شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (12)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:  

باب: الاستطابة والحدث

وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاءٌ، والاستنجاء لما يخرج من السبيلين، فإن لم يعدُ مخرجهما أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن، فإن أنقى بدون الثلاثة لم يجزئه حتى يأتي بالعدد، وإن لم ينق بثلاثة زاد حتى ينقي، والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار إلا الروث والطعام والعظام والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار، وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب الاستطابة والحدث" الاستطابة والحدث الأصل أن يقدم على الباب الذي قبله، فرض الطهارة يقدم عليه الاستطابة والحدث؛ لأنه يكون قبل الوضوء، وعلى كل حال هذا ترتيب المؤلف، والتأليف كما سمعنا مراراً أول ما يبدأ يبدأ على وجهٍ معين، ويكون لصاحبه السبق، وأجر السنة الحسنة التي سنها، ويبقى للمتعقب ما يبقى، ثم بعد ذلك يحرر الكلام وينقح ويهذب ويقدم ويؤخر ويرتب، هذه عادة مؤلفات البشر: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] حتى الذي يقدم الطهارة ويؤخر مثل هذا يقول: الأصل الغايات وهذه وسيلة، المقصود أن التقديم والتأخير عند أهل العلم فن، منهم من يتفنن في تقديم المؤخر، ومنهم من يرتب الترتيب الطبيعي الزمني، وعلى كل حال العامة على تقديم مثل هذا على ما قبله.

يقول -رحمه الله-:

"باب الاستطابة والحدث" الاستطابة هي تطييب المحل المتنجس، والسين والتاء للطلب، يعني طلب طيب المحل، أو إطابة المحل بعد خروج النجاسة من المخرجين بالاستنجاء أو الاستجمار، فالاستنجاء يكون بالماء من قولهم: نجوت الشجرة أي قطعتها، والماء لا شك أنه يقطع النجاسة، ويزيل أثرها بالكلية، والاستجمار استعمال الحجارة التي هي الجمار في إزالة أو تخفيف هذه النجاسة عن المحل الخارج بحيث لا يبقى منها أثر إلا ما لا يزيله إلا الماء، فالضابط في الاستنجاء عندهم عود خشونة المحل، وفي الاستجمار أن لا يبقى من الأثر إلا ما لا يزيله إلا الماء، قد يقول قائل: إذا كان الاستجمار لا يقطع النجاسة بالكلية فكيف يصلي وبه أثر النجاسة، به أثر نجاسة لا يزيلها إلا الماء، قلنا: ما دامت  السنة الصحيحة ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه اكتفى بالأحجار قلنا: إن هذا مجزئ ويكفي، وإن كان الجمع بينهما بين الاستنجاء والاستجمار أكمل؛ لأن الاستجمار يزيل الأثر ولا يبقى إلا شيء يسير، بحيث لا تباشر اليد النجاسة، ثم بعد ذلك يأتي الماء الذي يزيل الأثر بالكلية، وجاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: ((مرن أزواجكن -تخاطب النساء- أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحيي منهم)) وجاء أيضاً لما نزل قول الله -جل وعلا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل قباء: ((يا أهل قباء الله -جل وعلا- مدحكم بالطهارة)) فأخبروه أنهم يستنجون بالماء بعد الحجارة، على كل حال الحديث فيه كلام لأهل العلم، وهذا تابعٌ لمسألةٍ هي: هل مسجد قباء هو أول مسجد أسس على التقوى، أو المراد به مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أما الأولية المطلقة فمسجد قباء لا شك أنه بني قبل مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الصحيح ما يدل على أن أول مسجد أسس على التقوى هو مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه سئل عنه فأخذ كبة من حصا ورماه في مسجده، وقال: ((هذا)) فدل على أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجده -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل يلزم من هذا أن مسجد قباء لم يؤسس على التقوى؟ لا يلزم منه ذلك، بل مسجد قباء أسس على التقوى، وأوليته مطلقة؛ لأنه لم يتقدمه شيء، ومسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أسس على التقوى، وأوليته نسبية؛ لأنه تقدمه مسجد قباء، فيقال: مسجده -عليه الصلاة والسلام- أول مسجد أسس في داخل المدينة، على كل حال الحديث متكلمٌ فيه، الذي فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل أهل قباء عن عملهم، والكلام فيه طويل لأهل العلم، ولا شك أنه من حيث النظر إتباع الماء الحجارة يعني يستنجي بالحجارة ويخفف النجاسة فلا يباشرها بيده، ثم بعد ذلك يستنجي بالماء هذا أكمل في قطع النجاسة من حيث النظر، أما من حيث الأثر فينظر في ثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثبت عنه أنه استنجى بالأحجار، وقال لابن مسعود: ((ائتني بثلاثة أحجار)) ولم يثبت عنه أنه أتبعه الماء، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث أنس أنه كان يحمل هو وغلامٌ نحوه إداوة من ماء فيستنجي بها -عليه الصلاة والسلام-، ثبت عنه أنه استعمل الماء، وثبت عنه أنه استعمل الحجارة، لكن هل ثبت عنه أنه يجمع بينهما، وإن كان النظر يقتضي أنه أكمل، لكن لا أعرف ذلك يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فالاقتصار على الماء طهارة كاملة، والاقتصار على الأحجار طهارة كاملة.

