شرح المحرر - كتاب الصيام - 04
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله-:
باب في الأيام المنهي عن صيامها عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النحر. متفق عليه.
وعن نبيشة الهذلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»، رواه مسلم، وروى البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-، وعن سالم عن ابن عمر قالا: لم يرخص في أيام التشريق، لم يرخَّص في أيام التشريق أن يصَمن إلا لمن لم يجد الهدي.
وعن ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»، رواه مسلم، وصحح أبو زرعة وأبو حاتم إرساله. وعن صلة بن زفر.."
زُفَر زُفَر..
أحسن الله إليك.
"وعن صلة بن زُفَر قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأتي بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي شُك فيه فقد عصى أبا القاسم، رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، واللفظ له، وصححه، وقد أعل.
وعن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه، وقال أحمد: هو حديث منكر، وقال: ابن مهدي لا يحدث به، قال: والعلاء ثقة.."
وكان ابن مهدي لا يحدث به.
"وكان ابن مهدي لا يحدث به، قال: والعلاء ثقة لا ينكَر من حديثه إلا هذا.
وعن عبد الله بن بُسَر.."
بُسْر..
"وعن عبد الله بن بُسْر عن أخته الصماء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه»، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي والترمذي، وحسنه، والحاكم وصححه، وزعم أبو داود أنه منسوخ، وقال مالك: هو كذب، وفي ذلك نظر، والله أعلم."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى- من الصوم الواجب والصوم المندوب، أعقب ذلك بذكر الأيام التي نهي عن صيامها كالعيدين والتشريق والجمعة والسبت بالإفراد..
طالب: ..........
أقول: لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى- من بيان الصيام الواجب والمندوب، أعقب ذلك- رحمة الله عليه- بذكر الأيام التي نهي عن الصيام فيها كالعيدين وأيام التشريق وإفراد الجمعة وإفراد السبت والنصف الثاني من شعبان.
وسيأتي الكلام في هذا تفصيلاً، إن شاء الله تعالى.
والنهي أعم من أن يكون للتحريم كصوم يومي العيدين والتشريق، أو للكراهة كما يقوله بعضهم في الجمعة والسبت والنصف الثاني من شعبان، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
قال -رحمه الله- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين، نهى عن صيام يومين؛ يوم الفطر ويوم النحر.
هذان العيدان هما عيدا المسلمين، ولا ثالث لهما، فأي عيد يستحدث أو يُبتدَع غير هذين فهو بدعة منكرة، ليست من هديه، ولا من فعله -عليه الصلاة والسلام-، هذان العيدان أيام فرح وسرور، والصيام فيهما يقتضي مناقضة الحكمة، وأن فيهما فسحة للمسلمين في إظهار الفرح والسرور بعد انقضاء عبادتين من أهم العبادات، عيد الفطر يكون عقب ركن الصيام في رمضان، وعيد الأضحى يوم النحر يكون بعد الوقوف بعرفة الذي هو الحج، كما قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: «الحج عرفة»، فينبغي أن يكون هناك يوم يُشكَر فيه الله -جل وعلا- على إتمام النعمة بالعبادة عبادة الصيام كما في عيد الفطر وبعبادة الحج الأكبر كما في يوم عرفة.
نهى عن صيام يومين، النهي هنا للتحريم بالإجماع، فلا يجوز، بل يحرم صيام يوم الفطر ويوم النحر، ولا يصح لو وقع، ولا يجزئ لو حصل لا عن قضاء ولا عن نذر، ولا يجب الوفاء به إذا نذر، لا يجب الوفاء إذا نذر الإنسان أن يصوم يوم العيد؛ لأنه نذر معصية، «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»، وإن قال بعض أهل العلم أنه إذا نذر صوم يوم العيد أنه يصوم يومًا مكانه؛ لأن الوقت ليس بمحل للعبادة، والصيام طاعة يلزمه الوفاء، لكن لما لم يتمكن من الوفاء في وقته ينقل إلى غيره، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الأصل أنه نذر معصية، الصيام في غير وقته معصية، على غير ما شرعه الله- جل وعلا-، فهذا النهي عنه عائد إلى ذات المنهي عنه، وهو صيام ذلك اليوم، والنهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه فإنه يبطل مع التحريم، كما لو سجد لغير الله -جل وعلا-، النهي عاد إلى ذات السجود، فهو باطل مع التحريم، وكذلك إذا عاد النهي إلى شرط للشرط أو الركن أو الجزء المؤثِّر، فإن العبادة أو العقد يكون باطلاً مع التحريم.
أما إذا عاد النهي إلى أمر خارج فهذا لا يؤثِّر، يعني الإثم باقٍ والعبادة أو العقد صحيحان، نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النحر هذا محل إجماع بين أهل العلم أنه لا يصح الصيام في هذين اليومين، وعن نبيشة الهذلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»، أيام التشريق الثلاثة الأيام بعد عيد النحر.
ومن أهل العلم من يقول: هما يومان، والصواب أنها ثلاثة {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [سورة البقرة:203]، هي أيام التشريق {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة:203] يعني ثلاثة، فهي ثلاثة، من ترك الثالث بالنسبة للحج وتعجل في يومين فلا إثم عليه، شريطة أن يكون متقيًا لله -جل وعلا- في حجه، ومن تأخر لليوم الثالث كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا إثم عليه، يرتفع عنه الإثم، شريطة أن يكون متقيًا لله -جل وعلا-، فهي ثلاثة أيام.
أيام التشريق قيل لها: أيام التشريق؛ لأن الناس إذا نحروا هديهم أو أضاحيهم فإنهم يشرقونها، بمعنى أنهم يقطعونها ويجعلونها في المشراق، يعني في الشمس؛ لتجف، وهو ما يعرف بالقديد «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»، والصيام ينافيها، ينافي ما ذكر.
فإذا صام، لم تكن هذه الأيام أيام أكل وشرب، نعم قد يكون الذكر موجودًا، لكن لا تتحقق منها، لا يتحقق فيها الوصف، وصفها بأنها أيام أكل وشرب، وإلا فالصائم قد يذكر الله، رواه مسلم.
وروى البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة، وعن سالم عن ابن عمر قالا: لم يرخَّص أو لم يرخِّص- يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- في أيام التشريق أن يصمن، يعني لا يجوز لأحد أن يصوم في أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي، هدي التمتع، المتمتع يلزمه هدي، القارن يلزمه هدي كالمتمتع، وهو متمتع بالمعنى الأعم، فما استيسر من الهدي {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [سورة البقرة:196] هذا لم يجد وكان قبل الوقوف وقبل العيد يرجو أن يجد، يرجو، ما صام اليوم السادس والسابع والثامن، التي هي أولى بالصيام، ما صام، يرجو أن يقدم أحد من أهله وذويه، ويكون معه قيمة الهدي، أيس يوم العيد من أن يجد الهدي، صام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن كون الثلاثة الأيام في الحج لا يتحقق إلا إذا صامها قبل يوم عرفة أو بعد يوم النحر.
إذا صامها قبل ذلك أو بعد ذلك لا يتحقق أنها في الحج، لا يتحقق أنها في الحج إلا إذا قدم محرمًا قبل السادس أو الخامس أو الرابع ثم صامها يكون صامها في الحج، أما إذا فات ما قبل يوم عرفة، إذا فات فإنه لا يتحقق صيامها في الحج إلا إذا صيمت في أيام التشريق، لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وعلى هذا فصيام أيام التشريق حرام.
