شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (075)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

"عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث أنس بن مالك النجاري الأنصاري، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقدم التعريف به.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بباب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [سورة الكهف 13] {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [سورة المدثر 31] وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص.

يقول ابن حجر: تقدَّم له قَبْلُ بستة عشر بابًا، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري بمعنى حديث أنس الذي أورده هنا، فتُعُقِّب عليه بأنه تكرار، يعني مضى قبل عشرين حديثًا حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا» إلى آخر الحديث، ومضى شرحه.

قال بعضهم: إن هذا تكرار، وأجيب عنه، يقول ابن حجر: وأجيب عنه بأن الحديث لما كانت الزيادة والنقصان فيه باعتبار الأعمال، أو باعتبار التصديق ترجم لكل من الاحتمالين، وخص حديث أبي سعيد بالأعمال؛ لأن سياقه ليس فيه تفاوت بين الموزونات بخلاف حديث أنس ففيه التفاوت في الإيمان القائم بالقلب من وزن الشعيرة والبُرَّة والذرة.

هناك في حديث أبي سعيد: «أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» وليس فيه غير هذا المقدار، يعني ليس فيه تفاوت، وهناك الترجمة: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، وهنا باب زيادة الإيمان ونقصانه، حُمِل الحديث الأول على تفاضل الأعمال، وهذا الحديث على تفاضل الناس في الإيمان.

المقدم: مع أننا في حديث أبي سعيد أشرنا إلى أن المواضع التي ذكرها المصنف غير صحيحة، وإنما نكتفي بموضعين فقط، ما يكون هذا من التشابه الذي ظنوه أيضًا يا شيخ؟

نعم ذكرنا هناك أن...

المقدم: أن المواضع غيرها...

أن الحديث قد يلتبس بغيره؛ لكونه من راوٍ واحد، فيُظَن أنه متعدد المواضع، والعكس أيضًا، وهذا تقدم الكلام فيه.

الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: استدل البخاري على زيادة الإيمان ونقصانه بقول الله -عز وجل-: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [سورة الكهف 13] وفي زيادة الهدى إيمان آخر كقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [سورة مريم 76] ويفسر هذا الهدى بما في القلوب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك.

ويفسر بزيادة ما يترتب على ذلك من الأعمال الصالحة، يفسر الهدى بالإيمان، ويفسر أيضًا بالأعمال الصالحة، أما القائمة بالقلوب، يعني الأعمال الصالحة القائمة بالقلوب، كالخشية لله ومحبته ورجائه والرضا بقضائه والتوكل عليه ونحو ذلك، أو المفعولة بالجوارح كالصلاة والصيام والصدقة والحج والجهاد والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، وكل ذلك داخل في مسمى الإيمان عند السلف وأهل الحديث ومن وافقهم كما سبق ذكره.

استدل أيضًا الإمام البخاري بقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [سورة المدثر 31] وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [سورة الأنفال 2] وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [سورة التوبة 124] ويفسَّر الإيمان في هذه الآيات بمثل ما فُسِّر به الهدى في الآيات المتقدمة، واستدل أيضًا الإمام البخاري بقوله -عز وجل-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] فدل على أن الدين ذو أجزاء يكمل بكمالها، وينقص بفوات بعضها، وهذه الآية نزلت في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وقد قيل: إنه لم ينزل بعدها حلال ولا حرام، كما قاله السدي وغيره، يعني كمل في هذا الباب في باب الحلال والحرام، في باب التكليف.

وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: بعث الله نبيه بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدَّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدَّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدَّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدَّقوا بها زادهم الحج، فلما صدَّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل الله لهم دينهم، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [سورة المائدة 3].

ومعلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه لم يحجوا حجة الفرض إلا ذلك العام، ولاحظ حجة الفرض، يعني بعد فرض الحج، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما يدل عليه حديث جبير بن مطعم ثبت أنه حج قبل ذلك، حينما رآه جبير بن مطعم، والقصة في الصحيح، لما أضل بعيره رآه واقفًا بعرفة مع الناس، واستنكر كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يقف بعرفة، وجبير بن مطعم في حجة الوداع مسلم، فدل على أن هذه حجة أخرى.

ومعلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه لم يحجوا حجة الفرض إلا ذلك العام، فلما حجوا حجة الإسلام كمل لهم الدين بتكميلهم أركان الإسلام حينئذٍ، ولم يكن الدين قبل ذلك ناقصًا كنقص من ترك شيئًا من واجبات دينه؛ بل كان الدين في كل زمان كاملاً بالنسبة إلى ذلك الزمان بما فيه من الشرائع والأحكام، وإنما هو ناقص بالنسبة إلى الزمان الذي بعده، الذي تجدد فيه من الشرائع والأحكام ما لم يكن قبل ذلك، يعني كما يقال: إن شريعة الإسلام أكمل من شريعة موسى وعيسى، وإن القرآن أكمل من التوراة والإنجيل، لكن شريعة موسى وعيسى ناقصة في وقتهم؟ في وقت موسى وعيسى؟ كاملة، التوراة والإنجيل قبل التحريف في زمن موسى وعيسى كاملة، ولا يقال بنقصها، لكنها بالنسبة إلى القرآن ناقصة، والقرآن أكمل منها، فالكمال والنقصان أمور نسبية، وهذا كما سمى النبي -عليه الصلاة والسلام- النساء ناقصات دين، وفسَّر نقصان دينهن بترك الصلاة والصيام في زمن حيضهن، مع أنها قائمة في تلك الحال بما وجب عليها من غير الصلاة؛ ولكن نقصان دينها بالنسبة إلى من هي طاهرة تصلي وتصوم، وهذا مبني على أن الدين هو الإسلام بكماله كما تقدم ذكره، والبخاري عنده أن الإسلام والإيمان واحد كما تقدم.

وقد احتج سفيان بن عيينة وأبو عبيد وغيرهما بهذه الآية على تفاضل الإيمان، قال أبو عبيد: قد أخبر الله أنه أكمل الدين في حجة الوداع في آخر الإسلام، وزعم هؤلاء أنه كان كاملاً قبل ذلك بعشرين سنة في أول ما نزل الوحي، بناءً على أن الإيمان مجرد التصديق، بناءً على أن الإيمان مجرد التصديق.

قال: وقد اضطر بعضهم حين أدخلت عليه هذه الحجة إلى أن قال: الإيمان ليس هو مجموع الدين؛ ولكن الدين ثلاثة أجزاء، فالإيمان جزء، والفرائض جزء، والنوافل جزء، قال أبو عبيد: وهذا غير ما نطق به الكتاب؛ فإن الله أخبر أن الإسلام هو الدين: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19] هو الدين برُمَّته، وزعم هؤلاء أنه ثلث الدين، فالمرجئة عندهم الإيمان: التصديق، ولا يدخل فيه الأعمال، وأما الدين فأكثرهم أدخل الأعمال في مسماه، وبعضهم خالف في ذلك أيضًا، والآية نص في رد ذلك، والله أعلم.

فالمرجئة عندهم الإيمان التصديق، ولا يدخل فيه الأعمال، وأما الدين..، الأعمال لا تدخل في الإيمان لكنها تدخل في الدين عند أكثرهم، وأما الدين فأكثرهم أدخل الأعمال في مسماه، وبعضهم خالف في ذلك أيضًا، والآية نص في رد ذلك، والله أعلم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3].

وقال ابن حجر: فإن قيل: فلِمَ أعاد في هذا الباب الآيتين المذكورتين فيه، وقد تقدمتا في أول كتاب الإيمان؟ فالجواب أنه أعادهما ليوطئ بهما الكمال المذكور في الآية الثالثة؛ لأن الاستدلال بهما نص في الزيادة، الزيادة منصوص عليها في الآيتين، وهو يستلزم النقص، وأما الكمال فليس نصًّا في الزيادة، بل هو مستلزِم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبول الزيادة، ومن ثم قال المصنف: فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص، ولهذه النكتة عدَل في التعبير للآية الثالثة عن أسلوب الآيتين، حيث قال أولاً: وقول الله تعالى وقال ثانيًا: "وقال" يعني غاير، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأن آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] لا دليل فيها على مراده؛ لأن الإكمال يستدعي النقص، والنقص يستلزم الزيادة؛ لأنه يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] ليس فيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه، بعضهم يستدرك عليه، يقول: وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأن آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] لا دليل فيها على مراده؛ لأن الإكمال إن كان بمعنى إظهار الحجة على المخالفين، أو بمعنى إظهار أهل الدين على المشركين فلا حاجة للمصنف فيه، وإن كان بمعنى إكمال الفرائض لزم عليه أنه كان قبل ذلك ناقصًا، وأن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمانه ناقصًا، وليس الأمر كذلك؛ لأن الإيمان لم يزل تامًّا.

