شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (084)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا وإياكم في حديث "عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»."

كان في الحلقة الماضية أشرنا إلى شيء من ألفاظ هذا الحديث، لعلنا نبدأ بسؤال من أحد الإخوة الحضور معنا:

سائل: عفا الله عنك يا شيخ ضبط الحافظ "يحذَّر" أو "يحذَر" هناك فرق في المعنى في هاتين الروايتين؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الترجمة في الحديث السابق بابُ خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وما يُحذَّر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة، والرواية الأخرى: وما يُحذَر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة.

الحافظ ابن حجر يقول: يُحذَّر بضم أوله وتشديد الذال المعجمة، ويروى بتخفيفها، يعني الأصل في رواية أبي ذر التي اعتمد عليها الحافظ: "يُحذّر" بالتشديد، والحافظ يعتمد على رواية أبي ذر، ويشير إلى ما عداها، ويروى بتخفيفها "يُحذَر" الفرق بين اللفظين أن يُحذَّر يُخوَّف، يُخوَّف الإنسان من الإصرار من أن يصر على النفاق والعصيان من غير توبة "يُحذَّر" ويستدل بقوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران 135].

الضبط الثاني: بالتخفيف "يحذَر" يخاف بنفسه، إما أن يُخوَّف من الإصرار أو يخاف بنفسه من الإصرار ولا فرق حينئذٍ.

المقدم: لكن المختصِر -أحسن الله إليك- لما اكتفى وقد أشرتم في أكثر من مناسبة أنه عندما نقل التراجم لم يحسن الحقيقة في نقل التراجم نظرًا لأن الزبيدي -رحمه الله- في الأصل لم يأتِ بالتراجم، هنا قال: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، ولم يأتِ بالشق الثاني الذي ذكرتم تعلقه بالحديث.

نعم هو المحقِّق -عفا الله عنا وعنه- أدخل هذه التراجم وجعلها بين أقواس ومعقوفات ليُعلَم أنها من صنيعه وليست من الأصل، لكن لو جعلها في الحاشية، ولم يُدخِل في كلام المؤلف ما ليس منه، جعلها في الحاشية كان أولى، على أنه اقتصر على الشق الأول من الترجمة، وحديث الباب الذي تحدثنا عنه ما زال الحديث عنه متعلِّق بالشق الثاني، كما أشار إلى ذلك الحفاظ وذكرناه سابقًا.

ألفاظ الحديث:

يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» سِباب بكسر السين، وتخفيف الباء بمعنى السب وهو الشتم وهو التكلُّم في عرض الإنسان بما يعيبه، قال ابن حجر: هو مصدر، يقال: سب يسب سبًّا وسبابًا، وقال إبراهيم الحربي: السباب أشد من السب، وهو أن يقول الرجل ما فيه وما ليس فيه، يريد بذلك عيبه، وقال غيره: السباب هنا مثل القتال فيقتضي المفاعلة، وتعقَّب العيني ابن حجر في قوله: هو مصدر سب بقوله: قلت: هذا ليس بمصدر، وإنما هو اسم بمعنى السب، أو مصدر من باب المفاعلة، ابن حجر يقول: مصدر سب يسبُّ سبًّا وسبابًا، العيني يقول: هذا ليس بمصدر، وإنما هو اسم بمعنى السب، أو مصدر من باب المفاعلة، مسابَبة.

وفي المطالع: السباب المشاتمة، وفي المطالع ذكرناه مرارًا المطالع وأنه لابن قرقول، وأنه مختصَر من المشارق، مشارق الأنوار، وفي المطالع: السباب المشاتمة، وهي من السب وهو القطع، وقيل: من السَّبَّة وهي حلقة الدبر، كأنها على القول الأول قطع المسبوب عن الخير والفضل، وعلى الثاني كشف العورة وما ينبغي أن يُستَر.

«المسلم» في رواية عند أحمد: «المؤمن» «سباب المسلم» عند أحمد «المؤمن» ومفهومه أن سباب غير المسلم لا يدخل في هذا، لكن سباب الذمي ومن ساغ بقاؤه بين المسلمين إيذاء له، و«من آذى ذميًا فقد آذاني» فلا يجوز أذاه بأي..، إذا أدى ما عليه من جزية فلا يجوز أذاه على أي وجه كان، سواء كان بالقول أو بالفعل.

