شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 23

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم،

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لا زلنا في باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لا نكتب ولا نحسب» من هذا الكتاب، يسرني في البداية أن أرحب بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: الحلقة الماضية -أحسن الله إليك- أشرتم نقلاً عن تفسير النيسابوري بعض العبارات كنا تحدثنا عنها، في البداية هل هذا الكتاب مطبوع؟ هل له من طبعات تفسير النيسابوري هذا؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فهذا الكتاب تفسير النيسابوري المسمى غرائب القرآن ورغائب الفرقان، طبع على هامش تفسير ابن جرير الطبري في طبعتيه الأولى الميمنية والثانية في مطبعة بولاق، ولا أدري ما وجه الربط بينه وبين الطبري، هم يطبعون على هوامش الكتب الكبيرة كتاب أو أكثر من كتاب، لكن في الغالب تجد هناك ارتباطًا بين.

المقدم: صحيح بين الكتابين.

نعم بين الكتابين، يعني لو طبعوا ابن كثير على هامش الطبري أو البغوي أو تفسير الأزهري أو الدر المنثور.

المقدم: مقبول.

نعم، لكن يطبعون تفسيرًا بالرأي ومختصرًا من تفسير الرازي، ومضافًا إليه من تفسير الزمخشري على هامش الطبري، اللهم إلا إن كان قصدهم أن يجمع مقتني الكتاب بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي احتمال، هذا احتمال، الكتاب طبع في المرة الأولى في المطبعة الميمنية على هامش الطبري، وطبع في المرة الثانية في مطبعة بولاق على هامش الطبري أيضًا، وطبع في مطبعة الحلبي طبعة مستقلة قبل خمس وثلاثين سنة تقريبًا، طبع في ثلاثين جزءًا صغارًا، ويمكن تجليده في عشرة مجلدات متساوية، فالكتاب متوسط الحجم، ما هو من الكبار مثل الطبري أو القرطبي وحتى الرازي، لا.

المقدم: أحسن الله إليكم، كنا وعدنا المستمع أن نستكمل الحديث، وبالذات توقفنا عند كلام أهل العلم في الإشارة، لعلها تكون بداية الحديث أيضًا هذا الموضوع يا شيخ.

 نعم، في الحديث: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا». أشار بيديه -عليه الصلاة والسلام- فيه مستند لمن رأى الحكم بالإشارة والإيماء، كمن قال: امرأته طالق، وأشار بأصابعه الثلاثة.

المقدم: هل تحسب ثلاثة أو لا؟

 هل يلزمه ثلاث تطليقات أو لا؟ وهذا كله جارٍ على القول بوقوع الثلاث، وهو قول الجمهور، أما من لا يوقع الثلاث باعتبار أن إيقاع الثلاث دفعة واحدة من غير أن يتخللهن رجعة بدعة، وليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مردود، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-. على من يقول بأن الثلاث مجموعة واقع يختلفون في هذا، لكن من يستدل بالحديث يرى وقوعه؛ لأنه كالتصريح إشارة مفهمة، والنبي- عليه الصلاة والسلام- استعمل الإشارة، ولهذا أورد البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب الطلاق، وإلا فما علاقة الحديث «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين»؟

المقدم: وأورده في كتاب الطلاق.

في كتاب الطلاق.

المقدم: من أجل الإشارة.

نعم، في كتاب الطلاق قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا جبلة بن سحيم: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا، يعني ثلاثين، ثم قال: وهكذا وهكذا يعني تسعًا وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعًا وعشرين».

المقدم: لماذا المصنف أو المحقق ما وضعه مع ضمن الأطراف مع كل أسف.

باعتبار أن الأطراف تقدمت قبل حديث أو حديثين.

المقدم: نعم، بنفس اللفظ، أين تقدمت؟

لا، المختصر ما ذكره.

المقدم: نعم، أقصد المختصر.

المختصر ما ذكر الموضع الأول.

