كتاب البيوع (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَرِّ، وَقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 وحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ»".

اقرأ الشرح.

"قال الكرماني –رحمه الله تعالى-: "قوله: "في البر" بفتح الباء وبالراء، وفي بعضها بضم الباء، والأول هو المناسب لما سيأتي بعده وهو باب التجارة في البحر، وفي بعضها بعدهُ و"غيره" أي: في البحر، و"نابهم" أي: عرض لهم.

 فإن قلت: التجارة متناولةٌ للبيع، فما فائدة ذكره؟

قلت: قال في (الكشاف) خص البيع؛ لأنه في الإلهاء أدخلُ من قِبل أن التاجر إذا اتجهت له بيعةٌ رابحةٌ وهي طلبته من صناعته ألهته ما لا يلهيه شراء شيءٍ يتوقع فيه الربح في الوقت الثاني؛ لأن هذا يقينٌ، وذاك مظنون، وإما أن يُسمي الشراء تجارةً إطلاقًا لاسم الجنس على النوع، وقيل: التجارة لأهل الجلب.

قوله: "أبو المنهال" بكسر الميم وبسكون النون وباللام عبد الرحمن بن مُطعِم الكوفي، مات سنة ستٍّ ومائة.

قوله: "الصرف" هو بيع النقد بالنقد مختلفين، و"زيد بن أرقم" بلفظ أفعل الصفة الصحابي الأنصاري الخزرجي الكوفي مات سنة ثمانٍ وستين رُوى له تسعون حديثًا للبخاري منها ستة.

قوله: "الفضل" بسكون الضاد المعجمة الرخامي بضم الراء وخفة المعجمة البغدادي الحافظ مات سنة ثمانٍ وخمسين ومائتين، و"الحجاج" بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى الأعور المصيصي مر في الزكاة، و"عامر بن مصعب" بضم الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية، و"البراء" بفتح الموحدة وخفة الراء وبالمد "ابن عازب" بالمهملة وبالزاي وبالموحدة مر في كتاب الإيمان.

قوله: «يَدًا بِيَدٍ» أي متقابضين في المجلس".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الترجمة باب التجارة في البر أو البُر، وضبطها ابن حجر (البز) بالزاي، ولا يُلمح من الحديث الذي أورده البخاري ما يؤيد البر إلا أنه بما قابل به فيما بعد البحر رجَّح الكرماني أنه البر.

يقول ابن حجر –رحمه الله-: قوله: "باب التجارة في البز وغيره" لم يقع في رواية الأكثر قوله: "وغيره"، وثبت عند الإسماعيلي وكريمة، واختُلف في ضبط البز، فالأكثر على أنه بالزاي، وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه" كما أنه ليس في الحديث ما يدل على البُر اللفظ الثاني.

"بل بطريق عموم المكاسب المباحة، وصوَّب ابن عساكر أنه بالراء، وهو أليق بمؤاخاة الترجمة التي بعد هذه بباب وهو التجارة في البحر، وكذا ضبطها الدمياطي وقرأت بخط القطب الحلبي ما يدل على أنها مضبوطةٌ عند ابن بطال وغيره بضم الموحدة وبالراء، قال: وليس في الباب ما يقتضي تعيينه من بين أنواع التجارة، وقد أخطأ من زعم أنه بالراء تصحيف، إذ ليس في الآية ولا الحديث ولا الأثر اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين".

سواءٌ قلنا: البر أو البُر أو البز ليس في الحديث ما يدل عليه إلا عموم التجارة تشمل البر والبحر والحضر، وتشمل البُر وغيره مما يُباع وكذلك البز.

فهذه الترجمة حقيقةً ما في ما يُرجِّح أحد الألفاظ الثلاثة.

قال: "وقد أخطأ من زعم أنه بالراء تصحيف، إذ ليس في الآية ولا الحديث ولا الأثر اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين" ما فيه ما يدل على ترجيح البر إلا مسألة المقابلة بالبحر، ومع ذلك ليس في الحديث ما يدل على أنه في البر دون البحر أو في البر دون الحضر.

"{رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ" هذه حال الصحابة -رضوان الله عليهم- وحال من مدحهم الله –جلَّ وعلا- في سورة النور، لكن مع الأسف أن حال كثير من المسلمين على خلاف ذلك، ألهتهم التجارة عن ذكر الله، وألهاهم البيع والشراء، وعطف البيع على التجارة من باب عطف الخاص على العام، التجارة أعم من البيع، قد تكون بالبيع والشراء وغيرهما.

