التعليق على تفسير سورة الطور من تفسير الجلالين (03)

 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

هذا البحث عن حديث: ((لو رأيتِ مكانهما لأبغضتهما)).

قال: حدثنا عبد الله في المسند، قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن عثمان، عن زادان، عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت خديجة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هما في النار)) فلما رأى الكراهية في وجهها قال: ((لو رأيتِ مكانهما لأبغضتهما)) قالت: يا رسول الله، فولدي منك؟ قال: ((في الجنة))، قال: ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم} [(21) سورة الطور])) يقول: هذا تعليق على المسند، يقول: شعيب الأرنؤوط، يقول: إسناده ضعيف بجهالة محمد بن عثمان قال: ذهب في الميزان لا يدرى منه فتشت عنه في أماكن، ثم ذكر وساق هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: في جامع المسانيد كما في كنز العمال في إسناده محمد  بن عثمان ولا يقبل حديثه، ولا يصح في تعذيب الأطفال حديث، يعني ما ورد في الأطفال سواء كانوا أطفال المسلمين المؤمنين، أو في أطفال الكفار، ورد فيهم أحاديث منها ما يدل على أنهم كلهم في الجنة، كلهم في الجنة، منها ما يدل على التوقف الله أعلم بما كانوا عاملين.

ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طبقات المكلفين، في آخر، في طبقات الناس، في آخر طريق الهجرتين بحث المسألة بحثاً جيد، فمنهم من يقول: إن أولاد الكفار كالمجانين وأهل الفترة الذين لم يبلغهم دعوة هؤلاء يمتحنون، يمتحنون، وعلى كل حال الخبر يسوقه المفسرون لا على أنه جزم بأنهم في النار، وإنما ليبينوا أن أولاد المؤمنين والمسلمين قد جاء فيهم ما يدل على أنهم في الجنة على سبيل الاستقلال، والمفسرون لا يعتنون بصحة الأخبار بدقة، وإنما يجمعون فيها ما يقفون عليه، والخبر مثلما ذكر أهل العلم ضعيف، وفيه محمد بن عثمان هذا قال: قالوا عنه: إنه مجهول، المجهول كما هو مقرر عند أهل العلم في مسألة الجهالة هل هي جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟ هل هي جرح في الراوي فيضعف الخبر بسببه، أو هي عدم علم بحال الراوي فيتوقف فيه حتى يعلم حاله؟ وأهل الحديث حينما رتبوا مراتب وألفاظ الجرح والتعديل، وجعلوا الجهالة في مراتب الجرح هذا يدل على أن الخبر يضعف بسبب هذا المجهول، وأبو حاتم كثيراً ما يقول: فلان مجهول -أي لا أعرفه- وهذا لا يقتضي القدح؛ لأنه إن لم يعرفه قد يعرفه غيره، وابن حجر في النخبة قال: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح وليست قسماً منه، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا أولاد الكفار جاء فيهم أحاديث، منهم ما يدل على أنهم هم مع أهليهم، ومنها ما يدل على التوقف الله أعلم بما كانوا عاملين، ومنها ما يدل على أنهم يمتحنون، ومنها ما يدل على أنهم خدم أهل الجنة، المقصود أن مثل هذه المسألة إذا ذكرت في كتب التفسير فإنهم لا يريدون تقرير هذه المسألة بعينها، وإنما يأتون بها للدلالة على ضدها.

نأتي إلى درسنا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:

وقفنا على قوله -جل وعلا-: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [(43) سورة الطور] لما قرر على سبيل الاستفهام الإنكاري {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(35-36) سورة الطور]، هذه الأمور هل يتصور أن أحداً يقول: خلقت من غير شيء، وجدت هكذا، أو يقول: إنه خلق نفسه؟ لا يمكن أن يدعي هذا أحد، لا بد أن يدعي له خالقاً، والفعل لا بد له من فاعل، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(36) سورة الطور] هل يستطيعون أن يخلقوا ما دون السماوات والأرض من المخلوقات اليسيرة؟ {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [(73) سورة الحـج]، لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [(73) سورة الحـج]، تجد الذباب إذ أخذ شيئاً وفر به تجد الواحد يتبعه، ولذلك يقول أهل العلم: إن الذباب إذا أخذ شيئاً مع أنه يأخذ شيئاً يسير جداً يستحيل مباشرة عن هيئته، بحيث لا يمكن لو اجتمع الجن والإنس على استخلاصه منه ما استطاعوا -هذا في هذه الحشرة الصغيرة-، لا يستطيع المخلوق كلهم من جنهم وانسهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، قد يقول قائل: إنهم خلقوا ما هو أعظم منه من طائرات، وبواخر، وسفن فضائية، وبوارج وغيرها أيضاً هذه ليست بشيء -هذه جمادات-، فليخلقوا شيئاً فيه روح، فيه حياة لا يستطيعون، مع أن علمهم بهذه الأمور علم بالظاهر لا علم باطن {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [(7) سورة الروم]، قد يقول قائل: كيف يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم وصلوا إلى عمقها وتخومها في أعماق البحار، وفي الأجواء، هذا ظاهر الحياة الدنيا؟ نعم هذا ظاهر الحياة الدنيا، والله لو علموا باطن الحياة الدنيا لأسلموا؛ لكن عقولهم لم تتعدى الظاهر، لو علموا الباطن حقائق الأمور وعلى وجهها لما بقي منهم كافر.

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [(37) سورة الطور] عندهم الخزائن بحيث يتصرفون فيها، فيعطون من شاء ويمنعون من شاء، هل هذا بأيديهم؟ لا، الذي بيده المال هو مجرد قاسم والله هو المعطي، بدليل أنه يدخل عليه الشخص ويشرح له ظرفه فيعطيه، ثم يدخل الآخر وهو أولى منه بالعطاء وظرفه أشد والمقتضي أعظم فلا يعطيه، من الذي أعطى الأول ومنع الثاني؟ هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام-  يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النــور].

