التعليق على تفسير القرطبي - سورة غافر (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى- "تفسير سُورَةِ غَافِرٍ، وَهِيَ سُورَةُ الْمُؤْمِنِ، وَتُسَمَّى سُورَةُ الطَّوْلِ. وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ إِلَّا قَوْلَهُ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ".

الصلوات فُرضت، الصلوات فُرضت ليلة الإسراء، وليلة الإسراء بمكة، قوله: لأن الصلوات نزلت بالمدينة هذا الكلام فيه ما فيه.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ. وَهُمَا {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} وَالَّتِي بَعْدَهَا. وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً. وَقِيلَ: ثِنْتَانِ وَثَمَانُونَ آيَةً. وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ قَالَ".

أي اختلاف في عدد الآي ليس مردُّه إلى الزيادة والنقصان فيها، وإنما مردُّه إلى احتساب بعض الآيات فيها على مذهب وعدم احتسابها على مذهب، وعد "البسملة" آية، وعد "حم" وحدها آية مستقلة، أو عدم عد ذلك، بهذا يتفاوت العدد، ولا يرد في هذا إلى أنها خمس وثمانون آية، أو تنقص ثلاث آيات وتصير (ثلاث وثمانين)، أو (اثنين وثمانين)، لا، القرآن مصون من الزيادة والنقصان، تولَّى الله حفظه، تكفَّل الله بحفظه، لم ينقص منه حرف، ولم يزد فيه حرف.

"وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كُنَّ الْحَوَامِيمَ يُسَمَّيْنَ الْعَرَائِسَ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْحَوَامِيمُ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ".

طالب:........

على كل حال، المرفوع لا يثبت عن النبي-عليه الصلاة والسلام-.

"قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: آلُ حم دِيبَاجُ الْقُرْآنِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِكَ آلُ فُلَانٍ وَآلُ فُلَانٍ، كَأَنَّهُ نَسَبَ السُّورَةَ كُلَّهَا إِلَى حم، قَالَ الْكُمَيْتُ:

وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَةً
  

تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْزِبُ"
  

نسب السورة، أو السور السبع، المقصود "آل حم" سورة واحده أو السبع السور؟

سورة.

ولذلك قوله: كأنما نسب السورة كلها إلى "حم"، أو السور، ماذا عندكم الطبعة الثانية؟ "وجدنا لكم في آل حم آية"؛ يعني في سورة واحده، أو في جنس السور السبع التي افتتحت ب"حم".

"قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَكَذَا رَوَاهَا الْأُمَوِيُّ بِالزَّايِ، وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَرْوِيهَا بِالرَّاءِ. فَأَمَّا قَوْلُ الْعَامَّةِ: الْحَوَامِيمُ، فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَوَامِيمُ سُوَرٌ فِي الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَأَنْشَدَ:

وَبِالْحَوَامِيمِ الَّتِي قَدْ سُبِّعَتْ
  

قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْمَعَ بِذَوَاتِ حم. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ".

يعني المفسِّر- رحمه الله- يقول: "فأما قول العامة: الحواميم فليس من كلام العرب"، مع أنه أسند إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- حديث أنس، قال: «الحواميم ديباج القرآن»، وسكت عليه، ما قال: إنه ضعيف، ولا موضوع، ولا أصل له، ثم بعد ذلك قال: قول العامة الحواميم ليس من كلام العرب، مفترض أنه إما أن يتحاشى هذه الكلمة؛ لأنها جاءت في حديٍث مرفوع، أو يحكم على الحديث المرفوع بالبطلان، ويكون حينئٍذ وجوده مثل عدمه، أما أن يردها في خبرٍ مرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يتعقَّبه، ثم يقول: إنه ليس من كلام العرب، النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذروة الفصاحة والبلاغة، وهو من أقحاحهم، ومع ذلك كلامٌ ينقض بعضه بعضًا. 

"وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّ ثَمَرَةَ الْقُرْآنِ ذَوَاتُ حَم، هُنَّ رَوْضَاتٌ حِسَانٌ مُخَصَّبَاتٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَلْيَقْرَأِ الْحَوَامِيمَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَثَلُ الْحَوَامِيمِ فِي الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْحَبِرَاتِ فِي الثِّيَابِ ذَكَرَهُمَا الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنِي الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَى رَجُلٌ سَبْعَ جَوَارٍ حِسَانٍ مُزَيَّنَاتٍ فِي النَّوْمِ فَقَالَ: لِمَنْ أَنْتُنَّ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُنَّ؟ فَقُلْنَ: نَحْنُ لِمَنْ قَرَأَنَا، نَحْنُ الْحَوَامِيمُ".

وهذا كسابقه يعني يرد عليه قوله: "فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب"، وفيه من الكلام مثل ما تقدم، ولم يشر إلى ضعف الحديثين، مع أنه عزاهم إلى الثعلبي، وما يقتصر عليه أو ما يتفرد به الثعلبي، لا شك في ضعفه؛ لأنه الذي يظهر أنه لا أصل له.  

طالب:......

نعم يروي أحاديث موضوعه.

طالب:......        

كلها لا تصح، لكن العجب من المؤلف حينما يقول: "وقول العامة: الحواميم لا يوجد في لغة العرب"، ثم يسند أحاديث مرفوعة إلى النبي-عليه الصلاة والسلام- في هذا اللفظ، لا شك أن هذا تناقض، فإما أن يبطل الأحاديث، وإما أن يتعقب هذا الكلام؛ لأنه ثبت في أحاديث.

طالب:......

طيب، لكن لابد أن يبينه، ولا يفرق بين الصيغ أبدًا، وهو في صحيح البخاري، عنده مشكله، ليس من أهل الحديث.

طالب:.......

"فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب"، هذا يقول منه، لا عندنا ما في عزو لأبي عبيدة، ليس فيه عزو، وكان أبو عمروٍ يرويها بالراء فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب، هذا ما عزا، وقال أبو عبيدة بعده.

طالب:.......               

أبو عبيدة ليس من كلامه هذا، ليس من كلام أبو عبيدة، كلام أبو عبيدة معطوف على هذا الكلام.

طالب:.......

وكان أبو عمروٍ يرويها، على كل حال سواء إن كان له، أو لغيره مع إقراره، يتحمل تبعته.

طالب:......

ماذا؟

طالب:......

على كل حال، سواء إن كان له القول، أو لغيره ولم يتعقبه، فلابد من أن يتعقب الأحاديث، أو يتعقب هذا القول، نعم، لأن الجمع بينهما تناقض.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: حم اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حم".

جاء في أول "سورة حم"، وأن من قرأه إلى قوله: {إِلَيْهِ الْمَصِير}، يعني مع آية الكرسي، له نسيد عند الترمذي هذا، حد يذكره، حديث عند الترمذي، في فضل أول "حم" قال: «أول حم غافر إلى قوله: {إِلَيْهِ الْمَصِير}».

طالب:.......

ذكر هذا؟ هات أنظر، إذًا قد مر علينا بالترمذي قديمًا، نعم ذكره الشيخ في أذكار الصباح والمساء بخطه، بعد أن ذكر العشر آيات من سورة البقرة التي جاءت عند الدارمي، بسنٍد جيد، ذكر رقم أربعة: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} من أذكار الصباح والمساء، أنت ما خرجت هذه الأذكار؟

طالب:.......

