شرح الموطأ - كتاب النكاح (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: كتاب النكاح، باب ما جاء في الخطبة:

حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبّان عن الأعرج عن أبي هريرة

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).

و حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).

قال مالك -رحمه الله-: وتفسير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نرى والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس.

وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله -تبارك وتعالى-: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا} أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله لسائق إليك خيراً ورزقاً ونحو هذا من القول.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب النكاح

بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب النكاح، البسملة موجودة في التراجم الكبرى، الكتب، كتب هذا الكتاب مسبوقة بالبسملة، وهي موجودة أيضاً في كثير من كتب السنة كصحيح البخاري، وهي أحياناً وهو الغالب تقدم على الترجمة، وأحياناً تؤخر عنها، تقدم أحياناً على الترجمة كما هنا، بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب النكاح، وأحياناً في صحيح البخاري تؤخر عن الترجمة، كتاب النكاح بسم الله الرحمن الرحيم، ولكل وجه.

أما تقديمها على الترجمة فهذا هو الأصل أن يبتدئ بها، وأما تأخيرها عن الترجمة، فالترجمة بمثابة اسم السورة في المصحف، وهي متقدمة على البسملة، على كل حال الأمر سهل، يعني سواءً تقدمت أو تأخرت، المشروع أن يبدأ بها.

قوله: كتاب النكاح، الكتاب مضى تعريفه مراراً، وهو أنه مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة، وكتباً، كتاباً وكتابة وكتباً، والمادة تدور على الجمع، تدور على الجمع، فالكتب هو الجمع، والكتابة جمع، واجتماع.

يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا ومنه كما يقول أهل العلم لجماعة الخيل كتيبة، ومنه أيضاً قول الحريري:

كاتبين وما خطت أناملهم حرفاً   ولا قرءوا ما خط في الكتب

يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود وخرازها.

ومثله من يجمع بين الخرز مثلاً يكتبها، ينظمها في سلك واحد، فيجمعها، والمراد به هنا المكتوب، اسم المصدر يراد به اسم المفعول، كالحمل يراد به المحمول، والمراد المكتوب الجامع لمسائل النكاح، المكتوب الجامع لمسائل النكاح، والنكاح مصدر نكح ينكح نكاحاً، والأصل فيه الضم، يقال: تناكحت الأشجار إذا انظم بعضها إلى بعض، ويقول الشاعر:

فيا منكح سهيلاً الثريا            أمرك الله كيف يجتمعان

يعني كيف تضم سهيل وهو يماني إلى الثريا وهي شامية، كيف يجتمعان؟

فالمراد بالنكاح في أصل اللغة الضم والتداخل.

وهو في الاصطلاح متردد بين العقد والوطء، بين العقد والوطء، فمن أهل العلم من اللغويين وغيرهم يرون أن الأصل فيه العقد، النكاح هو العقد، وإطلاقه على الوطء مجاز، ومنهم من يرى العكس، حقيقته في الوطء، وإطلاقه على العقد مجاز، ووروده في النصوص في العقد أكثر، وفي الوطء {حتى تنكح زوجاً غيره} يعني لا بد أن توطأ بالعقد الصحيح، وشيخ الإسلام يوفق بين هذه النصوص ويجمع هذه الآراء بقوله: إن النكاح المأمور به لا يصدق على واحد منها، إنما يصدق بهما مجتمعين، المأمور به، ففي قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} هذا لا يتحقق بمجرد العقد، لا يتم الامتثال بمجرد العقد، يعني يعقد ويطلق ويقول: الحمد لله أنا برأت ذمتي من هذا الأمر، لا، لا بد أن يعقد وأن يطأ، فالنكاح المأمور به لا يتحقق إلا بالأمرين، والنكاح المنهي عنه في سياق النهي يصدق على العقد وحده، وعلى الوطء وحده، {ولا تنكحوا ما نكح آبائكم} لا يجوز أن يعقد عليها فقط، ولا يجوز أن يطأها فقط، ومن باب أولى أن لا يجمع بينهما.

يقول -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في الخطبة، باب ما جاء في الخطبة، الخطبة هي طلب النكاح نكاح المرأة من وليها، هذه هي الخطبة، أن يتقدم الراغب في النكاح إلى ولي امرأة تناسبه فيطلبها من وليها، ليتزوجها، ليتزوجها على سنة الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

قال: حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).

الفعل خطب يخطب في البابين، في الخطب الكلامية، وفي طلب النكاح، الفعل واحد، لكن المصدر فرقوا بين الكلام وبين الرغبة في النكاح وطلبه فقالوا بالكلام خُطبة، وقالوا في النكاح: خِطبة للتفريق بينهم.

((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) هذا نهي، وفي الذي يليه.

عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).

والحديثان في البخاري، كلاهما مخرج في البخاري.

وتفسير الخبرين عند الإمام مالك منصب ومنصرف على ما إذا تم الاتفاق وحدد المهر، تم الاتفاق وركن إلى الخاطب وحدد المهر والصداق، فيأتي شخص يتقدم لخطبتها، وعنده من الأوصاف أو الأحوال ما يجعله يقدم على الخاطب الأول، بأن يكون أجمل أو أصغر سناً أو أكثر تجارة، أو حتى أكثر ديانة، كل هذا لا يجوز له أن يتقدم، ولو كان أفضل وأكفأ من الذي تقدم الأول، مادام الأول لا يجوز رده، ولو كان مفضولاً بالنسبة للخاطب الثاني، فلا يقول: والله أنا أولى بهذه المرأة الدينة، الصينة، العالمة، العابدة من ذاك، يخشى عليها أن تضيع إذا تزوجت به، وأنا سبب لحفظها ومتابعة علمها وعملها، لا يجوز له ذلك، ولو ظن أو غلب على ظنه ذلك؛ لأن هذا تعدي على حق أخيه المسلم، وهذا مما يورث البغضاء والشحناء بين المسلمين، وأيضاً فيه تزكية للناس، وما يدريك أنك تكون سبباً لانحرافها ثم تنحرف أنت، القلوب بيد الله -جل وعلا-، فإذا ركن إلى الشخص ومالوا إليه لا يجوز التقدم على خطبة من خطبها، ومنهم من يقول: أنه بمجرد الخطبة، ولو لم يترجح شيء، مادام الشخص تقدم، لا يجوز أن يتقدم غيره، حتى يرد رداً صريحاً، وهذا هو المناسب للفظ الحديث، ولمعناه أيضاً بمجرد ما يتقدم زيد إلى هذه الأسرة يخطب منها، لا يجوز أن يتقدم غيره حتى يرد رداً صريحاً.