المقدم: كتاب الطلاق.

لا، ما ذكر الموضع الأول في هذا، باب قول النبي: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»، ذكره بين الحديث الأول لابن عمر وحديث أم سلمة برقم ألف تسعمائة وثمانية، ونشير إلى هذا، إن شاء الله تعالى.

المقدم: ما ذكره في ألف تسعمائة وثمانية، وذكره هنا في ألف تسعمائة وثلاثة عشر.

نعم.

المقدم: لكن أقصد الآن أنت تقول -أحسن الله إليك- في كتاب الطلاق.

نعم.

المقدم: المعتاد أن المصنف إذا ذكر الحديث جاء بأطرافه التي ستأتي.

لكن باعتبار أنه ليس هذا هو الموضع الأول الذي أورده فيه البخاري، هو المحقق هنا يتابع من؟ يتابع محمد فؤاد عبد الباقي في بيان الأطراف في الأصل المطبوع مع فتح الباري، ومحمد فؤاد عبد الباقي ما يعيد الأطراف في الموضع الثاني.

يذكر الأطراف في الموضع الأول ولا يعيد، لما حذف من الموضع الأول.

المقدم: ما جاء به.

تبعًا له الأطراف.

المقدم: صحيح نعم أحسنتم.

أورده البخاري -رحمه الله تعالى- لهذا في كتاب الطلاق، فقال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا جبلة بن سحيم: سمعت ابن عمر- رضي الله عنهما- يقول: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين، ثم قال: وهكذا وهكذا يعني تسعًا وعشرين، يقول مرة ثلاثين ومرة تسعًا وعشرين»، وترجم عليه بقوله: باب اللعان وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} إلى قوله: {الصَّادِقِينَ}[سورة النور 6]، فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة أو إشارة أو إيماء معروف فهو كالمتكلم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أجاز الإشارة في الفرائض يعني في الأحكام -عليه الصلاة والسلام- في المفروضات في الصيام كما هنا أجاز الإشارة، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم، قال الله -جل وعلا-: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ  قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[سورة مريم 29]، وقال الضحاك: {إِلَّا رَمْزًا} [سورة آل عمران 41] إشارة، يعني في تفسير قول الله -جل وعلا-: {إِلَّا رَمْزًا } [سورة آل عمران 41] يعني إشارة. وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان، يعني ما لم يصرح بلسانه، والغالب إذا لم يكن مضطردًّا أنه إذا قال: بعض الناس يريد، يريد من؟

الأخ الحاضر: .... الأسلوب الذي يتكلم به العيني.

لا، هذا كلام الإمام نفسه في الصحيح.

المقدم: يقصد نفسه يا شيخ؟

قال بعض الناس.

المقدم: ينقل عمن؟

الآن ذكر القول الأول عن بعض أهل الحجاز وأهل العلم، على كل حال هو قول الجمهور، القول الثاني: وقال بعض الناس: الإمام البخاري مضطرد عنده كثير في المواضع يقول: وقال بعض الناس، حتى إنه من خلال الاستقراء وإن لم يكن تامًّا أنه يريد بهم الحنفية، لكن هذا غالب، وجاء في كتاب ألفه بعض العلماء -لا أذكره الآن- رفع أو كشف الإلباس عن قول البخاري: قال بعض الناس، وذكر واستقرأ الكتاب، والغالب أنه يريد الحنفية، لا حد ولا لعان، ثم زعم أن الطلاق بكتابة أو إشارة أو إيماء جائز، انظر فرق بين الحد واللعان، والطلاق يجوز بالإشارة والإيماء، يقول البخاري: وليس بين الطلاق والقذف فرق، واضح؟ وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان، يعني بالإشارة، ثم زعم أن الطلاق بكتابة أو إشارة أو إيماء جائز، وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام، قيل له: كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام، وإلا بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق، إذا نظرنا إلى الآثار المترتبة على إقامة حد القذف، وأردنا أن ندرأ الشبهة على من قذف بالإشارة، إذا نظرنا إلى الأمور والآثار المترتبة على القذف يعني لا يقلّ عنها الآثار المترتبة على الطلاق إن لم تكن أشد.