طالب:.......

من حيث النظر الجمع بينهما أكمل، من حيث النظر كون هذا يخفف النجاسة بنسبة 99%، وهذا يقطعها بالكلية، ويجعل اليد لا تباشر النجاسة هذا أكمل من حيث النظر، لكن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وكره بعض السلف الاستنجاء بالماء، كرهه بعضهم، نقل عن بعض السلف عن ابن عمر وغيره أنه كره الاستنجاء بالماء، وأن هذا بالنساء أليق، لكن ما دام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استنجى بالماء فلا كلام لأحد، منهم من يعلل بأنه مطعوم، الماء مطعوم، فكيف يستنجى به، لكن ما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام لأحد، وإذا جاء نهر الله -كما قال الإمام مالك- بطل نهر معقل، فلا مجال للتعليلات ما دام الفعل ثابتاً عنه -عليه الصلاة والسلام-.

"باب الاستطابة والحدث" العطف هنا من باب عطف المسبب على سببه، فالسبب...، من باب عطف ماذا؟ المسبب على سببه أو السبب على مسببه؟ الآن المعطوف.

طالب: السبب.

لا، المسبب الذي هو الحدث، الحدث هو السبب، والاستطابة مسببٌ عن ذلك الحدث، فالحدث هل المراد نفس الخارج -وهذا أشرنا إليه سابقاً- هل المراد به نفس الخارج، أو الأثر المعنوي الوصف القائم بالبدن المعنوي الذي يمنع من مزاولة ما تشترط له الطهارة؟

طالب:........ المراد به هنا الحدث.

الخارج يعني.

طالب: نعم، الخارج.

نعم، إذا قلنا: الطهارة رفع الحدث، فالمراد به الوصف، وإذا قلنا: الاستطابة والحدث فالمراد به نفس الخارج.

قال -رحمه الله تعالى- وفي كل باب يقول: "قال" في نسخة الطبعة الأولى وكأنها حذفت من الطبعة الثانية، يقول: "وقال" وفي نهاية كل باب، غالب الأبواب يقول: والله أعلم.

يقول: في التعليق انفردت نسخة الأصل بزيادة الله أعلم في ختام كل باب تقريباً، ومع ذلك حذفوها، أثبتوها في أوائل الأبواب ثم حذفوها بعد ذلك بدليل أنهم لم يذكروها في هذا الباب.

قال -رحمه الله-: "وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء" لأن الله -جل وعلا-يقول: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] بعض أهل العلم يقول: إذا قمتم من النوم فاغسلوا وجوهكم، ولم يذكر فيه استنجاء، وكذلك من خرجت منه الريح لا يستنجي، وجاء في حديث: ((من استنجى من الريح فليس منا)) وهو حديثٌ ضعيف، مخرجٌ في الكتب التي هي مظنة الضعيف عند الديلمي وعند ابن عساكر والخطيب، فإذا تفردت هذه الكتب بحديث فإنه يحكم عليه بالضعف إذا تفردت، فهي من مظان الضعيف، وعلى كل حال الخبر ضعيف.

قال: "وليس على من نام أو خرجت منه ريحٌ استنجاء" أما خروج الريح فالريح لا تنجس ما مرت به خلافاً لبعض المبتدعة الذين يرون أنها تنجس، فيستنجون منها، ولا يصلون بسراويلهم، وهذا معروفٌ عند بعض طوائف البدع، وإذا كانت الريح لا توجب الاستنجاء، ولا يلزم من أرسلها استنجاء، فمن باب أولى النوم الذي هو مظنة الحدث، مظنة خروج الريح، فإذا لم يكن الأصل موجباً للاستنجاء فما كان مظنة له من باب أولى إذا كان المحقق المتيقن لا يوجب الاستنجاء فمن باب أولى ما يظن فيه ذلك الحدث.

"والاستنجاء لما يخرج من السبيلين" من القبل أو الدبر، والاستنجاء لما يخرج من السبيلين، الاستنجاء يتعلق به الجار والمجرور في قوله: "لما" ويتعلق به أيضاً الجار والمجرور في قوله: "من السبيلين" والأسلوب يفهم منه الحصر، يقول: "والاستنجاء لما يخرج من السبيلين" كأنه قال: فقط، وعلى هذا "ما" من صيغ العموم، قال: والاستنجاء لما يخرج، يعني لكل ما يخرج من السبيلين، سواءٌ كان طاهراً أو نجساً، رطباً أو يابساً؛ لأن "ما" من صيغ العموم، ومن السبيلين اللذين هما القبل والدبر يختص الاستنجاء به، وعلى هذا لو خرجت النجاسة من غير السبيلين خرج البول أو الغائط من غير مخرجه، انسد المخرج، وفتح أو انفتح له مخرج غير الأصلي غير السبيلين وهذا كثيرٌ، فإذا خرج الحدث من غير السبيلين من مخرجٍ محدَث بعد انسداد أو سد المخرج الأصلي هل يأخذ الحكم أو ما يأخذ؟

طالب:.......

