كتاب القضاء من سبل السلام (7)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين، أمَّا بعد،

فقال في البلوغ وشرحه، في كتاب القضاء، بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ:

"الدَّعَاوَى جَمْعُ دَعْوَى، وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِن ادَّعَى.."

يجوز الدعاوى والدعاوي، مثل الفتاوى والفتاوي، والصحارى والصحاري.

وبالفعالي والفعالى جُمِعَا

كصحراء..

 "وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِن ادَّعَى شَيْئًا إذَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا، وسواء كان حقًا أَوْ بَاطِلًا، (وَالْبَيِّنَاتُ) جَمْعُ بَيِّنَةٍ، وَهِيَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، سُمِّيَتْ الْحُجَّةُ بَيِّنَةً؛ لِوُضُوحِ الْحَقِّ وَظُهُورِهِ بِهَا."

والدعاوى هذه لابد فيها من مدعٍ ومدعى عليه، المدعي والمدعى عليه، فالمدَّعي من إذا ترك تُرك، والمُدَّعى عليه من إذا ترك لم يُترك. 

"عن ابن عبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 وَلِلْبَيْهَقِيِّ، أَيْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».

 وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ.

وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَحَدٍ فِيمَا يَدَّعِيه لِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَخَلَفُهَا. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، فَيَقْوَى بِهَا ضَعْفُه، وَجَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ ذَاتِهِ، فَاكْتَفَي مِنْهُ بِالْيَمِينِ، وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ."

نعم؛ لأنَّك لا تكلفه شيئًا، يعني البينة الشهود لا شك أنَّ الحجة قوية قد نزايد على حقيقة المُدَّعي، أناس يعضدون قوله. وأمَّا بالنسبة للمُدَّعى فلا يُكلف، المدَّعى عليه إذا لم توجد البينة فإنَّه لا يكلف بينة تنفي الدعوى، وإنَّما يُكلَّف يمينًا ؛ لأنَّ جانبه قوي، وهو الأصل براءة الذمة، لكن إذا نكل المُدَّعى عليه ورفض اليمين، هل تُرد على المدَّعِي أو لا تُرد؟ هل تُرد اليمين على المُدَّعي أو لا تُرد؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .....

نعم، المسألة خلافية، مقتضى الحديث أنَّ الأمر يقف على هذا، لكن إذا نكل، وقيل للمُدَّعي: والله أنا ما عندي بينة، خله يحلف، قيل له: احلف، قال: ما أحلف، الدنيا كلها ما تساوي يمينًا، خلاص تنتهي القضية أو يُحكم عليه؟

من أهل العلم من يرى أنَّ اليمين في مثل هذه الصورة تُرد على المدَّعي، فإذا حلف استحق ما ادَّعاه، ومنهم من يقول: نقف عند هذا الحد، لكن النتيجة إذا وقفنا عند هذا الحد، فالنتيجة يُحكم لمن؟

طالب: .....

نعم؟

طالب: ........

لا، إذا قلنا: على القول الثاني ما فيه رد، مع أنَّ الإمام مالكًا ذكر أنَّه لا يعلم قائلًا برد اليمين على المدَّعي، وقضاة عصره ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، يردون اليمين على المُدَّعي.

 وعلى كل حال القول برد اليمين على المُدَّعي هو الذي يقتضيه النظر، وإلا فإنَّ القضية لا تنتهي، لا تنتهي، هذا ما أحضر بينة، وهذا رفض أن يحلف، وبعد؟ هل نقول: يُلزم باليمين وإلا يدفع؟ من أراد أن يتورع، قال: والله أنا ما أحلف لو ادعى عليَّ ما لا أطيق؟

طالب: ..........

طيب إذا ما جاء بالبينة المطلوبة منه، ما جاء بالبينة، وهذا تورع عن اليمين، وقال: أنا أريد مرجحًا، هو ما عنده بينة، وأنا ما عندي يمين نحتاج إلى مرجح.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

من هو؟

طالب: ..........

المدَّعى عليه رفض، قال: أنا ما عندي، ما أنا بحالف، نقول: ما عليك شيء.

طالب: ..........

الآن أنا أحتاج إلى مرجح، كلهم ما عندهم شيء، نحتاج إلى مرجح، وهذا يرجح قول من يقول برد اليمين على المُدَّعي؛ لئلا يأخذ ما ادَّعاه بدون بينة.

"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

يُفَسِّرُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَتَاعٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَ أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَعْنَى الِاسْتِهَامِ هُنَا الِاقْتِرَاعُ، يُرِيدُ أَنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَأَخَذَ مَا ادَّعَى، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-"

شف اليمين الآن صارت على المُدَّعى، لمَّا خرج سهمه في القرعة طُلِبَ منه اليمين؛ لئلا يأخذ ما ادَّعاه بغير مرجح.

