شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 18

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.   

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أبي هريرة على مدى الحلقات الماضية، توقفنا عند قوله– صلى الله عليه وسلم–: «خذ هذا فتصدق به»، لعلنا نستكمل أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في قوله– عليه الصلاة والسلام–: «أين السائل؟». فقال الرجل: أنا. قال– عليه الصلاة والسلام–: «خذ هذا فتصدق به»، وفي رواية: «خذها».

«خذ هذا» ظاهر، يعني: خذ العرق هذا أو التمر.

المقدم: أو المكتل.

نعم، لكن «خذها» العرق والمكتل والزنبيل كلها مذكر، لكن من معانيها ما هو مؤنث، وسبقت الإشارة إليه وهو القُفة، «خذها» يعني: هذه القُفة، هذا على هذه الرواية وإلا فأكثر الروايات: «خذ هذا فتصدق به»، وفي رواية: «فتصدق به عن نفسك»، وفي رواية: «أطعم هذا عنك».

واستُدل بإفراده بذلك: «فتصدق به عن نفسك»، «أطعم هذا عنك»، استُدل بهذا الإفراد على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة. ظاهر أم ما هو بظاهر؟

 ظاهر.

وتقدم أن الأصح من قولي الشافعية، والجمهور على أن الكفارة تجب على المرأة أيضًا إذا كانت مطاوعة، لكن هو جاء يسأل عن نفسه، وهي في حكمه؛ لأن النساء شقائق الرجال، وخطاب الشرع للرجل تدخل فيه المرأة، فإذا جاء ما يخص المرأة بضمير المذكر فمن باب أولى أن تدخل فيما يشمل المذكر والمؤنث.

{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12]، والقنوت يشمل الرجال والنساء، لكن هي مؤنثة والأمر يخصها، والحديث عنها وهي امرأة، فلو كانت النساء ينفردن بالخطاب دون الرجال أو العكس لقيل: كانت من القانتات، فالنساء يدخلن في خطاب الرجال والحكم في الأصل واحد من الرجال والنساء إلا ما جاء الدليل به مما يخص الرجال فلا تدخل فيه النساء، أو يخص النساء فلا يدخل فيه الرجال، وهذا الحكم مما يشترك فيه الرجال والنساء.

والجمهور على أن الكفارة تجب على المرأة  أيضًا؛ لأن بيان الحكم في حق الرجل بيانٌ في حقها؛ لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم، كما لم يأمره بالغُسل.

النبي– عليه الصلاة والسلام– ما قال اغتسل.

والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كافٍ عن ذِكره في حق الباقين.

يعني: لو جاء شخص آخر والنبي– عليه الصلاة والسلام– يذكر لهذا حكم ما وقع فيه، ثم جاء شخص آخر وقال: هلكت، وهو يسمع جواب النبي، هل يلزم أن يبين له وقد سمع البيان؟ هل يلزم أن يبين له وقد بلغه هذا البيان؟ البيان تم منه– عليه الصلاة والسلام–.

"كما لم يأمره بالغُسل"؛ لأن الأمور التي تقررت بأدلة وثبتت عند السامع وعند المكلف عمومًا لا يشترط أن يُنص عليها في كل مناسبة.

وننبه هنا إلى أنه يكثر السؤال من بعض الشباب أنه حصل منه في رمضانات سبقت أنه استعمل العادة السرية، ولا يعرف ما يترتب عليها من فطر ووجوب الغُسل أيضًا؛ لأنه يفطر بهذا إذا خرج منه المني وهو مع ذلك يجب عليه الغُسل. فكثيرٌ من الشباب يسألون ولا يعرفون مثل هذا الحكم فليتنبه له، فالغُسل لازم.

فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله يعني: أتصدق به على شخص أفقر مني؟ وهذا يُشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر؛ لأن الأصل في الصدقة للفقراء {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60]، فمادام صدقة لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب، فهذا مفهوم أنه مادام صدقة فهي للفقراء بدليل الحصر{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}.

فقال هذا الشخص: أعلى أفقر مني؟ يعني: أتصدق بهذا على شخص أفقر مني؟

وفي إرشاد الساري: بالاستفهام التعجبي، لكن التعجب يصدر لو كان النبي– عليه الصلاة والسلام– يعرف من حاله أنه لا يوجد أفقر منه فيتعجب من أن يقول النبي– عليه الصلاة والسلام–: تصدق به وأنت محتاج إليه.

المقدم: يسمونه استفهامًا تعجبيًّا؟

نعم.

بالاستفهام التعجبي، وحُذف الفعل لدلالة «تصدق به عليه»، أعلى أفقر مني أتصدق يعني.

