تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي–رحمه الله تعالى-: "فإذا علمت ذلك، فاعلم أن المحارب الذي يقطع الطريق، ويخيف السبيل، ذكر الله أن جزاءه واحدةٌ من أربع خلال هي:
{أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] وظاهر هذه الآية الكريمة: أن الإمام مُخيرٌ فيها، يفعل ما شاء منها بالمحارب، كما هو مدلول أو؛ لأنها تدل على التخيير".
وهذا رأي الإمام مالك أنها تدل على التخيير، وأن الإمام مُخير بين هذه العقوبات الأربع، وغيره يرى أنها للتنويع، والتقسيم، وأنهم أقسام، وأن الأحكام عليهم متفاوتة تبعًا لأقسامهم، ومن معاني (أو) التخيير، ومن معانيها أيضًا التقسيم، ولها معانٍ أخرى، يعني حصر المعنى في بحث الشيخ –رحمه الله- على التخيير خلاف ما هو معروفٌ عند أهل العلم من معاني (أو)، صحيح أن أو لها معانيها، وأولها التخيير؛ ولذا يقول ابن مالك:
خيِّر أبِح قسِّم بأو وأبهمِ
فمن معانيها التقسيم، والتنويع.
"ونظيره في القرآن قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]، وقولِه تعالى".
وقولُه.
وقولُه تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89]، وقوله تعالى: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة:95].
وكون الإمام مُخيرًا بينهما مطلقًا من غير تفصيل، هو مذهب مالك، وبه قال سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والضحاك، كما نقله عنهم ابن جريرٍ، وغيره، وهو رواية ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، ونقله القرطبي، عن أبي ثورٍ، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهدٍ، والضحاك، والنخعي، ومالك، وقال: وهو مرويٌ عن ابن عباس.
ورجَّح المالكية هذا القول بأن اللفظ فيه مستقلّ غير محتاج إلى تقدير محذوف".
ولا يُحتاج معه إلى نصٍّ آخر، والذي يقول بغير هذا القول يحتاج إلى تقدير كما سيأتي في التفصيل، وهو مُحتاج إلى دعم هذا الترجيح إلى نصِّ آخر.
"لأن اللفظ إذا دار بين الاستقلال، والافتقار إلى تقدير محذوف، فالاستقلال مقدم؛ لأنه هو الأصل".
وما لا يحتاج إلى تقدير عند أهل العلم أولى مما يحتاج إلى تقدير.
"إلا بدليلٍ منفصل على لزوم تقدير المحذوف، وإلى هذا أشار في (مراقي السعود) بقوله:
كَذَاكَ مَا قَابَلَ ذَا اعْتِلَالِ |
|
مِنَ التَّأَصُّلِ وَالِاسْتِقْلَالِ |
إلى قوله:
كَذَاكَ تَرْتِيبٌ لِإِيجَابِ الْعَمَلْ |
|
بِـمَا لَهُ الرُّجْحَانُ مِمَّا يَحْتَمِلُ |
والرواية المشهورة عن ابن عباس، أن هذه الآية مُنزَّلةٌ على أحوال".
لأن الرواية السابقة التي تقول بالتخيير مروية عن ابن عباس، لكن أشهر منها ما يُوافق قول الجمهور.
"وفيها قيودٌ مقدرة، وإيضاحه: أن المعنى {أَن يُقَتَّلُواْ} [المائدة:33] إذا قتلوا، ولم يأخذوا المال، {أَوْ يُصَلَّبُواْ} [المائدة:33] إذا قتلوا وأخذوا المال، {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} [المائدة:33] إذا أخذوا المال ولم يقتلوا أحدًا، {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] إذا أخافوا السبيل، ولم يقتلوا أحدًا".
لتكون الأحكام مناسبة للأفعال، مناسبة للجرائم، ليس من أخذ المال مع إخافته للسبيل كمن قتل، وليس من قتل، كمن قتل وأخذ المال.
المقصود أن الأفعال متفاوتة شدةً وضعفًا، فلتكن الأحكام مختلفة.
"{أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] إذا أخافوا السبيل، ولم يقتلوا أحدًا ولم يأخذوا مالاً، وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وأبو مجلزٍ، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والحسن، وقتادة، والسُّدي، وعطاءٌ الخراساني، وغير واحدٍ من السلف والأئمة.
قاله ابن كثير".
