرط {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [(6) سورة الطلاق] فإن كن ذات حمل هذا شرط، فالنفقة مشروطة بوجود الحمل، مفهومه أنه إذا لم تكن ذات حمل فلا نفقة لها؛ لأن النفقة مشروطة بوجود الحمل {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(6) سورة الطلاق] وهذا يصلح لمفهوم الشرط ومفهوم الغاية على ما سيأتي؛ ولذا يقول أهل العلم: إن النفقة للحمل نفسه لا لها من أجله، فالنفقة مرتبطة بالحمل.

"وغاية" يعني مفهوم الغاية "جاءت بنفي حلِ * لزوجها" أي: المطلق ثلاثًا، قبل نكاح غيره لها، فتحرم على مطلقها ثلاثًا إلى غاية، هذه الغاية، نعم {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [(230) سورة البقرة] إلى هذه الغاية، وأيضًا من مفهوم الغاية {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(6) سورة الطلاق] فهذا مفهوم الغاية، هناك غاية لا يدركها جميع الناس، فعندنا الجزية حكم شرعي لكنها مغياة بغاية، وهي نزول المسيح حيث يضع الجزية، فالحكم سارٍ إلى نزول المسيح.

المقصود أن مفهوم الغاية معروف عند أهل العلم، وهذه من أمثلته.

مفهوم العدد الذي هو تمام الأقسام "كالثمانين" {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النــور] في حد الفرية، وفي حد الخمر، ومائة جلدة في حد الزنا بالنسبة للبكر، هذه أعداد لها مفهوم، إيش معنى مفهوم؟ أنه لا يزاد منها ولا ينقص، أعداد لها مفهوم بمعنى أنه لا يزاد عليها ولا ينقص {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النــور] فلا يجوز واحد وثمانين، ولا يجوز تسعة وسبعين، فالعدد له مفهوم، كثيرًا ما نسمع في توجيه بعض الأحاديث أو بعض الآيات أن العدد لا مفهوم له، لكن ليس على إطلاقه، العدد فيما الحديث بصدده لا مفهوم له، فلو جاءنا من يقول: إنه يستغفر للمشرك واحد وسبعين مرة؛ لأن الله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] يقول: لو استغفرت واحد وسبعين العدد له مفهوم، فلو زدت على ذلك خرجت من الحكم، نقول: لا، العدد لا مفهوم له، المسألة تحكُّم وإلا بأدلة؟ بأدلة، متى يلغى المفهوم؟ وهذا ليس خاصًّا بمفهوم العدد، كل المفهومات هذه إذا عورضت بمنطوقات أقوى منها تُلغى المفاهيم، تُلغى المفهومات، فهذا معارض بنص منطوق معارض لهذا العدد؛ لأنه من مقتضى الاستغفار طلب المغفرة، والله -جل وعلا- لا يغفر أن يشرك به، فلا يغفر له ولو استُغفر له ملايين المرات؛ لأن هذا المفهوم معارض، قد يلغى المفهوم وهو غير عدد؛ لأنه يسهل على من ينتسب إلى العلم من طلاب العلم أن يقول: العدد لا مفهوم له؛ لأنه يسمع هذه الكلمة، لكنه لا مفهوم له في المسألة التي تبحث لوجود ما يعارض المفهوم من منطوق، مفهوم المخالفة لو عورض بمنطوق في غير العدد ألغي المفهوم ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) منطوقه هكذا ((إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث)) بمعنى: أنه يدفع الخبث عن نفسه، مفهوم الموافقة إذا بلغ ثلاث قلال، أربع قلال، فإنه لا يحمل الخبث، بمعنى أنه يدفعه من باب أولى، مفهوم المخالفة إذا كان قلة واحدة أو دون القلتين فإنه يعجز عن حمل الخبث، فيتنجس، هذا مفهومه، لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مع الاستثناء، إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، مع ما قيل فيه من ضعف، لكن الحكم متفق عليه.

