شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (295)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً بكم إلى حلقة في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات لازلنا في الحديث (120) بحسب المختصر، (146) بحسب الأصل حديث عائشة في باب خروج النساء إلى البراز، توقفنا عند قضية موافقة عمر –رضي الله عنه- لبعض القضايا التي نزل الوحي تأييدًا له فيها، نستكمل ما تبقى من هذا الموضوع، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،

فنهاية الحلقة السابقة أشرنا إلى أن هناك موافقات لعمر –رضي الله عنه وأرضاه- تبلغ نحو العشرين، والذي جرنا إلى الحديث عنها موافقته في نزول الحجاب في هذا الحديث.

يقول القسطلاني: هذا أحد المواضع الأحد عشر.

المقدم: القسطلاني يراها إحدى عشر.

ثم أحال إلى موضع –هذا في الجزء الأول صفحة (237) - أحال إلى موضع في السابع صفحة ثلاثمائة وثلاثٍ وواحد، قال: تحصّل من جملة الأخبار لعمر من الموافقات خمسة عشر، تسع لفظيات وأربع معنويات وثنتان في التوراة، ووقع في يدي قديمًا رسالة صغيرة، اسمها "اقتناء الثمر" أو ...

المقدم: كنت أسألك هل جمع أحد هذه الموافقات؟

هي مجموعة، رسالة صغيرة وغابت عني؛ نظرًا لكثرة الكتب هي صغيرة جدًّا، فيها نحو العشرون، على كل حال: إذا فصلنا كلام القسطلاني في الموضع المحال عليه مع ما أورده المحب الطبري علمًا بأن كلام القسطلاني في جملته مأخوذ من كلام المحب الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، في ترجمة عمر ذكرها باستطراد.

المقدم: المحب الطبري هذا في أي قرن؟

هذا توفي سنة ستمائة وأربع وتسعين، يعني: في أواخر القرن السابع.

المقدم: ومهتم بالتأريخ؟

نعم، له الرياض النظر في المناقب العشرة، وله السمْط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، وله ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى، وله القرى لقاصد أم القرى، مكثر ومؤلف نعم، له كتب كثيرة جدًّا، المقصود: أن هذه الموافقات..

المقدم: لكن قلت هنا وأوصلها خمسة عشر، ثم أشرت إلى الطبري.

الطبري بالتفصيل بالأسانيد، وهذا اختصرها.

المقدم: في حديثه عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-.

في ترجمة عمر، نعم.

المقدم: المقصود منها قدر العشرة وهم العشرة المبشرين بالجنة.

نعم بلاشك.

المقدم: وهو على ما هو عليه من مذهب أهل السنة العشرة المعروفين ما غيرهم.

نعم، ما فيهم إشكالات.

يقول القسطلاني في الموضع المحال عليه في الجزء السابع، قال: تحصل من جملة الأخبار لعمر –رضي الله عنه- من الموافقات خمسة عشر، تسع لفظيات وأربع معنويات وثنتان في التوراة، يقول: فأما اللفظيات ففي مقام إبراهيم، حيث قال: «يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى» فنزلت الآية، والحجاب الذي معنا، وفي أسارى بدر حيث شاوره –عليه الصلاة والسلام- فيهم، فقال عمر: «يا رسول الله، هؤلاء أئمة الكفر، فاضرب أعناقهم، فهوي رسول الله– صلى الله عليه وسلم- ما قاله الصديق من إطلاقهم وأخذ الفداء، فنزلت: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال:67]». رواه مسلم وغيره، يعني كان الإصابة في جانب عمر، والمسألة اجتهادية، ما حصل منه –عليه الصلاة والسلام- من موافقة لأبي بكر في مسألة اجتهادية غاية ما يقال فيها إنها خلاف الأولى؛ لأنه قد يتطرق لذهن السامع أن الإصابة مع عمر فالخطأ مع غيره، لا، هذا خلاف الأولى والمسألة اجتهادية.

