التعليق على تفسير القرطبي - سورة ص (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 قال القرطبي –رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} وقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (عَبْدَنَا)  بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَهِيَ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ وَحُمَيْدٍ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ (إِبْرَاهِيمَ)  بَدَلًا مِنْ (عَبْدَنَا)، {وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} عَطْفٌ. وَالْقِرَاءَةُ بِالْجَمْعِ أَبْيَنُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، وَيَكُونُ".

قراءة بالجمع أبين؛ لتطابق البدل من المبدل منه؛ لأن البدل جمع فالمبدل منه جمع، يدخلون كلهم في العبودية، وإذا قلنا بقراءة الإفراد صار العبد إبراهيم، وما بعده عطفٌ عليه.

"وَيَكُونُ {إِبْرَاهِيمَ} وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْبَدَلِ. وقال النَّحَّاسُ: وَشَرْحُ هَذَا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا زَيْدًا وَعَمْرًا وَخَالِدًا، فَزَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ بَدَلٌ، وَهُمُ الْأَصْحَابُ، وَإِذَا قُلْتَ: رَأَيْتُ صَاحِبَنَا زَيْدًا وَعَمْرًا وَخَالِدًا، فَزَيْدٌ وَحْدَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ صَاحِبُنَا، وَزَيْدٌ وَعَمْرٌو عَطْفٌ عَلَى صَاحِبِنَا، وَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ فِي الْمُصَاحَبَةِ".

بِدَاخِلَينِ

وَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ فِي الْمُصَاحَبَةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} دَاخِلٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ لَا إِسْمَاعِيل، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِعْلَامِ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

مضى مرارًا تقرير المؤلف –رحمه الله- أن الذبيح إسحاق، وليس بإسماعيل في مواضع متعددة، وهو قول جمع من أهل العلم، لكن الجمهور على أن الذبيح إسماعيل. ورجحه ابن القيم –رحمه الله- من أكثر من عشرين وجهًا.

طالب: .................

نعم؟

طالب:..................

لأن إسماعيل ما ذُكر هنا، {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}، يعني أولي الأيدي القوة، دل على أن إسحاق صاحب قوة، ولو كان إسماعيل مثله لذُكر معه.

 

"قَوْلُهُ: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}: قَالَ النَّحَّاسُ: أَمَّا الْأَبْصَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى تَأْوِيلِهَا أَنَّهَا الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ".

وهذا الذي يمدح به الإنسان، أما وجود البصر مجرد البصر هو نعمة من الله –جل وعلا- على حسب ما تُستعمل فيه هذه النعمة، إن استُعملت فيما يرضي الله مُدح بها وإلا فالذم.

" وَأَمَّا الْأَيْدِي فَمُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهَا، فَأَهْلُ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: إِنَّهَا الْقُوَّةُ فِي الدِّينِ. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: الْأَيْدِي جَمْعُ يَدٍ وَهِيَ النِّعْمَةُ، أَيْ: هُمْ أَصْحَابُ النِّعَمِ، أَيِ: الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا وَقَدَّمُوا خَيْرًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ.

 {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}".

تأويل الأيدي بالنعم هذا بالنسبة للمخلوق لا إشكال في ترجيح ما يدل عليه السياق، ولا يقال: إنه فرار من إثبات الصفة؛ لأن صفة المخلوق لا ينفيها أحد، لا يمكن نفيها. أما بالنسبة لصفات الخالق التي جاءت فيها النصوص الصحيحة فوجد من ينفيها ويؤولها، وهنا يتعامل معها بدقة، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}[يس:71]، {أيدينا} المراد بها اليد الصفة أو غير الصفة؟ إذا قلنا: الصفة قلنا ما فيه فرق بين آدم والأنعام، (وما خلقت بيديَ)، مادام الأنعام خُلقت بيدي الله –جل وعلا- فما فيه فرق بينهم وبين آدم. ومعلوم أن التوراة كتبها الله –جل وعلا- بيده، ومما يُمدح به موسى في حديث الشفاعة «وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ»، ولا شك أن هناك آيات أهل العلم لا يدخلونها في آيات الصفات، {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:115]،  أهل العلم يقولون: إنها ليست من آيات الصفات، مع أن الوجه ثابت لله –جل وعلا- بالنصوص القطعية.

 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن:27].

طالب: .................

 لكن هناك آيات لا يُدخلونها في الصفات باعتبار أن السياق يدل على خلافها. أما ما جاء بصفة التثنية {بِيَدَيَّ}، فمثل هذا لا يقبل التأويل، وما جاء بصيغة الجمع {بِأَيْدِينَا}[التوبة:52]، {بِأَعْيُنِنَا}، فهذا لأهل العلم فيه كلام، ومن يرجِّح أن اليد ليست من آيات الصفات في قوله –جل وعلا-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:71]، يرجحونه من حيث المعنى، يقول: إن اليد هنا ليست هي اليد التي هي الصفة الواجب إثباتها لله –جل وعلا-؛ لأنه حينئذٍ لا يكون هناك فرق بين آدم وغيره من الأنعام، خلق آدم وخلق الأنعام واحد، إذا قلنا: إن الله –جل وعلا- خلقها بيده.

على كل حال بالنسبة للمخلوق ما فيه إشكال؛ لأنه لا يمكن أن تؤول يده أو تؤول رجله وتنفى؛ لأنه مشاهد، ولا ينفي المشاهد إلا من في عقله خلل، الكلام على غير المشاهد الذي لا تدركه الأوهام، ولا تبلغه الأفهام، وليس عندنا إلا التسليم بما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام- على مراد الله ومراد رسوله –عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلال الله وعظمته.

طالب:..........................

لا، هو خشية أن يُحمل المذهب على النفي، يشار إلى أن الله –جل وعلا- له يد على ما يليق بجلاله وعظمته، يعني مثلما قالوا في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسي بيده»، نفسي بيده: نقول فيه إثبات اليد لله –جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، لكن لو قال ابن القيم مثلًا أو غيره ممن يثبت الصفات: روحي في تصرفه، قلنا: هذا لازم القول، ومادام الشخص يثبت، واللازم صحيحًا فما فيه مشكلة من حيث إن الشخص يثبت، لكن من أراد أن يتذرّع بمثل هذا الكلام لنفي الصفة يُرد عليه، يرد عليه.

طالب:...........

من نفس الآية وغيرها.

طالب:...................

على مقتضى مذهب السنة، ما المانع؟ على ما يليق بجلاله.

 "قَوْلُهُ: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}: أَيِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ".

اصطفاهم واختارهم، عندك اصطفيناهم؟

طالب: .................

اصطفاهم واختارهم.

"اصْطَفَاهُمْ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ. وَمُصْطَفَيْنَ جَمْعُ مُصْطَفَى، وَالْأَصْلُ مُصْتَفَى، وَقَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] عِنْدَ قَوْلِهِ: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ}[البقرة:132]، وَالْأَخْيَارُ جَمْعُ خَيِّرٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَعَبْدُ الْوَارِثِ وَالْحَسَنُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ: {أُولِي الْأَيْدِ}  بِغَيْرِ يَاءٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ عَلَى مَعْنَى أُولِي الْقُوَّةِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمَعْنَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ، وَحَذَفَ الْيَاءَ تَخْفِيفًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}  قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: {بِخَالِصَةٍ} مُنَوَّنَةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدِ وَأَبِي حَاتِمٍ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ {بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ} بِالْإِضَافَةِ، فَمَنْ نَوَّنَ خَالِصَةً فَ {ذِكْرَى الدَّارِ} بَدَلٌ مِنْهَا، التَّقْدِيرُ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ يَذْكُرُوا الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَيَتَأَهَّبُوا لَهَا، وَيَرْغَبُوا فِيهَا، وَيُرَغِّبُوا النَّاسَ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ".

ويكون أخلصناهم بأمر خصصناهم فيه خالصًا لهم لا لغيرهم.

"وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {خَالِصَةٍ} مَصْدَرًا لِخَلَصَ، وَ{ذِكْرَى} فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِأَنَّهَا فَاعِلَةٌ، وَالْمَعْنَى: أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّارِ، أَيْ: تَذْكِيرُ الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {خَالِصَةٍ} مَصْدَرًا لِأَخْلَصْتُ فَحُذِفَتِ الزِّيَادَةُ".

