شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (25)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهم صلى على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال العراقي -رحمه الله تعالى-:

وللحميدي والإمام أحمدا
أي في الحديث لم نعد نقبلـه
وأطلق الكذب وزاد أن من
وليس كالشاهد والسمعاني
بكذب في خبـر إسـقاط ما
ومـن روى عـن ثقـة فكذبـه
لا تثبتن بقـول شـيخه فقـد
وإن يـرده بـلا أذكـر أو
الحكـم للذاكـر عنـد المعظم
كقصـة الشـاهد واليميـن إذ
عنـه فكان بعـد عن ربيعه
والشافعي نهى ابن عبد الحكم

 

بـأن مـن لكـذب تعمـدا
وإن يتب والصـيرفـي مثله
ضعـف نقـلًا لم يقـو بعد أن
أبـو المظفر يـرى في الجانـي
لـه مـن الحديـث قد تقدمـا
فقـد تعارضا ولكـن كذبـه
كذبه الآخر واردد ما جحد
ما يقتضي نسـيانه فقـد رأوا
وحكي الإسـقاط عن بعضهـم
نسـيـه سـهيل الذي أُخذ
عن نفسـه يرويـه لن يضيعـه
يـروي عن الحي لخـوف التهم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في الفصل التاسع من الفصول الثلاثة عشر:

وللحميدي والإمام أحمدا

أي في الحديث لم نعد نقبلـه

 

بـأن مـن لكـذب تعمـدا

وإن يتب والصـيرفـي مثله

من تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هل تقبل توبته، أو لا تقبل؟ توافرت الشروط في قبول التوبة، أقلع عن ذلك، وندم وأسف على ما صنع، وعزم أن لا يعود، مخلصًا في ذلك لله -جل وعلا-، لا خوفًا ولا رغبة من أحد، توافرت شروط التوبة التي لو كان مشركًا بالله -جل وعلا-، فتاب مثل هذه التوبة لقبلت، وبدلت السيئات حسنات، لكنه تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل تقبل هذه التوبة المستجمعة للشروط، أو لا تقبل؟

يقول -رحمه الله- تعالى: "وللحميدي" أما من كان كذبه في كلامه العادي، ويتعمد الكذب في كلامه العادي، فإن هذا توبته مقبولة، الكلام فيمن يتعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيضع الحديث في أي موضوع كان، سواءٌ كان وضعه للحديث في العقائد، أو في الأحكام بالحلال والحرام، أو في الفضائل، والترغيب والترهيب، وغيرها، لكنه ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقول عليه ما لم يقله -صلى الله عليه وسلم-، هذا الذي فيه الخلاف في هذه المسألة.

يقول: "وللحميدي" شيخ الإمام البخاري، عبد الله بن الزبير، أول شيخ يروي عنه البخاري في صحيحه، وهو غير الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين؛ لأن هذا متقدم، متوفى سنة تسعة عشرة ومائتين، يعني قبل الإمام أحمد باثنين وعشرين سنة، ولذلك قُدم عليه في النظم؛ لأنه قبله، وأما صاحب الجمع بين الصحيحين الحميدي محمد بن أبي نصر فتوح، هذا متأخر، متأخر في الخامس، أربعمائة وزيادة، فهو غيره؛ لأن الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين اشتهر بين الناس لكتابه، وتقدم الحديث عنه في العام الماضي، في قول الناظم:

...................................

 

وليت إذ زاد الحميدي ميزا

"وليت إذ زاد الحميدي ميزا" لأن الحميدي جمع بين الصحيحين، واعتمد على المستخرجات، والمستخرجات فيها زيادات، ونقل هذه الزيادات، وعلى حد زعم الناظم أن الحميدي زاد هذه الزيادات، ولم يميز بين الأصل والمزيد، وواقع الكتاب يشهد بخلاف ذلك، فإنه يميز هذه الزيادات، فالحميدي المتأخر ليس هو المقصود، إنما المقصود شيخ الإمام البخاري، عبد الله بن الزبير المكي.

وللحميدي والإمام أحمدا

 

...................................

وغيرهما –أيضًا-،

...................................

أي في الحديث ..............

 

بأن من لكذب تعمدا

...................................

يعني في الحديث النبوي خاصة، أما إذا تعمد الكذب في كلامه العادي، فهي معصية من المعاصي تهدمها التوبة، وتجبها "أي في الحديث" يعني النبوي "لم نعد نقبله" في شيء أبدًا، خلاص يحكم عليه بأن وجوده مثل عدمه، ما دام تجرأ، وكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو تاب، واستقام، وحسنت حاله، ولزم الصدق في جميع أحواله؛ فإنه لا يقبل، "لم نعد نقبله، وإن يتب" يعني وإن تاب، وحسنت توبته؛ تغليظًا عليه، لما ينشأ على فعله من المفسدة العظيمة، وهي تصيير ذلك، يعني تصيير ما كذبه شرعًا، شرعًا يدان الرب به -جل وعلا-، وهو من فريته، هذه مفسدة عظيمة، ويخرج بالتعمد:

...................................

 

بأن من لكذب تعمدا

أن من يحصل الخطأ في كلامه، ويصدر منه ما يخالف الواقع من غير قصد، ومن غير عمد "وإن يتب" تغليظًا لفعله الشنيع "والصيرفي" أبو بكر الصيرفي الشافعي، من أئمة الشافعية، شارح الرسالة "والصيرفي مثله" يعني مثل كلام، مثل الكلام المنقول عن الحميدي، وأحمد، أي مثل الكلام المنقول عن الحميدي، وأحمد، يعني أنه لا تقبل توبته، ولكن "أطلق الكذب" ولم يقيده بالحديث النبوي، يعني ما ضُم إلى من قبله؛ لأن الحميدي والإمام أحمد خصوا عدم قبول التوبة في الحديث النبوي، والصيرفي أطلق ولم يقيد بالحديث النبوي؛ حيث قال: كل من أسقطنا حديثه من أهل النقل بكذب لم نعد لقبوله لتوبته، خلاص مادام كذابًا، ولو في حديثه مع الناس؛ لأنه ما الذي يؤمننا أنه في يوم من الأيام يكذب "وزاد أن من" يعني زاد الصيرفي:

........................ أن من

 

ضُعف نقلًا لم يقو بعد أن

يعني بعد أن حكم بضعفه، وإن رجع إلى التحري، والإتقان، يعني مادام حكم عليه بالضعف؛ خلاص لم نعد نقبله "لم يقو" لم يقبل، ولو كان جرحه بسبب ذنب، ثم تاب منه، يعني تضعيف هذا الراوي بسبب ذنب، يشرب الخمر مثلًا، ثم تاب، هذا كلام الصيرفي، ومعروف أن الصيرفي -رحمه الله- متأخر عن أئمة النقد وأئمة الجرح من عصور الرواية، متأخر، فالأئمة كلهم على أن من تاب من الذنب، وهو مقتضى النصوص الشرعية، كمن لا ذنب له، بل إذا تاب توبة نصوحًا بدلت سيئاته حسنات، ولنعلم أن كلام الحميدي والإمام أحمد في عدم قبول توبة الكذاب الوضاع الدجال الذي يفتري على النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما هو في أحكام الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، لكن لا تقبل روايته بناءً على أنه جرح بأمر عظيم، فلا تقبل توبته ظاهرًا، أما في الباطن فالله يتولاه.