طيب، صوِّر لنا هذه في ورقة كبيرة، واكتب عليها ما يتيسر عندك، العشرة آيات الأولى من سورة البقرة، عند الدارمي بسند لا بأس به، جيد.

" فَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ رَبِّكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حم اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ. وَعَنْهُ: الر وَ حم وَ ن حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعَةٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. قَاَلَ مُجَاهِدٌ: فَوَاتِحُ السُّوَرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: الْحَاءُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ حَمِيدٍ وَحَنَّانٍ وَحَلِيمٍ وَحَكِيمٍ، وَالْمِيمُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ مَلِكٍ وَمَجِيدٍ وَمَنَّانٍ وَمُتَكَبِّرٍ وَمُصَوِّرٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا حم فَإِنَّا لَا نَعْرِفُهَا فِي لِسَانِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ   -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَدْءُ أَسْمَاءٍ وَفَوَاتِحُ سُوَرٍ".

المؤلف -رحمه الله تعالى- أفاض، وأطال في الحروف المقطعة، وما جاء فيها في صدر سورة البقرة، وجمع الأقوال كلها هناك، وأولى ما يقال فيها الله اعلم بمراده بها، ونزلت تعجيزًا للعرب الذين نزل عليهم القرآن، ولم يؤمنوا به ولم يصدقوا به، وأن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف التي تعرفونها، ولذلك لا يذكر حرف من هذه الحروف المقطعة إلا ويذكر القرآن بعده، إذا كان مؤلف من الحروف التي تتكلمون بها؛ فأتوا به، أو بعشر سور، أو بسورة، هذا تعجيز لهم، الحديث الذي رواه أنس أن أعرابيًّا ماذا؟

طالب:.......

مما لا شك نعم.

"وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِنٌ. كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى تَهَجِّي حم؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حُمَّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: قُضِيَ وَوَقَعَ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى
  

وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ
  

وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ الْمَعْنَى حُمَّ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ: قَرُبَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْمٌ
  

قَوْمٌ بِهِمْ غَفْلَةٌ وَنَوْمٌ
  

وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْحُمَّى؛ لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِنَ الْمَنِيَّةِ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ: قَرُبَ نَصْرُهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَانْتِقَامُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْرٍ. وَقِيلَ: حُرُوفُ هِجَاءٍ، قَالَ الْجَرْمِيُّ: وَلِهَذَا تُقْرَأُ سَاكِنَةَ الْحُرُوفِ فَخَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّهَجِّي، وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ أُعْرِبَتْ، فَتَقُولُ: قَرَأْتُ حم فَتُنْصَبُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ
  

فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
  

وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ: "حَمْ" بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى اقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قال ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو السَّمَّالِ بِكَسْرِهَا".

بالقراءة، تقدم قرأ هنا، بالقراءة.

"وَالْإِمَالَةُ وَالْكَسْرُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الْقَسَمِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِقَطْعِ الْحَاءِ مِنَ الْمِيمِ. والْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ. وَكَذَلِكَ فِي {حم عسق}. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ. والْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} ابْتِدَاءٌ وَالْخَبَرُ {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هَذَا {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "حم" مُبْتَدَأً وَ" تَنْزِيلُ" خَبَرُهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقُرْآنَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ مَنْقُولًا وَلَا مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُكَذَّبَ بِهِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} قَالَ الْفَرَّاءُ: جَعَلَهَا كَالنَّعْتِ لِلْمَعْرِفَةِ وَهِيَ نَكِرَةٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ خَفْضٌ عَلَى الْبَدَلِ. قَاَلَ النَّحَّاسُ: وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا وَتَلْخِيصُهُ أَنَّ {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَعْرِفَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا لِمَا مَضَى فَيَكُونَا نَعْتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا".

لاسيما، لاسيما مع الإضافة، كلها مضاف، {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} كلها مضاف وليست نكرات.

"وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَالِ فَيَكُونَا نَكِرَتَيْنِ".

وإن أضيفا لفظًا؛ لأنه إذا كان {غَافِرِ الذَّنْبِ} على الإضافة، على إرادة الإضافة {قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} يكون كلها في المضي، أما إذا كان للحال أو الاستقبال، فإنه حينئٍذ يقطع عن الإضافة، "غَاَفٍر الذَّنْبَ"، "وقاَبٍل الْتَوْبَ"، و"شَدَيٍد الْعِقَابَ"، هذا إذا كان للاستقبال، يقطع عن الإضافة، وإن كان للمضي، فإنه حينئٍذ يضاف، مثل ما قلنا مرارًا في من يقول: "أنا قاتلُ زيٍد" أن هذا يعترف على نفسه أنه قتله فيما مضى، وأما من يقول: "أنا قاتلٌ زيدًا" فإن هذا لم يعترف على نفسه وإنما يهدد بقتله مستقبلاً.

"وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا نَعْتَيْنِ عَلَى هَذَا، وَلَكِنْ يَكُونُ خَفْضُهُمَا عَلَى الْبَدَلِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، فَأَمَّا {شَدِيدُ الْعِقَابِ} فَهُوَ نَكِرَةٌ وَيَكُونُ خَفْضُهُ عَلَى الْبَدَلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} لِمَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" {وَقَابِلِ التَّوْبِ} مِمَّنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" {شَدِيدُ الْعِقَابِ} لِمَنْ لَمْ يَقُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: كُنْتُ إِلَى سُرَادِقِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَكَانٍ لَا تَمُرُّ فِيهِ الدَّوَابُّ، قَالَ: فَاسْتَفْتَحْتُ {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فَمَرَ عَلَيَّ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ فَلَمَّا قُلْتُ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} قَالَ: قُلْ: يَا غَافِرَ الذَّنْبِ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَلَمَّا قُلْتُ: قَابِلِ التَّوْبِ قَالَ: قُلْ: يَا قَابِلَ التَّوْبِ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، فَلَمَّا قُلْتُ: {شَدِيدِ الْعِقَابِ} قَالَ: قُلْ: يَا شَدِيدَ الْعِقَابِ اعْفُ عَنِّي، فَلَمَّا قُلْتُ: {ذِي الطَّوْلِ} قَالَ: قُلْ: يَا ذَا الطَّوْلِ طُلْ عَلَيَّ بِخَيْرٍ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِبَصَرِي، فَالْتَفَتُّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ أَرَ شَيْئًا. وَقَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} فَضْلًا {وَقَابِلِ التَّوْبِ} وَعْدًا {شَدِيدِ الْعِقَابِ}".

هذا معلق على ثابت البناني، لم يسقه المؤلف بإسناده إلى ثابت، فلا يُدرى عن حقيقته، وليس مما تثبت به حجة، فيقال على أنه خبر من الأخبار التي هي محتملة الثبوت وعدمه.

"وَقَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} فَضْلًا {وَقَابِلِ التَّوْبِ} وَعْدًا {شَدِيدِ الْعِقَابِ} عَدْلًا {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير} فَرْدًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ افْتَقَدَ رَجُلًا ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقِيلَ لَهُ: تَتَابَعَ فِي هَذَا الشَّرَابِ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ مِنْ عُمَرَ إِلَى فُلَانٍ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}".

نعم، وعظه بالقرآن، وذكره بالقرآن، وكفى به واعظًا، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق:45] ما قال له أنت تشرب، وفيك وفيك، والقرآن والنصوص تدل على تحريمه وكذا أبدًا، تلا عليه صدر هذه السورة.

طالب:........

في أول السورة، مادام في أول السورة يذكر بسم الله.

طالب:.......

في أثنائها يستعيذ بالله.

طالب:.......

يكتبها مثل ما ينطق بها، نطق بها يكتبها.

"ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ وَقَالَ لِرَسُولِهِ: لَا تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ حَتَّى تَجِدَهُ صَاحِيًا، ثُمَّ أَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالتَّوْبَةِ، فَلَمَّا أَتَتْهُ الصَّحِيفَةُ جَعَلَ يَقْرَأُهَا وَيَقُولُ: قَدْ وَعَدَنِي اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، وَحَذَّرَنِي عِقَابَهُ، فَلَمْ يَبْرَحْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى بَكَى ثُمَّ نَزَعَ فَأَحْسَنَ النَّزْعَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ".

نزع؛ يعني أقلع عن الذنب، فلم يعد إليه.

"فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ أَمْرُهُ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، إِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدَكُمْ قَدْ زَلَّ زَلَّةً فَسَدِّدُوهُ وَادْعُوا اللَّهَ لَهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيَاطِينِ عَلَيْهِ. وَ"التَّوْبِ" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ تَوْبَةٍ نَحْوَ دَوْمَةٍ وَدَوْمٍ وَعَزْمَةٍ وَعَزْمٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَيَخْبُو سَاعَةً وَيَهُبُّ سَاعَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّوْبُ بِمَعْنَى التَّوْبَةِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِي أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أَيْ: يَقْبَلُ هَذَا الْفِعْلَ، كَمَا تَقُولُ قَالَ قَوْلًا، وَإِذَا كَانَ جَمْعًا فَمَعْنَاهُ يَقْبَلُ التَّوْبَاتِ.

{ذِي الطَّوْلِ} عَلَى الْبَدَلِ وَعَلَى النَّعْتِ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ".

"التوب" معرف ب(ال)؛ (ال) الجنسية التي تشمل التوبة من جميع الذنوب، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وإذا كانت شروطها مستوفاة قبلها الله- جلّ وعلا-.

"وَأَصْلُ الطَّوْلِ الْإِنْعَامُ وَالْفَضْلُ. يُقَالُ مِنْهُ: اللَّهُمَّ طُلْ عَلَيْنَا أَيْ: أَنْعِمْ وَتَفَضَّلْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ذِي الطَّوْلِ} ذِي النِّعَمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذِي الْغِنَى وَالسَّعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} أَيْ: غِنًى وَسَعَةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: {ذِي الطَّوْلِ} ذِي الْغِنَى عَمَّنْ لَا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {ذِي الطَّوْلِ} ذِي الْمَنِّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالطَّوْلُ بِالْفَتْحِ الْمَنُّ، يُقَالُ مِنْهُ طَالَ عَلَيْهِ وَتَطَوَّلَ عَلَيْهِ إِذَا امْتَنَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: {ذِي الطَّوْلِ} ذِي التَّفَضُّلِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالتَّفَضُّلِ أَنَّ الْمَنَّ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ. وَالتَّفَضُّلُ إِحْسَانٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ. وَالطَّوْلُ مَأْخُوذٌ مِنَ الطِّوَلِ كَأَنَّهُ طَالَ بِإِنْعَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ طَالَتْ مُدَّةُ إِنْعَامِهِ. {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير} أَيِ الْمَرْجِعُ".

نعم الطول؛ هو التفضل، والإنعام، والتكرم، والجود، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- لنسائه: «أسرعكن لحاقًا بي، أطولكن يدًا» فقاسوا هذه الأيدي، ثم سبقت يدهن، ليست بأطولهن يدًا طولاً حسيًّا في المقاس، وإذا المراد بقوله «أطولكن يدًا» أكثرهن نفقة، وصدقة، وجود، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} سَجَّلَ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِالْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ الْجِدَالُ بِالْبَاطِلِ، مِنَ الطَّعْنِ فِيهَا، وَالْقَصْدِ إِلَى إِدْحَاضِ الْحَقِّ، وَإِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}".

وهذا الجدال المذموم، والممنوع في الحج وغيره، ويتأكد في الحج {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197]، لكن إذا كان الجدال للوصول إلى الحق من الطرفين، وبيان الحق وإظهار الحق، فهذا مطلٌوب في الحج وغيره.

"فَأَمَّا الْجِدَالُ فِيهَا لِإِيضَاحِ مُلْتَبِسِهَا، وَحَلِّ مُشْكِلِهَا، وَمُقَادَحَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهَا، وَرَدِّ أَهْلِ الزَّيْغِ بِهَا وَعَنْهَا، فَأَعْظَمُ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ الْبَقَرَةِ ] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} مُسْتَوْفًى".

المحاجة، المحاجة مفاعله من الطرفين، حصلت من هذا، ومن إبراهيم -عليه السلام- كل واحٍد منهما حاج الآخر، قال إبراهيم، ورد عليه، ثم رد عليه إبراهيم، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}[البقرة:258] المقصود أن هذه مفاعله من الطرفين، فوقوعها من إبراهيم -عليه السلام- يدل على شرعيتها؛ على شرعية هذا النوع من الجدال والمحاجة.

"{فَلَا يَغْرُرْكَ} وَقُرِئَ: "فَلَا يَغُرْكَ".

يعني بالفك وبالإدغام، بالفك "يغررك"، وبالإدغام "يغرك"، مثل "يرتدد"، و"يرتد".

"تَقَلُّبُهُمْ أَيْ: تَصَرُّفُهُمْ {فِي الْبِلَادِ} فَإِنِّي وَإِنْ أَمْهَلْتُهُمْ لَا أُهْمِلُهُمْ بَلْ أُعَاقِبُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ تِجَارَتَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ وَإِلَى الْيَمَنِ. وَقِيلَ: لَا يَغْرُرْكَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ فَإِنَّهُ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَغْرُرْكَ سَلَامَتُهُمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُمُ الْهَلَاكُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: آيَتَانِ مَا أَشَدَّهُمَا عَلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الْقُرْآنِ: قَوْلُهُ: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}".