لكن هل هذا من تابع المصطفين أو تابع من نُص عليهم منهم؟  {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} هل هذا يرجع إلى المصطفين ضمير يعودُ، نعم المصطفين متأخر، ولكن إذا قلنا: إنه يعود على إبراهيم وإسحاق ويعقوب وهم من المصطفين، فالمصطفون في حكمهم، وإذا قلنا: إنه خاص بمن ذُكر، قلنا: إن غيرهم  يخالفهم في هذا، ومعلوم أن هناك من اصطُفي ممن هو أعلى منهم منزلة كمحمد –عليه الصلاة والسلام-، فيكون {أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} لهم ولغيرهم؛ لأنهم من المصطفين، فيشاركهم في ذلك من يشاركهم في الوصف وهو الاصطفاء.

طالب:...............

يعني يكون منهم، يرجو أن يكون منهم، يدعو أن يكون منهم.

طالب:.............

هذا إن قلنا: المصطفين، المصطفين الله –جل وعلا- يصطفي، لكن إذا كان خاصًّا هذا بالأنبياء فلا، يكون اعتداءً هذا الاصطفاء، وإن كان عامًا لهم ولغيرهم من أتباعهم {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[فاطر:32]، فهو لهم ولغيرهم.

طالب: ... إذا قلنا بهذا فما فائدة التنصيص؟

التنصيص يدل على شيء من العناية، ومن كان فوقهم في المنزلة يكون أعلى منهم. يعني من باب الأولى.

 فَيَكُونُ {ذِكْرَى} عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، التَّقْدِيرُ: بِأَنْ أَخْلَصُوا ذِكْرَى الدَّارِ. وَالدَّارُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الدُّنْيَا، أَيْ: لِيَتَذَكَّرُوا الدُّنْيَا وَيَزْهَدُوا فِيهَا، وَلِتَخْلُصَ لَهُمْ بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم:50]، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الدَّارُ الْآخِرَةُ وَتَذْكِيرُ الْخَلْقِ بِهَا. وَمَنْ أَضَافَ {خَالِصَةٍ} إِلَى الدَّارِ فَهِيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِخْلَاص، وَالذِّكْرَى مَفْعُولٌ بِهِ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْمَصْدَرُ، أَيْ: بِإِخْلَاصِهِمْ ذِكْرَى الدَّارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ، وَالْخَالِصَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخُلُوصِ، أَيْ: بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّارِ، وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ أَوِ الدُّنْيَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ :مَعْنَى {أَخْلَصْنَاهُمْ} أَيْ: بِذِكْرِ الْآخِرَةِ، أَيْ: يَذْكُرُونَ الْآخِرَةَ وَيَرْغَبُونَ فِيهَا وَيَزْهَدُونَ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ ذَكَرْنَا الْجَنَّةَ لَهُمْ".

يعني هل أخلصنا يراد بها خصصنا، خصصنا، وجعلنا هذا الأمر خالصًا لهم، أو أنهم يتذكرون هذه الدار بإخلاص، بإخلاص لا يشوبه أدنى مناقض من رياءٍ ولا سمعة؟ أيهما؟

طالب:..........

يعني خصصناهم ويشاركهم من يشاركهم في العلة، الوصف المؤثر وهو الاصطفاء، يعني خصصناهم بذلك، وفي حكم من اصطفاه الله –جل وعلا-، أو أنا جعلناهم مخلصين بذكرى الدار بحيث لا يشوب هذا الإخلاص ما يخدشه من رياءٍ أو سمعةٍ أو قصد دنيوي. يعني الأول مقتضٍ للثاني، الأول مقتضٍ للثاني.


"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ}  مَضَى ذِكْرُ الْيَسَعَ فِي (الْأَنْعَامِ) وَذِكْرُ ذِي الْكِفْلِ فِي (الْأَنْبِيَاءِ). {وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}: أَيْ مِمَّنِ اخْتِيرَ لِلنُّبُوَّةِ. {هَذَا ذِكْرٌ}: بِمَعْنَى هَذَا ذِكْرٌ جَمِيلٌ فِي الدُّنْيَا، وَشَرَفٌ يَذْكُرُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَبَدًا.{ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْرِ".

نعم، ذكر وشرف، {هَذَا ذِكْرٌ}: يعني المراد بالذكر الشرف، والقرآن ذي الذكر يعني الشرف، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف:44] شرف لك ولقومك.

 "أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فِي الدُّنْيَا حُسْنُ الْمَرْجِعِ فِي الْقِيَامَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}، وَالْعَدْنُ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ، يُقَالُ: عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ عَدْنٌ، حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَالْمُرُوجُ، فِيهِ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حَبَرَةٍ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ». 

{مُفَتَّحَةً}: حَالٌ {لَهُمُ الْأَبْوَابُ}: رُفِعَتِ الْأَبْوَابُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ".

مُفتَّحة، مفتحة اسم مفعول، واسم المفعول يرفع نائب الفاعل، واسم الفاعل يعمل عمل فعله فيرفع فاعلًا.

طالب:.......................

ولعله أقرب؛ لأن عبد الله بن عمر له عناية بما يُروى عن بني إسرائيل. نبه عليه؟ ما نبَّه على شيء؟ طالب: .................

على كل حال مثل هذا يحتاج إلى توقيف.

طالب:...............

ابن عمرو؟

طالب:..............

ابن عمرو هو الذي له عناية بالإسرائيليات من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك.

طالب:............

طيب.

"قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ مِنْهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُفَتَّحَةٌ لَهُمْ أَبْوَابُهَا. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابَ} بِالنَّصْبِ".

مُفَتَّحَةً

 "{مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابَ} بِالنَّصْبِ".

الأبواب نعم.

"{مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابَ} بِالنَّصْبِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: مُفَتَّحَةُ الْأَبْوَابِ ثُمَّ جِئْتَ بِالتَّنْوِينِ فَنُصِبَتْ. وَأَنْشَدَ هُوَ وَسِيبَوَيْهِ".

لأن الأصل في نائب الفاعل أنه مفعول، وجيء به هنا على الأصل الذي هو المفعول.

طالب:..............

أي داخل شرح، المقطعة هذه؟

طالب: نعم.

نعم، من المفسر، لكن المقاطع التي يشتمل على الآيات آيتين، ثلاث، أربع، أكثر، أقل، هذه مقحمة، فأصل التفسير ما فيه شيء، لكن الكلمات من الآيات هذه من المفسر.

طالب:.............

هم شكلوه على أساس المصحف الذي أخذوا عنه مصحف فاروق المطبوع مع التفسير نفس مصحف فاروق، ملك مصر.

"وَأَنْشَدَ هُوَ وَسِيبَوَيْهِ:

وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ 
 

أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
  

وَإِنَّمَا قَالَ: {مُفَتَّحَةً} وَلَمْ يَقُلْ مَفْتُوحَةً؛ لِأَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُمْ بِالْأَمْرِ لَا بِالْمَسِّ. قَالَ الْحَسَنُ: تُكَلَّمُ: انْفَتِحِي فَتَنْفَتِحُ، انْغَلِقِي فَتَنْغَلِقُ. وَقِيلَ: تَفْتَحُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْأَبْوَابَ". 

مفتحة يعني مشرعة، ولذا يذكرون النكتة في الفرق بين {إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر:71]، والآية الأخرى {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر:73] يعني بالنسبة لأبواب النار بدون واو، وأبواب الجنة بالواو، من أهل العلم من يقول: إن هذه الواو واو الثمانية، واو الثمانية؛ لأن أبواب الجنة ثمانية فلحقتها الواو، وأبواب النار سبعة فلا تلحقها الواو، ويذكرون لذلك أمثلة، ويثبته جمع من أهل العلم، واو الثمانية يثبتها جمع من أهل العلم، {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}[التحريم:5] ما فيه واو إلا {وَأَبْكَارًا} يعني لفظ الثامن، {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22]، وأيضًا {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} الثامن {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التوبة:112]، فيه نظائر كثيرة لهذا.

 ومنهم من ينكر أن هناك واو تسمى واو الثمانية، ويقول: إن الواو في أبواب الجنة {وَفُتِحَتْ} يعني حال مجيئهم إياها فُتحت، هذه بالنسبة إلى أبواب النار؛ لأنها مطبقة، مؤصدة، ثم بعد ذلك تُفُتح لهم، وأما أبواب الجنة فهي مفتوحة من قبل، وقد فُتحت يعني فيما مضى، ولذا قال: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ}.

طالب:.........

ما احتاجت.

طالب:.........

أول من يُفتح له، أول من يُفتح له، لا يمنع أن تكون مفتوحة في الأصل، وتُغلق في حال دون حال، هذه أمور تحتاج إلى.. المسألة مواقف وليس موقفًا واحدًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} هُوَ حَالٌ قُدِّمَتْ عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَدْعُونَ فِيهَا}  أَيْ يَدْعُونَ فِي الْجَنَّاتِ مُتَّكِئِينَ فِيهَا. {بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} أَيْ بِأَلْوَانِ الْفَوَاكِهِ {وَشَرَابٍ}: أَيْ وَشَرَابٌ كَثِيرٌ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أَيْ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَقَدْ مَضَى فِي الصَّافَاتِ. {أَتْرَابٌ}: أَيْ عَلَى سِنٍّ وَاحِدٍ. وَمِيلَادُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ".