على كلامه هو؟

طالب:.......

على كلامه ما يحتاج إلى استنجاء.

طالب: لا يعتبر سبيل.

لا، السبيلين معروف، معروف أن السبيلين المعهودين.

طالب: لكن حلّ محله يا شيخ؟

نحن نريد أن نمشي على كلامه هو أولاً؛ لأن عنده علَّق بالاستنجاء الجار والمجرور لما يخرج، والجار والمجرور من السبيلين، فقوله: لما يخرج، يعني لكل ما يخرج من السبيلين موجب للاستنجاء، ولو خرج حصاة يابسة، أو ابتلع خرزة وخرجت من سبيله بدون رطوبة، أو خرج من مقعدته حشرة أو دود يستنجي أو لا يستنجي؟ على كلامه يستنجي، فلما يخرج يعني لجميع، ولكل ما يخرج من السبيلين يلزمه الاستنجاء، والمقرر عند أهل العلم أن اليابس لا ينجس ، خرجت حصاة يابسة ما فيها شيء، فهل يلزم الاستنجاء أو لا يلزم؟ على كلامه لا يلزم، وعلى قول من يقول: إن المخرج كغيره من أجزاء البدن على ما تقدم بحثه، فهذا ليس بموجب للاستنجاء أصلاً؛ لأن الاستنجاء كإزالة النجاسة ولا نجاسة الآن على أي موضع من البدن، والمقرر عنده أنه يعني تقدم لا يصح قبله وضوء، "فرض الطهارة ماءٌ طاهر، وإزالة الحدث" فهو عنده حدث هذا لا بد من إزالته ولو كان طاهراً؛ لأنه خرج من السبيلين.

ونعود إلى المسألة الأخرى أنه إذا خرج الحدث الذي هو البول والغائط، الحدث الأصلي المعتاد من غير السبيلين، مقتضى كلامه أنه لا يستنجى منه، لا يلزم الاستنجاء منه، لكن إزالة النجاسة واجبة بلا شك، فعلى هذا يصح الوضوء قبل إزالة هذه النجاسة؛ لأنها من غير السبيلين، فالذي يشترط تقدمه على الطهارة الاستنجاء أو الاستجمار؟ ولا استنجاء هنا ولا استجمار؛ لأن الاستنجاء والاستجمار خاص بموضع الخارج الأصلي الذي هو السبيلان، فإذا خرج فُتح لمريض فتحة فصار يخرج منها البول، ثم توضأ، هل نقول: يلزمه أن يستنجي قبل الوضوء على ما تقدم، أو نقول: هذه نجاسة في غير محلها فلو توضأ قبلها ما يمنع كسائر بدنه غير السبيلين، مقتضى كلامه أنه لا يلزم، أنها كالنجاسة على غير السبيلين، وأما الذين يقولون: يجوز الوضوء قبل الاستنجاء والاستجمار فالمسألة ما تختلف عندهم، قدم أو أخر ما يضر.

الاستنجاء والاستجمار لقطع ما يخرج من السبيلين كما قرر المؤلف -رحمه الله تعالى- أمرٌ لا بد منه؛ لأنه يقول: "وليس على من نام أو خرجت منه ريحٌ استنجاء" والاستنجاء يعني على من خرج حدثه من السبيلين؛ لأنه لما قال: "ليس على" دل على أن الاستنجاء على من خرج من سبيليه شيء، وهذا يدل على الوجوب، والوجوب أمرٌ مقرر في الشرع ومعروف، وهو مذهب عامة أهل العلم أنه لا بد من الاستنجاء، ولا يعفى عن مثل هذا، وأن يسيره لا يعفى عنه إلا ما لا يزيله إلا الماء في حالة الاستجمار.

"فإن لم يعد مخرجهما" وفي نسخة: "لم يعدوا مخرجهما" فإن لم يعدُ، إذا قلنا: لم يعد، فالضمير مفرد يعود إلى الخارج المفهوم من قوله: "لما يخرج" وقررنا أنه يعم كل ما يخرج ألا يقال: إن الشيء الطاهر حكمه حكم الريح عند المؤلف؛ لأنها طاهرة فكذلك في حكمها كل طاهر.

طالب:.......

الآن قوله: "والاستنجاء لما يخرج من السبيلين" لا إشكال في كونه لا يتناول الريح؛ لأنه نص عليها، لكن هل التنصيص عليها يمكن قياس غيرها عليها من الطاهرات، والعلة في ذلك أنها طاهرة.

