تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "المسألة الخامسة: هل يرفع التيمم الحدث أو لا؟ وهذه المسألة من صعاب المسائل؛ لإجماع المسلمين على صحة الصلاة بالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، وإجماعهم على أن الحدث مبطلٌ للصلاة، فإن قلنا: لم يرتفع حدثه، فكيف صحت صلاته، وهو محدث؟ وإن قلنا: صحت صلاته، فكيف نقول: لم يرتفع حدثه؟

اعلم أولاً أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة إلى ثلاثة مذاهب:

الأول: أن التيمم لا يرفع الحدث".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذه المسألة كما قال المؤلف –رحمه الله تعالى- من عُضل المسائل، وليست من المسائل اليسيرة الهينة التي يتصدى لها آحاد طلاب العلم كما نسمع اليوم، لكن الأدلة جاء فيها ما يدل على أن الحدث لا يرتفع من تسمية المتيمم جُنبًا «صليت بهم وأنت جُنب؟» وما يدل على أنه صحَّت صلاته يدل على أنه ارتفع حدثه، إذ لا يُمكن أن تصح الصلاة والحدث موجودًا، وكونه يُسمَّى في أكثر من نص جُنبًا يعني: أنه مُتلبس بالوصف المُبطل للصلاة، والقول الذي تجتمع به الأدلة هو كون الحدث يرتفع، لكنه ارتفاع مؤقت، كالنصوص الواردة في الزاني وشارب الخمر مثلاً أنه مؤمن ولا يخرج بذلك من الإسلام مع ما جاء أنه «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فيكون ارتفاع الإيمان عنه مؤقتًا، كما يكون ارتفاع الحدث في هذه الصورة مؤقتًا، فيصح فيه أنه جُنب باعتبار الارتفاع الدائم، وأنه ارتفع حدثه وصحَّت صلاته باعتبار الارتفاع المؤقت، والمؤلف –رحمه الله- يسوق الأدلة والمسألة.

"الثاني: أنه يرفعه رفعا كليًّا.

الثالث: أنه يرفعه رفعا مؤقتًا.

حُجة القول الأول: أن التيمم لا يرفع الحدث، ما ثبت في صحيح البخاري".

إذًا فائدة الخلاف فيمن أجنب أصابته جنابة فتيمم، هل نقول: ارتفع حدثه بالكلية، فنقول: لا يحتاج إلى غُسل بعد ذلك، ارتفعت الجنابة بالكلية، أو أنه مُحدِث، ونقول: إن حدثه لم يرتفع، وحينئذٍ يلزمه أن يغتسل، أو نقول: ارتفع رفعًا مؤقتًا يعني إلى أن يجد الماء؟ «والصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ المُسْلِمِ أو وَضُوءُ المُسْلِمِ» كما جاء في الحديث «وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فليتقِ الله وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» كلهم يقول: يتقي الله ويمسه بشرته، لكن من يقول: ارتفع حدثه بالكلية يقول: يمسه بشرته فيما يستقبل من الأحداث إذا أجنب مرة ثانية عليه أن يغتسل، وأما الجنابة الأولى ارتفعت، والذي يقول: لا يرتفع أو يرتفع رفعًا مؤقتًا، يقول: «فليتقِ الله وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» عن الجنابة الماضية، فكونه يرتفع مؤقتًا يلزمه أن يغتسل إذا وجد الماء.

ما الفرق بين القولين أو المرجَّح من القولين؟ كونه يرتفع رفعًا بالكلية، وإذا وجد الماء «فليتقِ الله وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» لِما يستقبل من الأحداث، ما فائدة الحديث فيه فائدة؟ ما فيه فائدة، كل النصوص تقول: يغتسل إذا أجنب فيما بعد، فيكون مؤكدًا، وإذا قلنا: «فليتقِ الله وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» للحدث الماضي قلنا: هذا مؤسس لحكمٍ جديد، ودليلٌ على هذه المسألة بخصوصها، وعند أهل العلم أن المؤسس أولى، والتأسيس أقوى من التأكيد.

