التعليق على تفسير القرطبي - سورة القصص (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا ببنات قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ} أَيْ ظَاهِرَاتٍ وَاضِحَاتٍ، {قالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً} مَكْذُوبٌ مُخْتَلَقٌ، {وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ}. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مُوسَى فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ مِنَ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ. وَقِيلَ: هِيَ مُعْجِزَاتُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ مُوسى} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْوَاوِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: "قَالَ" بِلَا وَاوٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ مَكَّةَ، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى} أَيْ بِالرَّشَادِ. {مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ} قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: "يَكُونُ" بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. {عاقِبَةُ الدَّارِ} أَيْ دَارِ الْجَزَاءِ. {إِنَّهُ} الْهَاءُ ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ {لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}."

التذكير والتأنيث في يكون أو تكون جائز؛ لأن العاقبة ليس تأنيثه حقيقيًّا، وقد فصل بينه وبين الفعل ولا إشكال في قراءة يكون أو تكون، والبينات، فلما جاء موسى بآياتنا بينات، حال وليس بوصف للآيات، وإنما هو حال، يعني حال كونها بينات ظاهرات.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، بَلْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ ثَمَّ رَبًّا هُوَ خالقه وخالق قومه" ولين سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ".

أيما الأولى؟ هل مقالته هذه ما علمتم لكم من إله غيري الأولى، أم قوله: أنا ربكم الأعلى؟ يقول: بينهما أربعون سنة، الظاهر من اللفظين أنه قولهم: ما علمت لكم من إله غيري هي الأولى.

طالب: ......

نعم.

طالب: ... أيضا يا شيخنا ما علمت لكم من إله غيري هي نفسها أنا ربكم الأعلى.

المآل واحد، لكن نفي العلم لا يقتضي الجزم، ما علمت نفي العلم بعدم وجود الرب مفاده، مفاده الجزم وإن كان المآل واحدًا، وهو ادعاء الربوبية في الموضعين، لكنه نفى علمه بوجود إله غيره، ثم بعد ذلك جزم؛ لأنه هو الرب، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

" قَالَ: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ} أَيِ اطْبُخْ لِي الْآجُرَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الْآجُرَّ وَبَنَى بِهِ. وَلَمَّا أَمَرَ فِرْعَوْنُ وَزِيرَهُ هَامَانَ بِبِنَاءِ الصَّرْحِ جَمَعَ هَامَانُ الْعُمَّالَ- قِيلَ: خَمْسِينَ أَلْفَ بَنَّاءٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُجَرَاءِ- وَأَمَرَ بِطَبْخِ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ، وَنَشْرِ الْخَشَب وَضَرْبِ الْمَسَامِيرِ، فَبَنَوْا وَرَفَعُوا الْبِنَاءَ وَشَيَّدُوهُ بِحَيْثُ لم يبلغه بنيان منذ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ، فَكَانَ الْبَانِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَفْتِنَهُمْ فِيهِ، فَحَكَى السُّدِّيُّ أَنَّ فِرْعَوْنَ صَعِدَ السَّطْحَ، وَرَمَى بِنُشَّابَةٍ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَرَجَعَتْ مُتَلَطِّخَةً بِدِمَاءٍ، فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتُ إِلَهَ مُوسَى. فَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ مَقَالَتِهِ، فَضَرَبَ الصَّرْحَ بِجَنَاحِهِ فَقَطَعَهُ ثَلَاثَ قِطَعٍ، قِطْعَةٍ عَلَى عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ قَتَلَتْ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْفٍ، وَقِطْعَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَقِطْعَةٍ فِي الْغَرْبِ، وَهَلَكَ كُلُّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ شَيْئًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ."

مثل هذا يحتاج لسند يثبت به، يتلقى مثل هذا الكلام عن بني إسرائيل، وهم لا يصدقون ولا يكذبون إلا ما دل دليل من شرعنا على صدقه أو كذبه.

"{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ} الظَّنُّ هُنَا شَكٌّ، فَكَفَرَ عَلَى الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى مِنَ الْبَرَاهِينِ مَا لَا يُخِيلُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ."

يعني لا يُشكِل، قال: الظن هنا الشك، ما المانع أن يكون الظن على بابه، وهو أقوى من الشك؟ الظن أقوى من الشك، احتمال راجح، فيه ما يمنع؟

طالب: لا.

يعني اللائق به أن يكون توقعه أعظم من الشك أن موسى من الكاذبين؛ لأنه لو مجرد شك لتأمل ونظر في أمره، لكنه غلب على ظنه كذبه فلم ينظر في أمره وباشر بتكذيبه.

 "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَكْبَرَ} أَيْ تعظم {هُوَ وَجُنُودُهُ} أي عَنِ الْإِيمَانِ بِمُوسَى. {فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أَيْ بِالْعُدْوَانِ، أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لَا يُرْجَعُونَ} أَيْ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ لَا مَعَادَ وَلَا بَعْثَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَيَعْقُوبُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: " لَا يَرْجِعُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. والْبَاقُونَ: "يُرْجَعُونَ" عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ."

والمعنى لا يختلف، فرجوعهم ليس بأيديهم، ينسب إليهم باعتبار أنهم هم الذين رجعوا أو الرجوع حصل لهم باعتبار أن الرجوع حصل لهم، ويرجعون باعتبار أن الذي أرجعهم هو الله -جل وعلا-.

 "{فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ} وَكَانُوا أَلْفَيْ أَلْفٍ وَسِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. {فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ} أَيْ طَرَحْنَاهُمْ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ. قَالَ قَتَادَةُ: بَحْرٌ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ: إِسَافٌ أَغْرَقَهُمُ اللَّهُ فِيهِ. وَقَالَ وَهْبٌ وَالسُّدِّيُّ: الْمَكَانُ الَّذِي أَغْرَقَهُمُ اللَّهُ فِيهِ بِنَاحِيَةِ الْقُلْزُمِ يُقَالُ لَهُ: بَطْنُ مُرَيْرَةَ، وَهُوَ إِلَى الْيَوْمِ غَضْبَانُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي نَهْرَ النِّيلِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ."