الذي نشاهده من حال كثيرٍ من المسلمين ما يتعلق بالدين تبع، وهو المؤخر عمَّا يتعلق بالدنيا مع الأسف الشديد، بخلاف حال الصحابة وخيار الأمة الذي همهم ما خُلِقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية لله –جلَّ وعلا- واهتمامهم بما يُعينهم على ذلك بقدر الحاجة من التجارة والبيع والشراء؛ ليترفعوا به عن الحاجة إلى الناس، وليستعينوا به على ما خلقوا من أجله؛ لأن الهدف تحقيق العبودية، لكن البيع والشراء وأمور الدنيا كلها مما يُستعان به على تحقيق هذا الهدف، ومع الأسف أن الهدف صار وسيلة الآن، والغاية هي التي كانت وسيلة قلب، حتى عند بعض من ينتسب إلى العلم مع الأسف الشديد صاروا يؤثرون دنياهم على الدين، وتساهلوا في أمور دينهم، وحصل الضعف في الأمة بسببهم.

 ولو أن أهل العلم صانوه صانهم          ولو عظَّموه في النفوس لعظِّم

 لكن مع الأسف أن الدنيا هجمت على القلوب واستولت عليها.

وأما بالنسبة لعامة الناس فحدِّث ولا حرج، صاروا .... بحيث يتجه إلى أكثرهم أن يُقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة بدلًا من أن يُقال: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]؛ لأن من أوغل في تحقيق الهدف، وهو تحقيق العبودية، قد يغفل عن أمور الدنيا فيحتاج إلى أن يُنبَّه، وحالنا الآن بالعكس نحتاج أن يُقال لنا: لا تنس نصيبك من الآخرة، وقد حصل النسيان من كثيرٍ من الناس في أمور الدين، كم من شخص ينسى الصلاة، يدخل عليه الوقت ويخرج وهو ناسٍ في أمورٍ لا تنفعه، أما أصحاب التجارات وأصحاب الصفقات والعقارات والأسهم وغيرها فحدِّث ولا حرج، وهم في أثناء العبادة يُصلونها بدون عقول فضلاً عن أن تكون لهم قلوب يعقلون بها.

 وحصل في صلاة وهم يُراقبون الشاشات أيام الأسهم، وفي صلاة الظهر جهر بهم الإمام وأمَّن وسُمِع من يقول: آمين وهو ساجد، كل هذا سببه أيش؟ الاهتمام بالدنيا والغفلة عمَّا خُلقوا له، والله المستعان.

"{رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ".

 كان الواحد منهم يعمل في مزرعته، وبيده مسحاته، إذا سمع المؤذن وقد رفعها ألقاها سواءً كانت على مقدمته أو مؤخرته، لا يُريد أن ينشغل بعد أن يُدعى إلى الله بما يُلهيه عن الله.

قال-رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ" الصرف مبادلة النقد بالنقد، فإن كان من جنسه فلا بُد من التقابض والتماثل، وإن كان من غير جنسه فلا بُد أن يُتقابض يدًا بيد، والزيادة لا إشكال فيها إذا اختلف الجنس «فَبِيعُوا كَيْفَما شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

"فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يعني ذكر الحديث، ثم عدل الإسناد إلى إسنادٍ آخر.

"وحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ..." إلى آخره.

الآن المفترض أن يكون هنا ح التحويل من إسنادٍ إلى آخر، لكن موضع الحاء؟ "حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ" "وحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ" هنا نقطة الالتقاء في ابن جريج، فلا يحتاج إلى ذكر الإسناد كاملًا اللهم إلا من أجل الاختلاف في الصيغ، في صيغ الأداء عند المؤلف- رحمه الله-.

"أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ" "البَرَاءَ" يقول: "بفتح الموحدة وخفة الراء وبالمد" ضُبِط؛ لئلا يلتبس بأبي معشر البرَّاء بالتشديد.

"البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ»" يعني لا يجوز، هذا الربا، ربا النسيئة، هذا في النقد، في الصرف مبادلة النقد بالنقد لا بُد أن يكون يدًا بيد مهما كان الاختلاف، ذهب بفضة، دينار بدولار، ريال بدرهم، كلها لا بُد أن يكون الصرف يدًا بيد، وقد تشتد حاجة بعض الوافدين إلى أن يُحوِّل نقود إلى أهله في بلده، ثم يحتاج أن يصرف، نقود البلد الذي هو فيه ليست نافقة في بلده، وحينئذٍ كيف يصنع؟ ويكثر السؤال عن هذا مصري أو سوداني يشتغل بالسعودية مثلًا وراتبه بالريال، وتجارته بالريال، يُريد أن يحولها إلى الجنيه المصري أو السوداني، فلا بُد أن يصرف في الرياض؛ ليُحوِّل جنيهات أو يُحوِّل ريالات تُقبض هناك فتُصرف هناك لا بُد من هذا، صحيح أنه قد يتضرر ويضيع عليه شيء من الفارق، لكن الأمر أعظم من كونه يتجاوز في مثل هذا.

"بَابُ الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10].

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قال: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، يَعْنِي الخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ".

قال –رحمه الله تعالى-: ""بَابُ الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:10]" يعني: اخرجوا {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] وهو أمرٌ بعد حظر {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا} [الجمعة:10] بعد أن مُنِعوا من البيع في وقت صلاة الجمعة.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا} [الجمعة:10] ويُسمونه هذا أمرٌ بعد الحظر، وكثيرٌ من أهل العلم يُطلق أنه للإباحة {فَانتَشِرُوا} [الجمعة:10] للإباحة.

والمرجَّح عند أهل التحقيق أنه يعود إلى ما كان عليه الأمر قبل هذا الحظر {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا} [الجمعة:10] إلى غير ذلك من الأوامر التي جاءت بعد المنع والحظر، فما حكم الصيد قبل المنع؟ على حسب الحاجة إليه قد يُضطر إليه فيجب عليه لو ما صاد وأكل مات، إما صاد وأطعم من يقوت ومن يمون، ويتدرج في هذا، قد يكون من باب الاستحباب، وقد يكون للإباحة.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ" أو ابن سلَّام على خلافٍ بينهم، لكن الأكثر على أن شيخ البخاري بالتخفيف، وكذلك والد عبد الله الصحابي عبد الله بن سلاَم، وما عدا ذلك كله بالتشديد.

"أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ" هو عبد الله بن قيس الذي سيأتي ذكره في الخبر.

"اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَأَنَّهُ" يعني: عمر "كَانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى" استأذن رجع لما لم يؤذن له رجع، وهذا الأدب.

"فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ" ائتني بمن يشهد لك على أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال ذلك، فشهد له أبو سعيد، وهذا من احتياط عمر؛ لأنه مع ملازمته للنبي –عليه الصلاة والسلام- ما بلغه ذلك، فأراد أن يحتاط؛ لئلا يجرؤ الناس على السُّنَّة، وليس في هذا مستمسك لمن يرد خبر الواحد، اعتمده المعتزلة في رد خبر الواحد، وإنما عمر–رضي الله عنه- قال ذلك من باب الاحتياط للسُنَّة؛ لأنه قَبِل أخبار كثيرة من واحد، ليس مذهبه وديدنه، لكنه إذا حصل عنده أدنى تردد طلب من يُزيل هذا التردد.

"فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا" يعني هو موجود عندهم كلهم بلغهم الخبر وانتشر بينهم.

"فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟" نعم يخفى عليك، يخفى على عمر، ويخفى على أبي بكر، ويخفى على الكبار ما عند الصغار والعكس.

"أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ" هذا الشاهد "يَعْنِي الخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ".

اقرأ الشرح.

"قوله: "مخل" بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح اللام "ابن يزيد" من الزيادة، الحراني بفتح المهملة وشدة الراء وبالنون مر في آخر الصلاة "عبيد" مُصغَّر ضد الحُر".

يعني مُصغَّر عبد.

"ابن عمير" مصغر عمر، أبو عاصم الليثي في التهجد.

قوله: "عبد الله" هو اسم أبي موسى الأشعري، و"بذلك" أي: بالرجوع حين لم يؤذن للمستأذن، و"على ذلك" أي: على الأمر بالرجوع.