"حُجة القول الأول: أن التيمم لا يرفع الحدث، ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران المتقدم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس فرأى رجلاً معتزلاً لم يصلِّ مع القوم، فقال: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانٌ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟» فقال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» إلى أن قال: وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء، قال: «اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ»".

ولو كانت الجنابة ارتفعت والحدث ارتفع ما يحتاج أن يُعطى ماءً ويغتسل.

"ولمسلمٍ في هذا الحديث (وغسلنا صاحبنا) يعني: الجُنب المذكور، وهذا نصٌّ صحيحٌ في أن تيممه الأول لم يرفع جنابته.

ومن الأدلة على أنه لا يرفع الحدث ما رواه أبو داود، وأحمد، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم موصولاً، ورواه البخاري تعليقًا عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه-: أنه تيمم عن الجنابة من شدة البرد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فقال عمرو: إني سمعت الله يقول: { } [النساء:29] الآية، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُنكر عليه، قال ابن حجرٍ في (التلخيص) في الكلام على حديث عمروٍ هذا: واختُلف فيه على عبد الرحمن بن جبير، فقيل عنه عن أبي قيسٍ عن عمرو، وقيل عنه عن عمروٍ بلا واسطة، ولكن الرواية التي فيها أبو قيس، ليس فيها ذكر التيمم، بل فيها أنه غسل مغابنه فقط".

ولا يمتنع أن تجتمع الروايتان في رواية أبي قيس أنه غسل مغابنه، وفي الرواية الأخرى أنه تيمم لِما بقي من أعضائه.

"وقال أبو داود: روى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية، وفيه: فتيمم، ورجَّح الحاكم إحدى الروايتين على الأخرى.

وقال البيهقي: يُحتمل أن يكون فعل ما في الروايتين جميعًا، فيكون قد غسل ما أمكن، وتيمم عن الباقي، وله شاهدٌ من حديث ابن عباس، وحديث أبي أُمامة عند الطبراني، انتهى من التلخيص لابن حجر.

قال مُقيده -عفا الله عنه-: ما أشار إليه البيهقي من الجمع بين الروايتين متعين؛ لأن الجمع واجبٌ إذا أمكن، كما تقرر في الأصول، وعلوم الحديث".

لأن الجمع بين الأدلة عملٌ بها كلها، وترجيح أحدها على الآخر أو القول بالنسخ عملٌ ببعضها وتركٌ لبعضها.

"ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فإنه أثبت بقاء جنابته مع التيمم.

ومن الأدلة على أن التيمم لا يرفع الحدث حديث أبي ذرٍ عند أحمد، وأصحاب السُّنن الأربع، وصححه الترمذي، وأبو حاتم من حديث أبي ذر، وابن القطان من حديث أبي هريرة عند البزار، والطبراني، قاله ابن حجرٍ في (التلخيص)، وذكر في (الفتح) أنه صححه ابن حبان، والدارقطني من حديث أبي ذر: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشْرَتَهُ» الحديث.

قال ابن حجرٍ في (التلخيص) بعد أن ذكر هذا الحديث، عن أصحاب السُّنن من رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر: واختُلف فيه على أبي قلابة، فقيل هكذا، وقيل عنه عن رجل من بني عامر، وهذه رواية أيوبٍ عنه، وليس فيها مخالفةٌ لرواية خالد، وقيل عن أيوب عنه، عن أبي المُهلب، عن أبي ذر، وقيل عنه بإسقاط الواسطة، وقيل: في الواسطة محجن، أو ابن محجن، أو رجاء بن عامر، أو رجلٍ من بني عامر، وكلها عند الدارقطني، والاختلاف فيه كله على أيوب، ورواه ابن حبان، والحاكم من طريق خالدٍ الحذاء كرواية أبي داود، وصححه أيضًا أبو حاتم، ومدار طريق خالدٍ على عمرو بن بجدان، وقد وثَّقه العجلي، وغفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول، هكذا قاله ابن حجرٍ في (التلخيص)".