هذه الآية شديدة {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ يعني وصف الجدال خاص بالكفار، فيخشى الإنسان إذا جادل في آيات الله إنه يشبه هؤلاء الكفار، لكن ليس معنى هذا أنه لا يحاج ولا يُجَادل من يلحد في آيات الله، ومن يحرف في آيات الله بصفه عامه على معانيها وأوجهها، هذا يُجَادل وجداله جهاد.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} عَلَى تَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ أَيْ: كَذَّبَتِ الرُّسُلَ. {وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} أَيْ وَالْأُمَمُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ نَحْو عَادٍ وَثَمُودَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أَيْ لِيَحْبِسُوهُ وَيُعَذِّبُوهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: لِيَقْتُلُوهُ. وَالْأَخْذُ يَرِدُ بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ، كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَسِيرَ الْأَخِيذَ؛ لِأَنَّهُ مَأْسُورٌ لِلْقَتْلِ، وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فَإِمَّا تَأْخُذُونِي تَقْتُلُونِي
  

فَكَمْ مِنْ آخِذٍ يَهْوَى خُلُودِي"
  

يعني بعض النسخ فيها، "فكم واحد"، بعض الكتب، "فكم واحد"، أما كم آخذ، والآخذ هو الذي يأخذ للقتل، كيف يهوى خلوده وقد أخذه للقتل، "فكم واحد" غير الذي أخذه للقتل، يهوى ويرغب في خلوده.

"وَفِي وَقْتِ أَخْذِهِمْ لِرَسُولِهِمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا عِنْدَ دُعَائِهِ لَهُمْ. الثَّانِي عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ. {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}؛ أَيْ لِيُزِيلُوا. وَمِنْهُ مَكَانٌ دَحْضٌ أَيْ: مَزْلَقَةٌ، وَالْبَاطِلُ دَاحِضٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْلَقُ وَيَزِلُّ فَلَا يَسْتَقِرُّ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: جَادَلُوا الْأَنْبِيَاءَ بِالشِّرْكِ لِيُبْطِلُوا بِهِ الْإِيمَانَ. {فَأَخَذْتُهُمْ} أَيْ بِالْعَذَابِ. {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أَيْ عَاقِبَةُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ. أَيْ: أَلَيْسَ وَجَدُوهُ حَقًّا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ} أَيْ وَجَبَتْ وَلَزِمَتْ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَقِّ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ. {كَلِمَةُ رَبِّكَ} هَذِهِ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: "كَلِمَاتُ" جَمْعًا. {عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ: لِأَنَّهُمْ وَبِأَنَّهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ".

الفعل لا يتغير سواء أكان الفاعل مفردًا أو جمعًا؛ لأنه مؤنث "الكلم" و"الكلمات" يؤنث لها الفعل، والقراءتان ثابتتان سبيتان.

 

 "قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ إِنَّهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. {أَصْحَابُ النَّار} أَيِ: الْمُعَذَّبُونَ بِهَا. وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَ ابْتَدَأ وَقَاَلْ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} وَيُرْوَى: أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَرْجُلُهُمْ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى وَرُءُوسُهُمْ قَدْ خَرَقَتِ الْعَرْشَ، وَهُمْ خُشُوعٌ لَا يَرْفَعُونَ طَرْفَهُمْ، وَهُمْ أَشْرَافُ الْمَلَائِكَةِ وَأَفْضَلُهُمْ. فَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ جَمِيعَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَغْدُوا وَيَرُوحُوا بِالسَّلَامِ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ. وَيُقَالُ: خَلَقَ اللَّهُ الْعَرْشَ مِنْ جَوْهَرَةٍ خَضْرَاءَ، وَبَيْنَ الْقَائِمَتَيْنِ مِنْ قَوَائِمِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ الْمُسْرِعِ ثَمَانِينَ أَلْفَ عَامٍ. وَقِيلَ: حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَطُوفُونَ بِهِ مُهَلِّلِينَ مُكَبِّرِينَ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفَ صَفٍّ قِيَامٌ، قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَرَافِعِينَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ مِائَةُ أَلْفِ صَفٍّ، وَقَدْ وَضَعُوا الْأَيْمَانَ عَلَى الشَّمَائِلِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ بِمَا لَا يُسَبِّحُ بِهِ الْآخَرُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعُرْشُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، ذَكَرَ جَمِيعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-".

هذا نقله المؤلف عن الزمخشري بتفسيره، وهو مما تلقي عن أهل الكتاب، هذه من الإسرائيليات التي سوَّد بها كثير من المفسرين كتبهم، واعتماد المؤلف على الزمخشري فيما ينقل، وليس من أهل الأثر، المفترض أن الزمخشري وهو من يستعمل العقل في نقد الأخبار، إذا كان يستعمله في نقد ما يروى عن النبي-عليه الصلاة والسلام- ما صح عنه، ولم يستعمله فيما نقل عن بني إسرائيل مما لم يصح، لا شك أن هذا خذلان، وهذه عقوبة، عقوبة من الله -جلّ وعلا- حينما أنتقد الأحاديث الصحيحة الثابتة بعقله، فعوقب بمثل هذا الافتراء، وإلا فالأصل أن الزمخشري هو من المعتزلة الذين يدخلون آرائهم في كل شيء، يدخلون عقولهم ويعتمدون عليها ويقدمونها على كثير من النصوص، ينقد الأحاديث الصحيحة بعقله، ويدخل رأيه في ما لا مجال للرأي فيه، ولم ينتقد مثل هذا الكلام، لا شك أن هذا خُذلان. 

طالب:......

 حديث الأوعال، تقصد الأوعال الثمانية؟

طالب:.....

يومئٍذ، الخبر هذا ليس بالصحيح، هذا مُتلقى عن بني إسرائيل الذي معنا، حديث الأوعال ضعيف أيضًا.

طالب:......

الآية يومئٍذ، في وقت من الأوقات لا بجميع الوقت، ما يلزم أن يكون بجميع الأوقات، لا يضع لها حصر لجميع الأوقات.

" وَقِيلَ: اتَّصَلَ هَذَا بِذِكْرِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} يُنَزِّهُونَ اللَّهَ-عَزَّ وَجَلَّ- عَمَّا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}؛ أَيْ يَسْأَلُونَ لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَقَاوِيلُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ السَّرِيرُ، وَأَنَّهُ جِسْمٌ مُجَسَّمٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَ مَلَائِكَةً بِحَمْلِهِ، وَتَعَبَّدَهُمْ بِتَعْظِيمِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ، كَمَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا وَأَمَرَ بَنِي آدَمَ بِالطَّوَافِ بِهِ وَاسْتِقْبَالِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَرَوَى ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ»، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ".

خرجه؟

طالب:.......

 "ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ".

عزاه البيهقي عندك؟ خرج عزاه البيهقي؟

طالب:........

عندك؟

 طالب:........

نعم.

"وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَةِ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ عِظَمُ الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ. وَرَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَرْشَ قَالَ: لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خَلْقًا أَعْظَمَ مِنِّي، فَاهْتَزَّ، فَطَوَّقَهُ اللَّهُ بِحَيَّةٍ، لِلْحَيَّةِ سَبْعُونَ أَلْفَ جَنَاحٍ، فِي الْجَنَاحِ سَبْعُونَ أَلْفَ رِيشَةٍ، فِي كُلِّ رِيشَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ، فِي كُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ فَمٍ، فِي كُلِّ فَمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ. يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ التَّسْبِيحِ عَدَدُ قَطْرِ الْمَطَرِ، وَعَدَدُ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَعَدَدُ الْحَصَى وَالثَّرَى، وَعَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَعَدَدُ الْمَلَائِكَةِ أَجْمَعِينَ، فَالْتَوَتِ الْحَيَّةُ بِالْعَرْشِ، فَالْعَرْشُ إِلَى نِصْفِ الْحَيَّةِ وَهِيَ مُلْتَوِيَةٌ بِهِ".