قال: وعن ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي» فليلة الجمعة كغيرها من الليالي، يشرع فيها الإكثار من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما ما عداها من أنواع العبادات فلا، فهي كغيرها من سائر الليالي، ولذا من يحيي أول ليلة جمعة من رجب بما يسمى صلاة الرغائب مخالف لهذا الحديث، مخالف لهذا الحديث، فصلاة الرغائب مبتدَعة، وحكم جمع من الحفاظ بوضع ما جاء فيها، بوضع ما جاء فيها، فهي صلاة مبتدَعة.
«لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» لا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، يوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس؛ فيه خلق آدم، وفيه أخرج من الجنة، وفيه تقوم الساعة، خير يوم طلعت فيها الشمس، وهو عيدنا أهل الإسلام، لكن لا يعبد، أو لا يتعبد لله -جل وعلا- إلا بما شرع، فلا تختص ليلة الجمعة من بين سائر الليالي بقيام، كما أنه لا يختص يوم الجمعة من بين سائر الأيام بصيام.
بعض الناس اعتاد أن يجلس عصر الجمعة في المسجد، أن يجلس عصر الجمعة من بين الأيام كلها في المسجد، الآن النهي عن القيام في الليل، والصيام في النهار، طيب ماذا عن المكث في المسجد في أول النهار، من جاء في الساعة الأولى، في الثانية، في الثالثة، فهذا له أصل ومرغَّب فيه كمن قدم بدنة، إذا جاء في الساعة الأولى فالمجيء إلى الجمعة، والمكث في المسجد إلى انقضاء الصلاة هذا مشروع أم غير مشروع؟ مشروع طيب.
ماذا عن المكث في آخر النهار؟ لأن بعض الناس يجلس من بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب هل هو مشروع أم غير مشروع؟ الوارد في الحديث النهي عن الصيام، وأنه لا يخص يوم الجمعة بصيام، لكن ماذا عمن ينتظر ساعة الاستجابة، ويدعو الله في عصر الجمعة في المسجد منتظرًا الصلاة، وهو في صلاة مادام في صلاة، وفي الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي إلا أجاب الله له، هذه ساعة الاستجابة في قول أكثر أهل العلم آخر ساعة من يوم الجمعة، والساعة قد تكون معادلة للساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة أو أكثر أو أقل، كما في حديث ساعات التبكير، هذه الساعة من بين صلاة العصر إلى صلاة المغرب، هو ينتظر الصلاة، فهو في صلاة، وهو يتحرى هذه الساعة، فلا يوجد ما يمنع من المكث في المسجد عصر الجمعة انتظارًا لصلاة المغرب؛ ليكون في صلاة، ويتحرى هذه الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، ولا يتحقق ذلك في أي مكان.
قد يقول: أنا أنتظر الصلاة وأنا في دكاني، أنا أنتظر الصلاة وأنا في.. أنت ما تنتظر الصلاة، الذي ينتظر الصلاة من جلس في المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، كما جاءت الأحاديث المبيِّنة لذلك، وأن الإنسان في صلاة مادام في مصلاه، والملائكة تستغفر له وتصلي عليه مادام في مصلاه، فهو في مصلاه بعد صلاة العصر، وهو في صلاة؛ لأنه ينتظر صلاة المغرب.
وجاء في المكث بعد صلاة العصر ما جاء في المكث بعد صلاة الصبح من أنها تعدل حجة أو عمرة، لكنه ضعيف، وما جاء في صلاة الصبح أقوى مع أنه متكلَّم فيه من قِبَل أهل العلم. على كل حال قد يقول بعض طلاب العلم: الذي يشق عليه المكث في المسجد أو من باب الاحتياط أو من باب التحري أن الجلوس بعد صلاة العصر يوم الجمعة لم يرد عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أو ما أدري إيش؟
المقصود أنه مازال في مصلاه هو مرغَّب فيه، ينتظر الصلاة، هو في صلاة يدعو الله -جل وعلا-، يتعرَّض لنفحاته في هذه الساعة التي يجاب فيها الدعاء، فلا أرى مانعًا من ذلك إن شاء الله تعالى.
«إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» طيب شخص يصوم صيام داود، يصوم صيام داود، هذا الأسبوع صام الخميس، أفطر الجمعة صام السبت، أفطر الأحد «أفضل الصيام صيام داود يصوم يومًا ويفطر يومًا» في هذا الأسبوع وقع في إفراد السبت، في الأسبوع الذي يليه يصوم الأربعاء ويفطر الخميس، يصوم الجمعة ويفطر السبت، أفرد الجمعة بالصيام، لكنه معتاد أن يصوم صوم داود، مطرد عنده هذا يكون يخصه في الحديث؟
إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، كثير من الناس يتحرج، يتمنى أن يصوم صوم داود، لكن يقول: تمر عليَّ الجمعة ولا أستطيع أن أصوم يومًا قبلها ويومًا بعدها لأقع؛ لئلا أدرك ما جاء الحث عليه من صوم داود؛ لأنه يصوم يومًا ويفطر يومًا، بعضهم يقول: لتخرج من هذه المخالفة صم الخميس والجمعة وأفطر السبت والأحد، فكأنك صمت يومًا وأفطرت يومًا، جمعت بين يومين، فكأنك صمت وأفطرت، لكن المخرج من هذا المحظور هو إفراد الجمعة في قوله: إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، ومثل هذا ما سيأتي في السبت إذا كان يصوم كما تقدم في تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا أن يكون صوم يصومه الإنسان فليصمه، وإن جاء النهي عنه، رواه مسلم، وصحح أبو زرعة وأبو حاتم إرسال،ه ومادام الحديث في صحيح مسلم فلا كلام لأحد.
"قال: وعن صلة بن زفر قال كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال: كلوا،" يعني مشوية، فكلوا يعني هذا شيء نادر بالنسبة لحالهم وعيشهم فقال: كلوا، "فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي شك فيه أو يشك فيه فقد عصى أبا القاسم- صلى الله عليه وسلم-"، اليوم الذي يشك فيه هو آخر يوم من شعبان لم ير الهلال؛ لوجود حائل من غيم أو قتر أو سحاب هذا يوم شك يحرم صيامه؛ لأنه في الحديث: فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وتقدم لنا أن من مفردات المذهب، وهي من المسائل الضعيفة في مذهب أحمد أنه إذا حال دونه، دون الهلال غيم أو قتر قال: فظاهر المذهب يجب صومه، وهذا رأي ابن عمر، وهو قول مرجوح مخالف لهذا الحديث، مخالف لهذا الحديث، ومخالف لحديث: «لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين»، رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي واللفظ له وصححه، وقد أعل، لكن المرجَّح أنه صحيح وإن لم يكن صحيحًا لذاته، ولكنه تثبت به الحجة بطرقه وشواهده؛ لأن العلة التي ذكرت فيه لا تقدح.