«فسوق» مصدر فسق يفسق فسقًا وفسوقًا، والفسق في اللغة: الخروج، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله، قال تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [سورة الكهف 50] أي خرج عن طاعة ربه، ومنه سميت الفأرة الفويسقة، و«خمس كلهن فواسق، يُقتَلن في الحرم» لخروجهن على الناس بالأذى، قال ابن حجر: والفسق في عرف الشرع أشد من العصيان، قال الله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [سورة الحجرات 7] من أين أخذ ابن حجر أن الفسق أشد من العصيان؟

المقدم: هذا الترتيب.

نعم، ترتيب على سبيل التدلِّي أم الترقي؟

المقدم: التدلِّي.

التدلِّي الكفر، الفسوق، العصيان.

الفسق يطلق ويراد به الكفر {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا} [سورة السجدة 20].

المقدم: {فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [سورة السجدة 20].

نعم، يطلق ويراد به المعاصي، المقصود أنه يشمل الأمرين الخروج عن طاعة الله -عز وجل-، وقتاله، أي مقاتلته، قال العيني: ويحتمل أن يكون معناها المخاصمة، والعرب تسمي المخاصمة مقاتلة، ومنه حديث من أراد أن يجتاز بين المصلي وبين سترته: «فإن أبى فليقاتله» قال بعضهم: يقاتله بالسب والشتم، هذا قيل من بعض الشراح، لكنه غير مناسب.

المقدم: لأنه في صلاة.

لأنه في صلاة.

«كفر» قال ابن بطال: ليس يريد بذلك الكفر الذي هو الجحد لله ورسله، وإنما يريد كفر حق المسلم على المسلم؛ لأن الله قد جعل المؤمنين إخوة، وأمر بالإصلاح بينهم ونصرتهم، ونهاهم رسوله -عليه الصلاة والسلام- عن التقاطع، وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» فنهى عن مقاتلة بعضهم بعضًا، وأخبر أن من فعل ذلك فقد كفر حق أخيه المسلم الذي..، من فعل هذا القتال فقد كفر حق أخيه المسلم الذي المفترض أن يكون معه كالبنيان يشد بعضه بعضًا، بدلاً من أن يكون كالبنيان يشد بعضه بعضًا صار الآن يهدم بعضه بعضًا، يعني خلاف مراد الشارع، وقال الكرماني: أو المراد أنه يؤول إلى الكفر لشؤمه أو لأنه كفعل الكفار.

وقال الخطابي: قوله: «وقتاله كفر» إنما هو في حق من يستبيح دم المسلم، ولا يرى أن الإسلام قد عصمه منه، وحرَّمه عليه، فيكون مرجع ذلك إلى اعتقاده أن الله -عز وجل- لم يحرم دماء المسلمين بغير حقها، ومن أنكر شيئًا من معاظم أمر الدين المجمع عليها، المستفيض في الخاص والعام علمه كفر بذلك كذا قال، ومفاده أن الحديث محمول على ماذا؟ المُستَحِل؛ لأنه قال: إنما هو في حق من يستبيح دم أخيه المسلم، في حق من يستبيح دم المسلم، ولا شك أن من يستحل الذنوب والمحرمات التي أُجمع على تحريمها في قتل مسلم أنه كافر.

ثم قال -يعني الخطابي-: وقد يتأول هذا الحديث، وما جاء في معناه من الأحاديث على وجه التشبيه لأفعالهم بأفعال الكفار من غير تحقيق للحكم فيه، ومن غير إلحاق لهم بأهل الكفر، إذا كان فاعله مضاهيًا به فعل الكفار؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» أي لا تكونوا كالكفار الذين من شأنهم وعادتهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض، الآن في كلام ابن بطال، وأن المراد ليس بذلك الكفر الذي هو الجحد لله ورسله، ليس المراد به الكفر يعني المخرج عن الملة، وإنما المراد به كفر حق المسلم، وجحْد ما يجب للمسلم على المسلم من حقوق، ومعارضة ومناقضة لحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» يعني بدلاً من أن يكون معه كالبنيان يشد، الآن يهدم بعضه بعضًا بقتله.

