شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 29

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصيام من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا في هذا البرنامج يتجدد مع صاحب الفضيلة الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نرحب به مع مطلع هذه الحلقة، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في آخر الحلقة الماضية كنا وعدنا المستمعين إلى أن نشير إلى معنى الرهبانية الواردة في الآية التي ختمتم بها الحلقة الماضية، فنبدأ بها، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلمَ وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في كلام ابن بطال المنقول عن المُهلَّب في آخر الحلقة السابقة قال: وقد ذم الله من فعل ذلك فبقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}[الحديد:27]، فوبخهم على ترك التمادي فيما دخلوا فيه، يعني هذا قد يُفهم منه ويفهم منه بعض الناس أن للإنسان أن يشرع لنفسه عملًا ما شُرع له {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}، ثم بعد ذلك ذُموا ووُبِّخوا على ترك هذا العمل ومثل هذا التحريم، هل للإنسان أن يحرم على نفسه؟ يعني كما في قوله –جل وعلا-: {كُلُّ الطَّعَامِ}.

المقدم: {كَانَ حِلًّا}.

{لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران:93]، يعني هل له أن يحرم على نفسه؟

المقدم: أما في شرعنا فالظاهر لا، {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم:1].

نعم، قد يكون التحريم ليس بحكم شرعي في الأصل، إنما هو مجرد امتناع،

المقدم: لكن ما يكون تحريمًا.

ما يكون، لكن امتنع كأنه حرمه على نفسه.

المقدم: للإنسان أن يمتنع يا شيخ، بعض الناس يمتنع عن أكل نوع من اللحوم.

نعم، معروفة أي نوع من الطعام لا يعجبه.

المقدم: يمتنع عنه.

يمتنع عنه، لكن ليس معناه أنه..

المقدم: يمتنع تعبدًا

يؤثم أو يأثم بأكله.

المقدم: فيكون امتناعه تعبدًا.

فلا شك أن في شرعنا ليس فيه شيء من هذا، أما قوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}، يعني اخترعوها من عند أنفسهم، {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}، يعني ما أوجبناها عليهم ولا شرعناها لهم، { إِلَّا}، الاستثناء {إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27]، هل هذا متصل فيكون ابتدعوها فكتبت عليهم ابتغاءً لرضوان الله –جل وعلا-، أو تكون..؟

المقدم: استثناءً منقطعًا.

أو استثناءً منقطعًا؟

المقدم: لأنها الأقرب.

ما كتبناها عليهم أصلًا، لا أولًا، لا سابقًا ولا لاحقًا، لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فقط، لكن لماذا ذُموا بعد ذلك؟! {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}.

يعني تركوها ولا قاموا بها، ولذا جاءهم الذم، فأهل العلم من أهل التفسير منهم من يقول: أن هذا في شرع غيرنا ولا  نتطرق له، ولمن تقدموا سلفًا.. أن يلتزم بعبادة، نعم فتُوجَب عليه إذا التزمها لاسيما في وقت الأنبياء الذي يمكن أن يرد الإلزام عليهم بالوحي، لاسيما وأن الأنبياء في بني إسرائيل كثرة.. إذا ذهب نبي خَلفه نبي، فإذا التزموا هذا العمل أوجبه الله عليهم مثل ما هنا، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}، يعني هي في الأصل ما كُتبت عليهم، فـ (ما) نافية، والاستثناء يكون حينئذٍ منقطعًا، وإذا قلنا متصل أنهم بعد أن التزموها وابتدعوها أُلزموا بها فكُتبت عليهم ابتغاء رضوان الله، وهذا قد يشهد له ما سُئل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الحج «أفي كل عام يا رسول الله؟».

المقدم: «لو قلت: نعم لوجبت».

نعم، «لو قلت: نعم لوجبت»، بعض الناس يسأل عن شيء فيوجب بسببه، أو يُسأل عن شيء فيُحرم بسببه.

المقدم: هذا في عهد التشريع.

في عهد التشريع، فهم ذُموا على هذا الالتزام الذي التزموا به وهو في الأصل لم يُكتب عليهم، ثم كُتب عليهم وأُلزموا به ابتغاء رضوان الله، وصار بالنسبة لهم كالنذر، صار بالنسبة لهم كالنذر، فلما أخلوا به، ما رعوها حق رعايتها {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}،  ذُموا من هذه الحيثية، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الحديث:

المقدم: لا صام..