قد يقول قائل: والله هذا الشخص لا يناسب هذه المرأة، وليس من المصلحة أن تقترن به، وأنا أذهب إليهم من باب المشورة، من أجل أن يردوه، ثم بعد ذلك يتقدم لخطبتها إذا ردوه، المسألة مسألة ديانة، انظر إن كنت ناصحاً بالفعل إن كان لا يصلح، لكن من الورع أن لا تتقدم لخطبتها، فالحديث وما جاء في معناه في هذا الباب وفي غيره من الأبواب نهى عن البيع على بيع أخيه، نهى عن السوم على سوم أخيه، والخطبة على خطبة، كل هذا من أجل الصفاء، والود، والمحبة، بين أفراد المجتمع المسلم، ولا شك أن هذه من أعظم ما يوغر الصدور، لا سيما في باب النكاح، يعني سائر السلع تهون عند هذا الباب، فإذا ركن إلى المرأة واقتنع بها ورآها، وتقدم لخطبتها، ووقعت في قلبه؛ لأن المسألة تقع في القلب من كثرة الترداد، ترداد الشيء في النفس، يعني لو أنه بمجرد ما قيل له في مجلس مثلاً: إن فلاناً عنده بنت تناسبك، نعم، ثم قال واحد في المجلس: ويش رأيك تتنازل لي عنها، أنا أرغب في هذه الأسرة، أمر سهل يعني تتنازل بسرعة، بسهولة يتنازل، لكن لما تذكر له وتمدح له وتتردد في خاطره وذهنه، ويتحدث بها في المجالس، ويتحدث بها إليه، خلاص صعب التنازل جداً، إلا من شخص يملك نفسه ملكاً ويقهرها على الفضيلة.

هنا يقول الإمام مالك قال: وتفسير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نرى، يعني فيما نظن، وفيما يغلب على الظن، والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، يخطب المرأة فتركن إليه، تميل إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، معناه أنه أجيب بصريح العبارة، أو بالقرينة القوية القريبة من الصريحة، مادام حددوا الصداق فالمعنى أنهم وافقوا، جميع الأطراف وافقت، على صداق، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، تشترط عليه لنفسها، الآن حدد الصداق، ركنت إليه وحدد الصداق، ثم قالت للخاطب هذا الذي اتفقت معه على هذا الصداق قالت: أنا أشترط أن لا تخرجني من بلدي، أو لا تتزوج علي، أو أكمل الدراسة، أو أعمل بعد التخرج، في هذه المدة فيه ركون وفيه تحديد للصداق، لكن أيضاً العقد الإيجاب والقبول ما تم، ما تم الإيجاب والقبول باعتبار وجود الشرط يوافق أو لا يوافق، في هذه المدة لا يجوز عند الإمام مالك، لكن يجوز فيما قبله، يعني لو ركنوا إليه ولا حدد الصداق، يجوز عندهم، لكن لفظ الحديث يشمل جميع ما يخدش في نفسية المتقدم الأول؛ لأن المعنى الذي من أجله منع هو المحافظة على سلامة القلوب بين أفراد المجتمع المسلم، وكونه يتقدم ولا يدرى هل يعطى أو يرد، إذا تقدم أحد بين يديه هذا لا شك أنه يؤثر عليه، قد يقول قائل: إنه يؤثر عليه ولو رد رداً صراحاً، لأن بعض الناس إذا خطب امرأة ثم ردوه رداً صريحاً قالوا: لا والله أنت لا تناسبنا ولا نناسبك، فردوه رداً صريحاً، بعضهم بعد هذا المردود قد يكره، ويجد في نفسه شيئاً على من تقدم لخطبتها بعده، هذه الكراهية بدون حق، هذه الكراهية بدون حق، فلا يلتفت إليها، يعني وجودها مثل عدمها، فإذا رد رداً صريحاً لأي مسلم أن يتقدم لخطبتها.

فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه، ولم تمل إليه، أن لا يخطبها أحد، لا، ليس معنى هذا أنها إذا رد الخاطب الأول أنه خلاص يمتنع منها غيره من خطبتها، ولو وقع خشية أن يقع في نفس الخاطب الأول شيء، هذا لا التفات إليه، قال: وليس المراد إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس.

الخطبة إذا رد الخاطب ما في خطبة أصلاً خلاص انتهت، طلب ورد وانتهى، فلا يدخل في عموم الحديث، لفظ الحديث لا يشمل هذه الصورة؛ لأنها لا تسمى خطبة، مادام رد فليست بخطبة، الخطبة مازالت قائمة، والمسألة فيها مداولة، وفيها احتمال، نعم الخطبة قائمة فلا يجوز أن يخطب على خطبته، أما إذا رد فالخطبة ملغاة، لا وجود لها، ولا قيمة لها، فلا يتردد في خطبتها، أو على، بعد خطبة الأول المردود، ولو تردد الناس عن خطبتها؛ لأن فلاناً خطبها حصل من هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله- تعالى قال: فهذا باب فساد يدخل على الناس؛ لأنه قد يسول إليهم أن هذا يؤثر على ذلك الخاطب، لكنه لا يجوز أن تترك هذه المرأة لأن فلاناً تقدم إليها ولم، قد يكون بعض الخطاب ممن يخشى شره، ممن يخشى شره، وفي هذا عوائد لبعض القبائل يسمونه "تحيير" خلاص فلانة محجوزة لفلان، فلانة لا تريد فلان، أبوها لا يريد فلان، خلاص الآن محيرة ما يمكن يتقدم أحد لخطبتها، وخطر أن يؤذى أو يقتل إذا تقدم إليها، هذا لا يجوز البتة، هذا اعتداء محرم لا يجوز أن تعضل النساء بمثل هذه الطريقة، وقد يكون الأب يركن إلى هذا الرجل؛ لأنه ابن أخيه أو ابن عمه، فتحجز له بالاتفاق مع والدها، لكن البنت لا ترضى بهذا، المرأة أحق بنفسها، مهما كان، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن على ما سيأتي.

قال: وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله -تبارك وتعالى-: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولا معروفا}.

المرأة إذا توفي عنها زوجها، هي ذات زوج، وهي معروفة في بيئتها، في أقارب زوجها، في جيرانها، قد تكون متميزة، فكثير من الأقارب وبعض الجيران تحدثه نفسه أن يتزوجها بعد وفاة زوجها، تحدثه نفسه أن يتزوجها بعد وفاة زوجها، في مدة الإحداد في مدة العدة لا يجوز بحال أن يصرح لها بالخطبة، {علم الله أنكم ستذكرونهن} مذكور في النفس يعني، التطلع إليها مذكور في النفوس، لكن التصريح لا يجوز بحال، حرام، أما بالنسبة للتعريض والتلميح فهو جائز، ولا جناح عليكم، الإثم معروف، ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، تعريض، أو أكننتم في أنفسكم، موجود في النفس أنه يريد الزواج بها، علم الله، ما خفي منكم في نفوسكم، لا يخفى على الذي يعلم السر وما هو أخفى من السر، علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً، ما ترفع سماعة التيلفون تكلم عليها تقول: أنت محجوزة، أو يصرح لها بالخطبة، التصريح لا يجوز لا سراً ولا علناً، وأما بالنسبة التلميح السري أيضاً يدخل في عموم الآية، والتلميح بمحضر من الناس أو على أن لا يكون سراً، هذا لا بأس به، والجناح والإثم مرفوع عنه؛ لأن الاتفاق بالسر إن كان صريحاً فلا إشكال فيه، وإن كان تلميحاً فلا شك أنه يقع في نفسها الاتفاق بينها وبينه، وقد يستدرجها، وقد تستدرجه بالكلام، ويجر إلى ما هو أصرح من ذلك، ثم بعد ذلك يتم الاتفاق، وقد تجحد باقي العدة، وباقي الإحداد، فيؤول الأمر إلى المحظور، {ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً} هذا بالنسبة لمن توفي زوجها.