قوله: "ألهاني" أي: شغلني، فإن قلت: طلب عمر -رضي الله عنه- البينة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد، قلت: فيه دليلٌ على أنه حجة؛ لأنه بانضمام خبر أبي سعيدٍ إليه لا يصير متواترًا، قال النووي: قال الأنصار ذلك إنكارًا على عمر فيما قاله، قالوا: إنه حديثٌ مشهور بيننا معروفٌ عندنا حتى أن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وليس فيه رد خبر الواحد، لكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن كل من وقعت له قضيةٌ وضع فيها حديثًا، فالمراد سد الباب خوفًا من غير أبي موسى لا شكًّا في روايته، فإنه عند عمر أَجل من أن يظن به أن يُحدِّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله وزجرًا لغيره، فإن من دون أبي موسى إذا بلغته هذه القضية، وأراد وضع حديثٍ خاف مثل قضية أبي موسى فامتنع منه".

الشك الذي حصل ليس من تردد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في ثقة أبي موسى أو صدقه، إنما لما استدل أبو موسى على فعله بخبر يُخشى أن كل من احتاج إلى شيءٍ يفعله ويدعمه بدليل أن يأتي بدليلٍ إما غير ثابت غير صحيح أو يختلقه من تلقاء نفسه؛ ليؤيد ما ذهب إليه، فأراد عمر –رضي الله عنه- حسم هذه المادة.

"بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ: وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل:14]، وَالفُلْكُ: السُّفُنُ، الوَاحِدُ وَالجَمْعُ سَوَاءٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ: ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، خَرَجَ إِلَى البَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ".

قوله –رحمه الله-: "بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ: وَقَالَ مَطَرٌ" يقول الشارح: الظاهر أنه ابن الفضل المروزي شيخ البخاري، والحافظ ابن حجر جزم بأنه مطر الوراق البصري، وَوهَّم الكرماني في هذا.

"وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ" التجارة بالبحر وإن كان فيها خطر إلا أن الغالب السلامة، ولو لاحظ الإنسان مثل هذه الأمور ما تحرك، حتى السير في البر كم سقط من شخص من دابته ومات، والسير في الجو أشد خطورة، وإذا أراد الإنسان أن يتحسس من هذه الأمور فإنه لن تتم على يديه عمارة الأرض، ولا تقوم بسببه مصالح الناس، فالإنسان يتسبب ويُغلِّب الرجاء، والغالب -ولله الحمد السلامة- فلا بأس.

"وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ" يعني ما ذكر البحر وما يتعلق به من ركوبه إلا بحق.

"ثُمَّ تَلاَ" بعضهم استنبط من قوله –جلَّ وعلا-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج:27] ما ذكر البحر، استدل به على أن ما وراء البحار لا يلزمه الحج، وهذا الكلام ليس بصحيح إنما ذكر الغالب، وأن مكة أكثر من يَرد إليها مَن كان على الدواب أو على رجليه لاسيما وقت التنزيل، مَن يأتيها من وراء البحار؟ ما يأتيها أحد، وليس في هذا ما يمنع أن يحج الناس على البحر، فهذا القول ضعيف، بل لا حظ له من النظر، والحج ركنٌ من أركان الإسلام لا بُد من أدائه لمن استطاع.

"وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل:14] وَالفُلْكُ: السُّفُنُ، الوَاحِدُ وَالجَمْعُ سَوَاءٌ" الواحدة فُلك، والجمع فُلك.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ" يعني: السُّفن الكبار هي التي ترسو أمام الرياح، وأما الصغار فإنها تلعب بها الرياح.

"وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ" الليث هو ابن سعد الإمام الفهمي المصري.

"حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ" هو الأعرج "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ: ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، خَرَجَ إِلَى البَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ" وسياق الحديث مساق مدح؛ ركب البحر ليؤدي الدَّين الذي عليه القرض الذي اقترضه المبلغ الذي اقترضه، رجلٌ من بني إسرائيل اقترض وأشهد المقترض الله –جلَّ وعلا- على هذا القرض، وحُدِد الوقت، ثم خرج إلى البحر المقترض علَّه أن يجد من يدفع معه المال إلى صاحبه ممن يركب البحر فما وجد أحدًا، عمِد إلى خشبة فنشرها، ووضع الدنانير فيها، وألقاها في البحر، خرج الدائن المُقرِض إلى البحر علَّه أن يجد صاحبه الذي اقترض منه ما وجده، وجد هذه الخشبة، فأخذها؛ ليُوقد فيها النار فنشرها فإذا فيها الدراهم، وفيها ورقة تدل على أنها هذا القرض الذي أقرضه إياه، وصل مبلغه، فتيسر سفينة فركبها المُقترض ومعه المال البديل للمال الذي ألقاه في البحر، يعني دفع هذا المال مرتين: المرة الأولى وفاءً بالوقت المحدد، والثانية خشيةً من عدم وصول المال إليه، وهذا غلبة ظن أنه ما يصل، لكن القصة ساقها النبي –عليه الصلاة والسلام- مساق المدح لذلك الرجل الأمين {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ} [آل عمران:75]، وهذا الكثير الغالب فيهم {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75] ومع الأسف هذا حال كثير من المسلمين عقود، وعهود، ومواثيق، وشهود، وتوثيقات في المحاكم، ثم يحصل الإنكار، والله المستعان.

لكن هل مثل هذه الطريقة التي جاءت في الحديث الصحيح، وسيقت مساق المدح يسوغ فعلها للمسلم؟ أنت مدين بمبلغ حَل هذا المبلغ، وقلت: أرسله بالبحر مثل ما فعل ذاك، تُمدَح أم ما تُمدَح؟

في شرعنا النهي عن إضاعة المال، نعم قوي التوكل ووصل بحول الله وقوته يعني مثل ما فعلت أم موسى بولدها ألقته اليم، مهما بلغ الإنسان المسلم من التوكل هل له أن يصنع مثل هذا؟

لا يجوز له، في شرعنا لا يجوز.

اقرأ الشرح:

"قوله: "مطر" الظاهر أنه ابن الفضل المروزي شيخ البخاري" ورجَّح ابن حجر، بل جزم بأنه مطر الوراق البصري

"و"به" أي: بالبحر لأجل التجارة، و"إلا بحق" نحو ابتغاء الفضل، وهو عام للتجارة وغيرها، ومقصوده أن ركوب البحر لم يذكر في القرآن مذمومًا.

قوله: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:12] هكذا في سورة فاطر، وأما في سورة النحل {وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل:14] بتأخير فيه عن مواخر، وبزيادة الواو في {وَلِتَبْتَغُوا} [النحل:14].

الجوهري: مخرت السفينة إذا جرت مع صوته، ومنه قوله تعالى: {مَوَاخِرَ} [النحل:14] يعني جوارٍ.

الزمخشري: مواخر أي: شواق للماء يُجريها".

بجريها.

"مواخر أي: شواق للماء بجريها.

قوله: "وَالفُلْكُ: السُّفُنُ" أي: المراد من الفلك في الآية الجمع بدليل المواخر، و"سواء" يُحتمل أن يُراد به أنه يُستعمل مفردًا كقُفل، وجمعًا كأُسد جمع الأسد".

يعني: فُلك إما أن يكون مفردًا كقُفل أو جمع كأُسد جمع أسد.

"وجمعًا كأُسد جمع الأسد، وأنه لفظٌ مفرد يطلق على الواحد وعلى الجمع.

قوله: "تمخر السفن" بالرفع و"الريح" بالنصب، وفي بعضها "من الريح" فهو نحو قد كان من مطرٍ أو من للتبعيض، "ولا تمخر الريح" بالنصب، ومن السفن صفةٌ لشيءٍ محذوف أي: لا تمخر الريح شيءٌ من السفن "إلا الفلك العظام" وهو بالرفع يدل على شيء، ويجوز فيهما النصب".

بدلٌ عن شيء.

"وهو بالرفع بدلٌ عن شيء، ويجوز فيهما النصب".

لماذا جازت البدلية هنا وجوَّزوا النصب على الاستثناء، "وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ شيءٌ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ" استثناء سالب مُفرَّغ لا يُنصب بعد إلا، إلا لو كان تامًّا موجبًا لنُصِب، وهنا ماذا قال؟ "إلا الفلك العظام" وهو بالرفع بدلٌ عن شيء" لا تمخر الريح شيءٌ من السفن إلا الفلك.

قال: "ويجوز فيهما النصب" لعل جواز النصب لا على الاستثناء في هل الريح التي تمخر السفن أو السفن التي تمخر الريح؟ فالفلك إما فاعل، وإما مفعول يجوز أن يكون مرفوعًا على الفاعلية، ويجوز أن يكون منصوبًا على المفعولية؛ لأنها إما ماخرة أو ممخورة.