فيه {قَاصِرَاتُوفيه {مَقْصُورَاتٌ}، أيهما أكمل؟ قاصرات أم مقصورات؟

طالب: .................

{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} هذا من وصف؟

طالب: .................

 ولكن كل هذا ينبني على الأكمل من الجنتين الأوليين أو الأخريين، {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:62].

طالب:........

هذا وجه من وجوه الترجيح، لكن أيهما أكمل؟ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أيهما أكمل؟ الأكثر رجحوا الأوليين، لكن من أهل العلم من رجح الأخريين، وذكروا من الأدلة ما يقتضي الترجيح، لكن الأكثر على أن الأوليين أرجح وأكمل. لكن قد يقول قائل: إن قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا} نص في أنهما أقل من الأوليين.

طالب: .................

 نعم أقرب للمتكلم، وهو الله -جل وعلا-، من دونهما أعني أقربهما إليه.

طالب: .................

ليس مضطردًا، ليس بمضطرد، وعلى كل حال المسألة عامة جمهور أهل العلم على أن الأوليين أكمل وأفضل، وأن الأخريين دونهما.

طالب:........................

يعني يريد أن أبواب الجنة كانوا مفتوحة من قبل؟

طالب:.................

الواو واو حالية أم عاطفة على شيء مقدر؟ والحال أنها قد فتحت يعني يجدونها مفتوحة، مثل ما عندنا {مُفَتَّحَةً}، لهذا يدل على عكس المراد إذا كان حالية.

"{أَتْرَابٌ}: أَيْ عَلَى سِنٍّ وَاحِدٍ. وَمِيلَادُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْنِ وَالشَّبَابِ، بَنَاتُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْآدَمِيَّاتِ. وَ{أَتْرَابٌ}: جَمْعُ تِرْبٍ، وَهُوَ نَعْتٌ لِقَاصِرَاتٍ؛ لِأَنَّ {قَاصِرَاتُ} نَكِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِهِ كَمَا قَالَ:
 

مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ    
 

مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا" 
  

يعني هل الإضافة هنا إضافة لفظية أو محضة معنوية؟ إذا قلنا: لفظية جاز اقتران المضاف بأل، جاز اقتران المضاف بأل، وإذا قلنا: محضة معنوية فلا يجوز اقتران المضاف بأل، وهذه الإضافة اسمها لفظية، وتلك محضة ومعنوية إلى أن قال:

وَوَصْلُ أَلْ بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ                                              
 

إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِي الْجُعْدِ الشَّعَرْ
  

يعني في الإضافة اللفظية، أما في الإضافة المحضة المعنوية فلا يجوز بحال، يعني كما تقول: فلان العبد العزيز، فلان العبد الله، هذا كله لا يجوز بحال؛ لأنها إضافة معنوية، ولا يجوز بحال هنا في حال الإضافة المعنوية المحضة اقتران المضاف بأل؛ لأنه يجعل الثاني بدلًا منه، بدل معرفة من معارفه إذا اقترن بأل.

قَوْلُهُ تَعَالَى: 

{وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} الحج:35] هذه إضافة لفظية.

طالب:..............................

في ماذا؟

طالب:..............

لا لا، ما فيه أحد أجازها أبدًا، هي في الأصل إذا كانت علمًا على أسرة، أو على قبيلة، أو على شيء بدلًا من آل، خفّفوها من آل، أما فلان الفلان فغير صحيح، إنما هو ابن فلان.

طالب:...................

ما يجوز شرعيًّا، ما يجوز من الناحية الشرعية، ما يجوز إطلاقًا، يعني إذا كانت الأسرة يكون من آل عبد الكريم، من آل الشيخ، من آل فلان الفلان ما فيه إشكال، آل، وليس أل التي هي للتعريف، لا.

طالب:....................

لا لا غلط، هذا غلط.

طالب:.................

يصير الاسم الإلهي من أسماء الله بدلًا من العبد.

طالب:.....................

نعم.

طالب:................

 لا لا، ما له دخل هذا، لا لا هذه مادامت أسرة، يعني علمًا على قبيلة، علمًا على أسرة فيقال: آل فلان، آل عبد الله، نحن آل عبد الله أغنياء عن الشرك ما فيه إشكال، آل، لكنه ما يجوز أن تقول: ألعبد الله، نحن ألعبد الله، ليس بصحيح.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ}  أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي وُعِدْتُمْ بِهِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ أَيْ: مَا تُوعَدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ وَاخْتِيَارِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} فَهُوَ خَبَرٌ. {لِيَوْمِ الْحِسَابِ} أَيْ: فِي يَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَ الْأَعْشَى:

الْمُهِينِينَ مَا لَهُمْ لِزَمَانِ
 

السُّوءِ حَتَّى إِذَا أَفَاقَ أَفَاقُوا
  

 أَيْ: فِي زَمَانِ السُّوءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}  دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ، كَمَا قَالَ: { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}  وَقَالَ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}".

يعني مقطوعًا، ممنون يعني مقطوعًا، ومنهم من يقول: ممنون يعني لا يصحبه منة، لا يصحبه منة، وهذا دليل على أن الجنة دائمة وأهلها خالدون مخلدون فيها، وكذلك النار عند أهل السنة والجماعة، والمعتزلة يقولون بأنهما فانيتان، يقولون: هما فانيتان، والقول بفناء النار قولٌ يُنسب لسيخ الإسلام، ويذكره ابن القيم في مؤلفاته، ويستدل له ويستطرد في الاستدلال له، لكن ما يوجد كلام له صريح في ترجيحه.

طالب:............

هم ذكروا رسالة لشيخ الإسلام لكن ما تثبت، ما تثبت.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}  لَمَّا ذَكَرَ مَا لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ مَا لِلطَّاغِينَ قَالَ الزَّجَّاجُ: {هَذَا} خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٌ، أَيِ: الْأَمْرُ هَذَا، فَيُوقَفُ عَلَى هَذَا. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: {هَذَا} وَقْفٌ حَسَنٌ. ثُمَّ تَبْتَدِئُ {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} وَهُمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ. { لَشَرَّ مَآبٍ}: أَيْ: مُنْقَلَبٌ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ} أَيْ بِئْسَ مَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ بِئْسَ الْفِرَاشُ لَهُمْ. وَمِنْهُ مَهْدُ الصَّبِيِّ. وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ".

لأنهم يلازمونها، يلازمونها كما يلازم الصبي المهد، والأرض أيضًا مهاد؛ لأن من على ظهرها يلازمها كما يلازم الصبي مهده.

طالب:..........

الأمر قدره مبتدأً، الأمر هذا.

طالب:..........

كيف؟

طالب:.........

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ}، يعني إذا تقرر هذا أو الأمر ما ذُكر فيما تقدم {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} يكون استئنافًا ، نعم.

"وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ أَيْ: بِئْسَ مَوْضِعُ الْمِهَادِ. وَقِيلَ: أَيْ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ، ثُمَّ قَالَ: {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} لَشَرَ مَرْجِعٍ، فَيُوقَفُ عَلَى {هَذَا} أَيْضًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} {هَذَا} فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ{فَلْيَذُوقُوهُ} فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِلتَّنْبِيهِ الَّذِي فِي {هَذَا}  فَيُوقَفُ عَلَى {فَلْيَذُوقُوهُ}،  وَيَرْتَفِعُ {حَمِيمٌ}  عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا حَمِيمٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: الْأَمْرُ هَذَا، و{حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} إِذَا لَمْ تَجْعَلْهُمَا".

يعني كما تقدم في نظيره.

"قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: الْأَمْرُ هَذَا، و{حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} إِذَا لَمْ تَجْعَلْهُمَا خَبَرًا، فَرَفْعُهُمَا عَلَى مَعْنَى: هُوَ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ. وَالْفَرَّاءُ يَرْفَعُهُمَا بِمَعْنَى: مِنْهُ حَمِيمٌ، وَمِنْهُ غَسَّاقٌ، وَأَنْشَد". 
يعني على أن يكون {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره هو، أو يكون مبتدأً خبره محذوف مقدم تقديره منه حميم، ومنه غساق، ولا بد أن يُقدّر قبله لا بعده؛ لأن حميم وغساق نكرتان، فلا يجوز الابتداء بهم. نعم.