«لا صام من صام الأبد» مرتين، «لا صام من صام الأبد» مرتين، وفي الأصل في البخاري قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد، لا أدري كيف ذكر صيام الأبد؟ قال ابن حجر: أي إن عطاءً لم يحفظ كيف جاء ذكر الصيام الأبد في هذه القصة إلا أنه حفظ أن فيها أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صام من صام الأبد»، يعني كأنه لم يذكر مناسبة لهذه الجملة.

إلا أنه من باب الأمانة، من باب أمانة تحمل العلم يذكره كما هو، قال ابن حجر: استدل بهذا على كراهية صوم الدهر، استدل بهذا على كراهية صوم الدهر، قال ابن التين: اُستدل على كراهته من هذه القصة من أوجه، اُستدل على كراهة صوم الدهر من هذه القصة، قصة عبد الله بن عمرو من أوجه:-

نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الزيادة، وأمره بأن يصوم ويفطر، وقوله: «لا أفضل من ذلك»، ودعاؤه على من صام الأبد، ودعاؤه على من صام الأبد، قوله: «لا صام من صام الأبد» هل هو خبر أو دعاء؟

المقدم: قرروا أنه دعاء.

نعم، في كلامه يدل على أنه دعاء، وقيل: معنى قوله: «لا صام»، النفي، أي ما صام كقوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}[القيامة:31]، والمعنى بالنفي أنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك، ولم يفطر لأنه أمسك، في شرح ابن بطال قال: وقد كره قوم من السلفِ صوم الدهر، روي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وأبي ذرٍّ، وسلمان، وعن مسروق، وابن أبي ليلة، وعبد الله بن شداد، وعمرو بن ميمون، واعتلوا بقوله -عليه الصلاة والسلام- في صيام داوود: «لا أفضل من ذلك».

«لا أفضل من ذلك».

المقدم: طبعًا المقصود بصيام الدهر يا شيخ الذي هو الأغلب؟

كيف أغلب؟

المقدم: يعني تخيل يعني أنه يصوم عيد الفطر وعيد الأضحى.

نعم، سيأتي في كلام أهل العلم أن صيام الدهر المذموم الذي فيه الأضحى والفطر.

المقدم: نعم.

المقدم: هذا  يحتاج..

على كل حال سيأتي، اعتلوا بقوله -عليه الصلاة والسلام- في صيام داود: «لا أفضل من ذلك»، وقوله: «لا صام من صام الأبد مرتين»، وقالوا: إنما نُهي عن صيام الأدب لما في ذلك من الإضرار بالنفس والحمل عليها وضعفها من الغذاء الذي، أو منعها من الغذاء، ومنعها من الغذاء الذي هو قِوامُها، وقوتها، على ما هو أفضل من الصوم كالصلاة النافلة، وقراءة القرآن، والجهاد، وقضاء حق الزور الزائر والضيف، الزور: الزائر.

المقدم: نعم.

نعم، زَور زائر كما يقال: الزور جمع زائر، كصحب..

المقدم: صاحب.