أصل هذه المسألة مفرع عن شهادة القاذف، القاذف ارتكب جرمًا عظيمًا، والقذف شأنه عظيم وخطير، وجاء في الخبر مضعف عند أهل العلم، لكن يبين خطورة القذف: ((قذف محصنة..)) قال: ((يحبط عبادة ستين سنة))، لا شك أن القذف للمحصنات الغافلات المؤمنات شأنه خطير؛ ولذا وجب فيه الحد، حد الفرية ثمانين جلدة، ولو أحضر من أحضر، لو شهد له واحد، أو اثنان، أو ثلاثة، لا بد أن يأتي بأربعة شهداء؛ لأن الأمر عظيم، ليس كغيره من الذنوب يتعلق بتدنيس عِرض، وهذا العِرض لا يقتصر على شخص، بل يتناول أشخاصًا، وقد يتناول قبيلة مثلًا، إذا دنس عرض واحد، أو واحدة منهم، فالأمر عظيم، وجاء فيه الحد: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور]، هذا تاب، قذف محصنة وتاب، قذف محصنة، وقد رأى العمل بأم عينيه، يعني كلامه مطابق للواقع، وأحضر ثلاثة من الشهود العدول الثقات أنهم رأوا العمل بما لا يحتمل مجالًا للشك أو التردد، نستحضر هذه الأمور كلها، يعني رأى الميل في المكحلة بنفسه، ومعه ثلاثة، فقذف، وشهد له هؤلاء الثلاثة الثقات يترتب عليه ثلاثة أحكام؛ لأن الأمر ليس بالسهل، يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل شهادته أبدًا، مع التأبيد، ويتصف بالفسق: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور]، ومعروف الخلاف في الاستثناء، هل يرجع إلى الجمل الثلاث، أو يرجع إلى الأخيرة فقط، أو على ما يرجع؟ في مثل هذا، أما في هذه الآية، فرجوعه إلى الأخيرة محل اتفاق، أما رجوعه إلى الأولى –أيضًا- لا يرجع اتفاقًا، بل لا بد من جلده ولو تاب، الخلاف في المسألة الثانية، وهي قبول شهادته، فهل تقبل شهادته ليعود الاستثناء على الجملتين الثانية، والثالثة؟ أو لا تقبل؛ لأن رد الشهادة اقترن بالتأبيد؟ فمن قبل شهادته قال: إن رد الشهادة سببه الفسق، وارتفع الفسق اتفاقًا، وإذا ارتفع الفسق، وهو الوصف المؤثر في رد الشهادة؛ ارتفع ما ترتب عليه، وهو رد الشهادة، ومنهم من يقول: إن هذا التأبيد قيد مؤثر، فإلغائه ليس بالسهل، وإمكان إعادة الاستثناء إلى الجملة الأخيرة قول معتبر عند أهل العلم، فلا تقبل شهادته أبدًا، وإن تاب.

هذه المسألة هي أصل للمسألة التي معنا، فإذا ردت شهادة القاذف، وتأبد رد شهادته، ولو تاب توبة نصوحًا بشروطها، ترد شهادته، فالذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أعظم وأشد، فينبغي أن ترد روايته، والذين قالوا: إن الاستثناء يعود إلى الأمرين، فتقبل شهادته، قالوا: إن من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتكب جريمة وموبقة من الموبقات، لكن التوبة تهدم ما كان قبلها، وإذا كانت تمحو أثر الشرك، وأثر المعاصي، والجرائم الكبار، فلأن تمحو مثل هذا الأثر من باب أولى؛ ولذا يقول النووي في شرح مسلم: "وما ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد، والمختار القطع بصحة توبته، كالكافر إذا أسلم" يعني هذه القواعد العامة أنها تقتضي أن من تاب تاب الله عليه، والنصوص تدل على هذا، لكن رد الشهادة إنما هو زيادة في تشنيع الفعل "وأطلق" الصيرفي "الكذب" ولم يقيده بالحديث النبوي:

...................وزاد أن من

 

ضُعف نقلًا لم يقو بعد أن

بعد أن حكم بضعفه، يعني بعد أن حكم بضعفه لم يقو، وإن رجع إلى التحري والإتقان، يعني ضعف بأي ذنب من الذنوب، قيل: فلان فاسق؛ لأنه شرب الخمر، حكم عليه بهذا الحكم، أو سرق، أو فعل، خلاص لا يعود إلى القبول والتوثيق ما دام وصف بهذا الوصف، هذا الوصف لا يرتفع، لكنه قول ضعيف، وإلا لزم عليه أن جمهور المسلمين ممن زاول المعاصي أنهم كلهم ضعفاء، ووصف الفسق لا يرتفع عنهم، وهذا الكلام لم يقل به أحد "وليس كالشاهد" يعني وليس الراوي كالشاهد، يعني فإن شهادته تقبل بعد توبته بخلاف روايته، نعم؟

طالب:......

نعم، تقبل، كلامه واضح في هذا، كمن أسلم بعد كفره، شخص مسلم، ثم ارتد، ثم تاب، ورجع إلى الإسلام، تقبل توبته، وتقبل روايته، يعني ما هو بأعظم من الردة –نسأل العافية-.

"وليس كالشاهد" يعني الراوي في ذلك، فإن شهادته تقبل بعد توبته بخلاف روايته "والسمعاني أبو المظفر يرى في" الراوي "الجاني" يرى:

........................ والسمعاني

بكذب في خبر............

 

أبو المظفر يرى في الجاني

..................................

 نبوي

....................... إسقاط ما

 

له من الحديث قد تقدما

أبو المظفر السمعاني، الآن هذا الحديث، أو هذا الراوي روى مائة حديث، وحاله مستقيمة، يعني كل من سُئل عنه قال: ثقة، فوضع حديثًا بعد هذه المائة، أبو المظفر السمعاني يرى أن كل هذه المائة كلها باطلة، ولا تقبل منه، ولو رواها في حال استقامته؛ لأن العبرة بالخواتيم، العبرة بالخواتيم:

........................ والسمعاني

بكذب في خبر............

 

أبو المظفر يرى في الجاني

..................................