"وَأَنْشَد:

حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ
 

وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
  

وَقَالَ آخَرُ:  

لَهَا مَتَاعٌ وَأَعْوَانٌ غَدَوْنَ بِهِ
 

قِتْبٌ وَغَرْبٌ إِذَا مَا أُفْرِغَ انْسَحَقَا"
  

الغرب هو ما يُستقى به مما هو أكبر من الدلو، يُستخرج به الماء من الآبار، وهو أكبر من الدلو. نعم.

 "وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {هَذَا} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ {فَلْيَذُوقُوهُ}، كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا أضْرِبْهُ".

زَيْدًا اضْرِبْهُ

"كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا اضْرِبْهُ، وَالنَّصْبُ فِي هَذَا أَوْلَى، فَيُوقَفُ عَلَى {فَلْيَذُوقُوهُ}، وَتَبْتَدِئُ {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَمْرُ {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ فِي  {وَغَسَّاقٌ}، وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ { وَغَسَّاقٌ} بِالتَّشْدِيدِ، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي قَوْلِ الْأَخْفَشِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ اسْمٌ مِثْلُ عَذَابٍ وَجَوَابٍ وَصَوَابٍ، وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ: هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ نُقِلَ إِلَى فَعَّالٍ؛ لِلْمُبَالَغَةِ، نَحْوَ ضَرَّابٍ وَقَتَّالٍ، وَهُوَ فَعَّالٌ مِنْ غَسَقَ يَغْسِقُ فَهُوَ غَسَّاقٌ وَغَاسِقٌ.

 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ".

صيغ المبالغة في الإثبات تدل على المبالغة، وأنها أبلغ من اسم الفاعل، لكن في حال النفي هل هي أبلغ من اسم الفاعل أو اسم الفاعل أبلغ منها؟

طالب: .................

يكون اسم الفاعل أبلغ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} [فصلت:46] إذا قيل: فلان ليس بظلام، وإذا قيل: فلان ليس بظالم، فأيهما أبلغ في نفي الظلم؟ ليس بظالم؛ لأنه قد ينفى عنه أن يكون ظلامًا مبالغة، لكن يثبت عنه الظلم دون مبالغة.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يُخَوِّفُهُمْ بِبَرْدِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ الثَّلْجُ الْبَارِدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى بَرْدُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: إِنَّهُ يُحْرِقُ بِبَرْدِهِ كَمَا يُحْرِقُ الْحَمِيمُ بِحَرِّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: هُوَ قَيْحٌ غَلِيظٌ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَغْرِبِ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَغْرِبِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ فُرُوجِ الزُّنَاةِ وَمِنْ نَتْنِ لُحُومِ الْكَفَرَةِ وَجُلُودِهِمْ مِنَ الصَّدِيدِ وَالْقَيْحِ وَالنَّتْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِاللُّغَةِ، يُقَالُ: غَسَقَ الْجُرْحُ يَغْسِقُ غَسْقًا إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ أَصْفَرُ، قَالَ الشَّاعِرُ: 

إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الْحَيَاةَ وَطِيبَهَا
 

إِلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنَ اللَّيْلِ غَاسِقُ
  

أَيْ: بَارِدٌ".

بعض النسخ فيها من العين.

 "وَيُقَالُ: لَيْلٌ غَاسِقٌ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ:  الْغَسَّاقُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ أَعْيُنِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيمِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ :الْحَمِيمُ دُمُوعُ أَعْيُنِهِمْ، يُجْمَعُ فِي حِيَاضِ النَّارِ فَيُسْقَوْنَهُ".

طالب:...............

إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الْحَيَاةَ وَطِيبَهَا
 

إِلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنَ اللَّيْلِ غَاسِقُ
  

غاسق

طالب:..............

دمع من الليل أو من العين غاسق يعني باردًا، يعني باردًا.

طالب:..............

أين؟

طالب:.......................

البارد البارد، بارد.

 "وَالصَّدِيدُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جُلُودِهِمْ. وَالِاخْتِيَارُ عَلَى هَذَا { وَغَسَّاقٌ} حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ سَيَّالٍ. وَقَالَ كَعْبٌ: الْغَسَّاقُ عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا سُمُّ كُلِّ ذِي حُمَّةٍ مِنْ عَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ".

الحمة السم، نسأل الله العافية، والسم.

"وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الظُّلْمَةِ وَالسَّوَادِ. وَالْغَسَقُ أَوَّلُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَقَدْ غَسَقَ اللَّيْلِ يَغْسِقُ إِذَا أَظْلَمَ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا»".

تخريجه؟ تخريجه؟

طالب: ضعيف أخرجه الترمذي بسند ضعيف؛ لضعف دراج.

دراج أبي السمح؟

طالب: نعم.

ضعيف، دراج ضعيف، نعم.

"قُلْتُ: وَهَذَا أَشْبَهُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَّا، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغَسَّاقُ مَعَ سَيَلَانِهِ أَسْوَدَ مُظْلِمًا، فَيَصِحُّ الِاشْتِقَاقَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَم". 

طالب: .................

نعم؟

طالب:.............

كيف؟

طالب:.............

أبلغ نعم؛ لأن صيغة المبالغة ليست أبلغ مطلقًا، هي أبلغ في حال الإثبات، واسم الفاعل أبلغ منها في حال النفي، ونفي الإرادة أبلغ منهما، نفي الإرادة {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ}[آل عمران:108]، نفي الإرادة أبلغ من نفي اسم الفاعل وصيغة المبالغة.

طالب:............

نعم، على كل الوجوه جاء النفي، جاء النفي على كل الوجوه، نفي اسم الفاعل، ونفي صيغة المبالغة، ونفي إرادة الظلم.

طالب:............

نفي الفاعل، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}  قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: {وَأُخَرُ} جَمْعُ أُخْرَى مِثْلَ الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ. الْبَاقُونَ: {وَآخَرُ} مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ".

ولكلا القراءتين ما يشهد لها من الآية، {أُخَرُ} يرجِّحها أزواج جمع بجمع، {وَآخَرُ} يرجِّحه الضمير من شكله، آخر من شكله.

 وعلى كل حال القراءتان يأتي الكلام عليهما.

" وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرٍو {وَآخَرُ}؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَزْوَاجٌ} أَيْ: لَا يُخْبَرُ بِوَاحِدٍ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَأَنْكَرَ عَاصِمٌ الجُحدري".

الجَحدري.

"عاصم الْجَحْدَرِيُّ { وَأُخَرُ}  قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ {وَأُخَرَ}  لَكَانَ مِنْ شَكْلِهَا. وَكِلَا الرَّدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ، وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ. {وَآخَرُ} أَيْ: وَعَذَابٌ آخَرُ سِوَى الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ. {مِنْ شَكْلِهِ} قَالَ قَتَادَةُ: مِنْ نَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الزَّمْهَرِيرُ. وَارْتَفَعَ {وَآخَرُ} بِالِابْتِدَاءِ، وَ{أَزْوَاجٌ} مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَ{مِنْ شَكْلِهِ} خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ".

الجملة خبر المبتدأ الثاني، والجملة الثانية من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأول.

 "وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ{آخَرُ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {وَآخَرُ}. مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ دَلَّ عَلَيْهِ {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَهُم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَهُمْ آخَرُ، وَيَكُونُ {مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} صِفَةٌ لِآخَرَ، فَالْمُبْتَدَأُ مُتَخَصِّصٌ بِالصِّفَةِ وَ{أَزْوَاجٌ} مَرْفُوعٌ بِالظَّرْفِ. وَمَنْ قَرَأَ {وَأُخَرُ} أَرَادَ: وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْعَذَابِ".

كيف مرفوع بالظرف؟ أزواج مرفوع بالظرف؟

يتوسَّعون في إطلاق الظرف على شبه الجملة، إطلاق الظرف على شبه الجملة؛ لأنه أحد جزئيها، شبه الجملة يشمل الظرف، ويشمل الجار والمجرور، فهو مرفوع بالجار والمجرور الذي يكون مبتدأً له مؤخرًا، والجار والمجرور خبر مقدم.

طالب: يعني من شكله...

شبه جملة، شبه جملة يعني الجار والمجرور.

"وَمَنْ قَرَأَ {وَأُخَرُ} أَرَادَ: وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْعَذَابِ أُخَرُ، وَمَنْ جَمَعَ وَهُوَ يُرِيدُ الزَّمْهَرِيرَ فَعَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِيرَ أَجْنَاسًا، فَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ زَمْهَرِيرًا ثُمَّ جُمِعَ، كَمَا قَالُوا: شَابَتْ مَفَارِقُهُ".