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [(38) سورة الطور] لهم سلم يصعدون فيه إلى السماء ليسترقوا السمع، ويأخذوا الوحي قبل نزوله على محمد -عليه الصلاة والسلام-، {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} يأتون بمثل هذا القرآن الذي استمعوه وصعدوا إليه يأتوا بحجة بينة من جنس هذا القرآن الذي ينزل به جبريل، من لدن الله -جل وعلا- على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-.

{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [(39) سورة الطور] أم له -جل وعلا- الجنس الأضعف ولكم الجنس الأقوى، البنات في الغالب هن الأضعف، والبنون هم الأقوى، وإذا كان الأمر كذلك فلتتصدوا له إذا كان معكم القوة، وناصره ضعيف تصدوا له {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [(39-40) سورة الطور] هل تسألهم من جراء دعوتك إياهم، هل تسـألهم أجرة إذا دعوت أحداً قلت: هات، تفرض عليهم أجرة فيستثقلونها ولو قلت؟ ولا شك أن ما كان من هذا النوع ثقيل، يعني لو تذهب إلى بلد فقير ثم تدعوهم وعندهم مخالفات، تدعوهم الاستجابة قليلة، وإن طلبت منهم مالاً وهم في مقابل دعوتهم فالاستجابة أقل، لكن إن بذلت لهم المال فالاستجابة أكثر؛ لأنهم منشغلون بعيشهم، فإذا كفيتهم المؤنة استجابوا لك، وإذا دعوتهم وبينت لهم، ووضحت لهم ما ينفعهم وما يضرهم في دينهم ودنياهم استجاب من كتب الله له الهداية، وأعرض من كتبت عليه الشقاوة، وإذا طلبت منهم مالاً في جراء هذا الدعوة الاستجابة نادرة وقليلة جداً {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}، تجد ما يطلب لله -جل وعلا- ثقيل، يعني من الصعب جداً على كثير من الأغنياء والأثرياء إلا من الله عليه، أن تطلب منه الزكاة نسبة اثنين ونصف بالمائة، لكن السعي تجده يبذله، والنفس منشرحة منقادة،  اثنين ونصف بالمائة ولو طلبت أكثر من ذلك لبذل، ثم إذا حاز هذا المال قلت له: اثنان ونصف بالمائة زكاة تأخر تردد {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}.

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [(41) سورة الطور] الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، هل عندهم منه شيء كما يقول المفسر -رحمه الله- {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ}؟ يعني علم الغيب، علم الشيء المغيب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم من منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث وأمور الآخرة التي يخبر عنها من المغيبات، يعني أخبر مثلاً عن الدجال، فهل أخبروا عن شخص أخر يأتي في زمن الدجال، أو قبله، أو بعده من المغيبات؟ لا يستطيعون، لا يستطيع عما وراء هذا الجدار، ليس عندهم شيء من علم الغيب إلا باستعانتهم بعد شركهم بالله -جل وعلا- فيمن يعينهم من الجن والشياطين، قد يعرفون ما وراء هذا الجدار، أو ما في البلد الفلاني بواسطة الشياطين التي تعينهم، لكن بذواتهم لا يستطيعون، الشياطين والجن لا يعلمون الغيب، لكن في مقدورهم حيث جعل الله تعالى فيهم هذه القدرة أنهم يتنقلون من بلد إلى بلد، من مكان إلى آخر بسرعة هائلة فيأتون بمثل هذه الأخبار، وإلا فلا يعلم الغيب الإ الله -جل وعلا-.

{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} [(42) سورة الطور] مكراً بك ليهلكوك كما تواطؤ على قتله من جمع منهم من قبائل متعددة ليتفرق دمه في القبائل، لكنهم لم يستطيعوا؛ لأن الله حافظهم وناصرهم.

{فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} المغلبون المهلكون فحفظه الله منهم، ثم أهلكهم ببدر وبغيرها، الذي مات ببدر، والذي مات على فراشه، وأسباب الموت متنوعة فهلكوا، وقد تربصوا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وانتظروا وفاته وهلاكه، وخططوا لذلك من مشركي العرب، ومن اليهود أيضاً، لكنهم لم يستطيعوا ذلك؛ لأن الله -جل وعلا- تولى حفظه.