إذا كان الراوي يروي عن شيخه بواسطة، ثم يروي عنه بدون تلك الواسطة متصور وواقع في الأحاديث، فلا يسمعه من شيخه في أول الأمر إلا بواسطة راوٍ من الرواة، ثُم يلقى شيخه فيأخذه عنه مباشرة، وهذا معروفٌ عند أهل العلم ويُجمع بين الأحاديث بين الطرق بهذا، مع أن الأئمة الكبار والجهابذة يُفرقون بين ما يُمكن من هذا، أو ما كان منه وما لم يكن، يُفرقون بين هذا وهذا، فبالقرائن يستدلون على أنه سمعه بواسطة، وأنه لا يصح عنه بدون واسطة، وبالقرائن أيضًا يقولون: إنه رواه عنه بغير واسطة، والواسطة احتيج إليها في بعض الأوقات، وقد يقولون عنها: إنها من المزيد في متصل الأسانيد، وهذا نوعٌ معروف في علوم الحديث وله أمثلة.

"وقال في (التقريب) في ابن بجدان المذكور: لا يُعرف حاله، تفرَّد عنه أبو قلابة، وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار، قال: حدثنا مقدم بن محمد".

كيف يقول في (التخليص): "وغفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول" ابن حجر يقول هذا يعني: ابن بجدان، وقال في (التقريب): "لا يُعرف حاله، تفرَّد عنه أبو قلابة" ومن لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد فهو مجهول العين عند أهل العلم، فقال في (التلخيص): "غفل" كأنه يُخطئه، وفي (التقريب) قال: "لا يُعرف حاله"، إذًا ابن القطان ما غفل وأنت تقره على ذلك، والحافظ ابن حجر حُفظ له في مواضع يحكم على الراوي بأنه ثقة، ويحكم عليه أحيانًا بأنه صدوق، وذكر عن راوٍ من رواة الصحيح قال: صدوقٌ يُخطئ، هذا في (التقريب) قال: صدوقٌ يُخطئ، الحين أذكر اسمه، وقال عنه في (فتح الباري) قال: ثقةٌ؛ لأنه من رواة الصحيح ثقة، وشذَّ ابن حبان، فقال: يُخطئ، مثل هنا "غفل ابن القطان" هذا نظيره، ابن حجر لا شك أنه في هذا الباب إمام ومع ذلك ليس بمعصوم، وقد جُمعت أقواله المختلفة في (التقريب) وفي غيره من كتبه في رسائل، وهي من أنفع الرسائل العلمية هذه الرسائل؛ لأن فيها تحريرًا للأقوال في هؤلاء الرواة.

طالب:.........

عُبيد الله بن الأخنس، من رواة البخاري قال عنه في (فتح الباري): ثقةٌ، وشذَّ ابن حبان، فقال: يُخطئ، وقال عنه في (التقريب): صدوقٌ يُخطئ، وهنا يقول: "وغفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول" في (التلخيص) وفي (التقريب) قال: ابن بجدان "لا يُعرف حاله، تفرَّد عنه أبو قلابة" والراوي إذا لم يروِ عنه إلا شخصٌ واحد فهو مصنَّفٌ عند أهل العلم من قبيل مجهول العين.

طالب:........

نعم ما يعرف.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

لا ما يُعرف ما بين .......... والمجهول، قد تكون الجهالة الأولى جهالة العين هي مجرد اصطلاح، لكنها في مثل هذا تتفق؛ لأنه اسمه معروف، إلا أنه لكونه مُقلاًّ في الرواية لم يروِ عنه إلا شخصٌ واحد فهو مجهول العين، ولو روى عنه اثنان ولم يُوثق فهو مجهول الحال، وقد يُعبَّر عنه بالمستور.

طالب:........

ليس بمطرد؛ لأنك إذا عرفت أقواله في آخر مصنفاته مثلاً وجدت ما يُخالفها مما تقدَّم وعرضت قوليه على أقوال النُّقاد وجدت الراجح في المتقدم.

 "وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار، قال: حدَّثنا مُقدَّم بن محمد قال: حدَّثنا عمي القاسم بن يحيى، قال: حدَّثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رفعه: «الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» وقال: لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه مطولاً، أخرجه في ترجمة أحمد بن محمد بن صدقة، وساق فيه قصة أبي ذرٍ، وقال: لم يروه إلا هشامٌ عن ابن سيرين، ولا عن هشامٍ إلا القاسم، تفرَّد به مُقدَّم، وصححه ابن القطان، لكن قال الدارقطني في (العلل): إن إرساله أصح، انتهى من التلخيص بلفظه، وقد رأيت تصحيح هذا الحديث للترمذي، وأبي حاتم، وابن القطان، وابن حبان.