طالب:......

العدد معتبر، فمثلًا ما جاء في الأعداد في الحدود يمكن أن يزاد فيها أو ينقص؟ لا يمكن أن يزاد، لكن إذا عورض هذا العدد مفهومه بمنطوق أقوى منه، عرفنا أنه لا مفهوم له، أو وجد من أجل التوفيق بين النصوص قلنا: العدد لا مفهوم له، مثلما جاء في صلاة الفذ ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين)) وفي رواية حديث ابن عمر: ((بسبع وعشرين)) قالوا: والحديث لا مفهوم له، إنما يراد بذلك الترغيب في صلاة الجماعة، مع أنه حمل على أوجه صحيحة، فيقال: السبع والعشرين من صلى في المسجد، وذاك لمن صلى في غيره الخمس والعشرين، أو السبع والعشرين لمدرك الصلاة من أولها، والخمس والعشرين لمدرك بعضها، أو السبع والعشرين للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرين للقريب، أقوال كثيرة لأهل العلم، المقصود أن العدد له مفهوم هذا الأصل؛ لأنه كلام يعقل معناه وله ما يزيد عليه وما ينقص عنه، وليس بمراد للمتكلم، نعم.

أثابكم الله.

قال -رحمه الله-: المطلق والمقيد

وحمل مطلق على الضد إذا
كالقتل والظهار حيث قيَّدَت
وحيث لا يمكنك القضاء في         

 

أمكن والحكم له قد أخذا
أولاهما مؤمنة إذ وردت
شهر الصيام حكمه لا تقتفي

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع التاسع والعاشر: المطلق والمقيد

وذكر الأمرين للحاجة إلى بيانهما، ولم يذكر المنطوق؛ لأنه لا يحتاج إلى بيان، فالمطلق يحتاج إلى بيان، والمقيد يحتاج إلى بيان.

والمطلق: هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد، والمقيد ضده: وهو ما دل على جزئي من أجزاء الماهية.

يقول: "وحمل مطلق على الضد" الضد هو إيش؟ المقيد "حمل مطلق على الضد" يعني على المقيد "إذا * أمكن" ذلك الحمل "والحكم" وحينئذٍ يكون الحكم "له" أي: للمقيد، يعني: مثل إذا وجد التعارض بين العموم والخصوص الحكم للخاص، وهنا إذا أمكن حمل المطلق على المقيد صار الحكم للمقيد.

"قد أخذا" الألف هذه للإطلاق "قد أخذا" مبني للمجهول، فلا يبقى المطلق على إطلاقه، بل يبقى الحكم للمقيد.

ثم مثل "كالقتل" يعني ككفارة القتل، وكفارة الظهار، كفارة القتل مقيدة بكونها مؤمنة، وكفارة الظهار مطلقة فقالوا: يحمل المطلق على المقيد في جميع الكفارات؛ لأنه جاء تقييدها في كفارة القتل، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم، وهو وجوب العتاق، وإن اختلف السبب، فالسبب قتل، والسبب للكفارة الثانية ظهار، والسبب للكفارة الثالثة جماع، والسبب في الكفارة الرابعة يمين وهكذا، الأسباب مختلفة والحكم واحد.

كالقتل والظهار حيث قيَّدَت

 

...................................