يقول: وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام، قيل له: كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام، وإلا بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق وكذلك الأصم يلاعن، كيف يلاعن؟

الأخ الحاضر: بالإشارة.

بالإشارة، وقال الشعبي وقتادة: إذا قال: أنت طالق وأشار بأصابعه تبين منه بإشارته، وقال إبراهيم: الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه. وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز، كيف؟ يعني إذا قيل للأخرس: هل طلقت زوجتك؟

المقدم: فأشار برأسه.

فأشار برأسه أن نعم.

طأطأ برأسه على عادة من يجيب بـ نعم.

وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز. يقول ابن حجر: قد وافق البخاري بعض الحنفية على هذا البحث، وقال: القياس بطلان الجميع، لكن عَمِلنا به في غير اللعان والحد استحسانًا، كيف القياس بطلان الجميع وهو موافق للبخاري؟ أليس القياس إيقاع الجميع ما دام موافقًا للبخاري؟

هو يوافق البخاري في طرد الباب إثباتًا أو نفيًا وعدم التفريق بين هذا وهذا، ما نسبه إلى بعض الناس تفريق؛ لأنه يقول: قال بعض الناس لا حد ولا لعان، ثم زعم أن الطلاق بكتابة أو إشارة أو إيماء جائز، فرق بين هذه الأمور المتماثلة، بعض الحنفية وافق البخاري؛ لأن البخاري يقول هذا الأصل، لكن إن كان ينازع في بعضها فلينازع في الجميع؛ لأن الباب باب واحد، بعض الحنفية الذين وافقوا البخاري على هذا البحث قالوا: القياس بطلان الجميع فلا حد ولا لعان ولا قذف ولا طلاق ولا عتق ولا غيره.

 يقول: لكن عملنا به في غير اللعان والحد استحسانًا، وكون الاستحسان وجعله أصلًا من أصول الشريعة المسألة مختلف فيها، وهو من أضعف الأصول التي يتمسك بها بعض أهل العلم حتى قيل: من استحسن فقد شرع. ومنهم من قال: منعناه في اللعان والحد للشبهة؛ لأنه يتعلق بالصريح كالقذف، فلا يُكتفى فيه بالإشارة؛ لأنها غير صريحة، وهذه عمدة من وافق الحنفية من الحنابلة وغيرهم أنهم جعلوا الحد يُدرأ بالشبهة، والآثار المترتبة على اللعان أشد من الطلاق باعتبار أن اللعان طلاق وزيادة، وردَّه ابن التين بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة، ابن التين رد الكلام الذي سبق بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة إفهامًا واضحًا لا يبقى معه ريبة، قد تكون الإشارة في بعض أصرح من بعض الكلام، من حجتهم أيضًا أن القذف يتعلق بصريح الزنا دون معناه، كيف يشرح الزنا الصريح بالإشارة؟ قد يقول قائل هذا ممكن.

 الأخ الحاضر: ....... يعرفون كل شيء في لغة الصم والبكم.

دعنا من اللغة، هناك إشارات متفق عليها حتى بين المتكلمين وهي إشارات، واحتجوا أيضًا بأن اللعان شهادة، وشهادة الأخرس مردودة بالإجماع، كذا قالوا.