المقدم: وهذا يفهم أن فيها عتابًا، فبالتالي..

نعم، النبي –عليه الصلاة والسلام- لمقامه يعاتب على مثل هذا، ولو حصل اجتهاد من غيره لأُجر من دون عتاب.

ومنها قوله لأمهات المؤمنين: «لتكففن عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو ليبدلنه الله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت».

المقدم: {يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} [التحريم:5].

نعم نعم، أخرجه أبو حاتم وغيره، وقوله: لما اعتزل –عليه الصلاة والسلام- نساءه في المشربة، والقصة في الصحيح: يا رسول الله، إن كنت طلقت نساءك فإن الله –عزَّ وجل- معك وجبريل، وأنا أبو بكر والمؤمنون، فأنزل الله عليه: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم:4] إلى آخر الآية.

وأخذ بثوب النبي –صلى الله عليه وسلم- لما قام يصلي على عبد الله بن أبيّ ومنعه من الصلاة عليه، فأنزل الله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:84]. أخرجاه، يعني: في الصحيحين.

ولما نزل {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[التوبة:80] قال –عليه الصلاة والسلام-: «فلأزيدن على السبعين» فأخذ في الاستغفار لهم، فقال عمر: يا رسول الله، والله لن يغفر الله لهم أبدًا، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فنزلت: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:6].

ولما نزل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] إلى قوله: {أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون:14] قال عمر: تبارك الله أحسن الخالقين. رواه الواحدي في أسباب النزول.

وفي رواية: فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تزيد في القرآن يا عمر» فنزل جبريل بها، وقال: «إنها تمام الآية». يقول خرجها الساجاوندي في تفسيره.

المقدم: وهذا –عفوًا يا شيخ- من مآخذ بعض المستشرقين مع الأسف الذين يقدحون في القرآن يقولون فيه زيادات من عمر وأمثال عمر، مما رد عليهم أهل السنة طبعًا في هذا الكلام الخطير.

لكن هل ثبتت بدون إقراره –عليه الصلاة والسلام- بدون نزول جبريل بها؟ يعني: هل عمر ألحقها بقلمه في القرآن من غير علمه –عليه الصلاة والسلام- ومن غير نزول جبريل؟ ما يمكن.

قال: ولما استشاره –عليه الصلاة والسلام- في عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فقال عمر: يا رسول الله، من زوجكها؟ قال: «الله تعالى» قال: أفتظن أن ربك دلس عليك؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16]، فأنزلها الله تعالى، ذكره صاحب الرياض، يعني الرياض النضرة عن رجل من الأنصار، هذا موجود في الرياض النضرة في الجزء الأول صفحة مائتين وخمسة من الطبعة الأولى، ومن الثانية في الجزء الأول صفحة مائتين وسبعة وستين، هذه لفظيات، وأما بالنسبة للمعنويات يقول: فروى ابن السمان في الموافقة أن عمر –رضي الله عنه- قال لليهود: أنشدكم بالله، هل تجدون وصف محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- في كتابكم؟ قالوا: نعم، قال: فما يمنعكم من اتباعه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولًا إلا كان له من الملائكة كفيل، وإن جبريل هو الذي يكفل محمدًا، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا، فلو كان هو الذي يأتيه لاتبعناه، قال عمر –رضي الله عنه-: فإني أشهد أنه ما كان ميكائيل ليعادي سلم جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل، فنزل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98].

وعند القلعي: أن عمر –رضي الله عنه- كان حريصًا على تحريم الخمر، وكان يقول: اللهم بيّن لنا في الخمر فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة:219] الآية، فتلاها عليه –يعني على عمر رضي الله عنه-، –عليه الصلاة والسلام- فلم يرَ فيها بيانًا شافيًا؛ لأنه بين فيها منافع وفيها مضار، وهذا لا يدل على تحريمها، فيها إثم لكن ليس فيها تحريم جازم، فلم يرَ فيها بيانًا جازمًا فقال: اللهم بيِّن لنا بيانًا شافيًا، فنزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43]، فتلاها عليه –عليه الصلاة والسلام- فلم يرَ فيها بيانًا شافيًا، إنما المنع منها إذا قرب وقت الصلاة، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90].