لأن الزمهرير يُطلق على الكثير، والقليل فلا يحتاج إلى جمع كأسماء الأجناس، الماء مثلًا يشمل القليل والكثير، لكنه قد يُجمع؛ لتعدد أنواعه، وإن كان شاملًا للجميع، لكن نظرًا لتعدد أنواعه وأجناسه يُجمع كالزمهرير، وكالماء، وما أشبه ذلك.

"كَمَا قَالُوا: شَابَتْ مَفَارِقُهُ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِيرَ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ الْبَرْدِ بِإِزَاءِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} وَالضَّمِيرُ فِي شَكْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْحَمِيمِ أَوِ الْغَسَّاقِ. أَوْ عَلَى مَعْنَى {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} مَا ذَكَرْنَا، وَرُفِعَ {وَأُخَرُ} عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَ{مِنْ شَكْلِهِ} صِفَةٌ لَهُ، وَفِيهِ ذِكْرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَ{أَزْوَاجٌ} خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْدِيرِ: وَلَهُمْ أُخَرُ، وَ{مِنْ شَكْلِهِ} صِفَةٌ لِأُخَرَ، وَ{أَزْوَاجٌ} مُرْتَفِعَةٌ بِالظَّرْفِ كَمَا جَازَ فِي الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا ضَمِيرَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ ارْتَفَعَ {أَزْوَاجٌ} مُفْرَدٌ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَ{أَزْوَاجٌ} أَيْ: أَصْنَافٌ وَأَلْوَانٌ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: الشَّكْلُ بِالْفَتْحِ: الْمِثْلُ، وَبِالْكَسْرِ الدُّلُّ". 

الشَكلُ والشِكلُ، الدَّلُّ.

"وَبِالْكَسْرِ الدُّلُّ".

الشَّكْل المِثل، الشَّكل المثل، والشِّكل الدل، وهو حسن الهيئة وخفة الروح وما أشبه ذلك.

طالب:............

رفع مبتدأ بالابتداء كقول البصريين.

طالب:............

ترافعان، نعم.

طالب: البيت السابق...

تأمله، تأمله...  

طالب:............

دمع غاسق من الليل، دمع غاسقٌ من الليل، والليل ما هي متفق عليها من العين بعض النسخ، من العين غاسق، دمعٌ غاسق من العين، فالجار والمجرور متعلق بغاسق.

طالب:..........

لكنه فَسّر غاسقًا ببارد؟

طالب: .................

 تقديم وتأخير؟

طالب: نعم.

 يعني يُفترَض أنه مقدم ثلاثة أسطر؟

طالب: نعم.

ما يضر إن شاء الله مادام فسّره وقال: بارد خلاص انتهى الإشكال.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ}  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنَّ الْقَادَةَ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمُ الْأَتْبَاعُ، قَالَتِ الْخَزَنَةُ لِلْقَادَةِ: {هَذَا فَوْجٌ} يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ، وَالْفَوْجُ: الْجَمَاعَةُ {مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} أَيْ: دَاخِلٌ النَّارَ مَعَكُمْ، فَقَالَتِ السَّادَةُ: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ}".

مقتحم يعني داخل بقوة وإقبال وإقدام. وأنتم تقحَّمون فيها، والله المستعان.

" فَقَالَتِ السَّادَةُ: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} أَيْ لَا اتَّسَعَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي النَّارِ .وَالرَّحْبُ السَّعَةُ، وَمِنْهُ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ فِي مَذْهَبِ الدُّعَاءِ فَلِذَلِكَ نُصِبَ، قَالَ النَّابِغَةُ: 

لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ
 

إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الْأَحِبَّةِ فِي غَدِ
  

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: لَا مَرْحَبًا بِكَ، أَيْ: لَا رَحُبَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ وَلَا اتَّسَعَتْ. {إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ} قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْقَادَةِ، أَيْ: إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ كَمَا صَلَيْنَاهَا. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِمْ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، وَ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَتْبَاعِ. وَحَكَى النَّقَّاشُ".

كل فريق يتبرأ من الثاني، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، نسأل الله العافية، هذه صحبة السوء.

" وَحَكَى النَّقَّاشُ: أَنَّ الْفَوْجَ الْأَوَّلَ قَادَةُ الْمُشْرِكِينَ وَمُطْعِمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْفَوْجُ الثَّانِي أَتْبَاعُهُمْ بِبَدْرٍ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ تَابِعٍ وَمَتْبُوعٍ".

يعني ما ذُكر على سبيل التمثيل وإلا فالأصل العموم.

"{أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا}  أَيْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى الْعِصْيَانِ. {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} لَنَا وَلَكُمْ. { قَالُوا} يَعْنِي الْأَتْبَاعَ {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ سَوَّغَ لَنَا هَذَا وَسَنَّهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا الْعَذَابَ بِدُعَائِهِ إِيَّانَا إِلَى الْمَعَاصِي {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} وَعَذَابًا بِدُعَائِهِ إِيَّانَا، فَصَارَ ذَلِكَ ضِعْفًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَعْنَى عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي".

يعني عذابًا بمخالفتهم والضعف بدعوتهم إلى هذه المخالفة، دعوتهم غيرهم، وبهذا يُعلم أن الضرر المتعدي أمره أعظم من الضرر اللازم، والله المستعان؛ لأن «من سَنَّ سُنَّة سيِّئة فعليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة، ومَن سَنَّ سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة»، ومن وفَّقه الله تجري له الأجور إلى يوم القيامة، إن كان من أهل الصدر الأول فحدث ولا حرج، إن كان اقتدى من اقتدى به، واقتدى بمن اقتدى به من اقتدى، وهكذا إلى يوم القيامة. وكذلك الأوزار الضلّال المضلون في الصدر الأول شأنهم أعظم، نسأل الله العافية.

 ولد آدم الذي سن القتل كل من يُقتل إلى يوم القيامة له كفل من وزره، نسأل الله العافية، يحرص الإنسان على أن ينتفع وينفع غيره؛ ليكون له مثل أجورهم.

طالب:.................

للمتبوعين واضح، للمتبوعين واضح؛ لأنه ضعف كفل إزر لهم، وإزر لمن تبعهم، أما للتابعين فلأنهم تُبعوا ممن جاء بعدهم؛ لأنهم تُبعوا ممن جاء بعدهم، تسلسل الأمر وصار كله عليه وزره ووزر من اقتدى به.

"وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا} يَعْنِي: أَكَابِرُ الْمُشْرِكِينَ {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ}  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ أَبُو جَهْلٍ: أَيْنَ بِلَالٌ أَيْنَ صُهَيْبٌ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ أُولَئِكَ فِي الْفِرْدَوْسِ، وَاعَجَبًا لِأَبِي جَهْلٍ مِسْكِينٌ، أَسْلَمَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ، وَابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ، وَأَسْلَمَ أَخُوهُ، وَكَفَرَ هُوَ، قَالَ:

وَنُورًا أَضَاءَ الْأَرْضَ شَرْقًا وَمَغْرِبًا
 

وَمَوْضِعُ رِجْلِي مِنْهُ أَسْوَدُ مُظْلِمُ"
  

نسأل الله العافية، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40]، نسأل الله العافية، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18].

"{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا فِي الدُّنْيَا فَأَخْطَأْنَا {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} فَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلُوا، اتَّخَذُوهُمْ سِخْرِيًّا، وَزَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارُهُمْ فِي الدُّنْيَا مُحَقِّرَةً لَهُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} أَيْ: أَهُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَلَا نَرَاهُمْ".

وهذا هو الظاهر، ما وجدوهم أمامهم قالوا: لعلهم في مكان لا نراهم فيه.

"وَكَانَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَقْرَءُونَ {مِنَ الْأَشْرَارِ اتَّخَذْنَاهُمْ} بِحَذْفِ الْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ يَقْرَءُونَ {أَتَّخَذْنَاهُمْ} بِقَطْعِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَسَقَطَتْ أَلِفُ الْوَصْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا، فَمَنْ قَرَأَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ لَمْ يَقِفْ عَلَى {الْأَشْرَارِ}؛ لِأَنَّ {اتَّخَذْنَاهُمْ} حَالٌ. وَقَالَ النَّحَّاسُ وَالسِّجِسْتَانِيُّ: هُوَ نَعْتٌ لِرِجَالٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ النَّعْتَ لَا يَكُونُ مَاضِيًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا. وَمَنْ قَرَأَ: {أَتَّخَذْنَاهُمْ}".

لأن النعت يبين الوصف وقت التحدث وقت الكلام يصف الموصوف وقت الكلام، كما أن الحال يبيِّن الهيئة، حال التحدث، جاء زيدٌ ضاحكًا، مع أنه لو تحدث عن شخص بالأمس أنه جاء، يقول: جاء رجلٌ ضاحكٌ تريد بالأمس صحَّ، وجاء زيد وهو يقرأ أو قارئًا أو راكبًا ومرادك وقت مجيئه فلا مانع منه.