هذا مثل الذي سبق من أخبار بني إسرائيل، الله المستعان؛ يعني كون العرش يتكبر ويعاقب بهذه الحية، هذا لا يقبله عاقل، "لن يخلق الله خلقًا أعظم مني"، جاءت النصوص التي تدل على عظمته وسعته، ونسبة السماوات والأرض إليه، لكن ليس بهذا السياق، "لن يخلق الله خلقًا أعظم مني"، فاهتز فطوقه الله بحية؛ يعني عقوبًة له، هذا الكلام ليس بصحيح.

 "وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ، حِجَابُ نُورٍ وَحِجَابُ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابُ نُورٍ وَحِجَابُ ظُلْمَةٍ. { رَبَّنَا} أَيْ يَقُولُونَ رَبَّنَا {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} أَيْ وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ وَعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَمَّا نُقِلَ الْفِعْلُ عَنِ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ".

يعني التمييز؛ التمييز يُعبر عنه في كتب المتقدمين بالتفسير، ويرد مثل هذا كثيرًا في تفسير الطبري، وسيبويه، وغيرهم من كتب المتقدمين، والذي لم يألف قراءة هذه الكتب يحصل له حيرة من هذه الأسماء وهذه الاصطلاحات المنقرضة التي أبدلت عند المتأخرين بمصطلحات غيرها بمسميات غيرها.

 "{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا}؛ أَيْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}؛ أَيْ دِينَ الْإِسْلَامِ. {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}؛ أَيِ اصْرِفْهُ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَصِلَ إِلَيْهِمْ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُونَ: الْمَلَائِكَةُ خَيْرٌ مِنَ ابْنِ الْكَوَّاءِ، هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ وَابْنُ الْكَوَّاءِ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَحْجُبُونَ الِاسْتِغْفَارَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَجَدْنَا أَنْصَحَ عِبَادِ اللَّهِ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ، وَوَجَدْنَا أَغَشَّ عِبَادِ اللَّهِ لِعِبَادِ اللَّهِ الشَّيْطَانَ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ لِأَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: افْهَمُوهَا فَمَا فِي الْعَالَمِ جُنَّةٌ أَرْجَى مِنْهَا".

يعني إذا كان الملائكة يستغفرون ل(بني آدم) والملائكة إذا دعوا لأحد، الأسباب، أسباب القبول متوافرة، والموانع منتفية، لاشك أن هذا خيرٌ عظيم، كما أن دعاء المصلين لكل صالح "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" يحرص الإنسان أن يحقق هذه الأوصاف حتى يدخل في هذه العمومات.

طالب:.......

هذا الذي ناقشه ابن عباس، وميل إلى قول الخوارج، مترجم عندكم أو لا؟

طالب:.......

ومن الخوارج ناقش ابن عباس، وديدنه التكفير.

"إِنَّ مَلَكًا وَاحِدًا لَوْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَغَفَرَ لَهُمْ، كَيْفَ وَجَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ الْقَارِئُ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى سُلَيْمِ بْنِ عِيسَى فَلَمَّا بَلَغْتُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بَكَى ثُمَّ قَالَ: يَا خَلَفُ مَا أَكْرَمَ الْمُؤْمِنَ عَلَى اللَّهِ، نَائِمًا عَلَى فِرَاشِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: مَا جَنَّاتُ عَدْنٍ؟  قَالَ: قُصُورٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ يَدْخُلُهَا النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ. {الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} الَّتِي فِي مَحَلِّ نَصْبٍ نَعْتًا لِلْجَنَّاتِ. وَمَنْ صَلَحَ مَنْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ. عَطْفًا عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: وَأَدْخِلْهُمْ. {وَمَنْ صَلَحَ} "بِالْإِيمَانِ".

"التي" اسم موصول للمفرد المؤنث، اسم موصول للمفرد المؤنث، لكنه وصف "لجنات"، يوصف الجمع بالمفرد، معروف أن الأسماء الموصولة من صيغ العموم، من صيغ العموم، والعموم كالنكرة، في شيوعه في جنسه، لهذا يصح وصف الجمع بالمفرد من هذا النوع الذي هو في الأصل للعموم، وإلا قوله التي في محل نصب نعتًا للجنات، الجنات جمع، و"التي" للموصول المفرد المؤنث، لكن صيغ الموصول، أو ألفاظ الأسماء الموصولة، كلها من صيغ العموم، يصلح أن يوصف بها الواحد والجماعة.

 

 "عَطْفًا عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: وَأَدْخِلْهُمْ. {وَمَنْ صَلَحَ} "بِالْإِيمَانِ {مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} وَقَدْ مَضَى فِي [الرَّعْدِ] نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ".

في فرق بين آية الرعد، وآية غافر، هناك {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم}.

"{مِنْ كُلِّ بَابٍ}".

{مِنْ كُلِّ بَابٍ}، وهنا؟

"{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ}".

{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم}.

"{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ}".

{وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ}.

"{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}".

{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، هنا، نعم.

طالب:.....

هي أصلها الجنات، "جنات التي"، "جنات التي" لو أراد مطابقة لقال: "اللاتي" أو "اللواتي" لكن لما كان الأسماء الموصولة من صيغ العموم تعم، فيصلح أن يوصف بها المفرد والجمع، ما في إشكال.

طالب:......

فيه تشابه، تشابهها بآية الرعد أقرب.

طالب:......

نعم.

"قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَيْنَ أَبِي وَجَدِّي وَأُمِّي؟ وَأَيْنَ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي؟ وَأَيْنَ زَوْجَاتِي؟ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا كَعَمَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كُنْتُ أَعْمَلُ لِي وَلَهُمْ، فَيُقَالُ: أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ. ثُمَّ تَلَا: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَقِهِمْ مَا يَسُوءُهُمْ".

هل هذه قراءة المؤلف الذي يقرأ على قراءة نافع، {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، على الإفراد، قراءة نافع بالإفراد أم بالجمع؟

طالب: بالجمع.

نعم؛ لأنه في ثلاث نسخ، من نسخ التفسير كلها بالجمع، وكون الطابع يؤْثر ما يوافق قراءة غير قراءة المؤلف؛ لوجود بعض النسخ هذا لا شك أنه خلاف التحقيق؛ لأنه رجح القراءة التي يقرأ بها المؤلف؛ لأن المؤلف يفسر الآيات على قراءته هو، لا على قراءة غيره.

"إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}".

حتى "أْتَبعْنَاهُمْ"، قراءة، "أْتَبعْنَاهُمْ ذُرِيَتِهِم".

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَقِهِمْ مَا يَسُوءُهُمْ".

