شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (303)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.       

المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات، نحن في كتاب الطهارة في باب النهي عن الاستنجاء باليمين، في الحديث (122) بحسب المختصر (153) بحسب الأصل، توقفنا عند حديث أبي قتادة– رضي الله عنه- وتبقى أن نأخذ أطراف هذا الحديث، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،

فهذا الحديث –حديث أبي قتادة- خرّجه الإمام البخاري في ثلاثة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الوضوء، باب النهي عن الاستنجاء باليمين، قال –رحمه الله تعالى-: حدثنا معاذ بن فضالة، قال: حدثنا هشام هو الدستوائي، هشام هو الدستوائي، يأتون به ضمير الفصل وأحيانًا يعني لماذا؟ قال: حدثنا هشام هو الدستوائي.

المقدم: حتى لا يختلط بغيره.

لو قال هشام الدستوائي ما يكفي؟

أحيانًا يقول: يعني الدستوائي، ما الفائدة؟ ما الفائدة؟

الفائدة: أولاً الإمام البخاري يروي عن معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام، فلو قال البخاري هشام الدستوائي، معاذ بن فضالة ما قال هشام الدستوائي، لكن قال: حدثنا هشام، وأراد الإمام البخاري أن ينسب شيخ شيخه بما يوضح أنه هو الذي زاد؛ لأنه لو قال: حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام الدستوائي، صار معاذ هو الذي قال هشام الدستوائي، فيأتون بضمير الفصل هو أو يعني.

المقدم: لإفادة أنه هو الذي زاده.

أنه هو الذي زاده نعم، في نسب شيخ شيخه، عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء» الحديث، وسبق ذكر مناسبته.

والموضع الثاني: في باب الوضوء أيضًا، باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال، قال –رحمه الله- حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثني الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه» انظر في الترجمة: باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

المقدم: مطابقة تمامًا.

نعم، والحديث: «إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه».

قال ابن حجر: قوله باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، وهنا قال: إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه.

ابن حجر يريد أن يقيد النهي بحال البول كما في ترجمة البخاري: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

المقدم: وكما في لفظ الحديث.

في لفظ الحديث نعم، لكن هل هذا القيد معتبر أو غير معتبر؟ قال: أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول، لكن الباب هذا منصوص فيه إذا بال، والباب الذي قبله.

المقدم: بدون، فلا يمس ذكره بيمينه فقط.

نعم، لكن قوله: وإذا أتى الخلاء ألا تفيد أنه إذا بال؟

المقدم: بلى.

فيكون القيد موجودًا في البابين؟

المقدم: موضح، بلى.

طيب، كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحًا، وقال بعض العلماء: يكون ممنوعًا من باب الأولى؛ لأنه نُهي عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، يعني نظير ما قيل في استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، يعني جاء النهي عن استعمالهما في الأكل والشرب، بعضهم يقول: في غير الأكل والشرب يباح؛ لأن المنصوص عليه في حال الأكل والشرب، والجمهور على أنه لا يجوز لماذا؟ لأنه إذا مُنِع منه في الأكل والشرب مع الحاجة إلى ذلك فلأن يُنهى عنه مع عدم الحاجة إليه من باب أولى، نظير ما عندنا؛ لأنه نهي عن ذلك مظنة الحاجة في تلك الحالة، يعني: مع عدم الحاجة من باب أولى.

قال: وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا تختص بحاجة الاستنجاء، وإنما خصَّ النهي بحالة البول من جهة أن مجاورة الشيء يُعطى حكمه، أو أن مجاورة الشيء تعطي حكمه، فلما مُنِع الاستنجاء باليمين، مُنع مس آلته حسمًا للمادة، ثم استدل على الإباحة بقوله –عليه الصلاة والسلام- لطلق بن علي حينما سأله عن مس الذكر: «إنما هو بضعة منك»، فدل على الجواز بكل حالٍ، فخرج حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداه على الإباحة، انتهى.

استدلاله بحديث طلق بن عدي: «إنما هو بضعة منك».

المقدم: على غير حالة البول.

