شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (041)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وبارك في الإخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا عند قول المؤلف:

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثُدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليّ عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجره» قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: «الدين».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قول المؤلف رحمه الله تعالى:

"وعنه" أي عن أبي سعيد راوي الحديث السابق، وتقدم التعريف به، والحديث تابع للترجمة السابقة عند الإمام البخاري: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال يقول ابن حجر: ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون في لبسها، فدل على أنهم متفاضلون في الإيمان، قلتُ: وقد جاء التعبير بالدين بإزاء الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19] والإسلام والإيمان عنده يعني الإمام البخاري مترادفان، كما تقدم التنبيه عليه مرارًا، وسيأتي في كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى.

وفي حديث أبي هريرة الآتي في قصة جبريل: «جاء يعلم الناس دينهم» وكانت أسئلة جبريل -عليه السلام- عن الإيمان والإسلام والإحسان، الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى بسط الكلام في هذه المسألة، فقال: هذا الحديث نص في أن الدين يتفاضل، وقد استدل عليه بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] وأشار البخاري إلى ذلك في موضع آخر، ويدل عليه أيضاً قول النبي -عليه الصلاة والسلام- للنساء: «ما رأيت من ناقصت عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» وفسر أو فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- نقصان دينها بتركها الصوم والصلاة أيام حيضها، فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين، وقد صرح بدخول الأعمال في الدين طوائف من العلماء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم، فمن قال: الإسلام والإيمان واحد فالدين عنده مرادف لهما، وهو اختيار البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل الحديث، ومن فرق بينهما فاختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن الدين أعم من الإيمان والإسلام؛ لأنه يشملهما، يشمل الإيمان والإسلام، كما أنه يدخل فيه أيضًا الإحسان كما دل عليه حديث جبريل، ومن قال: الإيمان التصديق، والإسلام الأعمال فأكثرهم جعل الدين هو الإسلام، وأدخل فيه الأعمال، وأما من قال: إن كلاً من الإسلام والإيمان إذا أطلق مجردًا دخل الآخر فيه، وإنما يفرق بينهما عند الجمع بينهما وهو الأظهر، فالدين هو مسمى كلٍ منهما عند إطلاقه، وأما عند اقترانه بالآخر فالدين أخص باسم الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والانقياد، وكذلك الدين يقال: دانه يدينه إذا قهره، ودان له إذا استسلام له وخضع وانقاد؛ ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الإسلام دينًا، فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19] وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [سورة آل عمران 85] وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [سورة المائدة 3] هذا كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى، وتقدم مرارًا التنبيه على الفرق بين الإسلام والإيمان عند الاجتماع، وأما عند الافتراق فالإسلام الممدوح صاحبه يدخل فيه الإيمان، وكذلك الإيمان يدخل فيه الإسلام.

قوله: «بينا أنا نائم» أصل (بينا) بين، ثم أشبعت بالفتحة فصارت ألفًا، قال الشاعر:

فبينا نحن نرقبه أتانا

 

 

 

...................................
ج

وربما قيل: (بينما) بالميم، وفي الحديث استعمال (بينا) بدون (إذا) وبدون (إذ) وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه، وإن كان الأكثر على خلافه، والحديث يدل على استعماله لغة، وتقدمت الإشارة والتنبيه على الاحتجاج بالحديث في اللغة، فلا حاجة إلى إعادته وتكراره «أنا» مبتدأ «ونائم» خبره، «رأيت» مشتق من الرؤيا، وهي التي تكون في المنام، لكن لقوتها أشبهت البصرية؛ لأن رؤيا الأنبياء حق.

المقدم: (بينا) تأخذ نفس حكم (بين) الآن؟ تعتبر ظرف مثلها يا شيخ؟

هي ظرف نعم.