"فإن قلت: كل السفن مواخر للريح، قلت: أثر الشق في العظام أكثر.

قوله: "جعفر بن ربيعة" بفتح الراء".

الصوت الذي هو المخر لا شك أنه الصوت في الفلك الكبار أوضح وأكثر.

"و"عبد الرحمن بن هرمز" بضم الهاء والميم وسكون الراء بينهما، "وساق الحديث" إلى آخره وهو مذكورٌ بطوله في باب الكفالة".

نعم.

"بَابُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11]، وَقَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37].

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11]" يعني باب في قول الله –جلَّ وعلا- في الآية من سورة الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11] يعني من حضر صلاة الجمعة أثناء الخطبة مع النبي –عليه الصلاة والسلام- لما قدمت العير على ما سيأتي في الخبر.

"وَقَوْلُهُ- جَلَّ ذِكْرُهُ-: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]" العلاقة بين الآية الأولى والثانية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11] وَقَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37].

 أولئك في الآية الأولى حصل لهم من الذنب ما حصل؛ لأنهم تركوا النبي –عليه الصلاة والسلام- يخطب، وخرجوا إلى التجارة وأثاروها ولعلهم في حال أو في وقت ضرورة ماسة لمثل هذه البضاعة التي قدِمت في هذه التجارة وإلا فالأصل أنهم {لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]، لكن الضرورات لها أحكامها، ومثل هذا يقع من البشر في مثل الحاجة الشديدة.

"وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ" وقد تقدم "يَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ" عند سماع الأذان يُجيبون داعي الله؛ حتى قال قائلهم: إن الرجل الذي لا يحضر إلى المسجد حتى يسمع الأذان فإنه رجل سوء، وذُكِر عن بعضهم أنه قام خمسين سنة ما أذَّنوا إلا وهو في المسجد، هذه حال سلف هذه الأمة بخلاف ما آل إليه الأمر في وقتنا، هذا ممن يتراخى ويتأخر عن الصلاة، ويفوته شيءٌ منها، أو يتذرع بأقوال وبنصوصٍ متشابهة، ثم بعد ذلك تُسوِّل له نفسه أن يُصلي في بيته، ويترك الجماعة، ومع الأسف وجِد من يترك الصلاة أصلًا مع أن هذا كان غير مُتصوَّر في العصور إلى وقتٍ قريب، حتى قال من قال من علماء المغرب: الخلاف في كفر تارك الصلاة نظري افتراضي؛ لأنه لا يُتصوَّر مسلم يترك الصلاة.

ما معنى افتراضي؟ يعني مثل ما يُقرر أهل العلم في الفرائض يقول: هلك هالك عن ألف جدة، يعني يُمرَّن عليه الطالب فقط وإلا فما له وقوع، ولا يُمكن أن يُتصوَّر.

وانظر في أيامنا هذه كم في بيوت المسلمين من يتأخر عن الصلاة! بل من يترك الصلاة! والله المستعان.

قال: "حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ" وهو ابن سلاَم السابق.

"قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ".

 وذكرنا أن ذلك الجيل لا يُظن به إلا أنهم في ضيقٍ شديد وحاجةٍ ماسة إلى مثل هذه البضاعة التي قدِمت، وإلا فوصفهم {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37] هذا الوصف الأصلي.

"فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]".

"قوله: "عبد الله بن صالح" الجهني كاتب الليث و"بهذا" أي: بحديث أبي هريرة و"محمد" أي: ابن سلام" أين عبد الله بن صالح؟

طالب:..........

تبع الباب السابق؟

التجارة في البحر أين عبد الله بن صالح؟

طالب:..........

الذي هو المعلق "وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ" عندكم هذا؟

طالب:..........

هو عندنا معلَّق في البخاري.

أعِد "وَسَاقَ الحَدِيثَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِه" بعد ما هو في أثناء الإسناد، قال: "وَسَاقَ الحَدِيثَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِه" لأنه التعليق "وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ".

"قوله في آخره: "حدثني عبد الله بن صالح، حدثنا الليث به" فيه التصريح بوصل المعلق المذكور، ولم يقع ذلك في أكثر الروايات في الصحيح، ولا ذكره أبو ذر إلا في هذا الموضع، وكذا وقع في رواية أبي الوقت".