المقدم: هو كلامه متوجه والا الآن..؟

أين؟

المقدم: أنه ليس استفهامًا تعجبيًّا؟

هو لو كان النبي– عليه الصلاة والسلام– يعرف من حاله ما يعرفه من نفسه، وأنه ما بين لابتيها أفقر منه.

المقدم: لقلنا صحيح.

يتعجب أن يُصرف وهو أفقر، لكن النبي– صلى الله عليه وسلم– هل يعلم من حاله ما يعلمه هو؟ إن كان يعلم وهذا غير ظاهر النص يتجه التعجب، وإلا هو على أصله استفهام استعلام واستخبار.

وفي حديث ابن عمر عند البزار والطبراني في الأوسط: إلى من أدفعه؟ قال: «إلى أفقر مَن تعلم». وفي رواية: أعلى أفقر من أهلي؟ وفي رواية: أعلى أحوج منا؟ وفي رواية: وهل الصدقة إلا لي وعليّ؟

ثم بعد ذلك قال مبررًا لكلامه في أنه متصفٌ بالفقر الشديد، قال: فوالله ما بين لابتيها.

لابتيها: تثنية لابة، والضمير يعود للمدينة، والأصل أن يعود الضمير على مذكور متقدم لفظًا أو رتبةً، لكن هل فيه ما يدل على إرادة المدينة أو نقول أن هذا من المعلوم المتقرر الذي لا يحتاج إلى ذِكر؟

المقدم: يبدو ذلك.

هو الظاهر، لا تحتاج، "فوالله ما بين لابتيها".. اللهم إلا إن كان أشار إلى المكان نفسه– إلى المدينة– أو أشار إلى اللابتين إلى الجهة الشرقية والغربية منها فيظهر، وإلا ما سبق ما يدل عليها إلا أن مثل هذا لا يخفى ولا يوقع في لبس.

المقدم: وهو مفهوم من كلامهم يا شيخ.

هو مفهوم بلا شك.

المقدم: يعني كثير من عباراتهم ترِد فيها اللابتين، وأشعارهم أشعار العرب في المدينة قديمًا يشيرون إليها.

يشيرون، لكن قال: "ما بين لابتيها" الضمير الأصل أن يعود إلى مذكور، وأن يكون متقدم لفظًا ورتبةً، أو اللفظ فقط، أو الرتبة فقط، فالضمير هنا يعود إلى المدينة ولو لم يسبق لها ذِكر؛ لأن مثل هذا الكلام لا يوقع في لبس، وهو يريد بذلك الحرتين وهو من كلام بعض الرواة.

وزاد في رواية: والذي بعثك بالحق، ووقع في حديث ابن عمر: ما بين حرتيها. وفي رواية الأوزاعي في الأدب: والذي نفسي بيده ما بين طُنبي المدينة.        

طُنبي: تثنية طُنب، وهو بضم الطاء المهملة بعدها نون أي: طرفها، طرفيها.

وفي شرح الكرماني: اللابتان عبارة عن حرتين تكتنفان المدينة.

إحداهما شرقية والأخرى غربية، الحرة الشرقية والحرة الغربية، وهما حدود الحرم من الجهتين الشرقية والغربية، وأما من الجهتين الأخريين فما بين عيرٍ إلى ثور.

يقول: اللابتان عبارة عن حرتين تكتنفان المدينة، واللابتة: باللام وخفة الموحدة، الحرة بفتح المهملة وشدة الراء وهي الأرض ذات الحجارة السود، وفي ذلك جواز الحلف على غلبة الظن وإن لم يعلم ذلك بالدلائل القطعية؛ لحلف الرجل أنه ليس بالمدينة أحوج منهم مع جواز أن يكون بالمدينة أحوج منهم لكثرة الفقراء فيها ولم يُنكر عليه النبي– صلى الله عليه وسلم–، لكن هو غلب على ظنه أنه لا يوجد في المدينة أفقر منه. واستدل أهل العلم بهذا الحديث أنه يجوز القسم على غلبة الظن، وطردوا هذا في مسائل كثيرة.

يعني: لو وجد بخط أبيه أن له دينًا على زيد من الناس، وغلب على ظنه أن هذا خط أبيه، أو جزم بأنه خطه وغلب على ظنه أن هذا الدين لم يُسدد، لم يوفَ. قالوا له أن يحلف بناءً على غلبة الظن، وإذا قالوا هذا في الحكم فالورع له بابه.

والحلف على عدم العلم أنه لم يوفَ، نعم أنه لا علم له بأن هذا الدين قد وُفي، ثم الأصل أنه ثابت بهذه الكتابة، فإذا ادعى المدعى عليه في هذا الدين أنه قد وُفي فهو حينئذٍ مدعٍ، البينة الآن موجودة وهي الكتابة مع شهودها وتواقيعها، وإذا قلنا إنها مجرد كتابة بدون بينات، بدون شهود، بدون تواقيع قلنا: تحتاج إلى ما يدعمها؛ لأن مجرد كتابة الأب أن له في ذمة كذا ما تثبت الحق، هذه دعوى، فإن دُعمت بالبينات وإلا فاليمين على من أنكر، الطرف الثاني المدعى عليه يحلف.