المقدم: خلاص هذا البيان.

الآية، فتلاها عليه –عليه الصلاة والسلام- فقال عمر عند ذلك: انتهينا يا رب انتهينا.

المقدم: هذه من الموافقات اللفظية؟

لا لا، وذكر الواحدي أنها نزلت في عمر ومعاذ ونفر من الأنصار.

 وعن ابن عباسٍ أنه –صلى الله عليه وسلم- أرسل غلامًا من الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر على حالةٍ كره عمر –رضي الله تعالى عنه- رؤيته عليها، فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمر ونهانا في حال الاستئذان، فنزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور:58] الآية، رواه أبو الفرج وصاحب الفضائل، معروف أبو الفرج، الذي يظهر أنه ابن الجوزي، ابن الجوزي له كتاب عن عمر بن الخطاب في مناقب عمر بن الخطاب في مجلد، وذكر مما يتعلق بمناقبه الشيء الكثير، وكذلك الحافظ ابن كثير له مصنف في فضائل عمر، ذكر أشياء كثيرة، لكن المصنف لم نقف عليه مفردًا، وإنما ترجمته من البداية مطولة.

وقال بعد قوله: فدخل عليه، وكان نائمًا وقد انكشف بعض جسده، فقال: اللهم حرم الدخول علينا في وقت نومنا، فنزلت.

ولما نزل قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] بكى عمر– رضي الله عنه- وقال: يا رسول الله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}؟ آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منّا قليل؟ فأنزل الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] فدعاه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال: «قد أنزل الله فيما قلت».

وأما موافقته لما في التوراة، فعن طارق بن شهابٍ قال: جاء رجل يهودي إلى عمر بن الخطاب، فقال: أرأيت قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] فأين النار؟ إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض، أين النار؟

المقدم: هذه شهبة قديمة، أعتقد أنها

لا لا قديمة عند اليهود قديمة، نعم..

فأين النار؟ فقال لأصحاب النبي –عليه الصلاة والسلام- أجيبوه، فلم يكن عندهم منها شيء، فقال عمر: أرأيت النهار إذا جاء أليس يملأ السماوات والأرض؟ قال: بلى، قال: فأين الليل؟ قال: حيث شاء الله –عز وجل-، فقال عمر: فالنار حيث شاء الله –عز وجل-، قال اليهودي: والذي نفسك بيده يا أمير المؤمنين، إنها لفي كتاب الله المنزل كما قلت.

المقدم: يقصد التوراة؟

نعم، ورُوي أن كعب الأحبار قال يومًا عند عمر بن الخطاب: ويلٌ لملك الأرض من ملك السماء، كعب الأحبار كان يهوديًّا ثم أسلم، فقال يومًا عند عمر بن الخطاب: ويلٌ لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعبٌ: والذي نفسي بيده إنها لتابعتها في كتاب الله –عز وجل- فخرّ عمر ساجدًا لله، انتهى بحروفه من إرشاد الساري وهو ملخص من مناقب عمر من الرياض النضرة للمحب الطبري.

هذه الفضائل منها ما في الصحيح ومنها ما في غيره، ومنها ما هو في صحيح ثابت متفق على صحته، ومنها ما فيه كلام، لكن أمور الفضائل لا يطلبون فيها...

المقدم: تحديد الصحة والتدقيق في الصحة.

نعم، يعني يتساهلون فيها، أمور الفضائل، زاد بعضهم آية الصيام في حل الرفث.

المقدم: لأنه مر بنا إذا أذنتم قبل قليل عن رجلٍ من الأنصار.