يعني نبوي

....................... إسقاط ما

 

له من الحديث قد تقدما

من الحديث ما قد تقدما، مثل ما ذكرنا، يعني لو افترضنا أنه روى مائة حديث في حال الاستقامة، ثم كذب في حديث واحد؛ ترد كل المائة لماذا؟ لأن العبرة بالخاتمة، وتبين لنا من خلال ما ختم له به أن استقامته في الظاهر، وأنه في الباطن ليس بمستقيم، ولو كان مستقيمًا ظاهرًا وباطنًا لما خذل في آخر الأمر، وهذا يذكرنا بحديث: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه، وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) لا سيما إذا استحضرنا رواية: ((يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))، فالذي يعمل بعمل أهل الجنة، ثم يرتد في آخر العمر؛ هل نقول: إن عمله الأول صحيح؟ كونه يحبط، لكن هل هو صحيح هذا العمل، أو أننا نحكم بأنه في الظاهر، وأما في الباطن لا بد أن يكون فيه دخن؟ وقد انطوى هذا العامل، وإن كان عمله في الظاهر سليمًا، إلا أنه قد انطوى على شيء، على طوية ودخيلة تؤثر على هذا العمل، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، والفواتح كما يقول أهل العلم عنوان الخواتم، يعني لو كان في عمله هذا صادقًا مع الله -جل وعلا- لما خذل، وجه الارتباط بين قول السمعاني وبين الحديث، ما وجه الارتباط؟ السمعاني يقول: باعتبار أنه كذب في آخر شيء، نعم، أبطلنا أحاديثه الأولى؛ لأن كونه ثقة إنما هو فيما يبدو للناس، وهو في الحقيقة ليس بثقة، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، وختم له بهذه الخاتمة السيئة، يعني الربط بين كلام السمعاني، وبين هذا الحديث ظاهر، لكن هل يجرؤ الإنسان أن يبطل عمل؛ لأن صاحبه في آخر الأمر ارتد؟ الإحباط منصوص عليه، لكن هل يحبط مطلقًا، أو حبوطه معلق بموته على الكفر؟ وهذا –أيضًا- له أثر فيما نحن فيه، افترضنا راويًا روى مائة حديث، وهو موثق، ثم كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تاب توبة نصوحًا، هل نقول: إن المائة الحديث الأولى باطلة باعتبار أنه تعقبها كذب، ولو تاب بعده، أو نقول: إن هذه المائة حديث التي رواها في حال الاستقامة لا علاقة لها بكذبه بدليل أنه ختم له بخير؟ فهذا فرع عن الردة، فهل هي محبطة مطلقًا؟ هل هي محبطة للعمل مطلقًا؟ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]؟ أو الإحباط موقوف على الموت على الكفر؟ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة]؟، ويظهر مثل هذا الخلاف فيمن حج، مسلم وحج، ثم حصل له ردة، ثم رجع إلى الإسلام، هل نقول: يعيد الحج، أو لا يعيد الحج؟ إحباط العمل مربوط بقوله -جل وعلا-: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة]، والآية الأخرى فيها قيد، وإلا ما فيها قيد؟ ما فيها قيد الآية الأخرى، بدون قيد، والثانية: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] مقيدة، فهل نقول: إن المطلق يحمل على المقيد؟ وبهذا قال جمع من أهل العلم: إن الأعمال صحيحة موقوفة على الخاتمة، فإن ختم له بخير أعماله التي قبل الردة صحيحة، ولا يؤمر بإعادتها كالحج مثلًا، والذي يقول: لا، الردة بمجردها محبطة للعمل؛ يأمره بأن يعيد الحج، وهل لمثل هذه الردة الطارئة التي مات على دينه وإسلامه أثر في العقد، في عقد النكاح مثلًا، يعني لو أن مسلمًا -نسأل الله السلامة والعافية- ارتد، تبين زوجته منه، وإلا ما تبين؟ نعم، يعني لو أسلمت قبله هذه المسالة معروفة، ينتظر كما في قصة زينب بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجها أبي العاص، ينتظر حتى يسلم، أو ينتظر حتى تنتهي من العدة على خلاف بين أهل العلم في المسألة، لكن هذا مسلم، وفي عصمته امرأة مسلمة، ثم ارتد، ثم تاب بعد ذلك، هل نقول: إن هذه الردة أحبطت العقد؛ فلا بد من تجديده، أو نقول: ما زالت في عصمته؛ لأن العبرة في الخاتمة؟ يعني مثل هذه المسائل توضح ما نحن فيه، والنظائر تكشف القواعد، والمسائل هذه كلها خلافية، هل تبين منه بمجرد الردة؟ أو ينتظر في أمره حتى تخرج من العدة، فإن خرجت بانت منه، فتحتاج إلى عقد جديد؟ أو أنه بمجرد ردته أحبط العقد، فيحتاج إلى عقد جديد، ولو أسلم في يومه، وقل مثل هذا في الحج، إذا حج في حال إسلامه، ثم ارتد -نسأل الله السلامة، والعافية-، ثم رجع إلى الإسلام، فهل يضر؟ المسألة الخلاف فيها ظاهر بين أهل العلم، ولكل دليله، والإعادة هو الأحوط في الأمرين، لكن كونه يرتد لا شك أن هذا يثير في النفس ما يثير في أعماله السابقة، ولأن القيد في الحديث: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))، وإلا لو كان عاملًا، مخلصًا لله -جل وعلا-؛ لكان الله -جل وعلا- ألطف به، وأرأف من أن يذهب عمله سدًى، لكن لا بد أن يكون قد انطوى على دخيلة في نفسه.

........................ والسمعاني

بكذب في خبر إسقاط ما

 

أبو المظفر يرى في الجاني

له من الحديث قد تقدما

ترى هذه المسائل عملية، ويتفرع عليها مسائل كثيرة جدًّا، ما هي بمسألة –والله- راوٍ أسقطنا أحاديثه، وانتهينا.

السلف عمومًا حينما يقرءون حديث ابن مسعود لا يستحضرون القيد: ((فيما يبدو للناس))، ولا يحملون المطلق على المقيد، فتجد الإمام العالم العامل المخلص على خوف شديد من سوء العاقبة؛ لأنه ما يستحضر أن عمله هذا: ((فيما يبدو للناس))، لا، يتهم نفسه، ويتهم عمله ويخشى، وابن أبي مليكة يقول: "أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخشى النفاق على نفسه"، فما يقول: أنا –والله- الآن أنا مستقيم ومخلص، ولا يقول مثل هذا إلا من في قلبه شيء ينافي الإخلاص، بحيث يأمن من سوء العاقبة، فالسلف كلهم وأقوالهم منقولة ومتداولة، ومشهورة في الخوف من سوء الخاتمة.

بالنسبة للأحكام في مثل ما ذكرنا من كلام السمعاني، كوننا نسقط المائة الحديث التي تقدمت استرواحًا منا إلى أن عمله واستقامته غير صحيحة؛ لأنه خذل، هذا لا شك أنه عمل بما في القلب، استنادًا إلى مثل هذا، وليس للناس أن يكلفوا إلا الظاهر، فما دام مستقيمًا، وروى في حال الاستقامة؛ تقبل رواياته في حال الاستقامة، وترد رواياته إذا اختل هذا الشرط، ونظير ذلك شخص من أهل العلم ألف تفسيرًا مثلًا، وتفسير في غاية الجودة، تفسير قوي، ومتين، ومن أبدع..، أو شرح للبخاري، أو شرح للسنة، أو ما أشبه ذلك، أو أي كتاب في فنون العلم الشرعي، كتاب يستفاد منه، ثم في النهاية ارتد -نسأل الله السلامة، والعافية-، نستفيد من كتابه هذا، أو نقول: إنه ما دام ارتد، فعلمه مدخول، وليس تأليفه لله، فلا نستفيد منه، ويمكن أن يمثل لهذا بكتب، نعم؟

طالب:......