وركب راكب وهكذا، في بعض النسخ الزوج وقضاء حق الزوج والضيف كان هذا هو المتجه؛ لأن الزور والزائر ضيف على كل حال، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- بقوله في صوم داود أنه من أفضل، أن من فضلَ صومه على غيره إنما كان من أجل، أو أن من فضلِ صومه على غيره، قد أخبر -عليه الصلاة والسلام- بقوله في صوم داود: أن من فضل صومه على غيره إنما كان من أجل أنه كان لا يضعف عن القيام بالأعمال التي هي أفضل من الصوم، وذلك لثبوته لحرب أعداء الله عند التقاء الزحوف، وترك الفرار منهم فكان -عليه السلام- إذا قضى، فكان –عليه السلام- إذ قضى بصوم داود بالفضل على غيره من معاني الصيام، قد بين أن كل من كان صومه لا يورثه ضعفًا عن أداء فرائض الله وعما هو أفضل من صومه، وذلك من نفل الأعمال وهو صحيح الجسم فغير مكروه له صومه ذلك. يعني هذا يكون فيه تفصيل، يعني صوم داود أفضل الصيام بالنسبة لمن يعوقه هذا الصيام، الذي يعوقه صوم الدهر وتتابعه عن الأعمال الأخرى الراجحة، وأما من كان في جسده قوة بحيث يتمكن من صيام الدهر ولا يعوقه ذلك عن الأعمال الراجحة، فغير مكروه له صومه ذلك، وكل من أضعفه صومه النفل عن أداء شيءٍ من فرائض الله، فغير جائز له صومه، بل هو محظورٌ عليه، يعني إذا أضعفه الصيام، صيام النفل عن صلاة الجماعة مثلًا، قال: والله ما أقدر أن أطلع لأصلي في المسجد وأنا صائم، وصلاة الجماعة واجبة، إذًا نقول: لا يجوز لك أن تصوم صيام نفل، فغير جائز له صومه بل محظورٌ عليه، فإن لم يُضعفه عن الفرائض وأضعفه عما هو أفضل منه من النوافل فإن صومه مكروه، وإن كان غير آثم، يعني لأن ما تسبب به من ترك الفاضل لا يأثم بتركه.

المقدم: نعم.

نعم، فالسبب لا يأثم بفعله؛ لأن المسبب لا يأثم بتركه، وكان ابن مسعود يُقل الصوم، «وكان ابن مسعود يُقِلُّ الصوم،» فقيل له في ذلك، «فقال: إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ، وَالصَّلاةُ أَحَبُّ إِلَيَّ»، وفي رواية: «إذا صومت ضعفت عن قراءة القرآن، والقرآن أَحَبُّ إِلَيَّ»، والصلاة أحب إلي من الصوم، وكان أبو طلحة لا يكاد يصوم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل الغزو، فلما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رأيته يُفطر إلا يوم فطرٍ أو أضحى، وقد سرد ابن عمر الصيام قبل موته بسنتين، وسرد الصيام أيضًا أبو الدرداء، وأبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن عمروٍ، وحمزة بن عمروٍ، وعائشة، وأم سلمة زوجا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأسماء بنت أبي بكرٍ، وعبد الله وعروة ابنا الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وابن سيرين، هؤلاء كلهم سردوا الصيام، وقالوا: من أفطر الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها فليس بداخلٍ فيما نُهي عنه من صوم الدهر، وقال مالك في المجموعة: لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر، ويوم النحر وأيام منى، لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر، ويوم النحر وأيام منى، وقد قيل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنما قال إذ سُئل عن صوم الدهر: «لا صام ولا أفطر»، لمن صام حتى هلك من صومه»، حدثني بذلك يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن عُلية عن خالد الحَذَّاء عن أبي قلابة أن امرأة صامت حتى ماتت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا صامت ولا أفطرت»، ومن صام حتى بلغ به هذا الحد فلا شك أنه بصومه ذلك آثم، قاله الطبري، انتهى من ابن بطال، من ذُكر من الصحابة أنهم سردوا الصيام، سيأتي في حديث حمزة بن عمرو أن سرد الصيام لا يعني صوم الدهر.

المقدم: قريب من قولنا: «ما أردت أن أراه صائمًا لرأيته».

نعم، يسرد، يسرد.

المقدم: يسرد.

يسرد أيامًا، يتابع أيامًا، لكن لا يعني أنه لا يُفطر أبدًا إلا ما حرم الله صيامه عليه، وفي فتح الباري: وإلى كراهة صوم الدهر مطلقًا ذهب إسحاق وأهل الظاهر وهي رواية عن أحمد، وشذ ابن حزم فقال: يحرم، وشذ ابن حزم فقال: يحرم.

المقدم: شذ؟

نعم.

المقدم: من يقول هذا إنه شذ؟

فتح الباري.

المقدم: فتح، نعم.

وسيأتي كلامه في الموطأ، في المحلى.