نعم، وجيه أو غير وجيه؟

المقدم: هو السؤال كان عن الوضوء؟

عن الوضوء من مس الذكر، دلالة الحديث الأصلية في مسألة نقض الوضوء بمس الذكر، مسألة مس الذكر وعدم مس الذكر دلالة فرعية، فالدلالة الفرعية عند بعض العلماء ملغاة، والذي يميل إليها الشاطبي في الموافقات، الحديث يستدل به على ما سيق من أجله فقط، وذكرنا لهذا أمثلة فيما مضى، يعني قوله –عليه الصلاة والسلام- لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج» استدل به من يقول: إن الحائض تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، لكن هل هذه دلالة الحديث الأصلية؟

المقدم: لا.

أقول: الدلالة الفرعية معتبرة إلا إذا عورضت بما هو أقوى منها، وأدخل في المسألة والباب، يعني حينما يقول الحنفية: إن وقت الظهر أوسع من وقت العصر فيستمر وقت الظهر إلى مصير ظل الشيء مثليه، الجمهور يقول: مثله، كما في حديث عبد الله بن عمرو الوارد في الأوقات، خاص بالأوقات، والحنفية يستدلون: «إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيرًا إلى الزوال بدينار، ثم استأجر أجيرًا إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيرًا إلى المغرب بدينارين»، فاحتج أهل الكتاب قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجرًا.

يقول الحنفية: هذا الحديث يدل على أن وقت الظهر أطول من وقت العصر، وإذا كان أطول فلابد أن يستمر إلى مصير ظل الشيء..، هل الحديث سيق لبيان المواقيت؟

المقدم: أبدًا.

لكن لو لم يرد ما هو أصرح منه وأدخل في الباب.

المقدم: لأُخذ به.

نعم العلماء يستنبطون من الأحاديث عشرات المسائل، بل بعض الأحاديث أوصلوها إلى مائة مسألة، ما فيه ما يمنع، لكن عندنا حديث عبد الله بن عمرو «ووقت صلاة الظهر إلى مصير ظل الشيء مثله» هو في الصحيح، فكيف نلجأ إلى مثل هذا الاستدلال مع وجود ما هو أصرح وأنص منه؟ ومع ذلك –كما يقول ابن حزم وغيره- وقت الظهر أطول في كل زمانٍ ومكان حتى على قول الجمهور.

يعني: الدلالات الفرعية منها القريب، ومنها البعيد، الحديث إذا سيق لأمر ما فهذا دخوله في النص قطعي، ما فيه إشكال، لكن قد يُفهم من الأحاديث فهم قريب، وقد يُفهم منهم فهم بعيد، وكلها يؤخذ بها ما لم تُعارض.

استدل على الإباحة بقوله لطلق، قوله –عليه الصلاة والسلام- لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: «إنما هو بضعة منك»، فدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداها على الإباحة.

طيب أبو محمد بن أبي جمرة قال: إن مظنة النجاسة لا تختص بحالة الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاورة الشيء يُعطى حكمه.

طيب لو أبعدنا قليلًا عن هذا وقلنا بأن النهي عن مس الذكر؛ لئلا يلابس هذه النجاسة في حالة البول، ماذا عنه في حالة الجماع مثلًا؟ والمني طاهر على القول الراجح، هل يكون الحكم مثل البول بالقيد أو نعمل بالإطلاق عند من يقول بالإطلاق؟

إذا نظرنا أن العلة هي النجاسة قلنا: ما يأخذ الحكم، وإذا قلنا العلة تكريم اليمين، قلنا: يُمنع مطلقًا.