أما بحر القلزم فهو البحر الأحمر، يقول: وهو إلى اليوم غضبان أي يهيج باستمرار وأمواجه متلاطمة.

طالب: يقول إساف.

ماذا.

طالب: قال قتادة: بحر من وراء مصر يقال إساف.

يقال له: إساف.

طالب: يكون الأبيض.

من وراء مصر نعم الأبيض الذي فوقه من الشمال، مع أن الوراء والخلف والأمام والخلف كلها أمور نسبية، تخضع لموقع القائل.

 "{فَانْظُرْ} يَا مُحَمَّدُ {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} أَيْ آخِرُ أَمْرِهِمْ. {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً} أَيْ جَعَلْنَاهُمْ زُعَمَاءَ يُتَّبَعُونَ عَلَى الْكُفْرِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ وِزْرُهُمْ وَوِزْرُ مَنِ اتَّبَعَهُمْ حَتَّى يَكُونَ عِقَابُهُمْ أَكْثَرَ. وَقِيلَ: جَعَلَ اللَّهُ الْمَلَأَ مِنْ قَوْمِهِ رُؤَسَاءَ السَّفَلَةِ مِنْهُمْ، فَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى جَهَنَّمَ. وَقِيلَ: أَئِمَّةٌ يَأْتَمُّ بِهِمْ ذَوُو الْعِبَرِ، وَيَتَّعِظُ بِهِمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ. {يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أَيْ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ
النَّارِ".

هذا يأبى، يدعون إلى النار يأبى القول؛ لأن الأخير يُأتم بهم وهم يدعون إلى النار صراحة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر لا يناسب قوله: {يدعون إلى النار}، إنما يناسب جعلهم زعماء يتبعون على الكفر، فيدعون الناس، فيكون عليهم وزرهم ووزر من تبعهم إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.

طالب: .......

لقب سيناء الذي هو العقبة.

طالب: العقبة أو السويس.

هو امتداد البحر الأحمر.

طالب: تحديد مكانه بالضبط؟

ما أدري والله بالضبط بدقة ما ندري، لكن تلك الجهات يحدهم البحر الأحمر، ويحدهم البحر الأبيض المتوسط فقط، فبالنسبة لبلاد مصر يحدهم هذان البحران.

طالب: هنا يرجح أنه البحر الأبيض.

لا، ما يلزم، ما يرجح، لا هو بحر القلزم، ونفى أن يكون النيل.

 "{وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لَا يُنْصَرُونَ}، {وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً} أَيْ أَمَرْنَا الْعِبَادَ بِلَعْنِهِمْ فَمَنْ ذَكَرَهُمْ لَعَنَهُمْ، وَقِيلَ: أَيْ أَلْزَمْنَاهُمُ اللَّعْنَ، أَيِ الْبُعْدَ عَنِ الْخَيْرِ. {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}".

إذا مر ذكر مثل هذا مثل إبليس أو مثل من لعنهم الله أو قضى عليهم باللعنة بأعيانهم، هل الأفضل للمسلم أن يلعنهم إذا مر ذكرهم أو يقول: إن المسلم أو المؤمن ليس باللعان أو الطعان، فما الأفضل في حقهم؟ هل يمكن أن تقرب بلعنهم؟

طالب: ....

لا شك أنهم ملعونون، لكن هل يتقرب إلى الله بلعنهم، أو أن هذا حكم من الله -جل وعلا- ثبت ولزم لهم، ولا يلزم أن يتقرب إلى الله به، الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في تاريخه إذا مر على ذكر أحد من الظالمين لعنه، وأكثر من ذلك، –رحمه الله-، والإمام أحمد سئُل عن يزيد فوصفه بالظلم فقال له عبد الله: أتلعنه يا أبت، قال: هل سمعت أباك لعانًا، وظلم يزيد ظاهر استباحة المدينة ظاهرة، كذلك إذا مر ذكر الحجاج وغيرهم من الظلمة.

طالب: ............فسألني لما لم ألعن إبليس.

نقول: هذه وجهة نظر بعض العلماء من المتقدمين والمتأخرين، نقول هذا حكم من الله -جل وعلا– وصدر عليهم، لكن هل نتدين بهذا أو لا نتدين؟ ومن أهل العلم من يرى أنه لا مانع من أن يلعن من لعنه الله، وأن الظاهر لعنة الظالمين، يلعنون، وقد يُحتاج إلى مثل هذا البيان في وقتنا أكثر من غيره؛ لامتداد جذور الظلم في كل مكان، فالمسألة حكم شرعي، نقول: إن المسلم ليس باللعان ولا الطعان، ويحفظ لسانه عن مثل هذه الأمور، ولو كان مستحقًّا للعن نقول: مادام لعنه الله، لماذا لا نلعنه؟ لكننا لم نؤمر بلعنه، يعني ما أُمرنا بلعنه.

طالب: ممكن يأخذ تقرير اللعن في الحديث: اتق اللعانين.....؟

ما يلزم أن يؤخذ من هذا حكم لعن من يبول في الطريق، لا يلزم منه أن يأخذ بحكم، إنما هو معرض نفسه للعنة الناس.

طالب: هل أثر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- لعنهم.

ما عرف أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لعن وقال: «إن المسلم ليس باللعان ولا بالطعان»، لكنهم ملعونون على كل حال؛ لأنه حكم قطعي، وحكم شرعي ثابت، قطعي ما فيه إشكال.

طالب: التقرب بلعنهم ...التدين.

