كتاب العتق من سبل السلام (1)
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لغفر لشيخنا والسامعين. أمَّا بعد،
فقال في البلوغ وشرحه:
"كِتَابُ الْعِتْقِ.
الْعِتْقُ: الْحُرِّيَّةُ، يُقَالُ: عَتَقَ عِتْقًا بِكَسْرِ (الْعَيْنِ) وَبِفَتْحِهَا، فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ. وَفِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ: الْعِتْقُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ مِنْ الْآدَمِيِّ تَقَرُّبًا لِلَّهِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ.."
النجم الوهاج في شرح المنهاج للنووي، والشرح لكمال الدين الدميري صاحب حياة الحيوان، وهو من أفضل الشروح على هذا المتن، وعليه شروح أخرى، وهي مهمة أيضًا مثل، شرح ابن حجر الهيثمي تحفة المحتاج، يعني معتمد عند متأخري الشافعية، ونهاية المحتاج للرملي، ومغني المحتاج للخطيب الشربيني، كلها شروح نافعة لهذا المتن، وهناك شروح أخرى مطولة ومختصرة يُستفاد منها، لكن الصنعاني في هذا الشرح كثيرًا ما يعتمد على النجم الوهاج، والعلماء وهم ينقلون من الكتب لتوفر الكتاب أثر في اعتماده، قد لا يكون عنده من شروح المنهاج إلا هذا الكتاب، أو لا يقصد ولا يشتري إلا كتابًا واحد؛ لأنَّه لو اشترى من كل متن جميع شروحه ضاقت به الدنيا، ما وجد شيئًا.
الخرقي عليه ثلاثمائة شرح مثلًا، مكتبة كاملة من التفاسير مثلًا ما يزيد على ذلك، مئات التفاسير، أو من شروح البخاري عشرات، فكونه يعتمد النجم الوهاج هو طيب، وفيه فوائد، لكن عند الشافعية تحفة المحتاج أقعد.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
إيش فيه؟
طالب: .........
لا، جيد، لكنه مختصر ما هو مثله.
طالب: .........
لأنَّه أوفر وأخصر، نعم.
القارئ: تحفة المحتاج لمن؟
ابن حجر الهيثمي.
القارئ: جزاك الله خيرًا.
"وهو مندوب وَوَاجِبٌ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [سورة البلد:13] فُسِّرَتْ بِعِتْقِهَا مِنْ الرِّقِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ» بِكَسْرِ (الْعَيْنِ) وَضَمِّهَا «مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْبُخَارِيِّ «حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»، وَفِيهِ أَنَّهُ.."
حتى بعض الروايات فيها: «وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين استنقذ الله بكل.. » إلى آخر الحديث، فيدل على أنَّ عتق امرأتين يساوي عتق رجل، وهذا من المسائل التي فيها المرأة على النصف من الرجل، وهي خمس، في العتق، في الدية، في الإرث، في الشهادة، وفي العقيقة المرأة على النصف من الرجل.
"فيه أنَّه إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ وَالْمُعْتِقُ مُسْلِمَيْنِ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ، وَفِي قَوْلِهِ: «اسْتَنْقَذَهُ» مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا وَاشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ لِأَجْلِ هَذَا الْأَجْرِ وَإِلَّا فَإِنَّ عِتْقَ الْكَافِرِ يَصِحُّ، وَقَوْلُهُمْ: لَا قُرْبَةَ لِكَافِرٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِهِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا."
لتخلف شرط القبول وهو الإيمان؛ {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [سورة التوبة:54].
"وَإِلَّا فَهِيَ نَافِذَةٌ مِنْهُ لَكِنْ لَا نَجَاةَ لَهُ بِسَبَبِهِ مِنْ النَّارِ. وَفِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ الْمُعْتَقَةِ بِالْإِسْلَامِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا تُنَالُ إلَّا بِعِتْقِ الْمُسْلِمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِتْقِ الْكَافِرَةِ فَضْلٌ، لَكِنْ لَا يَبْلُغُ مَا وُعِدَ بِهِ هُنَا مِنْ الْأَجْرِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (إرْبٌ) عِوَضُ عُضْوٍ، وَهُوَ بِكَسْر (الْهَمْزَةِ) وَإِسْكَانِ (الرَّاءِ) فَمُوَحَّدَةٍ الْعُضْوُ.
وَفِيهِ أَنَّ عِتْقَ كَامِلِ الْأَعْضَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ نَاقِصِهَا فَلَا يَكُونُ خَصِيًّا وَلَا فَاقِدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاء، وَالْأَغْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ كَمَا يَأْتِي.
وَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى كَمَا يَدُلُّ لَهُ قوله: وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ». فَعِتْقُ الْمَرْأَةِ أَجْرُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِتْقِ الذَّكَرِ فَالرَّجُلُ إذَا أَعْتَقَ امْرَأَةً كَانَتْ فِكَاكَ نِصْفِهِ مِنْ النَّارِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ المرأة كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ كَمَا دَلَّ لَهُ مَفْهُومٌ هَذَا وَمَنْطُوقُ:
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ: «وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ».
وَبِهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: عِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ. وَلِمَا فِي الذَّكَرِ مِنْ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الْإِنَاثِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ إمَّا شَرْعًا أو عرفًا؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِمَاءِ مِنْ تَضِيعُ بِالْعِتْقِ، وَلَا يُرْغَبُ فِيهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عِتْقُ الإناث أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَلَدُهَا حُرًّا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ: «حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ» اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ: لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْجِ هِيَ الزِّنَا، وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ لَا تُكَفَّرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعِتْقَ يُرَجَّحُ عِنْدَ الْمُوَازَنَةِ بِحَيْثُ تَكُونُ حَسَنَاتُ الْعِتْقِ رَاجِحَةً تُوَازِي سَيِّئَةَ الزِّنَا، مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا بِالزِّنَا، فَإِنَّ الْيَدَ يَكُونُ بِهَا الْقَتْلُ، وَالرِّجْلُ يَكُونُ بِهَا الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ."
يعني الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، لا تُكفَّر بمثل هذه الأعمال الصالحة، فلا تُكفِّرها الصلوات الخمس، ولا رمضان، ولا الجمعة، ولا العمرة، بل لا بد من التوبة؛ لأنَّه جاء استثناء الكبائر في قوله: «ما لم تُغشَ كبيرة»، {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31]، فاشترط اجتناب الكبائر لتكفير الذنوب والسيئات، الكبائر لا بد فيها من التوبة، أو رحمة أرحم الراحمين؛ لأنَّ مرتكب الكبيرة تحت المشيئة عند أهل السُّنَّة إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذَّبه بقدر ذنبه.
طالب: ..........
طيب.
طالب: .........
المهم مجرد العتق، أعطي الأجر مرتين؛ لما أحتف بالعتق من التأديب والعتق والتزوج.
طالب: .........
أيُّهما أفضل، أن يُعطى أجر العتق، أو أن يُعتق من النار؟ يُعتق من النار.
"فَائِدَةٌ: فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً عَدَدَ سِنِي عُمْرِهِ، وَعَدَّ أَسْمَاءَهُمْ قَالَ: وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ سَبْعًا وَسِتِّينَ، وَعَاشَتْ كَذَلِكَ، وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا، وَأَعْتَقَ الْعَبَّاسُ سَبْعِينَ عَبْدًا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَأَعْتَقَ عُثْمَانُ وَهُوَ مُحَاصَرٌ عِشْرِينَ، وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا، وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ وَحَجَّ..."
كل هذه تحتاج إلى أسانيد صحيحة لتُقبل، واعتمر ألف عمرة، وأعتق تحتاج إلى ثبوت، وإن كان متصور يعني متصور أن يُعتق ألفًا ويعتمر ألفًا، لكن هذا لا شك أنَّه يحتاج إلى سند يُعتمد عليه، وكذلك كونه- عليه الصلاة والسلام- أعتق ثلاثًا وستين، نعم، ثبت عنه أنَّه- عليه الصلاة والسلام- نحر بيده الشريفة ثلاثًا وستين من بُدنه عدد سني عمره، لكن هل في كل أعماله تصرف هذا التصرف؟
يحتاج إلى ما يثبته.
"وحجَّ سِتِّينَ حَجَّةً، وَحَبَسَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْتَقَ ذُو الْكُلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةَ آلَافِ عَبْدٍ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفِ نَسَمَةً. انْتَهَى.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قُلْت: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلَاهَا» رُوِيَ (بِالْعَيْنِ) الْمُهْمَلَةِ (وَالْغَيْنِ) الْمُعْجَمَةِ."
المآل واحد أعلاها يعني في الغالب يكون الأعلى هو الأغلى.
"«ثَمَنًا، وَأَنْفُسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْبِرِّ بَعْدَ الْإِيمَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ هُنَالِكَ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا.."
وأنَّ (من) مقدَّرة، يعني من أفضل الأعمال كذا، أو أنَّ الجواب يختلف باختلاف أحوال السائلين، الذي عنده رقاب يوجه إلى العتق، والذي عنده قوة في بدنه يوجه إلى الجهاد، والذي عنده قوة في عقله ورأيه يوجه إلى العلم، وهكذا.
"ودلَّ على أنَّ الأغلى ثمنًا أَفْضَلُ مِنْ الْأَدْنَى قِيمَةً. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً. أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ شَخْصٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رِقَابًا يُعْتِقُهَا، فَوَجَدَ رَقَبَةً نَفِيسَةً وَرَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ، قَالَ: فَثِنْتَانِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ السَّمِينَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْعِتْقِ فَكُّ الرَّقَبَةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ طَيِّبُ اللَّحْمِ، انْتَهَى.
وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا لَا يُؤْخَذُ.."
إذا كان عند رجل عبد، وهذا الرجل عنده تجارة، ويحتاج من يعينه عليها، وهذا العبد ليس في تركيبه ما يعينه على القيام بمهام هذه التجارة، تحتاج إلى قوة، وتحتاج إلى جلد وتحمل، لكن عنده من مقومات تحصيل العلم، تحصيل العلم ما عنده، أو عنده عبدان الأول قوي في بدنه، يفيده في تجارته، والثاني ضعيف في بدنه، قوي في رأيه، عكس الأول، أيهما أفضل؟ لا شك أنَّ الأنفس عند أهلها، عند صاحبه قوي البدن لا قوي الرأي؛ لأنَّه يحتاجه في هذا، لكن الأنفع للأُمَّة الثاني، بإمكانه أن يتعلم ويُنتفع بعلمه، والأول قوي في بدنه، لكنه ضعيف في رأيه، ليس بمثابته، فهل يُنظر إلى النفع الخاص، أو يُنظر إلى النفع العام؟
يُنظر للنفع العام بلا شك.
"والأولى أنَّ هذا لا يؤخذ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ شَخْصٌ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فَعِتْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ جَمَاعَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ هَذِهِ السِّمَاتُ، فَيَكُونُ الضَّابِطُ اعْتِبَارَ الْأَكْثَرِ نَفْعًا.
وَقَوْلُهُ: «وَأَنْفُسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» أَيْ مَا كَانَ اغْتِبَاطُهُمْ بِهَا أَشَدُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران:92].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ» بِفَتْحِ (الْعَيْنِ) أَيْ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ، «فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَقَدْ عَتَقَ» بِفَتْحِ (الْعَيْنِ) الْمُهْمَلَةِ «مِنْهُ مَا عَتَقَ» بِفَتْحِ (الْعَيْنِ)، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".
فحينئذٍ يكون مُبعَّضًا، إذا كان عبد بين شركاء، واحد منهم أعتق نصيبه فإن كان له مال يستطيع به شراء النصيب الباقي لزمه ذلك، وإن لم يكن له مال فإنَّه يبقى مبعَّضًا، بعضه عتيق وبعضه رقيق، وسيأتي في الحديث الذي يليه مسألة الاستسعاء.
"دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ حِصَّةٌ فِي عَبْدٍ إذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فِيهِ وَكَانَ مُوسِرًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بَعْدَ تَقْوِيمِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ تَقْوِيمَ مِثْلِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتِقِ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَدَلَّ الحديث عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَّا مَعَ يَسَارِ الْمُعْتِقِ لَا مَعَ إعْسَارِهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِلَّا» أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ مَالٌ «فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَهِيَ حِصَّتُهُ.
وَظَاهِرُ الحديث تَبْعِيضُ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا اللفظ نزاع بين أئمة العلم، فقال ابن وضاح: ليس هذا من كلام النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه رواه أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ نَافِعٌ "وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ"، فَفَصَلَهُ الراوي مِنْ الْحَدِيثِ وَلم يجَعَلَهُ مِنْ كلام النبي- صلى الله عليه وسلم-، وجعله من قَوْلِ نَافِعٍ. قَالَ أَيُّوبُ مَرَّةً: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ الْحَدِيثِ أَوْ هُوَ شَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ فَوَصَلَاهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعَلَاهُ مِنْهُ."
وهما ثقتان.
"قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ أَوْلَى وَقَدْ جَوَّدَاهُ، وَهُمَا فِي نَافِعٍ أَثْبَتُ مِنْ أَيُّوبَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، كَيْفَ وَقَدْ شَكَّ أَيُّوبُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا؟ وَقَدْ رَجَّحَ الْأَئِمَّةُ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لا أَحْسِبُ عَالِمًا فِي الْحَدِيثِ يَتَشَكَّكُ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ به حَتَّى لَوْ تُسَاوَيَا وَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ لَمْ يَشُكَّ.
هَذَا وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَقْوَالٌ أَقْوَاهَا مَا وَافَقَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إلَّا بِدَفْعٍ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَت الْهَادَوِيَّةُ وَآخَرُونَ: إنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ، فَإِنَّهُ يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ".
فإنَّه يُستسعى.
القارئ: أحسن الله إليك.
فإنَّه يُستسعى العبد.
"فإنَّه يُستسعَى العبد في حصة الشريك، مُسْتَدِلِّينَ بقوله: ولهما.."
سيأتي الكلام في الاستسعاء في الحديث الذي يليه إن شاء الله تعالى، والله أعلم، وصلى الله على محمد.