قال -رحمه الله-: "وعن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا، إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه"، تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث وأنه معارَض بمفهوم قوله: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين»، ومفهومه أن تقدم رمضان بأكثر من يومين مفهوم الحديث أنه لا شيء فيه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه أنه كان يصوم أكثر شعبان، وإذا كان يصوم أكثر الشهر لزم منه أن يصوم بعد انتصافه، ولذا قال أحمد: هو حديث منكر، وكان ابن مهدي لا يحدث به، قال: والعلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا.
النكارة فيه منهم من أحال الكلام في الحديث على العلاء، والعلاء مخرَّج له في صحيح مسلم بكثرة، فلا كلام فيه؛ لأنه ثقة، لكن هل هو ممن يحتمل تفرده أو لا يحتمل؟ يحتمل تفرده، والحديث لا مانع من تصحيحه، وكونه معارَض بما ذُكر من كونه -عليه الصلاة والسلام- يصوم أكثر شعبان وقال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين»، هذا محمول على من ابتدأ الصيام بعد منتصف شعبان، أما من صام من أول الشهر، وصام من.. كأن يصوم الإثنين مثلاً، الإثنين هو اليوم الأول، ثم الإثنين الثاني هو الثامن، والإثنين الثالث هو الخامس عشر، والإثنين الرابع هو الثاني والعشرون، هو اعتاد أن يصوم الإثنين، وصام من أول الشهر ما ابتدأ الصيام من منتصفه هذا لا بأس به، ولا مانع منه، والأدلة تدل على هذا، والحديث محمول على من ابتدأ الصيام من منتصف شعبان، هذا على القول بثبوته وصحته.
وعلى كل حال لا مانع من تصحيحه؛ لأن ما ذكر من معارضته للأحاديث الأخرى يمكن الإجابة عنه.
قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عنبة» قشر لحاء الشجر، قشره، ولحاء كل شيء قشره، «إلا لحاء عنب أو عود شجر أو شجرة فليمضغها»."
ليفطر، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي والترمذي، وحسنه، والحاكم، وصححه، وزعم أبو داود أنه منسوخ، وقال مالك: هو كذب، وفي ذلك نظر، يعني في الحكم عليه بأنه كذب فيه نظر.
أولاً: الحديث قالوا باضطراب سنده، فمرة يرويه عبد الله بن بسر عن أخته الصماء كما هنا، ومرة يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسقطًا أخته، ومرة يرويه عن أبيه قالوا: هذا اضطراب، لكن هل هذا اضطراب مؤثِّر أو غير مؤثِّر، كونه يُتردَّد في راويه في صحابيه هل هو عبد الله بن بسر أو أخته الصماء أو أبوه بسر، هذا لا يؤثِّر؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة؛ لأنهم كلهم صحابة، «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب» هل يحتاج من أراد الفطر أن يصنع مثل هذا؟ أو أنه بمجرد النية يخرج من الصيام؟
بمجرد النية يخرج من الصيام، بمجرد.. من نوى الإفطار أفطر، فقوله: فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجر فليمضغها، هذا كناية عن المبادرة بمخالفة ما كان عليه؛ لأنه في أول الأمر ممسك عن الطعام، وبمجرد النية لا تتضح المخالفة لما كان عليه بمجرد نية الخروج وإن كان يخرج من الصيام بالنية، لكن مبادرة في الامتثال، ولتمامه أن يمضغ شيئًا؛ ليخرج من الصيام بيقين، ليخرج من الصيام بيقين، كما جاء الحث على أكل تمرات قبل عيد الفطر، هو مفطِر يوم عيد الفطر مفطر، ولا نوى الصيام، ولا نوى الإمساك، لكن مع ذلك؛ ليخرج ذلك من عالم الغيب إلى عالم الشهود، يأكل تمرات؛ ليخالف ما كان في أمسه في يومه هذا الذي لا يجوز الصيام فيه.
نعم النية كافية، وهو ما نوى الصيام أصلاً، ونوى الفطر يكفيه هذا، لكن لتتم المخالفة بين حاليه في الأمس واليوم يأكل تمرات وترًا، وهنا للتم المخالفة بين إمساكه بنية الصيام يوم السبت، وبين نيته الفطر يكون مثل أكل التمرات، يمضغ ما تيسر ولو لحاء عنب أو عود شجر، بعضهم يقول: إن هذا كله لا يحتاج إليه، وإنما قلنا: إن هذا لتتم مخالفة الحال عنده قبل وبعد.
رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، إفراد الجمعة بالصيام جاء النهي عن تخصيص الجمعة، وفي حديث أم المؤمنين جويرية رآها النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الجمعة صائمة فقال: «صمت بالأمس؟» قالت: لا، قال: «تصومين غدًا؟» قالت: لا، قال: «فأفطري» أمرها بالإفطار، وعلى هذا لا يجوز، بل يحرم إفراد الجمعة بالصيام، كما يحرم إفراد السبت بالصيام، وهذا مقتضى النهي، هذا مقتضى النهي «لا تصوموا يوم الجمعة» هذا؛ لأنه عيد المسلمين، إذًا لا تصوموا يوم السبت هذا عيد اليهود، العلة في النهي عن صوم يوم الجمعة ظاهرة في كونها عيدًا، فهي مشبهة بعيد الفطر والأضحى، طيب النهي عن إفراد يوم السبت، ويبقى أن النهي عن الصيام يوم الجمعة ليس بمستوى النهي عن صوم يوم العيدين؛ لأن فيه استثناءً، والاستثناء مضعِف، وأما في العيدين فلا استثناء.
هنا يوم السبت عيد اليهود، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب موافقتهم؛ لأنه يطمع في إسلامهم، فهو يتألفهم، فهو يتألفهم بذلك، يوافقهم من باب التأليف، لما أيس منهم- عليه الصلاة والسلام- جاء ما يدل على أنه صام السبت والأحد، على كل حال ما جاء في صيامه السبت والأحد فيه كلام لأهل العلم؛ لأنه مضعَّف، لكن يبقى أن النهي كان في أول الأمر؛ لموافقة أهل الكتاب؛ تأليفًا، ثم بعد ذلك لما أيس منهم أمر بمخالفتهم، فنحن نصوم في يوم عيدهم، ويبقى أن النهي محكَم عند جمع من أهل العلم؛ لأنه لم يثبت نسخه، أبو داود أشار إلى أنه منسوخ، أبو داود أشار إلى أنه منسوخ، لكن لم يثبت ناسخ إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام بعد، صام بعد ذلك، ولكن هذا لا يثبته أهل الحديث، فيبقى النهي لا يقصد الإنسان صيام السبت إلا يومًا كان يصومه، أو كان يصوم صيام داود فوافق أنه أفطر الجمعة ثم صام السبت؛ لأن هذا بعيد كل البعد عن الموافقة والمخالفة، هذا بغض النظر عن كون اليهود يعظمون هذا اليوم أو لا يعظمونه إن وافق صومًا يصومه يصومه إن وافق أنه ليس بوقت صيام فالأولى أن يُجتَنَب.
طالب: ..........
لو وافق عاشوراء نعم يصومه، يصومه، لكن لا يتم صيام يوم عاشوراء إلا إذا صام يومًا قبله أو بعده؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم عاشوراء فقط من باب الموافقة لأهل الكتاب؛ تأليفًا لهم، ثم بعد ذلك لما أيس منهم قال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وقال: «صوموا يومًا قبله أو يومًا بعد».