يقول ابن حجر: والحديث الذي أشار إليه، حديث طلق بن علي، صحيح أو حسن، وقد يُقال: حَمْل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء، ومن قال به يشترط فيه شروطًا، طيب عندنا مطلق: «فلا يمس ذكره بيمينه» الذي هو حديث الباب، وإن كان فيه إشارة إلى حالة البول بقوله: «وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه»، الآن نعتبر هذا كما اعتبره الشرح مُطلق حديث الباب، والحديث الذي يليه (154) الذي فيه: «لا يمسك بذكره إذا بال»، الموضع الثاني «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه» هذا مقيد، المُطلق مع المقيد يقول: وقد يقال: حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء، ومن قال به يشترط فيه شروط:

أولاً: إذا اتفق أو اتحد المطلق مع المقيد في الحكم والسبب حُمِل المطلق على المقيد اتفاقًا، إذا اتحدا في الحكم والسبب: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] الدم مطلق، {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145] مقيد بكونه مسفوحًا، الحكم كله منع تحريم، والسبب هو النجاسة، فيُحمل المطلق على المقيد اتفاقًا هنا، إذا اختلفا في الحكم والسبب لا يُحمل المطلق على المقيد اتفاقًا، كاليد في الوضوء، مقيدة إلى المرافق، واليد في السرقة مطلقة، فلا يُحمل المطلق على المقيد إلى المرافق إطلاقًا، لماذا؟ للاختلاف في الحكم هذا غسل وهذا قطع، والاختلاف في السبب أيضًا، هذا حدث فيه سرقة، يبقى ما إذا اتحد فيه شيء واختلف فيه شيء.

المقدم: موضع الخلاف.

الذي هو موضع الخلاف.

المقدم: الذي أشار إليه في قوله: يشترط إليه في قوله: ويشترط فيه شروطًا.

وقد يقال: حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء هذا محل خلاف، إذا اتحدا في الحكم واختلفا في السبب، كالرقبة، الرقبة في كفارة القتل مقيدة بكونها مؤمنة، وفي كفارة الظهار مطلقة، وكذلك في كفارة اليمين، هنا اتفقا في الحكم وهو جوب الإعتاق، واختلفا في السبب، هذا قتل وهذا ظهار، وهذا جماع في رمضان، وهذا يمين، والجمهور: على أنه يُحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة.

الصورة الثالثة العكس، إذا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم، اليد في آية الوضوء مقيدة: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] وفي آية التيمم مطلقة، نحمل المطلق على المقيد ونقول: نمسح إلى المرافق؟

المقدم: لا، اختلفا في الحكم.

اختلفا في الحكم، هذا غسل وهذا مسح، اتحدا في السبب الذي هو الحدث، الجمهور لا يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، الذي معنا من أي الصور الأربع؟

المقدم: الذي معنا اتفقا في الحكم.

في الحكم "لا يمس" النهي، لكن هل السبب متحد أو مختلف؟ إذا قلنا: السبب تكريم اليمين متحد ويُحمل المطلق على المقيد حينئذٍ، لكن إذا قلنا: إن السبب مجاورة النجاسة وخشية التلبس بها، قلنا: اختلف السبب، على أنه إذا اتحد الحكم وإن اختلف السبب فعند الجمهور: يُحمل المطلق على المقيد، يعني مثل الكفارة، فهنا لا يُمنع من مس الذكر باليمين مطلقًا؛ لأنه يُحمل المطلق على المقيد في هذه الصور لاتحاد الحكم.

المقدم: إذا كان تكريم اليمين.

هل إذا كان المراد تكريم اليمين، والحكم النهي هذا محل اتفاق، من الصور المتفق عليها، لكن إذا قلنا: إن هذا مُنع للنجاسة وهذا مُنِع..، المقيد منع؛ لأنه حال البول، والثاني منع مطلقًا، «فلا يمس ذكره بيمينه» هذا مطلق، القاسم المشترك في الحكم، يعني: يشتركان في الحكم وكله نهي، وإن اختلف السبب، يعني مثل الكفارة، العتق في الكفارة السبب مختلف، والحكم واحد، فعلى هذا: يُحمل المطلق على المقيد حتى على القول بأن العلة مجاورة النجاسة وإن اختلف السبب، فتوحدا في الحكم إذًا يُحمل المطلق على المقيد.

المقدم: يعني القول بالمنع مطلقًا.