فما الشأن بالنسبة لمن هي في عصمة زوج، يعني بعض السفهاء قد تعجبه امرأة فلان من الناس فيتصل عليها فيقول: لي فيك رغبة، إذا توفي فلان أو طلقك فلان، هذا لا يجوز بحال، لا تصريح ولا تلميح، ووصل الحد عند بعضهم إلى التخبيب، إلى التخبيب بأنه أفضل من فلان، وأنه يدفع أكثر من فلان، وأنه يقدر ويحترم النساء أكثر من فلان، ثم بعد ذلك تحاول وتنكد على زوجها حتى يطلقها، هذا لا يجوز، بل هذا ملعون، من خبب زوجة على زوجها.

{إلا أن تقولوا قولاً معروفاً}، أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، إنك علي لكريمة، دل على أن له رغبة فيها، وإني فيك لراغب، وإذا حللت فآذنيني كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لفاطمة بنت قيس لما مات عنها زوجها: ((إذا حللت فآذنيني))، وإن الله لسائق إليك خيراً ورزقاً، وإن الله لسائق إليك خيراً ورزقاً، ونحو هذا من القول، الذي فيه التعريض وليس فيه التصريح.

لو قال شخص: أنا لا أريدها لنفسي، أنا لا أريدها لنفسي، لكن أطلبها صراحة من نفسها لفلان من الناس، الخطبة الصريحة سواء كانت له أو لغيره لا تجوز، ولا يجوز في هذه الحالة إلا التعريض، إلا التعريض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((إذا حللت فآذنيني)) لا يريدها لنفسه، لا يريدها لنفسه، وإنما أشار عليها بأسامة بن زيد -رضي الله عنه-، نعم.

أحسن الله إليك.

باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما:

حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه-ما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن.

قال مالك: وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار.

قال مالك: وليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون: في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لازم لها.

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما.

الاستئذان يعني طلب الإذن بالنسبة للبنت المخطوبة، وسواءً كانت بكراً أو أيماً، لا بد أن تستأذن، لا بد أن يستأذن الجميع، لا بد من أخذ الإذن، من طلب الإذن، لكن يتفاوت الجواب، البكر يكفي صماتها، إذا سكتت فهو علامة القبول، وأذنها صامتها، وأما بالنسبة للأيم الثيب فلا بد أن تصرح بالقبول أو الرد، والسبب أن البكر غير، لم تجرب، ولا عاشرت الرجال، بخلاف الثيب فإنها لمخالطتها ومعاشرتها الزوج الأول انكسر عندها شدة الحياء، لا أقول: انكسر الحياء، وإنما شدته، وأما بالنسبة للعذراء البكر فإنها لا تستطيع أن تتكلم بكلمة، وهذا هو الأصل، وهذا هو الأصل في البنت الباقية على عفتها، وصيانتها، وفطرتها، وأما الآن أما الآن تغير الحال، وانكسر الحاجز فصارت البنت هي التي تخطب لنفسها، وتكتب في أشرطة القنوات وهي بنت مازالت قبل العشرين من عمرها، ما عاشرت رجال إلا أن الخلطة أزالت وكسرت حاجز الحياء، فصار البنات أكثر كلاماً من أمهاتهم في هذا الباب، ويتكلمون في الكلام الصريح والقبيح أيضاً، -نسأل الله السلامة والعافية- يعني هذه النصوص التي معنا تدل على أن الفطرة تمنع البنت البكر من أن تتكلم، ولا تهز ولا رأسها، ما تقول لا نعم ولا لا، ولا تحرك رأسها، إنما تسكت، هذا يدل على القبول، وأما الرفض فلا علاقة له بالحياء إلا إذا رفضت رفضاً مقروناً بشيء يخدش الحياء، لو أبدت عذراً مما يتعلق بأمور الجنس مثلاً لرفضه هذا خدش في الحياء، لكن إما أن تسكت أو تقول: لا أريده، هذا الأصل في البكر، والآن انظر ترى، الكلام بدايته ونهايته مع هذه البنت؛ لسهولة الاتصال، ولكثرة الاختلاط بالرجال الذي سهل وكسر الحاجز كسراً، ما فتح باب، كسره كسراً، وتجد البنت تتكلم بملء فيها، وتتشدق فيه، وتنطق بمثل هذا الكلام بأحكام التجويد أيضاً، ما يكفي أنها كلام عادي، تتشدق تشدق يعني يسمع كلام شيء ما يجرؤ عليه ولا الرجال، وعرفنا في جيلنا أن الولد لا يتكلم، الأب يقول: خطبنا لك فلانة والله ما يرد كلمة، لا إيه ولا لا، كله من الحياء، نعم الحياء إلى هذا الحد قد يوقع الإنسان في الدخول على امرأة لا تناسبه، وقد لا تطول معها عشرته، فهذا الحياء إلى هذا الحد فيه ما فيه، لكن يبقى أنه حياء، والحياء خير كله، وكم من إنسان خطب له امرأة لا يريدها، ولم يستطع أن يعترض، وهي لا تناسبه، ومع ذلك مشت أموره على أفضل حال، فإذا كان هذا في الرجال فما شأن النساء؟ وكانت النساء تستعد لليلة الدخول بالملابس القوية الصفيقة وقد تستعمل أربطة وأحزمة، لا يمكن تجاوزها إلا بسكين وشبهها، وأما الآن فتستقبله عند باب الغرفة بوضع لا يمكن أن يذكر في مثل هذا المجلس، والحوادث والقصص كثيرة، يعني كأنها تزوجته من عشر سنين، والله المستعان.

حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم.

لا شك أن كثرة الإمساس يقلل الإحساس، وكون المرأة من صغرها من ست سنوات وهي خراجة ولاجة يومياً تذهب إلى الدراسة وترجع في الصباح، وفي المساء في الأسواق، وفي الليل في الاجتماعات، ويمين ويسار، هذا لا يبقي على شيء من الحياء، وخير مال المرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، وإذا لم ترهم في الشارع رأتهم في البيت في القنوات وغيرها، والله المستعان.

حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم.

يعني وإذا تطرقنا لمسألة مشاهدة القنوات فالضرر حاصل بجميع القنوات من غير استثناء بالنسبة للنساء في نظرهن للرجال، وكم من بنت صالحة فتنت بشيخ بعالم طالب علم، من خلال شكله أو من خلال طريقته في عرض العلم؛ لأن بعض طالبات العلم يستهويهن هذا، ويغفلن عما عداه، وأما بالنسبة للشكل فحدث ولا حرج، وطلاب العلم الذين يخرجون في القنوات يضايقون؛ لأنه عرفهم كثير من البنات، بما في ذلك طالبات العلم، والمسألة مسألة غريزة وجبلة يشترك فيها الجميع، وحسم الباب بالكلية وقطع دابر الفساد من جذوره هذا هو الأولى وهو الأحرى وهو اللائق بالمسلم المتحري الحريص على عرضه وعلى دينه، وعلى أهله.