هذا قول الجمهور، هنا قول الجمهور، أبو مجلز ما اسمه؟
طالب:........
صحيح، اسمه لاحق بن حُميد.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
هنا؟
طالب:........
"إذا أخذوا المال ولم يقتلوا أحدًا" كذا؟
طالب:........
{أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] ماذا عندك؟
طالب: "إذا أخافوا السبيل، ولم يقتلوا أحدًا ولم يأخذوا مالاً".
عندك ولم يقتلوا أحدًا، عندك "{أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} [المائدة:33] إذا أخذوا ولم يقتلوا أحدًا" كذا "{أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33]"
طالب: "إذا أخافوا السبيل".
يعني هذا موضعها "إذا أخافوا السبيل".
طالب: "ولم يقتلوا أحدًا ولم يأخذوا مالاً".
نعم.
"قاله ابن كثير، ونقله القرطبي، وابن جريرٍ، عن ابن عباس، وأبي مجلز، وعطاء الخراساني، وغيرهم.
ونقل القرطبي، عن أبي حنيفة، إذا قتل قُتِل، وإذا أخذ المال ولم يقتل، قُطعت يده ورجله من خلاف، وإذا أخذ المال وقتل، فالسلطان مُخيرٌ فيه إن شاء قطع يده ورجله، وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه، ولا يخفى أن الظاهر المتبادر من الآية، هو القول الأول؛ لأن الزيادة على ظاهر القرآن بقيود تحتاج إلى نصٍّ من كتابٍ أو سُنَّة".
مع أنه جاء فيه أحاديث على ما قيل فيه من كلام.
"وتفسير الصحابي لهذا بذلك، ليس له حكم الرفع؛ لإمكان أن يكون عن اجتهادٍ منه، ولا نعلم أحدًا روى في تفسير هذه الآية بالقيود المذكورة، خبرًا مرفوعًا، إلا ما رواه ابن جريرٍ في تفسيره عن أنس: حدَّثنا علي بن سهل، قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد الملك بن مروانٍ كتب إلى أنس بن مالك، يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يُخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العُرنيين، إلى أن قال: قال أنس: فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق، وأخاف السبيل، فاقطع يده بسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل، واستحل الفرج الحرام، فاصلبه، وهذا الحديث لو كان ثابتًا لكان قاطعًا للنزاع، ولكن فيه ابن لهيعة، ومعلومٌ أنه خلط بعد احتراق كتبه، ولا يُحتج به، وهذا الحديث ليس راويةً عنه".
راويه.
"ليس راويه عنه ابن المبارك، ولا ابن وهب".
ولا ابن المقرئ، يعني ليس من رواية العبادلة عن ابن لهيعة التي هي أقوى من رواية غيرهم، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على تضعيفه، وجرَّحه ثلاثة عشر من أئمة الحديث، ووثقه بعضهم، واختلف فيه قول ابن حجر بين (فتح الباري) وبين (التقريب) ووصفه بأنه صدوق في مواضع من (الفتح) وفي (التقريب)، وضعَّفه في مواضع من (الفتح)، وعلى كل حال الضعف ليس بشديد، لكنه مما يُحتاج فيه إلى متابعٍ أو شاهد، لا بُد من الشاهد، وإلا يبقى على ضعفه.
في (فتح الباري) قال: وروى الإمام أحمد بسندٍ حسن، وفيه ابن لهيعة، وضعَّفه في مواضع، وضعَّف ما يرويه في مواضع أخرى.
طالب:........
التخيير هذا مقتضى التخيير.
طالب:........
هذا مقتضى التخيير، وهذا سبب الضعف فيه لهذا القول.
"وهذا الحديث ليس راويه عنه ابن المبارك، ولا ابن وهب؛ لأن روايتهما عنه أعدل من رواية غيرهما، وابن جريرٍ نفسه يرى عدم صحة هذا الحديث الذي ساقه؛ لأنه قال في سوقه للحديث المذكور: وقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتصحيح ما قلنا في ذلك بما في إسناده نظر، وذلك ما حدَّثنا به علي بن سهل، قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم، إلى آخر الإسناد الذي قدمنا آنفًا، وذكرنا معه محل الغرض من المتن، ولكن هذا الحديث، وإن كان ضعيفًا، فإنه يقوي هذا القول، الذي عليه أكثر أهل العلم، ونسبه ابن كثيرٍ للجمهور.