{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [(43) سورة الطور] {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} يعبد بحق، هم يعبدون غير الله -جل وعلا- هذا واقعهم، لهم آلهة، ولهم أصنام يعبدونها من دون الله، يدعون لها الربوبية ويصرفون لها حقوق الألوهية ويعبدونها، لكنها ليست بحق؛ لأنها لا تسمع، ولا تنطق، ولا تنفع، ولا تضر فكيف يصرف لها شيء من العبادة، وتترك عبادة الخالق الرازق النافع الضار المحيي المميت؟ لا شك أن هذا سفه، وقال عمرو بن العاص: لما سئل أين عقولكم حينما كنتم تعبدون التمرة، ثم إذا جعتم أكلتموها؟ فقال: قضى عليها باريها، أو أخذها باريها، العقل بمفرده لا يدرك، نعم الناس مفطورون على الفطرة، لكن إذا اجتالتهم الشياطين ضاعوا، إذا انحرفوا عن الفطرة، ولم يأتمروا بأمر سمعي، ولم يقتدوا بشرع فإن عقولهم لا تدلهم بل يبقون في الحيرة والضلال، وإذا كان ممن يدعي العلم، وممن ينتسب إلى الدين ظهرت عليه الحيرة مع أنهم من الأذكياء الكبار، وأعطوا ذكاء عظيماً، ولكن لم يعطوا ذكاء انحرفت بهم عقولهم، وتاهوا في الضلالات، والبدع، والخرافات، فجاءوا بأفعال لا يقرها عقل ولا نقل؛ لأن العقل إذا لم ينقد لزمام الشرع فإنه يضل صاحبه، الاسترسال مع العقل من غير نظر في نص، لا شك أنه متاهة ومضلة ومزلة قدم، ولذا كبار من أهل العلم أذكياء يقولون كلاماً ما يقوله ولا المجانين، يعني ما تصور أن مجنوناً يقول: سبحان ربي الأسفل، وقالها من قالها ولا يتصور أن أبله يقول: إن الأعمى في الصين يرى بقة الأندلس، يعني من أقصى المشرق إلى المغرب وهو أعمى لا يبصر يده، كل هذا بسبب البعد عن النصوص واستعمال الأقييسة والعقول في الغيبيات دون تقيد بنص، فعلى طالب العلم أن لا يتصرف إلا عن أثر أستمسك به؛ لئلا يضل كما ضلوا، ومع ذلك يكون ديدنه الهج بسؤال الله -جل وعلا- الثبات على دينه، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} نعم يعبدون آلهة، لكنها إنما تعبد زوراً وبهتاناً وإن سموها آلهة فليست بآلهة، لا إله إلا الله لا إله غيره ولا رب سواه، فهو الذي خلق الخلق، وهو الذي أوجدهم، وهو الذي رزقهم، وهو الذي رباهم بنعمه، وهو المستحق للعباد وحده لا شريك له {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} نعم هم أشركوا، زعموا أن معه آلهة، وأشركوا هذه الآلهة بالله -جل وعلا- صرفوا لها أنواع من العبادة، لكنهم لله -جل وعلا- يعرفون في أوقات الأزمات من يلتجئون إليه، آلهتهم يعرفون أنها لا تنفع ولا تضر في أوقات الأزمات {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [(65) سورة العنكبوت] ولذا يقول الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- في القاعدة الرابعة: إن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين؛ لأن شرك الأولين في الرخاء دون الشدة، يعني إذا أصابتهم الشدة والضراء رجعوا إلى الله -جل وعلا-، وإذا نجاهم من هذه الشدة رجعوا إلى معبوداتهم، ومشركوا زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، في الرخاء والشدة، تجد الإنسان في أضيق الظروف وأحلكها، في أوقات يغلب فيها الهلاك، ويرى الناس يهلكون بين يديه، ويوطأ، ويداس ويقول: يا على، يا حسين، يا بدوي، يا جيلاني، يا فلان، يا فلان، شركهم دائم في الرخاء والشدة- نسأل الله السلامة والعافية-.

{سُبْحَانَ اللَّهِ} تنزيل لله -جل وعلا- عما لا يليق به، ومن أعظم ذلك الشرك عما يشركون به من الآلهة، والشرك نقيض الأمن، والتوحيد هو السبب الحقيقي للحفاظ على الأمن {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور] فالأمن مقرون بالتوحيد، وذهاب الأمن مقرون بالشرك، من أراد المحافظة على الأمن فليحرص على التوحيد، ويحمي جناب التوحيد، ويوصد جميع الأبواب الموصلة إلى ضده، هذا هو الأمن الحقيقي الموعود به في أصدق الكلام -في كلام الله -جل وعلا-، "والاستفهام بأم في مواضعها يعني -الخمسة عشر المذكورة-، يقول: للتقبيح والتوبيخ"؛ لأن كل هذه التي أستفهم عنها يذعنون لها، لا يستطيعون أن يقولون نعم نستطيع ذلك، نحن خلقنا أنفسنا، أو وجدنا من غير خالق، نحن خلقنا السموات والأرض لا يستطيعون أن يجيبوا بنعم، كل هذا توبيخ وتقبيح يعني لم يسأل الإنسان عن شيء يتفق الطرفان على أنه ليس بمقدوره، يعني لما يقال لإنسان عادي قدرته في الخمسين من الكيلوات، يحمل خمسين كيلو صخرة مرفوعة، أو في جبل زنته خمسمائة كيلو إذا أراد أن يوبخ صاحبه أو يقرعه أو ليظهر له ضعفه أنت الذي رفعت هذا الحجر، كلهم يعرفون أنه ليس هو الذي رفع هذا الحجر، وهذه الصخرة، "للتقبيح"؛ لأن هذه الأمور القبيحة التي وقعوا فيها يستحقون عليها التقريع والتوبيخ والتقبيح.

{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا} {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [(44) سورة الطور] بعضاً"، قطعه {مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا} عليهم"، ساقط عليهم ما يقولون هذا عذاب، ماذا يقولون: سحاب مرقوم متراكم، سحاب أمطار نروى بها وتروي بها أرضنا، ونعيش بسببها، {وَإِن يَرَوْا كِسْفًا} يعني قطعة بعضاً {مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا} عليهم كما قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} [(187) سورة الشعراء]  هذا ما أورده المفسر هنا، والآية نزلت في قوم شعيب، وقراءة  التسكين {كِسْفًا} يعني قطعة بعض، والكسف جمع يعني قطع، يعني المفسر أورد الآية {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} وهذه في قوم شعيب، ما قالت قريش: فأسقط علينا، إنما الآية المناسبة هي ما جاء في سورة الإسراء، {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [(92) سورة الإسراء] يعني قطعاً هذا الذي طلبوه، وهي المناسبة للسياق "أي تعذيباً لهم، {يَقُولُوا} هذا {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} متراكم نروى به ولا يؤمنون" كما قالت عاد لما جاءتهم الريح {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [(24) سورة الأحقاف] فهل هو عارض مثل ما قال هؤلاء، مثل ما يقول هؤلاء؟ فجاءتهم الريح العقيم التي تدمر كل شيء.