طالب: لكن يا شيخ هي لا جرم لها تختلف عن غيرها بأنه لا جرم لها......

يدل على أنه لو أراد غيره لذكره، ولعطفه على الريح.

"فإن لم يعد" يعني الخارج المفهوم من قوله: "لما يخرج" في بعض النسخ: "فإن لم يعد" يعني البول والغائط المفهوم من قوله: "لما يخرج من السبيلين" فهذه التثنية تقتضي تثنية الضمير العائد، نعم؟

طالب:.......

يعني على كلامه فإن لم يعد يعني البول والغائط.

طالب:.......

جوابه؟

طالب:.......

أولاً: النسخ بما فيها الأصل: "فإن لم يعد" يعني الخارج، والخارج يراد به جنس ما يخرج فيشمل الجميع، أما على ما انفردت به النسخة المرموز لها بالحرف "م" يعدوا المقصود به؟

طالب: البول والغائط؟

البول والغائط، وما في حكمهما حتى على رواية التثنية؛ لأنه افترضنا أنه يخرج من الذكر أشياء بول وغائط ومذي ومني وأمور ثانية، نعم، ويخرج من الدبر أشياء، ثلاثة أشياء، أربعة خمسة عشرة بقدر ما يخرج، فالضمير المثنى يعود إلى المجموعتين {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] فالضمير المثنى يعود إلى المجموعتين، فلا يرد ما قلتَ، فالمعنى واحد سواءٌ قلنا: لم يعد أو لم يعدوا مخرجهما يعني محل الخروج من القبل والدبر، يعني صار بقدر المحل الذي هو الفتحة، وما انتشر على مواضع أخرى من الذكر أو الدبر أجزأه ثلاثة أحجار، ومفهوم هذا أنه لو تعدى المخرج ولو بشيء يسير فإنه حينئذٍ لا يجزي الاستجمار، بل لا بد من الاستنجاء بالماء.

"فإن لم يعد مخرجهما أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن" فكلامه يدل على أنه إذا كان التلويث في محل الخارج بحيث لا يتعداه ولو كان شيئاً يسيراً فإن الاستنجاء يجزئ، وإن زاد على محل الخروج ولو شيئاً يسيراً فإنه لا يجزئ إلا الاستنجاء هذا مفهوم كلامه، لكن هل يتصور أن الخارج بقدر محل الخروج لا يتعداه أبداً؟ قالوا: يتجاوز عن الشيء اليسير حول المخرجين، إذ لا يتصور أن يكون التلويث بقدر الفتحة التي يخرج منها الخارج، فيجزئ الاستجمار حينئذٍ، أما إذا زاد وانتشر وتعدى فلا بد من غسله بالماء.

"فإن لم يعد مخرجهما أجزأه" قوله: أجزأه، هل في هذه العبارة ما يدل على أن الاستنجاء مفضول؟ لأن المسألة مسألة إجزاء، أن الاستجمار مفضول، هل مفهوم هذه العبارة في قوله: أجزأه ثلاثة أحجار....؟ نعم؟

طالب: هذا الظاهر، ظاهره أنها مفضول.............

لا، أنا أقول: قوله: "أجزأه" الإجزاء هل يفهم منه أن هذا هو السنة، أو أنه يكفي؟ أقل ما تزال به النجاسة، وأعلى به ما تزال به النجاسة الماء، فهل في قوله: أجزأه ما يدل على أن الاستجمار مفضول، وأن الاستنجاء فاضل؟

طالب: هذا ظاهر.

نعم لا سيما مع قوله: "فإن لم يعد مخرجهما" فكون الشيء المجزي يقيد بقيود لا يرتقي إلى ما لا قيد فيه، يعني كون الشيء يقول أهل العلم: يجزئ بشرط كذا وكذا وكذا، ليس مثل الذي يجزي مطلقاً، ويتأتى به الواجب مطلقاً من غير قيدٍ ولا شرط، واضح هذا مفهوم العبارة، ولا شك أن الماء أقطع للخارج من الاستجمار، وما دام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استجمر، فلا يظن أن الاستجمار طهارة ناقصة، بل هي كاملة.

"أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن" ثلاثة أحجار مفهومه أن الحجرين لا يجزآن، وإنما أقل المجزئ ثلاثة أحجار "أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن" فالاستجمار بالأحجار مشروط بأن لا يتعدى الخارج موضعه، وأن تكون الأحجار ثلاثة، وأن يتم الإنقاء، يعني أقل ما يستجمر به ثلاثة أحجار، إذا أنقى بهن، فإن لم ينقِ بالثلاثة زاد حتى ينقي، يزيد رابع، إن أنقى بالأربعة استحب له أن يزيد خامساً ليقطع الاستنجاء على وتر، إن أنقى بالخامس لا يزيد شيئاً، إن تطلب الأمر حجراً سادساً زاده، ثم يقطع على وتر، يزيد سابعا، وفي الحديث الصحيح: ((من استجمر فليوتر)) وجماهير أهل العلم على أن معناه من استعمل الاستجمار والجمار في قطع أثر الخارج، في إزالة أثر الخارج، ومنهم من يرى أن الاستجمار هنا استعمال المجمرة التي هي البخور الطيب، لكنه مرجوح يعني.