من؟

طالب: القصيمي.

القصيمي نعم "الصراع بين الوثنية والإسلام" كتاب رائع جدًّا، رائع في غاية الجودة، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل -نسأل الله السلامة والعافية-، فهل نرمي بجميع كتبه، ولا نستفيد منها؟ أو نقول: يستفاد، يؤخذ الكلام الصحيح، والقوي يستفاد منه، وما عدا ذلك بعد ردته ما نستفيد منه، ما المتجه هنا؟ لأن عندك العلم دين، تكرر مرارًا: "إن هذا العلم دين؛ فانظر عن من تأخذ دينك"، هل نقول: إن القصيمي حينما ألف كتاب الصراع، على الجادة، وفي استقامة من أمره، وفي إخلاص لله -جل وعلا- بدليل أن الكتاب عظيم ومتين، أو نقول: إنه من الأصل فيه ما فيه، ثم بعد ذلك أظهر ما عنده؟

طالب:......

لا، هو كونه الإعجاب ظاهر من أساليبه، الإعجاب بعلمه، ونفسه ظاهر، يعني في مقدمة البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية، في مقدمة القصيدة يمدح فيها نفسه، ومثل هذا لا شك أنه يورث، أو يوجد في القلب ريبة لطالب العلم المخلص، فهل نقول: إن هذا العلم دين؛ فلا تأخذ علمك ودينك من مثل هذا، أو نقول: إن الحكمة ضالة المؤمن، ويستفاد من الكلام الحق على أي جهة كانت؟

طالب:......

أما كونها فيها فوائد، كتبه التي ألفها في أول الأمر فيها فوائد، فيها قوة ومتانة، وأمر عجب؛ ولذلك الإنسان لا يأمن على نفسه، مهما بلغ من العلم والتدين، ليكن على وجل دائم من سوء العاقبة، والله المستعان.

الخلاصة: إن من تاب من الكذب الجمهور على قبول توبته، وما الذي يحول بينه وبين التوبة، فالذي يسلم بعد الشرك أو يرتد ويرجع إلى الدين تقبل توبته، والذي قتل مائة نفس ما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ وهكذا الجادة، والقواعد العامة تدل على أن توبته مقبولة، وأن روايته بعد ذلك بعد الاستقامة مقبولة، وأن الإنسان قد تتغير حاله أفضل، أو إلى أسوأ، ولكل حالة حكمها، وليس للناس إلا الظاهر.

الفصل العاشر الذي يليه:

ومن روى عن ثقة فكذبه

لا تثبتن بقول شيخه فقد

 

فقد تعارضا ولكن كذبه

كذبه الآخر واردد ما جحد

"من روى عن ثقة فكذبه" من روى وهو ثقة من الأصل، من روى من الثقات عن شيخ ثقة، حديثًا فكذبه الأصل، صريحًا كقوله: كذب علي، يقول: حدثني زيد، يقول عمرو: حدثني زيد، وعمرو ثقة، وزيد ثقة، فقال زيد: أبدًا، كذب أنا ما نقلت له هذا الخبر، الثقة مفترضة في الاثنين، في الراوي، والمروي عنه، في الأصل والفرع،

ومن روى عن ثقة فكذبه

 

فقد تعارضا .................

في قولهما، كالبينتين إذا تكاذبتا "فقد تعارضا" يعني في قولهما كالبينتين إذا تكاذبتا، ولكل واحد، أو لكل قول واحد منهما ما يرجحه، فالأصل المروي عنه يرجحه أنه مصدر الخبر، فإذا كذب المصدر، إذا سقط المصدر سقط الفرع، كالشهادة، لو قال: أشهد أن فلانًا يشهد على فلان، ثم قال: الأصل أبدًا أنا ما أشهد، تسقط شهادة الفرع، وهنا الرواية إذا قال عمرو: حدثني زيد، فقال زيد: كذب أنا ما حدثته، فالأصل زيد، ومادام الأصل كذَّب الفرع إذن، مادام هو الأصل، فالرجوع إليه أولى وأحرى؛ لأنه منبع الخبر، يعني لو أن -خلينا بالواقع- إذاعة نقلت عن إذاعة خبرًا، ثم الإذاعة المنقول عنها قالت: أبدًا، نحن ما قلنا هذا، أو صحيفة نقلت عن صحيفة، لكن مثل هذا في وقتنا يمكن الوصول إلى الحقيقة، بخلاف الكلام الشفوي الذي لا يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة، الكلام الشفوي لا يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة، يحدثه شفويًّا، ثم ينكر كيف تثبت أنه بالفعل حدث، أو لم يحدثه؟ لكن لو أن إذاعة أخذت من إذاعة خبرًا، ثم نفوا كما يقال على..، باستمرار يقولون: إن هذا الخبر عار عن الصحة تمامًا، ثم قد يثبت من جهة أخرى، وقد ينفى، يثبت النفي، الوصول إلى الحقيقة ممكن في هذه الوسائل، لكن يبقى أنه إذا حدثه شفوي، قال عمرو: حدثني زيد، ثم قال زيد: كذب علي أنا ما حدثته، وهو الأصل، وهو المنبع، هذا يرجح جانب الأصل، وإذا قال الراوي عنه حدثني، وهو ثقة المفترض في الثقة أنه لا يكذب، واحتمال أنه ضبط وحفظ، والأصل نسي، حدث ونسي، ما يمكن أن يحدث وينسى؟ يمكن، يعني في المجلس الواحد يحدث شخصًا، ثم يحفظ عنه هذا الشخص ما حدث به، وبعد سنين يذكر هذا الخبر، فيكون الأصل قد نسيه، يقول: أنت قلت لنا هذا؟ قال: أبدًا أنا ما قلت، لا قلت يا أخي نذكرك في بيت فلان، في يوم كذا، في مناسبة كذا، ثم لا يتذكر، هذا يحصل، ينسى الأصل.

ومن روى عن ثقة فكذبه

 

فقد تعارضا .................

يعني كالبينتين، ولكل واحد منهما ما يرجح قوله "ولكن كذبه" أي الراوي "لا تثبتن" بنون التوكيد الخفيفة، وإذا اقترن الفعل المضارع بنون التوكيد سواءٌ كانت خفيفة، أو ثقيلة يبنى على الفتح:

...................................

عن نون توكيد مباشر ومن

 

وأعربوا مضارعًا إن عريا

نون إناث كيرعن من فتن

إذا التصقت به نون التوكيد سواءٌ كانت خفيفة، أو ثقيلة؛ فإنه يبنى على الفتح "لا تثبتن" بقوله، أو "بقول شيخه"، "لا تثبتن بقول شيخه" هذا بحيث يكون جرحًا له، يعني ما تقول: ما دام قال الشيخ، وهو ثقة: كذب علي، أننا نثبت أنه كذب، يعني ما دام حكم عليه شيخه بأنه كذاب؛ هل نأخذ بقول شيخه؟ وهو يقول: حدثني وهو ثقة، وكلاهما ثقة، ما يحكم على طرف من قبل الطرف الآخر "فقد كذبه الآخر" فقد كذبه الآخر أيضًا، فإنه يقول: بل سمعته منه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من قبول قول الآخر:

........................... فقد

 

كذبه الآخر واردد ما جحد

"اردد ما جحد" نعم؟ كيف؟

طالب:......