ولا يؤمنون، متراكم نروى به ولا يؤمنون"؛ لأن من كتب الله عليه الشقاوة لا يؤمن، ومن كتب عليه الضلال لا يهتدي، ومن مسخ قلبه لا يرعوي، يعني ذكر ابن القيم -رحمه الله- في "إغاثة اللهفان" في آخر الزمان يمضي الاثنان إلى المعصية فيمسخ أحدهم خنزيراً، فماذا عن الثاني، هل يقول: الحمد على السلامة، ويتوب، وينيب إلى الله -جل وعلا- ويرجع إليه-؟ يمضي في معصيته، نسأل الله العافية والسلامة، يا إخوان، مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، كثير من الناس يقول: إنه يفعل المعاصي، وفلان يفعل المعاصي ولا عوقب، قد يكون معاقب بأعظم العقوبات في قلبه {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} [(126) سورة التوبة]، الإنسان يفتن ويعاقب في قلبه، فتجد الإنسان قلبه ممسوخ وظاهره الاستقامة وهو لا يدري، وما كثير من التصرفات التي ترى من بعض المسلمين، إلا لأنهم مسخت قلوبهم، تجد بعض الناس يفعل شيئاً لو كان في عقله ورشده ما فعلها، ومع ذلك هو معاقب في قلبه وهو لا يشعر، والعقوبة في القلب أعظم وأشد من عقوبة البدن.

{فَذَرْهُمْ} [(45) سورة الطور] أتركهم {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} يموتون"، حتى يأتي اليوم الموعود الذي يطلعون فيه على حقائق الأمور، ثم يطلبون الرجعى والعتبى، ومع ذلك لات ساعات مندم إذا ندموا لا يمكن أن يرجعوا، ومع ذلك لو مكنوا من الرجوع لعادوا {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [(28) سورة الأنعام].

{يَوْمَ لَا يُغْنِي} [(46) سورة الطور] يقول: "بدل من يومهم" {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ}، {يَوْمَ لَا يُغْنِي} فهي بدل من يومهم" .

{عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}، {كَيْدُهُمْ} الذي كادوه لك لا يغني عنهم، يعني اجتمعوا، تقوا بعضهم ببعض وأرادوا أن يكيدوك ليهليكوك، هذا كيدهم لا ينفعهم ولا يغني عنهم شيئاً.

{وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون من العذاب في الآخرة"، يعني لا يوجد من ينتصر لهم، يعني له يستطيع الأب إذا ألقي ولده في النار -فلذت كبده- يستطيع أن ينقذه وينصره؟ لا يستطيع نصر نفسه، فضلاً عن أن ينصر غيره.

{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [(47) سورة الطور] بكفرهم"، والظلم يطلق ويراد به أعظمه وهو الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]، يطلق على ما دون ذلك من المعاصي والكبائر والجرائم والصغائر كلها ظلم من الإنسان لنفسه، ويدخل في ذلك أيضاً دخولاًٍ أولياً ظلم الإنسان لغيره، وهنا يقول: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني بكفرهم {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أي في الدنيا قبل موتهم" يعذبون، ولو ظهرت عليهم آثار النعيم هم في عذاب، ويعذبون كما عذبت قريش "بالجوع والقجط سبع سنين، وبالقتل يوم بدر" و{دُونَ ذَلِكَ} يعني دون العذاب الأكبر {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة]، وهذا يشمل ما كان في الحياة، وما كان بعد الممات في القبر -في البرزخ-، {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} الذي هو عذاب جنهم، نسأل الله السلام والعافية، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم" يعني لا يصدقون بهذا، لا يصدقون بأن هناك بعث، وأن هناك جزاء، وأن هناك جنة ونار ،{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم".

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [(48) سورة الطور] بإمهالهم، ولا يضق صدرك"، يعني كثير من المسلمين إذا رأى ما عليه المسلمون من ذلة وفقر في بعض البلاد، وشدة وحروب وقتل في بلاد المسلمين، وبلاد الكفار أشبه ما تكون بالجنات بالبساتين يضيق صدره، لكن الذي يوقن ويؤمن بوعد الله -جل وعلا- وما أعده لمن آمن به، وما أعده من كفر به الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ويعرف أن ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، فإذا عرف حقيقة الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك لما سقى منها كافر شربة ماء، لكن من يدرك مثل هذا إنسان يمدون أعينهم إلى ما متع به الكفار، تراهم إذا رأوا الكافر في رغد من العيش، وفي سعة، وفي رفاهية يضيق صدره يقول: نحن المسلمون المؤمنون المطيعون الممتثلون على هذه الحالة والكفار يوسع عليهم، وصار ذلك سبب فتنة لبعض المسلمين، حتى زعم من زعم أن الدين هو الذي غل أهله، وقيدهم عن لحاق الكفار في مظاهر الدنيا، وألف في ذلك كتاباً أسماه: "هذه هي الأغلال" سمى الدين غل، وبعضهم ينبز الدين بأنهم أفيون الشعوب يعني -مخدر-، مع أنه هو دين الذي يجمع بين الدنيا والآخرة، لكن الهدف الأعظم والأسمى هو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأما بالنسبة للدنيا فهي لمجرد الاستعانة بها لتحقيق هذا الهدف، فإذا نظر الإنسان إلى هذه الدنيا بعين البصيرة ما التفت إليه، واطمأنت نفسه وارتاح قلبه، ولا يأسف على ما فات، ولا يحزن على ما مضى، فليحرص على مستقبله الحقيقي الدار الحقيقية -دار الآخرة-، وأما هذه الدنيا فليست بشيء، يقال: أن نوح -عليه السلام- سأل لما حضرته الوفاة، قيل ما مثل هذه الدنيا؟ قال: كمثل بيت دخلت من باب وخرجت من باب، ونوح عاش كم؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً في الدعوة، والله أعلم كم كان قبل ذلك؟ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم".