على قاعدة الجمهور مطلقًا، لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث يتغاير مخارج الحديث، بحيث يُعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف؛ لأن التقييد حينئذٍ يكون زيادةً من عدلٍ فتُقبل، يعني: فرق بين حديث وحديثين، إذا كان الحديث الأول والثاني إذا كانا حديثًا واحدًا، فكون الراوي لا يذكر القيد في بعض الروايات لا يعني أنه لم يرد عن النبي –عليه الصلاة والسلام- يكفي ثبوته في بعض الروايات، فيحمل مطلقًا؛ أما إذا كانا حديثين هذا في مناسبة وذاك في مناسبة أخرى فهو محل نظر، هذا ما نبه إليه ابن دقيق العيد.

تعقبه العيني، العيني يتعقب ابن حجر في الكلام السابق بقوله: هذا كلام فيه خباط؛ لأن الحاصل من معنى الحديثين واحد، وكلاهما مقيد، أما الأول: فلأن إتيان الخلاء في قوله: «إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه» كنايةً عن التبول، والمعنى: إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، والجزاء قيد الشرط، يعني: المعنى واحد، كلاهما مقيد، والمعنى الثاني صريح بالقيد، وكلاهما واحد في الحقيقة، فكيف يقول هذا القائل إن ذلك المطلق محمول على المقيد، والمفهوم منهما جميعًا النهي عن مس الذكر باليمين عند البول، فلا يدل على المنع عند غير البول ولاسيما جاء في الحديث ما يدل على الإباحة، وهو قوله –عليه الصلاة والسلام- لطلق بن علي حين سأله عن مس الذكر: «إنما هو بضعة منك»، فهذا يدل على الجواز في كل حال، ولكن خرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وماعدا ذلك فقد بقي على الإباحة فافهم.

يقول العيني: فإن قلت: فما فائدة تخصيص النهي بحالة البول؟ قلت: ما قرب من الشيء يأخذ حكمه، ولما مُنِع الاستنجاء باليمين مُنِع مس آلته حسمًا، يعني: لئلا يقع في المحذور.

فإن قلت: إذا كان الأمر على ما ذكرت من الرد على القائل المذكور، فما فائدة ترجمة البخاري بالحديث في بابين ولم يكتفِ ببابٍ واحد؟ قلت: فائدته من وجوه:

الأول: التنبيه على اختلاف الإسناد.

الثاني: التنبيه على الاختلاف الواقع في لفظ المتن، فإن في السند الأول: «إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه»، وفي الإسناد الثاني: «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه»، ولا يخفى التفاوت الذي بين «إذا أتى الخلاء» وبين: «إذا بال» وبين «فلا يمس ذكره» وبين «فلا يأخذن ذكره».

أيضًا ففي الحديث الأول: «ولا يتمسح بيمينه»، وفي الحديث الثاني: «ولا يستنجي بيمينه»، وهذا يفسر ذاك فافهم.

هذه فروق بين الحديثين.

المقدم: فروق في الألفاظ.

فروق في الألفاظ، فروق في الأسانيد، لكن هل يبقى لهذه الفروق أثر في الحكم أو ما لها أثر؟ العيني يرى أن الحديث مقيد في الموضعين؛ لأن في الموضع الثاني: «إذا بال»، وفي الثاني: «إذا أتى الخلاء» فلا إطلاق حينئذٍ؛ الإطلاق يؤخذ من حديث طلق بن علي.

الثالث: أنه عقد الباب الأول على الحكم الثالث من الحديث، وهو كراهة الاستنجاء باليمين، وعقد هذا الباب على الحكم الأول، وهو كراهة مس الذكر عند البول، ومن أبين الأدلة على هذا الوجه: أنه عقد بابًا آخر في الأشربة على الحكم الأول، وهو كراهة التنفس في الإناء.

يقول في المبتكرات: ما قاله العيني ظاهر، يعني: حقيقةً «إذا أتى الخلاء» قريبة من قوله: «إذا بال»؛ لأنه إنما يعبر بالخلاء عن البول والغائط، فالقيد موجود في الحديثين، يعني: كلام العيني له وجه، بل ظاهر كما قال صاحب المبتكرات، إلا أن قوله هذا كلام فيه خباط، لا يُقال لمثل من صنَّف فتح الباري؛ لأن معناه الجنون، قال تعالى: {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275].

