التعليق على تفسير سورة البقرة من تفسير الجلالين (05)

 

...والختم كما تقدم الطبع للاستيثاق.

 

هذا يسأل يقول: {سَوَآءٌ عَلَيهُمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذُرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} هل هذا يعني أن جهود الأقليات المسلمة في الدول الغربية في دعوة أهل تلك البلاد إلى الإسلام لا قيمة لها؟ علمًا أن الإمام الألباني كان دائمًا يصرح بعدم جواز إقامة تلك الأقليات في بلاد الكفار؟

 أما بالنسبة للدعوة فهي مأمور بها، سواء استجابوا أو لم يستجيبوا، الرسول –عليه الصلاة والسلام- لما نزلت هذه الآية جلس في بيته؟ قال خلاص ما هم بمسلمين سأجلس بالبيت. لا هو مأمور بالتبليغ وأمته مأمورة بالدعوة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى اللهَ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ} وفقط؟ {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف:108] الدعوة فرض كفاية على الأمة لابد من القيام بها، النظر إلى الطرف الآخر هل يستجيب أو لا يستجيب مسألة أخرى، وأيضًا ءأنذرتهم أم لم تنذرهم هؤلاء فيمن سبق عليه الكتاب أنه لا يؤمن وما يدرينا أن هذا الشخص المدعو أنه قد سبق عليه الكتاب أنت تدعو «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لكَ من حُمْرِ النِّعَم» ليس معنى هذه الآية أننا نترك الإنذار لأنه سواء علينا ءأنذرناهم.. لا لا ما قال بهذا أحد من أهل العلم.

طالب: ......................

حتى المعاند حتى ما دام يدعى بالتي هي أحسن ويغير له الأسلوب ولعله يراه. عاند كثير منهم في أول الأمر في عصره –عليه الصلاة والسلام- ثم استجابوا، عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ما أسلم إلا بعد سنين وكثير من الصحابة ونفع الله بهم نفعًا عظيمًا «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لكَ من حُمْرِ النِّعَم».

وأما الشق الآخر من السؤال يقول: علمًا أن الإمام الألباني كان دائمًا يصرح بعدم جواز إقامة تلك الأقليات في بلاد الكفار؟

إقامة المسلم في بلاد الكفار حرام والهجرة واجبة وهي باقية إلى قيام الساعة هذا في حق من؟ من يستطيع من يستطيع الهجرة لكن الذي لا يستطيع جاء التصريح في سورة النساء باستثناء المستضعفين فهو مستضعف {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} مِن مَن؟ [سورة النساء:98]

طالب: ......................

من أي شيء يا أبا عبد الله؟

طالب: النساء والولدان.......

 إيه الذي لا يستطيع حيلة هذا يكلف بما لا يطيق يقول لازم تهاجر لابد أن تهاجر؟ هذا مستثنى.

وأما الإقامة في بلاد الكفر هذا مقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز وجاء الدليل عليه.

وَقَــدْ بَــرِئَ الــمَـعْـصُـومِ مِـنْ كـُــلْ مُسْــلِمٍ   يُقِــــــيــــــمُ بِــــدَارَ الــكُـــــفْــــرِ غَـــيـرَ مـُـصَــارِمِ

وأما قولهم أن إظهار الدين مجرد إقامة الشعائر هذا ليس بصحيح لكن قد يقول قائل أنه قد يوجد بعض الناس يقيم الشعائر ويدعو إلى الإسلام ويبين ويبرأ من الكفار ويبين خطرهم وضررهم وما هم عليه من الانحراف مثل هذا ينفع الله به، والشرع جاء بجلب المصالح كما أنه جاء بدرء المفاسد، لكن هناك مفاسد ومخاطر قد لا يحسب لها حساب تعليم أولاد المسلمين في بلاد الكفار في مدارس الكفار خطر عظيم عليهم، بقاء الأطفال والنساء في بلاد الكفر يعاشرن الكفار ويخالطونهن هذا أمر يعني أمر عظيم فعلى الإنسان أن يوازن بين المصالح والمفاسد والسلامة لا يعدلها شيء، عندك شيء يا محمد؟

طالب: أحسن الله إليك ......................