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} بإمهالهم ولا يضق صدرك، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا نراك ونحفظك، بمرأى منا نراك ونحفظك" كما في قوله -جل وعلا-: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [(39) سورة طـه] يعني بمرأى مني، وفيه إثبات العين لله -جل وعلا- والبصر كما يليق بجلاله وعظمته، من لازم هذه المرأى الحفظ والعناية.

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} سبح متلبساً {بِحَمْدِ رَبِّكَ}، يعني تسبيحاً ممزوجاً بحمد، وكثيراً ما يقرن بين التسبيح والحمد "سبحان الله وبحمده"، ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) {وَسَبِّحْ} تسبيحاً، نزه ربك تنزيها ممزوجاً بحمده وشكره والاعتراف بنعمه، أي قل: سبحان الله وبحمده، مثلما قلنا من قالها في اليوم مائة مرة حطت عنه خطاياه، وأما في الركوع والسجود فتقول:" سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، وزيادة وبحمده هذه لفظة منكرة لا تثبت في سنن أبي داوود، أنكرها أبي داوود وحكم عليها بأنها غير محفوظة، وكذلك الإمام أحمد -رحمه الله-.

{وَسَبِّحْ} متلبساً {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي قل: سبحان الله وبحمده، {حِينَ تَقُومُ} من منامك أو من مجلسك"، يعني إذا قمت من نومك تبادر بالذكر بذكر الله -جل وعلا- على ذلك التسبيح والتحميد والاعتراف لله -جل وعلا-  بالأولهية، ولنبيه بالرسالة، المقصود أنك تكثر من الذكر لا سيما المنصوص عليه، الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "من منامك أو من مجلسك"، وفي هذا إشارة إلى كفارة المجلس ((من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه، فليقل: سبحان اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)) هذه كفارة لما يحصل في المجلس إن حصل فيه ما يقتضي التكفير، وإن لم يحصل فيه فزيادة رفعة درجات وكسب للحسنات.

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} منهم من يقول: هذا أمر بالتسبيح حين القيام للصلاة بالاستفتاح ((سبحانك اللهم وبحم،د وتبارك اسمك وتعالى جدك))، وهذا الاستفتاح خطب به عمر -رضي الله عنه- على المنبر كما في صحيح مسلم وهو المرجح عند الإمام أحمد، وإن كان من حيث الثبوت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث أبي هريرة: ((اللهم باعد بيني وبين خطايا)) هذا أثبت منه في الصحيحين مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، {حِينَ تَقُومُ} من منامك أو من مجلسك" أو إلى الصلاة أو إلى أي شيء يحتمله اللفظ.

{حِينَ تَقُومُ} حين تقوم حذف المتعلق لإرادة التعميم، يعني وأنت جالس قمت وقفت تقول: سبحان الله وبحمده امتثالاً لهذه الآية، واللفظ يشمل فهو أعم من القيام، من النوم، أو من مجلس، أو إلى الصلاة، أو إلى غيره، كل ما يحتمله اللفظ يستحب فيه التسبيح الممزوج بالحمد.

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [(49) سورة الطور] حقيقة أيضاً" أكثر من التسبيح والتنزيه والتحميد لله -جل وعلا- في آناء الليل وأطراف النهار، وعلى هذا المسلم أن يحرص على الأذكار، والذكر فيه فوائد عظيمة ذكر ابن القيم في مقدمة "الوابل الصيب" ما يناهز المائة منها، فوائد عظيمة عظيمة لو لم يكن منها إلا واحدة لكفت، والذكر لا يكلف شيئاً يعني مجرد اللسان لا تحتاج أن تتوضأ لتذكر الله، لا تحتاج إلى أن تشعل المصابيح لتذكر الله، تذكر الله على كل حال {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190-191) سورة آل عمران]، فالذكر من أعظم ما يحي الألباب التي هي القلوب، لكن ينبغي أن يكون الذكر مما يتواطأ فيه القلب مع اللسان، أما إذا كان بمجرد اللسان فهذا تترتب عليه الحسنات والأجور والحفظ الذي رتب عليه من قال كذا فله كذا، يصح عنه أنه قال فيثبت له الأجر إن شاء الله تعالى، وأما ما ينفع القلب من هذا الذكر فإنه لا يترتب إلا مع استحضاره بقلبه.

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} حقيقة بلسانك، أو بصلاتك والصلاة تسمى سبحة، كما هو معروف النافلة تسمى سبحة، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضاً، أي عقب غروب النجوم سبحه أيضاً، أو صلّ في الأول العشاءين"، يقول: أو صلِّ في الأول من الليل فسبحه العشاءين، ومنهم من يقول: إن هذا على حث على كثرة الصلاة بين العشاءين، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني بين العشاءين، وهنا يقول: صلِّ في الأول {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} العشاءين المغرب والعشاء، وفي الثاني: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الفجر، وقيل: في فرق بين الفجر والصبح، وفي الثاني الفجر وقيل: الصبح"، كل النسخ هكذا، أيهما عندك، ويش معك

طالب ..................

الآن نريد نص الكتاب، لا لا ما نريد الحاشية، الآن ركعتي الفجر في الأول أو في الثاني، قالوا: وفي الثاني الفجر، وقيل: الصبح هكذا عندكم، نعم الثاني الفجر في مقابل العشاءين، يعني أمر بأداء الفرائض {فَسَبِّحْهُ} المغرب والعشاء صلي المغرب والعشاء، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} صلاة الصبح هذه كلها فرائض، ومن يقول: إن المراد فسبحه صلي بين العشاءين، يقول: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} صلي ركعتي الصبح وهما خير من الدنيا وما فيها، خير من الدنيا وما فيها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يترك ركعتي الصبح -راتبة الصبح- لا سفراً ولا حضراً، وجاء التأكيد في شأنها، ونقف على هذا.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.  