قال: حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-ما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم، الأيم أحق بنفسها من وليها))

الأيم: هي الثيب، والأصل فيه من لا زوج له من ذكر أو أنثى، بكراً أو ثيباً، هذا الأصل لكنه في الحديث وفي العرف ينصرف إلى الثيب، الثيب، ((أحق بنفسها من وليها)) الكلمة الأولى والأخيرة لها، إذا خطبت من وليها، الخطبة لا تكون منها، إنما الخطبة من وليها، فهو الذي يتولى أمرها، لكن القبول والرد بيدها، الأب له أن يشير عليها وله أن يوضح لها ما في الخاطب من محاسن، أو من مساوئ، ثم بعد ذلك تقرر، فهي أحق بنفسها من وليها، لكن إذا لم يبق إلا الإيجاب والقبول فهو للولي لا لها، كما هو معروف، وهو قول جماهير أهل العلم، ولا نكاح إلا بولي.

((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها))

الأيم أحق بنفسها من وليها، أحق بنفسها من وليها، أحق: أفعل تفضيل، فهي أولى من وليها، لكن هل هذا ينفي أن للولي حقاً في موليته ولو كانت أيماً؟ نعم؟ أفعل التفضيل ويش يقتضي؟ عندنا أيم، وعندنا ولي، الأيم أحق من الولي، أفعل التفضيل يقتضي أن هناك شيئين اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فالأيم لها حق، والولي له حق، إلا أن حق الأيم أعظم، فهي أحق بنفسها، والولي يبقى له حق، لكنه مفضول، لا يعني أن الولي وجوده مثل عدمه، أو أن الأب والأخ والعم وغيره من الأولياء كسائر الناس، لا، له حق، لكنها هي أحق بهذا الحق.

((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها)) يعني الأمر للمرأة، سواءً كانت أيماً أو بكراً، وةالفرق بينهما أن الأيم تملك من الأمر قل: تسعين بالمائة؛ لأنها أحق من وليها، والبكر أيضاً تملك إذا استأذنت الرفض، وإذا قبلت تسكت، ((وإذنها صماتها)) فحقها في هذا الأمر أقل من حق الثيب، وإن كانت الرد والقبول النهائي من المرأة سواءً كانت بكراً أو أيماً، والوالد له أن يبين المحاسن وله أن يضغط ضغطاً لا يجعله يلغي حرية اختيارها، لكن إذا رأى المصلحة راجحة عليه أن يبين المحاسن ويكرر القول، ويقنع البنت بالأسلوب المناسب، لكن ليس له أن يلغي حريتها.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان".

يعني إذا كان الأمر لها هي التي تقبل وهي التي ترفض فما فائدة الولي؟ الولي للتفريق بين النكاح والسفاح، يعني لو ولم يوجد ولي، لو لم يوجد ولي، ويشترط ولي، لكان كل من عثر عليهما في اجتماع محرم قالت: أنكحتك نفسي وانتهى الإشكال، وقال: قبلت، وقالت: هذا زوجها، أنكحته نفسي، وقبل هذا الزواج، فلا يكون هناك فرق بين العقد الصحيح، والزنا، ما يكون هناك فرق، والشرع يأتي بحسم كل أمر يؤول إلى فساد، ويترتب على القول بعدم اشتراط الولي مثلما ذكرنا، وهذا كثير في البلدان التي تعتنق المذهب الذي لا يشترط الولي، يعني إذا عثر على بغي مع فاجر، قالت: والله أنكحته نفسي وانتهى الإشكال، نسأل الله العافية، وكم من قالت مثل هذا الكلام ووافقها الرجل وهي في ذمة زوج آخر، كل هذا بسبب التساهل، في الخلوات المحرمة، والاختلاط المحرم، والتبرج المحرم، وكون مثل هذا الرأي يسود في مجتمعات المسلمين، أيضاً هو من وسائل تسهيل هذا الأمر، من وسائل تسهيل هذا الأمر.

قال عمر بن الخطاب: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا نكاح إلا بولي)) ((لا نكاح إلا بولي)).

أو ذي الرأي من أهلها أو ذي الرأي من أهلها، يعني إذا لم يوجد الولي الأقرب ينتقل إلى ولي أبعد، ينتقل إلى ولي أبعد، ويشترط فيه أن يكون من أهل الرأي، والحزم، الذي يعرف المصلحة والمفسدة المتعلقة بهذه المولية، أما إذا لم يوجد ولي البتة لا من الأقارب ولا من الأباعد فالسلطان ولي من لا ولي له، السلطان ولي من لا ولي له.

يوجد في بعض البلدان أناس وفدوا على هذا البلد من غير أهله، ويكون الولي في بلده، وهو بعيد لا يمكن مكاتبته، ولا يمكن الذهاب إليه، ولا يمكن إتيانه، فتجدهم يتساهلون في مثل هذا تساهل كثير، يعني يوجد من الوافدين من يتساهل في هذا الباب، فالأم تقول: أنا الولي، ومعي ولاية، وعندي ولاية من بلدنا، وتجد، المرأة لا تتولى على نفسها، فضلاً عن أن تتولى عن غيرها، أو تقول: هذا أخوها أو عمها، ثم يتبين أنه لا تمت له بصلة، أو يتصل على شخص في بلدها فيقول: هذا أبوها، فيقول: أنكحتك، كل هذا تساهل غير مرضي، ولا يجوز البتة، فإذا لم يحضر الولي يرسل، ينيب من يعقد عنه، ويرسل وكالة شرعية معتبرة بالشهود الثقات الأثبات، وما عدا ذلك فلا.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، من الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة، كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن.

أما البنت الصغيرة التي لم تكلف لم تبلغ سن المحيض، لم تحض، هذه لأبيها فقط أن يجبرها، وليس ذلك لغيره من الأولياء، ولا إذن لها، ولا أمر لها، النبي -عليه الصلاة والسلام- عقد على عائشة وعمرها ست سنين، وبنا بها وهي بنت تسع، فهل يتصور عن بنت ست سنين تملك الإذن، وتعرف مصلحتها لتقبل أو ترفض؟ لا، فغير المكلفة يزوجها أبوها، أبوها فقط؛ لأنه أعرف بمصلحتها، وألطف بها، وأرأف بها من نفسها ومن غيرها، فلا يتصور فيه أن يغشها، أما إذا بلغت سن المحيض فهذه لا سلطان لأحد عليها، أمرها بيدها، عن طريق وليها، عن طريق وليها، وهنا يقول:

وهنا يقول: بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن. قال مالك: وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار.

يعني عند المالكية البكر لا رأي لها، يجبرها أبوها، وهو المعروف عند الحنابلة أيضاً، وهو المعروف عند الحنابلة أيضاً.

ومنهم من يصححه نكاح الصغيرة، منهم من يصححه موقوفاً، بمعنى أنها إذا بلغت اختارت، ولا شك أن ما يذهب إليه الإمام مالك وهو مذهب الحنابلة من أن البكر تجبر مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة، فلا إجبار، فلا إجبار، فلا إجبار بعد التكليف، ولا يجبر قبل التكليف إلا الأب.