ومحل الشاهد منه قوله: «فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشْرَتَهُ»؛ لأن الجنابة لو كان التيمم رفعها، لما احتيج إلى إمساس الماء البشرة.

واحتج القائلون بأن التيمم يرفع الحدث: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صرَّح بأنه طهورٌ في قوله في الحديث المتفق عليه: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وبأن في الحديث المار آنفًا: «التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ»، وبأن الله تعالى قال: { ﭿ ﮀﮁ } [المائدة:6] الآية، وبالإجماع على أن الصلاة تصح به كما تصح بالماء، ولا يخفى ما بين القولين المتقدمين من التناقض".

وبما عُرف عند أهل العلم أن البدل له حكم المبدل، لكن في هذا الباب هل البدل له حكم المبدل في كل شيء؟ لا، فيه مسائل يختلف فيها الوضوء عن التيمم، وسيأتي شيء إن كان الشيخ ذكر شيئًا من ذلك، والأصل أن يذكر –رحمه الله-.

"قال مُقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر من الأدلة تَعين القول الثالث؛ لأن الأدلة تنتظم، ولا يكون بينهما تناقض".

لأن القول الأول وهو القول بأنه لا يرتفع مطلقًا عليه ما عليه، والقول الثالث أو الثاني وهو أنه يرتفع مطلقًا كذلك.

على كل حال القول الثاني يجمع الثالث الذي هو الرفع المؤقت يجمع بين الأقوال كلها.

"والجمع واجبٌ متى أمكن، قال في (مراقي السعود):

وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ مَتَى مَا أَمْكَنَّا

 

إِلَّا فَلِلْأَخِيرِ نَسْخٌ بُيِّنَا

 

والقول الثالث المذكور هو: أن التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتًا لا كليًّا، وهذا لا مانع منه عقلاً ولا شرعًا، وقد دلت عليه الأدلة؛ لأن صحة الصلاة به المجمع عليها يلزمها أن المصلي غير محدثٍ، ولا جُنب لزومًا شرعيًّا لا شك فيه.

ووجوب الاغتسال أو الوضوء بعد ذلك عند إمكانه المُجمع عليه أيضًا يلزمه لزومًا شرعيًّا لا شك فيه، وأن الحدث مطلقًا لم يرتفع بالكلية، فيتعين الارتفاع المؤقت. هذا هو الظاهر، ولكنه يُشكل عليه ما تقدم في حديث عمرو بن العاص، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: «صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» وقد تقرر عند علماء العربية أن وقت عامل الحال هو بعينه وقت الحال، فالحال وعاملها إذًا مقترنان في الزمان، فقولك: جاء زيدٌ ضاحكًا مثلاً، لا شك في أن وقت المجيء فيه هو بعينه وقت الضِّحك".

الضَّحك.

"وقت الضَّحك، وعليه فوقت صلاته، هو بعينه وقت كونه جُنبًا؛ لأن الحال هي كونه جُنبًا وعاملها قوله: «صَلَّيْتَ»، فيلزم أن وقت الصلاة والجنابة متحد، ولا يقدح فيما ذكرنا أن الحال المقدَّرة لا تقارن عاملها في الزمان، كقوله تعالى: { } [الزُّمَر:73]؛ لأن الخلود متأخرٌ عن زمن الدخول أي: مُقدرين الخلود فيها؛ لأن الحال في الحديث المذكور ليست من هذا النوع، فالمقارنة بينها وبين عاملها في الزمن لا شك فيها، وإذا كانت الجنابة حاصلةً له في نفس وقت الصلاة، كما هو مقتضى هذا الحديث، فالرفع المؤقت المذكور لا يستقيم، ويمكن الجواب عن هذا من وجهين:

الأول: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: «وَأَنْتَ جُنُبٌ» قبل أن يعلم عذره بخوفه الموت إن اغتسل".