أبو داود زعم يقول المؤلف: زعم أبو داود أنه منسوخ، وعمدته في ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام السبت صام السبت مخالفة لليهود، نعم كان يحب موافقتهم تأليفًا، لكن لما أيس منهم خالفهم، كما في فرق الشعر، كما في فرق الشعر، قال مالك: هو كذب، هو كذب، لعله نظر إلى المعنى، وأنه لا يوجد مبرر عن النهي عن صيام السبت إلا لأنه عيد اليهود، وقد أمرنا بمخالفتهم، فهذا مخالِف ما جاء في هذا الحديث مخالِف لما عُرِف من وجوب مخالفة الكفار، قال: وفي ذلك نظر، والله أعلم.
"قال -رحمه الله-:
باب الاعتكاف عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، متفق عليه. وعنها- رضي الله عنها- قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكَفه، الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا، رواه البخاري. وعنها -رضي الله عنها- أنها قالت: السنة على المعتكِف ألا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع، رواه أبو داود، وقال غير عبد الرحمن بن إسحاق.."
غيرُ.
"وقال غيرُ عبد الرحمن بن إسحاق: لا يقول فيه قالت السنة جعله قولُ عائشة.."
قولَ.
"جعله قولَ عائشة، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» رواه الدارقطني والحاكم والصحيح أنه موقوف، ورفعه وهم، والله أعلم."
يقول -رحمه الله تعالى-: باب الاعتكاف، الاعتكاف هو طول المكث، طول المكث والملازمة فهو المكث وملازمة المسجد؛ لعبادة الله -جل وعلا-، الإنسان بحاجة أن يخلو بنفسه، متعبدًا لربه، متعاهدًا قلبه؛ لأن الإنسان مع طول الخُلْطة مع الناس، وفضول الخلطة التي تجر إلى فضول الكلام، وفضول ما لا يحتاج إليه من مرئي ومسموع وغير ذلك يتشتت قلبه، ويتوزع همه، فهو بحاجة إلى أن يتعاهد هذا القلب في مُدَد كافية؛ ليجتمع عليه هذا القلب، ويتخلص من هذا الفضول التي هي من أعظم ما يشتت القلوب، ويوزع الهموم والاهتمامات، فضول الخلطة، فضول النظر، فضول الكلام، فضول النوم، فضول الأكل، كل هذه منافذ مضعفة للقلب، فيحتاج الإنسان أن يقضي عليها، ويسد هذه المنافذ، يقضي عليها، ويسدها والطرق المؤدية إليها.
فهو بحاجة إلى أن يخلو بنفسه في مكان يستشعر فيه أنه محل عبادة، ولذا لا يكفي في الاعتكاف أن يعتكف في بيته أو في مكتبته أو ما أشبه ذلك، بل لا بد أن يكون في محل عبادة؛ لأنه بهذا المحل يستشعر أنه انقطع عن الناس؛ لعبادة الله -جل وعلا-، فلا يصح الاعتكاف إلا في المسجد، لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد، ومنهم من خصه بالمساجد الثلاثة، لكن عامة أهل العلم على أن الاعتكاف يكون في المساجد دون غيرها.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، يعني إذا مضت العشر الأولى والثانية اعتكف في العشر الأواسط، ثم أري ليلة القدر، وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، فرجع إلى معتكفه، فرجع إلى معتكفه، وحصل له ذلك صبيحة إحدى وعشرين أنه حصل نزل المطر، ووكف المسجد، ورئي أثر الماء والطين في جبهته -عليه الصلاة والسلام-، وهذه رؤيا حق، ثم بعد ذلك تتابعت الرؤى، وترجح أن ليلة القدر في العشر الأواخر، فاعتكف في العشر الأواخر -عليه الصلاة والسلام- من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، والاعتكاف مازال ديدنًا للصالحين من هذه الأمة من عصره -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، فدل على أنه محكَم، وليس خاصًّا به -عليه الصلاة والسلام-، وأن حكمه باقٍ إلى قيام الساعة.
لكن لا يُطلَق على المكث في المسجد، المكث اليسير اعتكافًا، وإن رأى بعض أهل العلم أن كل من دخل المسجد، كل من دخل المسجد ينوي الاعتكاف؛ ليحصل له أجره، هذا ليس باعتكاف، هذا ليس باعتكاف، في بعض المساجد في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت مع باب أبي بكر على العمود مكتوب: نويت سنة الاعتكاف، من هذا المنطلق يعني كل داخل للمسجد ينوي سنة الاعتكاف، ولو كان مكثه للصلاة فقط، هذا لا يتحقق به الاعتكاف، هذا لا يتحقق به الاعتكاف، وإلا فالمسلم معتكف طول عمره؛ لأنه يعتكف في كل يوم خمس مرات، هذا لم يقل به أحد من أهل العلم.
الاعتكاف المكث الطويل الذي يصح أن يسمى لبثًا في المسجد ومكثًا، حتى إن بعضهم يشترط فيه الصيام.
على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف حتى توفاه الله، واعتكف أزواجه من بعده، مما يدل على أن الاعتكاف ليس من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، ولم يُنسَخ بعده أو في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام-، متفق عليه.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم، إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر، متى تدخل العشر الأواخر؟ متى؟ بغروب الشمس من يوم عشرين، النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المعتكَف صبيحة عشرين بعد صلاة الصبح، المتطوِّع أمير نفسه متى شاء دخل، يعني ما يدخل من أثناء النهار أو من أثناء الليل، هذا ما فيه إشكال، لكن من وجب عليه اعتكاف العشر، نذر أن يعتكف العشر الأواخر يلزمه أن يدخل قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين؛ لأن العشر الأواخر تبدأ بغروب الشمس يوم عشرين وأول العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين، كونه -عليه الصلاة والسلام- صلى الفجر ثم دخل معتكَفه.