يقول: ما حكم أكل لحم الضفدع والتمساح؟

باعتبارها تعيش في البر والبحر فهي ممنوعة عند الجمهور.

أيهما أولى في الصلاة النزول على الركبتين أم على اليدين؟

لا شك أن حديث أبي هريرة: ((إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) أرجح من حديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع ركبتيه قبل يديه" أو هو أصح، وبعضهم يحكم على حديث أبي هريرة بأنه مقلوب وليس الأمر كذلك، فالنزول على اليدين برفق هذا ليس ببروك البروك- بورك البعير إذا نزل على يديه بقوة، وأثار الغبار، وفرق الحصى حينئذ يسمى بروكاً-، أما إذا وضع يديه قبل ركبتيه فهذا ليس من البروك كما قرر في مواضع كثيرة.

يقول: ذكر الله -عز وجل- في كتابه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [(21) سورة الحديد]، وذكر أيضاً {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران]، فما الفرق بين المسابقة والمسارعة؟

المسابقة ظاهر من لفظها أنها تقتضي المفاعلة بين أثنين فأكثر، يعني أسبقوا غيركم، والمسارعة تطلب الإسراع في الامتثال والمبادرة فيه وإن لم يكن هناك مشارك، كما قال موسى -عليه السلام- {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [(84) سورة طـه]، المقصود أن المسابقة تقتضي أكثر من طرف هذه هي المسابقة، والمسارعة تقتضي الإسراع؛ لأن المفاعلة أصلها بين طرفين، وقد تأتي من طرف واحد كما في المسافرة والمطارقة.

يقول: ما الحد المعتبر في أدى الأمانة في تدريس المناهج المقررة في المدارس، هل هو إنهاء المنهج المقرر، أم لا بد من استغلال كل وقت حصة دراسية بالدرس وشرحه...

يقول: ما الحد المعتبر في أدى الأمانة في تدريس المناهج المقررة في المدارس، هل هو إنهاء المنهج المقرر، أم لا بد من استغلال كل وقت حصة دراسية بالدرس وشرحه، وهل إذا جعل بعض وقت الحصة بعد إنهاء الدرس اليومي لدعوتهم إلى الله-عز وجل- وتعليمهم أمور دينهم، ينافي أداء الأمانة على الوجه المطلوب؟
هذا من أعظم الأمانة؛ لأن الهدف من إيجاد هذه المدارس لا يتحقق إلا باستقامتهم على دين الله، وعلى أمره، المدارس إنما أسست على ذلك هذا الأصل في تأسيسها، فعلى المدرس أن يستغل الوقت الذي اتفق معه عليه ولا يضيع منه إلا ما يضيع غالباً من الأمور التي لا يمكن ضبطها؛ لأن لا يتصور أن المدرس منذ أن يدخل مع باب الفصل إلى أن ينتهي وهو يتكلم ويشرح لا، إنما ينظر في حال الطلاب قد تكون كثرة الشرح بالنسبة لهم تضيعهم؛ لأنهم لا يدركون مع الكثرة يضيع بعض الكلام بعضاً، وهو يقتصر على المنهج المقرر بحيث يشرحه ويوضحه للطلاب، ثم يسألهم عما يشكل عليهم في المقرر، ثم بعد ذلك يوجههم وكثير منهم بحاجة إلى هذا التوجيه، فإذا لاحظ على أحد ما يمكن التنبيه عليه، ينبه عليه على سبيل العموم، يقول: إن بعض الطلاب هداه الله يفعل كذا، أو يتصرف كذا، وهذا لا شك أنه مطلوب، وإلا من الصعب في المنهج، لكن الإشكال فيمن يتشاغل عن الدرس يتأخر في الدخول، ويبادر في الخروج، وفي أثناء الدرس تجده يتشاغل بأمور، تجده الجوال يكلم، أو معه آلة وشاشة يبيع ويشتري هذا حصل في الأيام الأخيرة، يضيعون الدرس هذه أمانة لا يجوز التفريط فيها، -نسأل الله العافية-.

يقول: يعد كثير من الناس من شباب وشيب ونساء وأطفال أن الانتصار أو الانتصار في فوز فريق كرة القدم، ويجدون كما يتوهمون لذة لهذا الانتصار، فمن الذي صرفهم عن المفهوم الحقيقي للانتصار؟

على كل حال اهتمامات الناس جماعات وأفراد كلها دخلها ما دخلها، والسبب في هذا الانفتاح على الدنيا إذا بسطت وفتحت وتبعتها أنظار الناس لا بد أن يوجد مثل هذا، ولو انشغل الناس بلقمة العيش ما صار الأمر هكذا، لكنه الترف يعني فتحت الدنيا وبسطت وتنافسها الناس، وانشغلوا بدلاً من الضروريات بالكماليات، ثم بعد ذلك إلى الترف المنهي عنه، والذي جاء ذمه في النصوص، المقصود أن هذا لا شك نتيجة حتمية لانفتاح الدنيا ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح الدنيا، و تبسط الدنيا عليكم فتنافسوها كما تنافسوها)).