الإشكال واضح؟ كلامه ظاهر؛ لأنه يقول: إن كان المراد بالإكمال إظهار الحجة على المخالفين، أو بمعنى إظهار الدين على المشركين فلا حاجة للمصنِّف فيه، وإن كان بمعنى إكمال الفرائض لزم عليه أنه كان قبل ذلك كان ناقصًا، وأن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمانه ناقصًا، وليس الأمر كذلك؛ لأن الإيمان لم يزل تامًّا.

إيمان كل شخص كامل بالنسبة لما أوجب عليه في وقته، يعني لا يطلب ممن تقدمت وفاته أن يعمل بالشرائع اللاحقة وإلا يلزمه النقص، هو كُلف بتكاليف عمل بها، هذا منتهى...

أحد الحضور: ...............

نعم نعم، ويوضح دفع هذا الاعتراض جواب القاضي أبي بكر بن العربي بأن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم، ومنه ما لا يترتب، فالأول: ما نقصه بالاختيار كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمدًا، هذا يذم بلا شك، والثاني: ما نقصه بغير اختيار كمن لم يعلم، أو لم يكلَّف، فهذا لا يذم بل يحمد من جهة أنه كان قلبه مطمئنًا بأنه لو زيد لقبل ولو كلف لعمل، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض، ومحصَّله أن النقص بالنسبة إليهم صوري نسبي، ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا نظير قول من يقول: إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب التي قبله، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملاً، وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبي كما تقرر، والله أعلم.

قوله: «يخرج من النار» «يَخرُج» بفتح أوله وضم الراء، ويروى بالعكس «يُخرَج» ويؤيده رواية «أخرجوا» أمر من الإخراج.

«من قال: لا إله إلا الله» لأن من أُمِر بالإخراج أخرجوا فهو ماذا؟ خارج أو مُخرَج؟ مُخرَج «من قال: لا إله إلا الله» مع قول محمد رسول الله، فالجزء الأول عَلَم على المجموع، يعني في حديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» يكفي؟ لا بد من الشهادة بأن محمدًا رسول الله، فالجزء الأول عَلَم على المجموع كـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص 1] إذا أقسم أن يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، إذا حلف أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يكفي أو لا بد أن يكمل السورة؟

المقدم: لا بد أن يكمل السورة.

لا بد أن يكمل السورة، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} على السورة كلها، أو أن هذا قبل مشروعية ضمِّها إليها، قاله العيني كالكرماني، لكن قال القسطلاني: في ذلك نظر على ما لا يخفى، قال في عون الباري: قلت: الأول أولى كما قال الحافظ: المراد المجموع.

يقول ابن حجر: فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد، أو المراد بالقول هنا القول النفسي، فالمعنى من أقر بالتوحيد وصدَّق، فالإقرار لا بد منه، فلهذا أعاده في كل مرة، والتفاوت يحصل في التصديق على الوجه المتقدم، كلام ابن حجر فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد، هذا لا إشكال فيه؛ لأن الإيمان قول باللسان، قول باللسان... إلى آخره، يعني اعتقاد وعمل، لكن القول لا بد منه، شرط في تحقق الإيمان عند أهل السنة.

يقول: فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد «أخرجوا من قال» القول ما هو؟ القول النطق، أو المراد بالقول هنا القول النفسي، يعني وَقَرَ في قلبه، وتردد في نفسه، لكنه لم ينطق، هذا كلام ابن حجر، فالمعنى من أقر بالتوحيد وصدق فالإقرار لا بد منه، فلهذا أعاده في كل مرة، والتفاوت يحصل في التصديق على الوجه المتقدم.

أقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- علق النجاة في الآخرة، وحقن الدماء في الدنيا على القول، والقول المراد به النطق، والقول شرط في صحة الإيمان، إذ الإيمان عند أهل السنة من سلف هذه الأمة وأئمتها قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، والقول النفسي اصطلاح حادث، استعمله المبتدعة، والأحكام الشرعية مرَتَّبة على الاصطلاحات الشرعية، ومعلقة بها، وحديث النفس لا يترتب عليه حكمٌ ما لم يتكلم كما جاء في الحديث الصحيح أن حديث النفس معفو عنه، ولا يُرَتَّب عليه أي حكم، حديث النفس، ما لم يتكلم أو يعمل؛ لأن حديث النفس مرتبة من مراتب القصد، المرتبة الثالثة من مراتب القصد، لا يعلَّق به حكم، بل معفو عنه، كما جاء بذلك الحديث الصحيح، الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس كلها معفو عنها، ثم بعد ذلك الهم والعزم، فكيف يرتَّب عليه النجاة من النار؟! أظن ظاهر هذا.