المقدم: المحلى

في المحلى يأتي كلامه، شدد في كلامه، وذكر حقيقةً إلى أن قال في بعض حجج من يرى جواز صيام الدهر، وقال: وهذه الحجة الملعونة إنما أوتي بها لدفعِ السنة، سبحان الله الجزاء من جنس العمل، يعني شددوا في حق الأئمة فشددوا في حقه، فلو سهل الأسلوب ولينه للانوا في حقه، وهذا لا يعني أن ابن حزم ليس عنده علم، ولا..، لا، الرجل عالم ما فيه إشكال ومطلع على السنة، وأوتي من شدته فيها والتزامه بظاهر النصوص، لكنه تعامل مع الأئمة معاملة يعني لو خفف في أسلوبه لاستُفيد من كتبه أكثر، ولذا يحذر صغار الطلاب حتى المتوسطين من الطلاب لا ينظرون في كتبه؛ لئلا ينشئوا على ...

المقدم:.....

ما عنده من صلف، لا يستغنى عن كتبه عالم فضلًا عن طالب علم متمكن، لكن الطلاب الصغار لا ينبغي أن يقرؤوا في كتبه؛ لأنه شد في حق الأئمة، ولذا قال: شذ ابن حزم فقال: يحرم، وروى بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا يَصُومُ الدَّهْرَ فَأَتَاهُ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: كُلْ يَا دَهْرِيُّ، كل يا دهري، يعني لو أن شخصًا من العُباد اعتمد صيام الدهر إلا ما حرم الله صيامه، فقيل له: فلان دهري، نعم، وفيه كتب في الرد على الدهريين.

فيه كتب في الرد على الدهريين، وهم من قالوا: «ما يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ».

المقدم: «ما يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ».

فقال: «كُلْ يَا دَهْرِيُّ»، في الوقت الذي يوجد فيه للفظ أكثر من استعمال لابد من استفسار، لكنه في عهد عمر نسبه إلى الدهر؛ لأنه يصوم الدهر، ولا إشكال، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي نُعَيْمٍ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَوْ رَأَى هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ لَرَجَمُوه،ُ كل هذا من باب التشديد، والتنفير من العمل المخالف للسنة، واحتجوا أيضًا بحديث أبى موسى رفعه «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ وعقد بيده تسعين»، «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ وعقد بيده»، أخرجه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان، وللمجزين أجوبه عن هذه النصوص.

المقدم: التسعين إذا أطلقت يا شيخ بالإشارة يعقد الأصبعين..

يعقد الإصبع السبابة بحيث لا يرى نورًا من ورائها.

المقدم: والثلاثة الأخرى ممدودة.

ممدودة، نعم.

وظاهره أنها تضيق عليه حصرًا له فيها؛ لتشديده على نفسه، وحمله عليها ورغبته عن سنه نبيه -صلى الله عليه وسلم- واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، واعتقاده أن غير سنته أفضل منها.

 وهذا يقتضى الوعيد الشديد فيكون حرامًا، يعنى هذه التوجيهات، توجيهات من يرى الجواز، نعم توجيهات الحديث الذين قالوا بأن حديث «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ»، إلى آخرة، وظاهره أنها تضيق عليه حصرًا له فيها لما فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنه نبيه -صلى الله عليه وسلم- واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، أفضل منها، وهذا يقتضى الوعيد الشديد فيكون حرامًا، وهذا ما فيه إشكال، هذا ما فيه إشكال؛ لأنه اعتقد أن غير سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل منها، لكن إذا لم يعتقد كما سيأتي في كلام الغزالي، لا يرد عليها الحديث، الحديث ما فيه تفصيل، لاسيما على أن الفهم الظاهر من الحديث، وإلى الكراهة مطلقًا ذهب ابن العربي من المالكية، فقال في العارضة: وأما قوله: «لا صام من صام الأبد» في العارضة في الجزء الثالث صفحه تسعة وتسعين ومائتين.

 وأما قوله: «لا صام من صام الأبد» فمعناه الدعاء لما أذكر الجزء والصفحة؛ لأن كلام ابن العربي ممسوخ في العارضة؛ لأن طبعتها في غاية السوء، يعني كثير من المسائل لا يمكن فهم مراد ابن العربي منها؛ نظرًا لسوء الطباعة والسبب في هذا أمران:- أولاً الأصل المعتمد عليه سقيم، والأمر الثاني أن المطبعة التي طبعت ليست من أهل العناية.

المقدم: وأن تذكر الصفحة الممسوخة هذه.

نعم، ما في غيرها.