يعني كأنه رأى أنه تيمم من غير عذر، ما عرف العذر، وأنه خاف على نفسه من البرد الشديد وأنه يموت، وإذا تيمم من غير عذر، فحدثه لم يرتفع، لا يُجزئه التيمم إذا كان من غير عذر.

"والمتيمم من غير عذرٍ مُبيح جُنبٌ قطعًا، وبعد أن علم عذره المبيح للتيمم الذي هو خوف الموت أقره وضحك، ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه صلى بأصحابه وهو غير جُنب، وهذا ظاهر الوجه.

الثاني: أنه أطلق عليه اسم الجنابة نظرًا إلى أنها لن ترتفع بالكلية، ولو كان في وقت صلاته غير جُنب، كإطلاق الخمر على العصير في وقتٍ هو فيه ليس بخمر في { }[يوسف:36] نظرًا إلى مآله في ثاني حال، والعلم عند الله تعالى".

ومثله لو كان زيد مدينًا لعمرو بألف ريال، فسدد بعض الدَّين صحَّ أن يُقال: أنه سدد، وصحَّ أن يُقال من جهةٍ أخرى: أنه مدين، فهو سدد لِما بذله ودفعه من بعض الدَّين، وهو مدينٌ بالنسبة لباقيه.

"ومن المسائل التي تُبنى على الاختلاف في التيمم، هل يرفع الحدث أو لا؟ جواز وطء الحائض إذا طهرت، وصلَّت بالتيمم للعذر الذي يبيحه، فعلى أنه يرفع الحدث يجوز وطؤها قبل الاغتسال، والعكس بالعكس.

وكذلك إذا تيمم ولبس الخفين، فعلى أن التيمم يرفع الحدث يجوز المسح عليهما في الوضوء بعد ذلك، والعكس بالعكس.

وكذلك ما ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن من أن الجُنب إذا تيمم، ثم وجد الماء لا يلزمه الغسل، فالظاهر أنه بناه إلى رفع الحدث بالتيمم".

بناه على رفع الحدث بالتيمم.

"أنه بناه على رفع الحدث بالتيمم، لكن هذا القول ترده الأحاديث المتقدمة، وإجماع المسلمين قبله، وبعده على خلافه".

المسألة السادسة: هل يجوز أن يصلى بالتيمم الواحد فريضتان أو لا؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز به فريضتان، أو فرائض ما لم يُحدِث وعليه كثيرٌ من العلماء".

ما لم يُحدِث، وما لم يجد الماء ذلكم؛ لأن حدثه قد ارتفع رفعًا مؤقتًا، ليس مؤقتًا في صلاةٍ واحدة، أو وقتٍ واحد، وإنما هو مؤقت بوجود الماء.

"منهم الإمام أحمد في أشهر الروايتين، والحسن البصري، وأبو حنيفة، وابن المسيب، والزهري.

وذهب مالكٌ، والشافعي، وأصحابهما إلى أنه لا تُصلى به إلا فريضةٌ واحدة؛ وعزاه النووي في (شرح المهذب) لأكثر العلماء، وذكر أن ابن المنذرَ".

المنذرِ.

"أن ابن المنذرِ حكاه عن علي بن أبي طالب، وابن عباسٍ، وابن عمر، والشافعي، والنخعي، وقتادة، وربيعة، ويحيى الأنصاري، والليث، وإسحاق، وغيرهم.

واحتج أهل القول الأول بأن النصوص الواردة في التيمم، ليس فيها التقييد بفرضٍ واحد، وظاهرها الإطلاق، وبحديث: «الصَّعِيد الطَّيِّب وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» الحديث، وبقوله -صلى الله عليه وسلم- الثابت في الصحيح: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وقوله تعالى: { } [المائدة:6] الآية، واحتج أهل القول الثاني بما روي عن ابن عباسٍ- رضي عنهما- أنه قال: من السُّنَّة ألا يصلي بالتيمم إلا مكتوبةً واحدة، ثم يتيمم للأخرى، وقول الصحابي من السُّنَّة له حكم الرفع على الصحيح عند المحدثين، والأصوليين، أخرج هذا الحديث الدارقطني".