 وهنا يقول: هذا خطأ؛ لأن النعت لا يكون ماضيًا، ولا مستقبلًا هذا إذا تجرد عن القرينة، فالأصل فيه أنه وصفٌ للحال الراهنة، وإذا دلت القرينة على أنه وصف لحال مضت تصف شخصًا عرفته في الصغر وكان هذا وصف كذا وكذا يوم كان صغيرًا في زمان مضى، أو تتوقع أن يكون وصفه إذا شاب وكبر، إذا دلت القرينة على ذلك فلا مانع، أما أن تصفه بوصف مضى حال صغره، وتريده الآن وتجرد الكلام عن القرينة فهذا تضليل، وكذلك إذا وصفته، أو توقعت له وصفًا في حال شيبته وتجرد ذلك عن القرينة فهذا لا شك أنه تضييع، وتركه بدون وصف أقرب إلى أن يفهمه السامع من وصفه بوصفٍ يخالف حاله الراهنة.

يعني تصف شخص كان زميلًا لك أيام الطلب قبل عشرين سنة تقول: كذا كذا كذا، إذا دلت القرائن فلا بأس، لكن إذا أوهمت السامع أنه في الحالة الراهنة هذا وصفه فلا شك أنه تضليل، كذب مخالف للواقع، وكذلك إذا وصفته أو توقعت أن يكون وصفه هكذا بعد عشرين أو ثلاثين سنة فلا بد أن توجد القرينة التي تدل على ذلك، وإلا فإن الأصل أن الوصف شرحٌ للحال الراهنة.     

"وَمَنْ قَرَأَ: {أَتَّخَذْنَاهُمْ} بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَقَفَ عَلَى {الْأَشْرَارِ}، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّبِ.

{أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} إِذَا قَرَأْتَ بِالِاسْتِفْهَامِ كَانَتْ أَمْ لِلتَّسْوِيَةِ، وَإِذَا قَرَأْتَ بِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ فَهِيَ بِمَعْنَى بَلْ".

لأن أم إنما يُعطف بها إثر همز التسوية، إثر همز.

وَأمْ بِهَا اعْطِفْ إثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ
 

أوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ أيٍّ مُغْنِيَهْ
  

أما إذا جاءت بعد هل مثلًا، هل قام زيد أم عمرو؟ فمعناها بل، هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟ فمعناها.. الحديث أشكل على القاعدة عندهم؛ لأن أم لا يُعطف بها بعد هل، أم لا يُعطف بها بعد هل، وإنما يُعطف بها بعد همز التسوية، فأولوا هل بالهمزة، وتركوا أم على وضعها؟ ونجد في أسئلة الاختبارات هل يجوز كذا أم كذا؟ ليس بصحيح هذا، ليس جارٍ على القواعد، فإذا أتيت بهل فقل أو، كذا أو كذا، نعم.

"وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَالْمُفَضَّلُ وَهُبَيْرَةُ وَيَحْيَى وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: { سُخْرِيًّا} بِضَمِّ السِّينِ. الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَنْ كَسَرَ جَعَلَهُ مِنَ الْهُزْءِ، وَمَنْ ضَمَّ جَعَلَهُ مِنَ التَّسْخِيرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}، { لَحَقٌّ} خَبَرُ إِنَّ، وَ {تَخَاصُمُ} خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِمَعْنَى هُوَ تَخَاصُمٌ".

واللام هذه في{لَحَقٌّ} هي التي تسمونها إيش؟

طالب: المزحلقة.

المزحلقة، نعم، الأصل أن تكون في المبتدأ، واقترنت بالخبر؛ لأنه لا يجوز أن تلي إن، إلا لو فُصل بينه وبينها.

" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ حَقٍّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْضِعِ. أَيْ: إِنَّ تَخَاصُمَ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ لَحَقٌّ. يَعْنِي قَوْلَهُمْ: {لَا مَرْحَبًا بِكُمُ} الْآيَةَ. وَشِبْههُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ النَّارِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِر} أَيْ مُخَوِّفٌ عِقَابَ اللَّهِ لِمَنْ عَصَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. {وَمَا مِنْ إِلَهٍ} أَيْ مَعْبُودٍ {إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ".

يعني معبود بحق، المقصود معبود بحق، وأما من عُبد بباطل فهو موجود.

"{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ، وَإِنْ نَصَبْتَ الْأَوَّلَ نَصَبْتَهُ. وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأَوَّلِ وَنَصْبُ مَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَدْحِ".

لكن لا يجوز العكس، نصب الأول ورفع الثاني.

 "وَ{الْعَزِيزُ} مَعْنَاهُ الْمَنِيعُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ. {الْغَفَّارُ}: السَّتَّارُ لِذُنُوبِ خَلْقِه.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ}  أَيْ وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَيْ مَا أُنْذِرُكُمْ بِهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ خَبَرٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَخَفَّ بِهِ. قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَةُ . نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 1-2]".

النبأ والخبر بمعنىً واحد، النبأ والخبر بمعنىً واحد، ومنهم من يقول: إن النبأ هو الخبر العظيم، هو الخبر العظيم، فالخبر العادي لا يقال عنه: نبأ بدليل وصفه في مواضع بأنه عظيم، وأصحاب القول الأول أنهما مترادفان يقولون: لو وجد هناك فرق لما احتيج إلى وصف { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ} ما احتاج إلى وصف {قُلْ هُوَ نَبَأٌ} ما نحتاج أن نقول: عظيم؛ لأنه متميز بنفسه.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ الَّذِي أُنْبِئُكُمْ بِهِ خَبَرٌ جَلِيلٌ. وَقِيلَ: عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ}،  الْمَلَأُ الْأَعْلَى هُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ اخْتَصَمُوا فِي أَمْرِ آدَمَ حِينَ خُلِقَ ف {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}[البقرة:30]  وَقَالَ إِبْلِيسُ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ قِصَّةِ آدَمَ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِتَأْيِيدٍ إِلَهِيٍّ، فَقَدْ قَامَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ، فَمَا بَالُهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ لِيَعْرِفُوا صِدْقَهُ، وَلِهَذَا وَصَلَ قَوْلَهُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}.

 وَقَوْلٌ ثَانٍ رَوَاهُ أَبُو الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَأَلَنِي رَبِّي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَات، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَالتَّعْقِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ » خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ".

الحافظ ابن رجب –رحمه الله- له شرح، شرح النفيس على هذا الحديث اسمه اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى.

طالب:...........

نعم.

طالب:............

لهم ما يشهد له.

طالب:...........

هذا مراسيل الحسن ليس بصحيح، يقال عنه غريب، لكن حديث معاذ صحيح.

طالب:...........

حديث معاذ لا بأس به.

"وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَيْضًا وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَتَبْنَاهُ بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ (الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى)، وَأَوْضَحْنَا إِشْكَالَهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَدْ مَضَى فِي (يس) الْقَوْلُ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّ الْخُطَا تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ.

 وَقِيلَ: {الْمَلَأُ الْأَعْلَى} الْمَلَائِكَةُ، وَالضَّمِيرُ فِي {يَخْتَصِمُونَ} لِفِرْقَتَيْنِ. يَعْنِي قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْهُمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ: آلِهَةٌ تُعْبَدُ. وَقِيلَ: {الْمَلَأُ الْأَعْلَى} هَاهُنَا قُرَيْشٌ، يَعْنِي: اخْتِصَامُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ سِرًّا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِك. 

{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أَيْ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَارُ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ {إِلَّا إِنَّمَا} بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ قَوْلٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ لِي إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ مُبِينٌ".

والهمزة تُكسر بعد القول، همزة إن تُكسر بعد القول.

"وَمَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ لِأَنَّهَا اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ".

يُوحى يحتاج إلى نائب فاعل.

"قَالَ الْفَرَّاءُ: كَأَنَّكَ قُلْتَ: مَا يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَارُ، وقال النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى إِلَّا لِأَنَّمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

طالب:............