"أجزأه ثلاثة أحجار" وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأتيه..، أمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فدل على أنه لا يجزئه غيرها، ولا يجزئ أقل منها، فجاءه بحجرين وروثة فألقى الروثة، وقال: ((إنها رجس)) وجاء في بعض الروايات: ((إنها روثة حمار)) رجس نجسة النجس لا يطهر نفسه فضلاً على أن يطهر غيره، في بعض الروايات ((ابغني ثلاثاً)) فدل على أنه لا بد من الثلاث، ومن أهل العلم من يقول: إنه يجزئ ما ينقي ولو واحد، فالمسألة مرتبطة بنجاسة حسية فإذا زالت كفى، لكن حديث ابن مسعود يدل على أنه لا بد من الثلاث، وأنها أقل ما يجزئ.

"أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن" بهذا الشرط أن ينقي بالثلاثة، إذا لم ينق يزيد حتى يتم الإنقاء، فإن أنقى بدونهن لم يجزئه حتى يأتي بالعدد، أنقى بواحدة لم يجزئ، أنقى باثنين لم يجزئ، لا بد من ثالث حتى يأتي بالعدد المحدد في حديث ابن مسعود، فإن لم ينق بثلاثة زاد حتى ينقي، يعني يزيد رابعا، ثم يقطع على وتر استحباباً، فالرابع واجب، والخامس مستحب.

حتى ينقي، ثم بعد ذلك قال: "والخشب والخرق، وكل ما أنقي به فهو كالأحجار" يعني هل يتعين الحجر أو أن المسألة مسألة حسية؟ المطلوب إزالة هذه النجاسة فكل ما تزال به هذه النجاسة من خشب وخرق ومناديل أو تراب؟ "وكل ما أنقي به فهو كالأحجار" حكمه حكم الأحجار؛ لأن المعنى يتأدى به، لكن الذي لا ينقي كالزجاج، وما كان في حكمه من أملس فإنه لا يجزئ، فهو كالأحجار يتم به الاستجمار الشرعي.

طالب:.......

كل أهل العلم قالوا: بأن القطع على وتر سنة، ما قال أحد بوجوب الوتر في هذا إلا الثلاث، الثلاث معروف القول فيها.

"والخشب والخرق، وكل ما أنقي به فهو كالأحجار" ومعروف أن هذه المسألة مما خالف فيها أبو بكر غلام الخلال خالف فيها المؤلف، ففي المسائل في المسألة الخامسة من هذه المسائل يقول: قال الخرقي: والخشب والخرق، وكل ما أنقي به فهو كالأحجار، وبه قال: أكثرهم؛ لأن المسألة محسوسة ليست معنوية ولا تعبدية بالأحجار، إنما هي حسية، وبه قال أكثرهم لما روى الدارقطني في إسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد أو ثلاثة أحجار أو ثلاث حثيات من الماء)) لكن هذا الحديث ضعيف جداً، قال أبو بكر: لا يجزئ إلا الأحجار، وبه قال داود؛ لما روى البخاري في إسناده عن عبد الله قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، والأمر على الوجوب؛ ولأنها عبادة تتعلق بالأحجار فلا يقوم غيرها مقامها، دليله رمي الجمار، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((ائتني بثلاثة أحجار)) هل المقصود من هذا الأمر إحضار هذه الأحجار، وأن لها لذاتها خصوصية، أو المقصود إزالة الأثر؟ هنا يقول: والأمر على الوجوب؛ ولأنها عبادة تتعلق بالأحجار فلا يقوم غيرها مقامها دليله رمي الجمار، من رمى الجمرة بقطع خشب يجزئ أو ما يجزئ؟

طالب: لا يجزئ.

ما يجزئ، وهنا أيضاً في كلام أبي بكر غلام الخلال يقيس هذا على ذاك، يقول: ما دام لا يجزئ رمي الجمار بالخشب إذاً لا يجزئ قطع النجاسة بالأخشاب، لكن القياس مع الفارق، الفرع لا يساوي الأصل، فالأصل ظاهر التعبد فيه واضح، بينما المعنى والحس في الفرع المقيس عليه ظاهر، فالقياس مع الفارق.

فالمتجه هنا قول الخرقي، وكونه يأمره -عليه الصلاة والسلام-بالأحجار لأنه لا يوجد في ذلك المكان إلا أحجار، هو في مكانٍ لا يوجد فيه أحجار، لا سيما وأرض المدينة هذه صفتها.