قال مالك: وليس للبكر جواز في مالها، جواز في مالها، يعني لا تتصرف، أخذت الصداق، فلا تتصرف فيه، جواز في مالها، حتى تدخل بيتها، يعني تنتقل من ولاية أبيها، فتتصرف تحت نظر زوجها، ويعرف من حالها، أنها تحسن التصرف، يعني إذا اختبرت وبان أنها تحسن التصرف تتصرف، فلا تتصرف في مالها حتى تفارق وتخرج عن ولاية أبيها إلى زوجها، ويعرف من حالها أنها تحسن التصرف.

والمرأة تملك، تملك المال؛ لأنها حرة مكلفة، رشيدة، وقد تملك قبل ذلك، قبل الرشد تملك، بالإرث مثلاً، بالبيع والشراء، وإذا ملكت لها أن تتصرف بمقتضى الملك، أن تتصرف بمقتضى الملك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما خطب في العيد وعظ النساء وذكرهن، وأمرهن بالصدقة، فصرن يتصدقن من غير إذن أزواجهن، من غير إذن أزواجهن.

وفي سنن أبي داود حديث حسنه أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق ولا تتصرف إلا بإذن زوجها، لا تتصدق إلا بإذن زوجها، فإما أن يحمل هذا على أنه من باب الاستحباب والإرشاد، أو يقال: إن الصدقة بالشيء اليسير لا يحتاج إلى إذن، وأما الشيء الكبير فيحتاج إلى إذن، ومعروف أن تصرف المرأة في الغالب نفعه أقل من ضرره، فهي لا تحسن التصرف، ولا يقال إن الإسلام بخس المرأة حقها، وجعل عليها الولاية للرجل، نعم عليها الولاية للرجل، يعني ولا نستطيع أن نتبرأ من مثل هذا أو نتنصل عنه، لكن كما قال الله -جل وعلا-: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} لكن الرجال مفضلون على النساء، مفضلون على النساء من هذا الباب، وهم أولياء الأمور، ولهم الكلمة النافذة على نسائهم، ومع ذلك المرأة كاملة الحرية ولها من الحقوق مثل الذي عليها، بل جعل الشرع لها من الصيانة و الحقوق على الزوج أكثر مما للزوج عليها، يعني من حيث حفظ الحقوق والرعاية؛ لأن جانبها ضعيف، فجاء التشديد في حقها، وأما الزوج فبقوته وسلطانه عليها لا يحتاج إلى مثل هذا التشديد، نظير ذلك ما جاء في النصوص من التشديد في حقوق الوالدين، لم يجيء نظيره من التشديد في حقوق الأولاد؛ لأن الولد ليس عنده من الغريزة ومن العطف والشفقة على والديه مثل ما عند الوالدين للولد، ولذا تجد أمور البر مشدد فيها؛ لأنها بصدد أن تضيع حقوق الوالدين بخلاف حقوق الأولاد، وكذلك حق المرأة، واليتيم، جاء التشديد فيهم، وظلم النساء جاء النهي عنه والتحذير منه في خطبة حجة الوداع، ((عوان عندكم)) أسيرات عندكم، فلا يجوز ظلمهن بحال، ومع ذلك لهن من الحقوق وعليهن من الحقوق ما بينته الشريعة وكفلته للطرفين.

وبلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار وكلهم من الفقهاء السبعة، كانوا يقولون: في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لازم لها.

لازم لها، هذا يتجه إذا رضيت بعد ذلك، يعني أكرهت على الزواج فقبلت ذلك، لكن لو خاصمت نعم، لما صار لإكراهه أثر، والمرأة التي جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع خسيسته، فخيرها النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: قبلت ما قبل أبي، وإنما أردت أن أبين أن الرجال ليس لهم سلطان على النساء، أو كما جاء في الخبر.

طيب، هنا باب استئذان البكر، يعني ما حكمه؟ ما حكمه؟ ما جزم بحكمه.

طالب:....

لا، هو حكم بأن الإجبار جائز من الأب، وهذا يقول ذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار، ما حكمه؟ استئذان البكر والأيم في أ نفسهما ما حكمه؟ تبينه النصوص، هنا ما جزم، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في الصداق والحباء

حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته مرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياماً طويلاً فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل عندك من شيء تصدقها إياه؟)) فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا)) فقال: ما أجد شيئا، قال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك من القرآن شيء؟)) فقال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنكحتكها بما معك من القرآن))

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها".

قال مالك -رحمه الله- تعالى: وإنما يكون ذلك غرماً على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به.

وحدثني عن مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقاً، فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه-ما: "ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها" فأبت أمها أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهم زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- تعالى كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح من كان أباً أو غيره من حباءٍ أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته.

قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به: إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح.

قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيراً لا مال له: إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له، وإن كان للغلام مال، فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه، وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيراً، وكان في ولاية أبيه.

قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق: إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه.

قال مالك: وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {إلا أن يعفون} فهن النساء اللاتي قد دخل بهن، {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} فهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته.

قال مالك: وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا.

قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها: إنه لا صداق لها.

قال مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار،

بأقلَ.

أحسن الله إليك.

لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في الصداق والحباء.

الصداق، والصِداق، والصدقة، هو ما يدفع إلى المرأة في مقابل النكاح، والزواج بها، والصداق واجب، لا نكاح إلا بالصداق، والهبة خاصة خالصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمراد بها الهبة الخالية عن الصداق، أما المرأة تهب نفسها لمن ترتضيه زوجاً لها، بالشروط المعتبرة، أو يهبها وليها ويهديها، ويقدمها إلى من يرتضيه صهراً له، بالشروط المعتبرة، فهذا لا إشكال فيه، فعرض عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ابنته على عبد الله بن مسعود، على عبد الله بن مسعود، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، الأمر مفروغ منه، ولو بغير صداق، وهذا خالص خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، خالصة لك من دون المؤمنين، المؤمن هل يجوز أن يهدي الرجل ابنته على رجل صالح يرتضيه، أو امرأة تخطب رجلاً صالحاً ترتضيه من نفسها؟ نعم يجوز بالشروط المعتبرة، بالصداق الواجب، لا بد من هذا، وليس في هذا حسم للبحث عن الرجال الصالحين، من قبل النساء أو من قبل الأولياء، ليس فيه حسم للباب، بل هذا مندوب إليه، كما فعل عثمان مع ابن مسعود.

الحباء: هو العطية، الحباء: العطية، التي لا يرجى لها عوض.

قال: حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم بن دينار يعني سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، وهو الذي يروي، سلمة بن دينار هو الذي يروي عن سهل بن سعد؛ لأنه يأتي كذا عن أبي حازم عن سهل، عن أبي حازم عن أبي هريرة، فالذي يروي عن سهل هو ابن دينار، سلمة بن دينار الزاهد المعروف، والذي يروي عن أبي هريرة هو سلمان.

عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته مرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، وهي غير الواهبة المذكورة في القرآن، وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، سكت النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قبل ولا رد، إنما صعد فيها النظر وصوبه، نظر إلى أعلاها وأسفلها، ولا يقال: إنها كاشفة أو متبرجة، لا ما يلزم، بل هي مستترة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بمحضر من أصحابه، صعد فيها النظر وصوبه، فما رغب فيها، قامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، والقصة في الصحيحين كما هو معروف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل عندك من شيء تصدقها إياه؟)) ((هل عندك من شيء تصدقها إياه؟)) أو تصدقه إياها؟ أيهما أفصح؟ تصدقه إياها، أو تصدقها إياه؟ كلاهما جائز، هما مفعولان تقدم الأول على الثاني, والثاني على الأول، كلاهما جائز، لكن أيهما أفصح.

طالب:....

نعم.

طالب:....

أيوه.

طالب:....

لا، الكلام في المفعولين، تصدقه إياها، أو تصدقها إياه؟ نعم.

طالب:..

تصدقه إياها، أو تصدقها إياه؟ هما مفعولان، هما مفعولان، يقولون: الأفصح تقديم الفاعل دون المفعول، إيش معناه؟ يعني هذان المفعول أحدهما آخذ وةالثاني مأخوذ، فالمرأة آخذة والصداق مأخوذ، فالمقدم هنا أيهما تصدقها إياه، مع أنه لو قدم المفعول الثاني ما في إشكال؛ لأن المعنى لا التباس فيه وواضح.

((تصدقها إياه)) فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إزارك ما تصنع به؟ إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً)) إن أعطيتها إياه جلست بدون إزار، وإن قسمته نصفين فاتت فائدته ومنفعته على الطرفين، لم تستفد أنت ولم تستفد هي، ((فالتمس شيئاً)) فقال: ما أجد شيئاً، قال: ((التمس ولو خاتماً من حديد))، خاتماً خبر كان محذوف وهو لو كان الملتمس خاتماً من حديث، فالتمس فلم يجد شيئاً، في حديث أخرجه الحاكم وصححه ابن حجر وغيره، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج امرأة على خاتم من حديد، زوج امرأة على خاتم من حديد، بهذا اللفظ مراداً به حقيقة الزواج ليس بصحيح؛ لأنه مأخوذ من هذه القصة، والقصة ليس فيها أنه زوجه على خاتم من حديد؛ لأنه ما وجد ولا خاتم من حديد، وإن كان المراد بزوج أراد، فالكلام صحيح، إذا حمل زوج على أراد؛ لأن الفعل يطلق ويراد به إرادة الفعل، إذا دخل أحدكم الخلاء، يعني إذا أراد أن يدخل، فإذا قرأت القرآن، إذا أردت القراءة وهكذا، فإذا كان المراد بالخبر، أراد تزويج رجل على خاتم من حديد، فهذا صحيح، ويدل له هذه القصة، أما كونه أن المرأة استلمت الخاتم من الحديد صداقاً لها ومهر هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن القصة كلها تدور، الخبر يرد إلى هذا، فقال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك من القرآن شيء؟)) فقال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنكحتكها بما معك من القرآن)).

فالقرآن يصح أن يكون صداقاً، والتعليم منفعة، والمنفعة يجوز أن تكون صداقاً كما في قصة موسى مع صاحب مدين، نعم.

طالب:.....

كيف؟

طالب:....

الحديد حلية أهل النار، البخاري ضعف ذاك الحديث بهذا الحديث، البخاري -رحمه الله- ضعف الحديث ذاك بهذا.

((أنكحتكها بما معك من القرآن)) لتعلمها ما معك من القرآن، فصار يعلمها، ويستدل بهذا من يرى جواز جعل المنفعة صداقاً، وأيضاً هذه المنفعة غير محددة، غير محددة، وإن كانت محددة السور، يعني هل يجوز أن تأتي بأجير فتقول: حفظ ولدي سورة البقرة بألف ريال مثلاً، يجوز وإلا ما يجوز؟

طالب:....

يجوز، العمل معلوم وإلا مجهول، وإلا مجهول؟ العمل محدد ومعلوم ما في إشكال لكن مدته معلومة وإلا مجهولة.

طالب:....

مجهولة جهالة متباينة يمكن أن يحفظ البقرة بأسبوع، ويمكن يمر عليه سنة ما حفظها، فإذا تطرقت الجهالة إلى مثل هذا العمل تصح الإجارة وغلا ما تصح؟

طالب:....

هي ما تعلم المدة، حفظ ولدي سورة البقرة بكذا، طيب، لو جيء بمقاول وقيل: اهدم هذا المسجد بعشرة آلاف، العمل معلوم، لكن المدة.

طالب: المدة غير معلومة لكن المدة مستعاضة بالإجارة خلاف هذا.

لا المباني تتفاوت، المباني تتفاوت، يعني كانت البيوت من طين، والطين يتفاوت تفاوت شديد جداً، بعض الجدران من الطين بمجرد ما تدفعها تسقط، وبعضها تعجز عنها الآلات، أشد من الخرسان، فإذا قبل الأجير أن يهدم هذا البيت بألف ريال مثلاً، وفي تقديره أنه ينهيه بيوم، فأخذ عليه شهر، تباين كبير في بيوتنا.

طالب:....

هاه؟

طالب: حتى في الخرسانات؟؟؟؟

إيه لكنها في الجملة إذا رآها عرف، إذا أدار النظر فيه وعرف سمك الصبات في الغالب متقاربة، الناس يحسنون تقدير مثل هذه الأمور، لكن عمل الطين يتفاوت من ماهر إلى آخر، فهذه المدة ليست معلومة، وجرت عقود في هذا المجال على أساس أن العامل ينقض هذا المنزل لبنة لبنة، في مدة يسيرة فتبين أنه عجز عن هذا لمدة طويلة، فهل يكفي العلم بالعمل ال متعاقد عليه، أو لا بد من العلم به وبمدته؟ نعم؟

طالب:....

لا، لا هو يقول: حفظه مدة شهر، حفظ وإلا ما حفظ، إذا تم الشهر انتهى، إذا كان العقد على المدة هو إذا عاقده على الأمرين، حفظ ابني البقرة في شهر، فيكون العقد على الأمرين، يلاحظ فيه الحفظ، ويلاحظ فيه أيضاً المدة، نعم.

طالب:....

ثماني حجج، ثمان سنين، المدة معروفة.

طالب:....

أما أصل الجهالة، مبدأ الجهالة موجود، لكن لا بد أن تكون الجهالة مغتفرة، لا بد أن تكون الجهالة مغتفرة، الذي يريد أن يهدم هذا المبنى يعرف أن هذا صبة العمود، نعم وفي الغالب أن حديده وسمكه كذا، لكن لو تبين أن حديده عشرة أضعاف يدعي الغبن، نعم.

طالب:....

جعالة، ما يصير إجارة، الجعالة يتجاوز فيها، يتجاوز فيها إذا كانت جعالة.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً" هذه أمثلة للعيوب التي ترد بها المرأة، أمثلة، بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها".