في كلام الكرماني يقول: إنه يؤول إلى الكفر، يعني قتل المسلم يؤول، يَجُر؛ لأن السيئات يجر بعضها إلى بعض، يؤول إلى الكفر لشؤمه، أو أنه كفعل الكفار على وجه التشبيه، وسيأتي في كلام الخطابي ما يؤيد هذا الكلام، الخطابي ذكر أكثر من احتمال، الاحتمال الأول: أن الحديث جاء في حق من يستحل قتل المسلم، يقول: إنما هو في حق من يستبيح دم المسلم، ولا يرى أن الإسلام قد عصمه منه وحرمه عليه، فيكون مرجع ذلك إلى اعتقاده أن الله -عز وجل- لم يحرم دماء المسلمين بغير حقها، ثم ذكر أن من أنكر شيئًا من معاظم الدين، يعني من الأمور العظيمة التي استفاض علمها عند الخاص والعام، وأجمع الناس عليها، سواء كانت من المباحات فحرمها، أو من المحرمات فأباحها، فإنه حينئذٍ يكفر، ثم قال: وقد يُتَأَوَّل هذا الحديث، وما جاء في معناه من الأحاديث على وجه التشبيه لأفعالهم بأفعال الكفار من غير تحقيق للحكم فيه، ومن غير إلحاق لهم بأهل الكفر إذا كان فاعله مضاهيًا به فعل الكفار، كذا يقول: إذا كانوا، والأولى أن يقول: إذ كانوا، لعل هذا من النساخ.

إذ كان فاعله مضاهيًا به فعل الكفار؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» أي لا تكونوا كالكفار الذين من شأنهم وعادتهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض.

المقدم: لكن الاحتمال الأول الذي ذكره ابن بطال يُفهَم منهم قولهم: كفر دون كفر، أول احتمال.

نعم، هذا الاحتمال الأول.

المقدم: كفر دون كفر.

أنه ليس المراد به كفر مخرج من الملة الذي هو جحد لله ورسله.

في القسطلاني شرح القسطلاني يقول: ليس المراد بالكفر هنا حقيقته التي هي الخروج عن الملة، وإنما أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير، يعني والزجر، أو المراد الكفر اللغوي وهو الستر؛ لأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة والنصر وكف الأذى، الكفر في اللغة: السَّتْر كما هو معلوم، وتقدم مرارًا، ومنه سمي الزارع كافرًا لأنه يستر البذور. لأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة والنصرة وكف الأذى.

الحاصل أن القتل والقتال للمسلم كبيرة من كبائر الذنوب إجماعًا، وأطلق عليه الكفر هنا فإما أن يقال: هذا في حق المستحل، يعني كما جاء في كلام الخطابي، أو يقال: هو كفر دون كفر، يعني لا يراد به الكفر المخرج عن الملة كما جاء في كلام ابن بطال وغيره، أو يقال: هذا من أحاديث الوعيد التي تُمَرُّ كما جاءت بحيث لا يتعرض لتأويلها، ولا يراد بها، ولا يقصد منها حقيقة اللفظ، إنما تمر كما جاءت؛ لأن إمرارها كما جاءت أبلغ في الزجر أو غير ذلك مما مر في كلام أهل العلم.

قال العيني: فإن قلت: هذا الحديث وإن تضمن الرد على المرجئة لكن ظاهره يقوي مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي، يقول العيني: فإن قلت: هذا الحديث وإن تضمن الرد على المرجئة، لكن ظاهره يقوي مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي، قلت -يقوله من؟ العيني نفسه-: لا نسلم ذلك؛ لأنه لم يُرِد بقوله: «وقتاله كفر» حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل إنما أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير والإجماع من أهل السنة منعقد على أن المؤمن لا يكفر بالقتال، ولا بفعل معصية أخرى.

ثم قال العيني: فإن قلت: جاء في رواية مسلم: «لَعْن المسلم كقتله» أقول: هو في البخاري أيضًا «ومن لعن مؤمنًا فهو كقتله» يقول العيني: قلت: التشبيه لا عموم له، ووجه التشبيه هو حصول الأذى بوجهين: أحدهما: في العِرْض، والآخر: في النفْس.

«لعن المسلم كقتله» مقتضى التشبيه أن يكون اللعن كالقتل في الإثم، وهنا في حديث الباب جعل اللعن والسباب مثل القتل؟

المقدم: لا.

لا، فالسباب فسوق، والقتال كفر، إذاً كيف قال: «لعن لمسلم كقتله»؟

المقدم: إذًا لا يحتمل أن يكون كالإثم هناك.

أين؟

المقدم: في اللفظ الآخر عند مسلم.

لأنه مفسَّر هنا.

المقدم: لأنه هنا مفسَّر.