والمتن المطبوع مع الكرماني على أكثر الروايات ما فيه شيء، ولكن مع ذلك ترجم له، ذكره في الشرح. 

"و"محمد بن فضيل" مُصغَّر الفضل بالمعجمة، الضبي تقدما في الإيمان".

" بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267].

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا».

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا، عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ»".

قال –رحمه الله-: " بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]" لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، فالإنسان يتعامل مع الله –جلَّ وعلا-، والله طيب لا يقبل إلا طيبًا، {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، والمراد بالخبيث هنا: الرديء.

ولهذا لو كان عند إنسان أنواع من طعامٍ واحد، أنواع من التمر، والتمر يتفاوت جودةً؛ منه المتوسط، ومنه الرديء، فالأفضل أن يُنفق من الجيد، ولا يُنفق من الرديء الذي لو أُعطيه في مقابل دينه ما قبله {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] ما أنت آخذه إلا إذا آيست من الوفاء، تقول: أحسن من لا شيء.

فعلى المسلم أن تطيب نفسه إذا تصدق، وإذا أعطى أن تجود نفسه وتطيب بالطيب مما يأكل، لا مما يأنف من أكله، لكن لو كان عنده نوع من التمر رديء مما يأكله الناس، يعني بعض الناس يأكله، وعنده جيد، فقال: بدلًا من أن أرميه أتصدق به؛ لأني أجد من يأكله.

النهي هنا {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة:267] المراد به الرديء ليس هو المحرَّم، ليس المحرَّم، إنما المراد به الرديء هنا.

{مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] يؤجر عليه أم ما يؤجَر؟ يؤجَر؛ لأنه أفضل من عدمه، وقد يوافق شخصًا مضطرًّا إليه.

 مع الأسف أننا نمر من عند أبواب الناس، وفي نفاياتهم نجد أطعمة صالحة للأكل، بل يتمناها كثير من الناس، وليس السبب في ذلك النهي في هذه الآية، لا، بل الكسل، يتثاقل عن أن يحمله ويذهب به إلى من يستفيد به، وهذا كله زُهد في الخير، وزُهد في الثواب، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يُنفق مما يأكل من الطيب مما يُحب، ولكن إذا شح بما يُحب بالأطيب فلا مانع أن يتصدق بالذي دونه، ولا يتصدق بشيءٍ تأنف النفوس من أكله.

مع الأسف أننا نجد من يحرص على الخير، ويُفطِّر الناس في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي في المساجد وفي غيرها من الأماكن المُعدة لذلك، ويكِل شراء التمر لأُناس لا يعرفون، ويُقدمون للناس أشياء، مع أن الموكِّل بذل الأموال ما تردد في بذل الأموال الطائلة، ثم بعد ذلك كان الوكيل ما يعرف شيئًا، وليس من أهل التمر، ويُقدم تمرًا قد يكون فيه ضرر على الآكل، وقد رأيت نوعًا من ذلك في المسجد الحرام، كلمته، ما يدري عنه شيئًا، وكَّله يشتري تمرًا، وراح واشترى أي شيء، التمر معروف منه أنواع إذا اختلطت بماء مثلاً وهي لينة واختلطت بماء ودخلت ثلاجة أو فريزر أو شيئًا فسدت، تُقدمها للناس يتضررون بأكلها، كثير من الناس ما يعرف إذا كانوا ليسوا من أهل التمر، ما يُفرِّق.

والموكِّل بذل المال، وحرص على أن ينتفع الناس بأكله، ثم بعد ذلك يُقدَّم لهم مثل هذا لا عن قصد لا من الوكيل ولا من الموكِّل، لكن على الإنسان أن يحرص على أن يبذل ما ينفع، وإذا تضرر الناس بهذا التمر قد يأثم {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267].

"حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ»" يعني ما تُفسد على الزوج وعلى من تجب عليه نفقته هذا الطعام، بحيث تتصرف فيه بما يتضرر فيه أهل البيت ويحتاجون إليه.

«غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» يعني من باب الإصلاح أعطت، أنفقت، وتصدقت بشيءٍ لا يضر أهل البيت.

«كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ» يعني إذا أنفقت وأعطت شيئًا جرت العادة بأن مثله لا يُنكَر من قِبل الأزواج، وإلا فلا بُد من الاستئذان إذا كان فوق ذلك، لا بُد من أن تستأذن زوجها، أو تعرف من عادته أنه يرضى بمثل هذا.

«وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ» {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267].

 «وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا»، الخازن الأمين شريك في الأجر، لكن بعض الناس محروم، تجده على مستودع، أمام مستودع خيري يوزع النفقات والملبوسات، وبعضهم على مستودع كُتب يوزع لطلاب العلم، ومع ذلك يؤذيهم، ويبخل عليهم، ويتعامل معهم بقسوة، وقد لا يعطيهم شيئًا، هذا محروم، والذي ائتمنه على ذلك وهو يعرف ذلك شريك له في الحرمان؛ لأن هذه من بيت المال، أو من متصدق أو من موقِف وما طُبِعت مثل هذه الكُتب ووُقِفت إلا لطلاب العلم، ورأينا من هذا النوع أصنافًا، يأتيه التوجيه من رئيسه بالأمر بالصرف، ثم يقول لطالب العلم: تأتينا بعد شهر، إذا جاء بعد شهر، قال: ما فيه شيء، بعد أسبوع، إذا جاء بعد أسبوع، قال: نفدت الكمية، وقد يقول له: نفدت وهي موجودة.

أين هم عن هذه الأحاديث «وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ»؟ له أجر مثل أجر الذي طبع الكتاب ووقفه، ويفعل بالناس مثل هذه الأمور، هذا النوع منهم من يؤذي طلاب العلم وتوزع الكتب على غير مستحقيها، وتوصَل إليهم في بيوتهم من دون طلب، ثم مآل هذه الكتب الحراج، تُعطى فلان وفلان ولا يستحقها فيذهب بها للحراج.

طالب العلم الذي هو حريصٌ عليها، طالب علم بحاجة إلى كتاب، ذهب إلى المستودع، قال له: أنت لست جامعيًّا، ما نُعطيك، وهذا قديم، هذا الكتاب ما يُصرف إلا للقضاة، وقد يكون أحق من كثيرٍ من القضاة هذا الطالب معروف، ولم تكن الكتب وجودها في الأسواق مثل وجودها الآن.  

يقول: دعاني شخص إلى ضيافته، لما دخلت البيت وجدت الكتاب الذي أريده مصفوفًا بالكمار مع الدلال ومع المرجان من نفس المستودع عليه ختم المستودع، يوم رأيت الكتاب قلت له: ما رأيك يا أبا فلان آخذ هذا الكتاب وآتيك بطقم دلال تكمل الصَّفة؟ قال: جزاك الله خيرًا، وهذا أخذه من المستودع، وذاك محرومٌ منه، أتى بكرتون وصفه، وقال له: قهوة، قال له: لا أريد قهوة، حصل على شيءٍ ما كان يحلم به.

هذا كثير في تصرفات الخُزان، وأين هم من هذه النصوص؟! «وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا»، والله المستعان.  

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا» والترجمة {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267].

«أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زوجِها عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ»، لكن شريطة أن تعرف أنه لا يمنع من ذلك، وإلا لا تجوز الصدقة إلا بإذنه.

اقرأ الشرح.      

"قوله: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267] وفي بعضها كلوا بدل أنفقوا وهو سهوٌ.

قوله: "عثمان بن أبي شيبة" بفتح الشين، و"جرير" بفتح الجيم وكسر الراء المكررة، و"أبو وائل" بلفظ الفاعل من الوأل أي: الهلاك" شقيق بن سلمة.

"قوله: «غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» أي: منفقةً في وجهٍ لا يحل.

 فإن قلت: الطعام إما للزوج فلا يجوز لها الإنفاق منه، وإما للزوجة فلا دخل للزوج فيه، قلت: هو للزوج، وهذا ورد بناءً على عادتهم أنهم يأمرون أزواجهم بالإنفاق على الفقراء من طعام البيت.

قوله: «مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ» فإن قلت: كيف يكون لها أجرٌ وهو بغير أمر الزوج؟ قلت: قد يكون بإذنه، ولا يكون بأمره، فإن قلت: تقدم أنه لا ينقص بعضهم أجر بعض فلِمَ يكون له النصف؟ قلت: ذلك فيما كان بأمره أو أجرها هو نصف الأجر ولا ينقص عما هو أجره الذي هو النصف".

يكفي.

اللهم صلِّ على محمد.