"إلا الروث والعظام والطعام" فالاستنجاء بالروث محرم ولا يجزئ، والاستنجاء بالعظام محرمٌ ولا يجزئ، وكذلك الطعام، هذا ما قرره المؤلف، أما التحريم فلا إشكال فيه، والنص فيه صحيح؛ لأن الروث زاد أو علف الدواب دواب الجن، والعظام زاد إخوانكم من الجن يعود أوفر ما كان، فلا يجوز تنجيسه عليهم، وأما الطعام فهو زاد الإنس، فإذا حرم الاستنجاء بزاد الجن حرم الاستنجاء بزاد الإنس من باب أولى؛ ولأنه محترم، وقل مثل ذلك في طعام دواب الإنس علف الدواب كذلك لا يجوز أن يستنجى به.

"إلا الروث والعظام والطعام" عرفنا أن الروث إما أن يكون طاهراً أو نجساً، فإن كان نجساً ففيه حديث ابن مسعود: ألقى الروث، وقال: ((إنها رجس)) وإن كانت طاهرة كما هو شأن أرواث ما يؤكل لحمه فهي زاد أو علف دواب الجن، والعظام لا شك أنها زاد الجن أنفسهم، بحيث يعود أوفر ما كان.

من الطرائف أن امرأة داخلها جني وتلبس بها، فلما أتي بمن يرقي تكلم الجني وقال: هذه المرأة تعتدي علينا، كيف تعتدي عليكم؟ قال: إذا انتهت من أكل اللحم قضمت العظم فما لان منه أكلته، وهذا موجود بعض الناس لا سيما عظام الدجاج، بعض الناس يقضمه، فهذا يصدق الحديث أنه طعامهم.

وفي الحديث: ((لعل الحياة تطول بك يا رويفع فأخبر الناس أن من استنجى بعظمٍ أو رجيع دابة فإن محمداً بريء منه)) فمثل هذا لا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه إما أن يكون نجساً هذا بالنسبة للروث، إذا كان رجيع ما لا يؤكل لحمه، أو طاهراً، ورجيع ما يؤكل لحمه وحينئذٍ علف دواب الجن، والعظم هو زاد إخوانه من الجن، أو يكون ممن لا يؤكل لحمه، وحينئذٍ يكون حكمه حكم ما لا ينقي؛ لأنه أملس كالزجاج فلا ينقي، والطعام لا شك أنه محترم، وهو زاد الإنس، والمحافظة على زاد الإنس أولى من المحافظة على زاد الجن.

"من الطعام" يعني مثل هذا الكلام يجر إلى وضع الطعام في غير ما يليق به، يعني إذا بقي من الطعام بقية وجعل مع الكناس مثلاً، ثم وضع في سلة المهملات –الزبائل- التي يحملها عمال البلدية، فيكون معها الطاهر والنجس، ولا شك أن الطعام محترم لا يجوز أن يخلط بشيء نجس، هذا إذا أمكنت الاستفادة منه، أما إذا كان بحيث لا يستفيد منه إنسان ولا حيوان كالدهن الذي يبقى في اليد مثلاً، بعض الناس يتحرز من أن يغسل يديه في المغسلة التي تذهب إلى المجاري، وفيها الدهن بقية السمن والدهن والزيوت، لا شك أنه بعد لعقها، وإزالة ما علق بها من طعام الذي يبقى لا يستفاد منه، وحينئذٍ يذهب منه الاسم كونه طعاما، حينئذٍ ليس بطعام، ولا مانع من غسله في المغاسل.

"والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار".

طالب:.......

أي نعم، يعني هل النهي يقتضي البطلان أو لا؟ هل يجزئ أو لا يجزئ؟ هل نقول: إن هذا مثل خلافه في الدار المغصوبة أو لا؟ لا شك عند الظاهرية كل نهي يقتضي البطلان، سواءٌ عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه، أو إلى أمر خارج، فهو يقتضي البطلان، لكن عند غيرهم يفرقون بين ما يعود النهي فيه إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، والحجر شرط في الإنقاء، إذاً الروث شرط في هذا الإنقاء، فعاد النهي إلى ذات الشرط، إلى الشرط، وحينئذٍ لا يجزئ.