واعلم أن الصلب المذكور في قوله: {أَوْ يُصَلَّبُواْ} [المائدة:33] اختلف فيه العلماء، فقيل: يُصلب حيًّا، ويمنع من الشراب والطعام؛ حتى يموت، وقيل: يصلب حيًّا، ثم يُقتل برمحٍ ونحوه، مصلوبًا، وقيل: يقتل أولاً، ثم يُصلب بعد القتل، وقيل: يُنزَّل بعد ثلاثة أيام، وقيل: يُترك حتى يسيل صديده، والظاهر أنه يُصلب بعد القتل زمنًا يحصل فيه اشتهار ذلك؛ لأن صلبه ردعٌ لغيره.
وكذلك قوله: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33]، اختلف العلماء في المراد بالنفي فيه أيضًا، فقال بعضهم: معناه أن يُطلبوا حتى يُقدر عليهم، فيقام عليهم الحد، أو يهربوا من دار الإسلام، وهذا القول رواه ابن جريرٍ، عن ابن عباس، وأنس بن مالكٍ، وسعيد بن جبير، والضحاك، والربيع بن أنس، والزهري، والليث بن سعدٍ، ومالك بن أنس.
وقال آخرون: هو أن يُنفوا من بلدهم إلى بلد آخر، أو يخرجهم السلطان، أو نائبه".
يعني كما يُفعل بالبكر إذا زنا في حديث عُبادة «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ».
طالب:........
سيأتي، عند الحنفية.
"أو يخرجهم السلطان، أو نائبه من عمالته بالكلية، وقال عطاءٌ الخراساني، وسعيد بن جبير، وأبو الشعثاء، والحسن، والزهري، والضحاك، ومُقاتل بن حيان، إنهم ينفون، ولا يخرجون من أرض الإسلام".
ولا بُد، لا بُد أن يبقوا في دار الإسلام؛ لئلا يرتدوا عن دين الإسلام إذا نُفوا إلى بلاد الكفر، نعم.
"وذهب جماعةٌ إلى أن المراد بالنفي في الآية السجن؛ لأنه نفيٌ من سعة الدنيا إلى ضيق السجن، فصار المسجون كأنه منفيٌ من الأرض، إلا من موضع استقراره، واحتجوا بقول بعض المسجونين في ذلك:
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا |
|
فَلَسْنَا مِنَ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاء |
إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ |
|
عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا |
وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، ولا يخفى عدم ظهوره.
واختار ابن جريرٍ، أن المراد بالنفي في هذه الآية، أن يُخرَج من بلده إلى بلدٍ آخر، فيُسجن فيه، ورُوي نحوه عن مالكٍ أيضًا".
وهذا أن يُخرج من بلده إلى بلدٍ آخر، فيُسجن فيه قيل: بنظيره في الزاني البكر، فقال بعضهم: إن السجن بعد النفي زيادة على الحد، وعدم السجن والاقتصار على النفي يجعله يذهب يمينًا وشمالاً، وقد يرجع إلى بلده أو يذهب إلى مكانٍ أكثر فسادًا، والمراد صيانته وحمايته، والآن ضبط الأمور في النفي في غايةٍ من الصعوبة، والذي يُحقق الهدف حرفية النص يُنفى من بلده، ولكن تحقيق الهدف بحيث يُعزل عن الناس فلا يؤثِر فيهم؛ لأنه سواءً كان من هذه الفئة قُطاع الطريق أو من الزُّناة كلهم بصدد ان يؤثروا على غيرهم هذه آفة، فكونه يُنفى من الأرض هذا هو الأصل، لكن هل يبقى حرًّا طليقًا في الأرض التي نُفي إليها، وقد يجد من المناخ ما هو أحسن من إقامته في بلده، ويؤثر في الناس أكثر مما كان؟
طالب:.........
لا بُد منه، فيُسجن في البلد الثاني، وإن كان قدرًا زائدًا على الحد، لكن هو بصدد أن يُبعد عن قومه وعشيرته.
طالب:.........
كيف نتابعه؟ نتابعه في وقتٍ...وهو بمنزلة الإقامة الجبرية، ما هو بسجن؛ لأنه زيادة على الحد، يُنفى في بلدٍ ما، ويُسكَّن في مسكن مناسب له، وتصير عليه إقامة جبرية، وهي بمعنى المتابعة.