يعني هل نقول: إن مفهوم الترضي على من يستحق الترضي، والترحم على من يستحق الترحم، التقرب بلعن من يستحق اللعن، وأنت ما لعنته إلا لله –جل وعلا-، وأن الله –جل وعلا- لما لعنه لعنته، على كل حال من لعن له حجة، ومن ترك له حجة.

"أي مِنَ الْمُهْلَكِينَ الْمَمْقُوتِينَ. قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُشَوَّهِينَ الْخِلْقَةِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ وَقِيلَ: مِنَ الْمُبْعَدِينَ. يُقَالُ: قَبَّحَهُ اللَّهُ أَيْ نَحَّاهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقَبَحَهُ وَقَبَّحَهُ إِذَا جَعَلَهُ قَبِيحًا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَبَحْتُ وَجْهَهُ بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ قَبَّحْتُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

أَلَا قَبَحَ اللَّهُ الْبَرَاجِمَ كُلَّهَا ... وَقَبَّحَ يربوعا وقبح دارما

وانتصب يومًا عَلَى الْحَمْلِ عَلَى مَوْضِعٍ " فِي هَذِهِ الدُّنْيَا" وَاسْتُغْنِيَ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: {مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} كَمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي" يَوْمَ" مُضْمَرًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لَا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي " يَوْمَ" قَوْلُهُ: {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مُتَقَدِّمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا عَلَى السَّعَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة."

يعني على الظرفية وهذا هو الأصل.

طالب: وأتبعنهم في هذه الدنيا لعنة، يقال: إن المؤمن ليس بلعان، ماذا يكون معنى هذا؟

الله –جل وعلا- لعنهم.

طالب: متتابعًا.

يعني أمر العباد بلعنهم فيما ذكر لعنهم.

طالب: قدر، تقدير.

لأنهم لعنوا في الدنيا والآخرة كمن آذى الله ورسوله.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} يَعْنِي التَّوْرَاةَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ أَوَّلُ كِتَابٍ -يَعْنِي التَّوْرَاةَ- نَزَلَتْ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ. وَقِيلَ: الْكِتَابُ هُنَا سِتٌّ مِنَ الْمَثَانِي السَّبْعِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا."

مخُرج؟

طالب: ..... إنما أخرجه الطبري بسند عن بن عباس موقوف وإسناده جيد، وقد قرره عنه عن سعيد بن جبير من قوله، وأما المرفوع فلم يسمعه أحد، والأشبه أنه من الإسرائيليات.

يعني هل أنزل على موسى-عليه السلام- شيء مما أنزل على محمد، أو أن التوراة مختلفة اختلافًا تامًّا عما في القرآن بنظمه وأسلوبه وترتيبه ولفظه ومعناها؟ هذا هو الأصل، أما إذا قلنا: ست من السبع المثاني أصلهم قلنا: إن المثاني هي الفاتحة أو نقول: إن السبع الطوال سواء هذا أو ذاك ليس منها شيء في التوراة؟

طالب: ...... قوله تعالى: {صحف إبراهيم وموسى}.

ما تقدم فقط، قد أفلح فقط.

 "{مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى} قَالَ أَبُو سعيد الخدري: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا وَلَا قَرْنًا وَلَا أُمَّةً وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا مِنَ الْأَرْضِ مُنْذُ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى غَيْرَ الْقَرْيَةِ الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَةً، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى}»، أَيْ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ. وَقِيلَ: أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا أَغْرَقْنَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَخَسَفْنَا بِقَارُونَ. {بَصائِرَ لِلنَّاسِ} أَيْ آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ بَصَائِرَ. أَيْ لِيَتَبَصَّرُوا {وَهُدىً} أَيْ مِنَ الضَّلَالَةِ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا {وَرَحْمَةً} لِمَنْ آمَنَ بِهَا، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أَيْ لِيَذْكُرُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ فيقيموا عَلَى إِيمَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَثِقُوا بِثَوَابِهِمْ فِي الآخرة.


قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما كُنْتَ} أَيْ مَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ {بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ} أَيْ بِجَانِبِ الْجَبَلِ الْغَرْبِيِّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَعْطَاكَ مَنْ أَعْطَى الْهُدَى النَّبِيَّا ... نُورًا يُزَيِّنُ الْمِنْبَرَ الْغَرْبِيَّا

{إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ} إِذْ كَلَّفْنَاهُ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا، وَأَلْزَمْنَاهُ عَهْدَنَا، وَقِيلَ: أَيْ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى أَمْرَكَ، وَذَكَرْنَاكَ بِخَيْرِ ذِكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِذْ قَضَيْنا" أَيْ أَخْبَرْنَا أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ خَيْرُ الْأُمَمِ. {وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ مِنَ الحاضرين.

قوله تعالى: {وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً} أَيْ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، {فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} حَتَّى نَسُوا ذِكْرَ اللَّهِ أَيْ عَهْدَهُ وَأَمْرَهُ. نَظِيرُهُ: {فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}. وَظَاهِرُ هَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ جَرَى لِنَبِيِّنَا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذِكْرٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُهُ، وَلَكِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَغَلَبَتِ الْقَسْوَةُ، فَنَسِيَ الْقَوْمُ ذَلِكَ وَقِيلَ: آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَأَخَذْنَا عَلَى قَوْمِهِ الْعُهُودَ، ثُمَّ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ فَكَفَرُوا، فَأَرْسَلْنَا مُحَمَّدًا مُجَدِّدًا لِلدِّينِ وداعيا الخلق إليه.