كل هذا الذي جره الكلام في جواز الحلف على غلبة الظن، وإن لم يعلم ذلك بالدلائل القطعية.

يعني: الإنسان لا يحلف على شيء إلا لاح له مثل الشمس أو يكفي في ذلك غلبة الظن، هذا حلف على غلبة الظن، المدينة يقطنها ألوف وفيهم الفقراء بكثرة، وهذا حلف أنه لا يوجد بين لابتي المدينة أفقر منه بناءًا على غلبة ظنه، لكن هل يمكن أن يصل إنسان إلى حدٍ يقطع بمثل هذا؟ لما يعلم من نفسه أنه لا يمكن أن يصل الحاجة والعوز إلى ما وصل إليه هو.

افترض أن شخصًا لا يملك شيئًا، لا يملك شيئًا ألبتة، ولا ما يواري سوءته، ولا ما يفترش، ولا ما يلتحف، ولا ما يسكن.

المقدم: هذا يحلف.

ألا يمكن أن يوجد مثل هذا ومدين؟ ولذا في حديث الحث على النظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا، حديث في غاية العظمة؛ لأنه أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه؛ لأنه قد يقول قائل: كيف أنظر إلى من أفقر مني؟ أفي دوني؟ فمثل هذا يزدري نعمة الله عليه، أي نعم فيه دونك، لو بحثت لوجدت. فعلى الإنسان إذا ابتُلي بفقر أو بمرض يتذكر أن هناك من هو أفقر منه ومن هو أكثر مصائب، والله المستعان.

فلما حلف أنه لا يوجد في المدينة من هو أفقر منه لم ينكر عليه النبي– عليه الصلاة والسلام–. أهلُ بيتٍ أفقر من أهل بيتي برفع (أهل) اسم ما، وأما (أفقر) فإن كانت (ما) حجازية نصبت (أفقر)، وإن كانت تميمية رفعت (أفقر)؛ لأن (ما) الحجازية تعمل عمل (ليس) فترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فإن اعتبرتها حجازية نصبت (أفقر)، وإن اعتبرتها تميمية رفعت الجزأين.

المقدم: وهنا اعتبرها تميمية.

من الذي اعتبرها؟

المقدم: يعني صاحب النسخة التي بين أيدينا.

العبرة بالرواية، وأهل العلم يقولون برفع (أهل) اسم ما، ونصب (أفقر) خبرها إن جعلت (ما) حجازية، وبالرفع إن جعلتها تميمية، فالعبرة بالرواية، أما الضبط ضبط ناسخ أو ضبط طابع أو كذا فما يُعوَّل عليه مادام الجواز موجودًا والاحتمال قائمًا.

فضحك النبي– صلى الله عليه وسلم– حتى بدت أنيابه. وفي رواية: حتى بدت نواجذه يعني: ظهرت. وفي رواية: حتى بدت ثناياه.

قال ابن حجر: ولعلها تصحيف من أنيابه.

ثناياه تصحيف من أنيابه لماذا؟ لأن الثنايا تبين بما دون الضحك، بمجرد التبسم تبين الثنايا.

قال ابن حجر: ولعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبًا، وظاهر السياق: إرادة  الزيادة على التبسم، ويُحمل ما ورد في صفته– صلى الله عليه وسلم– أنه ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله. وقيل: كان لا يضحك إلا في أمر يتعلق بالآخرة، فإن كان في أمر الدنيا لم يزد عن التبسم.

الآن لا شك أن الضحك قدر زائد على مجرد التبسم؛ لأن الضحك يصاحبه صوت، وأما التبسم فيبدو على ملامح الوجه والشفتين من غير صوت. ماذا عن قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل:19]، يرِد على مثل هذا الكلام أو لا يرِد؟

المقدم: ممكن يرِد.

{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}، وماذا عما لو حلف ألا يضحك فتبسم؟ هل الضحك هو التبسم أو قدر زائد على مجرد التبسم؟ النبي– عليه الصلاة والسلام– جاء في وصفه أنه كان يتبسم، ونُقل عنه في مواضع أنه ضحك حتى بدت أنيابه، حتى بدت نواجذه– عليه الصلاة والسلام–، وأما في غالب أحواله في التبسم، ولاشك أن الواقع يدل على أن الضحك فيه قدر زائد على مجرد التبسم، وماذا عن الآية {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}؟

والتبسم قد يكون مبادئ وبدايات للضحك، ويطلق على الفعل بداياته يعني: إذا شرع فيه وقبل أن يصل إليه يطلق عليه.