مثل هذا إذا تم اليأس من إيمانه وخشي ضرره، لأن بعض الناس تناقشه فيصير صاحب حجة أنت ميئس من كونه يسلم لكن في أثناء مناقشته يظهر من الحجج ما قد يؤثر على السذج من الناس، فمثل هذا يترك، ومن الناس من يترك لأن لا يرتفع شأنه، لأنك إذا أوليته عناية وأولاه المسلمون عناية من له شأن عند المسلمين مثل هذا بعض الناس يقصد أن يخطئ من أجل أن يرد عليه فيرتفع ذكره مثل هذا إما أن يترك بالكلية ما يرد عليه، أو يكتب رد باسم شخص لا اسم له ولا شأن له عند المسلمين، لأنهم أحيانًا يقصدون من أجل أن يرتفع خالف تذكر من باب خالف تذكر هذا موجود.

طالب: أحسن الله إليكم.

نعم.

طالب: إذا كان..........

إيه هذا هارب؟ هذا مستضعف ما يستطيع حتى الذي لا يستطيع أن يحصل على جنسية على جواز أو على إقامة هذا مستضعف ما الذي يعمل؟ يقاوم دولا؟ نعم؟ لكن قد يقول قائل إنه يستطيع أن يزور، يستطيع يزور يستطيع يرشي نقول المسألة غيرها من الواجبات مع معارضتها للمحرمات على حسب ما يترتب على فعلها وعدمها من المصالح والمفاسد كما هو معروف إذا خشي على نفسه أن يحرف عن دينه في إقامته في بلاد الكفر فليزر فليرش لأن المسألة ليست مسألة معاوضة بين معصية وطاعة، لا المسألة كفر وإسلام.

طالب: ......................

المقصود أن الدعوة باقية وليس معنى هذه الآيات أن ننصرف عن الدعوة ونتركها لا بل علينا أن نستمر بالدعوة اقتداء بنبينا –عليه الصلاة والسلام- الذي وجهت إليه هذه الخطابات.

يقول هل المناظرات التي يقيمها الشيخ أحمد ديدات مع المنصرين وتعرض على عامة الناس هل هذا خطأ؟ نقول كون عامة الناس وسذجهم يطلعون على مثل ههذ الشبه ليس من مصلحتهم لأنه يولّد إشكالات ويولد شبهات ويولد شكوك الشبهة قد لا تعلق في الذهن من أول مرة لكن إذا كررت ورددت وأعيدت وأبديت ثبتت ورسخت ثم تحتاج إلى من يجيب عنها ويجتثها من قلوب الناس لا لا اتركهم بدون شبه، ولذا كثير من النصوص ينبغي أن تحجب عن بعض الفئات. حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- يقول حفظت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعائين أما أحدهما إلى آخره وأما الثاني مثله، معاذ لما أخبره النبي –عليه الصلاة والسلام- بحق الله على العباد وحق البعاد على الله حجبه، إنما أخبر به عند موته تأثمًا، المقصود أن مثل هذه الأمور التي لا مصلحة للعامة فيها ينبغي أن لا يطلعوا عليها.

الختم الطبع للاستيثاق وقال أهل المعاني: وصف الله قلوب الكفار بعشرة أوصاف بالختم الطبع والضيق والمرض والرين والموت والقساوة والانصراف والحميّة والإنكار، قال في الإنكار: {قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [سورة النحل:22] قال في الحمية: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ} [سورة الفتح:26] قال في الإنصراف: {ثُمَّ اْنْصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم} [سورة التوبة:127] قال في القساوة: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِنْ ذِكْرِ اللهِ} [سورة الزمر:22] {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم} [سورة البقرة:74] قال في الموت: {أَوَمَنْ كَانَ مَيتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [سورة الأنعام:122] قال في الرين: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قٌلُوبِهِم} [سورة المطففين:14] قال في المرض: { فِي قُلُوبِهِم مَرضٌ} [سورة المائدة:52] قال في الضيق: {ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سورة الأنعام:125] قال في الطبع: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [سورة المنافقون:3] {بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سورة النساء:155] وقال في الختم: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [سورة البقرة:7] والختم يكون في المحسسوات كختم الكتاب وختم الباب، ويكون أيضًا في المعاني كما هنا فالختم على القلوب المراد به عدم الوعي عن الله -سبحانه وتعالى- مفهوم مخاطباته والفكر في آياته.