قال -رحمه الله-: "والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار" المؤلف -رحمه الله- نظر إلى المعنى، وأن كل زاوية وكل شعبة تقوم مقام الحجر المستقل، وإذا نظرنا إلى هذا الكلام من حيث المعنى صحيح، لا سيما إذا قلنا: إن الأحجار الثلاثة يمسح بكل واحدٍ منها مسحة واحدة، لكن إذا قلنا: إن كل واحد من الأحجار الثلاثة يمسح به مراراً من جوانبه فلا يقوم مقامه الحجر الواحد، وإن كان له شعب، لو قدر مثلاً أن الحجر كبير استنجى به وكسر منه ما تنجس به بالاستنجاء وبقي نظيفا، ثم استنجى به ثانية فكسر منه ما يبقى معه ما هو في حكم الحجر الثالث؟ فكأنه كسر الحجر الواحد وجعله ثلاثة أحجار، لو أحضر من البداية حجرا واحدا كبيرا وكسره إلى ثلاثة أحجار وقسمه، هذا لا يخالف فيه أحد؛ لأنه يصدق عليه أنه استنجى بثلاثة أحجار، لكن إذا أتى بحجرٍ كبير، ثم استنجى به وغسل موضع النجاسة، أو كسرها وقطعها وأزالها، ثم استنجى به كذلك، ثم استنجى به ثالثة على كلام المؤلف ليس فيه إشكال، الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار؛ لأن المؤلف نظر إلى المعنى نجاسة حسية زالت بهذا الحجر الكبير، وتم مسحه، مسح النجاسة ثلاثاً، فليس هناك ما يمنع أن يكون حكم الحجر الواحد حكم الثلاثة.

ومن مسائل الغلام -غلام الخلال- يقول -رحمه الله-: المسألة السادسة التي في الطبقات، قال الخرقي: والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام الثلاثة الأحجار؛ لأن القصد تخفيف النجاسة بضربٍ من العدد، وهذا المعنى موجود في الحجر الكبير، تخفيف أو تجفيف؟ لأن في النسخة تجفيفا، والمثبت من الأصول وهي محررة مضبوطة بالشكل الكامل في "ب" وإن كان المعنى لا يساعد على ذلك؛ لأن المقصود التجفيف لا التخفيف؛ لذا شرط في الحجارة أن تكون منقية لا مخففة، لكن هل الإنقاء يقتضي الإزالة بالكلية أو قالوا بأنه يجزئ الاستجمار مع بقاء الأثر الذي لا يزيله إلا الماء؟

طالب: الثاني.

اللفظان متجهان سواءٌ قلنا: تخفيف أو تجفيف.

لأن القصد تخفيف النجاسة بضربٍ من العدد، وهذا المعنى موجود في الحجر الكبير، كما لو وجد بثلاثةٍ صغار، وقال أبو بكر: لا بد من ثلاثة أحجار، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن مسعود: ((ائتني بثلاثة أحجار)) ولم يفرق، يعني ما قال: ثلاثة أحجار صغيرة، أو قال: حجر واحد كبير في حكم الثلاثة، المقصود أنه قال: ((ائتني بثلاثة أحجار)) فيوقف على هذا الحد، لكن مثل هذا الكلام يتجه في المسائل التعبدية، وهو أيضاً جارٍ على قول أهل الظاهر، أما من ينظرون إلى المعنى فإن الحجر الذي له شعب لا شك أنه يقوم مقام الأحجار.

"والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام الثلاثة ما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء" لأن النجاسة لا تزول إلا بالماء.

"ما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء" لأن هذا الاستنجاء إنما ورد في موضع الخارج فقط، ولم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أزال النجاسات بغير الماء، اللهم إلا على قول من يقول بنجاسة المني وإزالته بالظفر أو بإذخرة أو بحصاة أو شبهها، لكن على من يقول بطهارته المذهب -وهو قول الأكثر- المذهب عندهم مطرد، فلا تزال النجاسات إلا بالماء، ويستدلون بإزالة المني بالظفر وحكه بالظفر يستدلون بهذا على طهارته، إذ لو كان نجساً لما طهر إلا بالماء، ولذا يقول: "وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء" يعني لو وقعت نجاسة على يده أو على رجله أو على ثوبه لا بد من إزالتها بالماء، وكذلك إذا تعدى الخارج الموضع على ما تقدم لا يجزئ فيه إلا الماء.

طالب:........

إيش فيه؟

طالب:........

المذي؟

طالب:........

الملح؟

طالب:........

الملح طعام، لكن جاء ما يدل على أنه تزال به النجاسة؛ لأن أصله ماء، إذا أذيب صار ماءً مالحاً، وأصله الماء، تقدم الكلام فيه.

هنا يقول: "فصلٌ في أدب قضاء الحاجة" في زوائد الهداية على الخرقي: فصلٌ في أدب قضاء الحاجة:

يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، من الرجسٍ النجس الشيطان الرجيم، ويضع ما معه مما فيه ذكر الله تعالى، فلا يدخل به محل قضاء الحاجة، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ لئلا يؤدي ذلك إلى انكشاف عورته، واطلاع الناس عليها، ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، قالوا: لأن هذا أسهل للخارج، أسهل للخروج، وينصب اليمنى، ولا يتكلم، وجاء النهي عن الكلام، وأن الله -جل وعلا- يمقت على ذلك، ولا يطيل مقامه أكثر من حاجته لأنه مضر، إطالة المكث على الحاجة مضر ببدن الإنسان، منهم من يقول: إنه يكون سبباً في البواسير، ولا يطيل مقامه أكثر من حاجته، وغير المسلمين يستغلون هذا الوقت في القراءة، ويطيلون البقاء والمكث على الحاجة، يستغلون في قراءة صحف وأشباهها.