المقدم: لأنها ما تعبر عن رأيه أم ماذا؟

يقول: شهادة الأخرس مردودة بالإجماع، وتُعقِّب بأن مالكًا ذكر قبولها فلا إجماع، وبما أن اللعان عند الأكثر يمين وليس بشهادة يعني، وهل الأيمان مؤكدة بالشهادات أو شهادات مؤكدة باليمين، المسألة بها خلاف بين الأئمة. أطال العيني في مناقشة هذا الكلام في عمدة القاري، فنقل كلامه يخرجنا عن موضوعنا، لكن المقصود من استنباط البخاري لهذا الحكم من الحديث واضح بهذا، والحديث أخرجه البخاري في هذا الموضع من كتاب الصوم باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكتب ولا نحسب»، قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الأسود بن قيس قال: حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول عن النبي- عليه الصلاة والسلام-: «إنا أمة أمية» فذكره، وسبق ذكر المناسبة، سبق أيضًا قبل هذا الموضع من كتاب الصوم باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» يقول: حدثنا أبو الوليد يقول: حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «الشهر هكذا وهكذا، وخنس الإبهام في الثالثة» وسبق الكلام عليه مع أحاديث الباب المذكور، يعني أوردناه ضمن الشرح وتكلمنا عليه ذكره أيضًا البخاري في كتاب الطلاق كما أسلفنا وذكرناه بإسناده، والحديث مخرج في صحيح مسلم، فهو متفق عليه.

الأخ الحاضر: بالنسبة في كتاب العلم، إجابة السائل بإشارة الرأس واليد وهنا كذلك في هذا الحديث النبي- صلى الله عليه وسلم- أجاب.

 بالإشارة.

الأخ الحاضر: أما كان ينبغي الإشارة في أحد الموضعين أو في الموضع الأول.

إلى أن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب السائل في هذا الحديث بإشارة اليد.

المقدم: باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس في كتاب العلم الذي سبق...

هذا ما فيه سؤال وجواب، ما فيه إجابة هنا، ابتداء هذا، هذا الكلام ابتداء، وهناك حصل السؤال وحصل الجواب بالإشارة، بالنسبة للتساؤل الذي أورده بعضهم في حلقة مضت، وهو أننا نبدأ بترجمة الراوي، ثم نتكلم على المناسبة، وأجبنا على هذا أن الترجمة غالبًا تكون مختصرة فيفرغ من المختصر، وهذا يسلكه كثير من أهل العلم، قد يكون مثلاً يريدون أن يتكلموا على أنواع الكلمة مثلاً، الاسم والفعل والحرف، يقدمون الاسم ثم الفعل ثم الحرف، ثم بعد ذلك في التفصيل يقدمون الحرف، لماذا؟ لأن الكلام فيه قليل، ما يحتاج إلى بسط مثل الاسم والفعل، فيقدم؛ لأنه قليل من أجل أن يُفرغ منه، وهذا ما ذكرته سابقًا، المختصر ما فيه تراجم أصلاً فالمبدوء به اسم الصحابي.

المقدم: صحيح نحن ذكرنا أكثر من مرة أن التراجم وضعها المحقق.

نعم، وضعها المحقق، فالمبدوء به في المختصر اسم الراوي الصحابي، فنبدأ به كما بدأ المؤلف، ولو وجد هناك تراجم ما فيه ما يمنع من أن نبدأ بترجمة الراوي؛ لما أسفلنا من الكلام، مختصر، والشيء الذي يفرغ منه ولا ارتباط له في متعلقات الحديث اللاحقة في ألفاظه في أحكامه في مناقشاته يفرغ ويقدم بلا شك، الحديث مخرج أيضًا في مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: قال -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم يومًا، فليصم ذلك الصوم».

راوي الحديث الصحابي الجليل أبو هريرة مر ذكره مرارًا -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب لا يُتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين.

المقدم: لا يُتقدم؟

 لا يُتقدم في رواية أبي ذر التي يعتمدها الحافظ ابن حجر.

المقدم: نعم، وعندنا لا يتقدمن.

الذي هو لفظ الحديث، لا يُتقدم كذا في رواية أبي ذر، ولغيره بنون التوكيد كالخبر يعني كالحديث، ويُتقدم بضم أوله وفتح ثانيه، ويجوز فتحهما، يتقدم، يعني المكلف، وقال العيني: مطابقة الحديث للترجمة من حيث إنها مأخوذة منه، يعني بحروفها من الحديث.