قوله تعالى: {وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أَيْ مُقِيمًا كَمُقَامِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ بَيْنَهُمْ. قَال َالْعَجَّاجُ:

فَبَاتَ حَيْثُ يَدْخُلُ ألثوي

أَيِ الضَّيْفُ الْمُقِيمُ، وقوله: {تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا} أَيْ تُذَكِّرُهُمْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. {وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أَيْ أَرْسَلْنَاكَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، وَآتَيْنَاكَ كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لما علمتها."

وفي هذا رد على من يزعم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- تلقى ما نزل عليه ممن قبله النبي- عليه الصلاة والسلام- ما حضر هذه القصص.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا} أَيْ كَمَا لَمْ تَحْضُرْ جَانِبَ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ إِذْ أَرْسَلَ اللَّهُ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْنَ، فَكَذَلِكَ لَمْ تَحْضُرْ جَانِبَ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا مُوسَى لَمَّا أَتَى الْمِيقَاتَ مَعَ السَّبْعِينَ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: «نُودِيَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا}». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- إِنَّ اللَّهَ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ قَدْ أَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي وَغَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْفِرُونِي وَرَحِمْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَرْحِمُونِي» قَالَ وَهْبٌ: وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَضْلَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ قَالَ: يَا رَبِّ أَرِنِيهِمْ. فَقَالَ اللَّهُ: "إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُمْ وإن شِئْتَ نَادَيْتُهُمْ فَأَسْمَعْتُكَ صَوْتَهُمْ" قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ" فَأَجَابُوا مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ. فَقَالَ:" قَدْ أَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوَنِي" وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا مَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ كَلَّمْنَا مُوسَى فَنَادَيْنَا أُمَّتَكَ وَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَتَبْنَاهُ لَكَ وَلِأُمَّتِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ إِلَى آخِرِ الدُّنْيَا."

القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، والله –جل وعلا-على كل شيء قدير، لكن مثل هذا يحتاج إلى أن سند يثبت به مثل هذه الخوارق. مخرَّج عندك؟

طالب: قال: لا أصل له في المرفوع... أخرجه الحاكم والطبري عن أبي هريرة موقوفًا، وصححه الحاكم، وسكت الذهبي، وكرره الطبري عن أبي زرعة عن أحد التابعين موقوفًا عليه، وأخرجه عن قتادة موقوفًا عليه، فالأشبه فيه الوقف، وأثر ابن عباس ذكره السيوطي في الدر...... قال: هذه الروايات من وضع غلاة هذه الأمة.

من وضع؟

طالب: من وضع غلاة هذه الأمة.

طالب: قول أبي هريرة.

على كل حال أبو هريرة يتلقى من الإسرائيليات كابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص يعني يروون عنهم مما أمرنا بالتحديث به عنهم، أمرنا بالتحدث عن بني إسرائيل ولا حرج؛ «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، لكن لا إشكال فيما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأبو زرعة عمرو بن جرير البجلي يروي عن أبي هريرة، فيحتمل أنهم روا عن أبي هريرة أو يحكون أو يكون مقطوعًا عليه.

طالب: ........

طالب: الدر جانب المكان الغربي إذا أرسل الله موسى إلي فرعون.... إذ نادينا موسى....

يعني لما نودي من الشجرة في الدرس الماضي.

نعم في الطور.

ماذا؟

طالب: فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارًا.

يعني من جهته، ما يلزم أن يكون فيه، يعني من جهة جانبه. على كل حال مثل هذه الأمور معناها واضح، فلا يلزم أن يضرب بعضها ببعض إلا بشيء مُلزم واضح، يعني نقل صحيح.

 "{وَلكِنْ} فَعَلْنَا ذَلِكَ {رَحْمَةً} مِنَّا بِكُمْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: " رَحْمَةً" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ وَلَكِنْ رَحِمْنَاكَ رَحْمَةً، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ فَعَلَنا ذَلِكَ بِكَ لِأَجْلِ الرَّحْمَةِ. قال النَّحَّاسُ: أَيْ لَمْ تَشْهَدْ قَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تُلِيَتْ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا بَعَثْنَاكَ وَأَوْحَيْنَاهَا إِلَيْكَ لِلرَّحْمَةِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: عَلَى خَبَرِ كَانَ، التَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ كَانَ رَحْمَةً. قَالَ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِمَعْنَى: هِيَ رَحْمَةٌ. قال الزَّجَّاجُ: الرَّفْعُ بِمَعْنَى وَلَكِنْ فِعْلُ ذَلِكَ رَحْمَةٌ.

{لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} يَعْنِي الْعَرَبَ، أَيْ لَمْ تُشَاهِدْ تِلْكَ الأخبار، ولكن أَوْحَيْنَاهَا إِلَيْكَ؛ رَحْمَةً بِمَنْ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِمْ؛ لتنذرهم بها {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ} يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَقِيلَ: الْيَهُودَ، {مُصِيبَةٌ} أَيْ عُقُوبَةٌ وَنِقْمَةٌ، {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَخَصَّ الْأَيْدِي بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْكَسْبِ إِنَّمَا يَقَعُ بِهَا. وَجَوَابُ " لَوْلَا" مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْلَا أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ بِسَبَبِ معاصيهم المتقدمة {فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا} أَيْ هَلَّا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا} لَمَا بَعَثْنَا الرُّسُلَ. وَقِيلَ: لَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَبَعْثُ الرُّسُلِ إِزَاحَةٌ لِعُذْرِ الْكُفَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي " سِبْحَانَ" وَآخِرِ " طه"، {فَنَتَّبِعَ آياتِكَ} نصب على جواب التخصيص، {وَنَكُونَ} عُطِفَ عَلَيْهِ، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} "

والتحريض بلولا التي هي بمعنى إلا، والمضارع ينصب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في سياق التحضيض أو العرض.