إذا كان المراد به الجدال من أجل الوصول إلى الحق وتقريره، بالنقاش الذي لا يورث بغضاء ولا شحناء، ولا تترتب عليه آثار سيئة، فالوصول إلى الحق مطلوب حتى في الحج، حتى لو تناقش مجموعة من العلماء ومن طلاب العلم في مسألة علمية يراد من ذلك الوصول إلى القول الراجح فيها فما فيه إشكال، لكن الاختصام بالباطل والجدال به هذا الذي لا يجوز.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ}  {إِذْ} مِنْ صِلَةِ {يَخْتَصِمُونَ} الْمَعْنَى: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى حِينَ يَخْتَصِمُونَ حِينَ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي خَالِقْ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. وَقِيلَ: {إِذْ قَالَ} بَدَلٌ مِنْ {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} وَ{يَخْتَصِمُونَ} يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِكَلَامِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَقْتَ اخْتِصَامِهِمْ. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} إِذَا تَرُدُّ الْمَاضِيَ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ حُرُوفَ الشَّرْطِ وَجَوَابُهَا كَجَوَابِهِ، أَيْ: خَلَقْتُهُ. {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أَيْ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَمْلِكُهُ".

ترد الماضي إلى المستقبل، بخلاف لم التي ترد المستقبل إلى الماضي.

"{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أَيْ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرِي. فَهَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي (النِّسَاءِ) فِي قَوْلِهِ فِي عِيسَى {وَرُوحٌ مِنْهُ}[النساء:171] { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}  نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ. وَهَذَا سُجُودُ تَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) .

{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}  أَيِ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ وَسَجَدُوا لَهُ خُضُوعًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِلَّهِ بِتَعْظِيمِهِ، {إِلَّا إِبْلِيسَ} أَنِفَ مِنَ السُّجُودِ لَهُ جَهْلًا بِأَنَّ السُّجُودَ لَهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَالْأَنَفَةُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ اسْتِكْبَارًا كُفْرٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِاسْتِكْبَارِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ) مُسْتَوْفًى".

معصية إبليس بترك واجب، ومعصية آدم بارتكاب محظور، يعني من أهل العلم من يستدل على أن ترك الواجب أعظم من ارتكاب المحظور، ويجعل هذا مضطردًا، ويُفهم من كلام شيخ الإسلام –رحمه الله-، واستدل بمعصية آدم مع معصية إبليس، والجمهور على أن ترك المأمور أسهل ارتكاب إيش؟ ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور؛ لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» جعل فيه مثنوية، «وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

 والصواب أنه لا هذا ولا هذا، يعني لا يُطلق القول بأن ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور، أو العكس، بل يُنظر إلى كل شيء بحسبه، فهناك من المأمورات ما تركه أعظم من ارتكاب كثير من المحظورات كالصلاة مثلًا، وهناك بعض المحظورات أعظم من كثير من المأمورات فكل شيء بحسبه، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ} أَيْ صَرَفَكَ وَصَدَّكَ {أَنْ تَسْجُدَ} أَيْ عَنْ {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أَضَافَ خَلْقَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهَذَا كَمَا أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ الرُّوحَ وَالْبَيْتَ وَالنَّاقَةَ وَالْمَسَاجِدَ. فَخَاطَبَ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي تَعَامُلِهِمْ، فَإِنَّ الرَّئِيسَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَا يُبَاشِرُ شَيْئًا بِيَدِهِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِعْظَامِ وَالتَّكَرُّمِ".

يعني الإضافة، الإضافة لما يمكن انفصاله وانفكاكه تكون إضافة تشريف لا إضافة تبعيض.

 "فَذِكْرُ الْيَدِ هُنَا بِمَعْنَى هَذَا. قَالَ مُجَاهِدٌ".

{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} هذه من آيات الصفات إجماعًا عند أهل السنة قاطبة. يدٌ على ما يليق بجلاله وعظمته المثنى لا يقبل التأويل بحال، ولا يمكن أن يقال: بقوتَي أو بنعمتَي، هذا لا يمكن أن يقوله أحد، نعم.  

"قَالَ مُجَاهِدٌ: الْيَدُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّأَكُّدِ وَالصِّلَةِ، مَجَازُهُ لِمَا خَلَقْتُ أَنَا كَقَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27]، أَيْ: يَبْقَى رَبُّكَ. وَقِيلَ: التَّشْبِيهُ فِي الْيَدِ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْيَدِ الْقُدْرَةَ، يُقَالُ: مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدٌ. وَمَا لِي بِالْحَمْلِ الثَّقِيلِ يَدَانِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقُدْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: 

تَحَمَّلْتُ مِنْ عَفْرَاءَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ
 

وَلَا لِلْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ يَدَانِ"
  

على كل الحال القدرة ثابتة لله –جل وعلا-، ومن أسمائه القدير والقادر، لكن لا تُحمل اليد الثابتة بنصوص الكتاب والسنة القطعية على القدرة، القدرة شيء واليد شيء.

طالب:............

نعم.

طالب:............

هذا إذا لم يكن له إلا ضد واحد، هل الأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ؟ خلاف بين أهل العلم، لكن إذا لم يكن له إلا ضد واحد فيتجه القول، إن كان له أضداد فلا.

"وَقِيلَ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لِمَا خَلَقْتُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. { أَسْتَكْبَرْتَ} أَيْ عَنِ السُّجُودِ {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}  أَيِ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى رَبِّكَ.

 وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَهْلِ مَكَّةَ { بِيَدَيَّ اسْتَكْبَرْتَ} مَوْصُولَةَ الْأَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ، وَتَكُونُ {أَمْ} مُنْقَطِعَةً بِمَعْنَى بَلْ مِثْلَ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}[يونس:38] وَشِبْهِهِ. وَمَنِ اسْتَفْهَمَ فَ{أَمْ} مُعَادِلَةٌ لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ. أَيِ: اسْتَكْبَرْتَ بِنَفْسِكَ حِينَ أَبَيْتَ السُّجُودَ لِآدَمَ، أَمْ كُنْتَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فَتَكَبَّرْتَ لِهَذَا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}  قَالَ الْفَرَّاءُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: أَنَا أَخْيَرُ مِنْهُ، وَأَشَرُّ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ؛ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فَضَّلَ النَّارَ عَلَى الطِّينِ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ، فَقَاسَ فَأَخْطَأَ الْقِيَاسَ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْأَعْرَافِ) بَيَانُهُ".

والذين يقولون بالقياس يقولون: إن أول من قاس إبليس، أول من قاس إبليس، لكن القياس الباطل المنكر الذي لا تتوافر أركانه وتصادم به النصوص لا شك أنه مثل قياس إبليس الذي تصادم به النصوص المحكمة، مثل قياس إبليس، مردود، أما القياس الذي تتوافر فيه أركانه، ويشترك فيه الفرع مع الأصل في العلة، ولا يعارض به نص فهذا مقبول عند عامة أهل العلم ومعمول به عندهم، كما جاءت به النصوص، كما قاس النبي –عليه الصلاة والسلام- الإبل الورك بالولد الذي تغير لونه عن لون أبيه بالإبل الورك الذي تخالف ألوانها ألوان أصولها.

 "{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا}  يَعْنِي مِنَ الْجَنَّةِ {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أَيْ مَرْجُومٌ بِالْكَوَاكِبِ وَالشُّهُبِ  {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} أَيْ طَرْدِي وَإِبْعَادِي مِنْ رَحْمَتِي، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ تَعْرِيفٌ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ مُنْقَطِعٌ حِينَئِذٍ، ثُمَّ بِدُخُولِهِ النَّارَ يَظْهَرُ تَحْقِيقُ اللَّعْنِ {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أَرَادَ الْمَلْعُونُ أَلَّا يَمُوتَ فَلَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، وَأُخِّرَ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَهُوَ يَوْمُ يَمُوتُ الْخَلْقُ فِيهِ، فَأُخِّرَ تَهَاوُنًا بِهِ، { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}  لَمَّا طَرَدَهُ بِسَبَبِ آدَمَ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ أَنَّهُ يُضِلُّ بَنِي آدَمَ بِتَزْيِينِ الشَّهَوَاتِ وَإِدْخَالِ الشُّبْهَةِ عَلَيْهِمْ، فَمَعْنَى {لَأُغْوِيَنَّهُمْ}: لَأَسْتَدْعِيَنَّهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَّا إِلَى الْوَسْوَسَةِ، وَلَا يُفْسِدُ إِلَّا مَنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَوْ لَمْ يُوَسْوِسْهُ، وَلِهَذَا قَالَ: { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}".  

يعني من سبقت عليه الشقاوة يكون سببًا في إضلاله، وأما ما سبقت له السعادة من عباد الله المخلصين فإنه لا سلطان له عليهم.

طالب:.........

لا الرجم أعم من أن يكون حسيًّا أو معنويًّا، أعم.

طالب:..........

لا لا بالعكس، العكس، حرست السماء أكثر.

"{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} أَيِ: الَّذِينَ أَخْلَصْتَهُمْ لِعِبَادَتِكَ، وَعَصَمْتَهُمْ مِنِّي. وَقَدْ مَضَى فِي (الْحِجْرِ) بَيَانُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}".