بالبناء للفاعل "أولاهما" كفارة القتل "مؤمنة إذ وردت" مؤمنة بالرفع فاعل قيدت إذ وردت {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [(92) سورة النساء] وفي الحديث لما سأل الجارية واختبرها ((من أنا؟)) قالت: أنت رسول الله ((أين الله؟)) قالت: في السماء، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) يدل على أن غير المؤمنة لا تجزئ في عتق الرقبة، وعلى هذا الجمهور، والحنفية يقولون: لا يلزم حمل المطلق على المقيد هنا، وإذا أردنا أن نفصل ونبين وجهة نظر الحنفية، يعني في جميع الكفارات ما ذكر القيد، وفي كفارة القتل فقط كرر كم مرة؟ في آية واحدة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [(92) سورة النساء] فتحرير رقبة مؤمنة، يدل على أن القتل له شأن، وتسبب في إعدام نفس مؤمنة تعبد الله -جل وعلا- فيعتق، فكأنه أوجد مكان النفس المؤمنة التي قتلها نفس مؤمنة تعبد الله -جل وعلا- بِحُرِّيّة، يعني هذا مما يلمح من مذهب الحنفية، وإن كان بعضهم يرى أن الآية تشمل المسلم والكافر، قتل المسلم والكافر، على أن الذي يظهر من آيتي النساء أن كلاهما في قتل المسلم، الأولى في قتل الخطأ، والثانية في قتل العمد.

كالقتل والظهار حيث قيدت
وحيث لا يمكن كالقضاء في

 

أولاهما مؤمنة إذ وردت
شهر الصيام...................

نأتي إلى المطلق والمقيد وصور الحمل، وما يحمل فيه المطلق والمقيد، المطلق والمقيد مع المطلق مع المقيد، لا يخلو من أربع صور:

الاتحاد في الحكم والسبب، وهنا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق.

الاختلاف في الحكم والسبب، وهنا لا يحمل المطلق على المقيد.

الاتفاق في الحكم دون السبب، والحمل فيه عند الجمهور.

والاتفاق في السبب دون الحكم، وعدم الحمل هو قول الجمهور.

وذكرنا أن الصور أربع: ما يتفق فيه الحكم مع السبب، ما يتفقان فيه في الحكم والسبب، وما يختلفان فيه حكمًا وسببًا، وما يتفقان في الحكم دون السبب والعكس، فإذا اتفقا في الحكم والسبب أعني المطلق والمقيد فالحمل في هذه الصورة شبه اتفاق، شبه إجماع.

وذلكم كالدم في قول الله -جل وعلا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق، وفي قوله -جل وعلا-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] هذا مقيد بكونه مسفوحًا، فيحمل المطلق على المقيد، فالذي يحرم الدم المسفوح، وأما ما يبقى في ثنايا اللحم أو في العروق أو ما أشبه ذلك فلا، هذا ما يتفقان فيه في الحكم والسبب، وأما ما يختلفان في الحكم والسبب فلا حمل للمطلق على المقيد اتفاقًا، فاليد في آية الوضوء مقيدة {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وفي آية السرقة مطلقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] مطلقة، والحكم مختلف فهذا قطع وهذا غسل، والسبب مختلف، هذا حدث وهذا سرقة، فلا يحمل المطلق على المقيد فيقال: تقطع اليد من المرفق، الصورة الثالثة: اتفاقهما في الحكم دون السبب مثل الكفارة، كفارة القتل وكفارة الظهار، الحكم واحد كله في وجوب العتق في الأمرين، والسبب مختلف، هذا قتل وهذا ظهار، فيحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، والحنفية لم يحملوا المطلق في كفارة الظهار على المقيد في كفارة القتل، العكس إذا اتفقا في السبب دون الحكم لا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، وذلكم كاليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وفي آية التيمم مطلقة، السبب واحد حدث، لكن الحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح؛ ولذا الأكثر على أنه لا يحمل المطلق على المقيد.

بعد هذا يقول الناظم -رحمه الله-:

"وحيث لا يمكن" يعني: حمل المطلق على المقيد "كالقضاء في شهر الصيام" يعني من أفطر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني فأفطر فالواجب عليه عدة، لم يذكر فيها ولا يفهم من الآية أن هذه العدة تقضى على الترتيب وعلى التوالي، تكون متوالية ومتتالية، وليس فيها ما يمنع من ذلك، والحمل هنا، هنا الإطلاق واحد، والتقييد في الصيام مختلف، جاء تقييد الصيام بالتتابع {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [(92) سورة النساء] وجاء تقييد الصيام بالتفريق، جاء التقييد بالتفريق في صوم التمتع، ماذا قال؟ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هذا تفريق وهناك تتابع، فعلى أيهما يحمل؟ الحمل على أحدهما تحكم يحتاج إلى مرجح، هذا على سبيل الإلزام، وأما القول باستحباب التتابع والمبادرة بالقضاء والمسارعة بإبراء الذمة هذا شيء آخر.

"وحيث لا يمكن" حمل المطلق على المقيد "كالقضاء في شهر الصيام" في قوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(185) سورة البقرة] "حكمه لا تقتفي" يعني: لا تتبع، من اقتفاء الأثر، وهو التبعية، يعني لا تتبع قول من يقول: بالتقييد، بالتتابع، ولا قول من يقول: التقييد بالتفريق؛ لما عرفنا أنه جاء مقيدًا بالتتابع، وجاء مقيدًا بالتفريق، نعم.

أثابكم الله.

قال -رحمه الله تعالى-: النَّاسِخُ والمنسوخُ

كم صنفوا في ذين من أسفارِ
وناسخ من بعد منسوخ أتى
من آية العدة لا يحلُ
والنسخ للحكم أو التلاوةِ

 

واشتهرت في الضخم والإكثارِ
ترتيبه إلا الذي قد ثبتا
لك النساء صح فيه النقلُ
أو لهما كآية الرضاعةِ

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع الحادي عشر والثاني عشر:

والنسخ عرفوه في اللغة: بالإزالة، نسخت الشمس الظل، والريح الأثر إذا أزالته، وعلى ما يشبه النقل، منه: نسخت ما في الكتاب، بعضهم يقول: النقل، وهو ليس بنقل حقيقي، بمعنى أن المادة تنتقل من هذا إلى هذا، إذ لو انتقلت لصار إزالة، يعني نسخ الكتاب، النسخ من كتاب إلى آخر، هل معنى هذا أن الكتاب المنسوخ منه يصير مثل الدفتر؟ ما فيه كلام؟ نعم؟ لا، الكلام باقي، إذًا ليس بنقل.

وعرفوه في الاصطلاح: أنه رفع الحكم الثابت بدليل شرعي، رفع الحكم الثابت بالدليل بدليل آخر، بخطاب آخر متراخٍ عنه، يعني لولا الناسخ لثبت حكم المنسوخ.

والنسخ من أهم ما يعنى به طالب العلم، ولا يجوز لأحد أن يتصدى للتفسير أو للإفتاء أو للقضاء وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ، وقد ذكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع قاصًّا فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.

فمعرفة الناسخ والمنسوخ، في الحكم الثابت المتأخر من المتقدم، المتأخر ليعمل به، والمتأخر ليكون منسوخًا، والنسخ واقع في النصوص، ومنصوص عليه في قوله الله -جل وعلا-: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [(106) سورة البقرة] وثابت في السنة أيضًا، والأدلة عليه أكثر من أن تذكر، أو أن تحصر، وفيه المصنفات الكبيرة؛ ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"كم صنفوا" (كم) هذه للتكثير "صنفوا" يعني العلماء "في ذين" يعني الناسخ والمنسوخ "من أسافر" أي: كتب، "واشتهرت" تلك الكتب "في الضخم" يعني: في الحجم الكبير "والإكثار" يعني: منها المطولات، هناك مؤلفات في الناسخ والمنسوخ في الكتاب والسنة كتب كثيرة جدًّا، فألفوا الكتب في هذا، وردوا على من أنكر النسخ، وبعض المعاصرين كتب تفسيرًا أشبه ما يكون بالخواطر، لا يستند فيه إلى أثر، ولا يأوي فيه إلى علم متين محقق، وكتب عنوان: النسخ ولا نسخ في القرآن، يعني على الآية كتب، آية البقرة، وأنكر النسخ طائفة من المبتدعة، يقولون: أنه يستلزم البداء؛ لأن الله -جل وعلا- لما ذكر الحكم الأول كان لا يعرف ما يؤول إليه الأمر، بل بدا له أن ينسخ، وما دام هذا اللازم فالملزوم باطل، فالنسخ لا يجوز، وقال بذلك اليهود قبل هذه الطائفة، لما يلزم عليه من البداء، والنصوص القطعية ترد هذا القول، ولا يلزم بداء ولا شيء؛ لأن الحكم المنسوخ هو عين المصلحة في وقته بالنسبة للمكلفين، ثم تتغير هذه المصلحة لتغير الزمان أو أهل الزمان فيكون من المناسب أن يخفف عنهم أو يشدد عليهم، أو يبدل الحكم بحكم آخر، أو إلى غير بدل.