ولذا عديت إلى مفعول واحد «رأيت» مشتق من الرؤيا، وهي التي تكون في المنام، لكن لقوتها أشبهت البصرية، فأخذت حكمها، فعُديت إلى مفعول واحد، والفعل (رأى) تختلف معانيه باختلاف مصادره، وإن كان لفظ الماضي واحد، لكن المصادر تختلف ألفاظها، وتختلف المعاني تبعًا لذلك، فإذا قلت: رأيت رؤيا كما هنا، أي: في المنام، ورأى رؤية، أي بالبصر، ورأى رأيًا، أي بعقله ومذهبه.

الناس «رأيت الناس» في التهذيب للأزهري، يقول: ناس الشيء ينوس نوسًا ونوسانًا إذا تحرك، وقيل لبعض ملوك حمير: ذو نواس لظفيرتين كانتا تنوسان على عاتقيه، وفي اللسان والقاموس: الناس يكون من الإنس ومن الجن، الناس جمع، يقول: جمعه..، أو جمع أُنس أصله أُناس، فخفف، يقول في القاموس: جمع عزيز أدخل عليه (أل) ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضًا من الهمزة المحذوفة؛ لأنه لو كان كذلك لما اجتمع مع المعوض منه، كلام ملفق من القاموس واللسان، في قول الشاعر:

إن المنايا يطلعن

 

على الأناس الآمنينا

هنا يقول: الناس يكون من الإنس ومن الجن؛ لماذا؟ لأن الأصل في المادة التحرك، والحركة كما تحصل من الإنس تحصل من أيضًا من الجن، وإذا قلنا بهذا قلنا: لكل ما يتحرك ناس، وإن كان العرف خص الناس...

المقدم: ببني آدم.

ببني آدم، وهم الإنس، ولا شك أن الحقيقة العرفية قد تختلف مع الحقيقة اللغوية، الأصل إذا نظرنا إلى أصل المادة وهو الحركة قلنا: كل ما يتحرك ناس، وإذا قلنا: إنه يكون الناس من الإنس ومن الجن قلنا: هذه حقيقة لغوية وإلا عرفية؟ الآن في القاموس واللسان أيضًا يقول: الناس يكون من الإنس ومن الجن.

المقدم: حقيقة لغوية تكون.

هو من أهل اللغة، لكن هل الحقيقة اللغوية تخصص الناس بالإنس والجن؟ أو نقول: العرف خصه بالإنس والجن؟ وإلا فالأصل في اللغة أن الناس كل ما ينوس يعني يتحرك، إذًا حقيقة عرفية أو لغوية؟

المقدم: عرفية.

عرفية، مثل الدابة، الأصل فيها كل ما يدب على وجه الأرض، لكن خصت بذوات الأربع عرفًا.

«ورأيت الناس» جواب (بينا) «يعرضون عليّ» جملة حالية، أي: يظهرون لي، ويقال: عرض الشيء إذا أبداه وأظهره، وعرضت له الشيء أظهرته، وفي العُباب: عرض له أمر كذا يعرض بالكسر أي ظهر، وعرضت عليه أمر كذا، وعرضت له الشيء إذا أظهرته له، أعرضت له، أي أظهرته له، وإذا جئت بـ(إذا) بدل (أي) ماذا تفعل؟ تقول: عرضت له الشيء، أي أظهرته له، هذا ما فيه إشكال بـ(أي) التفسيرية، لكن إذا جئت بـ(إذا) مكان (أي) نعم إذا أظهرته...

المقدم: إذا أظهرته له.

إذا أظهرته له وأبرزته إليه.

«وعليهم قمص» الواو واو الحال، وقُمص بضم القاف والميم جمع قميص كرغيف ورُغف، ويجمع أيضًا على قمصان وأقمصة كرغفان وأرغفة، والجملة حالية: «منها» أي: من القمص، خبر مقدم «ما» أي: الذي، مبتدأ مؤخر «يبلغ الثُدي» بضم الثاء وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي، نحو: فلس وفلوس، يُذكر ويؤنث، ويكون للمرأة والرجل، الحديث يدل على كونه...

المقدم: للرجال.

 للرجال.