الحديث الذي جزم الشيخ بأنه كذب عليه، هذا يرد، لكن لا يلزم أنت ترد بقية أحاديثه؛ لأنه ثبت أنه كذاب، واردد ما جحد، يعني إذا جحد بعزم، بجزم قال: أبدًا أنا ليس من مروياتي هذا الحديث، "وإن يرده بـ" قوله "لا أذكر"، "وإن يرده بلا أذكر" يعني لا أذكر هذا الحديث، ولا أعرف أني حدثته به "أو" نحوهما من العبارات "ما يقتضي" يعني ما يحتمل "نسيانه" كـ: لا أعرف أنه من حديثي "فقد رأوا" "الحكم للذاكر" يعني جمهور المحدثين رأوا أن الحكم للذاكر، يعني إذا روى عمرو عن زيد، ثم قال زيد: والله أنا ما أذكر شيئًا، نسيت، ما أذكر شيئًا؛ فالحكم لمن؟ "للذاكر" لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ:

...................................

الحكم للذاكر عند المعظم

 

..................... فقد رأوا

...................................

"الحكم للذاكر عند المعظم" وهو الراوي، كما هو قول المعظم من الفقهاء والعلماء، وصححه جماعات منهم ابن الصلاح؛ لأن الراوي مثبت، والشيخ نافٍ، ولأنه ثقة، ثقة جازم غير متردد، والمروي عنه كلامه محتمل، متردد؛ لأنه يقول: لا أذكر، فلا تردد، يرد هذا الجزم من الراوي بالاحتمال، والتردد من قبل الشيخ، لاحتمال نسيانه "وحكي الإسقاط" في المروي أي عدم قبوله بذلك "عن بعضهم" وهم قوم من الحنفية؛ لأن الراوي فرع للشيخ، فهو تابع له، مادام الشيخ نسي، وقال: ما أذكر هذا الحديث، فكيف يثبت حديث من طريق شخص متردد فيه؟ الشيخ متردد، فكيف يثبت هذا الحديث والراوي متردد؟ هذا "حكي الإسقاط عن بعضهم" لكن القول الأول هو قول الأكثر، والنسيان يطرأ على الإنسان، فإذا كان الراوي عنه ثقة، ومتأكد من أنه حدثه به، فيقبل قوله، ويثبت الخبر.

هذا الشخص الذي حدث ونسي ألا يحتمل أنه من الأصل ضعيف الحافظة، فلو كان حافظًا، جازمًا، حازمًا في حفظه ما نسي، نقول: النسيان لا يعرو منه أحد، لكن إن كثر، فهذا في حديثه أثر عليه "كقصة الشاهد، واليمين" مثال ذلك: قصة الشاهد واليمين المروي بلفظ: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى باليمين مع الشاهد" إذ نسيه سهيل، يعني ابن أبي صالح الذي أُخذ عنه عن أبيه عن أبي هريرة، سهيل ابن أبي صالح يروي عن أبيه عن أبي هريرة: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى بالشاهد واليمين"، لكن سهيل نسي:

كقصة الشاهد واليمين إذ

عنه ...................

 

نسيه سهيل الذي أخذ

...................................

يعني عن أبيه عن أبي هريرة "فكان" سهيل "بعد عن ربيعة" بن أبي عبد الرحمن "عن نفسه يرويه" عن ربيعة الذي يرويه عنه، ربيعة يرويه عن سهيل، فنسي سهيل الحديث، فكان سهيل يقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته بكذا "فكان بعد" يعني سهيل بعد "عن ربيعة" بن أبي عبد الرحمن، ربيعة الرأي "عن نفسه يرويه" فيقول: أخبرني ربيعة أنني حدثته بهذا الحديث، حدثني ربيعة عني أني حدثته بهذا الحديث "يرويه لن يضيعه" يرويه لن يضيعه؛ لأن سهيلًا ثقة، وربيعة ثقة، والحديث مروي عن ثقات، فإضاعة هذا الخبر بسبب النسيان الذي هو ملازم للإنسان لا لشك أنه تضييع لحكم شرعي "لن يضيعه" يعني لن يتركه لمجرد نسيانه، وقد ألف الخطيب البغدادي والدار قطني فيمن حدث ونسي، وللسيوطي "تذكرة المؤتسي فيمن ذكر من حدث ونسي"، هذه المسألة، وهي نسيان الأصل، جعلت بعض العلماء ينهى عن الرواية عن الأحياء؛ لأن الأحياء ينسون، ثم إذا روى عن هذا الحي الذي نسيَ، وقال: إني ما أذكر أني حدثته، يقع الراوي عنه في حرج عظيم، يعني تصور أنك نقلت فتوى عن شيخ، قبل..، أيام الطلب، يعني قبل عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، تقول: والله الشيخ فلان أفتانا بكذا أيام كنا طلابًا، ثم يذهبون الناس إلى الشيخ ليتأكدوا من هذه الفتوى، قال: أبدًا أنا ما قلت شيئًا، ما موقفك؟ ما موقفك عند من نقلت عنهم: إن الشيخ قال كذا؟ يعني مهما بلغت من الثقة والإتقان، الشيخ هو الأصل، يعني إذا كذب الأصل، فالفرع تبعًا له، والنسيان كما يطرأ على الشيخ يطرأ على الطالب أيضًا، فلأجل هذا نهى بعضهم عن الرواية عن الأحياء، أنت إن بغيت أن تنقل عن أحد اصبر حتى يموت؛ كي لا يكذبك، وتقع في حرج.

والشافعي نهى ابن عبد الحكم

 

...................................

نهى محمد بن عبد الله بن الحكم حينما روى عنه حكاية فأنكرها، ابن عبد الحكم نقل عن الشافعي كلامًا حكايةً، فقال الشافعي: ما أدري أنا قلت، أبدًا ما أذكر أني قلت هذا الكلام، ثم قال له: إياك والرواية عن الأحياء؛ لأنه لا سيما إذا كان المنقول عنه محل ثقة من الناس، يعني أنت بالنسبة له يعني كالطالب، لكن لو كان العكس الشيخ هو محل الثقة، وهو الذي ينقل عنك أنك مثلًا مشاغب في القاعة أيام الطلب، يقول: فلان كان أيام الطلب مشاغبًا، وآذانا، وآذى زملاءه، ثم تقول، ثم أنت فيما بعد يراك الناس على هيئة تامة، وشيخ، ولا يستنكرون من تصرفاتك شيئًا، ثم يقولون إذا قال الشيخ في مجلس: كان فلان آذانا في أيام الطلب، فلا شك أن الشيخ هو محل الثقة في الغالب، وإن تغيرت حالك فيما بعد.