"{وَنَكُونَ} عُطِفَ عَلَيْهِ، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} "مِنَ الْمُصَدِّقِينَ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ الْإِيمَانَ وَالشُّكْرَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، وذلك موجب للعقاب إذا تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ قَبْلَ بَعْثِهِ الرُّسُلِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ لَوْلَا كَذَا لَمَا احْتِيجَ إِلَى تَجْدِيدِ الرُّسُلِ. أَيْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ غَيْرُ مَعْذُورِينَ إِذْ بَلَغَتْهُمُ الشَّرَائِعُ السَّابِقَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ، فَلَوْ عَذَّبْنَاهُمْ فَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: طَالَ الْعَهْدُ بِالرُّسُلِ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ، وَلَا عُذْرَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُمْ خَبَرُ الرُّسُلِ، وَلَكِنْ أَكْمَلْنَا إِزَاحَةَ الْعُذْرِ، وَأَكْمَلْنَا الْبَيَانَ فَبَعَثْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَبْدًا إِلَّا بَعْدَ إِكْمَالِ الْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ."

العقل الباقي على فطرته لا شك أنه يدرك الخير من الشر، ويميز بينهما، وبفطرته يعرف الإنسان ربه وخالقه، لكن الحجة لا تقوم بمجرده، ولكن تقوم ببعث الرسل، {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا} يَعْنِي مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، {قالُوا} يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ {لَوْلا} أَيْ هَلَّا {أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسى} مِنَ الْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالتَّوْرَاةِ، وَكَانَ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ مُوسَى قَبْلَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا} سَاحِرَانِ {تَظاهَرا} أَيْ موسى ومحمد تعاونا على السحر. قال الْكَلْبِيُّ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْيَهُودِ وَسَأَلُوهُمْ عَنْ بَعْثِ مُحَمَّدٍ وَشَأْنِهِ فَقَالُوا: إِنَّا نَجِدُهُ فِي التَّوْرَاةِ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ الْجَوَابُ إِلَيْهِمْ {قَالُوا سَاحْرَانِ تَظَاهَرَا} وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْيَهُودَ عَلَّمُوا الْمُشْرِكِينَ".

لكن في قوله: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} يعني من التوراة، ووصفوا من جاء بها مع أخيه وزيره بأنهما ساحران تظاهرا؛ لأن أداء التكذيب بما قبل رسالة محمد -عليه الصلاة والسلام- أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل، هو يحكي قولهم حال كفرهم بما أوتي موسى قبل بعثة محمد -صلي الله عليه وسلم- قالوا ساحران يعني موسى وهارون، تظاهرا يعني تعاونا، كأن السياق يدل على هذا.

 "وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْيَهُودَ عَلَّمُوا الْمُشْرِكِينَ وَقَالُوا: قُولُوا لِمُحَمَّدٍ: لَوْلَا أُوتِيتَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى، فَإِنَّهُ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً. فَهَذَا الِاحْتِجَاجُ وَارِدٌ عَلَى الْيَهُودِ، أي أو لم يَكْفُرْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ بِمَا أُوتِيَ مُوسَى حِينَ قالوا في موسى وهارون: هما ساحران، و{إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ} أَيْ وَإِنَّا كَافِرُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

 وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ:" سِحْرانِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، أَيِ الْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ. وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ وَالْفُرْقَانُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، قَالَهُ أَبُو رُزَيْنٍ، والْبَاقُونَ: " سَاحِرَانِ" بِأَلِفٍ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا: مُوسَى وَمُحَمَّدٌ -علَيْهِمَا السَّلَامُ-، وَهَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ.

الثَّانِي:مُوسَى وهرون. وَهَذَا قَوْلُ الْيَهُودِ لَهُمَا فِي ابْتِدَاءِ الرِّسَالَةِ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ. فَيَكُونُ الْكَلَامُ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ على أن المحذوف في قوله: {لَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} لَمَا جَدَّدْنَا بَعْثَةَ الرُّسُلِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ اعْتَرَفُوا بِالنُّبُوَّاتِ وَلَكِنَّهُمْ حَرَّفُوا وَغَيَّرُوا وَاسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ، فَقَالَ: قَدْ أَكْمَلْنَا إِزَاحَةَ عُذْرِهِمْ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 الثَّالِثُ: عِيسَى وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ-. وَهَذَا قَوْلُ الْيَهُودِ الْيَوْمَ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: أو لم يَكْفُرْ جَمِيعُ الْيَهُودِ بِمَا أُوتِيَ مُوسَى فِي التَّوْرَاةِ مِنْ ذِكْرِ الْمَسِيحِ، وَذِكْرِ الْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، فرأوا موسى ومحمدًا ساحرين، والكتابين سحرين".

ظاهر من السياق مثل ما ذكرنا سابقًا أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل، يعني قبل أن ننزل هذا الكتاب، وقبل أن يبعث محمد –عليه الصلاة والسلام- كفروا بما أوتي موسى كفروا بالتوراة وقالوا: سحران أو ساحران تظاهرا، وإن كان المراد ساحران فهما موسى وهارون تظاهرا على القيام بهذا الكتاب الذي أنزل عليه على موسى، وهذا كله قبل بعثة محمد، يعني يريد أن يحتج عليهم أنتم طلبتم شيئًا، وهذا الطلب موجود فيمن قبلكم، فلماذا كفرتم؟ ثم بعد ذلك لما بعث محمد-عليه الصلاة والسلام- احتج عليهم بمثل هذا، قالوا إنا بكل كافرون، يعني بما أنزل على موسى وعلى عيسي وعلى محمد -عليه الصلاة والسلام-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ} أَيْ قُلْ يا محمد إن كَفَرْتُمْ مَعَاشِرَ الْمُشْرِكِينَ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ" فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ"؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا لَكُمْ فِي الْكُفْرِ {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فِي أَنَّهُمَا سِحْرَانِ. أَوْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ هُوَ أَهْدَى مِنْ كِتَابَي مُوسَى وَمُحَمَّدٍ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-. وَهَذَا يُقَوِّي قِرَاءَةَ الْكُوفِيِّينَ: " سِحْرانِ". " أَتَّبِعهُ" قَالَ الْفَرَّاءُ: بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَكِتَابٌ نَكِرَةٌ."