والقلوب جمع قلب قال ابن جوزي: هو قطعة من دم مستكن في الفؤاد، وهو بيت النفس ومسكن العقل وسمي قلبًا لتقلبه وقيل لأنه خالص البدن. يقول مستكن في الفؤاد الآن ما الفرق بين القلب والفؤاد؟

طالب: الفؤاد موضع القلب قد يكون الصدر.....................

يأتي أن القلب محل للعقل والفؤاد محل للقلب والصدر محل للفؤاد، يعني منهم من يجعل الكلام بعكس ما قاله ابن الجوزي الفؤاد خلاصة القلب، ومنهم من يجعل القلب والفؤاد مترادفان يقول: هو مستكن في الفؤاد وهو بيت النفس ومسكن العقل وسمي قلبًا لتقلبه وقيل لأنه خالص البدن. يقول االقرطبي: فيه دليل على فضل القلب على جميع الجوارح.

طالب: ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح سائر الجسد..

يعني خطأ كلام القرطبي؟

طالب: يؤيد كلام القرطبي.

يقول فيه دليل على فضل القلب على جميع الجوارح والقلب للإنسان وغيره وخالص كل شيء وأشرفه قلبه فالقلب موضع الفكر وهو في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبًا إذا رددته على بداءته وقلبت الإناء أي رددته على وجهه ثم نقل هذا اللفظ فسمي به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان لسرعة الخواطر إليه ولترددها عليه كما قيل:

مَــــا سُــــمِّـــيَ الـقَــــلْـــبُ إِلَّا مِـــــنْ تَقَـــلّــــُبــِــــهِ    فَــــاحْـــذَرْ عَلَــى الْقَـــلْـبِ مِــــنْ قَـــــــلْبٍ وَتَحْــــــوِيلِ

والجوارح وإن كانت تابعة للقلب وهو رئيسها وملكها إلا أنه قد يتأثر القلب بأعمالها للارتباط الذي بين الظاهر والباطن، وجاء في الحديث : «إنَّ الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه» قال وهو الرَّين الذي ذكره الله تعالى في القرآن في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قٌلُوبِهِم مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [سورة المطففين:14] وقد يعبر عن القلب بالفؤاد يعبر عنه أيضًا بالصدر كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [سورة الفرقان:32] وقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [سورة الشرح:1] يعني قلبك، وقد يعبر به عن العقل يعبر بالقلب عن العقل {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [سورة ق:37] أي عقل لأن القلب محل العقل في قول الأكثرين، والفؤاد محل القلب والصدر محل الفؤاد يقول لأن القلب محل العقل العقل أين مكانه؟ القلب؟ أو الدماغ؟

طالب: ......................

هذا رأي الإمام أحمد أن محله القلب وله اتصال بالدماغ، قول غالب المتشرعة أن محله القلب؛ لأن العقل هو مناط التكليف عندهم عند أهل العلم قاطبة، العقل مناط التكليف، والخطابات الشرعية كلها موجهة إلى القلب، فدل على أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين العقل والقلب، لماذا؟ لأن العقل هو مناط التكليف الذي لا يعقل لا يكلف، والنصوص الشرعية جاءت في مخاطبة القلب، وجاء أيضًا مثل قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا} فإما أن نقول أن القلب هو العقل، أو أن نقول أن القلب ظرف العقل ويحويه، ويطلق عليه من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، الأطباء وغيرهم من المتفلسفة والحكماء يقولون لا محله الدماغ القلب هذا المضغة ما له علاقة بالعقل، والكلام في هذه المسألة طويل ومهما قالوا ومهما عللوا لن يصلوا إلى نتيجة وهذا إما يشكل أمره على من حاول معرفته وهو أيضًا مما حجب مما لا تدركه العقول الروح مثلاً، الروح روح الإنسان التي بين جنبيه والتي هي عنصر حياته سبب بقائه إذا خرجت صار جماد يعرف أين مكانها ويعرف ماهيتها، ما يعرف عنها شيء، فهؤلاء يقولون العقل محله الدماغ لأنه إذا تأثر الدماغ تأثر العقل، إذا تأثر الدماغ بأي اهتزاز يكون لابد أن يتأثر العقل، قد يكون القلب الذي هو المضغة المحسوس من الناحية الطبية من أصح القلوب لكنه من حيث المعنى قد يكون من أفسد القلوب وأردئها قد يكون من ناحية الأمراض المعنوية سليم، لكن المرض الحسي العكس وقد يكون بالعكس قد يكون من حيث المحسوسات من أسلم القلوب ومن حيث المعاني من أمرضها وأفسدها ويقولون لو نقلوا قلب من إنسان إلى آخر تغير تفكيره وإلا ما تغير؟ المقصود أن كل هذه الأمور فوق إدراك البشر ويبقى الخلاف فيها قائم يعني ما يمكن أن يحل إلا أننا إذا نظرنا إلى النصوص وجدنا أننا الارتباط الوثيق بين القلب والعقل بحيث لا يمكن الفكاك بينهما، ولذا قال: {وَلَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا}.