المقصود أن المقاصد كثيرة، ومنها امتحان المكلفين، المكلف حينما يؤمر بأمر واحد ويطرد فيه، ويمشي عليه سهل أن ينقاد له، لكن إذا أمر بأمر، وتأقلم عليه كما يقولون، ومشى عليه، ثم نهي عنه، هذا يحتاج إلى احتمال وصبر وانقياد وإذعان، هذا من باب الامتحان للمكلفين، وأيضًا ظروف الناس تختلف من وقت إلى وقت، فيحتاجون إلى تغيير الحكم، وإلا فالله -جل وعلا- يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن ولن يكون، يعلم كل هذا لو كان كيف يكون؛ ولذا قال عن الكفار قال -جل وعلا-: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام] هل هم يردون وإلا ما يردون؟ لن يردوا، والله -جل وعلا- أخبر عنهم أنهم يعودون لو ردوا، فالله يعلم ما لم يكن لو كان، على تقدير كونه.

وفي حديث الثلاثة في الصحيح الأعمى والأقرع والأبرص ((ثم بدا لله أن يختبرهم)) تفسرها الرواية الأخرى ((ثم أراد الله -جل وعلا- أن يختبرهم)) فهذه تفسر تلك، فالخير ما يفسر به النص، النص الصحيح الثابت، من أفضل الكتب في الناسخ والمنسوخ بالنسبة للقرآن النحَّاس، وبالنسبة للسنة الحازمي؛ لأن هذا يسأل عن أفضل الكتب في الناسخ والمنسوخ.

وناسخ من بعد منسوخ أتى

 

 

.............................

الناسخ يأتي بعد المنسوخ، ولا بد من حيث الوقت الزمان، لا بد من هذا؛ لأن الناسخ هو المتأخر، والمنسوخ هو المتقدم، ويأتي أيضًا ترتيبه كذلك في المصحف، الواقع هكذا.

وناسخ من بعد منسوخ أتى

 

 

ترتيبه......................

في القرآن.

"إلا الذي قد ثبتا" الألف هذه للإطلاق "إلا الذي قد ثبتا".

من آية العدة لا يحل

 

لك النساء ...........

عندنا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [(240) سورة البقرة] الحول منسوخ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة] المنسوخ الحول، والناسخ أربعة أشهر، أيهما المتقدمة؟ المتقدمة أربعة أشهر وعشرًا، فالناسخ هو المتقدم، يعني في ترتيب المصحف، وإلا في النزول المنسوخ هو المتقدم، والناسخ هو المتأخر، يقول..، ذكر مثال:

من آية العدة لا يحلُ

 

لك النساء صح فيه النقلُ

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء} [(52) سورة الأحزاب] يعني في آية النساء رقم (52) نسختها الآية التي قبلها الآية رقم (50) {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [(50) سورة الأحزاب] نعم؟

طالب:......

نعم، هذه ناسخة لها، وهي متقدمة عليها في الترتيب، فالآية (50) ناسخة للآية رقم (52) تفسير ابن كثير -رحمه الله- ذكر هذا، أنها نسخت الآية {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [(50) سورة الأحزاب] في السورة نفسها، ومتقدمة عليها، وهي التي أشار إليها المؤلف، وصح فيها النقل.