المقدم: لأنه قال: قُمص؟

لا؛ لأن منهم عمر بن الخطاب، نعم شوف لفظ الحديث قال: «عرض عليّ عمر بن الخطاب».

المقدم: نعم، لكن ما يفهم أيضًا من القمص أو القمص تكون حتى للنساء أيضًا.

كذلك.

المقدم: في اللغة.

القميص للرجل والمرأة.

المشهور عند أهل العلم أن الثدي للمرأة بينما الرجل يقال له: ثُندوة وليس ثدي، لكن في هذا الحديث وغيره من النصوص ما يدل على أن الرجل أيضًا له ثدي، قيل: يختص بالمرأة، والحديث يرد على هذا القول، وهو منصوب، ثُدي منصوب مفعول يبلغ، وفي رواية أبي ذر: «الثدي» بالإفراد، «ومنها» أي القمص «ما دون ذلك» أي الذي لم يصل الثُدي لقصره.

«وعُرض عليّ» عُرض مبني للمفعول «عمر بن الخطاب رضي الله عنه» نائب الفاعل، أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب القرشي العدوي، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، مناقبه وفضائله كثيرة جداً، ألفت فيها الكتب المفردات التي بلغت المجلدات.

«وعليه»...

المقدم: الثُدي تجمع على أثداء يا شيخ يصح هذا؟ انتشر عند الناس يقولون: أثداء جمع ثدي؟

أو أثدٍ مثل أيدٍ، يمكن هذا.

"«وعليه قميص يجره لطوله» قالوا" أي الصحابة، يقول ابن عساكر: قال، أي عمر بن الخطاب أو غيره أو السائل أبو بكر الصديق كما وقع عند الحكيم الترمذي، ونقله عنه الحافظ في كتاب التعبير.

«فما أولت؟» أي فما عبرت؟ والتأويل له معانٍ منها التفسير، يأتي التأويل ويراد به التفسير، وهذا يستعمله ابن جرير في تفسيره بكثرة، بل في كل آية يقول: القول في تأويل قوله تعالى، والمراد التفسير، ومن معانيه ما يؤول إليه الأمر، ومنه تأويل الرؤيا؛ كقوله تعالى عن يوسف: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} [سورة يوسف 100] ومنه: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح بدليل يصيره راجحًا، وهذا هو التأويل الذي يرتكبه الخلف ليفروا مما أثبته الله سبحانه وتعالى، وأثبته له رسوله لله عز وجل من صفات الكمال، ونعوت الجلال، يرتكبون هذا المعنى من التأويل الاحتمال المرجوح، ويتركون الراجح، قالوا: لدليل يصيره راجحًا، لكن تأويلهم الصفات باللجوء إلى الاحتمال المرجوح الدليل الذي صيره راجحًا حسب ظنهم التنزيه، تنزيه الله سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين، لكن هذا الدليل لا مستند له، فالتنزيه ممكن، بل الإثبات هو عين التنزيه، إذا أثبتنا لله سبحانه وتعالى ما نسبه لنفسه، وما أضافه إلى نفسه أو نسبه إليه نبيه -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة المخلوق نكون عملنا بالاحتمال الراجح، وما ورد في النصوص، ولم نرتكب محظورًا.

والمراد بالتأويل هنا: «فما أولت؟» هنا التعبير؛ لأن هذه الرؤيا في المنام «ذلك» أي الذي رأيت يا رسول الله؟ "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدين»" أي: أولت ذلك الذي رأيته بالدين، قال الكرماني: فإن قُلتَ: يلزم من الحديث أن يكون عمر رضي الله عنه أفضل من أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن المراد بالأفضل الأكثر ثواباً، والأعمال علامات الثواب، فمن كان دينه أكثر فثوابه أكثر، وهو خلاف الإجماع، يقول الكرماني: قُلتُ: لا يلزم إذ القسمة غير حاصرة لجواز قسم الرابع، الأقسام الثلاثة منها ما يبلغ الثُدي، ومنها ما دون ذلك، ومنها من يجر قميصه، هذه ثلاثة...