"ورُوي نحوه عن مالكٍ أيضًا، وله اتجاه؛ لأن التغريب عن الأوطان نوعٌ من العقوبة، كما يفعل بالزاني البكر، وهذا أقرب الأقوال لظاهر الآية؛ لأنه من المعلوم إنه لا يراد نفيهم من جميع الأرض إلى السماء، فعُلم أن المراد بالأرض أوطانهم التي تشق عليهم مفارقتها، والله تعالى أعلم.
مسائل من أحكام المحاربين:
المسألة الأولى: اعلم أن جمهور العلماء يثبتون حكم المحاربة في الأمصار والطرق على السواء؛ لعموم قوله تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:33]، وممن قال بهذا الأوزاعي، والليث بن سعد، وهو مذهب الشافعي، ومالك، حتى قال مالكٌ في الذي يغتال الرجل فيخدعه، حتى يُدخله بيتا، فيقتله ويأخذ ما معه، إن هذه محاربة، ودمه إلى السلطان، لا إلى ولي المقتول، فلا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل".
نعم قد يكون في الأمصار من الغيلة والتدرج والتدريج ما هو أشد منه في البراري والقفار، نعم من أهل العلم من يرى أن المحاربة قطع الطريق لا يكون إلا في الطريق الذي هو البر، لكن إذا فعل مثل ما صار قبل كم سنة جاء صبي ودخل بقالة، فالعامل في البقالة فعل به الفاحشة وقتله، وأخفاه في البقالة، جاء أبوه ليبحث عنه فقتله، هذا ماذا يُفعل به؟ قُتِل وصُلِب، وبقي مدة يراه الناس -نسأل الله العافية-.
"وقال القاضي ابن العربي المالكي: كنت أيام حكمي بين الناس، إذا جاءني أحدٌ بسارق، وقد دخل الدار بسكينٍ يحبسه على قلب صاحب الدار، وهو نائم، وأصحابه يأخذون مال الرجل، حكمت فيهم بحكم المحاربين، وتوقف الإمام أحمد في ذلك".
طالب: ...........
نعم.
طالب:.........
هو الردء لهؤلاء، جالس يحرس صاحب الدار؛ لئلا يستيقظ أو يمنعه من التصرف، ويترك أولئك يسرقون.
طالب:.........
ولو لم يحصل شيء؛ لأنه ردء.
"وظاهر كلام الخرقي أنه لا محاربة إلا في الطرق".
لأن التسمية قطع الطريق، فلا بُد أن تكون في طريق، وهذه التسمية ليست شاملة لكل ما ينطبق عليه هذه الجريمة.
"فلا يكون محاربًا في المصر؛ لأنه يلحقه الغوث.
وذهب كثير من الحنابلة إلى أنه يكون محاربًا في المصر أيضًا؛ لعموم الدليل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تكون المحاربة إلا في الطرق، وأما في الأمصار فلا؛ لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث؛ بخلاف الطريق؛ لبعده ممن يغيثه ويعينه.
قاله ابن كثير".
قال ابن كثير، عندنا قال ابن كثير: ولا يثبت لهم، أو قال ما مضى.
طالب: عندي قاله.
عندنا قال ابن كثير.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
ولا بُد أن نرجع إلى ابن كثير نرى الكلام.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
وضع نقطتين نعم.
نعم.
"قال ابن كثير: ولا يثبت لهم حكم المحاربة، إلا إذا كان عندهم سلاح.
ومن جملة السلاح: العصي، والحجارة عند الأكثر؛ لأنها تتلف بها الأنفس والأطراف كالسلاح، خلافًا لأبي حنيفة.
المسألة الثانية: إذا كان المال الذي أتلفه المحارب، أقل من نِصاب السرقة الذي يجب فيه القطع".
من القضايا التي هي واقعة بادية أهل رعي، جاء شخصٌ أراد ابنة أهل هذا البيت بيت شَعر، ثم جاء أخوها فأخذ يرجمه بالحجارة، ثم سقط هذا الرجل من غير أن تضربه الحجارة، فمات، فتبين أنه مريض قلب.
ماذا يفعلون؟
طالب: .......
كلكم شيوخ، لكن نبدأ بك.
طالب:.......
ماذا؟
طالب:.......
الحجارة ما وصله شيء منه، هو هرب، فأُجِهد بسبب المرض وسقط ومات.
طالب: عُجلت له عقوبة.
