كتاب القضاء من سبل السلام (9)
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا والسامعين. أمَّا بعد،
فقال في البلوغ وشرحه في باب الدعاوى والبينات من كتاب القضاء:
"وَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنَّها قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا تَبْرُقُ" بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ (الرَّاءِ)، "أَسَارِيرُ وَجْهِهِ" هِيَ الْخُطُوطُ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ وَاحِدُهَا سرٌ وسَرر، وَجَمْعُهَا أَسْرَارٌ.."
هذه الأسارير وهذه الخطوط تختفي في وقت السعة والراحة، وتوجد في أوقات إمَّا غضب، وإمَّا ضحك، المهم فيه تغير في ملامح الوجه تبرز هذه.
"وَجَمْعُهَا أَسْرَارٌ وَأَسِرَّةٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَارِيرُ، أَيْ تُضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ. فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَى إلَى مُجَزِّزٍ» بِضَمِّ (الْمِيمِ) وَفَتْحِ (الْجِيمِ) ثُمَّ (زَاي) مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ (زَايٍ) أُخْرَى اسْمُ فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَسَرَ أَسِيرًا جَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَطْلَقَهُ. «الْمُدْلِجِيُّ» بِضَمِّ (الْمِيمِ) (وَبِالدَّالِ) الْمُهْمَلَةِ (وَجِيمٍ) بِزِنَةِ مُخْرِج نِسْبَةً إلَى بَنِي مُدْلِجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ. «نَظَرَ آنِفًا»."
المُدلجي (الياء) ياء النسب؛ لأنَّه قال: بمنزلة مُخرج، قد يتوهم أنَّ مُدلجي بزنة (أو مخرجي)، زنة واحدة أم لا؟ لا، (الياء) هنا تختلف عن (الياء) هناك؛ لأنَّ الذي يوجد اللبس أنَّه قال: بزنة مُخرج، مُدلجي هذه بزنة مُخرجي، «أو مُخرجي هم؟»، لا، (الياء) المفعول لاسم الفاعل، وهنا (الياء) ياء النسب تختلف هذه عن تلك. لكن هذا التنبيه من أجل قوله: بزنة مُخرج.
"«نَظَرَ آنِفًا» أَي الْآنَ «إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".
إذ كان عليهما قطيفة قد غطت أعالي البدن وخرجت الأقدام فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض، مع أنَّ الألوان تختلف، هذا أبيض، وهذا أسود، لكنها الخبرة والمعرفة والدقة، ومُجزز مشهود له في أحياء العرب أنَّه قائف، وعنده خبرة ومعرفة.
"متفق عليه. فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَمْ تَرَى أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ».
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَقْدَحُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ، كَذَا قَالَهُ أَبُو دَاوُد، وَأُمُّ أُسَامَةَ هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ كَانَتْ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ. وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَانَتْ حَبَشِيَّةً وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَيُقَالُ: كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْحَبَشَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا زَمَنَ الْفِيلِ، فَصَارَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَيْدٍ عُبَيْدًا الْحَبَشِيَّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، فَكُنِيَتْ بِهِ، وَاشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا وَاسْمُهَا بَرَكَةُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيَافَةِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ.
وَهِيَ: مَصْدَرُ قَافَ قِيَافَةً، وَالْقَائِفُ الَّذِي يَتَتَبَّعُ الْآثَارَ وَيَعْرِفُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَبِيهِ وَأَخِيهِ ونحوهما. وَإِلَى اعْتِبَارِهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ على العمل بها مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ التَّقْرِيرَ مِنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّةٌ شرعية؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَقْسَامِ السُّنَّةِ النبوية."
لأنَّ السُّنَّة إمَّا أقوال، أو أفعال، أو تقارير، أو وصف.
"وَحَقِيقَةُ التَّقْرِيرِ أَنْ يَرَى النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِعْلًا مِنْ فَاعِلٍ أَوْ يَسْمَعَ قَوْلًا مِنْ قَائِلٍ أَوْ يَعْلَمَ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ تَقَدُّمُ إنْكَارِهِ منه- صلى الله عليه وسلم-، كَمُضِيِّ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ على إنكار ذلك الفعل أو القول كما كَانَ يُشَاهِدُهُ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ كَانَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا دَالًّا عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنْ اسْتَبْشَرَ بِهِ فَأَوْضَحَ.."