يقول العراقي –رحمه الله-:

قول الصحابي من السُّنَّة أو نحو أُمِرنا حكمه الرفع ولو

 

بعد النبي قاله بأعصره على الصحيح وهو قول الأكثر

 

نعم.

"أخرج هذا الحديث الدارقطني، والبيهقي من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهدٍ عنه، والحسن ضعيف جدًّا قال فيه ابن حجر في (التقريب): متروك، وقال فيه مسلمٌ في مقدمة صحيحه: حدَّثنا محمود بن غيلان، قال: حدَّثنا أبو داود، قال: قال لي شُعبة: ائت جرير بن حازم، فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة، فإنه يكذب.

وقال البيهقي لما ساق هذا الحديث في سُننه: الحسن بن عمارة لا يحتج به، انتهى. وهو أبو محمدٍ البجلي مولاهم الكوفي قاضي بغداد، واحتجوا أيضًا بما روي عن ابن عمر، وعليٍّ، وعمرو بن العاص موقوفًا عليهم، أما ابن عمر فرواه عنه البيهقي، والحاكم من طريق عامر الأحول، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: يتيمم لكل صلاةٍ، وإن لم يحدث، قال البيهقي: وهو أصح ما في الباب، قال: ولا نعلم له مخالفًا من الصحابة".

أصح أم أصل؟

"وهو أصح"؟

طالب: أصح.

نعم.

"قال مقيده -عفا الله عنه-: ومثل هذا يُسمى إجماعا سكوتيًّا، وهو حُجةٌ عند أكثر العلماء، ولكن أثر ابن عمر هذا الذي صححه البيهقي، وسكت ابن حجر على تصحيحه له في (التلخيص)، (والفتح)، تكلم فيه بعض أهل العلم بأن عامر الأحول ضعَّفه سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وقيل: لم يسمع من نافع، وضعَّف هذا الأثر ابن حزم، ونقل خلافه عن ابن عباس، وقال ابن حجرٍ في (الفتح) بعد أن ذكر أن البيهقي قال: لا نعلم له مخالفًا، وتُعقِّب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس، أنه لا يجب.

وأما عمرو بن العاص فرواه عنه الدارقطني، والبيهقي، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، أن عمرو بن العاص كان يتيمم لكل صلاة، وبه كان يفتي قتادة، وهذا فيه إرسالٌ شديد بين قتادة وعمرو، قاله ابن حجرٍ في (التلخيص)، والبيهقي في (السُّنن الكبرى) وهو ظاهر، وأما علي فرواه عنه الدارقطني أيضًا بإسنادٍ فيه حجاج بن أرطأة، والحارث الأعور، قاله ابن حجرٍ أيضًا، ورواه البيهقي في (السُّنن الكبرى) بالإسناد الذي فيه المذكور.

المذكوران.

 "بالإسناد الذي فيه المذكوران".

 حجاج والحارث.

"بالإسناد الذي فيه المذكوران، أما حجاج بن أرطأة، فقد قال فيه ابن حجرٍ في (التقريب): صدوقٌ، كثير الخطأ والتدليس، وأما الحارث الأعور، فقال فيه ابن حجرٍ في (التقريب): كذَّبه الشعبي في رأيه، ورُمي بالرفض، وفي حديثه ضعف".

بل ضعفٌ شديد ورُمي بالكذب، وهو رافضيٌّ خبيثٌ يُؤمِن بالرجعة.

طالب:........

الأصل الهمز، لكن يُسهَّل.

"وقال فيه مسلمٌ في مقدمة صحيحه: حدَّثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدَّثنا جابرٌ عن مغيرة عن الشعبي، قال: حدَّثني الحارث الأعور الهمداني، وكان كذابًا، قال: حدَّثنا أبو عامر عبد الله بن برَادٍ الأشعري".

برَّاد.

"عبد الله بن برَّادٍ الأشعري، قال: حدَّثنا أبو أسامة عن مِفضلٍ عن مغيرة".

مُفضَّل..مُفضَّل.