من آية العدة لا يحلُ
والنسخ للحكم أو التلاوة

 

لك النساء صح فيه النقلُ
أو لهما كآية الرضاعة

"النسخ للحكم" دون التلاوة، مثل آية العدة (حول) التي سبقت، منسوخ حكمها، لكن تلاوتها باقية، والسبب ليثاب القارئ على قراءتها "أو التلاوة" يعني فقط دون الحكم، كآية الرجم، الرجم باقي، حكمه متفق عليه، مجمع عليه، والآية التي ذكرت في الحديث الصحيح منسوخة، رفع لفظها، وبقي حكها "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".

...................................

 

أو لهما كآية الرضاعة

(لهما) للحكم والتلاوة كآية الرضاعة "عشر رضعات معلومات يحرمن" نسخن بالخمس، فهذه مما نسخ حكمها ولفظها وتلاوتها، وناسختها..، نُسخ لفظها وبقي حكمها، وسياقهما واحد، نعم؟

طالب:......

إذا تأخر العام على الخاص، أو المطلق على المقيد، المسألة خلافية بين أهل العلم، هل يقال بالنسخ أو يقال ببقاء العام والمنسوخ وإلغاء...؟ مثلما قيل في حديث: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار" مع حديث "أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) قوله: "آخر الأمرين" يدل على أن الوضوء من لحم الإبل متقدم؛ لأن عدم الوضوء متأخر، والذي يقول: يحمل العام على الخاص ما عنده مشكلة، ومثل هذا الأمر بالقطع بقطع الخف هذا متقدم بلا شك، لكن الإطلاق متأخر، فالأمر بالمدينة، والإطلاق جاء بعرفة، فيقولون: لو أن الخاص باق، والمقيد باق لما سيق اللفظ عامًّا بعد ذلك، والمسألة خلافية عند أهل العلم معروفة.

سم.

قال -رحمه الله-:

كآية النجوى التي لم يعملِ
وساعة قد بقيت تماما
        

 

منهم بها مذ نزلت إلا علي
وقيل: لا بل عشرة أياما

 يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع الثالث عشر والنوع الرابع عشر:

"المعمول به مدة معينة" مدة محددة "وما عمل به واحد" والمثال واحد، للنوعين المثال واحد.

يقول: "كآية النجوى" هذا المثال "وذلك كآية النجوى" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [(12) سورة المجادلة] "التي لم يعملِ * منهم بها" يعني الصحابة بهذا الآية "مذ نزلت إلا علي" بن أبي طالب، قدَّم، تصدق بدينار، ثم ناجى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما عمل بها أحد منهم حتى نسخت، لكن كم بقيت هذه الآية إلى أن نسخت؟ خلاف "وساعة قد بقيت" يعني بقي الوجوب ساعة، بقي مفادها ومدلوها ساعة، ثم نسخت؛ لأنه يشق على جميع الصحابة أنه كل من أراد أن يناجي النبي -عليه الصلاة والسلام- وحاجتهم تشتد إلى ذلك، حاجتهم تشتد إلى النجوى، كل من احتاج النجوى يقدم صدقة؟ هذا يصعب عليهم.

"وساعة قد بقيت" يعني إلى أن نسخت "تمامًا" لا زايدة ولا نقص، هل يمكن أن يقال في الساعة على اصطلاحهم لا زيادة ولا نقص؟ أو أن الساعة مقدار من الزمان ليس المراد به الساعة الفلكية التي عبارة عن ستين دقيقة؟ ولذلك قد تكون الساعة ساعتين ثلاث، وقد تكون ربع ساعة، فتحدثا ساعة، يعني مقدار من الزمان.