منهم من يقول: هو في المسجد -عليه الصلاة والسلام- بالمسجد من أول الليل، لكنه احتجر حجرة في المسجد يكون أخص من المسجد، احتجر حجرة في المسجد، فلما صلى الفجر دخل في هذه الحجرة التي يعتكف فيها الجزء الأخص من المسجد، وإن كان الاعتكاف في المسجد يحصل ولو كان من غير احتجار، يعني في عموم المسجد هذا اعتكاف، لكنه كونه يتخذ حجرة أو حجيرة يعتكف بها ويخلو بها أحصر لذهنه، كلما ضاق المكان اجتمع الذهن، بخلاف ما إذا كان المكان فسيحًا، يعني أنت جالس على هذا الكرسي وأنت تنظر إلى الناس مقبلين ومدبرين ومعك كتاب تحفظ، يتيسر لك الحفظ مثل ما لو كنت في مكان ضيِّق محصور قلبك مجتمع ونظرك مقصور؟ أيهما أولى؟
هذا يشتت الذهن، المكان العام، فكون الإنسان في مكان خاص يحتجر حجيرة أو في غرفة صغيرة يتخذها للاعتكاف هذه هي السنة؛ لأنه أجمع للقلب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، يعني هذه الحجيرة التي احتجرها، وإن كان في المسجد قبل ذلك، متفق عليه، واللفظ لمسلم، يعني يخرج إلى المسجد ليصلي بالناس، ثم يرجع إلى معتكفه، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد، وهي في بيتها، يدخل عليها رأسه، يخرج الرأس من المسجد، ويدخل عليها في حجرتها، وهو في المسجد، فأرجله، يعني تسرح شعره -عليه الصلاة والسلام-، وتدهنه، وهكذا ينبغي أن يعنى بالشعر، لا يتشعث الشعر ويؤذي صاحبه، نعم الشعر له كلفة، وله مؤونة، ولولا هذه الكلفة، ولولا هذه المؤونة .. قال الإمام أحمد: لاتخذنا الشعر، ومع ذلك ينبغي أن يرجِّل شعره، والمرأة تخدم زوجها في مثل هذا. والمؤلف ذكر الحديث؛ ليبين أن إخراج جزء من البدن من المسجد لا يؤثِّر في الاعتكاف، لكنه أخرجه لحاجة، حاجة التمشيط، حاجة الترجيل، حاجة التسريح، يعني يخرج الإنسان للحاجة، لكن يبقى أنه لغير حاجة؛ لأن بعض الناس...من هذا أنه إذا أخرجت رأسك ما فيه بأس يقول: لماذا لا أضع فراشًا عند باب المسجد، عند باب المسجد الجسم داخل المسجد، والرأس يتلفت يمينًا وشمالًا، ينظر في الغادي والرائح هذا ليس باعتكاف؛ هذا لأنه قد يفهم من هذا أن هذا لا يؤثر لماذا لا أصنع، أجعل الفراش عند باب المسجد، والجسم كله في المسجد يبقى أن الرأس يمين وشمال خارج المسجد يقول: هذا لا يؤثر؛ لأن الرسول يخرج رأسه، هذا ما صار اعتكافًا هذا، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، حاجة الإنسان التي لا بد منها كقضاء الحاجة والوضوء والغسل إن احتاج إليه والطعام إن منع من إدخاله إلى المسجد، هذه أمور لا بد منها إلا لحاجة إذا كان معتكفًا، أما أن يكون على مزاجه وعلى راحته يقول: أنا متطوع ومعتكف، وأشترط أن أخرج متى شئت، وأدخل متى شئت، الأمر ليس إليك، أنت دخلت في عبادة، لا بد أن تأتي بها على مراد الله -جل وعلا-، وعلى مقتضى سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
بعضهم يشترط أنه يخرج للدوام ويرجع إذا انتهى من الدوام، وبعضهم يشترط أن يخرج لمتجره في وقت من الأوقات، هذا ليس باعتكاف، هذا تلاعب في العبادة، إذا انتهيت من الدوام، وأغلقت الدوائر اعتكف، فلا تخرج من المسجد إلا لحاجة الحاجة التي لا بد منها ليس معنى ذلك أن الاعتكاف ينقض لأدنى حاجة، أما الاعتكاف المنذور الذي أوجبه الإنسان على نفسه هذا لا كلام في المسألة في الاعتكاف الذي يراد به الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لتترتب آثاره عليه من الأجر العظيم ومن الانتفاع في العلم والإيمان واليقين والطمأنينة والصلة بالله -جل وعلا- والقرب منه، أما أن تكون والله على كيفيك ومزاجك اليوم أنا أستثني هذا اليوم؛ لأن عندنا وليمة وكذا، وأستثني في هذا اليوم؛ لأن عندنا كذا هذا ما يكفي، هذا ليس باعتكاف، وإن قال بعض أهل العلم: إنه إذا اشترط فالمسلمون على شروطهم، لكن لا تعتكف إذا كان هذا، إذا كنت تريد أن تخرج لأدنى سبب هذا ما يسمى اعتكافًا، ولا ينطلق عليه اسم الاعتكاف لا لغة ولا شرعًا. رواه البخاري.
وعنها -رضي الله عنها- أنها قالت: السنة على المعتكف ألا يعود مريضًا، ماذا أفضل من عيادة المريض؟ وقد أوجبه الإمام البخاري باب وجوب عيادة المريض، وعامة أهل العلم على استحبابه السنة على المعتكف ألا يعود مريضًا، لماذا؟ لأن الخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة، وإن كانت من أفضل القربات إلا أنها منافية لمقتضى الاعتكاف، وهو لزوم المسجد، ولا يشهد جنازة كذلك، وإن كان الأجر العظيم رُتِّب على الصلاة عليها وحضور دفنها، ولا يمس امرأة {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة:187]، لا يمس امرأة، ولا يباشره، لا يجوز له ذلك؛ لأن هذا مخل بالاعتكاف، وأما ما فوق ذلك فهو مبطل للاعتكاف، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه قد يقول قائل: الدوام لا بد منه نقول: لا بد منه ما يضطر إليه من حاجة لقضاء الحاجة بول أو غائط أو ما أشبه ذلك أو أكل، إذا منع من دخول المسجد، أما إذا أتيح له دخول الأكل في المسجد فإنه لا يجوز له أن يخرج إلا لما لا بد منه إلى هنا مرفوع؛ لأن عائشة تقول: السنة على المعتكف وقول الصحابي السنة أو من السنة له حكم الرفع، وأما بقية الحديث ولا اعتكاف إلا بصوم هذا من قول عائشة، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع، لا اعتكاف إلا بصوم، النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف في رمضان ومن لازم الاعتكاف في رمضان الصوم، لكنه اعتكف العشر الأُوَل من شوال، اعتكف العشر الأُوَل من شوال العيد الذي هو اليوم الأول من شوال النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتكف فيه صلى العيد، وخرج مع الناس.
المقصود أنه لم يعتكف فيه فتُطلَق العشر على الغالب على التسع كما لو قال: يُسَن صيام عشر ذي الحجة، ومعلوم أن العاشر هو يوم العيد، ولا يجوز صيامه بحال كما تقدم، فيُطلَق العشر ويراد بها التسع، فاعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- من ثاني شوال إلى العاشر، ولا يلزم من ذلك أن يكون صائمًا فقولها: ولا اعتكاف إلا بصوم هذا من رأيها واجتهادها، وسيأتي في حديث ضعيف أنه لا يلزم الصيام، ولا تلازم بين الصوم والاعتكاف، ونذر عمر أن يعتكف ليلة في الجاهلية فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: أوفِ بنذرك، والليل ليس محلاًّ للصيام، ولذا المرجَّح أنه لا يلزم في الاعتكاف أن يصوم المعتكِف، وإن اختلف أهل العلم في ذلك، ومنهم من قال: إنه من لازم الاعتكاف أن يكون صائمًا، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع إلا في مسجد جامع، ما معنى جامع يعني يجتمع الناس فيه للصلاة يجمع الناس للصلاة وليس معناه أنه يجمَّع فيه أي تُصلَّى فيه الجمعة، لا يجوز الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه الجماعة، قد يقول قائل: مسجد نمرة مسجد بالإجماع، لكن مَن يصلي فيه؟ يذهب العشر الأواخر يعتكف في مسجد نمرة هذا مسجد جامع لا تقام فيه الجماعة، فلا يصح الاعتكاف فيه وهو مسجد اللهم إلا إذا كانوا هم جماعة يصلون فيه، فلا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، وبعضهم يشترط أن تقام فيه الجمعة، يعني يُجَمَّع فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتكف إلا في مسجده، وتقام فيه الجماعة، وتقام فيه الجمعة.