"عن مُفضَّلٍ عن مغيرة، قال: سمعت الشعبي يقول: حدَّثني الحارث الأعور، وهو يشهد أنه أحد الكذابين، وقد ذكر البيهقي هذا الأثر عن عليٍّ في التيمم، في باب التيمم لكل فريضة، وسكت عن الكلام في المذكورِين".

المذكورَين.

وسكت عن الكلام في المذكورَين، أعني: حجاج بن أرطأة، والحارث الأعور، لكنه قال في حجاج في باب المنع من التطهير بالنبيذ: لا يُحتج به، وضعَّفه في باب الوضوء من لحوم الإبل، وقال في باب: الدية أرباع".

أخماس، ماذا عندك؟ أرباع؟

طالب: أرباع.

نعم.

طالب:.........

غريبة والله، لابد من مراجعته.

"مشهورٌ بالتدليس، وأنه يُحدِّث عمن لم يلقه، ولم يسمع منه، قاله الدارقطني، وضعَّف الحارث الأعور في باب: منع التطهير بالنبيذ أيضًا، وقال في باب: أصل القسامة".

قالوا في الحجاج هذا: عنده شيء من الغرور والكِبر، وكان لا يُصلِّي مع ضعفاء الناس كيف يُصلِّي مع حمَّال وزبَّال، ذُكِر هذا في ترجمته، ولا شك أن هذا قدحٌ فيه.

"قال الشعبي: كان كذابًا"

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

والله الأصل أن يُصلِّي مادام على طهارته الأولى ما شاء من فرائض ونوافل؛ ولكن لقوة القائلين بالقول الثاني الذي هو سهولة التيمم، يُقال: الاحتياط أن يتيمم لكل صلاة.

طالب:.........

من جنابة ما فيه إشكال، لكن الكلام في الحيض، يعني إذا تيممت وصلَّت، وقد طهُرت من الحيض لابد أن تغتسل، لكن هل هذا التيمم يرفع المانع من الوطء كما قيل نظيره في المستحاضة؟ المستحاضة قيل لابن عباس: يطؤها زوجها؟ قال: نعم الصلاة أعظم، يعني: إذا صلَّت فالصلاة أعظم من الوطء، لكن يبقى أن الاستحاضة أسهل بكثير من الحيض.

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

لا..لا الحارث الأعور. نعم.

"وقال في باب: أصل القسامة، قال الشعبي: كان كذابًا.

المسألة السابعة: إذا كان في بدنه نجاسة، ولم يجد الماء، هل يتيمم لطهارة تلك النجاسة الكائنة في بدنه، فيكون التيمم بدلاً عن طهارة الخبث عند فقد الماء، كطهارة الحدث، أو لا يتيمم لها؟

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يتيمم عن الخبث، وإنما يتيمم عن الحدث فقط. واستدلوا بأن الكتاب والسُّنَّة إنما دلا على ذلك، كقوله: { } [النساء:43].

وتقدَّم في حديث عمران بن حصين، وحديث عمار بن ياسر المتفق عليهما: التيمم عند الجنابة، وأما عن النجاسة فلا، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يجوز عن النجاسة إلحاقًا لها بالحدث، واختلف أصحابه في وجوب إعادة تلك الصلاة.

وذهب الثوري، والأوزاعي، وأبو ثور إلى أنه يمسح موضع النجاسة بترابٍ، ويُصلي، نقله النووي عن ابن المنذر".

التيمم عن النجاسة إذا كان الوضوء لا يرفع النجاسة، عليه نجاسة وتوضأ، فالتيمم من باب أولى، لكن قد يقول قائل: إن الوضوء لا يرفع النجاسة؛ لأن بإمكانها أن يرفعها حقيقةً بالماء الذي توضأ به، بخلاف التراب الذي لا أثر له في إزالة النجاسة، وإن كان قد يُقال: إنه يُخففها إذا كان لها جُرم فدُلِكت في التراب تخف النجاسة، لكن مع ذلك النجاسة باقية.

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

نعم، لكن في أي البابين؟

طالب:.........

نعم هو أخماس هذا الذي عندنا.

طالب:.........

ماذا فيه؟

طالب:.........

هو رواية في المذهب عامة أهل العلم عليها.

نقف على هذا؟

طالب:.........

لأنها آية مستقلة.

اللهم صلِّ على محمد.