مفسَّر، وهناك في الحديث، ومر بنا مرارًا أن التشبيه قد يكون من وجه دون وجه، فلا شك أن السباب والقتل مؤذٍ، يجتمعان في الأذى، فلعنه كقتله في الأذى، لا يعني أنه كالقتل من كل وجه، وسبق أن نظَّرنا بأمثلة منها حديث الرؤية.

المقدم: «سترون ربكم كما ترون هذا القمر».

نعم، ومنها تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، ومنها تشبيه السجود بقوة على اليدين ببروك البعير، هذا مر بنا مرارًا، وفصَّلناه في مناسبات، وأنه تشبيه من وجه دون وجه، يقول: قلت: التشبيه لا عموم له، ووجه التشبيه هو حصول الأذى بوجهين: أحدهما: في العِرْض، والآخر: في النفس، فإن قلت: السباب والقتال كلاهما على السواء في أن فاعلهما يفسق ولا يكفر، فلِمَ قال في الأول: فسوق، وفي الثاني: كفر؟ كلاهما فسوق، القاتل كافر أو فاسق؟

المقدم: القاتل فاسق.

فاسق، يعني لا يصل إلى حد الكفر المخرج عن الملة، وإن وصل إلى حد الكفر الذي هو من أعظم الكبائر ودون الكفر الأعظم.

فإن قلت: السباب والقتال كلاهما على السواء في أن فاعلهما يفسق ولا يكفر، فلِمَ قال في الأول: فسوق، وفي الثاني: كفر؟ قلنا: لأن الثاني أغلظ، أو لأنه بأخلاق الكفار أشبه، يعني تحصُل مسابَّة كثيرًا بين المسلمين، لكن القتال؟ أقل، قلنا: لأن الثاني أغلظ أو لأنه بأخلاق الكفار أشبه.

وهذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، بابُ خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وما يُحذَّر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة، يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن عرعرة، قال: حدثنا شعبة عن زُبيد قال: سألت أبا وائل عن المرجئة فقال: حدثني عبد الله أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال، فذكره «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» وتقدم ذكر المناسبة بين الحديث والترجمة.

والموضع الثاني: في كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة عن منصور، قال: سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» تابعه محمد بن جعفر عن شعبة، حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن منصور، قال: سمعت أبا وائل، حديث الباب عن زُبيد وأنه سأل أبا وائل عن المرجئة، فأجابه بهذا الحديث، وهنا في كتاب الأدب ما ينهى عن السباب واللعن، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة عن منصور، قال: سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» تابعه محمد بن جعفر عن شعبة، ما فائدة هذه المتابعة؟

المقدم: الإخوة الحضور.

ما فائدة هذه المتابعة؟

الأخ الحاضر: التقوية -أحسن الله إليك- لأن الموجود الآن ثلاث طرق لرواة الحديث، روي منها الحديث عن شعبة، الذي هو من طريق محمد بن جعفر، وسليمان بن حرب هنا، والموضع الثالث: في كتاب الإيمان محمد بن عرعرة، ثلاثة شيوخ للإمام البخاري يروي بهم هذا الحديث.

بواسطتهم الحديث عن شعبة.

الأخ الحاضر: بواسطتهم الحديث عن شعبة نعم، وشعبة رواه -أحسن الله إليك- أيضًا من طريقين: من طريق زُبيد، ومن طريق منصور.

صحيح، إذًا الفائدة من هذه المتابعة هي مجرد بيان تَعداد الطرق، الحديث ليس بحاجة إلى تقوية، الحديث...
الأخ الحاضر: لكن هل الإمام البخاري ما خرَّجه عن أحد الصحابة غير أبي وائل؟

أبو وائل تابعي.

الأخ الحاضر: عفوًا، غير عبد الله بن مسعود.

الآن إذا تحدثنا عن حديث ابن مسعود لا نَعْرِض لغيره، الحديث الآن الذي نذكره في الأبواب هو حديث ابن مسعود.

الأخ الحاضر: سبب سؤالي -أحسن الله إليك- أنكم قلتم: إنه اتُّهِم أبو وائل في السماع من عبد الله، وذكرتم أن الحديث مروي من طرق منها عن سعد بن أبي وقاص.

هو مروي الحديث من طرق عن ابن مسعود، لم يتفرَّد به أبو وائل، ومروي أيضًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من طرق غير ابن مسعود.

المقدم: هل يوجد فيها شيء في البخاري -أحسن الله إليك-؟

أما هذه عليك تخريجها.

المناسبة بين الحديث والباب ما يُنهَى عن السباب واللعن ظاهرة؛ لأنه قال: «سباب المسلم فسوق» ومناسبة الباب لكتاب الأدب النهي عن السباب واللعن في كتاب الأدب ظاهر؟

المقدم: نعم.

أظهر، ومناسبة الباب لكتاب الأدب أظهر.

الموضع الثالث: في كتاب الفتن، باب قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» قال: حدثنا عمر بن حفص قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا شقيق، قال: قال عبد الله قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكره، شقيق هو مَن؟ شقيق بن سلمة أبو وائل، شقيق بن سلمة هو أبو وائل.

مناسبة الحديث وفي لفظه: «وقتاله كفر» لقوله في الترجمة: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» المطابقة تامة، المناسبة بين قوله: «وقتاله كفر» في الحديث مع الترجمة: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» لا ترجعوا بعدي كفارًا لأنكم يقتل بعضكم بعضًا، هذه مطابقة، ومناسبة القتل والقتال لكتاب الفتن ظاهرة إذ يكثر القتل وهو الهرج كما جاء في الأحاديث الصحيحة في أزمان الفتن، نسأل الله -سبحانه وتعالى- السلامة من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بالله من مضلاتها، وأن يجنبنا والأمة كلها كل سوء وبلاء ومحنة، وأن يلطف بالمسلمين في كل وقت لا سيما في هذا الوقت الذي تداعت الأمم، أمم الكفر على أمة الإسلام قصدًا لدينها، والله المستعان.

والحديث أيضًا خرَّجه مسلم، فهو متفق عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ، ما دام الحديث أيضًا عن هذا الحديث: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» أيضًا يعني ربما نتذكر بعض الأحاديث التي جاءت في النهي عن كثرة السباب، ولعلنا نذكر حديثًا أنه في آخر الزمان يأتي أقوام تحيتهم السب واللعن، ظهرت أو بدرت -إن صح الحديث-، وهذا سؤالي: بدرت بادرة من بعض الشباب مع الأسف الشديد كثرة اللعان والسباب فيما بينهم، إذا التقى بعضهم ببعض حتى أصبحت تحية بعضهم فعلاً السباب، لعل لكم توجيه حول هذا الموضوع.

الإعراض، إعراض المسلمين عن دينهم ظاهر، وهذا تحقيقًا للإرادة الكونية، وإن كان فيه مخالفة للإرادة الشرعية، وأنه يكون في آخر الزمان ما يكون من أنواع المعاصي التي منها -نسأل الله السلامة والعافية-، بذاءة اللسان والسباب والألفاظ التي ينبغي أن يترفع عنها المسلم، هذا لا شك أنه موجود في أوساط الشباب، وقد يوجد -مع الأسف الشديد- في أوساط الكبار أحيانًا، لكن على المسلم أن يكون عفيفًا في لسانه، نقيًّا في جميع تصرفاته، فليس المسلم بالطعان ولا باللعان، وليس بالفاحش البذيء، والله المستعان.

المقدم: تفضل يا شيخ عندك سؤال.

سائل: أحسن الله إليكم يا شيخنا هل يعني هذا أو يُفهَم من حديث الباب أن السب والشتم كبيرة من كبائر الذنوب؟

مادام حكم عليها في الحديث بأنها فسوق، والفسوق والفسق الخروج عن طاعة الله -عز وجل-، ومر في كلام الحافظ أن الفسوق أعظم من العصيان لا شك أنه يوحي بذلك، لكن السباب ألفاظ متفاوتة، فمنها الشنيع الكبير الذي يصل إلى ما يوجب الحد وهو القذف مثلاً أو التكفير بقول: فلان كافر أو كذا، هذا أمر عظيم جدًّا، هذا أمر في غاية الخطورة، لكن منه السب اليسير في الألفاظ الخفيفة هذه الأمور مما تتفاوت فيها الأحكام تبعًا لتفاوت تلك الألفاظ، والله المستعان.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، كان معنا في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبدالكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

بهذا أصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة. أذكركم في ختامها بعنوان البرنامج: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم، صندوق بريد 60095، الرياض 11545، برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. بإمكانكم أن تبعثوا بأسئلتكم واستفساراتكم أيضًا على الفاكس: 4425543، برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

شكرًا لكم مسمعي الكرام، شكرًا للإخوة الحضور معنا في هذا الدرس، نلقاكم -بإذن الله تعالى- في درس قادم وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.