أتْبَعُه بالرفع أتبعُهُ، أما إذا جزمت قلت: أتبعْه، وهو الوجه، جواب الطلب، الجزم هو الوجه، جواب الطلب فأتوا بكتاب أتبعه جواب الطلب، ومنهم من يقول: إن جواب شرط مقدر تقديره فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدي منهما، من الكتابين إن تأتوا به أتبعه.

" قَالَ: وَإِذَا جَزَمْتَ -وَهُوَ الْوَجْهُ- فَعَلَى الشَّرْطِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} يا محمد أن يَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ} أَيْ آرَاءَ قُلُوبِهِمْ وَمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ وَيُحَبِّبُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} أَيْ لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ} أَيْ أَتْبَعْنَا بَعْضَهُ بَعْضًا، وَبَعَثْنَا رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: " وَصَلْنَا" مُخَفَّفًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: مَعْنَى" وَصَّلْنا" أَتْمَمْنَا كَصِلَتِكَ الشَّيْءَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَالسُّدِّيُّ: بَيَّنَّا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَصَّلْنَا. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَصلْنَا لَهُمْ خَبَرَ الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: وَالَيْنَا وَتَابَعْنَا وَأَنْزَلْنَا الْقُرْآنَ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا: وَعْدًا وَوَعِيدًا وَقَصَصًا وَعِبَرًا وَنَصَائِحَ وَمَوَاعِظَ إِرَادَةَ أَنْ يَتَذَكَّرُوا فَيُفْلِحُوا. وَأَصْلُهَا مِنْ وَصْلِ الْحِبَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّةٍ ... وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ مَا يَزَالُ يُوَصَّلُ

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

دَرِيرٍ كخذروف الوليد أمره ... تقلب كفيه بخيط موصل

وَالضَّمِيرُ فِي " لَهُمُ" لِقُرَيْشٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْيَهُودِ. وَقِيلَ: هُوَ لَهُمْ جَمِيعًا. وَالْآيَةُ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: هَلَّا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَذَكَّرُونَ مُحَمَّدًا فَيُؤْمِنُوا بِهِ. وَقِيلَ: يَتَذَكَّرُونَ فَيَخَافُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى. وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ بِالْقُرْآنِ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. حَكَاهُ النَّقَّاشُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} أَخْبَرَ أَنَّ قَوْمًا مِمَّنْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ وَسَلْمَانَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَدِينَةَ، اثْنَانِ وثلاثون رجلاً من الحبشة، وثمانية نفرا أَقْبَلُوا مِنَ الشَّامِ وَكَانُوا أَئِمَّةَ النَّصَارَى: مِنْهُمْ بحيراء الرَّاهِبُ وَأَبْرَهَةُ وَالْأَشْرَفُ وَعَامِرٌ وَأَيْمَنُ وَإِدْرِيسُ وَنَافِعٌ. كَذَا سَمَّاهُمِ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا}، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: أنها أنزلت فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَالْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَسْلَمُوا فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَعَنْ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: نَزَلَتْ فِي عَشَرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَوَجَّهَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَجَلَسُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ تَبِعَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ مِنْ رَكْبٍ، وقبحكم من وفد، لم تَلْبَثُوا أَنْ صَدَّقْتُمُوهُ، وَمَا رَأَيْنَا رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ وَلَا أَجْهَلَ، فَقَالُوا:" سَلامٌ عَلَيْكُمْ" لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا رُشْدًا" لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ"، وقد تقدم هذا في" المائدة" عِنْدَ قَوْلِهِ: { وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} مُسْتَوْفًى."

جاء بالحديث الصحيح، «ثلاثة يُأتون أجرهم مرتين- وذكر منهم- الرجل من أهل الكتاب أمن بنبيه ثم آمن بي » هذا يؤتى الأجر مرتين.

" وقد تقدم هذا في " المائدة" عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} مُسْتَوْفًى. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:"

يعني هل المراد بهم هؤلاء الذين أسلموا أو هم الباقون على نصرانيتهم؟ إذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع، يعني هؤلاء هم الذين أسلموا، أو هم باقون على نصرانيتهم؛ لأنهم أقرب إلى المؤمنين من اليهود والذين أشركوا، والسبب في ذلك أنهم إذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع، وهذا الوصف مناسب للنصارى على مر العصور، أو أنه بالنسبة للنصارى الذين هم في عهده -عليه الصلاة والسلام- الذي نزل القرآن بوصفهم، وهم ما بين المسلمين والنصارى من حروب وإحن وعداوات لا شك أن فيها دلالة على أن الذين وصفوا بكونهم تفيض أعينهم من الدمع هم النصارى الذين هم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، أم من جاء بعدهم فلا يختلفون كثيرًا عن اليهود؛ لأن فيهم العداوة وفيهم البغض الشديد، والشواهد من تاريخ الحروب الصليبية إلى يومنا هذا، وإن كانوا في الجملة أرق من اليهو،د لكنهم مع ذلك، العداوة ظاهرة بينهم وبين المسلمين.

 فكأن المؤلف في إشارته إلى ما تقدم يريد أن يقرب الآية وينزل الآية على من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان وغيرهم، وهذا ما فيه إشكال؛ لأنهم آمنوا وليس وصفهم بالنصرانية مستقيمًا بعد أن أسلموا ، المتجه أنهم على هذا الوصف حال نصرانيتهم وإلا إذا أسلموا فهم مسلمون، فحال نصرانيتهم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول؛ لقربهم من المسلمين واليهود بعدهم البعد الشديد؛ لتعنتهم وكثرة مخالفتهم، وطعنهم في الرب -جل وعلا-، طبع على قلوبهم.