المقدم: صحيح.

 لا يتقدمن: لا الناهية، ويتقدمن فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وهو هنا مبني على الفتح، لماذا؟ لاتصاله.

بنون التوكيد.

 

وَأَعْرَبُوا مُضَـارِعاً إِنْ عَـــرِيَــا

 عن نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِن

نُونِ إِنَاثٍ كَيَرُعْنَ مَنْ  فُتِنْ

المقصود أنه هنا اتصلت به نون التوكيد فبني على الفتح، أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين يقول القسطلاني: أي بنية رمضانية احتياطًا، ولكراهة ما تقدم معانٍ فصَّلها القسطلاني، وفي جملته مأخوذ- يعني  كلام القسطلاني- مختصر من كلام ابن حجر والعيني، لكراهة التقدم معانٍ أحدها؛ خوفًا من أن يزاد في رمضان ما ليس منه، كما نُهي عن صيام يوم العيد، يعني لا بد أن تكون هذه العبادة المفروضة معروفة الأول والآخر بحيث لا يقترن بأولها ما ليس منها.

المقدم: ولا بآخرها.

ولا يقرن بآخرها ما ليس منها، كما نهي عن صيام يوم العيد لذلك، حذرًا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم، خرج الطبراني عن عائشة أن ناسًا كانوا يتقدمون الشهر، فيصومون قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[سورة الحجرات 1]، ولهذا نهي عن صوم يوم الشك، حديث الطبراني هذا في إسناده حبال بن رفيدة، يقول الذهبي عنه في الميزان: لا يعرف، ويقول الهيثمي في المجمع: مجهول على كل حال الحديث ضعيف.

المعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ما الفرق بين هذا وذاك؟ خوفًا من أن يزاد، الأول، خوفًا من أن يزاد في رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد خوفًا من أن يزاد على سبيل الوجوب الأول، والثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل يعني يفصل بين الفريضة والنافلة ولو لم يعتقد الوجوب، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولذا حرم صيام يوم العيد، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن توصل صلاة مفروضة بصلاة، يعني يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقول: الله أكبر، ولذا نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بكلام.

المقدم: أو بتغيير مكان.

نعم، هذا المعنى الثاني الذي من أجله منع تقدم الشهر، والمعنى الثالث أنه للتقوي على صيام رمضان، فإن مواصلة الصيام تضعف عن صيام الفرض، يعني يفطر قبيل رمضان بيوم أو بيومين؛ ليتقوى على الصيام، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان، قالوا: وفيه نظر.

المقدم: لأنه قال: إلا من وافق صوم.

لأن معنى الحديث من يتقدمه بثلاثة أيام فصاعدًا، يعني صام يوم سبع وعشرين ويوم ثمانٍ وعشرين ويوم تسع وعشرين، ومنهي عن صيام آخر يوم داخل في الحديث، وصيام اليومين الآخرين داخل في الحديث، لكن صيام الثلاثة أيام يخرج عن مفهوم الحديث.

والمعنى الرابع: أن الحكم علق بالرؤية، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم.

المقدم: هذا هو المعنى الرابع.

نعم، المعنى الرابع أن الحكم علق بالرؤيا، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم.

المقدم: لعلنا نستأنف فضيلة الشيخ، نجمع أطراف هذه المعاني الأربعة التي مرت مع ما يأتي بإذن الله في مطلع الحلقة القادمة؛ ليتابعنا الإخوة والأخوات من خلال شرح هذا الحديث، إذًا نعدكم بإذن الله استكمال هذا الموضوع في حلقة قادمة وأنتم على خير، تقبلوا في الختام، شكرًا لطيب متابعتكم أيها الإخوة والأخوات، نلقاكم بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.