فالشافعي -رحمه الله- نهى ابن عبد الحكم حينما روى عنه حكاية، فأنكرها على أنه لا يروي عن الحي:

نهى ابن عبد الحكم

 

يروي عن الحي لخوف التهم

"لخوف التهم" هذا إذا كان للخبر الذي يرويه عن هذا الشيخ الحي طريق أخرى، تقوم به الحُجة، ويثبت به الخبر، أما إذا لم يكن له طريق آخر، ما فيه إلا عن طريقي وعن طريق هذا الشيخ، وكلكم ثقات، والشيخ احتمال يكون ينسى، أو ما ينسى هذا أمر إليه، لكن تضيع السنة من أجل أنك تخشى أن الشيخ ينسى، ثم تقع في حرج، لا، لا بد من التبليغ، لا بد من تبليغ الخبر، ولو خشيت ما خشيت، والله المستعان.

 

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يسأل يقول:

زاد المستقنع للحجَّاوي يقول: ألَّف بعض العلماء عليه نظمًا، فهل الأفضل لديكم حفظ المتن المنثور، أم حفظ النظم لمن يرغب، وينشط في حفظ النظم أكثر من غيره، وهل نظم الشيخ سعد بن عتيق أفضل وأحب إليكم، أم نظم الشيخ سليمان بن عطية؟ وهل حفظ نظم السبل السوية للشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- يغني عن حفظ بعض المتون المذاهب الأربعة بعد حفظ متن في مذهبنا؟ أجيبوا مأجورين...إلى آخره؟
أولًا: كما هو معروف، ومشتهر، ومستفيض أن الزاد -أعني زاد المستقنع- متن متين محرر منقح، لا يدانيه أي متن من متون الحنابلة في كثرة مسائله، وإن كان الترجيح بينه وبين الدليل، وبينه وبين العمدة محل عناية بين أهل العلم، وكان الدليل مقدمًا لدى حنابلة الشام، والزاد مقدم لدى حنابلة هذه البلاد، لكن الدليل لما شرح، واعتني به، وبينت أدلته من قبل الشيخ ابن ضويان في منار السبيل؛ حظي بعناية في هذه البلاد –أيضًا-، وإلا قبل الزاد هو المعول عليه، والمعتمد عليه في هذه البلاد، ومسائله كثيرة جدًّا، أكثر بكثير من مسائل الدليل فضلًا عن العمدة، والعمدة إمامة مؤلفها لا ينازع فيها أحد، وعندي أن تقديم الكتاب لإمامة مؤلفه وجه من وجوه الترجيح، فهذا العلم دين، إذا وازنت بين شخص عالم عامل أفضل بكثير من أن تعتمد على من هو دونه في العلم، ولو كان الكتاب من وجه أفضل.
على كل حال كل كتاب له ميزة، فالعمدة مصدرة جميع أبوابها بدليل صحيح، ثم يفرع على هذا الدليل من الأحكام ما يفرعه الموفق -رحمه الله-، وهو اللبنة الأولى في تقدير الإمام الموفق -رحمه الله- بالنسبة لطالب الفقه، ثم يليه كتابه المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، وألفها على هذه الطريقة على التدرج، والترقي من الصغير إلى ما هو أكبر منه، فطالب العلم الذي يريد أن يتفقه، وهو يريد كتابًا محررًا متقنًا مضبوطًا، ولا أقول: معصوم ما فيه أخطاء، لا، كل الكتب فيها، وفيها: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء]، لكن حفظ الطالب، وتعويده على كتاب متين صعب يعوزه إلى شرح، ويعوزه إلى مراجعة الشيوخ بهذا يتربى طالب العلم، أما الكتب التي تقصد لسهولة أسلوبها، فهذه ليست بطريقة لطلب العلم من وجهه، ومن أبوابه، وعلى الجادة، فالعلماء حينما يعصرون الكتب عصرًا ليقل الكلام فيها، وتكثر معانيها، ومحتوياتها ليس من فراغ هذا، وليس المراد منه تعذيب الطالب، لا، إنما المقصود منه تدريب الطالب على هذه الأساليب القوية المتينة، بحيث لا يشكل عليه فيما بعد فهم أي كتاب، وعلى هذا فزاد المستقنع من هذه الحيثية مقدم؛ لأنه أمتن عبارة، وأصعب على طالب العلم مما يجعل طالب العلم يحرص، ويتعب في فهمه، وإذا تعب في فهمه رسخ في ذهنه بخلاف الكتاب الذي كتب بأسلوب سهل، هذا لا يثبت في ذهن طالب العلم، وعندي أن من يربي الطلاب على كتب المعاصرين التي كتبت بلهجاتهم وطرائقهم، يعني لا تخفى معانيها على طالب العلم، هذه ليست منهجية، من حيث المنهجية ليست مستقيمة، ومن هذا ما يتلقاه الطلاب في المدارس النظامية من مذكرات في الجامعات، مثلًا يكتب الأستاذ مذكرة، يصوغها بأسلوبه، يفهمها الطلاب، والمنتسب، والمنتظم على حد سواء، ثم ما يلبث أن ينساها بعد الامتحان، لكن لو كان بيده كتاب متين من كتب أهل العلم، وحرص على الحضور، وعلق، وراجع الشروح، وسأل عما يشكل عليه ثبت العلم في ذهنه.
الزاد معروف أنه فيه أكثر من ثلاثين مسألة، اثنتين وثلاثين مسألة خالف فيها المذهب، خالف فيها المذهب، فضلًا عن المسائل المرجوحة من حيث الدليل؛ لأن هذه الكتب وهذه المتون ليست دساتير ملزمة، بل هي كخطة بحث لطالب العلم، يدرس مسائل هذه المتون مسألة مسألة، في المرة الأولى يتصور المسألة إلى أن ينتهي الكتاب يتصور مسائل الكتاب، ثم بعد ذلك مرحلة ثانية يستدل لهذه المسائل، ثم عرضة ثالثة يذكر، أو يحرص على الوقوف على من وافق المؤلف، ومن خالفه داخل المذهب، وخارج المذهب بعد ذلك إذا انتهى بهذه الكيفية، واطلع على المذاهب بأدلتها ووزان بين هذه الأدلة، واستطاع أن يرجح انتهى، صار فقيهًا، لا سيما إذا كان مجبولًا على فقه النفس، يعني بعض الناس يستمر يطلب العلم، ويقرأ الكتب، ويراجع الشيوخ، لكن ليس مؤهلًا في تركيبه أن يكون فقيهًا، فمثل هذا لا يحرم، ولا يخسر هذا التعب، وهذا الجهد، ولو لم يكن له إلا أنه سلك السبيل، والطريق يلتمس فيه العلم، وله أجره -إن شاء الله تعالى-.