لكن أهل العلم حينما قالوا: إنه لا يلزم أن يكون يُجَمَّع فيه يعني تقام فيه الجمعة؛ لأن الخروج إلى الجمعة يسير يعني ساعة في الأسبوع ما تضر للخروج إلى صلاة الجمعة، وإن كان جامعًا، فهو أولى لئلا يخرج في الأسبوع، ولا هذه الساعة، رواه أبو داود، وقال غير عبد الرحمن بن إسحاق، وقال غيرُ عبد الرحمن بن إسحاق: لا يقول فيه قالت السنة جعله قول عائشة فجعل الجميع من قولها موقوفًا عليها.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» هذا الحديث رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ، فلم يقله -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو من قول ابن عباس واجتهاده -رضي الله عنه وأرضاه-، وفيه الخلاف الذي تقدَّم.
"قال -رحمه الله-:
باب ليلة القدر.."
بابٌ في ليلة القدر، عندك في...؟ طيب.
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: اعتكفنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال: «إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو قال: نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع». فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته، متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر قال: «ليلة سبع وعشرين» رواه أبو داود، وقد روي موقوفًا. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أي ليلة أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي قوله نظر، والله سبحانه وتعالى أعلم."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب في ليلة القدر ليلة القدر ليلة عظيمة الشأن نزل فيها القرآن، بدأ تنزيله في ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، كما نطق بذلك الكتاب، وأي فضل يجتمع في ليلة واحدة، ما يجتمع في أكثر من ثمانين سنة هذه الأجور، وهذه المضاعفات من حرمها حرم الخير كله، من حرمها حرم الخير كله، من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، فتجد بعض الناس يتراخى ويتساهل في قيام رمضان، وجاء فيه ما جاء، وفي قيام العشر التي تُرجى فيها ليلة القدر أكثر من غيرها، وفي الأوتار التي جاء فيها وفي السبع الأواخر وفي الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر تجد بعض الناس يستثقل قيام هذه الليلة مع أنها خير من ألف شهر، يعني لو قيل للإنسان: لو ذهبت إلى الصين، واستوردت بضاعة، وتحملت عناء السفر والسهر في مدة لا تقل عن أسبوع مثلاً، وأنت تربح الأرباح الطائلة البضاعة التي تحضرها بألف تكسب من ورائها أضعافًا، يعني تشتري بضاعة بمائة ألف يمكن تبيعها بثلاثمائة ألف، أربعمائة ألف، ثلاثة أضعاف، وهنا في ليلة واحدة يقومها إيمانًا واحتسابًا يُغفر له ما تقدم من ذنبه، ويكون أجره فيها كأجره فيما لو قام ثلاثًا وثمانين سنة أو أكثر ليس فيها ليلة القدر، وليلة القدر من خصائص هذه الأمة، وبعض المبتدعة يقول: إنها رفعت، وفي الحديث تلاحى فلان وفلان فرفعت، أي رفع العلم بها، رفع العلم بها، تحديد الليلة التي أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخبرهم بها من شؤم هذه الخصومة والتلاحي رفع العلم بها، وبقي حكمها.
وجاءت الأدلة القطعية على أنها باقية في هذه الأمة، وأنها لم ترفع، وإن رفع العلم بها، ولرفع العلم بها جاءت الأحاديث الكثيرة، مما يدل على أن الإخفاء مقصود شرعي مقصود شرعي، النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيَّد بالوحي جاءه من يقول: إنه رأى ليلة القدر في كذا، جاءه من يقول: إنه رأى ليلة القدر في كذا، وهو مؤيد بالوحي، فلم يخبرهم عنها تحديدًا؛ لئلا يتكل الناس على ليلة معيَّنة، ولا يقوموا غيرها، وإخفاء ليلة القدر كإخفاء ساعة الجمعة من باب أن يكثر الناس التعبد لله -جل وعلا- فتكثر بذلك أجورهم، ونسمع في بعض الليالي من العشر من يرى رؤيا ويشيعها بين الناس، وأن هذه الليلة بالتحديد هي ليلة القدر هذا خلاف الهدي النبوي والرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيَّد بالوحي، جاءه أكثر من واحد يخبره عن ليلة القدر، وأنه رآها وقال: «أرى رؤياكم قد تواطأت» يعني اتفقت، ولما كان الإخبار عنها بدقة يخالِف المقصد الشرعي والهدف الشرعي من إحياء هذه الليالي العظيمة لم يشأ النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحددها لهم، بل جاء في أحاديث يُقصَد منها عدم التحديد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام، أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، ما قالوا في ليلة بعينها؛ لأن هذا مقصود، خلاف ما يفعله بعض الناس ويشيعه، وجاءت هذه الآلات؛ لتعمم الإشاعات في أسرع وقت، ويظنون أن هذا من التعاون على البر والتقوى، التحديد هذا ليس من التعاون على البر والتقوى، وليس هذا أفضل من النبي -عليه الصلاة والسلام- في التعمية التي في حدود وإطار ما يستطيعه الإنسان، يعني ما حصلت التعمية في العام ليكلَّف الناس قيام السنة كلها، ولا في كل شهر رمضان حتى، يعني في العشر الأواخر، فإذا كان الإنسان يعجز عن القيام في العشر الأواخر، ويعجز أن يمثل بين يدي ربه في هذه الليالي العظيمة الفاضلة التي فيها الأجور التي لا تُحَد، فمتى يستطيع أن يعبد ربه على الوجه المطلوب؟
أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أرى رؤياكم قد تواطأت، أرى رؤياكم قد تواطأت» يعني توافقت في السبع الأواخر، ما قال: في الليلة الفلانية، «فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» بدءًا من ليلة ثلاث وعشرين إذا كان الشهر ناقصًا أو تامًّا؟
طالب: ..........
لا، ناقصًا ومن ليلة أربع وعشرين إذا كان الشهر تامًّا، ليلة أربع وعشرين هي سابعة تبقى مع تمام الشهر، وقال بها جمع أهل البصرة، كلهم على أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، يقول أنس والحسن وجمع من أهل البصرة: وبعضهم يقول: هي ليلة إحدى وعشرين بالتحديد؛ لما سيأتي، يعني أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أريها، وأنه رأى أنه يسجد في ماء وطين، وكانت ليلة إحدى وعشرين، ومنهم من يقول: ليلة ثلاث وعشرين؛ لأنها سابعة تبقى على احتمال نقص الشهر، والشهر تسع وعشرون، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ومنهم من يقول: ليلة أربع، ومنهم من يقول: خمس، ومنهم من يقول: ست؛ لأنها خامسة تبقى على اعتبار التمام، ومنهم من يقول: سبع على ما سيأتي، وهذا يرجحه كثير من الصحابة والتابعين والأئمة أنها ليلة سبع وعشرين، ومنهم من يقول: هي آخر ليلة من رمضان.
على كل حال الأقوال في ليلة القدر بلغت أكثر من أربعين قولاً أشار إليها الحافظ في البلوغ، وذكرها تفصيلاً في فتح الباري أكثر من أربعين قولاً، والمرجَّح من هذه الأقوال أنها ليست في ليلة معيَّنة، وإنما تنتقل في ليالي العشر، في ليالي العشر الأخيرة، تنتقل الليلة هذه السنة يمكن واحد وعشرين، الماضية يمكن ثلاث وعشرين، التي تليها يمكن في سبع وعشرين، وهكذا ليلة منتقلة، ويدل عليها مجموع الأحاديث التي تدل على أن السابعة الباقية، ويحتمل أن تكون ثلاثًا وعشرين أو أربعًا وعشرين أو ليلة سبع وعشرين أو ليلة إحدى وعشرين، هذا يدل على أنها متنقلة وليست ثابتة.