المقدم: مثل السِّنة والنوم.

نعم مثل السِّنة والنوم، السِّنة: المقدمات، فمن صار في مقدمات النوم يمكن أن يقال نام والعكس.

على كل حال: هذا كلام الحافظ– رحمه الله– يقول: ولعلها تصحيف– يعني: ثناياه– من أنيابه، فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبًا، وظاهر السياق: إرادة الزيادة على التبسم، ويُحمل ما ورد في صفته– صلى الله عليه وسلم– أن ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله. وقيل: كان لا يضحك إلا في أمرٍ يتعلق بالآخرة، فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم.

يعني: الدنيا كلها ما تسوى الضحك، ما تستحق أن يُضحك من أجلها.

قيل: وهذه القضية تعكر عليه.

هذا في أمر دنيا أم في أمر آخرة؟ القصة؟

المقدم: أمر آخرة، كفارة يا شيخ، إلا إن كان ضحك على الفقر.

ضحك على جزمه، وضحك على فقره، وضحك على، مجموع القصة.

المقدم: تكون في أمر دنيا.

قيل: وهذه القضية تعكر عليه وليس كذلك، فقد قيل: إن سبب ضحكه– صلى الله عليه وسلم– كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفًا على نفسه، راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أُعطيه من الكفارة.

يعني: الرجل خائف من أن يُلزم بشيءٍ يشق عليه أو يكون ارتكب جُرمًا لا يُكفَّر، خائف وجل ثم بعد ذلك يرجع بمكتل فيه خمسة عشر صاعًا، يعني من تباين الحالين مثل هذا موجب للضحك أو سبب للضحك.

وقيل: ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحُسن تأتيه وتلطفه في الخطاب، وحُسن توسله في توصله إلى مقصوده.

هذا كلام الحافظ، ونقله العيني بحروفه ولم ينسبه ولم يتعقبه، ما قال بعضهم، ولا قال فلان ولا شيء.

ضحك النبي– عليه الصلاة والسلام– من حُسن خُلقه، وهذا من الأدب النبوي الرفيع، رجل جاء خائفًا فيُلاطَف بمثل هذا الضحك ليزول ما في نفسه بالكلية. جاء خائف، وجل، مستفتي، تائب، نادم فمثل هذا يلاطَف بمثل هذا، بخلاف ما لو وقعت منه هذه المعصية ولم يندم ولم يأسف، مثل هذا يُعاقب ويُعزّر؛ لأنه ارتكب معصية.

بالنسبة للتبسم والضحك وفيه ما تقدم من قوله– جل وعلا–: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}، منهم من يعطي التبسم حكم الضحك في جميع الأحوال، فإذا حلف ألا يضحك حنث بالتبسم، لكن مثل هذا قد يقال فيه: أن الأيمان مبناها على العُرف، الجمهور على العُرف. التبسم إذا كان في العُرف يسمى ضحك يحنث وإلا فلا، ومنهم من يرد ذلك إلى النية، لكن الجمهور على أنه على العُرف.

إذا تبسم في الصلاة، هل نقول: تبطل صلاته؛ لأنه ضحك أو لا تبطل؟ ابن حزم يقرر هذا، يقرر أن الصلاة تبطل بالتبسم.

على كل حال: هذه المباحث لها مناسبات أخرى تُفصل إن شاء الله تعالى.

ثم قال: «أطعمه أهلك»، وفي رواية: «أطعمه عيالك»، وفي رواية: «فأنتم إذًا»، وفي رواية: «ثم قال: كله». وجمع ابن إسحاق في روايته بين الألفاظ فقال: «خذها، وكلها، وأنفقها على عيالك».

«أطعمه أهلك» مقتضى هذه الرواية أنه لا يأكل منها، وإنما يأكل أهله. رواية «فأنتم إذًا» ثم قال: «كله» مقتضى ذلك أنه يأكل منها، لكن دخول الرجل في أهله وفي آله موجود في اللغة لغة العرب، وفي النصوص الشرعية {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر:46]، يعني ما يدخل هو؟

المقدم: بلى.

هو يدخل دخولًا أوليًّا، ومثل هذا أيضًا أن «الصدقة لا تحل لآل محمد».

المقدم: محمد– عليه الصلاة والسلام– منهم.

من باب أولى، فيدخل في أهله، على خلافٍ بين أهل العلم في إعطائه هذه الصدقة هل هي على سبيل الكفارة أو على سبيل التصدق عليهم يأكلوها وتبقى الكفارة بذمته، يأتي بسطه إن شاء الله تعالى.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لقاؤنا يتجدد بكم بإذن الله تعالى مع حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.