"وقيل: لا" أي ليس بقاؤها ساعة، بل بقيت أكثر من ذلك بقيت إلى أن نسخت "عشرة أياما" يقولون -والأول أظهر-: إنها ساعة؛ لماذا؟ نعم؟ إذا يبعد أن تستمر عشرة أيام مع مسيس الحاجة إلى مناجاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يعمل بها إلا علي، فإما أن نقول: قد عمل بها غير علي، أو نقول: إنها لم تبق إلا مدة يسيرة لا يشق عليهم انتظارها، أو مرت من غير احتياج إلى مناجاته -صلى الله عليه وسلم-.

في كتب الشيعة يذكرون في آية المائدة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة] يقولون: هذه الآية ما عمل بها إلا علي، راكع، وجاء سائل فأبرز له أصبعه التي فيها الخاتم ليأخذه، لكن هل مفاد الآية أن الصدقة وإيتاء الزكاة حال الصلاة، أو أن هذا مما ينافي مقتضى لب الصلاة الذي هو الخشوع؟! هل يمدح بهذا أو يذم؟! يذم؛ لأنه غفل عن صلاته، وغفل عن مناجاة ربه، وتحرك في صلاته من غير حاجة، كل هذا ما يذم، ويصان علي -رضي الله تعالى عنه- عن ذلك، مع أن ظاهر اللفظ لا يدل عليه.

طالب:.....

في المسألة حديث أبي هريرة: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) وفيها أيضًا حديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه" الحديث الأول أرجح، ونص على هذا ابن حجر في البلوغ وغيره، فإذا كان أرجح لأن له شاهد من فعل ابن عمر، أو من حديث ابن عمر، إذا كان أرجح فما المانع من العمل به ((وليضع يديه قبل ركبتيه))؟ المانع تأثر كثير من طلاب العلم بقول ابن القيم: إن الحديث مقلوب، كيف مقلوب يا ابن القيم؟ قال: إذا نزل على يديه قبل ركبتيه أشبه البعير، نقول: يرحمك الله، ما معنى بروك البعير؟ متى يقال: برك البعير؟ أهل اللغة يقولون: برك البعير وحصحص البعير إذا نزل على الأرض بقوة فأثار الغبار، وفرق الحصى، فمن نزل بيديه بقوة، وأثار الغبار، وخلخل البلاط قلنا: برك مثلما يبرك البعير، وإذا نزل على ركبتيه بقوة وفعل مثلما صنع قلنا: برك مثلما يبرك الحمار، وكل هذا ممنوع، فالممنوع أن ينزل على الأرض بقوة، وجاء البروك على الركبتين أيضًا، عمر -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح في البخاري: "فبرك على ركبتيه" إذًا البروك ما هو بخاص باليدين أو بالركبتين، فإذا فهمنا معنى البروك زال عنا الإشكال، لا نبرك مثلما يبرك البعير ننزل بقوة، ولنمتثل الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) إذا وضعهما مجرد وضع ما يقال: برك مثلما برك..، نقول: وضع يديه قبل ركبتيه امتثل الأمر، وفرق بين أن ترمي المصحف على الأرض، هذا حرام، وعظيمة من عظائم الأمور، وبين أن تضعه على الأرض ما فيه أدنى إشكال، يجوز، فرق بين هذا وهذا، فإذا نزلت، المسألة مسألة قيام بين يدي الله -جل وعلا-، عليك بالرفق والطمأنينة، تؤدي صلاة، أنت ماثل بين يدي خالقك، فإذا نزلت برفق ولين فسواءً نزلت على يديك، أو رجحت الركبتين، المقصود أنك لا تنزل بقوة؛ ولذا شيخ الإسلام يرى التخيير بينهما، وكثير من الناس ابن القيم -رحمه الله- لما هجم عليه هذا الفهم أجلب عليه، صار يؤثر على كل من قرأ كلامه، لكن لا بد من تحرير المسائل، لا من النظر إلى المسائل بدقة.

 

اللهم صل على محمد وعلى آله...

"