إذا تقرر هذا فإن الزاد حظي بعناية من أهل العلم، وإن كان مؤلفه متأخرًا في القرن العاشر، لكن صارت له عناية، وله رواج بين العلماء والمتعلمين، وصار كأنه صارت له شبه قدسية لدى المتفقهة من الحنابلة لا سيما المقلدة، لكنه مع ذلك مثل ما قلنا: إنه ينبغي أن يجعله طالب العلم كخطة بحث، أو عناصر بحث يبحث هذه المسائل، ولا يعني أنه لا يخرج عنها، ولا يحيد عنها أبدًا.
له شروح، وكان الكتاب فيه عسر على بعض طلاب العلم، حتى المتوسطين منهم في بعض عباراته عسر، لا يحلها الشرح، ولا حواشيه، حتى ذلَّله، وسهله الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه الممتع، صار أمره ميسورًا، ولله الحمد بهذا الشرح، فرحمة الله على الشيخ.
هذا من حيث الشروح والدروس، والتدريس هذا الكتاب حظي وعني به عناية فائقة، أيضًا الكتاب نُظم، وله أكثر من نظم، منها نظم الشيخ ابن عتيق، ومنها نظم الشيخ سليمان بن عطية، نظم الشيخ سليمان بن عطية "روضة المرتاد في نظم مهمات الزاد"، وهما متقاربان متعاصران يعني، أما نظم الشيخ ابن عتيق، فهو مطبوع، طبع متأخرًا، وأما نظم الشيخ سليمان بن عطية، فأنا وقفت له على نسخة خطية أيام الطلب، ونسختها، ثم طبع بعد ذلك بمدة، نظم الشيخ سليمان بن عطية سهل جدًّا جدًّا، يعني من بحر الرجز، وسهل يعني العناية به ما تكلف طالب العلم، وأمتن منهما من النظمين "مختصر عِقد الفرائد" للشيخ حمد بن ناصر بن معمر، عِقد الفرائد الأصل لابن عبد القوي، نظم مطول جدًّا، مطبوع في مجلدين النظم، يعني تزيد أبياتهما على اثني عشر ألف بيت، ثم اختصر النظم، النظم للمقنع للأصل الشيخ ابن معمر اختصر هذا النظم بما يتناسب مع الزاد، فالذي ليس في الزاد من المقنع حذفه، لكن الإشكال في هذا النظم رغم جودته وقوته ومتانته أنه راعى في الاختصار مسائل الزاد، واحتاج ليطابق نظمُه الزاد احتاج أن يحذف في بعض الأحيان شطر بيت، فيجعل البيت نصف بيت، وهذا لا شك أنه مقلق بالنسبة للحافظ، يقلق الحافظ أن يحفظ نصف بيت، والنصف الثاني ما هو موجود؛ لأن النصف الثاني عند ابن عبد القوي موجود كلام في المقنع يناسبه، ولا يوجد في الزاد ما يناسبه، وفي الزاد مسائل زادها مؤلفه، فنظم لها الشيخ حمد بن معمر ما يناسبها، فلو كان نظمه ابتداءً للزاد كان النظم رائعًا جدًّا، دالية ممتازة جدًّا، ونظم المقنع هذا الذي ذكرت المطول، نظم خليق، وجدير بطالب العلم أن يُعنى به، لكن دون تحصيله مع كثرة العلوم، وكثرة المشاغل، دون تحصيله خرط القتاد، اثنا عشر ألف بيت، أو أكثر من اثنا عشر ألف بيت يحتاج، لكن أنا عندي أنَّ طالب العلم لو قرأ هذا النظم، وصور مسائله من دون حفظ، صور مسائله، ثم إذا جاء إلى بيت فيه قاعدة، أو ضابط، أو شيء مما يدور على ألسنة الفقهاء، يحتاجونه بكثرة حفظه، واستدل لمسائله، صور المسائل، واستدل لها يكفي.
الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى- كتب النظم، يكتب الباب من النظم، ثم يكتب تحته ما يناسبه من الإنصاف، والكتاب موجود بخطه يعني، موجود بخط الشيخ، النظم أبيات يذكر عشرين بيتًا مثلًا في الباب، ثم يذكر ما يقابله من الإنصاف؛ لأن النظم نظم للمقنع، والإنصاف شرح للمقنع، هو مجرد توفيق بين الكتابين، لا أقول تلفيق، أقول: توفيق بين الكتابين، وعمل جيد يسهل، لكن لو كانت العناية بالشرح الكبير بدل الإنصاف الذي فيه الاستدلال، وفيه مع الإنصاف فهو مجرد، يعني مجرد عن الدليل، ومجرد عن..، يعني كتاب فقه جاف، فيه جميع روايات المذهب، يعني الذي يريد أن يتخصص بمذهب الحنابلة لا يستغني عنه، لكن الذي يريد أن يدرس الفقه على طريقة الفقهاء، أهل الحديث متعب جدًّا له، حتى ذكر عن بعض الكبار أنه قيل له: لا نراك تعتني بالإنصاف؟ قال: الكتاب في اثني عشر مجلدًا ما فيه -صلى الله عليه وسلم- إلا أربع مرات، يعني ما فيه دليل إطلاقًا، فمثل هذا يصرف طالب العلم إلا شخص له عناية، ومتخصص في المذهب، ويريد أن يستغرق في هذا الباب.
على كل حال النظم نظم ابن عبد القوي لو عنى به طالب العلم، وإن كان يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى مدارسة، وفهم للأبيات، ويحتاج إلى نسخ صحيحة؛ لأن النسخة المطبوعة فيها أخطاء كثيرة، والنسخ الموجودة من المخطوطات كلها متأخرة، وعلى كل حال بعض الناس يبخل بالوقت على العناية بكتب الفقه، ويقول: إن العمر لا يستوعب العناية بالكتاب والسنة، ومع ذلك نعتني بكتب الفقه، هذا كلام له وجه، بل وجيه، ومع ذلك من كان لديه فضل وقت، وفضل في الفهم والحفظ إذا اعتنى بهذا الكتاب انتفع -إن شاء الله تعالى-.
حفظ "السبل السوية" للشيخ حافظ الحكمي -رحمة الله عليه-، نظمه جيد في غاية الجودة -رحمه الله- لكنه لم يلتزم بكتاب معين، ولا بمذهب معين، وطالب العلم في بداية الطلب يحتاج إلى أن يتفقه على وتيرة واحدة؛ لتتسق عنده القواعد والضوابط على هذه الطريقة، ثم بعد ذلك يختار ما شاء؛ ولذا بعض طلاب العلم من المعاصرين يجعل لطلاب صغار دروس في "الدرر البهية" للشوكاني، أو يجعل الدرس في "الدراري المضيئة" له، أو في "الروضة الندية" لصديق، أو في "السيل الجرار" للشوكاني، هذه لا يمكن أن يتفقه عليها الطالب، هذه لا شك أنها متحررة عن المذاهب، وعمدتها الدليل لكن يبقى أنه من وجه نظر مؤلفيها، يعني هذه الأحكام من وجهة نظر مؤلفيها، يعني بدلًا من أن يقلد أحمد فيتفقه على مذهبه يقلد الشوكاني، أو يقلد صديق حسن خان، يعني ما أبعد، نعم هي أقرب إلى الدليل، وأكثر تحرر من المذاهب، وأقوال الناس، لكن يبقى أن طالب العلم ينبغي أن يكون على جادة، ولا يعني؛ لأن طالب العلم المبتدئ فرضه هو فرض العامي، فرضه التقليد وسؤال أهل العلم، فإما أن يقلد أحمد في بداية الطلب، لا أقول: إن التقليد شيء مرغوب عند طلاب العلم، أو منهج مستقيم لطالب الآخرة أبدًا، لكن في بداية الأمر كونه يتفقه على جادة، وعلى طريقة معينة، ولا ألزمه أن يتفقه على مذهب أحمد، لكن هذا هو السائد في هذه البلاد، وهو الذي جرينا عليه، وجرى عليه شيوخنا، تفقهوا في بداية الطلب على مذهب أحمد، ثم بعد ذلك تحرروا، وعملوا بالدليل، فالسبل السوية نظم رائع جدًّا، يعني سلس من أفضل ما وقفت عليه في نظم الفقه، وفيه –أيضًا- توجيهات.