عُجلت له عقوبته، هو مات بسبب رمي الحجارة، فليُنظر في عمله هل يستحق مثل هذه العقوبة؟ هو ما في يد أخ هذا البنت إلا هذا، هذا أقل ما يفعله؛ لأنه في حكم الصائل، لا بُد أن يُدفع بالأسهل، وهذا أسهل، ماذا تُريد أن يفعل له؟
يا شيخ ما تصورتها؟
طالب:.......
هو واحد جاء لأهل بيت شَعر، رُعاة غنم يريد بنتهم؛ فجاء أخوها ليطرده، فرجمه بالحجارة إلى أن هرب، فسقط ومات.
طالب:.......
وقالوا: قتل ولدنا.
طالب:.......
يصير قتل خطأ أم شبه عمد، هو ما وصلته الحجارة أصلاً؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
هو مدافعٌ لصائل هذا.
طالب: هذا لي.
ما هو لي ولا لك، هذا للقضاء، ولا تحله الفتوى.
طالب:.......
يقول قاله ابن كثير.
طالب:.......
الزيادات في النُّسخ الثانية نحتاج إلى أن تطلع عليها، والمائدة ما هي بالمجلد الأول.
طالب:.......
ماذا؟
طالب:.......
نعم، موجود، لكن فيه نُسخ أخرى. تراجع فيما بعد.
نعم.
"المسألة الثانية: إذا كان المال الذي أتلفه المحارب أقل من نِصاب السرقة الذي يجب فيه القطع أو كانت النفس التي قتلها غير مكافئةٍ له، كأن يقتل عبدًا، أو كافرًا، وهو حرٌّ مسلم، فهل يُقطع في أقل من النِّصاب؟ ويُقتل بغير الكفء أو لا؟
اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: لا يُقطع إلا إذا أخذ ربع دينار، وبهذا قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وقال مالك: يُقطع ولو لم يأخذ نصابًا؛ لأنه يحكم عليه بحكم المحارب.
قال ابن العربي: وهو الصحيح؛ لأن الله تعالى، حدّد على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- ربع دينارٍ لوجوب القطع في السرقة، ولم يُحدد في قطع الحرابة شيئًا، ذكر جزاء المحارب، فاقتضى ذلك توفية جزائهم على المحاربة عن حبة، ثم إن هذا قياس أصلٍ على أصل، وهو مُختلفٌ فيه".
والقياس إنما هو قياس الفرع على الأصل لا أصل على أصل.
"وقياس الأعلى بالأدنى، وذلك عكس القياس، وكيف يصح أن يُقاس المحارب على السارق، وهو يطلب خطف المال؟ فإن شُعر به فر، حتى إن السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال، فإن مُنع منه، أو صيح عليه حارب عليه، فهو مُحاربٌ يُحكم عليه بحكم المحاربين. انتهى كلام ابن العربي.
ويشهد لهذا القول، عدم اشتراط الإخراج من حرزٍ فيما يأخذه المُحارب في قطعه، وأما قتل المحارب بغير الكفء، فهو قول أكثر العلماء، وعن الشافعي، وأحمد فيه روايتان، والتحقيق عدم اشتراط المكافأة في قتل الحرابة؛ لأن القتل فيها ليس على مجرد القتل، وإنما هو على الفساد العام من إخافة السبيل، وسلب المال.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ} [المائدة:33]، فأمر بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع بين شيئين، وهما المحاربة، والسعي في الأرض بالفساد، ولم يخص شريفًا من وضيع، ولا رفيعًا من دنيء. انتهى من القرطبي.
قال مُقيده -عفا الله عنه-: ومما يدل على عدم اعتبار المكافأة في قتل الحرابة، إجماع العلماء على أن عفو ولي المقتول في الحرابة لغوٌ لا أثر له، وعلى الحاكم قتل المحارب القاتل، فهو دليلٌ على أنها ليست مسألة قصاصٍ خالص، بل هناك تغليظٌ زائدٌ من جهة المحاربة".
لو المعتدى عليه في حال المحاربة أُلقي عليه مادة قاتلة ولم يمت، تشوه وما مات، فما عقوبة المعتدي؟
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
هو كان حريصًا على قتله ما رمى عليه المادة إلا ليموت، وبالمقابل المعتدى عليه صدر منه أفعال مُخرجة من الملة، فهم طبقوا عليه عدم المكافأة في الإسلام والكفر، قالوا: ولو كان كافرًا، وهذا ماشٍ على قول من يقول: بعدم المكافأة، لكن كونه ما مات هذا الذي يحتاج إلى بحث، ولو ما مات لأتينا بالشيخ؟
طالب:.........