من الأنصار صحابي، يعني صحابي ما تظهر جهالته، زاد بعضهم آية الصيام في حل الرفث، يعني: ليلة الصيام، {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] كان الرفث ممنوعًا لمن نام.

المقدم: قبل أن يفطر.

وأيضًا موافقة في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:223]، وموافقة في قوله -جلَّ وعلا-: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65]. وأيضًا نسخ الرسم لآية الرجم وفي الأذان وغيرها.

 المقصود: أن له موافقات كثيرة، وهذه تدل على فضله، ومع كونه بهذه المثابة وهذه المنزلة، إلا أنه تابع للرسول –عليه الصلاة والسلام- يؤتى بمثل هذه الفضائل في وقتٍ يسب فيه عمر، ويكفر فيه عمر، ويلعن عمر، حتى في القنوات ظاهر هذا، لكن مع ذلك يُؤتى بمثله وليس بالمعصوم، يعني ما فيه عصمة إلا للرسل –عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- ومع ذلك وإن مر بنا في مسألة الأسارى أن رأيه أرجح من رأي أبي بكر الذي مال إليه –عليه الصلاة والسلام- إلا أن أبا بكر أفضل منه بلا شك، هذا هو المقطوع والمجزوم به عند أهل السنة والجماعة.

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري.

المقدم: في ستة مواضع أو خمسة؟

خمسة، أخرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع: الأول: هنا في كتاب الوضوء، في باب خروج النساء إلى البراز، قال: حدثنا يحيى بن بكيرٍ قال: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: «أن أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- كنَّ يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع» إلى آخر الحديث الذي شُرح، تقدم ما يتعلق بالمناسبة، والمناسبة ظاهرة، مطابقة للترجمة.

الموضع الثاني: في الكتاب والباب المذكورين، يعني: في كتاب الوضوء، في باب خروج النساء إلى البراز، قال: حدثنا زكريا، قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي– صلى الله عليه وسلم- قال: «أُذِن أن تخرجن في حاجتكن» قال هشام: يعني البَراز، يعني في قصة سودة، وفي قصة سودة كان عمر –رضي الله عنه- يود أن..

المقدم: ينزل الحجاب.

ينزل حجاب آخر، بعد نزول حجاب الجسد ينزل حجاب خاص بأمهات المؤمنين يحجب أشخاصهن، يعني امتثالًا لقوله -جل وعلا-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] وقال النبي– عليه الصلاة والسلام- هنا «قد أُذِن لكن أن تخرجن في حاجتكن»، فالخروج للحاجة لا ينافي  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} لكن الحاجة تقدر بقدرها، لا يُسمع مثل هذا الكلام من النساء الخراجات الولاجات، اللواتي معظم أوقاتهن في الأسواق والطرقات، فيستدللن بمثل هذا، لا، الأصل القرار في البيوت، لكن إذا وُجد حاجة فلا مانع من الخروج بالضوابط الشرعية.

المقدم: لماذا كرر البخاري –رحمه الله- الحديث؟ فيه سبب يا شيخ؟ في نفس الباب.

يعني البخاري –رحمة الله عليه- حينما ذكر الحديث في الموضع الأول عن عموم أزواج النبي– عليه الصلاة والسلام- كن يخرجن بالليل يتبرزن بالمناصع، إلى آخره، فكان عمر يقول للنبي –عليه الصلاة والسلام-: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي عشاءً وكانت امرأةً، إلى آخره؛ فحرصًا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب. لأن هذه أكثر من واقعة، وذكرنا فيما تقدم أن الحجاب أُنزل على ثلاثة وجوه، على ثلاثة أنحاء: حجاب الوجه، ثم حجاب الأشخاص، ثم بعد ذلك حجاب.

المقدم: أمهات المؤمنين الخاص جدًّا، القرار.

القرار في البيوت، وذكرنا ذلك في حلقة مضت عن العيني وابن حجر.