طالب: ......................

أن يكون ماذا؟

طالب: ......................

إيه هو العقل لكن أين محل العقل؟

طالب: ......................

ما فيه؟

طالب: ......................

ما وجه الإشكال؟

طالب: ......................

وماذا عن قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا} المقصود أن المسألة وإن طال الخلاف فيها والنزاع إلا أنها مما يقصر علم البشر عن إدراكه على الحقيقة يعني جاءت النصوص هكذا النصوص الشرعية غالبها موجه إلى القلب {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} القلب السليم تفحص عليه في المستشفى يقول لك ما فيه شيء مرض والا.. ما معنى سليم؟

طالب: ......................

سالم من الشبهات والشهوات وغيرها المضادة لمراد الله -سبحانه وتعالى-، هل مراد به هذه المضغة؟ وكون الشرع يخاطب القلب وينوه بذكره وشأنه يدل على أنه له شأن وله ارتباط وثيق بالعقل الذي هو مناط التكليف.

طالب: ......................

لا هم يبحثون أين مكانه فقط، لأن الأطباء يوردون شبه، النصوص الشرعية تقول كذا والآن أي حادث يحصل فيه ارتجاج يتأثر المخ يتأثر الدماغ يتأثر العقل لكن لو تأثر العقل بشرب مسكر نقول هذا المسكر أثر على الدماغ؟ يعني وصل هذا المسكر إلى الدماغ؟

طالب: ......................

ما آثاره أبخرة وإلا؟

طالب: ......................

هو شرب المسكر نزل على المرئ على المعدة وخرج مع المخرج العادي ما آثاره؟

طالب:  يطلع مع الدم يا شيخ.

يطلع مع الدم إلى الدماغ؟

طالب: هذا كلام الأطباء.

المقصود أن المسألة لن يصلوا إلى نتيجة. النصوص الشرعية شيء وتثبت حقيقة لا جدال فيها وهو أن هناك ارتباط وثيق بين القلب والعقل ولا يمكن الفصل بينهما بحال. كون هذه المضغة التي هي قطعة دم أو لحم أو قطعة دم جامد على ما يقول ابن الجوزي أو قطعة من اللحم هي على كل حال مضغة جاء وصفها في الحديث على أنها مضغة هل هي الحاكم المتصرف في الجسد فعلاً أو أنها محل له قلنا إن النصوص جاءت معتنية بالقلب، وفي حديث: «ألا وإن في الجسد مضغة» مؤشر على أن هذا هو ال.. نعم وعلى كل حال المسألة يقصر عن إدراك البشر وما يورده الأطباء من شبهات لا شك أنهم معتبرون في فنهم لكن العبرة أولا وآخرًا بالنصوص، نكمل يالإخوان؟ اثنين وثلاثين.

"{وَعَلَى سَمْعُهِمْ} أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق" قوله {وَعَلَى سَمْعُهِمْ} المراد بالسمع هنا الأسماع لأنه قال: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ثم بعد ذلك {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} وهنا قال {وَعَلَى سَمْعُهِمْ} جمع في الأولى والثالثة وأفرد في الثانية، ذكر السمع بلفظ التوحيد يعني لفظ المفرد ومعناه الجمع فاكتفى بالواحد عن الجميع، ونظيره قوله تعالى {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا} وفيه وجه آخر وهو أن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر والمصدر يوحد تقول يعجبني حديثكم ويعجبني ضربكم فأما السمع والبصر فهما اسمان لا يجريان مجرى المصادر وقرأ عمرو بن العاص وابن أبي عبلة {وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ} يقول القرطبي: وقد استدل بهذا على فضل السمع على البصر لتقديمه عليه.