الحقُ.

طالب: .................

هذه قراءة المؤلف، نعم قراءة نافع.

 "هَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ".

التي أشار إليها فالحقَ والحقَ.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}".

ولذلك في الآيات المقحمة على قراءتنا {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} قراءة المؤلف هي قراءة نافع {قَالَ فَالْحَقَّ وَالْحَقَّ}.

"هَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكِسَائِيّ.  وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَاصِمٌ   وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِرَفْعِ الْأَوَّلِ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ فِيهِ الْخَفْضَ. وَلَا اخْتِلَافَ فِي الثَّانِي فِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِ {أَقُولُ} وَنَصْبُ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ: فَاتَّبِعُوا الْحَقَّ وَاسْتَمِعُوا الْحَقَّ، وَالثَّانِي بِإِيقَاعِ الْقَوْلِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى أُحِقُّ الْحَقَّ أَيْ: أَفْعَلُهُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الْحَقُّ الْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ: يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ، أَوْ عَلَى الْقَسَمِ وَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، كَمَا تَقُولُ: اللَّه لَأَفْعَلَنَّ، وَمَجَازُهُ: {قَالَ فَبِالْحَقِّ} وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ. { وَالْحَقَّ أَقُولُ} جُمْلَةٌ اعْتُرِضَتْ بَيْنَ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ".

يعني إذا كان مجرورًا بحرف قسم مقدر لما نُزع الخافض حرف القسم، انتصب، فيكون منصوبًا على نزع الخافض.

طالب:.........

يعني يتمثل به، يقتبس وينسب ذلك إلى نفسه، لا لا، لا يجوز؛ لأنه قد يقول باطلًا. قد يقول باطلًا، نعم.

"{وَالْحَقَّ أَقُولُ} جُمْلَةٌ اعْتُرِضَتْ بَيْنَ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَوْكِيدُ الْقِصَّةِ، وَإِذَا جُعِلَ الْحَقُّ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ كَانَ {لَأَمْلَأَنَّ}".

بإضمار فعلٍ.

 "بِإِضْمَارِ فِعْلٍ كَانَ {لَأَمْلَأَنَّ} عَلَى إِرَادَةِ الْقَسَمِ".

يعني تكون اللام موطئة لقسم محذوف.

 "وَقَدْ أَجَازَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى حَقًّا {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ}  وَذَلِكَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ خَطَأٌ، لَا يَجُوزُ: زَيْدًا لَأَضْرِبَنَّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ اللَّامِ مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهَا فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى قَوْلِهِمَا: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ حَقًّا. وَمَنْ رَفَعَ {الْحَقُّ} رَفَعَهُ بِالِابْتِدَاءِ، أَيْ: فَأَنَا الْحَقُّ أَوِ الْحَقُّ مِنِّي. رُوِيَا جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هَذَا الْحَقُّ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاءِ أَنَّ مَعْنًى {فَالْحَقُّ} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ بِمَعْنَى: فَالْحَقُّ أَنْ أَمْلَأَ جَهَنَّمَ. وَفِي الْخَفْضِ قَوْلَانِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ السَّمَيْقَعِ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ :أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ. هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ كَمَا يَقُولُ: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَأَفْعَلَنَّ".

يعني حذف الجار ليُحر قسم مع بقاء عمله، والأصل أنه إذا حذف الجار انتصب ما بعده، يكون منصوبًا بنزع الخافض، لكن {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام}[النساء:1] قراءة الجر قالوا: إنه مجرور بحرف مقدر تساءلون به وتساءلون أيضًا بالأرحام.

طالب:............

الله أعلم، على حسب ما في قلوبهم، بعضهم إذا طُلب منه اليمين قال: الله العظيم بدون واو، بدون حرف قسم، وبذلك يريد أن يتهرب من هذه اليمين، وينتفع بها إذا كان مظلومًا ما تنعقد يمينه، وأما إذا كان ظالمًا فلا تنفعه، لا تنفعه المعاريض، لو كان عند القاضي مثلًا، وتوجَّهت إليه اليمين وطُلبت منه فقال: الله العظيم، وأخفى بعض الكلام، يريد ألا يؤثم نفسه بالكذب مع اليمين فلا شك أنه آثم، في هذه الحالة آثم؛ لأنه ظالم، وأما إذا كان مظلومًا وطُلبت منه اليمين فمثل هذا يعفيه، يعني فيه مندوحة، نعم.

طالب:...................

نعم، لكن هذا هم الذين يسألون لاسيما وأن الأيمان والنذور مبناها على الأعراف عند الجمهور، ومردها إلى النية عند مالك، يُرجع فيها إلى النية عنده، يعني إذا لم يوجد عرف فمرجعه إلى النية.

طالب:...................

لا، الله هذه ما يعنون بها قسمًا، هذا للتعجب، كما يفعلها كثير من بعض المصريين وغيرهم، يعني بعض الوافدين يستعملونها، لكن لا يريدون بها القسم، التعجب.

"كَمَا يَقُولُ: اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لَأَفْعَلَنَّ. وَقَدْ أَجَازَ مِثْلَ هَذَا سِيبَوَيْهِ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَلَمْ يُجِزِ الْخَفْضَ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْخَفْضِ لَا تُضْمَرُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ بَدَلًا مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ، كَمَا أَنْشَدُوا : 

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ
  

{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ}  أَيْ مِنْ نَفْسِكَ وَذُرِّيَّتكَ".

مثل هذا فمثلكِ قد يقول: إنه مجرور برب المحذوفة الواقعة بعد الفاء.

"{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ}  أَيْ مِنْ نَفْسِكَ وَذُرِّيَّتكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أَيْ مِنْ جُعْلٍ عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ، وَكَنَّى بِهِ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ. وَقِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {أَأُنْزِلَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا}".

{أَأُنْزِلَ}؟

 "{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}".

نعم.

{مَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}: أَيْ لَا أَتَكَلَّفُ وَلَا أَتَخَرَّصُ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ. وَرَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: « مَنْ سُئِلَ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: لَا أَعْلَمُ، وَلَا يَتَكَلَّفْ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا أَعْلَمُ عِلْمٌ»، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ، وَيَتَعَاطَى مَا لَا يَنَالُ، وَيَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ»".

نعم، المتكلف بأن ينازع من فوقه، وليس بأهل لهذه المنازعة، لا شك أن هذا يرهقه ويكلفه، تكلفه الحيل حيل المغالبة، والمنازعة، ومثله المتشبع بما لم يُعطَ تجده يثبت ويورد الأدلة على أن عنده كذا وكذا، وأنه يتصف بكذا وكذا، وهذا ليس بصحيح، هذا تكلف؛ لأنه لا يوجد له ما يشهد من الواقع، والذي يقول أيضًا ما لا يعلم متكلف؛ لأنه ليس عنده ما يدل على صدقه.

من روى الحديث؟

طالب:..........

نعم، وإن كان معناه صحيحًا، يعني معناه ما فيه إشكال.

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: « خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَ مَقْرَاةٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ أَوَلَغَتِ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مَقْرَاتِكَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ، هَذَا مُتَكَلِّفٌ، لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ». وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ".

مخرج؟

طالب:...........

نعم، موقوف على عمر.

"وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ:

«أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:  يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ:  يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا»، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْمِيَاهِ فِي سُورَةِ (الْفُرْقَانِ). {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} يَعْنِي الْقُرْآنَ لِلْعَالَمِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}  أَيْ نَبَأُ الذِّكْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ حَقٌّ {بَعْدِ حِينِ} قَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَه الزَّجَّاجُ".

نعم، الذي لا يعلم أن القرآن حق في الدنيا سيعلم فيما بعد، سيعلم إذا انجلى الغبار، وتكشَّفت الأمور سيعلم، وسوف يندم ولات ساعة مندم.

 "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ : بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ. أَيْ: لَتَظْهَرُ لَكُمْ حَقِيقَةُ مَا أَقُولُ: {بَعْدِ حِينِ} أَيْ: فِي الْمُسْتَأْنَفِ أَيْ: إِذَا أَخَذَتْكُمْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ. وقَالَ السُّدِّيُّ: وَذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ . وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِنْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ. وَسُئِل عِكْرِمَةُ عَمَّنْ حَلَفَ لَيَصْنَعَنَّ كَذَا إِلَى حِينٍ .قَالَ: إِنَّ مِنَ الْحِينِ مَا لَا تُدْرِكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} وَمِنْهُ مَا تُدْرِكُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25]  مِنْ صِرَامِ النَّخْلِ إِلَى طُلُوعِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ) وَ(إِبْرَاهِيمَ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ".