كتاب الصيد والذبائح من المحرر في الحديث - 03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- ثنتان يعني خصلتان حفظتهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، شداد بن أوس صحابي ما حفظ إلا هاتين الثنتين، أو أن الأسلوب لا يقتضي الحصر؟ حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحاديث منها «أفطر الحاجم والمحجوم» الذي تقدم، فحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرًا، لكن هو في هذا الموضع يقول: «إن الله كتب، إن الله كتب الإحسان على كل شيء، كتب كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة، وليُحِدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» رواه مسلم".
كَتَبَ بمعنى أوجب، يعني تأتي كتب بمعنى أوجب، وتأتي بمعنى قدَّر، لكن ما المراد بها هنا «إن الله كتب الإحسان» وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [سورة النحل:90] العدل واجب بلا خلاف، هل الإحسان واجب؟
العلماء يستدلون بهذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [سورة النحل:90] على ضعف دلالة الاقتران، على ضعف دلالة الاقتران؛ لأن العدل واجب، والإحسان غير واجب، لكن لا شك أن الإحسان في هذا الحديث المدعوم بالأوامر فأحسنوا، فأحسنوا، وليُحِدّ، لا شك أن الظاهر منه الوجوب، وعلى هذا فيكون من الإحسان ما هو واجب، ومن الإحسان ما هو مندوب، يعني أنت وجدت واحدًا من زملائك ما معه كتاب، فجعلت كتابك بينك وبينه أحسنت إليه، هل نقول: إن هذا يجب عليك تأثم إذا لم تفعل؟ وفي هذا أمثلة كثيرة جدًّا، فالإحسان المذكور في الآية عند أهل العلم عندهم أنه ليس بواجب وإن جاء الأمر به {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [سورة النحل:90].
لكن ماذا عن يأمر التي بعض مضمونها واجب، وبعضه مندوب، هل نقول: يأمر الأصل في الأمر الوجوب، وخرج الإحسان بأدلة أخرى كما هو مقرر عند أهل العلم، أو نقول: إننا نستعمل الأمر في هذه الآية بمعنييه الوجوب والاستحباب، اللفظ الواحد هل يستعمل في أكثر من معنى وبتعبير العلماء الذين لا إشكال عندهم في المجاز يقولون: هل يجوز استعمال المعنى اللفظ الواحد في معنييه في حقيقته ومجازه؟
الجمهور لا، لا يستعمل اللفظ في معنييه الحقيقة والمجاز، وهنا حقيقة الأمر الوجوب ومجازه الاستحباب أن يستعمل في غير ما وضع له فاستعمل للوجوب في العدل، وللاستحباب في الإحسان، فاستعملنا اللفظ الواحد في معنييه، وهذا ممنوع عند الجمهور، يجيزه الشافعية، أو نقول: إن الآية تدل على الوجوب، لكن صرف الوجوب بالنسبة للاستحباب بأدلة أخرى، والإحسان عندنا في الحديث الذي يظهر أنه واجب؛ لأن عدمه فيه تعذيب للحيوان، فيه تعذيب للمقتول، وقد جاء النهي عن ذلك في أحاديث وفي مناسبات كثيرة.
«إن الله كتب الإحسان على كل شيء» كل شيء تريد أن تعمله تحسن فيه، ومما تعمله مما يجب الإحسان فيه ومن أعمالك ما يُندَب الإحسان فيه على ما تقدم.
«فإذا قتلتم، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» أيًّا كان المقتول، أيًّا كان المقتول فيُحسَن في قتله، ولا يُعذَّب أثناء القتل، والقِتلَة الهيئة هيئة القتل بخلاف القَتْلَة التي هي اسم المرة، «وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبحة أو الذِّبحة» القتل..
القتل معروف أنه إزهاق الرُّوح، لكن حقيقته ما يكون بآلة بخلاف ما عداه فإنه يكون موتًا بمفارقة الروح للجسد، لكن نسمع في الحوادث إطلاق القتل يعني قد يتحدثون عن حوادث طائرات أو سيارات أو ما أشبه ذلك ثم يقولون: قتل في الحادث كذا، هذا أسلوب واستعمال دارج الآن يستعملونه كثيرًا، لكن هل حقيقة القتل بدون قصد له؟
نعم قد يكون بدون قصد في قتل الخطأ، لكن أعني أن مجرد مباينة الروح للجسد من غير فعل مكلَّف أو غير مكلَّف، لكن الجمادات ما تقصد ليست ذات قصد، فإذا مات بسببها هل يُسمى قتلًا؟ سقطت الطائرة فمات من فيها نقول: قتلوا؟ يستعملونه الآن.
وحقيقته ما كان بآلة أو حيوان، قال قتله الأسد، قتله الذئب، لكن ما يقال: قتلته السيارة أو قتله، ولذلك يُسنَد القتل في السيارة إلى قائدها، فيكون عليه ما على القاتل خطأ دية القتل خطأً على قائد السيارة، ما يقال: قتلته السيارة فيضاف القتل إلى من له قصد، هذا الأصل فيه، وإطلاقهم القتل بالنسبة لمن لا قصد له لا شك أن هذا توسع.
«فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلَة» يعني أحسنوا إلى المقتول، «وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبحة أو الذِّبحة، وليحد أحدكم شفرته»؛ لئلا يعذِّب المقتول والمذبوح، «وليرح ذبيحته»، ولذا جاء النهي عن المثْلَة في قتال المشركين النهي عن المثلة والتمثيل بالميت؛ لأن هذا قدر زائد على المقصود، وفيه إيلام وتعذيب، فلا يجوز شرعًا، والمثلة شيء، والمماثلة شيء واحد، شيء آخر المثلة شيء، والمماثلة شيء آخر، فلا يُحتَج بحديث العرنيين المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [سورة النحل:126].
«وليرح ذبيحته» يرح ذبيحته إذا ذبح النسيكة من شاة أو نحوها هل راحتها في إمساكها؛ لئلا تضطرب أو إراحتها في تركها تضطرب حتى تموت؛ لأن بعض الناس يجثم عليها حتى تبرد، وبعضهم يتركها ترفس حتى تموت، فهل راحتها في أن تُتْرَك ليقال: إن السنة تركها أو يقال: راحتها في إمساكها؛ لئلا تضطرب فيقال: إن السنة إمساكها، وليرح فليرح ذبيحته، ليحد أحدكم شفرته السكين تُحَدّ؛ لئلا تحتاج أن يُمَرّ بها على الحلق أكثر من مرة، وليرح ذبيحتها، فهل إراحتها في تركها تضطرب أو في الجثوم عليها حتى تبرد؟
طالب: ...........
السؤال مازال.
طالب: ...........
هي تكون معقولة وتُنحَر قائمة الإبل وتسقط على الأرض {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [سورة الحـج:36] قد يكون عدم تركها تضطرب؛ لئلا تؤذي أحدًا هذا شيء، لكن بالنسبة لإراحتها هذا الله أعلم به "رواه مسلم".
وقال -رحمه الله-: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذكاة الجنين ذكاة أمه ذكاة الجنين ذكاة أمه»، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»".
هذا الحديث صحيح بطرقه وشواهده له ما يشهد له من حديث جابر وابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، فالحديث صحيح لا إشكال فيه، ومعناه «ذكاة الجنين ذكاة أمه» أن الأم إذا ذكيت تذكية شرعية وفي بطنها جنين وخرج ميتًا فإنه يؤكل؛ لأن ذكاته حصلت بذكاة أمه ذكاته، حصلت بذكاة أمه فهو حلال، لكن إن خرج حيًّا فإنه حينئذ يستقل بالحكم، فلا بد من تذكيته، فلا بد من تذكيته، «ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه» برفع الجزئين ذكاة الأولى وذكاة الثانية، وبه يتم الاستدلال للجمهور، أما إذا قلنا: «ذكاةُ الجنينِ ذكاةَ أمه»، كما زعم بعضهم فإنه حينئذ يكون لا يكون خبرًا عن الجزء الأول، إنما يكون منصوبًا على نزع الخافض، والتقدير ذكاةُ الجنينِ كذكاةِ أمه، فإذا نزع الخافض انتصب المخفوض يكون «ذكاةُ الجنينِ ذكاةَ أمه» يعني كذكاة أمه مثل ذكاة أمه أنه يذكى بالسكين كما تذكى أمه، يعني تغيُّر الحركة غيَّر الحكم أم ما غيَّر؟
غيَّر الحكم وهو معوَّل الحنفية بقولهم: إن الجنين لا بد من تذكيته تغيَّر الحكم لتغيُّر الحركة، حركة الإعراب.
وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية تعلُّم العربية بالنسبة لطالب العلم، وأنه لا يمكن أن يستغني عنها بحال، لا يمكن أن يستغني عنها بحال لا شك أن المعاني تتبع المواقع الإعرابية، ففرق بين فاعل ومفعول وهكذا لا بد لطالب العلم أن يتعلم من العربية ما يكفيه، ويعينه على فهم النصوص لا بد أن يتعلم ما يعينه على فهم النصوص؛ لأن القرآن بلسان عربي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عربي، فلا يمكن أن يفهم كلام الله ولا كلام رسوله إلا بعد معرفة اللغة التي جاءت بها الشريعة، ومن يزعم أن تعلُّم العربية من الفضول، وأنه يمكن أن يستغني عنه طالب علم، هذا ليس بصحيح، بعض الناس يقول: نكتفي، حسبنا كتاب الله وسنة نبيه، نقول: نعم، حسبنا كتاب الله وسنة نبيه، لكن كيف نفهم كتابَ الله وسنة نبيه إلا بمعرفة اللغة التي جاء بها الوحيان؟ قد يقول قائل: أنا تعبت في تعلم العربية، حفظت القواعد، وضبطت الأمثلة، فإذا نطقت أو قرأت لحنت، وآخر يقول: أنا أُتْقِن القراءة، وأتحدَّث من غير لحن، لكنني لا أعرف القواعد.
يعني يمكن أن يحصل هذا بكثرة القراءة على الشيوخ المتقنين الذين يردون على الطلاب في كل مخالَفَة، نعم فيه طلاب يقرؤون على الشيوخ لا يلحنون؛ لأن الشيوخ اعتنوا بهم، وصاروا يقوِّمون ألسنتهم فاكتسبوا هذه المزِيَّة دون غيرهم، فهل نقول: إنه يكفي أن تقرأ على الشيوخ ولا تعرف قواعد لتضبط اللفظ، أو نقول: لا بد من ضبط القواعد مع سلامة اللفظ من اللحن، ولا شك أن معرفة قواعد العربية، ولا يقصد بالقواعد العربية النحو فقط، العربية فروعها اثنا عشر فرعًا، ولا بد أن يكون طالب العلم على معرفة بما يكفيه ويعينه على فهم الكتاب والسنة، ومنها العناية بمعرفة وتعلم العربية يفيد أمرين:
الأول: فهم الكلام.
والثاني: تقويم اللسان.
نعم كثير من طلاب العلم أفنوا أوقاتًا، وصرفوا أوقاتًا في تعلم العربية، وفي النهاية إذا قام يتكلم أو يخطب أو يقرأ لحن لحنًا كثيرًا جليًّا، هو يعرف القواعد، إذا عاد إلى الجملة عرف أن هذا هو الفاعل، وهذا هو المفعول، وهذا تمييز، وهذا ظرف، وهذا كذا، يعرف، لكنه إذا تكلم لحن، هذا حصل على الفائدة الأولى، عرف المعاني، وإن فاتته الفائدة الثانية.
الفائدة الثانية تقويم اللسان، تقويم اللسان مهم لاسيما للخطباء والمعلِّمين والدعاة، مهم جدًّا، والذين يقرؤون على الشيوخ، يعني يزري بطالب العلم أن يكثر في كلامه اللحن، فعليه أن يتعلَّم ما يقوِّم لسانه، فنقول لطالب العلم الذي عرف القواعد وضبطها وأتقنها وعرف مواقع الكلمات الإعرابية نقول مثل هذا وعجز عن تقويم لسانه؛ لأن اللسان يحتاج إلى مران، يحتاج إلى مران، ما يكفي فيه التعلم النظري، فلا بد من التطبيق العملي، هذا الذي عرف القواعد عرف كيف يتعامل مع النصوص، وهذه فائدة بحد ذاتها كبيرة جدًّا بالنسبة لهم يحرص على أن يقوِّم لسانه وإن لم يحصل فالفائدة الأولى تكفيه إذا لم يكن خطيبًا أو معلِّمًا أو داعية أو ما أشبه ذلك مما يحتاجه إلى إيضاح كلامه عند الناس.
ذكاة الجنين ذكاة أمه، عرفنا أنه عند الجمهور إذا خرج ميتًا من بطن أمه بعد ذبحها أنه يؤكل، وتكفي تذكية أمه، ومنهم من يفرِّق بين الجنين المشعِر، والجنين غير المشعِر، يعني الذي نبت له شعر تكفيه تذكية أمه، والذي لم يشعِر لا تكفيه، وبعضهم يقول بالعكس، مادام الجنين لم يشعر فهو كجزء من أجزائها، وإذا أشعر استقل، فيحتاج إلى تذكية.
وعلى كل حال الحديث رد على هذا وهذا مادام جنينًا مجتنًا مستترًا في بطن أمه فذكاة أمه تكفي، لكن إن خرج حيًّا فإنه لا بد أن يذكى.