المقدم: بقي رابع.

بقي رابع وهم فوق ذلك ومنهم أبو بكر، وش الإشكال؟ يقول الكرماني: فإن قلت: يلزم من الحديث أن يكون عمر رضي الله عنه أفضل من أبي بكر؛ لأن المراد بالأفضل الأكثر ثوابًا، والأعمال علامات الثواب فمن كان دينه أكثر فثوابه أكثر، وهو خلاف الإجماع، نعم الإجماع قائم على أن أبا بكر أفضل من عمر، على ما سيأتي، قلت: لا يلزم، يقول الكرماني: إذا القسمة غير حاصرة لجواز قسم الرابع، يقول: سلمنا انحصار القسمة لكن ما خصص القسم الثالث بعمر.

«وعُرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره» هل هذا ينفي أن يكون غيره عليه قميص يجره؟ لا يمنع، ومن هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه، وغير أبي بكر من بقية الخلفاء الأربعة، بل العشرة.

يقول: لما ثبت من طرق تبلغ حد التواتر المعنوي أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة إجماعًا قطعيًا وضللوا مخالفه، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: وإنما فسر القميص في المنام بالدين لأن الدين والإسلام والتقوى كل هذه توصف بأنها لباس؛ قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [سورة الأعراف 26] وقال أبو الدرداء: الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة، وينزعه أخرى، وفي الحديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ينزع منه سربال الإيمان، حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» متفق عليه، غير هذه الزيادة، يقول النابغة: "الحمد لله" عند ابن رجب "الذي لم يأتني أجلي" والذي نحفظ:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

 

حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً

وقال أبو العتاهية:

إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى

 

تقلب عريانًا وإن كان كاسيا

فهذه كلها كسوة الباطن وهو الروح، وهو زينة لها، كما في حديث عمار: «اللهم زينا بزينة الإيمان» رواه أحمد والنسائي، كما أن الرياش زينة للجسد وكسوة له، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [سورة الأعراف 26] ومن هنا قال مجاهد والشعبي وقتادة والضحاك والنخعي والزهري وغيرهم في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سورة المدثر 4] إن المعنى طهر نفسك من الذنوب، وقال سعيد بن جبير: وقلبك ونيتك فطهر، وقريب منه قول من قال: وعملك فأصلح، وعن الحسن والقرضي قالا: خُلقك حسنه، كنى بالثياب عن الأعمال وهو الدين والتقوى والإيمان والإسلام، وتطهيره إصلاحه وتخليصه من المفسدات له، وبذلك تحصل طهارة النفس والقلب والنية، وبه يحسن أو يحصل حسن الخلق؛ لأن الدين هو الطاعات التي تصير عادة وديدنًا وخلقًا، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم 4] فسره ابن عباس بالدين.

النووي رحمه الله يقول: في الحديث فوائد، منها: أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان والدين بمعنى، وفيه تفاضل أهل الإيمان الذي ترجم به، وفيه بيان عظيم فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه تعبير الرؤيا، وسؤال العالم بها عنها، كذا يقول النووي وغيره، وهو ظاهر من الحديث.

قلت: وليس كل ما يرى في النوم يطلب تعبيره، خلافًا لما عليه الناس اليوم، فإذا رأى الإنسان ما يسره فليحمد الله على ذلك، وليحدث به، وإذا رأى غير ذلك فإنما هو من الشيطان فليستعذ بالله، ولا يذكر ذلك لأحد، فإنه لا يضره، كما جاء في البخاري من حديث أبي سعيد، الآن مجرد ما يرى النائم أي شيء صغر أم كبر ساء أو سر فإنه يعرضه على المعبرين، وبعض المعبرين أو من يتصدى للتعبير، هداهم الله لا يتورع فيفرق بين ما يمكن تعبيره وما لا يمكن تعبيره، توسع الناس في هذا توسعًا غير مرضي، فعبروا كل شيء ولو كان مما لا يترتب عليه فائدة، بل قد يعبرون أشياء توقع بعض الناس في بعض الحرج، فتوسعهم في هذا غير مرضي، وإن كان من نعرفه منهم على خير وصلاح إن شاء الله تعالى كذا نحسبهم والله حسيبهم.