 أما النصارى فأمرهم أخف إلى أن توالت العداوات والإحن والحروب وشحنوا وصار لهم ما لا يبعدهم من اليهود، ومع الأسف أن هذا الوصف للنصارى وهم على نصرانيتهم، وتجد المسلم بل طالب العلم وأحيانًا العالم يسمع ما أنزل إلى الرسول ولا يحرك ساكنًا كأنه أخبار، كأنه يسمع الأخبار، لا فرق، أو كأنه حين يقرأ القرآن يقرأ في صحيفة لا فرق، ولا شك أن هذا من موت القلوب، وإذا كان النصارى إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، عرفوا شيئًا بصيصًا من الحق، فكيف بمن عرف الكثير منه حتى عد من أهل العلم، لا شك أن هذا يحتاج إلى علاج، والله المستعان.

طالب: .......من قبله مسلمين.

مسلمين بنبيهم.

طالب: الإسلام العام.

إسلامهم، إسلام بنبيهم.

طالب: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول يعني يكون يا شيخ بعد إيمانهم مسلمين لما قال الله فأثابهم الله بها مقام الجنات ...

يعني بعد أن أسلموا أثابهم بعد أن أسلموا وإلا لو كان بعد إسلامهم ما صار لهم مزية.

 "وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَقَدْ أَدْرَكَهُ بَعْضُهُمْ. {مِنْ قَبْلِهِ} أَيْ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- {هُمْ بِهِ} أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- {يُؤْمِنُونَ}. {وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا} أَيْ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ قَالُوا صَدَّقْنَا بِمَا فِيهِ {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ} أَيْ مِنْ قَبْلِ نُزُولِهِ، أَوْ مِنْ قَبْلِ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- {مُسْلِمِينَ} أَيْ مُوَحِّدِينَ، أَوْ مُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ سَيُبْعَثُ مُحَمَّدٌ، وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ القرآن.

قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص:54]. 

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا} ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أدبها فأحسن أَدَّبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ» قَالَ الشعبي للخراساني: خذا هذا الحديث بغير شيء، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا".

الحديث متفق عليه، وعزوه إلى مسلم من قبل المؤلف يعني باعتبار أن المغاربة عنايتهم بصحيح مسلم أكثر من صحيح البخاري.

"قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مُخَاطَبًا بِأَمْرَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَجْرَيْنِ، فَالْكِتَابِيُّ كَانَ مُخَاطَبًا مِنْ جِهَةِ نَبِيِّهِ، ثُمَّ إِنَّهُ خُوطِبَ مِنْ جِهَةِ نَبِيِّنَا فَأَجَابَهُ وَاتَّبَعَهُ فَلَهُ أَجْرُ الْمِلَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ هُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ، وَرَبُّ الْأَمَةِ لَمَّا قَامَ بِمَا خُوطِبَ بِهِ مِنْ تَرْبِيَتِهِ أَمَتَهُ وَأَدَبِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا إِحْيَاءَ التَّرْبِيَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا أَحْيَاهَا إِحْيَاءَ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي أَلْحَقَهَا فِيهِ بِمَنْصِبِهِ".

يعني صارت مثله، حرة مثله.

" فقد قام بِمَا أُمِرَ فِيهَا، فَأَجْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَجْرَيْنِ. ثُمَّ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَجْرَيْنِ مُضَاعَفٌ فِي نَفْسِهِ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَتَتَضَاعَفُ الْأُجُورُ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَقُومُ بِحَقِ سَيِّدِهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنَ الْحُرِّ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ»، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ لِصُحْبَتِهَا. وَفِي الصَّحِيحُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعِمَّا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ نِعِمَّا لَهُ»".

قول أبو هريرة: والذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهاد، هذا يروى مرفوعًا إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-، لكنه مدرج، ما يمكن أن يقول الرسول-عليه الصلاة والسلام-: لولا الجهاد أُبر أمي؛ لأن أمه قد ماتت.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِما صَبَرُوا} عَامٌّ فِي صَبْرِهِمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ، ثُمَّ عَلَى هَذِهِ وَعَلَى الْأَذَى الَّذِي يَلْقَوْنَهُ مِنَ الْكُفَّارِ وَغَيْرِ ذلك.

الثالثة: قوله تعالى: {وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أَيْ يَدْفَعُونَ دَرَأْتُ إِذَا دَفَعْتُ، وَالدَّرْءُ الدَّفْعُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» قِيلَ: يَدْفَعُونَ بِالِاحْتِمَالِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ الْأَذَى."

طالب: الحديث صحيح.

ماذا؟

طالب: ........الحديث.

ادرءوا الحدود بالشبهات كلام أهل العلم فيه طويل، ويحتج به على دفع الحدود بالشبهات، والفقهاء يستدلون به، والكلام كثير لأهل الحديث، مخرَّج.

طالب: ... ضعيف...أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي والدارقطني من حديث عائشة .... ومداره على يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك صححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: يزيد متروك، وقال الترمذي: ورواه وكيع عن يزيد موقوفًا على عائشة، وهو أصح، ويزيد ضعيف، وكذا صوب البيهقي الوقف، وأخرجه بن ماجه من حديث أبو هريرة وأعله البوصيري بإبراهيم بن الفضل، ونقل عن البخاري وأحمد أنه ضعيف الحديث، وجاء في تلخيص الحبير ما ملخصه: ورواه ابن حزم عن عمر موقوفًا بسند صحيح، وأصح ما فيه أنه عن مسعود موقوفًا انتهى.