طالب: تقدم السمع على البصر في جميع آي القرآن، إلا في آية وحدة.

خلنا نشوف، استدل بها على فضل السمع على البصر لتقدمه عليه قال تعالى:  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُم} [سورة الأنعام:46] قال: {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [سورة النحل:78] والسمع يدرك به من الجهات الست في النور وفي الظلمة ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع، وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع لأن السمع لا يدرك إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها قالوا فلما كانت تعلقاته أكثر يعني البصر كان أفضل، لا شك أن البصر ضرره على أمور الدنيا ظاهر ضرره في أمور الدنيا ظاهر لكن ضرره في أمور الآخرة مثل السمع؟ الأصم الذي لا يسمع لا شك أنه متضرر في أمور الآخرة والآخرة هي الباقية فتفضيل السمع على البصر من باب تفضيل الآخرة على الدنيا والواقع شاهد بذلك الأصم وإن كان يرى يعني وجوده في الغالب  لا أثر له في كثير من المجالات، وإن كان العلم الحديث قد أوجد لهم ما يناسبهم من الأعمال واصطلح على ما ينفعهم من إشارات لكن يبقى أن السمع نقص عظيم في الإنسان هو ليس كفقد العقل لكن فقد البصر أسهل منه وأهون حتى قال بعضهم بعض المفسرين يذكر أن في الأنبياء من هو أعمى ولا يوجد فيهم من هو أصم ذكروا عن شعيب أنه كان أعمى وهو قول على كل حال ما حرر هل هو الصحيح أو ليس بصحيح؟ والأعمى في الغالب أن يكون لديه إحساس مرهف دقيق يميز به ويعوضه الله -سبحانه وتعالى- عن ما فقده وجاء فيمن فقد حبيتيه وأحتسب أن له الجنة، المقصود أن البصر ضرره في أمور الدنيا ظاهر لكن في ضرره في أمر الآخرة الواقع يشهد بخلافه قد يكون أنفع في بعض الحالات للإنسان من البصر وإن كان البصر نعمة ولا يتمنى الإنسان زوالها لكن إذا حصلت إذا حصل الزوال يرضى ويسلم ويجزم بأنه خير له في دنياه وآخراه، كم برز من العميان؟ أئمة كبار في جميع العلوم والفنون عميان؟ قتادة أكمه ولد أكمه من يساوي قتادة بغيره ممن أصيبوا بالصمم؟ نعم غيره وغيره في العلوم الأخرى نوابغ، كم واحد مبصر يمر بالشجرة تشيل عينه وإلا تشيل شماغه وهو مبصر، المعري مر بشجرة بعد سنين طويلة فطأطأ رأسه قيل له لماذا؟ قال فيه شجرة قالوا ما فيه شيء قال إن ما لقيتموه الجذع فحفروا فوجدوا الجذع. هذا ذكره الصفدي وغيره في ترجمته، غيره من العميان وللصفدي كتاب في الموضوع اسمه "نكت الهميان في نكت العميان" مطبوع في مجلد، والواقع واقعنا يشهد بذلك أئمتنا ورؤوسنا كلهم فاقدوا البصر. وعلى كل البصر نعمة من نعم الله وعلى الإنسان أن يشكر الله على هذه النعمة وأن يستفيد منها فيما خلقت له لكن كثير من الناس لا يستفيد منها فيما خلقت له بل يصرفها فيما لا يرضي الله غالبًا.

أكثر المتكلمين قالوا بتفضيل البصر على السمع لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها قالوا فلما كانت تعلقاته أكثر كان أفضل وأجازوا الإدراك بالبصبر من جميع الجهات الست، يعني ثبت في الصحيح وغيره أن الرسول –عليه الصلاة والسلام- كان يرى من خلفه وهل هذا خاص في حالة الصلاة أو في جميع أحواله مسألة خلافية بين أهل العلم لكنه ثابت أنه كان يرى من خلفه مثل ما يرى من أمامه، لكن قولهم أجازوا الإدراك بالبصر من جميع الجهات الست كيف؟ البصر وسيلة للإبصار وسبب له هو على مذهب من يلغي الأسباب وتأثير الأسباب كالأشعرية لا إشكال، يكون سببا والسبب لا أثر له ولذلك يجوزون أن يرى الأعمى وهو في الصين البقة صغار البعوض وهي في الأندلس، أجازوا ذلك في كتبهم. على كل، هذا قول لا يستحق أن يتعرض له لكن قيل، ومعنى الختم على السمع عدم فهم القرآن إذا تُلي عليهم.