ماذا في ال(17)؟ هنا يقول: قراءة العامة "وَاتَّبَعَتْهُمْ" بوصل الألف، وتشديد التاء، وفتح العين، وإسكان التاء، وقرأ أبو عمرو "وأْتَبعْنَاهُمْ" بقطع الألف، وإسكان التاء والعين والنون، اعتبارًا بقوله: "أَلْحَقْنَا بِهِمْ"؛ ليكون الكلام على نسٍق واحد، فأما قوله: "ذُرِّيَّتَهُمْ" الأولى، فقرأها بالجمع، ابن عامٍر، وأبو عمرٍو، ويعقوب ورواها عن نافع، إلا أبا عمرٍو كسر التاء على المفعول، وضم ما باقيها؛ يعني يأتي التفسير على قراءة العامة، والمؤلف يقرأ على قراءة نافع، فالمفترض أن مثل هذه الأمور تلاحظ عند الترجيح في الألفاظ التي تختلف فيها النسخ، الذي يرجح ويبقى في الأصل، هو الذي بقي عليه المؤلف نفسه، يرجح، وإن وجد في نسخ أخرى من الكتاب خلاف قراءة المؤلف، إنما يرجح ما يرجحه المؤلف في قراءته، وكذلك الآيات لما أدخلت، والأصل أن التفسير ليس فيه آيات، مجرد من الآيات، إنما يكتفي بقول بطرف الآية ثم يفسر، لما أُدخل القرآن كامل في التفسير، المفترض أن يُدخل القرآن على قراءة يقرأ بها المؤلف، ما يلزم بقراءة غيره؛ يعني إذا تصرف الإنسان وأدخل بالكتاب ما ليس منه فليتحرى أن يكون المُدخَل مما يقرأ به المؤلف؛ يعني يُدخل مصحف على قراءة نافع، ما يُدخل على قراءة عاصم ولا غيره من القراء، والمصحف المدخل في التفسير، هو المصحف الذي طبعه الملك فاروق، هذا لا يوافق قراءة نافع، على كل حال، مثل هذه التصرفات لابد أن ينتبه لها، الأصل أن لا تدخل أو لا تقحم الآيات في التفسير؛ لأن المؤلف قصد تجريد التفسير من هذه الآيات؛ تخفيفًا، القرآن موجود ومحفوظ، ومثل هذا مثل ما أشرنا إليه مرارًا من تجريد (فتح الباري) من المتون من الأحاديث، ابن حجر جرد الفتح من أحاديث البخاري، وشرح لأن لا يطول الكتاب فالذين طبعوا الكتاب أدخلوا المتن، ليتهم حين أدخلوا المتن، أدخلوا متن يوافق الشرح، على رواية أبي ذر التي أعتمدها ابن حجر؛ فمن أراد أن يتصرف بهذا فليلاحظ مثل هذا.

طالب:.....                                  

إذا ذكر الآية ولم يذكر قوله كذا يذكر طرفها، ذكر الآية ثم قال فيه مسائل ذاكر الآية، لكن ذكر الآيات مقطع كامل ثم يقول قوله تعالى: " والذين آمنوا" إلى آخره فيه كذا، هذا لا، نعم.

"وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَقِهِمْ عَذَابَ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ أَمْرٌ مِنْ: وَقَاهُ اللَّهُ يَقِيهِ وِقَايَةً بِالْكَسْرِ، أَيْ: حَفِظَهُ. {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ}".

الأمر من وقى، يأتي على حرٍف واحد.

قِ.

قِ، مثله عِ؛ يعني أنتبه، في أحرفٌ يسيره ذكرها أهل العلم، وهنا من هذا النوع،" قهم"، الأمر هو القاف المكسورة، وأما بالنسبة للضمير الذي نصبه هذا الفعل، فعل الأمر، ودلالته على الجمع بالميم، هذا زائد.

"{وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ}؛ أَيْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}؛ أَيِ النَّجَاةُ الْكَبِيرَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قَالَ الْأَخْفَشُ: "لَمَقْتُ" هَذِهِ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَقَعَتْ بَعْدَ يُنَادَوْنَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: يُقَالُ لَهُمْ، وَالنِّدَاءُ قَوْلٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَعْنَى: يُقَالُ لَهُمْ: لَمَقْتُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا؛ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ".

وال(لام) كأنها واقعه في جواب قسم مقدر، ينادون، يقال لهم: والله لمقت الله أكبر.

"أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِ بعْضِكُم بَعْضْ يَوُمَ الْقِيِاَمَة؛ لأَنَ بَعْضَهُم عَاَدَى بَعْضًاَ وَمَقَتْهُ يَوُمَ الْقِيَاَمْةُ".

ولعن بعضهم بعضًا، نسأل الله العافية.

"فَأذعْنَوُا عِنْدَ ذَلْكَ، وَخَضَعْوُا وَطَلَبْوُا الْخْرُوُجَ مِنْ النّار، وَقَاَلَ الْكَلْبِي: يَقْولُ كُلِ إِنْسَانٍ مِنْ أْهْلِ الْنَاَرِ لِنَفْسِه: مَقَتُكِ يَاَ نَفْسُ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لَهُمُ وَهُمْ فِيِ النّاَر: لَمْقْتُ اللّهِ إِيَاكْم إِذْ أَنْتُمْ فِيِ الْدُنْيا، وَقَدْ بَعْثَ إِليِكْمُ الْرُسلَ أَنْ تُؤمْنُوا أَشْدُ مِنْ مَقْتِكُم أْنُفسَكُم اْليوم، وَقَاَل الْحَسْنُ: يُعِطَونَ كِتَابِهْم فَإذَا نَظَرُواَ إلًّى سِيئِاتِهْمُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ، فَيُنَاْدُونَ لَمَقْتُ اللَّهِ إِيَاكْم فِيِ الْدُنْيَا إِذ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمْاَنُ فَتْكْفُرونَ أْكْبَر مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ. وَقَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى لَمَقْتُ اللَّهِ لَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ عَايَنْتُمُ النَّارَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَمْقُتُوا أَنْفُسَهُمْ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَحَلُّوهَا بِالذُّنُوبِ مَحَلَّ الْمَمْقُوتِ".

يعني صاروا سببًا في مقتها، صاروا سببًا في مقتها، والمتسبب هنا حكمه حكم المباشر، كأنهم مقتوها مباشرًة.

"الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمَّا صَارُوا إِلَى حَالٍ زَالَ عَنْهُمُ الْهَوَى، وَعَلِمُوا أَنَّ نُفُوسَهُمْ هِيَ الَّتِي أَبْقَتْهُمْ فِي الْمَعَاصِي مَقَتُوهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَ الْخَزَنَةِ وَقَالَ لَهُمْ مَالِكٌ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ عَلَى مَا يَأْتِي.

قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا هَؤُلَاءِ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، فَهَلُمَّ فَلْنَصْبِرْ فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا، كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الطَّاعَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمُ الصَّبْرُ إِذْ صَبَرُوا، فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ فَصَبَرُوا فَطَالَ صَبْرُهُمْ، ثُمَّ جَزِعُوا فَنَادَوْا {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} أَيْ: مِنْ مَلْجَأٍ، فَقَالَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ. قَالَ: فَنُودُوا {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} قَالَ فَرُدَّ عَلَيْهِمْ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، ثُمَّ أَمَاتَهُمُ الْمَوْتَةَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِلْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، فَهَاتَانِ حَيَاتَانِ وَمَوْتَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} وَقَالَ السُّدِّيُّ: أُمِيتُوا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فِي الْقُبُورِ لِلْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ أُمِيتُوا ثُمَّ أُحْيُوا فِي الْآخِرَةِ. وَإِنَّمَا صَارَ إِلَى هَذَا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَيِّتِ لَا يَنْطَلِقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى النُّطْفَةِ. وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا فِي إِثْبَاتِ سُؤَالِ الْقَبْرِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِلرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ فَمَا مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ؟ وَالرُّوحُ عِنْدَ مَنْ يَقْصُرُ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ عَلَى الْأَرْوَاحِ".

على هذا يكون على الإحياء الأول بنفخ الروح، ثم الموت الأول بمفارقة هذه الروح البدن الدنيا، ثم بعد ذلك يحيون للسؤال، ثم يموتون بعده، بعد السؤال، لذا قال: استدل العلماء في هذا، من هذا بإثبات سؤال القبر ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة؟ نعم.

"وَالرُّوحُ عِنْدَ مَنْ يَقْصُرُ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ عَلَى الْأَرْوَاحِ لَا تَمُوتُ وَلَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَفْسُدُ، وَهُوَ حَيٌّ لِنَفْسِهِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ مَوْتٌ وَلَا غَشْيَةٌ وَلَا فَنَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ}: الْآيَةَ".

الأرواح لا تموت ولا تتغير؛ يعني مما استثني من الفناء، كل من عليها فان، استثني الثمانية التي ذكرها أهل العلم، "ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق، والباقون في حيز العدم، هي العرش، والكرسي، ونار، وجنة، وعجب، وأرواح، كذا اللوح، والقلم". فالأرواح لا تفنى.

 "قَالَ: خَلَقَهُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ وَأَخْرَجَهُمْ وَأَحْيَاهُمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَمَاتَهُمْ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [الْبَقَرَةِ]. {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} اعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِرَافُ، وَنَدِمُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ. {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}؛ أَيْ هَلْ نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ، نَظِيرُهُ: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} وَقَوْلُهُ: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} وَقَوْلُهُ: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} الْآيَةَ".

يتمنون هذا الخروج، ليعملوا بالطاعة، ويتغير مصيرهم بسبب تغير أعمالهم، لكنهم كما قال الله -جلّ وعلا- عنهم: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام:28]

 لهذه الأعمال التي صارت سببًا في دخوله النار، لو أخرج منها وأعيد الدنيا، وأعطي مهلة لعمل بعملة السابق، وذلكم لأن الشقاوة كتبت عليه، الشقاوة كتبت عليه.

طالب:.......

ظاهرة يعني، نفخ الروح هذا لا شك أنه حياة، وقبله الموت، قبله موت؛ يعني في أول تكوين الجنين ليس بحي.

طالب:.......

ما هو بعدم، موجود، موجود نعم، في بطن أمه موجود الجنين، وميت لا روح فيه، فإذا هو جنين على كل حال، ميت، فإذا نفخت فيه الروح حيّ بسببها، ثم يستمر حيا إلا أن يموت، سواء ذلك حين يبعث، البعث الثاني يحيا.

 "قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} ذَلِكُمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيِ: الْأَمْرُ ذَلِكُمْ أَوْ ذَلِكُمُ الْعَذَابُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ بِكُفْرِكُمْ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ تَقْدِيرُهُ: فَأُجِيبُوا بِأَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى الرَّدِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ أَيْ: وُحِّدَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْأُلُوهِيَّةُ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مُشْرِكٌ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِقَوْلِهِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا لَوْ كَانَ بِهِ تُؤْمِنُوا تُصَدِّقُوا الْمُشْرِكَ، نَظِيرُهُ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}. {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ أَوْ وَلَدٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ}؛ أَيْ دَلَائِلَ تَوْحِيدِهِ وَقُدْرَتِهِ {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} جَمَعَ بَيْنَ إِظْهَارِ الْآيَاتِ وَإِنْزَالِ الرِّزْقِ؛ لِأَنَّ بِالْآيَاتِ قِوَامَ الْأَدْيَانِ، وَبِالرِّزْقِ قِوَامَ الْأَبَدَانِ. وَهَذِهِ الْآيَاتُ هِيَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُونَ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَالْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْجِبَالِ وَالْأَشْجَارِ وَآثَارِ قَوْمٍ هَلَكُوا. {وَمَا يَتَذَكَّرُ}؛ أَيْ مَا يَتَّعِظُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ فَيُوَحِّدُ اللَّهَ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أَيْ يَرْجِعُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ".

أي بعد رجوعه إلى نفسه بالتذكر والتفكر، يرجع بقلبه وأعماله إلى الله -جلّ وعلا-.

"{فَادْعُوَا اللَّهَ}؛ أَيِ اعْبُدُوهُ {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أَيِ الْعِبَادَةُ. وَقِيلَ: الطَّاعَةُ. {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَا تَعْبُدُوا أَنْتُمْ غَيْرَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} ذُو الْعَرْشِ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَدْحِ. وَمَعْنَى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}؛ أَيْ: رَفِيعُ الصِّفَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رَفِيعُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ رِفْعَةُ دَرَجَةِ أَوْلِيَائِهِ فِي الْجَنَّةِ فَ "رَفِيعُ" عَلَى هَذَا بِمَعْنَى رَافِعٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا أَرْفَعَ قَدْرًا مِنْهُ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدَرَجَاتِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَهِيَ أَصْنَافُهَا وَأَبْوَابُهَا لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا غَيْرَهُ. قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. ذُو الْعَرْشِ؛ أَيْ: خَالِقُهُ وَمَالِكُهُ لَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثُلَّ عَرْشُ فُلَانٍ أَيْ: زَالَ مُلْكُهُ وَعِزُّهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ ذُو الْعَرْشِ بِمَعْنَى ثُبُوتِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى".

نعم، رفيع فعيل؛ بمعنى فاعل؛ يعني رافع الدرجات؛ أو مرتفع الدرجات، فيدل على صفة العلو، نعم.

"{يُلْقِي الرُّوحَ}؛ أَيِ الْوَحْيَ وَالنُّبُوَّةَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ رُوحًا لِأَنَّ النَّاسَ يَحْيَوْنَ بِهِ؛ أَيْ: يَحْيَوْنَ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ كَمَا تَحْيَا الْأَبَدَانُ بِالْأَرْوَاحِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الرُّوحُ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}. وَقِيلَ: الرُّوحُ جِبْرِيلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} وَقَالَ: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}. مِنْ أَمْرِهِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ. وَقِيلَ: مِنْ قَضَائِهِ. وَقِيلَ: مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ: بِأَمْرِهِ. عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، يَشَاءُ هُوَ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِمْ مَشِيئَةٌ. {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} أَيْ إِنَّمَا يُبْعَثُ الرَّسُولُ لِإِنْذَارِ يَوْمِ الْبَعْثِ. فَقَوْلُهُ: لِيُنْذِرَ يَرْجِعُ إِلَى الرَّسُولِ. وَقِيلَ: أَيْ: لِيُنْذِرَ اللَّهُ بِبَعْثِهِ الرُّسُلَ إِلَى الْخَلَائِقِ يَوْمَ التَّلَاقِ".