ولها علامات منها أنها ليلة طلْقة بلْجة، جوُّها معتدل، لا حر ولا قر، ومنها علامات جاءت بها النصوص كطلوع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع، ومنهم من يقول أن البحار تسكن، والكلاب لا تنبح، ومنها.. أشياء كثيرة منها ما له دليل، ومنها ما لا دليل عليه.
المقصود أن الإنسان يبذل ويفعل ما يستطيع في ليالي العشر، علَّه أن يصادِف هذه الفرصة العظيمة التي لا تعوَّض، إذا فاتت لا تعوَّض، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر، طيب ماذا عن ليلة إحدى وعشرين، وفيها النص، النص الصحيح الصريح المتفق عليه ليلة إحدى وعشرين على ما سيأتي نقول: يتحراها في العشر الأواخر، فإذا فاتت ليلة إحدى وعشرين واثنين وعشرين وثلاثة وعشرين يتحراها في السبع الأواخر، فليتحرها في السبع الأواخر، وهي أرجى من غيرها، وقد تكون في السنة التي في عهده -عليه الصلاة والسلام- ليلة واحد وعشرين، ثم انتقلت بعد ذلك، وليست مستقرة في ليلة معيَّنة، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: اعتكفنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العشر الأوسط من رمضان، يعني يرجو أن يصادف ليلة القدر، قالوا: يخبَر بأنها في العشر الأواخر، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا فقال: «إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها»، هذا النسيان لحكمة عظيمة؛ لئلا يتكل الناس على ليلة واحدة، بل من أجل أن يكثر الناس من التعبد والانطراح والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، ثم أنسيتها أو قال: نَسِيتها، أو نُسِّيتها «لا يقل أحدكم نَسِيْت آية كذا وكذا فليقل نُسِّيت أو أُنسِيْت» هذا في الصحيح؛ لئلا يدخل في قوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [سورة طـه:126] يقول: أُنسِيتها أو نسِّيتها.
«فالتمسوها في العشر الأواخر، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر» يعني الأوتار أرجى، لكن هل يجزم بأن الأوتار واحدًا وعشرين، ثلاثًا وعشرين أو خمسًا وعشرين، سبعًا وعشرين، تسعًا وعشرين، مع أنه يقول: التمسوها في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، إلى آخره، هذا إذا كان الشهر تامًّا فهي في الأشفاع ليست في الأوتار، وعلى هذا هذه النصوص مجتمعة تدل على أن تعميتها وعدم تحديدها بدقة مقصد وهدف شرعي.
«وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» يعني في العشر الأواسط «فليرجع إلى معتكفه» فرجعنا وما نرى في السماء قزعة صحو، ما فيها سحاب، فجاءت سحابة فمطرت، أنزلت ما فيها من مطر، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسجد في الماء والطين، الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، إلا جاءت مثل فلق الصبح، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته؛ لأن المسجد من جريد النخل، قال: فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، من جريد النخل، السقف والأعمدة من جذوع النخل، وكان من جريد النخل يعني السقف، وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته -عليه الصلاة والسلام-، متفق عليه.
هذا دليل على أن ليلة القدر في تلك السنة هي ليلة إحدى وعشرين، ومن أهل العلم من يطرد ويرجح أن ليلة القدر في كل سنة ليلة إحدى وعشرين لهذا الحديث، لكن المرجَّح كما قلنا إنها تنتقل، متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن معاوية بن أبي سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر، يعني في شأن ليلة القدر قال: ليلة سبع وعشرين، رواه أبو دود، وقد روي موقوفًا، والموقوف أصح، فهو من قول معاوية -رضي الله عنه-، هذا اختياره، وهذا ترجيحه من خلال النظر في جميع ما جاء من النصوص، وليلة سبع وعشرين هي أرجى الليالي من غير أن يجزم بها في مذهب الإمام أحمد وجمع من أهل العلم أنها ليلة سبع وعشرين، وليلة سبع وعشرين لها شأن عند المسلمين، وترون ما يحصل من الزحام في الحرمين، وغيرهما في هذه الليلة؛ لأنها أرجى ليلة عند جمع من أهل العلم بما في ذلك المذهب عند الحنابلة، لكن كما قلنا، المرجَّح أنها تنتقل.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ علمت، كيف تعلم؟ بعلامات وأمارات ودلالات جاء بعضها منصوصًا عليه وبعضها قد يكون بتوفيق الله -جل وعلا- لهذا الشخص أن ينشرح صدره للدعاء، ويحس بالارتياح مع الهدوء في هذه الليلة والإقبال عليها، وسكون الجو، يعني قد يستدل بعلامات وأمارات ما يغلِّب عليه أن هذه ليلة القدر، ما يغلب على ظنه أن هذه ليلة القدر، بعض العلماء يقول: إن أجر ليلة القدر لا يحصل إلا لمن علمها، هذا قول كثير من أهل العلم، وقول معتبر عندهم.
قالت: إن علمتُ فالأجر مرتَّب على العلم عند جمع من أهل العلم، والمرجَّح والمحقق أنها يحصل أجرها ولو لم يعلم مادام قام ليالي العشر على الوجه المطلوب، وحضر قلبه، ودعا دعا الله -جل وعلا- بقلب مقبل غير لاهٍ ولا ساهٍ، بغير إثم ولا قطيعة رحم، أنه يحصل له أجرها ولو لم يعلم، يعني العامي الذي يستغفر أو يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، ولا يعرف الأجر المرتَّب على ذلك هل نقول: إنه لا يحصل له الأجر؟ أذكار رتب عليها أجور سمعها العوام وصاروا يرددونها، ولا يعرفون هذه الأجور، حتى بعض طلاب العلم يسمع في أول الأمر أن هذا الذكر رُتِّب عليه كذا، ثم يلزمه وينسى ما رتب عليه، هل نقول: إنه لا يحصل له الأجر إلا إذا استحضره؟
لا، يحصل له الأجر؛ لأن الأجر رتب على القول، وقد حصل القول، أجر ليلة القدر رُتِّب على القيام، وقد حصل القيام، وليس بيد العبد إلا هذا، فالقول بأن أجرها لا يحصل إلا لمن علمها هذا قول مرجوح، وإن قال به من قال من الأئمة، فالأجر أجر من الله -جل وعلا-، وفضله لا يُحَد، وكثير من المسلمين يقوم ليلة القدر، ويبذل من نفسه، ويعطي من نفسه، ويدعو ويصلي ويذكر الله -جل وعلا- على ما أمر به وما طلب منه، وما وراء ذلك ليس بيده.
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ هي تريد دعاءً جامعًا يجمع خير الدنيا والآخرة.
قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، هذا من أفضل ما يقال في ليلة القدر وفي غير ليلة القدر، يعني لا يُظَن أن هذا الدعاء خاص بليلة القدر، يعني شخص سمع شخصًا يدعو في سجوده: اللهم إنك تحب عفو تحب العفو فاعف عني، سلم قال له جاره: أتظنها ليلة القدر؟! مثل شخص رأى شابًّا يقول: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، قال: هل وصلت الأربعين؟! يعني بعض الناس يرى الاقتران ملزِمًا، الاقتران ملزمًا، هنا في ليلة القدر قال: قولي «اللهم إنك عفو..» هذا من أجمع الأدعية، ويقال في كل وقت، لكن كونه يركز عليه في ليلة القدر؛ لأنه دعاء جامع؛ لأنها مظنة إجابة، يعني ما الذي يمنع أن تقول ذلك في سجودك في الثلث الأخير، وقت النزول الإلهي، في ساعة الجمعة، في غيره، في عشية عرفة تأتي بالأدعية الجوامع، ومنها هذا، ولا يرتبط مثل هذا الخبر يكون شرطًا لأن يقال في ليلة القدر، هذا الكلام ليس بصحيح، يعني هل المسلم الشاب الذي في العشرين أو قبل العشرين غني بأن يدعو الله -جل وعلا- أن يلهمه الشكر؟!
هل هو غني عن هذا؟ يلتفت عليه يقول: أنت بلغت الأربعين، يعني هذا خاص بمن بلغ الأربعين؟ لا، كما أن هذا الدعاء ليس بخاص بليلة القدر، يعني بعض الناس يرتبط عنده الشيء بالشيء الذي ذكر معه، فلا يستطع أن يفك، نعم هناك أمور مشترطة، هناك أمور لا تقال إلا في مواضعها، أمور لا تقال إلا في مواضعها، يعني جاء النهي عن قراءة القرآن حال الركوع والسجود، هل للإنسان أن يقرأ مستدلاًّ بأن من قرأ القرآن وهو أفضل الأذكار له بكل حرف عشر حسنات، يعني لا نقول هذا ليس محله؛ لأنه جاء النهي عنه، أما ما عدا ذلك فما جاء فيه الإطلاق يذكر بإطلاق، وما جاء فيه التقييد يقيد، لكن ليس على سبيل التقييد أنه لا يقال إلا في ليلة القدر، وليس فيه ما يدل على الحصر في الوقت. رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. وفي قوله نظر.
وفي قوله نظر؛ لأن في رواته من لم يخرِّج له الشيخان، لأن في رواته من لم يخرج له الشيخان.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى له وأصحابه أجمعين.
"نحن على موعد مع موسم عظيم من أعظم المواسم وأفضل الأوقات وهو شهر رمضان الذي تكفر فيه السيئات وتعظَّم فيه الحسنات والدرجات فعلى الإنسان أن يستغل هذه المواسم يعني أهل التجارات يستغلون مواسم الكسب في حطام الدنيا الذي قد يكون وبالا على من تعب عليه فكيف بموسم يقرب إلى الله جل وعلا ومن مرضاته وجناته ويكون سببا في العتق من النار لا يفرط في هذا إلا محروم ونحن نرى بعض طلاب العلم لا تجد فرقا عندهم بين الأيام الفاضلة والأيام العادية الله جل وعلا هو رب الشهور والأعوام والأوقات ورب الخلق كلهم وهو معبود في كل زمان وفي كل مكان لكن ما جاءت الأدلة لتبين مزية هذه الأوقات وهذه الفرص إلا من أجل أن يستغلها المسلم ما قيلت عبثا وكوننا لا نفرِّق بين شعبان ورمضان ولا بين صفر والعشر من ذي الحجة أو ما أشبه ذلك هذا يدل على أنه لا اهتمام ولا اكتراث بما يقربنا إلى الله جل وعلا فعلينا جميعا أن نتجه في هذا الشهر الكريم وقبل هذا الشهر الكريم ليكون توطئة وتمرين في بقية هذه الأيام يقبل الإنسان على ربه ليعتاد العبادة ويبادر بتوبة نصوح تهدم وتجب ما كان قبلها من مخالفات فيستقبل شهره العظيم بقلب سليم ونية صالحة صادقة وبذمة فارغة غير مشغولة بمخالفات وما أشبه ذلك ليتسنى لنا أن نتجه إلى الله جل وعلا بقلوب مقبلة في هذا الموسم العظيم يعني بعض الناس تجده في آخر لحظة يقول خلاص انتهى شعبان وأقبل رمضان نقبل على الله جل وعلا فإذا جرب نفسه وقلبه ما وجد فرق وهو ساجد في صلاة التهجد مثلا في رمضان تجده يفكر في كذا وكذا وكذا ما كان يشغله قبل رمضان لأنه ما تعوّد على إحضار القلب في عباداته وفي تعامله مع الله جل وعلا تجده إذا أراد الإقبال في أوقات الضيق والشدة تجده لا يجد من قلبه شيء والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وهذا شيء مشاهَد مع الأسف تجد بعض الناس يجاور ويعتكف في العشر الأواخر ثم يحاول أن يصلي زيادة ركعات أو يطيل الركوع والسجود ويحاول حضور القلب ولا يستطيع يحاول أن يفتح المصحف ليقرأ القرآن ويكثر من قراءة القرآن لا يستطيع ورأينا من يفتح المصحف من بعد صلاة العصر هنا في هذا المسجد ويأتي لصلاة العصر ولا يرجع إلى بعد التهجد ثم الحصيلة في هذه المدة كلها جزء أو جزئين لماذا؟ لأنه ما تعود يفتح المصحف ثم يقرأ دقيقة أو دقيقتين ثم يلتفت يمينا وشمالا عله أن يظهر يظفر بفلان أو علان إن مر بها وإلا ذهب هو يبحث عن الناس لأن المسألة تحتاج إلى تعوُّد تحتاج إلى مران والقلب لا يأتي بسهولة أو بيوم أو يومين لا، يحتاج إلى أن يتعود والنفس تحتاج إلى جهاد بعض الناس يقول لماذا لا يتلذذ بمناجاة الله جل وعلا لا بد أن تجاهد قبل ذلك لا بد أن يسبق ذلك مرحلة جهاد جهادنا وكابدنا قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذنا به عشرين سنة لا شك أن ما يوصل إلى الجنة مكروه لدى النفوس حفت الجنة بالمكاره لكن هذه مرحلة ابتلاء وامتحان فإذا علم الله جل وعلا صدق النية أعان على التلذذ إذا كان الإنسان يتلذذ بطاعة الله بمناجاة الله بعبادة الله هذا في جنة الدنيا الذي يراه الناس ضيق وحسره الإنسان بس حاصر نفسه على قراءة وصلاة وبعدين ما يستانس مع الناس ولا ولا رحلات ولا نزهات ولا ولا انبساط ولا نكت ولا.. هذه هي جنة الدنيا؟! في الدنيا جنة يقول أهل العلم من لم يدخل لم يدخل جنة الآخرة وهو التلذذ بعبادة الله جل وعلا التلذذ بمناجاة الله جل وعلا بقراءة كتابه على الوجه المأمور به.
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه
كأنما خاطب الرحمن بالكلم
ورمضان هو شهر القرآن وسمعنا فيما تقدم أن جبريل يدارس النبي -عليه الصلاة والسلام- في رمضان في كل ليلة مرة واحدة وفي رمضان الذي قبض بعد دارسه القرآن مرتين فلنحرص على مدارسة القرآن في ليالي رمضان وعلى تلاوة القرآن في نهار رمضان لأنه شهر الصيام والقيام وهو أيضا شهر القرآن.