"{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَٰوَةٌ} غطاء فلا يبصرون الحق" الأبصار جمع بصر والغشاوة الغطاء قال الفرّاء: قريش وعامة العرب يكسرون الغين غِشاوة وعُكل يضمونها وبعض العرب يفتحها وفي حاشية الجمل خص الله هذه الأعضاء بالذكر القلوب السمع والأبصار لأنها طُرق العلم فالقلب محل العلم وطريقه إما السماع وإما الرؤية يقول الشنقيطي -رحمه الله تعالى- قوله: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعُهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَٰوَةٌ} يقول: الواو في قوله: {وَعَلَى سَمْعُهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} محتملة أن تكون عاطفة وأن تكون استئنافية ولم يبين ذلك هنا ولكن بين في موضع آخر أن قوله: {وَعَلَى سَمْعُهِمْ} معطوفٌ على قوله: {عَلَى قُلُوبِهِمْ} {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو {غِشَٰوَةٌ} يكون المراد: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعُهِمْ} قف ثم بعد ذلك تستأنف {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَٰوَةٌ} فيكون الختم على القلوب وعلى السمع والذي على الأبصار الغشاوة، يقول وعلى أبصارهم استئناف والجر والمجرور خبر المبتدأ الذي هو {غِشَٰوَةٌ} وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتماده على الجار والمجرور قبلها ولذا يجب تقديم هذا الخبر لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالابتداء كما قال.. يقول كما عقده في الخلاصة بقوله يعني ألفية الإمام مالك.. الإمام مالك في الألفية:

وَنَحْــوِي عـِــنْـــدِي دِرْهَــمٌ وَلِـي وَطـرْ          مـُــلْــــتَـــــزَمٌ فِـــــيـــهِ تــَـــقَـــدُّمُ الخَـــبَـــرْ

يقول: فتحصّل أن الختم على القلوب والأسماع وأن الغشاوة على الأبصار، وذلك في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اْتَّخَذَإِلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَٰوَةً} [ سورة الجاثية:23] فإن قيل: قد يكون الطبع على الأبصار أيضًا كما في قوله تعالى في سورة االنحل: {أُوْلَٰٓئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة يقول فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية والعلم عند الله تعالى.

"{وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ} قويٌ دائم" ولهم أي للكافرين المذكورين عذاب العذاب إيصال الألم إلى حي هوانًا وذلاً مثل الضرب البسوط والحرق بالنار والقطع بالحديد إلى غير ذلك مما يؤلم الإنسان، هوانًا وذلاً إيصال الألم إلى حي هوانًا وذلاً يعني إذا كان إيصال هذا الألم إلى الحيوان شفقة عليه يكون عذابا؟

طالب: ......................

نعم، ضرب الرجل لولده تعليم المعلم ضرب المعلم تلميذه، هذا ليس بعذاب.

طالب: ......................

يعني قوله تعالى: {اخْسَئُواْ فِيهَا} [سورة المؤمنون:108] نعم لا شك أن هذا عذاب، وفي التنزيل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤِمِنِينَ} [سورة النور:2] وهم مشتق من الحبس والمنع يقال في اللغة اعذبه عن كذا أي احبسه وامنعه ومن ذلك. قول علي –رضي الله عنه- : "اعذبوا نسائكم عن الخروج" أي احبسوهن، فسمي العذاب عذابًا لأن صاحبه يحبس ويمنع جميع ما يلائم الجسد من الخير ويهال عليه أضدادها، والعظيم ضد الحقير وأصله أن توصف به الأجرام يعني المحسوسات وقد توصف به المعاني كما هنا، وفي زاد المسير العذاب الأليم المؤلم المستمر وماء عذب إذا استمر في الحلق عذبًا، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.