يقول: عود كثير من الآباء حتى من الصالحين لبس الكفار، وأصبح هذا عادة عندهم حتى في ذهابهم إلى المسجد، ويضطرون في إلباسهم الثياب عند ذهابهم إلى المدرسة؟

لعله يقصد إنه عود كثير من الآباء حتى من الصالحين لبس يعني -إلباس أولادهم لبس الكفار؛ لأن الكبار ما يلبسون إلا لبس البلد، وأما بالنسبة إلى الصغار فيظهر فيهم لباس الكفار من البنطلون وما فوقه، لا شك أن هذا تقليد للكفار وفيه التشبه فلا يجوز من هذه الحيثية، لكن إذا كثر وشاع وصاروا يلبسونه؛ لأمور معينة لنوم أو شبهه ما لم يكون عادة، واللبس كما يقول أهل العلم: "اللباس عرفي" يتبع عرف البلد ما لم يدخل في منصوص على حظره، أو منعه، أو الحث عليه وطلبه، وإلا فالباقي عرفي، فمثل هذه الألبسة التي يلبسها الشباب من الصغار، لا شك أن لبس البلد وعرف البلد إلزامهم به أولى، لكن إذا كثر في البلد وشاع وصار هو لباس الصغار، ينتقل من كونه تشبهاً إلى كونه مفضولاً.

يقول: أنا أطلب العلم، وقد أبقى طوال اليوم أقرأ مع ما يكون خلال ذلك من الصوارف كأغراض الأهل وما أشبه ذلك، ولا يأتي الليل إلا وأنا مرهق فأنام حتى أقوم بعد الفجر وأقرأ، ولا أقوم الليل بسبب أني إذا تأخرت في الليل لا أقرأ في النهار، ويضطرب برنامجي فما العمل؟

المطلوب التسديد، وتنوع العبادات في شرعنا من نعم الله علينا، فتجد النفس ترتاح إلى عمل، وهذا الكلام لا يجري على الفرائض والواجبات، الفرائض والواجبات لا بد من فعلها سواء كانت النفس تنقاد إليها، أو لا تنقاد، لكن مسألة النوافل تنوع العبادات عندنا ولله الحمد من نعم الله؛ لأن بعض الناس ينقاد إلى عمل البدن، فعنده استعداد أن يصلي مائة ركعة في اليوم، يقوم الليل ما عنده إشكال، يصوم النهار، ومنهم من ييسر لهم أمر الإنفاق في سبيل الله، ويصعب عليه عمل البدن، ومنهم أيضاً من ييسر له عمل جزئي من عمل البدن فتجده يستطيع الصلاة، ولا يستطيع الصيام يعني -إلا بمشقة-، وبعض الناس تجده يصلي لكن يصعب عليه التلاوة، وبعض الناس يسهل له أمر التلاوة فيقرأ ساعة والساعتين في المصحف، أو عن ظهر قلب ولا يمل، وإذا مرة به آية سجدة صعوبة عليه؛ لأن جلس الصلاة ثقيلة عليها، فمن نعم الله -جل وعلا- أن نوع لنا هذا العبادات، لكن ينبغي أن يأخذ من جميع هذه العبادات؛ لأنه جاء الحث عليها في الشرع، فلا ينهمك في طلب العلم عن النوافل الخاصة، وإن كان المفضل عند أهل العلم طلب العلم وأنه أفضل من نوافل العبادة وهذا عند التعارض، لكن إذا أمكن أن يصرف جزءاً من وقته لطلب العلم ويقسم هذا الوقت إلى وقت للحفظ، ووقت للفهم، ووقت لمجرد سرد ومطالعة، ويصلي في أثناء ذلك بين كل فينة وأخرى له ركعتين، ويحرص على ما جاء الحث عليه من صيام النوافل، ويساعد الناس ببدنه وبماله، ويقضي حوائج أهله لا يتأخر عنها؛ لأن من المشاكل التي تمر بالشباب طلاب العلم من أعظمها، ما يزعمونه من تعارض بين طلب العلم وصلة الأرحام وبر الوالدين، تجد طالب العلم يصعب عليه جداً أن يقضي حاجة لأمه، أو يوصلها إلى مكان، أو يصل رحمه من عم أو خال أو ما أشبه ذلك، ومع ذلك يسهل عليه أن يركب مع زميله ويذهبان إلى مكان للنزهة أو غيرها يقضون فيه الساعات، هذا لا شك أنه خلل في التصور فالمسألة أولويات، وعلى الإنسان أن يبدأ بالمهم، فعلى مثل هذا التسديد والمقاربة يجعل له نصيب من صلاة الليل، وإذا كان في يوم من الأيام قد أرهق وتعب في النهار، ويخشى على عدم القيام من أخر الليل يصلي الوتر قبل أن ينام، يوتر قبل أن ينام.

يقول: نسمع قراءة بعض العلماء للقرآن بدون غنة، ولا تفخيم، ولا ترقيق، ولا مدود وهم أحرص الناس بشرع الله يعني -على شرع الله وتطبيقه-، فهل هذه الأحكام لها دليل، وهل نطبقها أم نقرأ القرآن قراءة بمهل، وبدون لحن جلي؟