بعضهم يأخذ من كلام أهل العلم هذا أنه لا يطال على الصبي في مكثه بما يحفظ النجاسة، خلاص مجرد ما يتنجس في هذه الحافظة التي تحفظ نجاسته يزيلها فوراً؛ لأن الكبير إذا تضرر بالنجاسة فالصغير في حكمه، وإذا منع الكبير من طول المكث على النجاسة فلئن يمنع من إطالة مكث الصبي في نجاسته؛ لأنه أقبل للمرض، وأسرع للمرض إليه من الكبير، من باب أولى.

ولا يطيل مقامه أكثر من حاجته، وإذا فرغ قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافني، فإن كان في الخلاء قدم رجله اليسرى في الدخول، واليمنى في الخروج، يعني عكس المسجد؛ لأنه من الأمور المفضولة فيقدم اليسرى في الدخول، وإذا خرج منه قدم اليمنى عكس المسجد وعكس الانتعال.

وإن كان في فضاءٍ أبعد واستتر عن العيون، أما الاستتار فواجب، وأما الإبعاد فكان من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه يبعد إذا أراد محل الغائط، الغائط يُبعد فيه لما يصحبه من أصوات وروائح، وأما بالنسبة للبول فقد انتهى -عليه الصلاة والسلام- إلى سباطة قوم -يعني بين البيوت- ما أبعد فبال قائماً على ما في الصحيحين وغيرهما.

أبعد واستتر عن العيون، وارتاد لبوله مكاناً دمثاً، مكاناً رخواً؛ لئلا يرتد عليه البول، ويتوقى الأظلة التي يجلس فيها، والطرقات والأشجار المثمرة، وفرض الأنهار ((اتقوا الملاعن الثلاثة)) فلا يجوز أن يبول في ظل الناس، ولا محل اجتماعهم، ولا في طرقاتهم؛ لأنه يؤذيهم بهذا، ويتسبب في لعنهم إياه، فيتوقى الأظلة التي يجلس فيها والطرقات والأشجار المثمرة وفرض الأنهار، منهم من يقول: إذا كانت هذه الأماكن التي يجتمع فيها يزاول فيها منكر، ناس يجلسون في مكانٍ فيه ظل، أو في طريق لا يحتاجه المارة، إنما يستغله هؤلاء الذين يزاولون فيه هذا المنكر من أذى الناس أو الكلام في أعراضهم نقول: لا مانع من أن يفرقوا بهذه الطريقة، يبال فيه، وعلى هذا لو وجد في الحي أرضا بيضاء محلا يلعب فيها الشباب كرة، وبسببها يتأخرون عن الصلاة، هل يفرقون بمثل هذا؟ وهل يلحق بهذا ما يقوم مقامه مما يكون سبباً للتفريق مما هو ليس بنجس، مثلا يغير فيه زيت السيارة، في هذا المكان الذي يكون سبباً لمنكر يجتمع الناس فيغتابون، يغير الزيت في هذا المحل، أو شباب يلعبون كرة في أرض فضاء تكون محلا لتغيير الزيت يُفرقون.

وينجر الكلام إلى بعض الناس تكون سيارته من النوع القديم الذي ينزل منه الزيت، فهل مثل هذا يسوغ له أن يقف بهذه السيارة في طرقات الناس بحيث يتسبب في نزول هذه الزيوت التي تؤذي المارة، أم نقول: إنه يلزمك أن تقف في مكان لا يمر به أحد أو تصلح سيارتك لئلا تؤذي الناس؟ الزيت طاهر، لكنه مقذر مؤذي، وغسله أشق من غسل البول، فعلى هذا على من يملك مثل هذه السيارات يتحرى ألا يكون سبباً في أذية الناس.

ولا يبول في ثقب ولا شق، قالوا: لأنها مأوى للجن، وسعد بن عبادة يذكر أنه بال في شقٍ فوجد صريعاً قتيلاً، قالوا: قتله الجن إن ثبت الخبر، قالوا:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

 

 

رميناه بسهمٍ فلم نخطئ فؤاده

 

وعلى كل حال إذا كان يستبب في أذية وغلب على الظن أنه مأوى للجن، أو مأوى لأشياء محترمة مثل الضبان مثلاً، جحر فيه ضب يبول فيه أو ما يبول؟ لا يبول؛ لأن هذا مأكول محترم.

ولا يبول في ثقبٍ ولا شق، ولا يستقبل شمساً ولا قمراً، يقول الفقهاء: لما فيهما من نور الله، وهذه العلة عليلة، وحديث: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) يرد هذا الكلام؛ لأنه إذا شرق في أول النهار استقبل الشمس، وإذا غرب في آخره استقبلها.

ولا قمراً، ولا يجوز استقبال القبلة.

نقف على هذا.

اللهم صل على محمد....