والتقرير خاص بالنبي- عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي تقريره شرع، أمَّا من عداه فلا يُنسب إليه تقرير، ولا يُنسب إلى ساكت قول، فالذي يستدل بأنَّ العالم الفلاني حضر كذا وما أنكر فهذا يدل على أنَّه يجيزه، هذا الكلام ليس بصحيح، قد يسكت هذا العالم على منكر درأً لمنكر أعظم منه، أو تحصيلًا لمصلحة أعظم، فليس تقريره تشريعًا، ليس ذلك إلا للنبي- صلى الله عليه وسلم-.
طالب: هل هذا دليل على القرينة؟
إقرار النبي- عليه الصلاة والسلام- يدل على أنَّه دليل، لكن هل كل قائف بمنزلة مُجزز؟ لأنَّ إصابته متفاوتة، بعضهم لا تُخطئ له فراسة، وبعضهم أقل، وبعضهم أقل، فهم يتفاوتون على حسب ما عُرِفَ عنهم من الخبرة. فإذا كان لا يُخطئ، جُرِّب ذلك في جميع أحواله كمجزز فإنَّه وما يُقطع به إذا وجد معارض، مع عدم المعارض يُحكم به.
طالب: ..........
التي هي التحاليل، ماذا يسمونها؟
طالب: ..........
الجينات، وما الجينات كلها قرائن.
"فَإِنْ اسْتَبْشَرَ بِهِ فَأَوْضَحَ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة فَإِنَّهُ اسْتَبْشَرَ بِكَلَامِ مُجَزِّزٍ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ أُسَامَةَ إلَى زَيْدٍ فَدَلَّ ذَلِكَ.."
يعني يحصل من بعضهم ما يُشبه الكهانة، يحصل من بعضهم بما عندهم من الخبرة والدراية والمعرفة ما قد يُتهم بأنَّه يستخدم الشياطين أو ما أشبه ذلك. عبيد الله بن عدي بن الخيار كبير في السبعين من عمره، ذهب إلى حمص ومعه شخص، قال له: ألا تحب أن ننظر إلى وحشي الذي قتل مسيلمة، وقتل حمزة؟ شيخ قد فني أكثر من مائة سنة عمره وحشي يجلس في أفنية، في فناء داره، فذهب إليه وهما على الدابة عبيد الله بن عدي بن الخيار متلثم، فعرفه قال: أنت ابن عدي بن الخيار، ما قال: عبيد الله؛ لأنَّه يعرفه قبل سمى، يعرفه قبل سمى، أنت ابن عدي بن الخيار؟ قال: نعم، قال: ما يضيرك؟ قال: ناولتك أمك وأنت في المهد، عرفه من رجله، منهم من يقول: إنَّ في رجله شيئًا من البياض، أو شيئًا من العلامة. المقصود أنَّه، الله المستعان لو يغيب صاحبك أسبوع نسيت بعد، يُخالطك سبعين سنة أنت وإيَّاه أخوك وأبوك يصير في أصبعه شيء من الاختلاف واضح يعني، تراه كل يوم وأصبعه ما عرفت أن تحدده من الأصبع، صحيح، والله المستعان.
"فدلَّ ذلك عَلَى تَقْرِيرِ كَوْنِ الْقِيَافَةِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ، وَاستدل للعمل بها بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ."
يليط يعني يُلحق.
"فَأَتَى ذات يوم رَجُلَانِ إلَيه كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ، فَدَعَا قَائِفًا فَنَظَرَ إلَيْهِ الْقَائِفُ فَقَالَ: لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَك، فَقَالَتْ كَانَ هَذَا- لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ- يَأْتِيهَا فِي إبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهَا، فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دَمًا ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا- يَعْنِي الْآخَرَ- فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: فَإِلَى أَيِّهِمَا شِئْت فَانْتَسِبْ. فَقَضَى عُمَرُ بِمَحْضَرٍ الصَّحَابَةِ بِالْقِيَافَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ أحد مِنْهُمْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ تَقْوَى بِهِ أَدِلَّةُ الْقِيَافَةِ".
لكن هل هذان نكحاها بطريق شرعي أو سفاح؟
طالب: ...........
ماذا؟
طالب: ..........