ماذا؟
طالب: المعمول به إذا لم يقتل لا يُقتل.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
وهذا الذي فعل قُتل؛ لأن هذه إخافة بلا شك.
طالب:.......
هذا أنا سمعت أنها حرابة، يسمونها حرابة، فقيل لهم: إنه لم يمت، فقالوا: ولو لأنه أخاف السبيل، وهذا يفتح باب شرٍّ مستطير، هذا صحيح يفتح باب شرٍّ عظيم، كل من أنكرت عليه شيئًا تعتدي عليه أنت بنفسك؟ هذا للحدود وإقامتها لولي الأمر، ليس لأفراد الناس.
طالب:.......
على كل حال المسألة اجتهادية، وللإمام أن يحكم بمثل هذا الحكم لمن أخاف السبيل في بلدٍ آمن، وصار فتح باب شر مستطير، أمور القضاء لها أحكامها، ولها أسبابها، ولها حيثياتها، قد لا يُحيط السامع بكل شيء، ولا يُنشر كل شيء، أو يتسامع به الناس.
على كل حال....
طالب:.......
التعزير منوط بولي الأمر.
طالب:.......
مر قول الجمهور: ولو كان كافرًا.
طالب:.......
لا هو الأصل مسلم، لكنه تكلم بكلامٍ فيه ردة، والأصل فيه أنه مسلم، لكن الإشكال في بدايات الأمور في بلدانٍ آمنة وشعوبٌ مستقرة، وتنفيذ لحدود الله، ثم بعد ذلك ينفذ بنفسه، هذا بداية شر مستطير، بدون تردد أن للحاكم قتل مثل هذا، والله المستعان.
"المسألة الثالثة: إذا حمل المحاربون على قافلة مثلاً، فقتل بعضهم بعض القافلة، وبعض المحاربين لم يُباشر قتل أحد، فهل يُقتل الجميع، أو لا يقتل إلا من باشر القتل؟ فيه خلاف، والتحقيق قتل الجميع؛ لأن المحاربة مبنيةٌ على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة، فلا يتمكن المباشر من فعله، إلا بقوة الآخر الذي هو ردءٌ له ومعينٌ على حرابته، ولو قتل بعضهم، وأخذ بعضهم المال جاز قتلهم كلهم، وصلبهم كلهم؛ لأنهم شركاء في كل ذلك، وخالف في هذا الشافعي -رحمه الله- فقال: لا يجب الحد إلا على من ارتكب المعصية، ولا يتعلق بمن أعانه عليها كسائر الحدود، وإنما عليه التعزير".
هذا ما يُسمى بالردء، الردء هو كما سمعتم المسألة خلافية، هل يأخذ حكم الأصل وإن لم يُباشر، لكنه ردء؟ والذي باشر ما وجد القوة ولا جرؤ على فعله إلا بإعانة هذا.
طالب: عمر –رضي الله عنه- قتل ربيئة المحاربين؟
صحيح.
"المسألة الرابعة: إذا كان في المحاربين صبيٌّ، أو مجنون، أو أب المقطوع عليه، فهل يسقط الحد عن كلهم، ويصير القتل للأولياء إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا؛ نظرًا إلى أن حكم الجميع واحد، فالشبهة في فعل واحدٍ شبهةٌ في الجميع، وهو قول أبي حنيفة، أو لا يسقط الحد عن غير المذكور من صبيٍّ، أو مجنونٍ، أو أب، وهو قول أكثر العلماء، وهو الظاهر.
المسألة الخامسة: إذا تاب المحاربون بعد القدرة عليهم، فتوبتهم حينئذٍ لا تغير شيئًا من إقامة الحدود المذكورة عليهم، وأما إن جاءوا تائبين قبل القدرة عليهم، فليس للإمام عليهم حينئذٍ سبيل؛ لأنهم تسقط عنهم حدود الله، وتبقى عليهم حقوق الآدميين، فيُقتص منهم في الأنفس والجراح، ويلزمهم غُرم ما أتلفوه من الأموال، ولولي الدم حينئذٍ العفو إن شاء، ولصاحب المال إسقاطه عنهم".