"وروي مثله عن علي بن أبي طالب- عليه السلام- وَهُوَ أَنَّهُ أَتَى بِنَعْلٍ وُجِدَ فِي السُّوقِ يُبَاعُ فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا نَعْلِي لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ، ونزع عَلَى خَمْسَةٍ يَشْهَدُونَ، وَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَعْلُهُ، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ. قَالَ الرَّاوِي: فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إنَّ فِيهِ قَضَاءً وَصُلْحًا، وَسَوْفَ أُبَيِّنُ لَكُمْ ذَلِكَ، أَمَّا صُلْحُهُ أَنْ يُبَاعَ النَّعْلُ فَيُقَسَّمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِهَذَا خَمْسَةٌ وَلِهَذَا اثْنَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا فَالْقَضَاءُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ، وَأَنَّهُ نَعْلُهُ، فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا أَيُّكُمَا يَحْلِفُ فإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَكُمَا عَلَى الْحَلِفِ، فَأَيُّكُمَا قَرَعَ حَلَفَ. انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ.."

يعني هذه الصورة فيما إذا استبقا إلى شيء كل منهما يدَّعيه، وليس بيد واحد منهم، دخل اثنان ووجدا كتابًا على هذه الطاولة، فكل منهما يقول: هذا كتابي، كل منهما يدَّعيه، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، حينئذٍ يُقرع بينهما.

"وعن أبي أمامة الحارثي- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَن اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ الْوَعِيدِ لِمَنْ حَلَفَ لِيَأْخُذَ حَقًّا لِغَيْرِهِ أَوْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ حَقًّا، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الِاقْتِطَاعِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ، وَالتَّعْبِيرُ بِحَقِّ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ شَرْعًا كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ. وَذِكْرُ الْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَخْتَصُّ بِمَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ حَقَّ الْمُسْلِمِ لَا حَقَّ الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَلَهُ عُقُوبَةٌ أُخْرَى، وَإِيجَابُ النَّارِ، وَتَحْرِيمُ الْجَنَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا.."

لا شك أنَّ الذمي الذي يدفع الجزية أو له عهد وميثاق فإنَّ له من الحرمة ما يقتضي حفظ وحقن دمه، ورعاية ماله، وحقوقه، «ومن قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة»، ولا شك أنَّ حقوقهم مرعية خلاف الحربي الذي ليس له حقوق بصدد أن يُقاتل ويُقتل. أمَّا الذمي والمعاهد فماله محترم، ودمه محترم، وجميع ما يُنسب إليه يُحترم.

"وَإِيجَابُ النَّارِ وَتَحْرِيمُ الْجَنَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتُبْ وَيَتَخَلَّصْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي أَخَذَهُ بَاطِلًا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ قَيَّدَهَا الْحَدِيثُ الْآتِي:

وهو قوله: .."

هذه تسمى يمين غموس؛ لأنَّها تغمس صاحبها في النار، وليس لها كفارة، هي أعظم من أن تُكفَّر، كما أنَّ القتل العمد ليس فيه كفارة.

"وهو قوله: (وَعَنْ الْأَشْعَثِ بن قيس) (بِشِينٍ) مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ (فَعَيْنٍ) مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُثَلَّثَةٍ. وأبو محمد بن قيس بن معد كرب الكندي".

وهو أبو محمد.

القارئ: عفا الله عنك.

اسمه الأشعث.

"وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدِ (ابْنِ قَيْسِ) بْنِ مَعْدِ يكرِبَ الْكِنْدِيُّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ كِنْدَةَ وَكَانَ رَئِيسَهُمْ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ وَجِيهًا فِي الْإِسْلَامِ، وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَخَرَجَ لِلْجِهَادِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَشَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ- عليه السلام-".

قلنا مرارًا: إنَّ تخصيص علي- رضي الله عنه وأرضاه- وبنيه دون سائر الصحابة بالصلاة أو بالسلام هذا لا شك أنَّه من عرف بعض أهل البدع، أو يُقال في حقه: رضي الله عنه وأرضاه، كما يُقال في حق أبي بكر وعمر، وغيرهما من الصحابة.

"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَاجِرًا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا أَنَّهُ غَيْرُ مُحِقٍّ، وَإِذَا كَانَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ غَضْبَان حَرَّمَهُ جَنَّتَهُ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ عَذَابَهُ.

وَعَنْ أَبِي مُوسَى- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَعِيرُ أَوْ الدَّابَّةُ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِلْكِ بِالْيَدِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُونَا بِنَفْسِ الدَّعْوَى يَسْتَحِقَّانِهِ لَوْ كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَقِيبَهُ حَدِيثًا فَقَالَ: ادَّعَيَا بَعِيرًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-".

لماذا لم يُقرع بينهما؟ لماذا لم يُقرع بينهما كما في حديث أبي هريرة في البخاري هنا؟ إذا وجد بينة ما الداعي إلى القرعة؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: .........