المقدم: وكيف تكمل النقص يا شيخ؟

فيه اجتهاد في التصويب، وابن العربي أيضًا.. ابن حجر نقل بعض اللفظ واجتمع هذا مع هذا وجهنا الكلام، وإلا فالعارضة ممسوخة بهذه الطبعة، والمطبعة نفسها ليست بذات عناية، الشيح أحمد شاكر لما أرادوا طبع الكتاب فرحت واستبشرت وأعطيتهم نسختي من المتن.

المقدم: أدخلوا الحواشي يا شيخ.

 نعم تعليقات الشيخ أحمد شاكر أدخلوها في المتن، خرجوه وخرجه أبو داود وفلان واختلف في اسمه على ثلاثين قولًا في أبى هريرة، فأدخلوا تعليقات أحمد شاكر في متن الترمذي، فماذا عن الشرح؟ والأصل المعتمد عليه ضعيف، المقصود أن مثل هؤلاء لا يعتمد على طباعتهم، وأما قوله: «لا صام من صام الأبد» فمعناه الدعاء، ابن العربي يقول: «لا صام من صام الأبد» فمعناه الدعاء، سبقت الإشارة إلى هذا، ويا بؤس من أصابه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما من قال: إنه خبر، فيا بؤس من أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يصم، فقد علم أنه لا يكتب له ثواب، فقد عُلم أنه لا يكتب له ثواب، لوجود الصدق في خبره، وقد نفى الفضل عنه، فكيف يطلب ما نفاه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ في المحلى لابن حزم يقول: أفضل الصوم بعد الصيام المفروض صوم يومٍ وإفطار يوم، أفضل الصوم بعد الصيام المفروض صوم يومٍ وإفطار يوم، ولا يحل لأحدٍ أن يصوم أكثر من ذلك أصلًا، والزيادة عليه معصية، فمن قامت عليه بها الحجة، والزيادة عليه معصية ممن قامت عليه بها الحجة، ولا يحل صوم الدهر أصلًا، ولا يحل صوم الدهر أصلًا، وذكر الأدلة ثم قال: قال أبو محمد: فصح نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزيادة على صيام يوم وإفطار يوم، ونعوذ بالله من مواقعة نهيه، وإذ أخبر-عليه السلام-: «أنه لا أفضل من ذلك»، «أنه لا أفضل من ذلك»، فقد صح أن «من صام أكثر من ذلك فقد انحط فضله»، وإذا انحط فضله فقد حبطت تلك الزيادة بلا شك وصار عملاً لا أجر له بل هو ناقصٌ من أجره، فصح أنه لا يحل أصلًا.

 شيخ الإسلام – رحمه الله- في مجموع الفتاوى يقول: معلوم أن جنس العبادات ليس شرًّا محضًا، جنس العبادات ليس شرًّا محضًا، بل العبادات المنهي عنها تشتمل على منفعة ومضرة، ولكن لما ترجح ضررها على نفعها، نهى عنها الشارع، كما نُهى عن صيام الدهر وقيام الليل كله دائمًا، اسمع كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- يقول: معلوم أن جنس العبادات ليس شرًّا محضًا، ليس شرًّا محضًا، فمثلًا صيام يوم الجمعة..      

المقدم: ليس شرًّا.

نعم أنه في معناه ليس مثل صيام يوم الخميس وصيام يوم الاثنين فيه خير كثير، لكن ترجح ما مقتضى النهي فنهي عنه، ولذلك يقول: معلوم أن جنس العبادات ليس شرًّا محضًا، بل العبادات المنهي عنها تشتمل على منفعة ومضرة، ولكن لما ترجح ضررها على نفعها نهى عنها الشارع كما نهى عن صيام الدهر وقيام الليل كله دائمًا. انتهى كلام شيخ الإسلام، ويأتي أيضًا بسط الأقوال في صوم الدهر، إن شاء الله تعالى.     

المقدم: إذًا نُبقي مسألة الأقوال في صوم الدهر-بإذن الله- في الحلقة القادمة وأنتم على خير، شكر الله لكم فضيلة الدكتور، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على طيب متابعتكم، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يستعملنا وإياكم في طاعته، إنه جواد كريم.

أيها الإخوة والأخوات كنا وإياكم مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم في حلقة قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.