البخاري ترجم في الموضع الأول على النهي عن الاستنجاء باليمين على جملة من جمل الحديث، وعلى الثاني: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

المقدم: أيضًا على جملة من جمل الحديث.

على جملة، وفي موضع ثالث في كتاب الأشربة –كما سيأتي- قال: باب النهي عن التنفس في الإناء، ومضى الكلام في التنفس في الإناء، لكن فيه مناسبة بين جمل الحديث، ما المناسبة بين جمل الحديث الثلاث؟ المناسبة بين الجمل الثلاث، ما هي الجمل الثلاث؟

المقدم: إذا شرب فلا يتنفس في الإناء، إذا أتى الخلاء لا يمس ذكره، ولا يتمسح بيمينه.

في الموضع الثالث: «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء» أبدى بعضهم مناسبة، ما الذي جاء بهذه الجملة مع الجملتين المتناسبتين؟ والثالثة أيضًا مناسبة؛ لأنه جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه إذا توضأ شرب وضوءه، يعني: لا يبقى في الإناء من وضوئه، فيكون أيضًا الرابط بين الجمل الثلاث واضح.

ذكر الحافظ ابن حجر في شرح الحديث رواية الإسماعيلي: «لا يمس»، وهنا في الحديث الثاني في الموضع الثاني: «فلا يأخذن»، فاعترض على ترجمة البخاري بأن المس أعم من المسك، في رواية الإسماعيلي: «لا يمس» ولفظ البخاري: «فلا يأخذن» والترجمة: لا يمسك، اعتُرض على ترجمة البخاري بأن المس أعم من المسك، فكيف يُستدل بالأعم على الأخص؟ قال: ولا إيراد على البخاري من هذه الحيثية؛ لأن اللفظ الذي أورده البخاري: «فلا يأخذن» أعم من الجميع، تعقبه العيني بقوله: قلت: ليت شعري، ما وجه هذا الاعتراض؟ وهذا الكلام واهن، ولو كان أعم، إذ ليس في حديث البخاري لفظ المس، فكيف يُعترض عليه؟ فإنه ترجم بالمسك والمس أعم من المسك، وهذا الكلام فيه خباط أيضًا.

قال ابن حجر في انتقاض الاعتراض: قلت: حذف من كلام الشارح بعد قوله: على الأخص ولا إيراد على البخاري لما بينه، وكان سبق له بيان ما تحصل منه، وهو قوله إلى آخره، المقصود: أن العيني حذف كلام من كلام الحافظ ابن حجر يفسر كلامه؛ لأن ابن حجر يقول: وقع في رواية الإسماعيلي: «لا يمس» فاعترض على ترجمة البخاري بأن المس أعم من المسك، فكيف يستدل بالأعم على الأخص، ولا إيراد للبخاري من هذه الحيثية لما بيناه؛ لأن الترجمة: لا يمسك، ورواية الإسماعيلي: «لا يمس» لكن هل في لفظ البخاري: «لا يمس» هنا في روايته من أجل أن يستدرك عليه ما ذكر؟ ولذا في الترجمة قال: أشار في الترجمة إلى أن النهي مطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول إلى آخره.

فلا شك أن المس جزء من المسك، قد يكون المسك أخص، والمس أعم، والأخذ الذي تُرجم عليه قد يكون مطابقًا للمسك، الآن الترجمة عند البخاري لا يمسك، ولا يأخذن، مطابق، الأخذ هو المسك، بينما المس الذي في رواية الإسماعيلي واعترض به على ترجمة البخاري لا محل لهذا الاعتراض، والموضع الثالث في كتاب الأشربة باب النهي عن التنفس في الإناء، قال –رحمه الله-: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا شيبان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء» الحديث، والمناسبة ظاهرة، وتقدم ما في هذه الجملة من مسائل وأحكام، والحديث خرَّجه مسلم فهو متفق عليه، والله أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وجزاكم خيرًا.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

شكرًا لطيب المتابعة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.