وأعود إلى نظم ابن عبد القوي في مقدمات الكتب نظم أشبه ما يكون بالوعظ، فمثلًا في بداية كتاب الزكاة مثلًا، أو في بداية كتاب الصيام، أو في الحج، أو في البيوع، أو غيرها من الأبواب تجده يصدر الباب بأبيات تدخل القلب من أول وهلة، وإذا حفظها طالب العلم، ورددها حقيقة مؤثرة جدًّا، فهذه الكتب يعني؛ لأن الناس جاءهم وقت وانصرفوا عن هذه الكتب، وراجت دعاوى في صفوف طلاب العلم تدعو إلى نبذ هذه الكتب، والذي يقول: والله الوقت لا يستوعب، وأنا أريد أن أتفقه من الكتاب والسنة إذا تأهل لذلك نقول: هذا فرضك، تفقه من الكتاب والسنة، لكن في بداية الأمر لا بد من التفقه على مذهب معين.
في متن عند الحنابلة، وهو متن صعب أصعب من الزاد بكثير، وهو متن "مغني ذوي الأفهام" لابن عبد الهادي، كتاب صغير ممكن بحجم الزاد، وفيه الإشارة إلى المذاهب كلها "مغني ذوي الأفهام" بالرموز؛ ولذا لو أخطأ الطابع أو الناسخ في رمز تلخبط القارئ إلا أن يراجع كتب المذاهب، وبدأ مؤلفه في شرحه، فقالوا: إنه شرح العبادات في أربعين مجلدًا، وما كمل الكتاب، هذه الكتب، صحيح أن العمر لا يستوعب، وعناية طالب العلم ينبغي أن تنصرف وهمته إلى الكتاب والسنة، لكن التفقه في بداية الطلب على هذه الطريقة مجدي، ثم إذا أنهى كتابًا بهذه الطريقة ينسى الفقه خلاص يرتاح، وأنتم تلاحظون من يفتي، من يفتي الناس إذا كان له عناية في بداية أمره بكتب الفقه، تجدون الألفاظ قوية، ما فيه كلام زائد، أو إنشاء، أو شيء ما لا داعي له، يعني اسمعوا فتاوى الشيخ ابن حميد مثلًا -رحمه الله-؛ تجدون كأنه يقرأ من كتب أهل العلم، لا يزيد ولا ينقص، وكل مسألة جوابها حاضر، ثم بعد ذلك يزيد عليها الاستدلال ووجه الاستنباط، لكن اسمعوا لبعض الناس اليوم، أنا قرأت في جريدة كلامًا مفرغًا سئل عنه شخص عن مسألة ما، سجلوه وفرغوه، يعني لو تركوه يكتب كان أفضل؛ لأنه وهو يكتب لا بد أن يكون يعتني بالكتابة، لكن لو قيل: هناك جائزة لكلام معمى، يمسح أوله آخره، وآخره أوله لاستحق، كلامًا لا خطام له، ولا زمام، وهو يتحدث عن مسألة، حكم شرعي، واضح الذي له عناية بكتب أهل العلم، والذي ما له عناية، والله المستعان.
ونكرر على الإخوان وطلاب العلم أن المعول أولًا وأخرًا على الدليل؛ ولذلك نوصي طلاب العلم حتى من أراد أن يتفقه على كتاب فقهي مجرد أن يربطه بالدليل، وأن يبحث عن أدلته، يعني في أول مرحلة يتصور المسائل، ويبحث عن أدلة لهذه المسائل؛ ليكون معوله على الدليل، لا يعني هذا أن طالب العلم خلاص هذا الكتاب دستور ما يحيد عنه يمينًا، ولايسارًا، لا، لكنه أشبه ما يكون بخطة البحث، خطة بحث، مسائل يسير عليها؛ لأن بعض الإخوان مع الأسف يفهم خطأ، حينما نقرر مثل هذه المسائل، أنا عانيت من مثل هذه الأمور، فإما أن يسكت الإنسان، ولا يبلغ طلاب العلم ما يفيدهم، أو يصبر على ما يأتيه، بعض الناس يبغي يطلع من هذه الجلسة، أو غيرها من المجالس، يقول: إن فلانًا يقول: أبدًا ما فيه فقه إلا من كتب الفقه، وتعلم على المتون، واتعب في تحصيل المتون، وامض عمرك في تحصيل هذه المتون، تدرون أنه قيل ما قيل، نقل عن بعض أهل العلم، وهو ما قال، أنه يقول: من حفظ الزاد صار حكمًا على العباد، يقول هذه المقالة لعنايته بالزاد، والله المستعان، لا يقول هذا أحد، هذه كتب البشر، إذا كان الزاد على صغر حجمه بقدر الكف فيه أكثر من اثنين وثلاثين مسألة محررة، كلها يخالف فيها المذهب، فما بالك فيما يخالف فيه الدليل؟ لكن الطالب إذا قرأ هذه المسألة التي خالف فيها المذهب، ثم راجع عليها الكتب، واستدل لها عرف وجهة نظر المؤلف، وهل الأرجح المذهب، أو ما سار عليه المؤلف، ثم بعد ذلك إذا نظر في دليل هذه المسألة؛ تحرر له القول الراجح من المرجوح، فأريده بهذه الطريقة أن يجمع بين الفقه والحديث، وقد يقول قائل: لماذا لا يكون العكس؟ يتفقه بهذه الطريقة على البلوغ، ويحفظ البلوغ، ويراجع كلام أهل العلم في أحاديث البلوغ، نقول: له ذلك، لكن كتب الفقه أكثر مسائل من كتب المتون الحديثية المختصرة، أكثر مسائل، وعند العلماء ما ألفوا هذه الكتب إلا بعد أن نظروا في نصوص الكتاب والسنة، وتفقهوا على الكتاب والسنة، أعني الكبار، وجمعوا أقوال من تفقه على الكتاب والسنة، كأحمد، والشافعي، ومالك، وغيرهم، فننتبه لهذا الأمر، ونضع النقاط على الحروف، ونفهم الكلام على وجهه، وسمعتم منا في الدروس وفي غيرها في تقرير المسائل أنا ما نقلد أحدًا، اللهم إلا إذا أعوزنا الدليل، والله المستعان.