يعني بينة غير متعادلة، غير متكافئة، قد يكون الإسهام والإقراع فيما لا يُمكن قسمته، والتنصيف كما هنا فيما يُمكن قسمته، ما عليه يُمكن لواحد تعطيه وواحد لا.

طالب: .........

وهذه تُقسم نصفين.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

لمعناه.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

أي تكافأت البينة، تكافأت البينة، ما فيه إشكال.

"وقد روى أبو داود عقيبه حديثًا فقال: "ادَّعَيَا بَعِيرًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ، فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، وَفِي هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ وَاحِدَةً إلَّا أَنَّ الشَّهَادَاتِ لَمَّا تَعَارَضَتْ تَهَاتَرَتْ فَصَارَا.."

يعني تساقطت.

"فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ وَاحِدَةً إلَّا أَنَّ الشَّهَادَاتِ لَمَّا تَعَارَضَتْ تَهَاتَرَتْ، فَصَارَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، وَحَكَمَ بِالشَّيْءِ بَيْنَهُمَا نصفين؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَلَمَّا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى دَعْوَاهُ نُزِعَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشَّيْءِ يَكُونُ فِي يَدِ الرَّجُلِ يَتَدَاعَاهُ اثْنَانِ يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ صَارَ لَهُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهِ قَدِيمًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَدِيدِ: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ".

لاختلاف الأدلة، لاختلاف الأدلة، جاء ما يدل على إقراع، وجاء ما يدل على القسمة بينهما نصفين.

طالب: ..........

أيهم؟

طالب: ...........

ماذا فيه؟

طالب: ...........

قال ابن حجر: إسناده جيد، قال: إسناده جيد، جوَّد إسناده. نعم، لا ينزل عن الحسن.

"وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.

 وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أحكم بِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ.."

لكن الذي هو في يده هل يدَّعيه أو لا يدَّعيه؟

القارئ: الظاهر أنَّه لا.

لا، إذا ادَّعاه قوي جانبه؛ لأنَّه في يده صار أقوى منهما، لكن هو لا يدَّعيه، يقول: هو بيدي، لكن ليس لي، ولا أدري لمن، وإلا لو ادَّعاه من هو بيده لكن أقوى منهما.

"وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:.."

لأنَّهما يكونان مدَّعيان، وهو مُنكر، فيتجه عليه اليمين، ويأخذ ما بيده.

طالب: ..........

ماذا فيه؟

طالب: ...........

لا أقضي به لواحد منهما إن كان في يد غيرهما، لكن هذا إلغاء للأحاديث السابقة.

طالب: ...........

لا، هو ما ادَّعاه، الثالث الذي هو بيده ما ادَّعاه، لو ادَّعاه كان أقوى منهما.

"وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هو لِأَعْدِلهُمَا شُهُودًا، وَأَشْهَرِهِمَا صلاحًا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْخَذُ بِأَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا، وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى حِصَصِ الشُّهُودِ. اهـ. كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ."

مثل ما تقدم خمسة واثنان، يُقسم إلى سبعة أسهم يكون لصاحب الشهود الخمسة منها خمسة أسهم، وللثاني سهمان.

"اهـ كلام الخطابي. وَفِي الْمَنَارِ للمفتي أَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّهَا.."

لا، في المنار. للمقبلي، ماذا عندكم؟

طالب: المنار.

المنار لمن؟

طالب: ..........

 عندك؟

طالب: ........

للمقبلي، معروفة المنار للمقبلي، كتاب مشهور.

القارئ: عفا الله عنك.

أنا ما عندي شيء لا هذا ولا هذا. وفي المنار أنَّ القرعة ليس هذا محلها، وهو للمُقبلي كتاب معروف ومطبوع في مجلدين.

"وفي المنار للمُقبلي: أنَّ القرعة ليس هذا محلها، وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهَا حَيْثُ تَعَذَّرَ التَّقْرِيبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَوْنُ الْمُدَّعِي هُنَا غير مشتركًا".

لا.

القارئ: ........

"وكون المُدَّعَى هنا مشتركًا".

المُدَّعى هنا مشتركًا.

"وكون المُدَّعَى هنا مشتركًا أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ، فَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِهِ بِالْقُرْعَةِ وَاخْتَارَ قِسْمَةَ الْمُدَّعِي وَهُوَ الصَّوَابُ.."

المُدَّعَى.

عفا الله عنك.

"واختار قسمة المُدَّعَى".

يعني نصفين أو ثلاثة على حسب كثرة المُدَّعِين، حيث لا مُرجح.

"وهو الصواب فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، كما هو مذهب الهادوية".

عندك كما هو مذهب الهادوية؟

القارئ: نعم، في بعض النسخ، في أحد النسخ نسختي.

عندكم؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

طبعة واحدة، يكفي.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.