أما اللحن الذي يحيل المعنى فلا يجوز اتفاقاً، وأما اللحن الذي لا يحيل المعنى فالصلاة معه صحيحة، لكن يبقى أنه مذموم؛ لأن القرآن بلسان عربي وليس فيه لحن، حتى قال بعض أهل العلم: إن الذي يلحن في الحديث يخشى أن يدخل في حديث: ((من كذب))؛ لأنك إذا قلت: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) فنصبت الأعمال قلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، وفي الحديث الصحيح: ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) فليحذر الإنسان من اللحن، يبقى مسالة أحكام التجويد من المدود والغنة والإظهار والإقلاب والإخفاء وما أشبه ذلك، هذه يوجبها أهل التجويد
................................... من لم يجود القرآن آثم
هذا عندهم، ويستدلون على ذلك بأنه تلقي هكذا، تلقي عن الشيوخ طبقة عن طبقة هكذا فلا بد من تطبيق الأحكام، وقد يتعارض عند طالب العلم مثل هذا الكلام مع ما يسمعه من شيوخه، ومع ما يسمعه من أهل التجويد أيضاً من خلل كبير بهذه الأحكام ، فهل تتوقع أن أشهر القراء، وأمهر القراء في قراءته للركعتين الأولتين في الصلاة الجهرية يفعل مثلها، مثل هذه القراءة في الركعتين الأخريين يعني -يرتل إذا اسر-، نحن نسمعهم وهم يصلون بجوارنا ما يرتلون، ولا يطبقون الأحكام، وليس هذا بدليل على الإيجاب ولا على المنع، لكن مما يدل على أن القرآن يقرأ سهلاً سمحاً لا يمطط فيه، ولا يهث كهذ الدقلة، ولا كهذ التراب، والمجزوم به أن هذه القراءة حينما أنزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقراءه على أصحابه، وفيهم كبار السن، وفيهم الصغار، وفيهم قبائل مختلفة بعضهم يطاوعه لسانه أن يمد، وبعضهم لا يطاوعه ولذلك جاء الأمر على قراءة القرآن على سبعة أحرف، كل هذا من باب التسهيل والتيسير لقرآة القرآن في أول الأمر، ثم بعد ذلك اتفق على حرف واحد، لكن إذا أوجبنا التجويد فما الذي نوجبه على أي قراءة؟ يعني إذا كان إظهار حرف أو إخفائه -الهمز وعدمه- بعض القراء يهمز، وبعض القراء لا يهمز "النبيئون، والنبييون" مثلاً، أيهما أسهل أن نهمز أو نظهر المدغم؟ ثم بعد ذلك إذا قلنا بالإظهار والإدغام على أي قراءة؛ لأن ما أنا ملزم بقراءة شخص بعينه؛ لأن القراءة كلها سبعية متواترة، واختلاف الأداء في هذه القراءات، واختلاف الأداء في هذه القراءات يدل على أن الأمر فيه سهل؛ لأنها كلها سبعية، كلها متواترة، يعني من مد ست حركات وغيره يمد أربع حركات هذه ثابتة بالتواتر، وهذه ثابتة بالتواتر، فما الذي يلزمني بست أو أربع أو اثنتين، كلها ثابتة بالتواتر فيدل على أن الأمر ليس كما يقولون، نعم تجويده وضبطه وإتقانه وإخراج الحروف من مخارجه هذا أمر مطلوب، لكن التأثيم يحتاج إلى دليل.
وينص كثير منهم على أنه واجب عندهم في فنهم، وأما تأثيم التارك فيحتاج إلى قول فقيه هذا كلامهم، يقولون مثل هذا الكلام، يعني هل كلامهم في وجوب المد، في وجوب التجويد مثلاً، هل هو مثل كلام النحاة في وجوب رفع الفاعل، أو نصب المفعول يعني -وجوب فني ما هو بوجوب شرعي-؟ لأنه حتى بعضهم ينص من أهل التجويد أن هذا الوجوب وجوب علم، وجوب تلقي، وجوب هذا الفن يعني بيننا يجب لا يفرط فيه، لكن مع ذلك تأثيم التارك يحتاج إلى قول فقيه مجتهد هذا كلامهم، مما يدل على أن المسألة فيها سعة المقصود أن القرآن يقرأ ويحسن الصوت بالقرآن، ويزين القرآن بالصوت، ويتغنى به بحيث يتأثر القارئ، ويؤثر في السامع، لكن التطبيق بدقة على ضوء ما قرروه تأثيم تاركه يحتاج إلى دليل، يعني حتى القراء المجودون المتقنون إذا قرؤوا القرآن للاستدلال، أو في خطبة للاستشهاد مثلاً، أو قرأها غيرهم وهم يسمعون ذلك، هل يؤثمونه؟ أحياناً يورد الدليل بسرعة كما هو شأن من يستدل للمسائل العلمية، يعني يندر أن تجد من يقرؤها على قواعد التجويد، وأنا أقول على المسلم أن يحرص على تطبيق هذه القواعد حتى في الخطبة، إذا قرأ القرآن يقرأه مجوداً، وحتى في قراءته للكتب يحرص على أن يجوده وأن يميزه عن كلام البشر.

يقول: يوجد مسجد بحي المثناة مهجور يقصده بعض الجاليات، يتصورون عنده يعني -يصورون بالكمرات-، ويتبركون به، ويقولون: إن هذا المسجد جلس عنده الرسول -عليه الصلاة والسلام- فله ميزة عن غيره؟

ليست له ميزة، الميزة للمساجد الثلاثة فقط وما عداها فحكمها واحد، ولو صلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- حكمها واحد هي بيوت الله، وإذا كان مهجوراً لا يصلى فيه فهو كغيره من الأبنية -هذا ليست له أحكام المسجد-، إذا كان لا يصلى فيه فهو كغيره من الأبنية، ولا يجوز التبرك بالبقاع أيّا كانت.

يقول: ما الضابط في النهي عن صوت الجرس؟

لا شك أن الناس ينازعون في هذه النغمات التي تصدر من الجوال، يقول: هذه موسيقى، وآخر يقول: لا ليست بموسيقى، والحد الفاصل بين المأذون والمسموح والممنوع، الحد الفاصل هو: صوت جرس الدواب الذي لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس، جرس الدواب صوت معروف له طنين متدارك، لكن أدنى هذه النغمات من الجوال أشد منه، وأحياناً في السيارات فيها طنين إذا تعدت السرعة المحددة مائة وعشرين ظهر هذا الطنين، وهو أشبه ما يكون بصوت جرس الدواب فيمنع من هذه الحيثية وما هو أشد منه في الإطراب أشد المنع، وما دونه في الإطراب مأذون فيه.