ماذا يقول؟
"أخبريني خبرك، قالت: كَانَ هَذَا- لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ- يَأْتِيهَا فِي إبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهَا، فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دَمًا ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا- يَعْنِي الْآخَرَ- فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَكَبَّرَ الْقَائِفُ." يعني كان هذا في الجاهلية، لعل هذا كان في الجاهلية.
"قَالُوا أيضًا: وَهُوَ مَرْوِيٌّ.."
وأمَّا في الشرع «فالولد للفراش، وللعاهر الحجر».
"قالوا أيضًا: وهو مروي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم-، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ اللِّعَانِ، وَقَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ أَوْ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ»، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»، فَقَوْلُهُ: «فَهُوَ لِفُلَانٍ» إثْبَاتٌ لِلنَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ، وَإِنَّمَا مَنَعَت الْأَيْمَانُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِمَنْ جَاءَ عَلَى صِفَتِهِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْقِيَافَةِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْحُكْمِ فِي الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِيكَيْنِ أَوْ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ."
الأيمان الآن، أيمان اللعان هل لتقتضي نفي الولد عن الزوج؟ نعم، تقتضي نفي الولد عن الزوج، والولد الذي جاء في هذه القصة على الزوج فاقتضت الأيمان نفيه، أو على من اتُّهم بالمرأة؟ جاء على الوصف المكروه، يعني أنَّه جاء مُشبهًا من اتهمت به المرأة، والأيمان تنفي الولد عن الزوج، فقال: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»، الأيمان لا علاقة لها بنفي الولد عن الزاني أو غيره، إنَّما تنفيه عن الزوج، لكنَّ الأيمان رفعت عنها الحد، {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [سورة النور:8].
"وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْقِيَافَةِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْحُكْمِ فِي الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِيكَيْنِ أَوْ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ. وَلِلْهَادَوِيَّةِ فِي الزَّوْجَيْنِ تَفَاصِيلُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ مُجَزِّزٍ هَذَا وَقَالُوا: لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ أُسَامَةَ كَانَ مَعْلُومًا إلَى زَيْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقْدَحُ الْكُفَّارُ فِي نَسَبِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّوْنِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَأَبِيهِ، وَالْقِيَافَةُ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِهَا وَمَحْوِ آثَارِهَا، فَسُكُوتُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى مُجَزِّزٍ لَيْسَ تَقْرِيرًا لِفِعْلِهِ، وَاسْتِبْشَارُهُ إنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ الطَّاعِنِ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بِمَا يَقُولُهُ وَيَعْتَمِدُهُ، فَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنْكَارٌ لِلْقِيَافَةِ وَإِلْحَاقُ النَّسَبِ بِهَا كَتَقَدُّمِ إنْكَارِهِ مُضِيَّ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ، وَهَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ اللِّعَانِ بِمَا سَمِعْت، ثُمَّ فِعْلُ الصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ."
نعم، يقول: هذا مبني على أنَّه سبق منه إنكار القيافة؛ لأنَّ القيافة في هذه الحالة أثبتت خلاف ما أنكره، فتقوم بها الحجة؛ لأنَّها نقلت من أصل منكر إلى أمر مقرر، لكنها مع الأصل ما خالفت أصلًا.
"وَقَوْلُهُمْ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَدَمِ إنْكَارِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَذَلِكَ فِيمَا إذْ عُلِمَ الْفِرَاشُ، فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ مُقَدَّمٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْقِيَافَةُ عِنْدَ عَدَمِهِ، ثُمَّ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْإِلْحَاقِ أَنَّهُ يَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ".
يعني كالشهادة.
"وَحَدِيثُ الْبَابِ دَالٌّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ".
لأنَّه خبر، والخبر يكفي فيه الواحد، والله أعلم.
وصلى الله على محمد.
طالب: ............
نعم.
طالب: ..........
نعم. يعني يُلحق باثنين، «ولعن الله من سقى زرع غيره» ما يُمكن أن يستفيد؟ ما يستفيد الولد من ماء الثاني؟
طالب: ...........
المقصود أنَّه يستفيد مهما كان، أمَّا التكون فشأنه معلوم، معلوم أنَّه من ماء واحد، أمَّا كونه يستفيد ويُسقى منه فهذا الشيء معروف أيضًا.