هل فيه من أهل العلم من قال: لو شارك المحاربين صبي يُطبق عليه الحد أم ما يُطبق عليه؟ في المسألة السابقة صبي أو مجنون أو أب ممن لا يجب عليه القصاص "وهو قول أكثر العلماء وهو الظاهر" قالوا: لا يُطبق عليهم الحد، ما قال هكذا؟
طالب: نعم "وهو الظاهر".
نعم، قال: "وهو الظاهر".
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
هم يقولون: إذا كان المباشر غير أهل، فالحكم ينتقل إلى المتسبب.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
مثل المسدس.
طالب:.......
والله هذا الصبي الصغير ما جرى عليه حكم تكليف؛ ولذلك لو قتل صراحة فماذا يفعل؟
طالب:.......
هو ينتقل الحكم من المباشر إلى المتسبب إذا كان ليس بأهل، لو أن إنسانًا دهس آخر بسيارة هل له أن يقول: والله الذي دهسته السيارة ما هو أنا؟!
طالب:.......
على حسب التقرير إذا كان عقله ثابتًا.
طالب:.......
ما هو بثابت؟ مجنون، يكون حكمه حكم المجنون.
"وهذا قول أكثر العلماء مع الإجماع على سقوط حدود الله عنهم بتوبتهم قبل القدرة عليهم، كما هو صريح قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} [المائدة:34] الآية، وإنما لزم أخذ ما بأيديهم من الأموال، وتضمينهم ما استهلكوا؛ لأن ذلك غصب، فلا يجوز لهم تملكه، وقال قومٌ من الصحابة والتابعين: لا يُطلب المحارب الذي جاء تائبًا قبل القدرة عليه إلا بما وُجِد معه من المال، وأما ما استهلكه، فلا يُطلب به، وذكر الطبري هذا عن مالك من رواية الوليد بن مسلمٍ عنه.
قال القرطبي: وهو الظاهر من فعل علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- بحارثة بن بدرٍ الغواني".
الغُداني.
"بحارثة بن بدرٍ الغُداني فإنه كان محاربًا، ثم تاب قبل القدرة عليه، فكتب له سقوط الأموال والدم عنه كتابًا منشورًا، ونحوه ذكره ابن جرير.
قال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالكٍ في المُحارب إذا أُقيم عليه الحد، ولم يوجد له مال، هل يُتبع دينًا بما أخذ؟ أو يسقط عنه، كما يسقط عن السارق، يعني عند مالك، والمسلم، والذمي في ذلك سواء".
يعني سقوط الواجبات بعدم القدرة على أدائها كالكفارات مثلاً، من عليه كفارة ظهار أو كفارة يمين ولم يجد، العلماء في الحقوق المتعلقة بالتركة ذكروا أو أنها مرتبة الديون المتعلقة بعين التركة: كالديون التي فيها رهن، والديون المطلقة سواءً كانت لله –جلَّ وعلا- من الكفارات والزكوات أو من ديون الآدميين، فجعلوها واجبة الوفاء والقضاء من تركته؛ ولذا يقولون: تبقى في ذمته حتى يستطيع، ومنهم من يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لمن جامع في رمضان لما جيء بالفرَق قال: «تصدق به» قال: على أفقر منَّا؟ والله من بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر من بيتي، فقال: «خُذه» وما قال: متى وجدت أخرج مكانه، ومنهم من يقول: إنه مع العجز يسقط.
طالب:.......
نعم؛ لأنه جاء ما يدل على الاهتمام بحق الله «فحق الله أولى بالقضاء» والله أحق بالقضاء.
والقاعدة العامة في الشريعة أن حقوق الآدميين وهي مبنية على المشاحة تُقدم على حقوق الله– جلَّ وعلا- المبنية على المسامحة، ويكون قوله: «فحق الله أولى بالوفاء» أو «أولى بالقضاء» يكون من باب الاهتمام بشأنها؛ لأنه ليس لها من يُطالب بها، فهي بصدد أن تُترك، فأُكِّد عليها من هذه الحيثية.
طالب:.......
مثل ما جاء في {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12].
طالب:.......
كل النصوص تُقدم الوصية على الدَّين، لكن المقرر عند أهل العلم أن الدَّين مُقدم،.
طالب:.......
لا يُسقطها إلا إن قضاها من بيت المال.
"ومعنى قوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]".
قف على هذا.