لأنه هو الذي غر الزوج، هو الذي غر الزوج، الصداق للمرأة كامل، ويرجع الزوج على وليها، هو الذي غره، هذه الأمثلة التي ذكرت بها جنون أو جذام أو برص، هذه أمور متفق عليها، لكن ماذا عن العمى، لو كانت ا لمولية عمياء، وما ذكر له أنها عمياء، مثل هذا وإلا لا؟ دخل عليها فإذا هي عمياء.

طالب: مثله؟؟؟؟؟

كيف؟

طالب:....

طيب العمى يرد به وإلا ما يرد به؟ ما يرد به، تزوجها على أنها مبصرة وتبين عمياء؟ هاه؟

طالب:....

يتعدى، والجنون؟ لا شك أن العمى عيب، عيب يرد به، ولو جحد عن المخطوبة وما ذكر لها أن الخاطب أعمى ثم تبين أعمى، تطلب فسخ وإلا ما تطلب؟ تطلب الفسخ، في مختصر خليل عند المالكية يقول: ويجوز كتم العمى عن الخاطب، في أحد منهم، من المالكية له عناية بمختصر خليل، يقول: يجوز كتم العمى عن الخاطب، ولا شك أنه لو علم به ما قبله، فلا يجوز كتمه عليه، وذلك لزوجها غرم على وليها؛ لأنه هو الذي غره، وهو الذي غشه.

قال مالك: وإنما يكون ذلك غرماً على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها، يعني علم بعيبها، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، من علم بهذا العيب ولم يبينه للخاطب هو الذي يغرم، فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، ابن عم لا يعرف هذا مثلاً هذه البقعة من البرص، أو شيء من هذا في بدنها لا يدري، أو من العشيرة ممن هو أبعد من ذلك، ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم؛ لأنه ما غش، ولا علم بالعيب، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها، دفع لها خمسين ألف ترد صداقها، إلا قدر ما تستحل به، يعني أرش البكارة، يعني ما استحله من فرجها، فتأخذه وما عدى ذلك ترده.

قال: وحدثني عن مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر، ابن عمها، فمات ولم يدخل بها، مات قبل الدخول، ولم يسم لها صداقاً، يعني لو سمى لها صداقاً تستحقه كامل، لو طلقها قبل الدخول وسمى لها صداقاً تستحق منه النصف، ولم يسم لها صداقاً فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر: "ليس لها صداق"؛ لأنه لم يسم، "ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها" كيف وهو عمها، وقد عرف بتحريه واتباعه؟! فأبت أمها أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهم، يعني حكماً، زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها، لا صداق لها، ولها الميراث؛ لأنه لو سمي استحقته، لكن مادام لم يسم فلا تستحقه، ولها الميراث، لها الميراث ترث، وعليها العدة، عليها العدة في حال الموت، أما في حال ا لطلاق قبل الدخول لا عدة عليها.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح من كان أباً أو غيره من حباءٍ أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته.

لأنه في مقابل بضعها، فهو لها، والولي ليس له علاقة، إذا اشترط ليس له علاقة إلا مجرد الولاية، لكن إذا أخذ من صداقها ما لا يضر بها، وكان الولي هو الأب فلا مانع من ذلك، فلا مانع من ذلك؛ لأن البنت وما تملك لأبيها، شريطة ألا يضر بها، فهو للمرأة إن ابتغته وإن تنازلت عنه أخذه.

قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به: إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته، يعني على كلام عمر بن عبد العزيز، وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح. يعني صار من المهر، صار من المهر، فهذا الحباء الذي هو العطية صار من جملة المهر يأخذ نصفه كالمهر، وعلى هذا ما يقدم من هدايا للزوجة غير الصداق وقبل الدخول إذا حصل الطلاق فإنه ينصف كالمهر حكمه حكم المهر.

يقول: فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح.

قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيراً لا مال له، يزوج ابنه صغيراً لا مال له: إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له، لكن إن كان وارثاً فالصداق من ماله، هذا الأصل، وإن كان لا مال له فمن مال أبيه، وإن كان للغلام مال، فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه، الولد أراد أبوه أ، يحفظه، عنده مال، وارث من أمه أموال، وأراد أبوه أن يحفظه، وأشار عليه بالزواج، فقال: يا بني تزوج والتكاليف كلها علي، إن كنت خفت ينقص مالك التكاليف كلها علي، إذا قال ذلك لزمه أن يدفع الصداق، ولو كان للابن مال.

وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيراً، وكان في ولاية أبيه.

قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق: إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه.

{إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وهو الأب.

قال مالك: وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {إلا أن يعفون} يعني النساء، فهن النساء اللاتي قد دخل بهن، {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} فهو الأب في ابنته البكر، الذي بيده عقدة النكاح يحتمل أن يكون الزوج، ويحتمل أن يكون الأب، فللأب أن يعفو عن النصف الذي استحقته بنته، وللزوج أن يعفو عن النصف الذي سلمه للمرأة. فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته.

قال مالك: وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا.

لأنه يملك التصرف في مال بنته، أما غيره من الأولياء فإنهم لا يملكون هذا العفو؛ لأنه ليس لهم التصرف في أموال هؤلاء النسوة.

قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها: إنه لا صداق لها.

قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها: إنه لا صداق لها.

لو كانت تحت مسلم وهي مسلمة لها النصف، وكذلك لو كانت يهودية أو نصرانية تحت يهودي أو نصراني وتحاكموا إلينا، نحكم عليهم بشرعنا، لها النصف، لكنها أسلمت، فهي التي أبطلت النكاح، يعني تسببت في إبطال النكاح، فلا تستحق شيئاً، فلا صداق لها، قد يقول قائل: إن هذا يصدها عن الإسلام، نعم، لكن هذا هو الحكم، والقول بأن لها نصف الصداق ترغيباً لها بالإسلام، يعني مثلما قالوا أن المسلم إذا كان له ولد كافر مثلاً فمات الأب، وأسلم الابن قبل قسمة التركة، منهم من يقال: يورث ترغيباً له في الإسلام، ترغيباً له في الإسلام.

قال مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.

لأنه مال في مقابل عضو، مال في مقابل عضو، وقياس أعضاء الإنسان بعضها على بعض أولى من قياسها على غيرها، ولذا يقول: عند الحنفية أقل الصداق عشرة دراهم، عشرة دراهم؛ لأنها أقل القطع عندهم.

على كل حال لم يرد فيه تحديد، لا في أعلاه، ولا في أدناه، المقصود أنه ما يسمى مال يصح أن يكون صداقاً، نعم.

أحسن الله إليك.

باب إرخاء الستور

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- كان يقول: "إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: "إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق الرجل عليها، وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه".

قال مالك: أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها، فقالت: قد مسني، وقال: لم أمسها، صدق عليها، فإذا دخلت عليه في بيته فقال: لم أمسها، وقالت: قد مسني صدقت عليه".

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب في إرخاء الستور، والمراد ما يحصل به الدخول، الدخول هل يحصل بالمسيس أو بمجرد إرخاء الستور؟ المراد بالدخول الذي يثبت به المهر كاملاً، وقبله نصف المهر.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.