الكلام في الحديث المرفوع واضح عند أهل العلم، لكن يبقى أن العلماء والفقهاء عامتهم على العمل به، وهم يدرؤون الحدود باعتباره من حقوق الله -جل وعلا- بالشبهات، ولا شك أن هذا صالح لمن حصلت منه هفوة أو ذلة، النبي -عليه الصلاة والسلام- أعرض عن ماعز ولقنه بعض ما يدفع عنه الحد، لكن أصحاب السوابق وبخاصة أرباب الجرائم والمنكرات مثل هذا لا يصلحون معهم هذا.

طالب:.... تمنى أن يكون مملوكًا.

لينال أجرين.

طالب: أيهما أفضل الحر أم المملوك؟

إذا كانت أعمالهم واحدة بالنسبة لله -جل وعلا- المملوك أفضل؛ لأنه مكلف بتكليفين، وإذا فاق الحر المملوك بأعمال أخرى لا يستطيع المملوك بأن يفعلها فاقه من هذه الحيثية، فالمسألة ينظر فيها إلى كل شخص بعينه.

طالب: بإطلاقه.

بإطلاقه أن المملوك أفضل، على كلام ابن عبد البر؛ لأن المملوك له أجران.

طالب: لماذا يدعى للحرية، للعتق؟

فضل الآخرة لا يعني ... أنت افترضت في شخصين مثلهما واحد في العمل، لكن لو فاق الحر المملوك بأعمال أخرى لا يستطيع فعلها فُضل عليه من هذه الحيثية، وكم من مملوك يعدل ملئ الأرض من الأحرار.

طالب: يطلع ...من قال: إن الحر أفضل من العبد.

إذا نظرت إلى أن خيار الأمم أحرار مثلاً، فمن كان من جانبه الرسل فهو راجح، إذا نظر من هذه الحيثية نعم، لكن أن تنظر إلى الأفراد، هذا الشخص إذا عمل ما كلف به من قبل الله –جل وعلا- وما كُلف به من حق سيده لا شك أن له أجران.

طالب: هل يصح أن يتمنى الواحد الفاقة مثلاً؟

والله إذا كانت حياته مع الغنى يرى أنها ليست بخير له، يعني جرب الغنى ووجد أن حياته مع الغنى شر عليه يتمنى الفقر، لأنه يتمنى لنفسه الخير، ولا يلزم أن يكون الفقر الذي يتمناه أن يكون عيشه كفافًا ما يلزم أن يكون فقرًا.

طالب: السجن، لو تمنى السجن؟

الآن الابتلاء لا يُبحث عنه، ولا يُطلب، ولا يتمناه الإنسان، «لا تتمنوا لقاء العدو»، لكن إذا وجد وصبر الإنسان وأدى ما لله عليه صار خيرًا له.

 "قِيلَ: يَدْفَعُونَ بِالِاحْتِمَالِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ الْأَذَى."وَقِيلَ: يَدْفَعُونَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ الذُّنُوبَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ وَصْفٌ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، أَيْ مَنْ قَالَ لَهُمْ سوءًا لاينوه وَقَابَلُوهُ مِنَ الْقَوْلِ الْحَسَنِ بِمَا يَدْفَعُهُ فَهَذِهِ آيَةُ مُهَادَنَةٍ، وَهِيَ مِنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ مِمَّا نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ وَبَقِيَ حُكْمُهَا فِيمَا دُونَ الْكُفْرِ يَتَعَاطَاهُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِمُعَاذٍ: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وَمِنَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ وَالْأَذَى، وَالصَّبْرُ عَلَى الْجَفَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَلِينِ الْحَدِيثِ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي الطَّاعَاتِ وَفِي رَسْمِ الشَّرْعِ، وَفِي ذَلِكَ حَضٌّ عَلَى الصَّدَقَاتِ. وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْفَاقُ مِنَ الْأَبْدَانِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، ثُمَّ مَدَحَهُمْ أَيْضًا عَلَى إِعْرَاضِهِمْ عَنِ اللَّغْوِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} أَيْ إِذَا سَمِعُوا مَا قَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْأَذَى والشتم أعرضوا عَنْهُ، أَيْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِهِ، {وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ مُتَارَكَةٌ، مثل قوله: {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ أَمْنًا لَكُمْ مِنَّا، فَإِنَّا لَا نُحَارِبُكُمْ، وَلَا نُسَابُّكُمْ، وليس من التحية في شيء. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، {لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ} أَيْ لَا نَطْلُبُهُمْ لِلْجِدَالِ وَالْمُرَاجَعَةِ والمشاتمة".

هذا من المسالمة، وألا نتعرض لكم بشيء، وليس من إلقاء التحية التي لا يجوز إلقاؤها على المشرك، على الكافر، لا يجوز إلقاء التحية أن يبدأ بالسلام لا يمكن، وإذا سلم يجاب بما أجاب به النبي-عليه الصلاة والسلام- وعليكم ولا يزاد على هذا، نقف على هذا.

طالب: ........

الرافضة المشرك منهم الذي يدعو غير الله -جل وعلا- يدعو عليًّا والحسن والحسين، هؤلاء مشركون، حكمهم حكم المشركين.

طالب: طلاب في الجامعة....الشيعة.

هم يبتلون بمصاحبتهم؛ لاشتراكهم معهم في العمل، لكن هذا لا يبرر ما حرم الله، نهينا عن ابتداء المشركين بالسلام.

طالب: من أسلم من النصارى في هذا الوقت يصير له أجران.

نعم له أجران مادام ينتسب إلى عيسى، ولو كان محرفًا؛ لأن الوعد في الحديث في وقت التحريف فهذا ....

طالب: .....

على كل حال كلهم نصارى ونزل القرآن.....

"