وفيه أيضًا البخاري من حديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه، وليبصق عن شماله، فإنها لا تضره» وسيأتي مزيد بحث لهذه المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير.

قال النووي: وفيه أيضاً إشاعة العالم الثناء على الفاضل من أصحابه إذا لم يخش فتنة بإعجاب ونحوه، ويكون الغرض التنبيه على فضله لتعلم منزلته، ويعامل بمقتضاها، ويرغب في الاقتداء به، والتخلق بأخلاقه.

تفضل يا شيخ.

السائل: ألا يقال: لا يلزم من هذا الحديث أن يقال: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، ولكن يقال أن هذا ذكر فضل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب اللبن وأعطى الفضل عمر رضي الله عنه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في المنام رأى أبي بكر رضي الله عنه ينزع الدلو وفي نزعه رضي الله عنه ضعف، وعمر ينزعه بقوة رضي الله عنه، فهل يقال أن هذا ذكر لفضل عمر بن الخطاب وليس فيه أن عمر بن الخطاب أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟

أقول: الفضائل والمناقب قد يحصل للمفضول في بعضها ما لا يحصل للفاضل، وإذا كان الفاضل أو الأفضل من غيره فإنه لا يعني أنه أفضل من غيره من كل وجه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق على الإطلاق، ومع ذلكم قال عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: أنه أول من يكسى يوم القيامة، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وقال عن موسى -عليه السلام- النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فإذا انشقت عنه الأرض فإذا موسى آخذ بقائمة العرش» يقول: «لا أدري بعث قبلي أم جوزي بصعق الطور؟» على كل حال مثل هذه الفضائل والخصائص التي تأتي لأحد من الناس من وجه لا يعني أنه أفضل من غيره مطلقًا، فكون نزع عمر بن الخطاب من الدلو أقوى من نزع أبي بكر، لا شك أن عمر رضي الله عنه في خُلقه أو في خَلقه يمتاز بالقوة والشدة، بينما أبو بكر رضي الله عنه مع عظيم ما وقر في قلبه من الإيمان مما فاق به..، من الإيمان بما فاق به غيره في خلقه لين وسهولة، وليس بضعف هذا، وإن كان في نزعه ضعف؛ لأن في خلقه اللين والسهولة، بخلاف ما في خلق عمر رضي الله عنه، وعلى كل حال النظر إلى المجموع، مجموع الفضائل والمزايا عند أبي بكر رضي الله عنه تفوق ما عند عمر رضي الله عنه من هذا النوع، بل عمر لا يقارب أبي بكر، ولا يدانيه في هذا، والله المستعان، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم بعضهم يستدل، بعض المؤولين بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل الصحابة رضي الله عنهم: «أيكم رأى رؤيا؟» فهل يعتبر هذا منهج بحيث أن المعبر يسأل الناس: من رأى منكم رؤيا؟ وبالتالي يجمعهم ويطلبون التأويل منه؟

أقول: هذا إذا وقع من النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم الذي هو أعلم الأمة على الإطلاق، بل أعلم الخلق، وأعرفهم بربه، لا يعني أن هذا يطلب من غيره -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن كون الإنسان يطلب من الناس أن يعبر لهم ويؤول اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا، معناه كأنه يقول للناس: أنا أعلم الناس بهذا الشأن، فاسألوني هذا من وجه، الأمر الثاني: أن الصحابة أيضًا يفرقون بين الحلم والرؤيا، وعامة الناس وسائرهم مما يظهر من خلال أسألتهم عدم التفريق، والله المستعان، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، انتهت حلقة هذا الأسبوع من برنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة الأسبوع القادم لنستكمل بقية مواضيع هذا الحديث، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.