يعني سلمت إلى زوجها، وتمكن منها بما يتمكن به الرجل من زوجته، ولمن يمنعه من ذلك مانع إلا من تلقاء نفسه، فإنه حينئذ يثبت الدخول، وهذا هو المعروف عند إيش؟ الحنابلة، معروف في المذهب أنه إذا أرخيت الستور وأقفلت الأبواب خلاص هذا دخول، ويثتب به الصداق كاملاً، ولو لم يحصل مسيس ولا جماع، بمجرد إرخاء الستور، وغيرهم يقول: إنه لا بد من المسيس الذي يثبت الدخول الوطء، من قبل أن تمسوهن، والمسيس هو الوطء، وهذا هو الحد الفاصل.

قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت كان يقول: "إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق".

يعني كاملاً، كسابقه.

وقال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: "إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق الرجل عليها، وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه".

لأنها في بيتها في سلطانها، لها أن تمتنع منه، وليس في مقدوره أن يجبرها وهي في سلطانها، والعكس إذا كان في بيته تصدق عليه؛ لأنه لا يوجد ما يحول بينه وبينها، فهذا تابع لما قبله في إرخاء الستور؛ لأنها في بيت أهلها لا سلطان له عليها مثل سلطانه عليها في بيتها، فالأصل من المصدق في الجملة يعني، إذا ادعت أنه مسها وقال: لم يمسها؟ نعم الأصل مع النكر، ولا بينة فيقبل قوله بيمنه هذا الأصل، يقبل قوله بيمينه، وهذا يمكن أن يمشي في الثيب التي لا يبين وضعها قبل وبعد الوطء، أما بالنسبة للبكر فيكشف عليها، يكشف عليها إن كانت البكارة موجودة، فهو الصادق، وإلا فهي الصادقة.

قال مالك: أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها، فقالت: قد مسني، وقال: لم أمسها، صدق عليها، في بيتها؛ لأنه سلطانها، وتستطيع أن تمتنع منه، أما في بيته، فإنها لا تستطيع الامتناع منه، وهو سلطان، إذن تصدق علي، صدقت عليه، فإذا دخلت عليه في بيته فقال: لم أمسها، وقالت: قد مسني صدقت عليه".

وهذا كله يتبع التمكين، التمكين في بيته، وأما في بيت أهلها فلا يتم التمكين، التمكين لا يتم في بيت أهلها، من هذه الحيثية كأنه رجح تصديقه تارة، وتصديقها تارة أخرى، نعم.

طالب:....

على هذا القول، على الاختيار، على الاختيار أنه مجرد إرخاء الستور في أي مكان ولو في البر، دخلها في خيمة وأغلقت أرخيت الستور، نعم.

طالب:....

كيف؟

طالب:....

الآن الإمام مالك -رحمه الله- حينما ساق قول عمر وزيد بن ثابت هل هو ارتضاه قولاً له؟ نعم، ما ذكر شيء، لما ذكر قول سعيد أيده، أرى ذلك في المسيس، أيد القول الأخير، يعني ما يرد على الكلام السابق، نعم.

أحسن الله إليك.

 باب المقام عند البكر والأيم

حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج أم سلمة -رضي الله تعالى عنه-ا وأصبحت عنده قال لها: ((ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) فقالت: ثلث.

وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "للبكر سبع وللثيب ثلاث"

قال مالك: وذلك الأمر عندنا.

قال مالك: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها".

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب المقام,المَقام عند البكر والأيم:

المكث عند البكر والثيب إذا تزوجها، وكان عنده زوجة قبلها، كم يمكث عند البكر وكم يمكث عند الأيم؟

قال: حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج، هذا مرسل، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث تابعي من الفقهاء السبعة من التابعين، لكنه مخرج في مسلم، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها، لما بنا بها، قال لها من صباح الغد: ((ليس بك على أهلك هوان)) يعني أنت ليست رخيصة عندي، والزوج أهل لأهله، والأهل أهل للزوج، ((ليس بك على أهلك هوان)) يعني عندي ليس بك هوان، وكذلك عند أهلك وذويك ليس بك هوان، يعني ليست رخيصة، لست رخيصة عندي ولا عند أهلك، فإن شئت أحفظ كرامتك، وأجلس عندك سبعاً كما أفعل عند الأبكار، أو كما يفعل عند الأبكار، ((إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) فقالت: ثلث.

يعني تكتفي بالثلاث؛ لأنه إذا سبع لها وعاملها معاملة الأبكار لا بد أن يسبع لزوجاته، وأما إذا ثلث عندها فهذا حقها باعتبارها غريبة ثم يدور، فالبكر تحتاج إلى مقام أطول؛ لتأنس بالزوج أكثر، بخلاف الثيب، لا تحتاج إلى طول المقام كما تحتاجه البكر.

((إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن)) مقتضاه أنه يجلس عندها سبع، ثم التي تليها سبع، ثم الثالثة سبع، ثم الرابعة سبع، وهكذا، ولا يعتد بالثلاث، وإلا فالأصل أنه إذا سبع عندها يجلس أربع عند الثانية، وأربع عند الثالثة وهكذا؛ لأنها تستحق الثلاث، تستحق الثلاث بالزواج، لكنه قال: ((إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن)) ولذا يختلف أهل العلم منهم من يقول: إن الثلاث التي تستحقها باعتبارها زوجة جديدة، نعم ما تحاسب عليها، فإذا جلس عندها سبعاً يجلس عند من عداها أربعاً أربعاً، ومقتضى اللفظ لفظ الخبر إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، أنه إذا جلس عندها سبعاً يجلس عند الثانية سبعاً، وعند الثالثة سبعاً، وعند الرابعة سبعاً، ولا يحتسب لها بالقدر الزائد التي تستحقه بالزواج الجديد، وهذا هو الظاهر من اللفظ وإن كانت المسألة خلافية.

((وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) يعني عليهن بليلة واحدة كما هو معلوم، فقالت: ثلث.

لئلا تطول غيبته -عليه الصلاة والسلام- عنها.

قال: وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه كان يقول: "للبكر سبع وللثيب ثلاث".

وهذا أمر معروف.

وقال مالك: وذلك الأمر عندنا. وذلك الأمر عندنا.

قال مالك: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينها بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها".

يعني أقام عندها سبع لا يلزمه أن يعدل بين نسائه الباقيات فيدور عليهن سبعاً سبعاً؛ لأنها بكر، وإن أقام عند الثيب ثلاثاً لا يلزمه العدل مع بقية نسائه فيقيم عند البقية ثلاثاً ثلاثاً، وإن كان للحنفية قول معروف أنه يلزمه العدل حتى في هذه الصورة إذا أقام عندها سبعاً يقيم عند البقية سبعاً، إذا أقام عندها ثلاثاً أقام عند البقية ثلاثاًَ، وهذا يلغي مفهوم الأحاديث كلها، أحاديث الباب يلغيها هذا القول، ولا شك أنه قول ضعيف معارض بالنصوص.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.