المقدم: يعني المراد تكريره حتى يبين الفرق بين هذين الحجابين، وبين..؟

نعم نعم، يقول: لأن الحُجب ثلاثة، هذا في كلام العيني وكلام ابن حجر أيضًا، الأول: أمر بستر وجوههن يدل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59].

الثاني: الأمر بإرخاء الحجاب بينهن وبين الناس، يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

والثالث: الأمر بمنعهن من الخروج من البيوت إلا لضرورة شرعية، فإذا خرجن فلا يظهر شخصهن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها سترت شخصها حين خرجت، يعني، وزينب عُمِل لها قبة حين توفيت، يعني: حجب الأشخاص، وذكرنا في وقتها في حلقة مضت أن هذا كلام العيني وقبله كلام ابن حجر نفس الكلام، يذكرون المراحل الثلاث، وينصون على أن الأول الأمر بستر الوجوه، مما يدل على أن هذا مذهب الحنفية؛ لأن العيني حنفي، والشافعية؛ لأن ابن حجر شافعي، ومعروف مذهب الحنابلة، فكيف يقول من يقول إن مذهب الجمهور كشف الوجه والكفين؟!

المقدم: هم يقولون هذا بالنسبة لأمهات المؤمنين، بالنسبة للشافعية والأحناف متفق عليه.

لكن العلة مطردة، العلة: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] والتطهير أيضًا مطلب للجميع، فالعدة متعدية كما قال الشنقيطي –رحمه الله- في تفسيره، ليس نساء المؤمنين في غنية عن هذا التطهير.

المقدم: نستطيع أن نلمس الفارق الذي بسببه ساق الإمام البخاري الحديث مرتين في نفس الباب؟

يقول الحافظ ابن حجر –هذا الحديث سيأتي في التفسير مطولًا، وسنورده إن شاء الله تعالى. ومحصله أن سودة خرجت بعدما ضُرِب الحجاب لحاجتها، وهناك يقول: فأنزل الله الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، يقول: بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت عظيمة الجسم فرآها عمر، فقال: يا سودة، أما والله لا تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، فرجعت فشكت ذلك للنبي– عليه الصلاة والسلام- فأوحى إليه فقال: «إنه قد أُذِن لكن أن تخرجن لحاجتكن» يعني: هذا الحجاب الثاني.

يعني: على طريقة الإمام البخاري أنه لا يفصّل في المسائل التي يمكن الإحالة فيها لمواضع أخرى، وهذا تقدم مرارًا.

المقدم: سؤال حول مسألة الحاجة قبل قليل يسأل أحد الإخوة: هل الإحرام يدخل ضمن هذه الحاجة المنصوص عليها هنا؟ إحرام المرأة.. أنها تكشف وجهها؟

لا، قولهم: إن إحرام المرأة في وجهها، هذا ليس من قوله –عليه الصلاة والسلام-، والنصوص كلها تدل من حديث أسماء وحديث عائشة –رضي الله عن الجميع- أنهن كن يكشفن، فإذا حازين الرجال أسدلن خمرهن على وجوههن، هذا معروف.

في الموضع الثالث في كتاب التفسير، باب لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، قال –رحمه الله-: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو أسامة عن هشامٍ عن أبيه عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها.

يقول ابن حجر: تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة.

قال الكرماني: فإن قلت: وقع هنا أنه كان بعدما ضُرب الحجاب، وتقدم في الوضوء –الذي هو حديث الباب المشروح- أنه كان قبل الحجاب، فالجواب: لعله وقع مرتين، قلت –القائل ابن حجر-: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر –رضي الله عنه- وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله له –عليه الصلاة والسلام-: احجب نساءك، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك ألا يبدين أشخاصهن أصلًا، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمُنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن؛ دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج.

المقدم: شيخنا، هذا الموضع الحقيقة يحتاج إلى إيضاح أكثر، لعلنا نستأذنك في أن نبدأ به الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 

تقبلوا في ختام هذه الحلقة تحية الزميل عثمان الجويبر من الهندسة الإذاعية، حتى نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.