لا شك أن البشارة والنذارة أصلها من الله -جلّ وعلا- وتكون على ألسنة رسله، والرسول بشير ونذير لكنه منذر ومبشر عن الله -جلّ وعلا-.

"وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ السَّمَيْقَعِ " لِتُنْذِرَ" بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-. يَوْمَ التَّلَاقِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَوْمَ تَلْتَقِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلٌ: يَلْتَقِي فِيهِ الْخَلْقُ وَالْخَالِقُ. وَقِيلَ: الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ. وَقِيلَ: يَلْقَى كُلُّ إِنْسَانٍ جَزَاءَ عَمَلِهِ. وَقِيلَ: يَلْتَقِي الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكُلُّهُ صَحِيحُ الْمَعْنَى.

{ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} يَكُونُ بَدَلًا مِنْ " يَوْمَ" الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: هُمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَ"بَارِزُونَ" خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ، فَلِذَلِكَ حُذِفَ التَّنْوِينُ مِنْ "يَوْمَ" وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ إِذَا كَانَ الظَّرْفُ بِمَعْنَى إِذْ، تَقُولُ لَقِيتُكَ يَوْمَ زَيْدٌ أَمِيرٌ. فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى إِذَا لَمْ يَجُزْ نَحْوَ أَنَا أَلْقَاكَ يَوْمَ زَيْدٌ أَمِيرٌ".

إذ ونحوها، (إذ) في المضي، وإذا في الاستقبال، (إذ) لما حصل في الماضي، اللقي حصل في الماضي، وإذا أوتي ب(إذا) فاللقاء سوف يكون مستقبلاً؛ ولذا قال: وإنما يكون هذا عند سيبويه عندما يكون الظرف بمعنى إذ، تقول: "لقيتك يوم زيدٌ أمير"، يعني يوم كان، في الماضي، وإذا كان بمعنى إذا؛ التي هي للاستقبال، لم يجز نحو"ألقاك يوم زيدٌ أمير"؛ لأنه أن يخبره أن يلقاه، إذا كان لقيه، فهو إخبار، لا يصح أن يقول: لقيتك، وألقاك هذا للاستقبال، إذا كان يتعد معه على اللقاء إذا صار زيدٌ أميرًا.

طالب:......

إذ في الماضي، يعني في الماضي.

"وَمَعْنَى: بَارِزُونَ خَارِجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ لَا يَسْتُرُهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَوْمَئِذٍ قَاعٌ صَفْصَفٌ لَا عِوَجَ فِيهَا وَلَا أَمْتًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ طَه] بَيَانُهُ. لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، قِيلَ: إِنَّ هَذَا هُوَ الْعَامِلُ فِي "يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ" أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمْ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ. {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم} وَذَلِكَ عِنْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ السَّائِلُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُجِيبُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ حِينَ لَا أَحَدَ يُجِيبُهُ فَيُجِيبُ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ فَيَقُولُ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار}. قال النَّحَّاسُ: وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ مِثْلَ الْفِضَّةِ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- عَلَيْهَا، فَيُؤْمَرُ مُنَادٍ يُنَادِي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فَيَقُولُ الْعِبَادُ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ هَذَا الْجَوَابَ سُرُورًا وَتَلَذُّذًا، وَيَقُولُهُ الْكَافِرُونَ غَمًّا وَانْقِيَادًا وَخُضُوعًا. فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَالْخَلْقُ غَيْرُ مَوْجُودِينَ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِالتَّأْوِيلِ".

فيكون حينئٍذ له حكم الرفع، إذا كان ما لا يدرك بالرأي ولا بالقياس، هذا يكون حكمه حكم المرفوع، وهذا النوع هو الذي يحكم أهل العلم بأنه من التفسير المسند، الذي نص عليه الحاكم وغيره، ويدخل فيه أيضًا أسباب النزول التي فيها النبي-عليه الصلاة والسلام- طرف محقق؛ لأن النزول إنما يكون عليه.

"قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِظْهَارُ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْمُلْكِ عِنْدَ انْقِطَاعِ دَعَاوَى الْمُدَّعِينَ وَانْتِسَابِ الْمُنْتَسِبِينَ، إِذْ قَدْ ذَهَبَ كُلُّ مَلِكٍ وَمُلْكُهُ وَمُتَكَبِّرٍ وَمُلْكُهُ، وَانْقَطَعَتْ نِسَبُهُمْ وَدَعَاوِيهِمْ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا « قَوْلُهُ الْحَقُّ عِنْدَ قَبْضِ الْأَرْضِ وَالْأَرْوَاحِ وَطَيِّ السَّمَاءِ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ» كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، « ثُمَّ يَطْوِي الْأَرْضَ بِشِمَالِهِ وَالسَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ».

 وَعَنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} هُوَ انْقِطَاعُ زَمَنِ الدُّنْيَا وَبَعْدَهُ يَكُونُ الْبَعْثُ وَالنَّشْرُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ حِينَ فَنِيَ الْخَلَائِقُ وَبَقِيَ الْخَالِقُ فَلَا يَرَى غَيْرَ نَفْسِهِ مَالِكًا وَلَا مَمْلُوكًا فَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ أَمْوَاتٌ، فَيُجِيبُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} لِأَنَّهُ بَقِيَ وَحْدَهُ وَقَهَرَ خَلْقَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ فَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فَيُجِيبُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}".

القول الأول هو أن الله -جل وعلا- يسأل هذا السؤال "لمن الملك اليوم" بعد فناء الناس كلهم، ثم يجيب نفسه؛ دلالة على أنه المتفرد بالملك، وأنه لا يوجد من يدعي الملك حينئٍذ أحد، ولو كان من الملوك من هو حي، لا يمكن أن يدعي الملك في هذا الوقت؛ لأن أملاكهم قد زالت؛ لأن ملكهم في الدنيا، والدنيا بحذافيرها قد زالت، فلا ملك إلا لله؛ ولذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4] لا مالك غيره -جلّ وعلا-.

طالب:.......

المقصود أنه هذا السؤال وجوابه لإظهار التفرد، تفرد الجبار -جلّ جلاله- بالملك الذي لا يمكن ولا دعوى يدعيها أحد.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}؛ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ إِذَا أَقَرُّوا بِالْمُلْكِ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وَحْدَهُ {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}؛ أَيْ لَا يُنْقَصُ أَحَدٌ شَيْئًا مِمَّا عَمِلَهُ. {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}؛ أَيْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفَكُّرٍ وَعَقْدِ يَدٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحُسَّابُ".

ولا يحتاج إلى آلات أن تحسب ولا شيء، سريع الحساب.

"لِأَنَّهُ الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ فَلَا يُؤَخِّرُ جَزَاءَ أَحَدٍ لِلِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ، وَكَمَا يَرْزُقُهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُحَاسِبُهُمْ كَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [الْبَقَرَةِ]. وَفِي الْخَبَرِ: «وَلَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ»".

نعم، وحينئذ، يكون أصحاب الجنة، {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24]، المقيل هو منتصف النهار.

طالب:.......

نعم؛ لأن له حكم الرفع.

اللهم صلي على عبدك ورسولك.