«شعيرة» واحدة حب الشعير، وهو معروف.

«بُرَّة» بضم الموحدة، وتشديد الراء المفتوحة، وهي القمحة، يقول ابن حجر: ومقتضاه أن وزن البرة دون وزن الشعيرة؛ لأنه قدم الشعيرة، يعني الواحدة من الشعير قُدِّمَت على البر، وتلاها بالبُرَّة، ثم بالذرة، وكذلك هو في بعض البلاد، ما معنى هذا الكلام؟

أنه في بلاد أخرى البُرَّة أكبر من حبة الشعير، لكنه في بعض البلاد كما قال ابن حجر: الشعيرة أكبر من البرة، والبرة أكبر من الذرة.

فإن قيل: إن السياق بالواو وهي لا ترتب، يعني لمطلق الجمع، فالجواب أن رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ (ثم) وهي للترتيب.

ذرَّة بفتح المعجمة، وتشديد الراء المفتوحة، وصحَّفها شعبة، فيما رواه مسلم من طريق يزيد بن زريع عنه قال: ذُرَة بالضم، وتخفيف الراء، وكأن الحامل له على ذلك كونها من الحبوب فناسبت الشعيرة والبرة، قال مسلم في روايته: قال يزيد: صحف فيها أبو بسطام، وهي كنية شعبة، يعني شعبة، ومعنى الذرة قيل: هي أقل الأشياء الموزونة.

شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث صحَّف هذه اللفظة، ومن يعرى من الخطأ؟! فقال: ذُرَة، كأنه ذهب وَهَلُه إلى أن المقياس كله في الحبوب فالشعيرة والبُرَّة يناسبهما الذُّرَة.

معنى الذَّرَّة قيل: هي أقل الأشياء الموزونة، وقيل: هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس، مثل رؤوس الإبر، وقيل: هي النملة الصغيرة، ذَرَّة، النملة الصغيرة، ويقال: إن أربع ذَرَّات وزن خردلة، وللمصنف في أواخر التوحيد من طريق حميد عن أنس مرفوعًا: «أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، ثم من كان في قلبه أدنى شيء».

وفي عمدة القاري: وقيل: الذَّرَّة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءًا من الشعيرة.

تقرب حينئذٍ أن تكون من الهباء، ما فُسِّرَت بالهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر؟!

قال الكرماني: فإن قلت: الوزن إنما يتصور في الأجسام دون الأجرام، كذا في شرح الكرماني، كيف؟ الوزن إنما يتصور في الأجسام دون الأجرام، صحيح الكلام أو لا؟

المقدم:.......

كيف؟

المقدم:.......

جسم، نعم.

فإن قلت: الوزن إنما يتصور في الأجسام دون الأجرام، كذا قال الكرماني، ولعل صحة العبارة: ذوات الأجرام، في الأجسام ذوات الأجرام، ما هي دون الأجسام، والإيمان معنى من المعاني لا جسمية فيه، يقول الكرماني: قلت: شبَّه الإيمان بالجسم فأضيف إليه ما هو من لوازم الجسم وهو الوزن، ومثله يسمى استعارة بالكناية كذا قال.

لكني أقول: القدرة الإلهية صالحة لإحالة المعاني إلى أجسام توزن، وأمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا.

«من خير» المراد به الإيمان، ولذا عقَّب الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حديث الباب بقوله: قال أبان: حدثنا قتادة حدثنا أنس، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عقَّب حديث الباب بقوله: قال أبان: حدثنا قتادة حدثنا أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من إيمان» مكان «من خير» فيستفاد منه أن المراد بالخير الإيمان، ويستفاد منه أيضًا تصريح قتادة بالتحديث عن أنس، فزال ما كان يُتوهم من تدليس قتادة.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

لعلنا نكتفي بهذا القدر ونستكمل -بإذن الله تعالى- في حلقة الأسبوع القادم. مستمعي الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم: شرح كتاب التجريد لأحاديث الجامع الصحيح.

نلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة لنستكمل بقية الحديث، حديث أنس، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.